الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 22 يناير 2023

الطعن 67 لسنة 19 ق جلسة 6 / 12 / 1951 مكتب فني 3 ج 1 ق 31 ص 161

جلسة 6 من ديسمبر سنة 1951
برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد حلمي باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة: عبد المعطى خيال بك وعبد الحميد وشاحي بك ومصطفى فاضل بك وعبد العزيز سليمان المستشارين.

--------------

(31)
القضية رقم 67 سنة 19 القضائية
بيع جزاف.

وقوعه لازماً مهما كان مقداره أقل مما أمله المشتري. مثال. عقد استخراج نطرون من منطقة معينة. تكييفه.

------------------
إذا كانت محكمة الموضوع قد استخلصت من أوراق الدعوى أن الطاعن تعاقد مع المطعون عليها (وزارة المالية) على أن يقوم باستغلال النطرون الجاف بمستنقعات منطقتين رسا مزادهما عليه مقابل ثمن معين، وعلى أن يدفع للمطعون عليها علاوة على هذا الثمن إتاوة بواقع كذا جنيهاً عن كل طن يستخرج زيادة على 1500 طن من المنطقة الأولى وألف من المنطقة الثانية، كما استخلصت في حدود سلطتها الموضوعية أن المطعون عليها لم تتفق مع الطاعن على حد أدنى لكمية النطرون الذي يقوم باستخراجه مقابل الثمن الذي رسا به المزاد عليه وأن مقداري الألف والخمسمائة طن والألف طن لم يردا في أوراق التعاقد إلا لتحديد الإتاوة التي اشترط على الطاعن دفعها، فهذا العقد موضوعه محصول طبيعي غير متجدد وليس ثمرة أو ريعاً للمستنقعات المذكورة لكونه جزاء منها لا بد من نفاده يوماً ما، وحقيقته - مهما كان قد ورد فيه من ألفاظ "المؤجرة" و "الإيجار" و "المستأجر" - أنه عقد بيع للنطرون لا عقد إيجار للمستنقعات، و المبيع بموجبه هو عين معينة هي كل النطرون الموجود بالمستنقعات بلا حاجة إلى وزن وثمنه قد حدد دون توقف على وزن فيما عدا مبلغ الإتاوة، وينبني على ذلك اعتباره - وفقاً للمادة 240 من القانون المدني القديم - بيعاً جزافاً، فهو يقع لازماً مهما كان مقدار المبيع أقل مما أمله المشتري.


الوقائع

في يوم 11 من مايو سنة 1949 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر في 27 من فبراير سنة 1949 في الاستئناف رقم 59 سنة 65 ق وذلك بتقرير طلب فيه الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً بإلزام المطعون عليها بأن تدفع إليه مبلغ 1779 ج وفوائده القانونية بواقع 5% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام الوفاء ومبلغ 7790 ج على سبيل التعويض مع المصروفات بما فيها مصروفات دعوى إثبات الحالة واحتياطياً إحالة القضية على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 14 من مايو سنة 1949 أعلنت المطعون عليها بتقرير الطعن وفي 30 منه أودع الطاعن أصل ورقة إعلان المطعون عليها بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداته. وفي 13 من يونيه سنة 1949 أودعت المطعون عليها مذكرة بدفاعها مشفوعة بمستنداتها طلبت فيها رفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وفي 27 منه أودع الطاعن مذكرة بالرد. وفي 19 من مارس سنة 1951 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصروفات وفي 8 من نوفمبر سنة 1951 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة... إلخ.


المحكمة

من حيث إن وقائع الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه تتحصل حسبما يستفاد منه ومن سائر الأوراق المقدمة في الطعن في أن الطاعن أقام على المطعون عليها في 18 من مارس سنة 1944 الدعوى رقم 1964 كلي مصر سنة 1943 وقال بياناً لها أن المطعون عليها أخبرته في 10 من يونيه سنة 1943 برسو المزاد عليه لاستغلال النطرون الموجود بالمستنقعات المملوكة للحكومة والكائنة بنواحي الخليلية وبريك والزاقوة (منطقة أولى) ونواحي زاوية أبو شوشه وقبور الأمراء والبستان (منطقة ثانية) بمركز الدلنجات مديرية البحيرة في موسم سنة 1943 الذي يبدأ من أول مايو وينتهي في آخر أكتوبر وذلك مقابل 60 قرش صاغ عن كل طن من كمية النطرون المبينة بشروط المزايدة ومقدارها 2500 طن و20 قرش صاغ عن كل طن يستخرج زيادة عليها وأن الطاعن دفع للمطعون عليها ثمن الكمية المذكورة ومقدارها 1500 ج ومبلغ 375 ج بصفة تأمين ولكنه لما قام باستغلال المستنقعات لم يجد مادة النطرون في بعضها كما حصل له تعرض من الغير في البعض الآخر فضلاً عن أن المطعون عليها لم تحدد له المستنقعات المملوكة لها ولم تسلمه الخرائط التي تمكنه من الاهتداء إليها ولذا إنذارها في 19 من أغسطس سنة 1943 بأنه تسلمه خلال أسبوع المناطق التي رسا عليه مزادها ولكنها لم تفعل شيئاً فأقام عليها في 4 من سبتمبر سنة 1943 دعوى إثبات الحالة رقم 2217 مستعجل مصر سنة 1943 وقضى فيها بندب خبير هندسي آخر كيميائي وقدم الخبير الكيمائي تقريره مثبتاً به أن الطاعن لم يتمكن إلا من استخراج 72 طناً من المنطقة الأولى و88 طناً من المنطقة الثانية وأنه ضاع عليه بسبب تعرض الغير 2172 طناً وأنه لذلك أقام دعواه المشار إليه طالباً الحكم بإلزام المطعون عليها بأن ترد إليه مبلغ 1779 ج منه مبلغ التأمين الآنف ذكره ومبلغ 1404 ج ما دفعه إليها من ثمن كميات النطرون التي لم يتمكن من استخراجها وبأن تدفع إليه أيضاً مبلغ 7790 ج بصفة تعويض منه مبلغ 500 ج لعدم تنفيذها شروط التعاقد الذي تم بينها ومبلغ 7290 ج مقابل ما ضاع عليه من مكسب وما لحقته من خسارة ودفعت المطعون عليها هذه الدعوى بأنها لم تتعاقد مع الطاعن على أساس كمية محددة من النطرون مقدارها 2500 طن تضمن له استخراجها من المنطقتين اللتين رسا عليه مزادهما ولا على سعر معين لكل طن مقداره 60 قرش صاغ كما يدعي وإنما تعاقدت معه كما يبين من أوراق التعاقد على استغلال مادة النطرون الجاف الموجود بالمستنقعات المملوكة لها في المنطقتين السالفتي الذكر بالثمن الذي رسا به عليه المزاد ومقداره 900 ج عن المنطقة الأولى و600 ج عن المنطقة الثانية وبشرط أن يدفع إليها علاوة على هذا الثمن إتاوة بواقع 20 قرش صاغ عن كل طن يستخرج زيادة على 1500 طن من المنطقة الأولى و1000 طن من المنطقة الثانية وبأن الطاعن أقر في أوراق التعاقد بأنه عاين مستنقعات المنطقتين المذكورتين وقدر تحت مسئوليته كمية النطرون الموجودة بها وبأنها سلمته هذه المستنقعات وقام باستغلالها فعلاً سواء بنفسه أم بواسطة الأشخاص الذين تعاقد معهم وبأن التعرض الذي ادعاه كان فيما لم يحصل عليه الاتفاق بينهما فضلاً عن أن المطعون عليها عملت على منعه بأن تقرير الخبير المقدم في دعوى إثبات الحالة لا قيمة له لمخالفته مقتضى التعاقد الذي تم بينهما ورد الطاعن على هذا الدفاع بأن التعاقد المذكور يعتبر من عقود الإذعان الباطلة قانوناً وبأن المطعون عليها إذ قدرت كمية النطرون المنتظر استخراجه من المستنقعات بالقدر الآنف بيانه قد أغرته على أن يرفع الثمن إلى المبلغ الذي رسا به عليه المزاد وبذلك تكون قد أدخلت عليه الغش فضلاً عما شاب إرادته من غلط في جوهر التعاقد. وفي 22 من مايو سنة 1947 قضت محكمة مصر الابتدائية برفض الدعوى واستأنف الطاعن هذا الحكم فقضت محكمة استئناف مصر في 27 من فبراير سنة 1949 في الاستئناف رقم 59 سنة 65 قضائية بتأييده بناء على الأسباب التي أوردتها وعلى أسباب الحكم الابتدائي التي لا تتعارض معها وهو الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن الطعن بني على أربعة أسباب حاصل أولها أن الحكم المطعون فيه أخطأ في التكييف القانوني للعقد الذي تم بين الطاعن والمطعون عليها إذ وصفته المحكمة بأنه من عقود المجازفة التي يتعلق فيها مصير كل من الطرفين بمحض الحظ والصدفة مع أنه يبين من أوراق التعاقد أنها خلو من أي عنصر من عناصر المجازفة أو الاحتمال ذلك أن نية الطرفين لم تنصرف إلى المضاربة في الشيء موضوع التعاقد بحيث يلزم الطاعن بدفع كامل الثمن سواء أظهر أم لم يظهر نطرون في المستنقعات التي رسا عليه مزادها إنما تم التعاقد على أساس أن هناك نطروناً موجوداً بها قدرت المطعون عليها ما يمكن استخراجه منها كحد أدنى بألفين وخمسمائة طن كما وافقت على أن يكون ثمن هذه الكمية مبلغ ألف وخمسمائة جنيه أي بسعر ستين قرشاً للطن وذلك علاوة على عشرين قرشاً بدفعها الطاعن ثمناً لكل طن يستخرج زيادة عليها وهو ثمن كبير روعي في تحديده أن يكون متناسباً معها وهذا مما يقطع في أن العقد ليس من العقود الاحتمالية المعلقة على مجرد الأمل والحظ كعقود التأمين والرهان والمقامرة وإنما هو عقد حدد فيه المقابل الذي يحصل عليه كل من المتعاقدين بمقتضاه ولما كان قد اتفق فيه على استغلال محصول طبيعي هو النطرون الموجود بالمستنقعات وعلى دفع ثمنه جملة بالنسبة إلى الكمية التي حددت فيه و على أساس سعر الوحدة بالنسبة إلى ما يزيد عليها فيكون تكييفه القانوني الصحيح على ما جرى به الفقه والقضاء هو أنه عقد بيع كمية محددة من النطرون لا عقد إيجار كما قالت المطعون عليها في دفاعها ولا عقد من عقود المجازفة كما ذهب الحكم وأنه لما تقدم ولما ثبت من تقرير خبير دعوى إثبات الحالة من أن الطاعن لم يستخرج من المستنقعات التي رسا مزادها عليه سوى 160 طناً من النطرون ووفقاً لحكم القانون في البيع يحق له فسخ التعاقد ومطالبة المطعون عليها برد ما دفعه إليها من الثمن بغير مقابل مع تعويض الخسائر التي لحقته والأرباح التي ضاعت عليه وهو ما طلبه في دعواه وقضت المحكمة برفضه تأسيساً على ذلك الوصف الخاطئ.
ومن حيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة بناء على ما استخلصته من أوراق التعاقد وهي قائمة شروط المزايدة وأورنيك العطاء الموقع من الطاعن في 18 من إبريل سنة 1943 والإقراران الصادران منه في 8 من مايو سنة 1943 والكتاب المرسل إليه من المطعون عليها في 10 من يونيه سنة 1943 والذي أخبرته فيه برسو المزاد عليه من أنه اتفق فيها على أن يقوم الطاعن باستغلال النطرون الجاف الموجود وقتذاك بمستنقعات المنطقتين اللتين رسا مزادهما عليه مقابل ثمن معين مقداره 900 ج للنطرون الموجود بالمنطقة الأولى و600 ج للنطرون الموجود بالمنطقة الثانية وعلى أن يدفع للمطعون عليها علاوة على هذا الثمن إتاوة بواقع 20 قرشاً صاغاً عن كل طن يستخرج زيادة على 1500 طن من المنطقة الأولى وألف طن من المنطقة الثانية يبين من ذلك أن المحكمة بناء على هذا الذي استخلصته من الأوراق قررت أن المطعون عليها لم تتفق مع الطاعن على تعيين حد أدنى لكمية النطرون الذي يستخرجه من مستنقعات المنطقتين المذكورتين وإن المقدارين المشار إليهما لم يردا في أوراق التعاقد إلا لتحديد الإتاوة التي قبل الطاعن أن يدفعها إليها عن كل طن يستخرج زيادة عليهما كما قررت في موضع آخر "أن العقد الذي تم بينه (الطاعن) وبينها (المطعون عليها) إنما هو عقد من عقود المجازفة التي يتعلق فيها مصير كل من الطرفين بمحض الحظ والصدفة وكما أنه لم يستخرج من المستنقعات إلا ما يزيد على الـ 300 طن بين جيد ورديء وليس منها إلى 160 طناً فقط أمكن الاتجار فيها كذلك كان يمكن أن يستخرج منها أضعاف الكمية التي كان يؤمل استخراجها وعلى هذا الأمل قد تعاقد وعقود المجازفة من العقود الصحيحة التي يلتزم الطرفان وتنتج جميع آثارها القانونية ولئن كانت قد خابت آماله في كمية النطرون التي استخرجها فليست خيبته هذه سبباً في الطعن في العقد بعد تنفيذه".
ومن حيث إنه لما كان موضوعاً العقد الذي تم بين الطاعن والمطعون عليها هو وكما جاء بالحكم، النطرون الجاف الموجود بالمستنقعات وهو محصول طبيعي غير متجدد وليس ثمرة أو ريعاً للمستنقعات لكونه جزءاً منها لا بد من نفاده يوماً الأمر الذي يفيد أن حقيقة العقد المذكور هي أنه عقد بيع للنطرون لعقد إيجار للمستنقعات على الرغم مما ورد فيه من ألفاظ "الإيجار" و "المؤجرة" "و المستأجر" وأن المبيع بموجبه هو عين معينة هي كل النطرون الموجود بالمستنقعات - لما كان ذلك وكان من مقتضى ما قررته المحكمة في حدود سلطتها الموضوعية من أن المطعون عليها لم تتفق مع الطاعن على حد أدنى لكمية النطرون الذي يقوم باستخراجه من المستنقعات مقابل الثمن الذي رسا به عليه المزاد ومقداره 900 ج للمنطقة الأولى و600 ج للمنطقة الثانية وأن مقداري الألف وخمسمائة طن والألف طن لم يردا في أوراق التعاقد إلا لتحديد الإتاوة التي اشترط على الطاعن دفعها إلى المطعون عليها بواقع عشرين قرشاً عن كل طن يستخرج زيادة عليهما كان من مقتضى ذلك كله "أن يكون المبيع المشار إليه قد عين بلا حاجة إلى وزنه وأن يكون الثمن قد حدد دون توقف على هذا الوزن فيما عدا تحديد مبلغ الإتاوة الأمر الذي ينبني عليه اعتبار البيع جزافاً وفقاً للمادة 240 من القانون المدني (القديم) ومما يؤكد هذا المعنى ما قررته المحكمة من أنه وإن كان الطاعن لم يستخرج من المستنقعات سوى ما يزيد قليلاً على 300 طن وليس منها غير 160 طناً أمكن الاتجار بها إلا أنه كان يمكن أن يستخرج منها أضعاف الكمية التي كان يؤملها وأنه لم يتعاقد إلا على هذا الأمل وأن خيبته فيه لا تصلح سبباً للطعن على العقد وهذا الوصف ينطبق تماماً على البيع الجزاف الذي يقع لازماً أياً كان مقدار المبيع أي حتى ولو ظهر أنه أقل مما أمله المشتري، لما كان ذلك كذلك تكون المحكمة لم تخطئ في التكييف ومن ثم يكون هذا السبب مرفوضاً.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون ذلك أن الطاعن طلب في دعواه إبطال العقد الذي أبرم بينه وبين المطعون عليها لسببين أحدهما أن إرادته قد شابها غلط جوهري في أصل الموضوع المعتبر في العقد والآخر أن محل التعاقد أي المستنقعات الواقع فيها النطرون المبيع لم يكن معيناً أو قابلاً للتعين فرفضت المحكمة هذا الطلب بسببه استناداً إلى ما قررته من أن العقد تم جزافاً وأن الطاعن أقر وقت إبرامه بأنه عاين منطقتي المستنقعات اللتين رسا مزادهما عليه مع أنه (أولاً) يبين من أوراق التعاقد أن المطعون عليها قدرت كمية النطرون الذي يستخرج من المنطقتين بما لا يقل عن 1500 طن في الأولى وألف طن في الثانية كما حددت الثمن الأساسي للمزايدة بناء على هذا التقدير بمبلغ 300 ج للأولى و220 ج للثانية ودخل الطاعن المزايدة على هذا الأساس فقدم عطاءه بمبلغ 900 ج عن الأولى و600 ج عن الثانية معتقداً أن النطرون الذي يستخرج من كل منهما لا تقل كميته عن الحد الأدنى المذكور الذي قدرته المطعون عليها ولم يقم في ذهنه أي شك في صحة هذا التقدير لاطمئنانه إلى مركزها بوصفها جهة حكومية وإلى كامل درايتها في الموضوع بل أكد هذا الاعتقاد لديه الإتاوة التي فرضتها عليه بواقع عشرين قرشاً عن كل طن يستخرج زيادة عليها كما اتخذها كل منهما أساساً لتحديد الثمن من جهته بل كانت هي الدافع الرئيسي له على التعاقد ولما كان قد تبين في النهاية أنه لم يستخرج من المنطقتين رغم الثمن الكبير الذي دفعه سوى 160 طناً من النطرون على ما هو ثابت بأوامر الإفراج الصادرة من المطعون عليها أي ما يقل كثيراً عن الكمية التي قدرتها فيكون العقد والحالة هذه قابلا للإبطال لهذا الغلط الجوهري الذي شاب إرادته (وثانياً) أن كل ما ورد في أوراق التعاقد عن تعيين محله هو ما جاء في البند السادس عشر من قائمة شروط المزايدة من أن يقوم من يرسو عليه المزاد تحت مسئوليته باستغلال النطرون الجاف الموجود بمستنقعات الحكومة في المنطقة التي يرسو عليه مزادها "والمحددة بزمام الناحية المبينة في عطائه المقبول حسب الأرنيك المرفق وطبقاً للتقسيم الإداري المبين على لوحة المساحة رقم 88 - 44 مصر كفر الزيات بقياس 1 - 100000" وهو بيان يقصر عن تعين المستنقعات التي يوجد فيها النطرون المبيع لخلوه من أي إيضاح عن عددها ومواقعها وحدودها ومساحتها بل ويجعلها مجهلة غير قابلة للتعين يضاف إلى ذلك أن العقد أحال في تحديد المنطقة التي تقع فيها هذه المستنقعات على خريطة المساحة الآنف ذكرها وقد طالب الطاعن المطعون عليها بتسليمها له فأبت محتجة بأن وزارة الدفاع اعتبرتها سرية وهو عذر لا يحلها من ضرورة إيجاد وسيلة أخرى تمكن الطاعن من الاهتداء إليها وهو ما لم تقم به المطعون عليها هذا فضلاً عما تبين من أن مندوبيها الذين رافقوا خبير دعوى إثبات الحالة عجزوا عن تعيينها أما ما استندت إليه المحكمة من أن العقد هو من عقود المجازفة فإنه حتى لو كان هذا الوصف صحيحاً فإنه لا يمنع من إبطال العقد لعدم تعيين محله لأن عنصر المجازفة إنما ينصب على مقدار النطرون الذي يستخرج من المستنقعات لا على وجود هذه المستنقعات في الطبيعة ولا على مواقعها وحدودها ومساحتها أما ما اعتمدت عليه المحكمة من إقرار الطاعن بمعاينته المستنقعات فلا قيمة له لأنه من جهة يخالف الواقع إذ لم يقم الطاعن بهذه المعاينة فعلاً ولأنه من جهة أخرى لا يجعل محل العقد معيناً متى كان مجهلاً وقت إبرامه.
ومن حيث إن الوجه الأول من هذا السبب مردود بما سبق بيانه من أن العقد الذي أبرم بين الطاعن والمطعون عليها هو بيع جزاف، المبيع فيه هو كل النطرون الموجود بالمستنقعات دون تجديد لكميته وبما جاء في أسباب الحكم الابتدائي التي أخذ بها الحكم المطعون فيه من أن الطاعن أقر في أورنيك العطاء المقدم منه في 18 من إبريل سنة 1943 بأن عاين المستنقعات التي قدم عنها هذا العطاء وقدر كمية النطرون الموجود بها تحت مسئوليته وحده وهذا يفيد أن الطاعن قد أقدم على التعاقد مغامراً و مدركاً أن أمله في كمية النطرون التي قدرها بنفسه قد لا يتحقق وهو ما ينفى ادعاءه بوقوعه في غلط في هذه الكمية وقت التعاقد أما قوله بأنه لم يشترك في المزايدة إلا على اعتقاده أن النطرون الموجود بالمستنقعات لا تقل كميته عن 2500 طن فقد قررت المحكمة أنه لا دليل عليه.
ومن حيث إن الوجه الثاني من هذا السبب مردود أولاً بما جاء في أسباب الحكم الابتدائي التي أخذ بها الحكم المطعون فيه من أن الطاعن أقر في أورنيك العطاء بمعاينته المستنقعات التي قدم عنها عطاءه ومن أن المدة التي مضت في إعلان المزايدة في يناير سنة 1943 وتقديم عطائه في إبريل سنة 1943 وتوقيعه على إقراري رسو المزاد عليه في مايو سنة 1943 كانت كافية للمعاينة والاستعانة بأهل الخبرة وتحرى وجه الحقيقة في الموضوع ومن أنه لا قيمة لتمسكه بعدم تسلمه خريطة المساحة لأنه فضلاً عن أنه لم يتفق على ذلك في أوراق التعاقد فإنه كان يعلم بمواقع المستنقعات وظروفها كما أنه بعد أن مانعت وزارة الدفاع في تسليمها إليه كان في مقدوره أن يطلع عليها وهى بالمصلحة ومردود كذلك بما قررته المحكمة من أن الطاعن تسلم المستنقعات التي رسا مزادها عليه وقام باستغلالها فعلاً واستخرج منها ما أمكنه استخراجه من النطرون وذلك بناء على الأدلة التي اعتمدت عليها في هذا الخصوص والآتي بيانها في الرد على الوجه الأول من السبب الثالث ومن أنه وقد أقر بمعاينة المستنقعات لا يكون مقبولاً منه أنه يطعن بعدم حصول هذه المعاينة وبأنها لا تطابق الواقع ومن أنه لا يؤبه لما أثاره في دفاعه من اعتبار محل التعاقد مجهلاً لعدم بيان حدود ومواقع المستنقعات في أوراق التعاقد ولعدم تسليمه خريطة المساحة متى كان قد قبل تنفيذ التعاقد رغم ما يدعيه من تجهيل محله مما يفيد أن محل التعاقد كان معلوماً للطاعن علماً نافياً للجهالة ومن ثم فلا مبرر لما ينعاه في هذا الوجه من خطأ في القانون. ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم مشوب بالقصور والتخاذل في الأسباب والمسخ والتحريف لشروط العقد من وجهين (الأول) إذ رفضت المحكمة طلب فسخ التعاقد الذي أسسه الطاعن على عدم وفاء المطعون عليها بالتزامها بتسليم المستنقعات التي رسا مزادها عليه وذلك بناء على ما قررته من أن الطاعن قبل تنفيذ التعاقد وتسلم المستنقعات واستغلها فعلاً ودفع جميع الثمن المستحق على التنفيذ الكامل وهي أسباب لا تصلح رداً على طلب الفسخ ذلك أنه متى كانت المستنقعات محل التعاقد مجهلة ولم تستطع المطعون عليها تسليمها إلى الطاعن كما أنها لم تأذن له بتسلم خريطة المساحة التي تمكنه من الاهتداء إليها فإن التسليم الذي استندت إليه المحكمة يكون تسليماً صورياً لا قيمة له وأنه لا يكفى أن يقال أن المطعون عليها تركت الطاعن ينتفع بالمستنقعات لأن تركه ينتفع بمحل مجهل معناه استحالة الانتفاع بهذا المحل كما أنه لا يؤبه للقول بأن الطاعن قام باستغلال المستنقعات لأنه في الواقع لم ينتفع على ما يبين من أوامر الإفراج عن النطرون المستخرج ومن تقرير خبير دعوى إثبات الحالة إلا بمستنقع واحد وهذا يفيد على الأقل أن التسليم الذي تم كان تسليماً جزئياً في حين أن التسليم الصحيح هو التسليم الكامل الذي ينصب على كل العين محل التعاقد (والوجه الآخر) إذ لم تعول المحكمة على ما تمسك به الطاعن من حصول تعرض له في بعض المستنقعات استناداً إلى ما قررته من أن التعرض الذي وقع له سواء من مشعل أو من السنهوري لا تأثير له في الدعوى لأن التعاقد على ما هو ثبات بالأوراق مقصور على المستنقعات المملوكة للحكومة ومن ثم لا يشمل ما هو غير مملوك لها وإنه ما دام السنهوري قد أثبت ملكيته لجزء من المستنقعات فيكون هذا الجزء غير داخل في التعاقد - مع أن التعرض الذي حصل للطاعن قد بناه المتعرضون على سبب قانوني هو ملكيتهم للمستنقعات التي تعرضوا فيها وذلك بطريق الشراء من المطعون عليها وأعقبوه بإنذارات رسمية أعلنوها إلى الطاعن وبدعوى أقيمت عليه وعلى المطعون عليها من السنهوري وقضى فيها لمصلحته وهو ما كان ينبني عليه القضاء للطاعن برد الثمن والتعويضات وفقاً للمادة 304 من القانون المدني (القديم) - وأنه كان يجب على المحكمة أن تتثبت. أولاً مما إذا كانت هناك مستنقعات مملوكة للحكومة وأخرى غير مملوكة لها وذلك حتى تفصل في دفاع الطاعن، أما أن تكتفي في ذلك بقولها أن التعاقد لا يشمل المستنقعات غير المملوكة للحكومة فهو تسبيب قاصر لا يعتبر رداً قانونياً كافياً على دفاعه فضلاً عما فيه من مسخ لنصوص العقد، لأن الطاعن لا توجد تحت يده المستندات المثبتة لملكية الحكومة للمستنقعات موضوع التعاقد كما أن المطعون عليها لم تساعده في إثبات ملكتيها إليها بل تركته وشأنه مع المعترضين - يضاف إلى ذلك أن حالة الشيوع في المستنقع الذي تعرض فيه السنهوري لم تمكن الطاعن من استغلال نصيب الحكومة فيه.
ومن حيث إن الوجه الأول من هذا السبب مردود بما جاء في أسباب الحكم الابتدائي التي أخذ بها الحكم المطعون فيه من أنه تبين من أوراق الدعوى أن مفتش مصلحة المناجم المساعد بالإسكندرية انتقل مع الطاعن في يوم 19 من يونيه سنة 1943 وسلمه المنطقتين اللتين رسا مزادهما عليه ومكنه من البدء في استغلالهما وأنه يؤيد ذلك العقود التي اتفق بموجبها الطاعن مع أشخاص آخرين على استخراج النطرون من مستنقعات المنطقتين المذكورتين والطلبات التي قدمها إلى المطعون عليها في شهري يونيه ويوليه سنة 1943 بالإذن له ينقل الكميات التي استخرجها من نطرونها، وبما قررته المحكمة من أنه ما أن وصل الطاعن كتاب المصلحة المحرر في 10 من يونيه سنة 1943 والذي أخبرته فيه برسو المزاد عليه وكلفته بسرعة دفع الثمن حتى بادر إلى دفعه في 14 من يونيه سنة 1943 ثم تسلم بعد ذلك المنطقتين وقام باستغلالهما واستخرج منهما ما أمكن استخراجه من النطرون، وهذه الأسباب التي اعتمدت عليها المحكمة تكفي لحمل تقريرها بتسليم الطاعن مستنقعات المنطقتين اللتين رسا مزادهما عليه وقيامه باستغلالهما وما نعاه عليها في هذه الوجه لا يعدو كونه مجادلة فيما تملكه المحكمة من تقرير موضوعي أما تمسكه فيه بتجهيل محل التعاقد فهو ترديد لما نعاه على الحكم في الوجه الثاني من السبب الثاني و هو ما سبق الرد عليه.
ومن حيث إن الوجه الثاني من السبب الثالث مردود بما جاء في أسباب الحكم الابتدائي التي أخذ بها الحكم المطعون فيه بشأن التعرض الذي ادعاه الطاعن من أنه فيما يختص ببركة مشعل فإنه وإن كانت الحكومة قد باعت هذه البركة إلى مشعل بموجب عقد محرر في 2 من مارس سنة 1942 إلا أنها احتفظت فيه بحقها في استغلالها في موسم سنة 1943 وإنها لما علمت بتعرض مشعل فيها أخذت عليه تعهدا بعدم التعرض ثم انتهى الأمر باتفاق الطاعن معه على أن يستخرج له جميع نطرونها بالأجرة المعتادة ومن أنه فيما يختص ببركة الشراقوة فإنه وإن كان قد تبين أن السنهوري تملك ثلثها إلا أن الحكومة تدخلت في النزاع الذي قام عليها بين الطاعن والسنهوري و انتهى الأمر فيه إلى اتفاقهما على أن يقوم الطاعن باستغلالها ويحاسب السنهوري على نصيبه فيها ومن أنه لذلك يكون اعتراض الطاعن بحصول التعرض المشار إليه على غير أساس ومردود كذلك بما جاء في الحكم المطعون فيه من أن "التعرض الذي صادفه المستأنف (الطاعن) سواء من مشعل بإنذاره الذي أعلنه للمستأنف أو من السنهوري بالدعوى التي رفعها ضد المستأنف ومصلحة المناجم والتي حضرت فيها الحكومة وقررت بأن لا شان لها في النزاع لا تأثير له في الدعوى إزاء ما قررته الحكومة في شروط المزايدة بأن التعاقد إنما يقوم على المستنقعات المملوكة لها فيخرج بذلك قطعا ما هو غير مملوك لها وما دام السنهوري قد أثبت بعقد مسجل ملكيته لجزء من هذه المستنقعات فيكون هذا الجزء خارجاً على التعاقد الذي تم بين المستأنف والمصلحة لم يكن للمستأنف حق التعرض له لأن العقد الذي بينه وبين المستأنف عليها لا يبيح له استغلال جزء من المستنقعات غير المملوكة للحكومة" وهذه الأسباب تكفى لحمل تقريرها بعدم التعويل على ما أستند إليه الطاعن من حصول تعرض له المستنقعات وما نعاه عليها في هذا الوجه لا يعدو كونه جدلاً موضوعياً.
ومن حيث إن السبب الرابع يتحصل في أن الحكم الابتدائي الذي أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه أخطأ في تحصيل فهم الواقع الثابت بالأوراق من ثلاثة أوجه (الأول) إذ قررت المحكمة أن الطاعن استخرج من المستنقعات ما يقرب من الـ 2500 طن المذكورة في أوراق التعاقد وذلك استناداً إلى الكميات المدونة في طلبات الإخراج عن النطرون المقدمة من الطاعن إلى المطعون عليها وفي عقود الاستغلال التي عقدها مع بعض الأشخاص مع أن هذه الكميات ليست إلا ما كان يؤمل الطاعن استخراجه من المستنقعات وأن العبرة إنما هي بالكمية التي استخرجها فعلاً وهي على ما ثبت بأوامر الإفراج الصادرة من المطعون عليها ومن تقرير خبير دعوى إثبات الحالة لم تجاوزه 160.5 طن (والوجه الثاني) إذ لم تأخذ المحكمة بنتيجة تقرير الخبير المشار إليه بمقولة أنها لا ترتاح إلا لقيامه بأبحاثه في وقت زيادة مياه الرشح بالمستنقعات وذوبان مادة النطرون فيها مع أنه أثبت بتقريره أنه وإن كانت هذه المادة تختفي عن النظر إلا أنها تظل كما هي بكمياتها وخواصها في الماء الذي تذوب فيه ويمكن اكتشافها بالطرق الفنية (والوجه الثالث) إذ قالت المحكمة بعدم حصول تعرض للطاعن في انتفاعه بالمستنقعات مع أن هذا التعرض ثابت من تقرير الخبير والإنذارات التي أعلنت إلى الطاعن.
ومن حيث إن الوجهين الأولين من هذا السبب مردودان بما سبق بيانه في الرد على السبب الأول من أن العقد الذي أبرم بين الطاعن والمطعون عليها هو بيع جزاف مما ينبني عليه ألا تكون لكمية النطرون التي استخرجها الطاعن فعلاً أهمية في الدعوى ومما يكون معه غير منتج ما ينعاه على الحكم الابتدائي فيما ورد به في هذا الخصوص. أما الوجه الثالث فغير صحيح لما يبين من أسباب الحكم الابتدائي الذي أخذ بها الحكم المطعون فيه من أن المحكمة لم تنف حصول العرض للطاعن وإنما قالت أنه لم يذكر في إنذاره المعلن في 9 من أغسطس سنة 1943 ولا في مذكرته المقدمة إليها أن شخصاً آخر خلاف مشعل والسنهوري تعرض له في انتفاعه بالمستنقعات.
وحيث إنه بناء على جميع ما تقدم يكون الطعن على غير أساس ومن ثم يتعين رفضه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق