برئاسة السيد القاضي/ موسى محمد مرجان "نائب رئيس المحكمة" وعضوية السادة القضاة/ أحمد صلاح الدين وجدي،
عثمان مكرم توفيق وحسام حسين الديب وعبد المنعم إبراهيم الشهاوي "نواب رئيس المحكمة
"
والسيد رئيس النيابة/ حسام عيد.
وأمين السر السيد/ طارق عادل محمد.
في الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بمدينة القاهرة بدار القضاء
العالي.
في يوم الثلاثاء 16 ربيع الآخر سنة 1437هـ الموافق 26 من يناير سنة
2016م.
أصدرت الحكم الآتي:
في الطعن المقيد في جدول المحكمة برقم 268 لسنة 84 القضائية
"رجال القضاء".
-------------
الوقائع
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق -
تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى 3146 لسنة 130ق استئناف القاهرة "دائرة رجال
القضاء" على المطعون ضدهم بصفاتهم بطلب الحكم بإلغاء قراري مجلس القضاء
الأعلى الصادرين بتاريخي 21، 28 من أغسطس 2013 برفض إعادة تعيين الطاعن في وظيفة
رئيس محكمة استئناف. وقال بيانًا لدعواه إنه كان يشغل وظيفة رئيس محكمة استئناف
قبل تكليفه بقرار المجلس العسكري رقم 167 لسنة 2011 محافظًاً لبني سويف ثم بالقرار
الجمهوري رقم 426 لسنة 2013 محافظًاً للإسكندرية وانتهى تكليفه بهذا العمل القومي
بتاريخ 13 من أغسطس 2013 فتقدم إلى مجلس القضاء الأعلى بطلب إعادة تعيينه وقد
توافرت في حقه الشروط والضوابط التي أقرها المجلس بتاريخ 3/2/2003 لإعادة التعيين
في القضاء، إلا أنه فوجئ برفض طلبه فتظلم أمام ذات المجلس الذي رفض تظلمه ومن ثم
فقد أقام الدعوى، بتاريخ 26 من مارس 2014 قضت المحكمة برفض الدعوى. طعن الطاعن في
هذا الحكم بطريق النقض، وأودع المطعون ضدهم بصفاتهم مذكرة طلبوا فيها رفض الطعن،
وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة
- في غرفة المشورة - حددت جلسة لنظره وفيها، التزمت النيابة رأيها.
في يوم 13/5/2014 طُعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة
الصادر بتاريخ 26/3/2014 في الدعوى رقم 3146 لسنة 130ق "رجال القضاء"
وذلك بصحيفة طلب فيها الطاعن الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً
بأحقيته في العودة للمنصب القضائي كرئيس بمحكمة استئناف القاهرة بحسب أقدميته بين
أقرانه.
وفي 13/5/2014 أُعلن المطعون ضدهم بصحيفة الطعن.
وفي يوم 22/5/2014 أودع الأستاذ ........ المستشار بهيئة قضايا الدولة بصفته نائباً عن المطعون ضدهم بصفاتهم مذكرة بدفاعهم طلب فيها تأييد الحكم
المطعون فيه والقضاء مجدداً برفض الطعن.
ثم أودعت النيابة مذكرتها وطلبت فيها قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع
برفضه.
وبجلسة 13/10/2015 عُرض الطعن على المحكمة في غرفة المشورة فرأت أنه
جدير بالنظر فحددت لنظره جلسة للمرافعة.
وبجلسة 26/1/2016 سُمعت الدعوى أمام هذه الدائرة على ما هو مبين بمحضر
الجلسة - حيث صمم الحاضر عن المطعون ضدهم والنيابة العامة كل على ما جاء بمذكرته -
والمحكمة أصدرت الحكم بجلسة اليوم.
-----------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر/ ....... "نائب رئيس
المحكمة"، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب
والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه أقام قضائه على أن
لمجلس القضاء الأعلى سلطة تقدير مدى صلاحية الطاعن للعودة لشغل وظيفة القضاء، في
حين أن مسألة الصلاحية لم تكن مسألة أساسية مطروحة على المحكمة إذ اقتصر دفاع نائب الدولة - الحاضر عن المطعون ضدهم بصفاتهم - على أن سبب رفض إعادة تعيين الطاعن
يرجع إلى إصدار مجلس القضاء الأعلى بجلسته المعقودة في 15 من يوليو 2013 تعديل
لقواعد إعادة التعيين في الوظائف القضائية السابق إقرارها بجلسة 3 من فبراير 2003،
وأن هذا التعديل منع إعادة تعيين من سبق له شغل منصب وزير أو محافظ. فضلاً عن أن
الحكم المطعون فيه أغفل دفاع الطاعن المتمثل فيما ترتب على إعمال التعديل المشار
إليه من إخلال بمبدأ المساواة مع النظراء في الجهات القضائية الأخرى، الأمر الذي
يعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن النعي في محله، ذلك أن النص في المادة 77 مكرراً (1) من قانون
السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 المضافة بالقانون رقم 35 لسنة 1984 على أن
"يُشكل مجلس القضاء الأعلى برئاسة رئيس محكمة النقض وبعضوية كل من ......."
وفي المادة 77 مكرراً (2) من هذا القانون على أن "يختص مجلس القضاء الأعلى
بنظر كل ما يتعلق بتعيين وترقية ونقل وندب وإعارة رجال القضاء والنيابة العامة
وكذلك سائر شئونهم على النحو المبين في هذا القانون ...." يدل - وعلى ما ورد
بالمذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 35 لسنة 1984، وتقرير لجنة الشئون
الدستورية والتشريعية بشأنه - على أنه تأكيداً لاستقلال القضاء فقد رئي إنشاء
"مجلس القضاء الأعلى" يشكل بكامله من كبار رجال القضاء أنفسهم لتكون له
الهيمنة على شئون القضاة ورجال النيابة العامة من تعيين وترقية ونقل وندب وغير ذلك
من الشئون المبينة في القانون، ذلك أن من أهم دعائم استقلال القضاء أن يقوم القضاء
ذاته على شئون رجاله دون مشاركة أو تدخل من سلطة أخرى، فأصبح القضاء متفرداً
بتصريف شئون رجاله على النحو الذي يحقق الاستقلال الكامل للسلطة القضائية.
والنص في المادة 77 مكرراً (4) من القانون سالف الذكر على أن
"يضع المجلس لائحة بالقواعد التي يسير عليها في مباشرة اختصاصه ...."
يدل - وعلى ما ورد بتقرير لجنة الشئون الدستورية والتشريعية سالف الذكر - على أن
المشرع فوض مجلس القضاء الأعلى لوضع قواعد في شأن تفصيلات المسائل الداخلة في
اختصاصه ليرتقي بهذه القواعد - وفق المبادئ الدستورية المعمول بها في شأن التفويض
- إلى مصاف القانون بمعناه العام وتصبح هذه القواعد إطاراً حاكماً لتلك التفصيلات
وتطبق بصفة مجردة على ما يستجد من وقائع ذلك أنه وإذا كان من أسمى مهام الدولة في العصر
الحديث بث الطمأنينة في نفوس المواطنين وتأمينهم على حقوقهم بالاحتكام إلى سيادة
القانون وإرساء قواعد على أسس ثابتة تطبق على الحكام والمحكومين، فإن ذلك بالنسبة
للمسائل التي تدخل في اختصاص مجلس القضاء الأعلى أولى وأوجب لتوفير المزيد من
الضمانات التي تكفل للقاضي اطمئنانه واستقلاله وترسى قواعد العدالة على أسس وطيدة
ثابتة، وكان من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن المشرع أوجب في المادة 176 من
قانون المرافعات المدنية والتجارية على المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف أن
تكون أحكامها مشتملة على الأسباب التي بنيت عليها وإلا كانت باطلة، وإذ أوجب ذلك
لم يكن قصده منه استتمام الأحكام من حيث الشكل بل حمل القضاة على بذل الجهد في
تمحيص القضايا لتجيء أحكامهم ناطقة بعدالتها وموافقتها للقانون، ثم إنه أوكد وجوب
تسبيب الأحكام على هذا المعنى بإخضاعه إياها لمراقبة محكمة النقض في الحدود المبينة
بالقانون، تلك المراقبة التي لا تتحقق إلا إذا كانت الأحكام مسببة تسبيباً واضحاً
كافياً، إذ بغير ذلك يستطيع قاضي الموضوع أن يُجهل طريق هذه المراقبة على محكمة
النقض بأن يكتفي بذكر أسباب مجملة أو غامضة أو ناقصة أو أسباب مخلوط فيها بين ما
يشتغل هو بتحقيقه والحكم فيه من ناحية الموضوع وبين ما تراقبه فيه محكمة النقض من
ناحية القانون، لذلك كان واجباً على قاضي الموضوع أن يبين في حكمه موضوع الدعوى
وطلبات الخصوم وسند كل منهم، وأن يذكر ما استخلص ثبوته من الوقائع وطريق هذا
الثبوت وما الذي طبقه من القواعد القانونية، فإذا هو قصر في ذلك كان حكمه باطلاً
وتعين نقضه، ومن المقرر أيضاً أن إغفال الحكم بحث دفاع أبداه الخصم يترتب عليه
بطلان الحكم إذا كان هذا الدفاع جوهرياً ومؤثراً في النتيجة التي انتهت إليها
المحكمة، إذ يعتبر ذلك الإغفال قصوراً في أسباب الحكم الواقعية بما يقتضي بطلانه،
ومؤدى ذلك أنه إذا طرح على المحكمة دفاع كان عليها أن تنظر في أثره في الدعوى فإن
كان منتجاً فعليها أن تقدر مدى جديته حتى إذا ما رأته متسماً بالجدية مضت في فحصه
لتقف على أثره في قضائها، فإن هي لم تفعل كان حكمها قاصراً. لما كان ذلك، وكان
البين من صحيفة افتتاح الدعوى ومذكرة الطاعن المقدمة أمام محكمة الموضوع بجلسة 26
من يناير 2014 تمسكه بتوافر الشروط اللازمة لإعادة تعيينه بالقضاء وفق القواعد
التي أقرها مجلس القضاء الأعلى بجلسته المعقودة في 3 من فبراير 2003، واعتصم بعدم
خضوعه للقواعد الجديدة التي أقرها المجلس في 15 من يوليو 2013، ذلك أن إعمال هذه
القواعد الأخيرة في حقه يرتب إخلالاً بمبدأ المساواة بينه ونظرائه في الجهات
القضائية الأخرى. وكان البين من مذكرة دفاع المطعون ضدهم المقدمة أمام محكمة
الموضوع بجلسة 28 من نوفمبر 2013 تمسكهم بأن سبب رفض طلب الطاعن إعادة تعيينه في
القضاء إعمال القواعد الجديدة في حقه وتعديل الضوابط السابقة، وإذ لم تكلف محكمة
الموضوع نائب الدولة بتقديم
سند رده صورة قرار مجلس القضاء الأعلى بضوابط إعادة التعيين وما لحقه من تعديل
لتطرح دلالته على بساط البحث وتقسطه حقه من الفحص والتمحيص وذلك بعد أن قدم الطاعن
كتاب أمين عام مجلس القضاء الأعلى الذي يفيد رفض المجلس إعطائه ما صرحت به محكمة
الموضوع من استخراج صورة من قرار المجلس المشار إليه، ولم تفطن إلى أن نكول المجلس
عن تقديم هذا المستند الذي تحت يده بغير مبرر ينشئ قرينة لصالح خصمه بصحة ما
يدعيه، وأغفل الحكم المطعون فيه بحث دفاع الطاعن في هذا الشأن ولم يعن ببحث أثره
في الدعوى، واكتفى بعبارة عامة مرسلة بمقولة "... أنه لا يجدي الطاعن استعراض
قواعد مجلس القضاء الأعلى طالما أن سلطة تقدير انطباقها من إطلاقات هذا المجلس
...." رغم أن مشروعية هذا التقدير تخضع لرقابة القضاء في ظل مبدأ سيادة
القانون، فإنه يكون قد عابه القصور المبطل مما يوجب نقضه.
وحيث إن موضوع الدعوى رقم 3416 لسنة 130ق القاهرة "رجال
القضاء" غير صالح للفصل فيه -ولما تقدم - يتعين إحالتها إلى محكمة الموضوع
ليتناضل الخصوم فيها ولكي لا يفوت عليهم درجة التقاضي الوحيدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق