جلسة 21 من إبريل سنة 1980
برئاسة السيد المستشار
عادل برهان نور نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: مصطفى جميل مرسي،
وفوزي المملوك، وفوزي أسعد؛ هاشم قراعة.
---------------
(102)
الطعن رقم 2384 لسنة 49
القضائية
(1)شهادة
سلبية. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". سرقة.
الشهادة السلبية. لا يغني
عنها أي دليل آخر. سوى بقاء الحكم حتى نظر الطعن فيه خالياً من التوقيع.
عدم تقديم الشهادة
السلبية. أو ما يفيد الحيلولة بين الطاعن وبين الحصول عليها. أثره؟
(2)مأمورو الضبط القضائي. استدلالات. قبض. سرقة.
الاستدعاء الذي يقوم به
مأمورو الضبط القضائي. إبان جمع الاستدلالات ولا يتضمن تعرضاً مادياً. ليس قبضاً.
(3)استدلالات. مأمورو الضبط القضائي. تفتيش. "تفتيش بغير
إذن". سرقة.
إحضار المتهم المضبوطات.
من تلقاء نفسه. مفاده؟
(4)استعراف وتعرف. إثبات "بوجه عام". "استعراف
وتعرف". إجراءات. سرقة. مأمورو الضبط القضائي.
التعرف. لم يرسم القانون
له صورة خاصة. تنظيم إثبات الإجراءات التي يقوم بها مأمورو الضبط القضائي. على
سبيل الإرشاد. م 24 (أ ج).
(5)إثبات. "بوجه عام". "شهادة". دفاع "الإخلال
بحق الدفاع. ما لا يوفره". سرقة.
وزن أقوال الشهود. موضوعي.
متى لا يعيب تناقض الشهود
الحكم؟.
سلطة المحكمة في إطراح ما
لا تطمئن إليه من أقوال الشهود.
المحكمة غير ملزمة بتتبع
المتهم في كل جزئية من دفاعه.
(6)اعتراف. إثبات. "اعتراف". استدلالات. سرقة. حكم.
"تسبيبه. تسبيب غير معيب".
للمحكمة أن تأخذ باعتراف
المتهم ولو كان وارداً بمحضر الشرطة.
(7) إثبات "بوجه
عام". "شهادة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". سرقة.
سكوت الدفاع عن طلب سماع
الشهود. مفاده؟
(8) محكمة ثاني درجة. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير
معيب". سرقة.
محكمة ثاني درجة تحكم في الأصل على مقتضى الأوراق.
--------------
1 - من المقرر أنه يجب
على الطاعن لكي يكون له التمسك ببطلان الحكم لعدم توقيعه في الميعاد القانوني
المنصوص عليه في المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية أن يحصل على شهادة دالة
على أن الحكم لم يكن إلى وقت تحريرها قد أودع ملف الدعوى موقعاً عليه على الرغم من
انقضاء ذلك الميعاد ولا يغني عن هذه الشهادة السلبية أي دليل آخر سوى أن يبقى
الحكم حتى نظر الطعن خالياً من التوقيع وإذ كان الطاعن لم يقدم مثل هذه الشهادة
السلبية على ما عرفتها به أحكام هذه المحكمة كما لم يقدم ما يفيد أنه حيل بينه
وبين الحصول على تلك الشهادة من الجهة التي نظم القانون تقدمه إليها لإعطائها إياه
فإن منعاه على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد.
2 - من الواجبات المفروضة
قانوناً على مأموري الضبط القضائي في دوائر اختصاصهم أن يقبلوا التبليغات والشكاوى
التي ترد إليهم بشأن الجرائم وأن يقوموا بأنفسهم أو بواسطة مرءوسيهم بإجراء
التحريات اللازمة عن الوقائع التي يعلمون بها بأي كيفية كانت وأن يستحصلوا على
جميع الإيضاحات والاستدلالات المؤدية لثبوت ونفي الوقائع المبلغ بها إليهم أو التي
يشاهدونها بأنفسهم، كما أن المادة 29 من قانون الإجراءات الجنائية تخول مأموري
الضبط القضائي أثناء جمع الاستدلالات أن يسمعوا أقوال من يكون لديهم معلومات عن
الوقائع الجنائية ومرتكبيها وأن يسألوا المتهم عن ذلك، ولما كان استدعاء مأمور
الضبط القضائي للطاعن بسبب اتهامه في جريمة سرقة لا يعدو أن يكون توجيه الطلب إليه
بالحضور لسؤاله عن الاتهام الذي حام حوله في نطاق ما يتطلبه جمع الاستدلالات ولا
يقدح في ذلك أن يتم هذا الاستدعاء بواسطة أحد رجال السلطة العامة طالما أنه لم
يتضمن تعرضاً مادياً للمستدعي يمكن أن يكون فيه مساس بحريته الشخصية أو تقييد لها
مما قد يلتبس حينئذ بإجراء القبض المحظور على مأمور الضبط القضائي إذا لم تكن
الجريمة في حالة تلبس، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت - في حدود سلطتها التقديرية -
إلى أن استدعاء الطاعن لم يكن مقروناً بإكراه ينتقص من حريته فإن رفضها للدفع
ببطلان القبض. يكون سليماً بما تنتفي معه قالة الخطأ في القانون.
3 - لما كان الحكم قد عرض
للدفع ببطلان التفتيش ورد عليه بقوله: "إنه لما كان الثابت من محضر جمع
الاستدلال ومما قرره كل من العقيد...... والضابط........ أمام محكمة أول درجة أن
الأخير توجه مع المتهم إلى منزله حيث وقف بصالة المسكن..... وأحضر المتهم
المضبوطات من تلقاء نفسه مما مفاده أن تفتيشاً ما لم يتم ولم يحصل من مأمور الضبط
ثمة إجراء بمسكن المتهم ينم بذاته عن أنه قام بالبحث والنقص داخله بحثاً عن
المضبوطات ولما كان ذلك فإن ما ينعاه المتهم في هذا الصدد يكون على غير أساس خاصة
وقد بان من الأوراق أن دخول الضابط مسكن المتهم كان برضاء من الأخير. وما قاله
الحكم من ذلك سائغ وصحيح في القانون ذلك بأن الرضا بدخول المسكن وتفتيشه يكفي فيه
أن تكون المحكمة قد استبانته من وقائع الدعوى وظروفها واستنتجته من دلائل مؤدية
إليه، ومن ثم فإن دخول ضابط المباحث إلى مسكن الطاعن وضبط المسروقات به يكون
صحيحاً ومشروعاً، وتكون المحكمة إذ اعتبرته كذلك ودانت الطاعن استناداً إلى الدليل
المستمد منه لم تخالف القانون.
4 - لما كان القانون لم
يرسم للتعرف صورة خاصة يبطل إذا لم يتم عليها، وكان من حق محكمة الموضوع أن تأخذ
بتعرف الشاهد على المتهم ولو لم يجر عرضه عليه في جمع من أشباهه ما دامت قد اطمأنت
إليه، وإذ العبرة هي باطمئنان المحكمة إلى صدق الشاهد، فلا على المحكمة إن هي
اعتمدت على الدليل المستمد من تعرف صانع المفاتيح على الطاعن ما دام تقدير قوة
الدليل من سلطة محكمة الموضوع وحدها، ولما كان ما نصت عليه المادة 24 من قانون
الإجراءات الجنائية من أنه. "يجب أن تثبت جميع الإجراءات التي يقوم بها مأمور
الضبط القضائي في محاضر موقع عليها منهم يبين بها وقت اتخاذ الإجراءات ومكان
حصولها. لم يرد إلا على سبيل التنظيم والإرشاد ولم يرتب على مخالفته البطلان، فإن
منعى الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد.
5 - لما كان وزن أقوال
الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه
إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تقدره التقدير الذي
تطمئن إليه دون رقابة من محكمة النقض، وكان تناقض أقوال الشهود لا يعيب الحكم ما
دام استخلص الإدانة من أقوالهم بما لا تناقض فيه، كما أن للمحكمة ألا تورد من
الأسباب إلا ما تقيم عليه قضاءها ولها أن تأخذ من أقوال الشهود ما تطمئن إليه
وتطرح ما عداه، وإذا كانت المحكمة قد أوردت في حكمها الأسباب التي أقامت عليها
قضاءها بما لا تناقض فيه واطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات التي حصلت مؤداها بما لا
ينازع الطاعن في صحة مأخذه من الأوراق وهي غير ملزمة بأن تتبعه في كل جزئية من
جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاتها عنها أنها أطرحتها، فإن كل ما يثيره الطاعن في هذا
المنحى لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في
وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها منها وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
6 - لما كان من المقرر أن
للمحكمة أن تأخذ باعتراف المتهم ولو كان وارداً بمحضر الشرطة متى اطمأنت إلى صدقه
ومطابقته للواقع ولو عدل عنه في مراحل التحقيق الأخرى دون بيان السبب، وكان الحكم
قد خلص إلى أن اعتراف الطاعن بمحضر جمع الاستدلالات كان عن طواعية واختيار ولم يكن
وليد إجراء باطل وقد اقترن بإرشاد الطاعن عن المسروقات وإحضاره إياها فإنه يكون من
غير المقبول أن يجادل الطاعن في هذا الخصوص.
7 - لما كان الثابت من
الاطلاع على محاضر الجلسات أمام محكمة الدرجة الأولى أن المدافع عن الطاعن - وإن
كان قد طلب في جلسة 24 يناير سنة 1978 سماع شاهدي نفي - إلا أنه لم يعد إلى هذا
الطلب في جلسات المرافعة التالية كما خلت صورة المذكرة المرفقة بأسباب الطعن -
والتي أشار إلى أنه قدمها إلى تلك المحكمة - من طلب سماع أي شهود ومن ثم فهي لا
تلتزم بإجابة مثل هذا الطلب ذلك أن سكوت الدفاع عن طلب سماع الشهود ومواصلة
المرافعة دون إصرار على سماعهم إنما يفيد نزوله عن هذا الطلب ضمنياً بما لا يستأهل
رداً أو تعقيباً.
8 - محكمة ثاني درجة إنما
تحكم في الأصل على مقتضى الأوراق وهي لا تجري من التحقيقات إلا ما ترى لزوماً
لإجرائه ولا تلتزم إلا بسماع الشهود الذين كان يجب سماعهم أمام محكمة أول درجة،
فإذا لم تر من جانبها حاجة إلى سماعهم وكان المدافع عن الطاعن وإن أبدى طلب سماع
شاهد النفي أمام محكمة أول درجة إلا أنه يعتبر متنازلاً عنه لسكوته عن التمسك به
أمام المحكمة الاستئنافية ومن ثم فإن النعي على الحكم بدعوى الإخلال بحق الدفاع
يكون لا محل له.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة
الطاعن بأنه: سرق المصوغات المبينة بالمحضر وصفاً وقيمة والمملوكة لـ...... وطلبت
عقابه بالمادة 317/ 1 من قانون العقوبات. ومحكمة جنح قسم شرق قضت حضورياً عملاً
بمادة الاتهام بمعاقبة المتهم بالحبس سنة واحدة مع الشغل والنفاذ. فاستأنف. ومحكمة
بور سعيد الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي
الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وأمرت بإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات
تبدأ من تاريخ صدور الحكم. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن
الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة السرقة فقد جاء مشوباً بالبطلان والخطأ في
تطبيق القانون وانطوى على فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع -
ذلك بأن الحكم المطعون فيه لم يحرر شاملاً أسبابه ولم يوقع عليه خلال ثلاثين يوماً
من تاريخ صدوره، كما أن الطاعن دفع ببطلان إجراءات القبض عليه وتفتيش مسكنه وعرضه
على صانع المفاتيح والأدلة المترتبة على ذلك ولكن المحكمة أطرحت هذا الدفاع استناداً
إلى أن استدعاء ضابط المباحث للطاعن لسؤاله فيما اتهم به وعرضه على صانع المفاتيح
يعد من إجراءات الاستدلالات وأن العثور على المضبوطات في مسكن الطاعن كان بإرشاده
وهو الذي قدمها للضابط من تلقاء نفسه في حين أن ضابط المباحث تربص للطاعن أمام مقر
عمله وأحضره إلى مركز الشرطة جبراً عنه وهو بمثابة قبض عليه في غير حالات التلبس،
وقد عرضه على صانع المفاتيح عرضاً مباشراً دون وضعه بين أشخاص آخرين للتحقق من
معرفته للطاعن ولم يحرر محضراً بذلك كما أن دخول الضابط مسكن الطاعن وتفتيشه لم
يكن بناء على إذن من النيابة العامة، هذا إلى أن الحكم عول على أقوال شهود الإثبات
رغم ما أثاره الطاعن من الشواهد على كذبهم سواء فيما وقع من تناقض بين أقوال ضابط
الشرطة في خصوص من قام بتفتيش مسكن الطاعن وأوصاف المسكن والأشياء المضبوطة
ومصيرها بعد الضبط أو بما أثبته تقرير المعمل الكيماوي من عدم وجود بصمات للطاعن
بمكان الحادث، وما أثاره من استحالة أن يترك المجني عليه مفاتيح محله حتى يتمكن
الطاعن من صنع مثلها وأن المضبوطات لم يتم تحريزها وعرضها على النيابة العامة وقد
نفى المجني عليه في جلسة المحاكمة أنها تشبه المسروقات فضلاً عن أن الاعتراف المنسوب
إلى الطاعن بمحضر جمع الاستدلالات صدر تحت تأثير القبض الباطل عليه وقد أنكره في
تحقيق النيابة العامة وتدل على زيفه الشواهد المشار إليها والتي لم يعرض لها الحكم
بما ينم عن إحاطته بها، يضاف إلى ذلك أن المحكمة بدرجتيها لم تستجب لما طلبه
الدفاع من سماع شهود النفي ولم تعن بالرد على هذا الطلب. كل ذلك مما يعيب الحكم
ويوجب نقضه.
وحيث إن قضاء محكمة النقض
قد جرى على أنه يجب على الطاعن لكي يكون له التمسك ببطلان الحكم لعدم توقيعه في
الميعاد القانوني المنصوص عليه في المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية أن يحصل
على شهادة دالة على أن الحكم لم يكن إلى وقت تحريرها قد أودع ملف الدعوى موقعاً
عليه على الرغم من انقضاء ذلك الميعاد ولا يغني عن هذه الشهادة السلبية أي دليل
آخر سوى أن يبقى الحكم حتى نظر الطعن فيه خالياً من التوقيع، وإذ كان الطاعن لم
يقدم مثل هذه الشهادة السلبية على ما عرفتها به أحكام هذه المحكمة كما لم يقدم ما
يفيد أنه حيل بينه وبين الحصول على تلك الشهادة من الجهة التي نظم القانون تقدمه
إليها لإعطائها إياه فإن منعاه على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد.
وحيث إن الحكم الابتدائي
- المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه وما أضافه إليها من أسباب - بين واقعة الدعوى
بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على
ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. وقد تناول في أسبابه
المتكاملة مع الحكم الابتدائي - الدفع ببطلان القبض على الطاعن وأطرحه استناداً
إلى ما استخلصته المحكمة من أنه عقب الإبلاغ عن سرقة مصوغات المجني عليه دلت
تحريات العقيد....... على أن الطاعن هو مرتكب الحادث إذ كان دائم التردد على محل
المجني عليه ثم انقطع دون سبب وأن صانع المفاتيح....... قرر أن الطاعن طلب من قبل
الحادث تصنيع عدد من المفاتيح المشابهة فأرسل الضابط....... في استدعاء الطاعن
الذي حضر دون أي إكراه وعند عرضه على صانع المفاتيح تعرف عليه وبسؤاله اعترف
تفصيلاً بارتكاب الحادث واصطحب الضابط إلى مسكنه حيث أحضر له المضبوطات وانتهى
الحكم إلى أن استدعاء الطاعن لسؤاله كان من بين إجراءات جمع الاستدلالات التي يجوز
لمأمور الضبط القضائي مباشرتها بشأن ما يقع من جرائم ولا يعتبر ذلك في حكم القبض
المحظور عليه في غير حالات التلبس ولما كان هذا الذي خلص إليه الحكم صحيح في
القانون ذلك أن من الواجبات المفروضة قانوناً على مأموري الضبط القضائي في دوائر
اختصاصهم أن يقبلوا التبليغات والشكاوى التي ترد إليهم بشأن الجرائم وأن يقوموا
بأنفسهم أو بواسطة مرءوسيهم بإجراء التحريات اللازمة عن الوقائع التي يعملون بها
بأي كيفية كانت وأن يستحصلوا على جميع الإيضاحات والاستدلالات المؤدية لثبوت ونفي
الوقائع المبلغ بها إليهم أو التي يشاهدونها بأنفسهم، كما أن المادة 29 من قانون
الإجراءات الجنائية تخول مأموري الضبط القضائي أثناء جمع الاستدلالات أن يسمعوا
أقوال من يكون لديهم معلومات عن الوقائع الجنائية ومرتكبيها وأن يسألوا المتهم عن
ذلك، ولما كان استدعاء مأمور الضبط القضائي للطاعن بسبب اتهامه في جريمة سرقة لا
يعدو أن يكون توجيه الطلب إليه بالحضور لسؤاله عن الاتهام الذي حام حوله في نطاق
ما يتطلبه جمع الاستدلالات ولا يقدح في ذلك أن يتم هذا الاستدعاء بواسطة أحد رجال
السلطة العامة طالما أنه لم يتضمن تعرضاً مادياً للمستدعي يمكن أن يكون فيه مساس
بحريته الشخصية أو تقييد لها مما قد يلتبس حينئذ بإجراء القبض المحظور على مأمور
الضبط القضائي إذا لم تكن الجريمة في حالة تلبس، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت - في
حدود سلطتها التقديرية - إلى أن استدعاء الطاعن لم يكن مقروناً بإكراه ينتقص من
حريته فإن رفضها للدفع ببطلان القبض يكون سليماً بما تنتفي معه قالة الخطأ في
القانون. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض للدفع ببطلان التفتيش ورد عليه بقوله:
"إنه لما كان الثابت من محضر جمع الاستدلالات ومما قرره كل من العقيد.....
والضابط..... أمام محكمة أول درجة أن الأخير توجه مع المتهم إلى منزله حيث وقف
بصالة المسكن........ وأحضر المتهم المضبوطات من تلقاء نفسه مما مفاده أن تفتيشاً
ما لم يتم ولم يحصل من مأمور الضبط ثمة أي إجراء بمسكن المتهم ينم بذاته عن أنه
قام بالبحث والتقصي داخله بحثاً عن المضبوطات ولما كان ذلك. فإن ما ينعاه المتهم
في هذا الصدد يكون على غير أساس خاصة وقد بان من الأوراق أن دخول الضابط مسكن
المتهم كان برضاء من الأخير. وما قاله الحكم من ذلك سائغ وصحيح في القانون ذلك بأن
الرضا بدخول المسكن وتفتيشه يكفي فيه أن تكون المحكمة قد استبانته من وقائع الدعوى
وظروفها واستنتجته من دلائل مؤدية إليه، ومن ثم فإن دخول ضابط المباحث إلى مسكن
الطاعن وضبط المسروقات به يكون صحيحاً ومشروعاً، وتكون المحكمة إذ اعتبرته كذلك
ودانت الطاعن استناداً إلى الدليل المستمد منه لم تخالف القانون. لما كان ذلك،
وكان القانون لم يرسم للتعرف صورة خاصة يبطل إذا لم يتم عليها، وكان من حق محكمة
الموضوع أن تأخذ بتعرف الشاهد على المتهم ولو لم يجر عرضه عليه في جمع من أشباهه
ما دامت قد اطمأنت إليه، وإذ العبرة هي باطمئنان المحكمة إلى صدق الشاهد نفسه فلا
على المحكمة إن هي اعتمدت على الدليل المستمد من تعرف صانع المفاتيح على الطاعن ما
دام تقدير قوة الدليل من سلطة محكمة الموضوع وحدها، ولما كان ما نصت عليه المادة
24 من قانون الإجراءات الجنائية من أنه يجب أن تثبت جميع الإجراءات التي يقوم بها
مأمور الضبط القضائي في محاضر موقع عليها منهم مبين بها وقت اتخاذ الإجراءات ومكان
حصولها. لم يرد إلا على سبيل التنظيم والإرشاد ولم يرتب على مخالفته البطلان، فإن
منعى الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشهود
وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها
من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تقدره التقدير الذي تطمئن
إليه دون رقابة من محكمة النقض، وكان تناقض أقوال الشهود لا يعيب الحكم ما دام
استخلص الإدانة من أقوالهم بما لا تناقض فيه، كما أن للمحكمة ألا تورد بالأسباب
إلا ما تقيم عليه قضاءها ولها أن تأخذ من أقوال الشهود ما تطمئن إليه وتطرح ما
عداه، وإذا كانت المحكمة قد أوردت في حكمها الأسباب التي أقامت عليها قضاءها بما
لا تناقض فيه واطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات التي حصلت مؤداها بما لا ينازع
الطاعن في صحة مأخذه من الأوراق وهي غير ملزمة بأن تتبعه في كل جزئية من جزئيات
دفاعه لأن مفاد التفاتها عنها أنها أطرحتها، فإن كل ما يثيره الطاعن في هذا المنحى
لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن
عناصر الدعوى واستنباط معتقدها فيها وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما
كان ذلك، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تأخذ باعتراف المتهم ولو كان وارداً بمحضر
الشرطة متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للواقع ولو عدل عنه في مراحل التحقيق الأخرى
دون بيان السبب، وكان الحكم قد خلص إلى أن اعتراف الطاعن بمحضر جمع الاستدلالات
كان عن طواعية واختيار ولم يكن وليد إجراء باطل وقد اقترن بإرشاد الطاعن عن
المسروقات وإحضاره إياها فإنه يكون من غير المقبول أن يجادل الطاعن في هذا الخصوص.
لما كان ذلك وكان الثابت من الاطلاع على محاضر الجلسات أمام محكمة الدرجة الأولى
أن المدافع عن الطاعن - وإن كان قد طلب في جلسة 24 يناير سنة 1978 سماع شاهدي نفي
- إلا أنه لم يعد إلى هذا الطلب في جلسات المرافعة التالية كما خلت صورة المذكرة
المرفقة بأسباب الطعن - والتي أشار إلى أنه قدمها إلى تلك المحكمة - من طلب سماع
أي شهود ومن ثم فهي لا تلتزم بإجابة مثل هذا الطلب ذلك أن سكوت الدفاع عن طلب سماع
الشهود ومواصلة المرافعة دون إصرار على سماعهم إنما يفيد نزوله عن هذا الطلب
ضمنياً بما لا يستأهل رداً أو تعقيباً، وإذ كانت محكمة ثاني درجة إنما تحكم في
الأصل على مقتضى الأوراق وهي لا تجري من التحقيقات إلا ما ترى لزوماً لإجرائه ولا
تلتزم إلا بسماع الشهود الذين كان يجب سماعهم أمام محكمة أول درجة، فإذا لم تر من
جانبها حاجة إلى سماعهم وكان المدافع عن الطاعن وإن أبدى طلب سماع شاهد النفي أمام
محكمة أول درجة إلا أنه يعتبر متنازلاً عنه لسكوته عن التمسك به أمام المحكمة
الاستئنافية ومن ثم فإن النعي على الحكم بدعوى الإخلال بحق الدفاع يكون ولا محل
له. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً الرفض موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق