الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 30 أبريل 2017

عدم جواز خفض مدة خدمة القضاة اثناء توليهم لوظائفهم

الطعن 34 لسنة 16 ق جلسة 15 / 6 / 1996 مكتب فني 7 ج 1 ص763
برياسة السيد المستشار / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة 
وحضور السادة المستشارين / محمد ولى الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وعبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين أعضاء 
وجضور السيد المستشار / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين 
وحمدى أنور صابر أمين السر .
----------------
- 1  دعوى دستورية "المصلحة فيها".
دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها". مناط المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها قيام ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، ذلك يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع.
إن المصلحة الشخصية المباشرة ـ وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يقوم ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية وذلك بأن يكون الحكم فى المسائل الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع وكان النزاع الموضوعي يدور حول اعتراض المتظلم على القرار الصادر من مأمور التفليسة برفض فض الاختام على أموال الشركة المدعية وكانت الخصومة الدستورية قوامها أن هذا المأمور قد يكون من بين قضاتها مما يعد إخلالاً بضمانة الحيدة وبحق الشخص فى اللجوء الى قاضيه الطبيعي فإن الفصل فى هذه الخصومة يكون مرتبطاً بالنزاع الموضوعى .
- 2 أوامر التفليسة "تظلم منها".
عرض التظلم من أوامر مدير التفليسة على دائرة يكون هو من بين أعضائها أو على غيرها، احتمالان متساويان – تقديم أيهما – بالتالي – يكون ممتنعا. تشريع "المادة 236 من قانون التجارة". النص المذكور لا يتضمن نهيا جازما عن أن يكون المأمور ماثلا في الدائرة التي تنظر التظلم من الأوامر التي أصدرها. تشريع "قانون المرافعات: صلاحية القاضي". اشتمال قانون المرافعات على نصوص آمرة بأحكام عدم صلاحية القاضي وصور رده – إنفاذ هذه الضمانة يكون غالبا من خلال خصومة قضائية تحركها.
2، 3،  4-   القول بأن المحكمة الابتدائية التى تنظر التظلم من الأوامر التى تصدر عن مأمور التفليسة تتعدد دوائرها وقد يعرض التظلم من أوامر هذا المأمور على دائرة لا يكون هو من بين أعضائها أو رئيسها ، مردود أولاً : بأن عرض التظلم من أوامر مدير التفليسة على دائرة يكون هو من بين أعضائها أو على غيرها احتمالان متساويان ومن المقرر أنه اذا تقابل دليلان أو أمارتان وكان استواؤهما نافياً لرجحان أحدهما فإن القول بتقديم أيهما يكون ممتنعاً ومردود ثانياً : بأن النص المطعون فيه لا يتضمن نهياً جازماً عن أن يكون المأمور ماثلاً فى الدائرة التى رفع اليها التظلم من الأوامر التى أصدرها ، ليكون مستصحبا أصل الحل ، دالاً على جواز أن يكون ضمن تشكيلها ومردود ثالثاً : بأن قانون المرافعات المدنية والتجارية وإن حدد بنصوص آمرة ، أحكام عدم صلاحية القاضى وصور رده الا أن هذه الضمانة لا تعمل بذاتها فى الأعم من الأحوال ، بل يكون إنقاذها غالباً من خلال خصومة قضائية تحركها لتقوم للمدعى مصلحة شخصية ومباشرة فى إبطال النص المطعون فيه الذى أسقطها .
- 5  إفلاس "غل يد المدين".
من المقرر أن الإفلاس طريق للتنفيذ الجماعي على أموال المدين التاجر إذا قضى باعتباره متوقفا عن سداد ديونه التجارية في مواعيد استحقاقها – غل يد التاجر المفلس عن أمواله إدارة وتصرفا.
من المقرر أن الإفلاس طريق للتنفيذ الجماعي على أموال المدين التاجر، إذا قضي باعتباره متوقفاً عن سداد ديونه التجارية في مواعيد استحقاقها بما يزعزع ائتمانه، ويعرض حقوق دائنيه لخطر محقق، أو لنذر تتهددها بالضياع وليس الإفلاس المشهر إلا حالة لا تتجزأ تقوم بالتاجر المفلس تبعاً للحكم الصادر بها ليكون سارياً في شأن الدائنين جميعاً، ولو لم يكونوا أطرافاً في خصومة الإفلاس منصرفاً إلى ذمة التاجر بأكملها ومنشئاً لمركز جديد من أثره غل يد التاجر المفلس فلا يدير الأموال التي يملكها أو يباشر تصرفاً في شأنها توقياً لتهريبها أو اختلاسها أو إتلافها إضراراً بالدائنين وإضعافاً لضمانهم العام وصوناً لجوهر مصالحهم التي ينافيها تزاحمهم بينهم من خلال التسابق لتحصيل حقوقهم التي لا يكفلها إلا حشدهم في جماعة واحدة توحد جهودهم وتقيم فيما بينهم مساواة يتقاسمون على ضوئها أموال المدين غارمين فلا تكون حقاً لبعضهم من دون الآخرين، بل تباع لحسابهم أجمعين وتوزع عليهم حصيلتها بنسبة ديونهم.
- 6  إفلاس "مدير التفليسة".
لا يستقل وكيل الدائنين بشئون التفليسة، بل يباشر متطلباتها مراقبا في ذلك من مأمور تعينه المحكمة التي صدر عنها حكم شهر الإفلاس بما يحول دون تدهور شئون التفليسة، ويكفل حسن إدارتها.
لا ينقل شهر الافلاس أموال التاجر الى الدائنين ولا ينال من حقوق المفلس قبل الغير بل تظل على حالها وطبيعتها وإن كان غل يد المدين عن أمواله مؤداه احتجازها برمتها لمصلحة زمرة الدائنين التى تعتبر بالنسبة الى المفلس من الغير ؛ وكان الدائنون وإن أقاموا عنهم سنديكاً يعتبر وكيلاً فى إدارة أموال المفلس وصونها وتقرير التدابير التحفظية اللازمة لحمايتها ، حتى يتخذ الدائنون ـ على ضوء تقديره لأصول ذمته المالية وخصومها ـ قرار فى شأن التفليسة سواء بالتصالح مع المدين المفلس أو بالسير بها الى نهايتها الطبيعية من خلال تصفية أمواله بصورة جماعية وتوزيعها فيما بين الدائنين الا أن قانون التجارة لا يجعل هذا الوكيل مستقلاً بشئون التفليسة أو منفرداً بسلطان عليها بل يباشر متطلباتها مراقباً فى ذلك من مأمور تعينه المحكمة التى صدر عنها حكم شهر الافلاس ليكون صلتها بين وكيل الدائنين وبينها وضماناً لأن تتفرغ هى للمسائل الخطيرة وحدها التى تثيرها التفاليس التى تنظرها ، والتي دل العمل على تعددها وكثرة تفصيلاتها وتنوع منازعاتها ومن ثم كان تعيينها أحد قضائها ـ ممن يتمتعون بقدر من الخبرة وطول المران ـ لمراقبة أعمال وكيل الدائنين ، عاصماً من تدهور شئون التفليسة وتوكيدا لحسن إدارتها .
- 7  مأمور التفليسة "أعمال ولايته: الطعن فيها".
الأوامر الصادرة عن مأمور التفليسة في شئونها تعتبر من الأعمال الولائية – عدم جواز الطعن فيها إلا في الأحوال المقررة قانونا – رفع الطعن أمام محكمة الإفلاس التابع لها.
وعملاً بنص المادة 234 من قانون التجارة فإن مأمور التفليسة ليس إلا قاضياً من محكمة الإفلاس، يعين في الحكم الصادر عنها بشهره ليلاحظ ـ في الحدود المقررة قانوناً ـ أعمالها وإجراءاتها منذ افتتاحها وحتى نهايتها. ويعتبر الأمر الصادر عن هذا المأمور من الأعمال الولائية التي لم يجز نص المادة 236 من قانون التجارة الطعن فيها في الأحوال المقررة قانوناً على أن يرفع الطعن أمام محكمة الإفلاس التي يتبعها، وكان المدعي قد نعى على نص هذه المادة، أن تطبيقها مؤداه أن تفصل في هذا الطعن محكمة يكون مأمور التفليسة ـ المتظلم من أوامره ـ من بين أعضائها، مما يخل بحيدتها؛ فإن الخصومة الدستورية الماثلة أمام المحكمة الدستورية العليا تطرح عليها بالضرورة الفصل في طبيعة الجوهرية لحيدة العمل القضائي وما إذا كان إعمالها يعد أصلاً دستورياً ثابتاً.
- 8  سلطة قضائية "استقلالها".
استقلال السلطة القضائية – بنص في الدستور – يتوخى أن يكون عاصما من التدخل في شئونها – ليس لجهة أيا كان شأنها أن تصرفها عن مهامها أو تعطلها.
نص الدستور فى المادة 166 على أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم فى قضائهم لغير القانون ولا يجوز التدخل فى القضايا أو شئون العدالة ويتوخى هذا الاستقلال أن يكون عاصماً من التدخل فى شئون السلطة القضائية أو التأثير فى مجرياتها أو تحريفها أو الاخلال بمقوماتها باعتبار أن القرار النهائي فى شأن حقوق الأفراد و واجباتهم وحرياتهم يبد أعضائها ترد عنهم العدوان وتقدم لمن يلوذ بها الترضية القضائية التى يكفلها الدستور أو القانون أو كلاهما لا يثنيها عن ذلك أحد وليس لجهة أيا كان شأنها أن تصرفها عن مهامها أو تعطلها .
- 9  سلطة قضائية "استقلالها: مؤداه".
استقلال السلطة القضائية مؤداه أن يكون تقدير كل قاض لوقائع النزاع وفهمه لحكم القانون بشأنها متحررا من كل قيد أو تأثير – يعزز هذه الضمانة استقلال هذه السلطة عن السلطتين الأخريتين وانبساط ولايتها على كل مسألة من طبيعة قضائية – ليست ثمة سلطة رئاسية فيما بين أعضائها.
استقلال السلطة القضائية مؤداه أن يكون تقدير كل قاض لوقائع النزاع وفهمه لحكم القانون بشأنها متحرراً من كل قيد أو تأثير أو إغواء أو وعيد أو تدخل أو ضغوط أيا كان نوعها أو مداها أو مصدرها أو سببها أو صورتها ما يكون منها مباشراً أو غير مباشر ؛ وكان مما يعزز هذه الضمانة ويؤكدها استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية وأن تنبسط ولايتها على كل مسألة من طبيعة قضائية ، وأن يكون استقلال أعضائها كاملاً قبل بعضهم البعض فلا تتأثر أحكامها بموقعهم من رؤسائهم أو أقرانهم على ضوء تدرجهم وظيفياً فيما بينهم .
- 10  استقلال السلطة القضائية "مقتضاه".
ليس لعمل تشريعي أن ينقض قرارا قضائيا في محتواه أو آثاره – ولا يجوز لعمل تنفيذي أن يجهض قرارا قضائيا قبل صدوره أو يحول دون تنفيذه تنفيذا كاملا. استقلال السلطة القضائية "تدعيمه". مما يدعم هذا الاستقلال أن يكون للقضاة حق الدفاع عن محتواه من خلال الآراء التي يعلنوها في إطار حق الاجتماع.
10، 11- على السلطة التنفيذية بوجه خاص الا تقوم من جانبها بفعل أو امتناع يجهض قراراً قضائياً قبل صدوره أو يحول بعد نفاذه دون تنفيذه تنفيذاً كاملاً وليس لعمل تشريعى أن ينقض قراراً قضائياً ، ولا أن يحور الأثار التى رتبها ولا أن يعدل من تشكيل هيئة قضائية ليؤثر فى أحكامها . بل إنه مما يدعم هذا الاستقلال أن يكون للقضاة حق الدفاع عن محتواه بصورة جماعية من خلال الاراء التى يعلنونها وفى إطار حق الاجتماع .
- 12  استقلال السلطة القضائية "مؤداه".
إسناد القضايا إلى القضاة عمل داخلي محض – عدم عزل القضاة إلا إذا قام الدليل جليا على انتفاء صلاحيتهم – وجوب اختيارهم على أسس موضوعية تكون الجدارة والاستحقاق مناطها – وجوب توفير الدولة الموارد المالية الكافية للسلطة القضائية – بما يعينها على أن تدير بنفسها عدالة واعية مقتدرة.
يتعين دوماً أن يكون إسناد القضايا اليهم وتوزيعها فيما بينهم عملاً داخلياً محضاً فلا توجه سلطة دخيلة عليهم أيا كان وزنها ولا يجوز كذلك ـ فى إطار هذا الاستقلال ـ تأديبهم الا على ضوء سلوكهم الوظيفى ولا عزلهم الا إذا قام الدليل جلياً على انتفاء صلاحيتهم ولا خفض مدة خدمتهم أثناء توليهم لوظائفهم ، ولا تعيينهم لآجال قصيرة يكون عملهم خلالها موقوتا ولا اختيارهم على غير أسس موضوعية تكون الجدارة والاستحقاق مناطها . ويجب بوجه خاص أن توفر الدولة لسلطتها القضائية ـ بكل أفرعها ـ ما يكفيها من الموارد المالية التي تعينها على أن تدبر بنفسها عدالة واعية مقتدرة والا كان استقلالها وهما .
- 13  ضمانة حيدة القضاة "ضرورة التمييز بينها وبين استقلالهم".
تغليب القضاة لأهواء النفس التي تثير غرائز ممالأة فريق من الخصوم، ينفي تجردهم – ومن ثم حيادهم – عند الفصل في الخصومة القضائية.
استقلال السلطة القضائية وإن كان لازما لضمان موضوعية الخضوع للقانون ولحصول من يلوذون بها على الترضية القضائية التى يطلبونها عند وقوع عنوان على حقوقهم أو حرياتهم الا أن حيدتها عنصر فاعل فى صون رسالتها لا يقل شأناً عن استقلالها بما يؤكد تكاملها . ولئن كان بعض الفقهاء يولون عنايتهم لاستقلال السلطة القضائية ولا يعرضون لحيدتها الا بصورة جانبية ويمزجون بينهما أحياناً الا أن التمييز بين مفهوم استقلال السلطة القضائية وحيدتها يتعين أن يكون فاصلاً بين معينين لا يتداخلان ذلك أن استقلال السلطة القضائية يعنى أن تعمل بعيداً عن أشكال التأثير الخارجى التى توهن عزائم رجالها فيميلون معها عن الحق إغواءً أو إرغاماً ترغيباً أو ترهيباً فإذا كان انصرافهم عن إنقاذ الحق تحاملاً من جانبهم على أحد الخصوم وانحيازاً لغيره لمصالح ذاتية أو لغيرها من العوامل الداخلية التى تثير غرائز ممالأة فريق دون آخر ، كان ذلك منهم تغليباً لأهواء النفس منافياً لضمانة التجرد عند الفصل فى الخصومة القضائية مما يخل بحيادهم .
- 14  ضمانة الحيدة "أساسها".
ما ينص عليه الدستور من أنه لا سلطان على القضاة في قضائهم لغير القانون، لا يحمي فقط استقلال القاضي، بل يحول كذلك دون أن يكون العمل القضائي وليد نزعة شخصية غير متجردة.
استقلال السلطة القضائية واستقلال القضاة وإن كفلتهما المادتان 165 و 166 من الدستور توقياً لأى تأثير محتمل قد يميل بالقاضى انحرافاً عن ميزان الحق الا أن الدستور نص كذلك على أنه لا سلطان على القضاة فى قضائهم لغير القانون وهذا المبدأ الأخير لا يحمى فقط استقلال القاضى بل يحول كذلك دون أن يكون العمل القضائي وليد نزعة شخصية غير متجردة وهو أمر يقع غالباً إذا فصل القاضى فى نزاع سبق أن أبدى رأياً ومن ثم تكون حيدة القاضي شرطاً لازماً دستورياً لضمان ألا يخضع فى عمله لغير سلطان القانون .
- 15  ضمانة الحيدة "الجمعية العامة للأمم المتحدة".
تؤكد الجمعية العامة للأمم المتحدة بقراريها الصادرين في 1985/11/29 و1985/12/13 وجوب أن يفصل القضاة فيما يعرض عليهم من منازعات، على أساس من الحيدة.
ما قرره إعلان المبادئ الأساسية لاستقلال القضاة التى تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقراريها الصادرين فى 29/11/1985 و 13/12/1985 يؤكد أن القضاة يفصلون فى إطار الحيدة ـ فيما يعرض عليهم من منازعات على ضوء وقائعها و وفقاً للقانون ، غير مدفوعين بتحريض أو معرضين لتدخل بلا حق أو محملين بقيود أو ضغوط أو تهديد ـ مباشراً كان أم غير مباشر أيا كان مصدرها أو سببها
Les magistrats reglent les affaires dont ils sont saisis impartialement d apres les faits et conformement a la loi ,sans etre l objet dinfluences incitations pressions menaces ou interventions indues , directes de la part de qui que ce soit ou pour quelque raison que ce soit
Principes fondamentaux relatifs a Lindependance de la magistrature Adoptes par le septieme Congres des nations unies pour la prevention du crime et la traitrment des delinquants qui s est tenu amilan du 26 aout au septembre 1985 et confirmes par l assemblee generale dans ses resolutions 40/30 du 29 novembre 1985 et 40/164 du 13 decembre 1985 .

- 16  استقلال السلطة القضائية – حيدتها "تلازمها".
انصباب هاتين الضمانتين معا على إدارة العدالة مؤداه بالضرورة تلازمهما فلا ينفصلان: تعادلهما في مجال اتصالهما بالفصل في الحقوق انتصافا ترجيحا لحقيقتها القانونية – لكلاهما القيمة الدستورية ذاتها.
انصباب ضمانتى استقلال السلطة القضائية وحيدتها معاً على إدارة العدالة ضماناً لفعاليتها مؤداه بالضرورة تلازمهما فلا ينفصلان ومن غير المتصور أن يكون الدستور نائياً بالسلطة القضائية عن أن تقوض بيانها عوامل خارجية تؤثر فى رسالتها وأن يكون إيصالها الحقوق لذويها مهددا بما ينال من حيدة وتجرد رجالها وإذا جاز القول ـ وهو صحيح بأن الفصل فى الخصومة القضائية ـ حقاً وعدلاً ـ لا يستقيم إذا داخلتها عوامل تؤثر فى موضوعية القرار الصادر عنها ، أيا كانت طبيعتها وبغض النظر عن مصدرها أو دوافعها أو أشكالها فقد صار أمراً مقضياً أن تتعادل ضمانتا استقلال السلطة القضائية وحيدتها فى مجال اتصالهما بالفصل فى الحقوق انتصافاً ترجيحاً لحقيقتها القانونية ، لتكون لهما معا القيمة الدستورية ذاتها فلا تعلو إحداها على أخراها أو تجبها بل يتضاممان تكاملاً ويتكافآن قدراً .
- 17  ضمانة المحاكمة المنصفة "ما تعنيه".
ضمانة المحكمة المنصفة المكفولة دستوريا تعني أن يكون لكل خصومة قضائية قاضيها ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية. تشكيل المحكمة التي يعهد إليها بالفصل فيها، وقواعد تنظيمها وطبيعة النظم المعمول بها أمامها وكيفية تطبيقها عملا يكون محددا للعدالة مفهوما تقدميا معاصرا.
ضمانة المحاكمة المنصفة التى كفلها الدستور بنص المادة 67 تعنى وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن يكون لكل خصومة قضائية قاضيها ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية وأن تقوم على الفصل فيها ـ علانية وإنصافاً ـ محكمة مستقلة ومحايدة ينشئها القانون يتمكن الخصم فى إطارها من إيضاح دعواه وعرض أدلتها للرد على ما يعارضها من أقوال غرمائه أو حججهم على ضوء فرص يتكافأون فيها جميعاً ليكون تشكيلها وقواعد تنظيمها وطبيعة النظم المعمول بها أمامها وكيفية تطبيقها عملاً ما محدداً للعدالة مفهوماً تقدمياً يلتئم مع المقايييس المعاصرة للدول المتحضرة .
- 18  حق التقاضي "إزالة العوائق".
مؤدى حق التقاضي المنصوص عليه في الدستور أن يقترن النفاذ إلى القضاء – دوما – بإزالة العوائق التي تحول دون تسوية الأوضاع الناشئة من العدوان على الحقوق المقررة في القانون.
مؤدى حق التقاضى المنصوص عليه فى المادة 68 من الدستور وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة أن مجرد النفاذ الى القضاء لا يعتبر كافياً لصون الحقوق التى تستمد وجودها من النصوص القانونية بل يتعين دوماً أن يقترن هذا النفاذ بإزالة العوائق التى تحول دون تسوية الأوضاع الناشئة من العدوان عليها وبوجه خاص ما يتخذ منها صورة الأشكال الاجرائية المعقدة كى توفر الدولة للخصومة فى نهاية مطافها حلاً منصفاً يقوم على حيدة المحكمة واستقلالها ويعكس بمضمونه التسوية التى يعمد الخصم الى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التى يطلبها .
- 19  ضمانة الحيدة – تنظيم الحقوق.
صون ضمانة الحيدة يعتبر حدا لسلطة المشرع التقديرية في مجال تنظيم الحقوق بتعيين ضوابطها فلا يجوز الخروج عليها.
القيود التى قرضها الدستور على المشرع ـ ومن بينها صون ضمانة الحيدة تعتبر حداً لسلطته التقديرية ترسم تخومها وتبين ضوابطها فلا يجوز الخروج عليها لتظل الدائرة التى لا يتنفس الحق أو الضمانة محل الحماية الا من خلالها بعيدة عن عدوان السلطة التشريعية فلا تنال منها سواء بنقضها أو بإنتقاصها من أطرافها .
- 20  عمل قضائي .مأمور التفليسة.
لا يجوز أن يكون العمل القضائي موطئا لشبهة تثير ظلالا قاتمة حول حيدته – لا يجوز انتصافا لضمانة الحيدة أن يكون مأمور التفليسة عضوا في المحكمة التي تنظر الطعن في أوامره. تشريع "المادة 236 من قانون التجارة" إخلال بالحيدة". ما تضمنته هذه المادة من جواز أن يكون مأمور التفليسة عضوا في المحكمة الابتدائية التي تفصل في التظلم من الأوامر التي أصدرها بشأن التفليسة قد أسقط عن فئة من المتقاضين ضمانة الحيدة التي كفلها لغيرهم.
20، 21- لا يجوز أن يكون العمل القضائى موطئاً لشبهة تداخل تجرده وتثير ظلالاً قائمة حول حيدته فلا يطمئن اليه متقاضون استرابوا فيه بعد أن صار نائياً عن القيم الرفيعة للوظيفة القضائية وكان لا يتصور ـ والنفس بطبيعتها لا تميل الى تخطئة تصرفاتها ـ أن ينتظر مأمور التفليسة فى تظلم مقدم الى المحكمة التى يتبعها فى شأن الأوامر التى أصدرها فى موضوع محدد ملبوراً بها راياً توصل اليه ليعدل فيه أو يلغيه من خلال التظلم وكان لا يجوز بالتالى ـ انتصافاً لضمانة الحيدة وتوكيداً لها ـ وأن يكون هذا المأمور عضواً فى المحكمة التى تنظر الطعن فى أوامره فإن النص المطعون فيه ـ وقد جرى على هذا المنحى ـ مسقطاً عن فئة من المتقاضين تلك الضمانة الجوهرية التى كفلها المشرع لغيرهم يكون مخالفاً لأحكام المواد " 40 " 67 ، 68 ، 166 من الدستور .
----------------
المحكمة
حيث إن الوقائع -على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن السيد/ ........، كان قد أقام الدعوى رقم 240 لسنة 1987 إفلاس إسكندرية ضد شركة محلات .....، طالبا الحكم بإشهار إفلاسها، ووضع الأختام على مقرها وأموالها، وتعيين وكيل للدائنين ومأمور للتفليسة. وبجلسة 28/5/1988 قضت المحكمة فى مادة إفلاس : أولا: بإشهار إفلاس المدعى عليها واعتبار يوم 25/1/1987 تاريخا مؤقتا لتوقفها عن الدفع، وتعيين السنديك صاحب الدور وكيلا للدائنين. ثانيا: تعيين الأستاذ المستشار رئيس الدائرة مأموراً للتفليسة للإشراف عليها. ثالثا: وضع الأختام على مقر الشركة المدعى عليها وأموالها. وبتاريخ 14/4/1993 طلب السيد / ........ من مأمور التفليسة فض تلك الأختام، إلا أنه رفض ذلك، فأقام تظلما من هذا الأمر استنادا لنص المادة 236 من قانون التجارة التى تجيز التظلم أمام المحكمة الابتدائية، فى الأوامر التى تصدر عن مأمور التفليسة، فى الأحوال التى يحددها القانون . وإذ قدر المدعى فى الدعوى الدستورية الراهنة، أن هذا النص مؤداه، أن تفصل المحكمة الابتدائية فى التظلم المرفوع إليها، ولو كان مأمور التفليسة من بين أعضائها أو كان رئيسها، فقد دفع أمام المحكمة الابتدائية - فى الدعوى المقيدة أمامها برقم 240 لسنة 1987- بعدم دستورية ذلك النص . وإذ ارتأت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، فقد خولته رفع الدعوى الدستورية، فأقام دعواه الماثلة. وحيث إن المادة 236 من قانون التجارة تقضى بما يأتى : "ولا يقبل التظلم من الأوامر التى تصدر عن مأمور التفليسة إلا فى الأحوال المبينة فى القانون، ويرفع التظلم فى الأحوال المذكورة للمحكمة الابتدائية " . وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يقوم ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسائل الدستورية لازما للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع؛ وكان النزاع الموضوعى يدور حول اعتراض المتظلم على القرار الصادر من مأمور التفليسة برفض فض الاختام على أموال الشركة المدعية؛ وكانت الخصومة الدستورية قوامها أن هذا المأمور قد يكون من بين قضاتها مما يعد إخلالا بضمانة الحيدة، وبحق الشخص فى اللجوء إلى قاضيه الطبيعى، فإن الفصل فى هذه الخصومة يكون مرتبطا بالنزاع الموضوعي. وحيث إن هيئة قضايا الدولة ذهبت فى مذكرتها، إلى انتفاء مصلحة المدعى فى الطعن بعدم دستورية نص المادة 236 من قانون التجارة، تأسيسا على أن المحكمة الابتدائية التى تنظر التظلم من الأوامر التى تصدر عن مأمور التفليسة، تتعدد دوائرها، وقد يُعْرض التظلم من أوامر هذا المأمور على دائرة لايكون هو من بين أعضائها أو رئيسها، بل إن عرض هذا التظلم على دائرة يكون المأمور من قضاتها، لايخل بحق المدعى فى التمسك أمامها بالقواعد التى قررها قانون المرافعات فى شأن صلاحية القاضى ورده وتنحيه عن نظر خصومة بذاتها. وحيث إن هذا النعى مردود أولا: بأن عرض التظلم من أوامر مدير التفليسة على دائرة يكون هو من بين أعضائها أو على غيرها، احتمالان متساويان. ومن المقرر أنه إذا تقابل دليلان أو أمارتان، وكان استواؤهما نافيا لرجحان أحدهما، فإن القول بتقديم أيهما، يكون ممتنعا. ومردود ثانيا: بأن النص المطعون فيه لايتضمن نهيا جازما عن أن يكون المأمور ماثلا فى الدائرة التى رفع إليها التظلم من الأوامر التى أصدرها، ليكون مستصحبا أصل الحل، دالاًعلى جواز أن يكون ضمن تشكيلها . ومردود ثالثا : بأن قانون المرافعات المدنية والتجارية وإن حدد بنصوص آمرة، أحكام عدم صلاحية القاضى وصور رده، إلا أن هذه الضمانة لاتعمل بذاتها فى الأعم من الأحوال، بل يكون إنفاذها غالبا من خلال خصومة قضائية تحركها، لتقوم للمدعى مصلحة شخصية ومباشرة فى إبطال النص المطعون فيه الذى أسقطهاً. وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه، مخالفته للمواد 8 و40 و68 من الدستور، التى تكفل أولاهما للمواطنين جميعهم تكافؤ الفرص، وثانيتهما مساواتهم أمام القانون، وثالثتهما حقهم فى اللجوء إلى قاضيهم الطبيعى. وقال بيانا لذلك، أن الأصل وفقا لنص المادة 146 من قانون المرافعات، أن يكون القاضى غير صالح لنظر الدعوى ممنوعا من سماعها ولو لم يرده خصم، إذا كان قد سبق أن أبدى فيها رأيا، أو كان قد نظرها ولو باعتباره خبيرا أو محكما؛ وكان من المفترض أن يكون تطبيق قانون المرافعات عاما، منصرفا إلى المواطنين جميعهم، إلا أن النص المطعون فيه، أفرد المتقاضين أمام محكمة الإفلاس بحكم خاص، جردهم به من تلك الضمانة الرئيسية التى نص عليها قانون المرافعات، ذلك أن تظلمهم من الأوامر التى تصدر عن مأمور التفليسة، يُحيل نزاعهم بشأنها إلى المحكمة الابتدائية، ولو كان هذا المأمور رئيسها أو عضوا به، فلا يكون فصلها فيه محايدا، مما يخل بمساواتهم أمام القانون فى مواجهة أقرانهم الذين يتكافأون معهم فى مراكزهم القانونية، وهو ما يعنى إسقاط حقهم فى اللجوء إلى قاضيهم الطبيعى. وحيث إن من المقرر أن الإفلاس طريق للتنفيذ الجماعى على أموال المدين التاجر،إذا قضى باعتباره متوقفا عن سداد ديونه التجارية فى مواعيد استحقاقها، بما يزعزع ائتمانه، ويعرض حقوق دائنيه لخطر محقق، أو لنذر تتهددها بالضياع . وليس الإفلاس المشهر إلا حالة لاتتجزأ تقوم بالتاجر المفلس تبعا للحكم الصادر بها، ليكون ساريا فى شأن الدائنين جميعا، ولو لم يكونوا أطرافا فى خصومة الإفلاس، منصرفا إلى ذمة التاجر بأكملها، ومنشئاً لمركز جديد من أثره غل يد التاجر المفلس، فلا يدير الأموال التى يملكها أو يباشر تصرفا فى شأنها توقيالتهريبها أو اختلاسها أو إتلافها، إضرارا بالدائنين، وإضعافا لضمانهم العام، وصونا لجوهر مصالحهم التى ينافيها تزاحمهم فيما بينهم من خلال التسابق لتحصيل حقوقهم التى لايكفلها إلا حشدهم فى جماعة واحدة، توحد جهودهم، وتقيم فيما بينهم مساواة يتقاسمون على ضوئها أموال المدين غارمين، فلا تكون حقا لبعضهم من دون الآخرين، بل تباع لحسابهم أجمعين، وتوزع عليهم حصيلتها بنسبة ديونهم. وحيث إن شهر الإفلاس لاينقل أموال التاجر إلى الدائنين، ولا ينال من حقوق المفلس قبل الغير، بل تظل على حالها وطبيعتها، وإن كان غل يد المدين عن أمواله، مؤداه احتجازها برمتها لمصلحة زمرة الدائنين التى تعتبر بالنسبة إلى المفلس من الغير؛ وكان الدائنون وإن أقاموا عنهم سنديكا يعتبر وكيلا فى إدارة أموال المفلس وصونها، وتقرير التدابير التحفظية اللازمة لحمايتها، حتى يتخذ الدائنون - على ضوء تقديره لأصول ذمته المالية وخصومها - قرارا فى شأن التفليسة، سواء بالتصالح مع المدين المفلس، أو بالسير بها إلى نهايتها الطبيعية من خلال تصفية أمواله بصورة جماعية وتوزيعها فيما بين الدائنين، إلا أن قانون التجارة لايجعل هذا الوكيل مستقلا بشئون التفليسة، أو منفردا بسلطان عليها، بل يباشر متطلباتها مراقبا فى ذلك من مأمور تُعينه المحكمة التى صدر عنها حكم شهر الإفلاس، ليكون صلتها بين وكيل الدائنين وبينها، وضمانا لأن تتفرغ هى للمسائل الخطيرة وحدها التى تثيرها التفاليس التى تنظرها، والتى دل العمل على تعددها، وكثرة تفصيلاتها وتنوع منازعاتها. ومن ثم كان تعيينها أحد قضاتها -ممن يتمتعون بقدر من الخبرة وطول المران- لمراقبة أعمال وكيل الدائنين، عاصما من تدهور شئون التفليسة، وتوكيدا لحسن إدارتها. وحيث إن البين مما تقدم -وعملا بنص المادة 234 من قانون التجارة- أن مأمور التفليسة ليس إلا قاضيا من محكمة الإفلاس، يعين فى الحكم الصادر عنها بشهره، ليلاحظ -فى الحدود المقررة قانونا - أعمالها وإجراءاتها منذ افتتاحها وحتى نهايتها. ويعتبر الأمر الصادر عن هذا المأمور من الأعمال الولائية التى لم يجزنص المادة 236 من قانون التجارة، الطعن فيها إلا فى الأحوال المقررة قانونا، على أن يُرفع الطعن أمام محكمة الإفلاس التى يتبعها؛ وكان ماينعاه المدعى على نص هذه المادة، أن تطبيقها مؤداه أن تفصل فى هذا الطعن محكمة يكون مأمور التفليسة -المتظلم من أوامره- من بين أعضائها، مما يخل بحيدتها، فإن الخصومة الدستورية الماثلة أمام المحكمة الدستورية العليا تطرح عليها بالضرورة الفصل فى نطاق الضمانة الجوهرية لحيدة العمل القضائى، وما إذا كان إعمالها يعد أصلا دستوريا ثابتاً. وحيث إن الدستور قد نص فى المادة 166، على أن القضاة مستقلون، لاسلطان عليهم فى قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأى سلطة التدخل فى القضايا أو شئون العدالة؛ وكان هذا الاستقلال يتوخى أن يكون عاصماً من التدخل فى شئون السلطة القضائية، أو التأثير فى مجرياتها، أو تحريفها، أو الإخلال بمقوماتها باعتبار أن القرار النهائى فى شأن حقوق الأفراد وواجباتهم وحرياتهم، بيد أعضائها، ترد عنهم العدوان، وتقدم لمن يلوذ بها الترضية القضائية التى يكفلها الدستور أو القانون أو كلاهما، لايثنيها عن ذلك أحد . وليس لجهة أيا كان شأنها، أن تصرفها عن مهامها أو تعطلها. وحيث إن استقلال السلطة القضائية مؤداه أن يكون تقدير كل قاض لوقائع النزاع، وفهمه لحكم القانون بشأنها، متحررا من كل قيد، أو تأثير، أو إغواء، أو وعيد، أو تدخل، أو ضغوط، أيا كان نوعها أو مداها أو مصدرها أو سببها أو صورتها، مايكون منها مباشرا أو غير مباشر؛ وكان مما يعزز هذه الضمانة ويؤكدها، استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأن تنبسط ولايتها على كل مسألة من طبيعة قضائية، وأن يكون استقلال أعضائها كاملا قبل بعضهم البعض، فلا تتأثر أحكامها بموقعهم من رؤسائهم أو أقرانهم على ضوء تدرجهم وظيفيا فيما بينهم . ويتعين على السلطة التنفيذية بوجه خاص ألا تقوم من جانبها بفعل أو امتناع يجهض قرارا قضائيا قبل صدوره، أو يحول بعد نفاذه دون تنفيذه تنفيذا كاملا . وليس لعمل تشريعى أن ينقض قراراً قضائياً، ولا أن يحور الأثار التى رتبها، ولا أن يعدل من تشكيل هيئة قضائية ليؤثر فى أحكامها . بل إنه مما يدعم هذا الاستقلال، أن يكون للقضاة حق الدفاع عن محتواه بصورة جماعية، من خلال الآراء التى يعلنونها، وفى إطار حق الاجتماع . ويتعين دوما أن يكون إسناد القضايا إليهم وتوزيعها فيما بينهم عملاً داخلياً محضاً، فلا توجهه سلطة دخيلة عليهم أياً كان وزنها. ولا يجوز كذلك - فى إطار هذا الاستقلال - تأديبيهم إلا على ضوء سلوكهم الوظيفى، ولا عزلهم إلا إذا قام الدليل جلياً على انتفاء صلاحيتهم، ولا خفض مدة خدمتهم أثناء توليهم لوظائفهم، ولا تعيينهم لآجال قصيرة يكون عملهم خلالها موقوتاً، ولا اختيارهم على غير أسس موضوعية تكون الجدارة والاستحقاق مناطها. ويجب بوجه خاص أن توفر الدولة لسلطتها القضائية -بكل أفرعها- مايكفيها من الموارد المالية التى تعينها على أن تدير بنفسها عدالة واعية مقتدره، وإلا كان استقلالها وهما. وحيث إن القواعد المتقدمة تمثل - بعناصرها ومستوياتها - الحد الأدنى لاستقلال السلطة القضائية، التى تتغيا برسالتها ضمان التحقيق الكامل لحقوق الناس جميعا وحرياتهم، وإرساء القيم العليا لإرادة الاختيار من خلال نظم ديموقراطية يستقيم تطبيقها مع الأسس المعاصرة للدول المتحضرة . وحيث إن استقلال السلطة القضائية، وإن كان لازماً لضمان موضوعية الخضوع للقانون، ولحصول من يلوذون بها على الترضية القضائية التى يطلبونها عند وقوع عدوان على حقوقهم أو حرياتهم، إلا أن حيدتها عنصر فاعل فى صون رسالتها لايقل شأناً عن استقلالها، بما يؤكد تكاملها . ولئن كان بعض الفقهاء يولون عنايتهم لاستقلال السلطة القضائية، ولايعرضون لحيدتها إلا بصورة جانبية، ويمزجون بينهما أحيانا، إلا أن التمييز بين مفهوم استقلال السلطة القضائية وحيدتها، يتعين أن يكون فاصلا بين معنيين لايتداخلان، ذلك أن استقلال السلطة القضائية، يعنى أن تعمل بعيدا عن أشكال التأثير الخارجى التى توهن عزائم رجالها، فيميلون معها عن الحق إغواء أو إرغاماً، ترغيباً أو ترهيباً . فإذا كان انصرافهم عن إنفاذ الحق تحاملا من جانبهم على أحد الخصوم، وانحيازاً لغيره، لمصالح ذاتية أو لغيرها من العوامل الداخلية التى تثير غرائز ممالأة فريق دون آخر، كان ذلك منهم تغليبا لأهواء النفس، منافيا لضمانة التجرد عند الفصل فى الخصومة القضائية، مما يخل بحيادهم. يؤيد ذلك: أولاً: أن استقلال السلطة القضائية واستقلال القضاة، وإن كفلتهما المادتان 165 و 166 من الدستور، توقياً لأى تأثير محتمل قد يميل بالقاضى إنحرافاً عن ميزان الحق، إلا أن الدستور نص كذلك على أنه لاسلطان على القضاة فى قضائهم لغير القانون . وهذا المبدأ الأخير لايحمى فقط استقلال القاضى، بل يحول كذلك دون أن يكون العمل القضائى وليد نزعة شخصية غير متجردة، وهو أمر يقع غالباً إذا فصل القاضى فى نزاع سبق أن أبدى فيه رأياً . ومن ثم تكون حيدة القاضى شرطاً لازماً دستورياً لضمان ألا يخضع فى عمله لغير سلطان القانون. ثانياً: ما قرره إعلان المبادئ الأساسية فى شأن استقلال القضاة التى تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقراريها الصادرين فى 29/11/1985 و 13/12/1985، وهما يؤكدان أن القضاة يفصلون - فى إطار من الحيدة - فيما يعرض عليهم من منازعات على ضوء وقائعها ووفقا للقانون، غير مدفوعين بتحريض، أو معرضين لتدخل بلا حق، أو محملين بقيود أو ضغوط أو تهديد - مباشراً كان أم غير مباشر - أيا كان مصدرها أو سببها . "Les magistrats réglent les affaires dont ils sont saisis impartialement, d aprés les faits et conformément a la loi , sans restrictions et sans etre l objet d influences , incitations, pressions , menaces ou interventions indues, directes ou indirectes, de la part de qui que ce soit ou pour quelque raison que ce soit ". [ Principes fondamentaux relatifs a L indépendance de la magistrature Adoptés par le septiéme Congrés des Nations Unies pour la prévention du crime et le traitement des délinquants qui s est tenu a Milan du 26 aout au 6 septembre 1985 et confirmés par L Assemblée génerale dans ses résolutions 40 /32 du 29 novembre 1985 et 40/146 du 31 décembre 1985.] ثالثاً: إن انصباب ضمانتا استقلال السلطة القضائية وحيدتها معا على إدارة العدالة ضمانا لفعاليتها، مؤداه بالضرورة تلازمهما، فلا ينفصلان. ومن غير المتصور أن يكون الدستور نائيا بالسلطة القضائية عن أن تقوض بنيانها عوامل خارجية تؤثر فى رسالتها، وأن يكون إيصالها الحقوق لذويها مهددا بالتواء ينال من حيدة وتجرد رجالها، وإذا جاز القول -وهو صحيح- بأن الفصل فى الخصومة القضائية -حقا وعدلا- لايستقيم إذا داخلتها عوامل تؤثر فى موضوعية القرار الصادر عنها، أيا كانت طبيعتها وبغض النظر عن مصدرها أو دوافعها أو أشكالها، فقد صار أمرا مقضيا أن تتعادل ضمانتا استقلال السلطة القضائية وحيدتها فى مجال اتصالهما بالفصل فى الحقوق انتصافا ترجيحا لحقيقتها القانونية، لتكون لهما معا القيمة الدستورية ذاتها، فلا تعلو إحداها على أخراها أو تجبها، بل يتضاممان تكاملاً، ويتكافئان قدراً. رابعاً: إن ضمانة المحاكمة المنصفة التى كفلها الدستور بنص المادة 67، تعنى -وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة -أن يكون لكل خصومة قضائية قاضيها- ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية - وأن تقوم على الفصل فيها - علانية وإنصافا - محكمة مستقلة ومحايدة ينشئها القانون، يتمكن الخصم فى إطارها من إيضاح دعواه، وعرض أدلتها، والرد على مايعارضها من أقوال غرمائه أو حججهم على ضوء فرص يتكافأون فيها جميعاً، ليكون تشكيلها، وقواعد تنظيمها، وطبيعة النظم المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها عملاً مُحَدَّدَا للعداله مفهوماً تقدمياً يلتئم مع المقاييس المعاصرة للدول المتحضرة . خامساً: إن مفهوم حق التقاضى المنصوص عليه فى المادة 68 من الدستور - على مااستقر عليه قضاء هذه المحكمة - مؤداه أن مجرد النفاذ إلى القضاء لايعتبر كافياً لصون الحقوق التى تستمد وجودها من النصوص القانونية، بل يتعين دوماً أن يقترن هذا النفاذ، بإزالة العوائق التى تحول دون تسوية الأوضاع الناشئة من العدوان عليها، وبوجه خاص مايتخذ منها صورة الأشكال الإجرائية المعقدة، كى توفر الدولة للخصومة فى نهاية مطافها حلاً منصفاً يقوم على حيدة المحكمة واستقلالها، ويعكس بمضمونه التسوية التى يعمد الخصم إلى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التى يطلبها. وحيث إن ما ذهبت إليه هيئة قضايا الدولة، من أن الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، مردود بأن القيود التى فرضها الدستور على المشرع - ومن بينها صون ضمانة الحيده - تعتبر حداً لتلك السلطة ترسم تخومها، وتبين ضوابطها، فلا يجوز الخروج عليها، لتظل الدائرة التى لايتنفس الحق أو الضمانة محل الحماية إلا من خلالها - بعيدة عن عدوان السلطة التشريعية، فلا تنال منها سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها. وحيث إنه متى كان ماتقدم، وكان لايجوز أن يكون العمل القضائى موطئاً لشبهة تداخل تجرده، وتثير ظلالا قاتمة حول حيدته، فلا يطمئن إليه متقاضون استرابوا فيه بعد أن صار نائياً عن القيم الرفيعة للوظيفة القضائية، وكان لايتصور - والنفس بطبيعتها لاتميل إلى تخطئة تصرفاتها - أن ينظر مأمور التفليسة فى تظلم مقدم إلى المحكمة التى يتبعها فى شأن الأوامر التى أصدرها فى موضوع محدد، مبلوراً بها رأياً توصل إليه، ليُعَدَََّل فيه أويُلغِيه من خلال التظلم، وكان لايجوز بالتالى - انتصافا لضمانة الحيده وتوكيداً لها - أن يكون هذا المأمور عضواً فى المحكمة التى تنظر الطعن فى أوامره، فإن النص المطعون فيه - وقد جرى على غير هذا المنحى - مسقطاً عن فئة من المتقاضين تلك الضمانة الجوهرية التى كفلها لغيرهم، يكون مخالفاً لأحكام المواد 40 و 67 و 68 و 166 من الدستور. فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة 236 من قانون التجارة فيما تضمنته من جواز أن يكون مأمور التفليسة عضواً بالمحكمة الابتدائية التى تفصل فى التظلم من الأوامر التى أصدرها بشأن التفليسة، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنية مقابل أتعاب المحاماه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق