باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السابع عشر من ديسمبر سنة 2022م،
الموافق الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة 1444 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد
الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن
سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 1 لسنة 41
قضائية دستورية"
المقامة من
علاء الدين سعد خطاب موسى
ضــــد
1- رئيس مجلــس الوزراء
2- وزيــر المالية، بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب المصرية
3- رئيس مصلحة الضرائب المصرية، بصفته رئيس مجلس إدارة صندوق الرعاية
الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب المصرية
--------------
" الإجـراءات "
بتاريخ الثامن من يناير سنة 2019، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم
كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية البندين ( أ، ب) من
الفقرة (3) من المادة (19) من النظام الأساسي لصندوق الرعاية الاجتماعية والصحية
للعاملين بمصلحة الضرائب العامة الصادر بقرار وزير المالية رقم 1522 لسنة 2003،
المستبدلة بقرار رئيس مصلحة الضرائب المصرية رقم 185 لسنة 2011.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدمت هيئة قضايا
الدولة مذكرة، طلبت في ختامها الحكم أصليًّا: بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى،
واحتياطيًّا: برفضها. كما قدم المدعي مذكرة صمم فيها على طلباته، وطلب الحكم
بإلزام المدعى عليه الثالث بصرف ما لم يُصرف له من منحة نهاية الخدمة. وقررت
المحكمة إصدار الحكم في الدعوى بجلسة اليوم.
--------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق-
في أن المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 8718 لسنة 70 قضائية، أمام محكمة القضاء
الإداري بالقاهرة، ضد المدعى عليهما الثاني والثالث، طالبًا الحكم بإلزامهما بصرف
منحة نهاية الخدمة من صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب
العامة، بواقع خمسمائة شهر، وصرف مقابـل ما لم يصرف له منها ومقداره
ثلاثمائة وعشرون شهرًا، مع الفوائد المستحقة قانونًا. وقال شرحًا لدعواه، إنه عُين
بمصلحة الضرائب بتاريخ 1/ 7/ 1985، واستمر في العمل بها حتى شغل وظيفة بدرجة مدير
عام، وعقب حصوله على درجة الدكتوراه في الحقوق، عُين مدرسًا بكلية الحقوق - جامعة
حلوان، فتقدم باستقالته من العمل بمصلحة الضرائب المصرية بتاريخ 30/ 11/ 2014،
وصُرفت له منحة نهاية الخدمة من صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين
بالمصلحة، بمقدار مائة وثمانين شهرًا، من آخر مرتب أساسي كان يتقاضاه، رغم قضائه
ثلاثين عامًا في الخدمة، واستحقاقه تلك المنحة كاملة أسوة بزملائه. وبجلسة 27/ 2/
2017، حكمت المحكمة بعدم اختصاصها ولائيًّا بنظر الدعوى، وبإحالتها إلى محكمة جنوب
القاهرة الابتدائية. ونفاذًا لهذا الحكم قُيدت الدعوى أمامها برقم 2255 لسنة 2017
عمال كلي، وبجلسة 24/ 4/ 2018، قضت المحكمة برفض الدعوى، استنادًا إلى نص المادة
(19) من النظام الأساسي لصندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة
الضرائب، التي حددت منحة نهاية الخدمة في حالة استقالة العضو الذي تجاوز سن الخمسين،
بواقع ستة أشهر من آخر مرتب أساسي تقاضاه، عن كل سنة من سنوات الخدمة. وإذ لم يرتض
المدعي ذلك الحكم، طعن عليه أمام محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 4164 لسنة
135 قضائية، وحال نظره، دفع الحاضر عن المدعي بعدم دستورية الفقرة الثالثة من
المادة (19) من النظام الأساسي لصندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة
الضرائب المصرية، بعد تعديلها بقرار رئيس مصلحة الضرائب المصرية رقم 185 لسنة
2011، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام
الدعوى المعروضة، ناعيًا على النص المطعون فيه مخالفته ديباجة الدستور، ونصوص
المواد (4، 8، 9، 12، 17، 23، 53، 92، 227) منه.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تقرير اختصاصها ولائيًّا بنظر
دعوى بذاتها يسبق الخوض في شروط قبولها أو موضوعها. ولما كان الدستور الحالي قد
عهد بنص المادة (192) منه، إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بتولي الرقابة
القضائية على دستورية القوانين واللوائح، وكان قانون المحكمة الدستورية العليا
الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، قد بيًّن اختصاصاتها وحدد ما يدخل في ولايتها
حصرًا، مستبعدًا من مهامها ما لا يندرج تحتها، فخولها اختصاصًا منفردًا بالرقابة
على دستورية القوانين واللوائح، وينحصر هذا الاختصاص في النصوص التشريعية
أيًا كان موضوعها أو نطاق تطبيقها أو الجهة التي أصدرتها، فلا تنبسط هذه
الولاية إلا على القانون بمعناه الموضوعي باعتباره منصرفًا إلى النصوص القانونية
التي تتولد عنها مراكز قانونية عامة مجردة، سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات
الأصلية التي أقرتها السلطة التشريعية، أم تضمنتها التشريعات الفرعية التي
تصدرها السلطة التنفيذية في حدود صلاحيتها التى ناطها الدستور بها، وأن
تنقبض تلك الرقابة - تبعًا لذلك - عما سواها.
وحيث إن المادة الثانية والخمسين من القانون رقم 46 لسنة 1978 بشأن
تحقيق العدالة الضريبية، قبل إلغائه بالقانون رقم 157 لسنة 1981 قد نصت على أن
تؤول حصيلة الغرامات والتعويضات المحكوم بها نهائيًّا طبقًا لأحكام القانون رقم 14
لسنة 1939 والقانون رقم 99 لسنة 1949 المشار إليهما إلى صندوق الرعاية الاجتماعية
والصحية للعاملين بمصلحــة الضرائب.
ويصدر قرار من وزير المالية بتحديد نظام هذا الصندوق وموارده الأخرى
وأغراضه وكيفية إدارته، وعلى الجهات المختصة بتحصيل المبالغ المشار إليها في
الفقرة السابقة أن تقوم بتوريدها إلى الصندوق في المواعيد التي يحددها وزير
المالية بقرار منه.
وإعمالاً لهذا التفويض التشريعي، أصدر نائب رئيس مجلس الوزراء للشئون
الاقتصادية والمالية ووزير الاقتصاد القرار رقم 19 لسنة 1981، متضمنًا إنشاء صندوق
الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب، مبينًا أهدافه، وكيفية
إدارته، وموارده، والخدمات التي يضطلع بها حيال أعضائه، وكافة ما يتعلق بنظامه
الأساسي.
وحيث إنه بتاريخ 4/ 11/ 2003، أصدر وزير المالية القرار رقم 1522 لسنة
2003 في شأن تعديل النظام الأساسي لصندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين
بمصلحة الضرائب العامة - على سند من نص المادة (195) من قانون الضرائب على الدخل
الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981، مستبدلاً بالأحكام التي تضمنها قرار نائب رئيس
مجلس الوزراء للشئون الاقتصادية والمالية ووزير الاقتصاد رقم 19 لسنة 1981 أحكامًا
جديدة. ونصت المادة (19) من قرار وزير المالية المشار إليه على أن يقدم الصندوق
للأعضاء الخدمات الاجتماعية الآتية:
(أ)...... (ب)........
(ج) في حالة استقالة العضو من المصلحة (استقالة صريحة أو ضمنية) تُصرف
له منحة توازى مرتب شهرين من آخر مرتب أساسي تقاضاه عن كل سنة من سنوات خدمته بها
مخصومًا منها ما استفاد به من خدمات وتُجبر كسور السنة لصالح العضو.
..............
وبتاريخ 3/ 3/ 2011، أصدر رئيس مصلحة الضرائب المصرية القرار رقم 185
لسنة 2011 المطعون فيه، ناصًا على أن يُستبدل بنص المادة (19) فقرة (أ) من لائحة
صندوق الرعاية الصحية والاجتماعية للعاملين بالضرائب العامة النص التالي:
مادة (19): يُقدم الصندوق للأعضاء الخدمات الاجتماعية الآتية:
- منحة توازى 500 شهر من المرتب الأساسي (خمسمائة شهر من المرتب
الأساسي) في الحالات الآتية:
(1) عند إحالة العضو للتقاعد بسبب بلوغ السن القانونية أو بسبب الحالة
الصحية العجز الكلى أو الجزئي المنهي للخدمة ويُشترط لصرف المنحة كاملة عند
الإحالة للتقاعد بسبب بلوغ السن القانونية أن يكون العضو قد أمضى خمسة وعشرين سنة
على الأقل في خدمة المصلحة وإلا قُسمت المنحة على خمسة وعشرين جزءًا ويُمنح له
القدر الذى يتناسب مع سنوات خدمته التي سدد عنها اشتراكات الصندوق وتُجبر كسور
السنة لصالح العضو.
(2) عند وفاة العضو تُصرف هذه المنحة لورثته الشرعيين وتُقسم بينهم طبقًا
لقانون الميراث.
(3) في حالة استقالة العضو من المصلحة ( استقالة صريحة أو ضمنية) تُصرف له
منحة على النحو التالي:
أ - بالنسبة لمن لم يبلغ سن الخمسين عامًا وقت الاستقالة - توازى
أربعة أشهر من آخر مرتب أساسي تقاضاه عن كل سنة من سنوات خدمته بها.
ب - بالنسبة لمن تجاوز سن الخمسين عامًا تكون المنحة بواقع ستة أشهر
من آخر مرتب أساسي تقاضاه عن كل سنة من سنوات خدمته بها.
...............
متى كان ما تقدم، وكان القرار المطعون فيه، قد جاء متضمنًا قواعد
تنظيمية، عامة مجردة، تسري على المخاطبين بها، في مجال تأمينهم صحيًّا
واجتماعيًّا، فإنه ينحل بهذه المثابة، إلى تشريع بمعناه الموضوعي، على النحو الذي
قصده الدستور والقانون، وعلى ضوء مضمونه تتحدد دستوريته. ومن ثم، فإن الفصل في
دستورية هذا القرار يدخل في نطاق الرقابة التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا
على دستورية القوانين واللوائح، مما يغدو معه الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة
بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى فاقدًا لسنده، جديرًا بالالتفات عنه.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية -
مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون
الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها،
المطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول طلب
المدعي صرف منحة نهاية الخدمة المستحقة له بما يقابل خمسمائة شهر من آخر مرتب
أساسي تقاضاه، وصرف ما لم يُصرف له منها، وكان نص المادة (19) من قرار
وزير المالية رقم 1522 لسنة 2003، المستبدلة بقرار رئيس مصلحة الضرائب المصرية رقم
185 لسنة 2011، هو المحدد لأحوال استحقاق تلك المنحة - شروطًا ومقدارًا - وكان
المدعي قد تجاوز سن الخمسين عامًا وقت تقديم استقالته، ومن ثم فإن المصلحة في
الدعوى المعروضة تكون متحققة، ويتحدد نطاقها في البند (ب) من الفقرة (3) من المادة
(19) من قرار رئيس مصلحة الضرائب المصرية رقم 185 لسنة 2011 السالف الذكر.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن ما قررته ديباجة
دستور جمهورية مصر العربية تعتبر مدخلاً إليه، وتكوّن مع الأحكام التي ينتظمها
كلاً غير منقسم، ذلك أن الديباجة - التي تسميها بعض الدساتير العربية بالتوطئة،
دلالة على اتصالها بالدستور واندماجها في أحكامه - يعبران معًا عن الإرادة الشعبية
ونتاجها في مجتمعاتها، لتؤكد به الدولة القانونية عزمها على أن تصوغ بمختلف
سلطاتها، تصرفاتها وأعمالها وفق أحكامه، باعتباره القاعدة الأسمى لنظام الحكم
فيها، وعمادًا للحياة الدستورية بكل أقطارها.
وحيث إن ديباجة الإعلان الدستوري الصادر في 13/ 2/ 2011 - الذي صدر
القرار المطعون فيه في ظل العمل به - تنص في فقرتها الثانية على: إن المجلس الأعلى
للقوات المسلحة يؤمن إيمانًا راسخًا بأن حرية الإنسان وسيادة القانون، وتدعيم قيم
المساواة والديمقراطية التعددية والعدالة الاجتماعية واجتثاث جذور الفساد، هي أسس
المشروعية لأي نظام حكم يقود البلاد في الفترة المقبلة.
وحيث إن تعطيل العمل بأحكام دستور 1971، بمقتضى الإعلان الدستوري
الصادر في 13 فبراير سنة 2011، ولئن جاء عامًّا، لم يخص الأحكام المتعلقة بنظام
الحكم في الدولة وحدها، فإن تعطيل الأحكام المتعلقة بالحقوق والحريات والواجبات
العامة وسيادة القانون، تنهـدم - في حال التسليم به - سائر أطـر الدولة القانونية،
إذ من غير الجائز - بحال - أن تكون الأحكام المتعلقة بحقوق وحريات الأفراد محلاً
للتعطيل، لأنها أحكام - وإن خلت من بعضها الوثيقة الدستورية -فإنها تندمج بالضرورة
مع سائر أحكامها، في وحدة عضوية متماسكة، اعتبارًا بأن طبيعتها تتأبى على الوقف،
وتستعصي على التعطيل، ومن ثم، فإن هذه المحكمة تسلط - دومًا - رقابتها الدستورية،
على سائر التشريعات الأصلية والفرعية التي تنظم الحقوق والحريات والواجبات العامة،
وإن سكتت عن بيانها الوثيقة الدستورية، صونًا لها من أي تعدٍ، ينـال من جوهرهـا،
أو يُهدر مدلولها، أو يطأ مفهومها.
وحيث إن مبدأ خضوع الدولة للقانون مؤداه ألا تخل تشريعات الدولة
بالحقوق التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضًا أوليًّا لقيام
الدولة القانونية، وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان، ومنها الحقوق المتصلة بالحرية
الشخصية.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن التحقق من استيفاء النصوص
التشريعية لأوضاعها الشكلية، يعتبر أمرًا سابقًا بالضرورة على الخوض في عيوبها
الموضوعية، كما أن الأوضاع الشكلية سواء في ذلك تلك المتعلقة باقتراحها أو إقرارها
أو إصدارها أو نفاذها، إنما تتحدد على ضوء ما قررته في شأنها أحكام الدستور
المعمول بها حين صدورها.
وحيث إن كل قاعدة قانونية لا تكتمل في شأنها الأوضاع الشكلية التي
تطلبها الدستور فيها، كتلك المتعلقة باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها أو شروط
نفاذها، إنما تفقد مقوماتها باعتبارها كذلك، فلا يستقيم بنيانها، وكان تطبيقها في
شأن المشمولين بحكمها - مع افتقارها لقوالبها الشكلية - لا يلتئم ومفهوم الدولة
القانونية التي لا يتصور وجودها ولا مشروعية مباشرتها لسلطاتها، بعيدًا عن خضوعها
للقانون وسموه عليها باعتباره قيدًا على كل تصرفاتها وأعمالها.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن نشر القاعدة القانونية ضمانٌ
لعلانيتها وذيوع أحكامها واتصالها بمن يعنيهم أمرها، وامتناع القول بالجهل بها،
وكان هذا النشر يُعتبر كافلاً وقوفهم على ماهيتها ومحتواها ونطاقها، حائلاً دون
تنصلهم منها، ولو لم يكن علمهم بها قد صار يقينيًّا، أو كان إدراكهم لمضمونها
واهيًا، وكان حملهم قبل نشرها على النزول عليها - وهم من الأغيار في مجال تطبيقها
- متضمنًا إخلالاً بحرياتهم أو الحقوق التي كفلها الدستور لهم، دون التقيد
بالوسائل القانونية التي حدد تخومها وفَصَّل أوضاعها، فقد تعين
القول بأن القاعدة القانونية التي لا تُنشر، لا تتضمن إخطارًا كافيًا
بمضمونها ولا بشروط تطبيقها، فلا تتكامل مقوماتها التي اعتبر الدستور تحققها
شرطًا لجواز التدخل بها لتنظيم الحقوق والواجبات على اختلافها، وعلى الأخص ما اتصل
منها بصون الحرية الشخصية والحق في الملكية.
متى كان ما تقدم، وكان الثابت بالأوراق أن قرار رئيس مصلحة الضرائب
المصرية رقم 185 لسنة 2011 - المطعون فيه - لم يُنشر في الجريدة الرسمية الوقائع
المصرية، ومن ثم فإن تطبيقه دون نشره، يخالف مفهوم الدولة القانونية،
ويجترِئ على الحرية الشخصية، مما لزامه الحكم بعدم دستوريته.
وحيث إن مقتضى حكم المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا -
بعد تعديلها بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 168 لسنة 1998 - هو عدم تطبيق النص
المقضي بعدم دستوريته على الوقائع اللاحقة لليوم التالي لتاريخ نشر الحكم الصادر
بذلك، وكذلك على الوقائع السابقة على هذا النشر، إلا إذا حدد الحكم الصادر بعدم
الدستورية تاريخًا آخر لسريانه. لما كان ذلك، وكان إعمال الأثر الرجعي للحكم بعدم
دستورية القرار المطعون فيه، مؤداه رد العاملين بمصلحة الضرائب - ومن بينهم المدعي
- المبالغ السابق أداؤها إليهم، إعمالاً للقرار ذاته، وهو ما يترتب عليه - حال
إعمال الأثر الرجعي لهذا الحكم - تحميل هؤلاء العاملين بأعباء مالية جسيمة، تجاوز
قدرتهم على ردها، ومن ثم فإن المحكمة تُعمِل الرخصة المخولة لها بنص الفقرة
الثالثة من المادة (49) من قانونها، وتحدد اليوم التالي لنشر هذا الحكم تاريخًا
لإنفاذ آثاره.
وحيث إنه عن طلب المدعي، المبدى بمذكرته المقدمة إلى هذه المحكمة
بجلسة 15/ 10/ 2022، بإلزام المدعى عليه الثالث بصرف ما يقابل ثلاثمائة وعشرين
شهرًا مع الفوائد التأخيرية، فإنه ينحل إلى طلب موضوعي يخرج البت فيه عن ولاية
المحكمة الدستورية العليا، مما يتعين الالتفات عنه.
فلهذه الأسبـاب
حكمت المحكمة:
أولاً : بعدم دستورية قرار رئيس مصلحة الضرائب المصرية رقم 185 لسنة
2011، بتعديل المادة (19) من النظام الأساسي لصندوق الرعاية الاجتماعية والصحية
للعاملين بمصلحة الضرائب العامة الصادر بقرار وزير المالية رقم 1522 لسنة 2003.
ثانيًا : بتحديد اليوم التالي لنشر هذا الحكم تاريخًا لإنفاذ آثاره.
ثالثًا : بإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب
المحاماة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق