الطعن 14 لسنة 37 ق " دستورية " المحكمة الدستورية العليا
جلسة 4 / 2 /2017
منشور في الجريدة الرسمية العدد 6 مكرر ب في 15 / 2 / 2017 ص 28
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من فبراير سنة 2017م،
الموافق السابع من جمادى الأولى سنة 1438هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعي عمرو ورجب
عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمي وحاتم حمد بجاتو والدكتور محمد عماد
النجار نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ طارق عبد الجواد شبل رئيس هيئة
المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 14 لسنة 37
قضائية "دستورية".
------------
الوقائع
بتاريخ الخامس من فبراير سنة 2015، أقام المدعي هذه الدعوى، بإيداع
صحيفتها قلم كتاب المحكمة، طلباً للحكم بعدم دستورية قرار رئيس الهيئة العامة
للرقابة المالية رقم 54 لسنة 2009، المعدل بالقرار رقم 8 لسنة 2012.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين، طلبت في أولاهما: الحكم بعدم قبول
الدعوى، وفي ثانيتهما: الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى.
وقدم المدعى عليه الثاني مذكرة، طلب فيها الحكم أصلياً: بعدم اختصاص
المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطياً: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
-------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق -
في أن المدعي وآخر، كانا قد أقاما الدعوى رقم 51256 لسنة 68 قضائية، أمام محكمة
القضاء الإداري بالقاهرة، ضد المدعى عليه الثاني، طلباً للحكم: بصفة مستعجلة بوقف
تنفيذ القرار السلبي بالامتناع عن تقرير عدم الاعتداد وسريان قرار مجلس إدارة
الهيئة العامة للرقابة المالية رقم 54 لسنة 2009 المعدل بالقرار رقم 8 لسنة 2012،
مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها إقرار حق الجمعية العامة غير العادية للشركة،
في تجزئة القيمة الاسمية للسهم؛ مع استمرار التداول بسوق الأوامر "خارج
المقصورة"، لحين إعادة القيد بالبورصة، وفي الموضوع: بإلغاء القرار سالف
الذكر، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وذكر المدعي – شرحاً لدعواه – أن مجلس إدارة
الشركة، دعا الجمعية العامة غير العادية للشركة للنظر في الموافقة على تجزئة
القيمة الاسمية لسهم الشركة، مع زيادة رأس المال المصدر والمدفوع، بيد أن رئيس
البورصة رفض الاعتداد بدعوة الجمعية العمومية غير العادية للشركة للانعقاد،
متسانداً لعدم تقديم الشركة مبررات كافية لهذه الدعوة، معلناً عن وقف التداول على
أسهم الشركة، ونقلها إلى سوق نقل الملكية "سوق الصفقات"؛ حال عدم
تقديمها تلك المبررات، وهو ما يؤدي حتماً إلى انخفاض حاد لسعر سهم الشركة، وعلى
الرغم من بيان الشركة لمبررات تجزئة الأسهم، إلا أن رئيس البورصة رفض الموافقة على
قرار التجزئة دون إبداء أسباب موضوعية. فتظلم المدعي من هذا القرار، أمام لجنة التظلمات
بالهيئة العامة للرقابة المالية، وتمسك بعدم سريان أحكام قرار الهيئة العامة لسوق
المال رقم 54 لسنة 2009، المعدل بالقرار رقم 8 لسنة 2012، الصادرين بشأن منع
الشركات المتداولة بسوق الأوامر "خارج المقصورة" بالبورصة، من تعديل
بيانات إصدار الأسهم إلا بموافقة رئيس البورصة، وعدم نفاذه في شأن الشركة التي
يمثلها، ولا سيما أن هذين القرارين لم ينشرا بالوقائع المصرية، غير أن تظلمه قوبل
بالرفض، مما حدا به إلى إقامة دعواه سالفة البيان، توصلاً للقضاء له بطلباته
المتقدمة، وأثناء نظر الدعوى دفع المدعي بعدم دستورية القرار الآنف الذكر، وإذ
قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، صرحت للمدعي برفع الدعوى الدستورية، فأقام دعواه
المعروضة.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة والمدعى عليه الثاني دفعا بعدم اختصاص
المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى؛ تأسيساً على أن القرار المطعون فيه ليس
تشريعاً بالمعنى الموضوعي، بحسبانه لا يعد قانوناً أو لائحة. ولما كان من المقرر
في قضاء هذه المحكمة أن البت في اختصاصها ولائياً بنظر دعوى بذاتها، سابق بالضرورة
على الخوض في شرائط قبولها أو الفصل في موضوعها، وكان من المقرر أن الدستور قد عهد
بنص المادة (192) منه إلى المحكمة الدستورية العليا، دون غيرها، بتولي الرقابة
القضائية على دستورية القوانين واللوائح، وهو ما فصله قانون هذه المحكمة، فخولها
اختصاصاً منفرداً بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح، مانعاً أي جهة أخرى من
مزاحمتها فيه، مفصلاً طرائق هذه الرقابة وكيفيتها، وذلك ضماناً لمركزية الرقابة
على الشرعية الدستورية، وتأميناً لاتساق ضوابطها وتناغم معاييرها، وصولاً من بعد
لبناء الوحدة العضوية لأحكام الدستور، بما يكفل تكاملها وتجانسها، مؤكداً أن
اختصاص هذه المحكمة، في مجال مباشرتها الرقابة القضائية على دستورية القوانين
واللوائح، ينحصر في النصوص التشريعية أياً كان موضوعها أو نطاق تطبيقها أو الجهة
التي أقرتها أو أصدرتها؛ بما مؤداه ألا تنبسط ولايتها في شأن الرقابة القضائية على
دستورية القوانين واللوائح، إلا على القانون بمعناه الموضوعي باعتباره منصرفاً إلى
النصوص القانونية التي تتولد عنها مراكز عامة مجردة؛ سواء وردت هذه النصوص
بالتشريعات الأصلية التي أقرتها السلطة التشريعية، أم تضمنتها التشريعات الفرعية
التي تصدرها السلطة التنفيذية في حدود صلاحيتها التي ناطها الدستور بها؛ متى كان
ذلك، وكان القرار المطعون فيه، قد صدر من الهيئة العامة للرقابة المالية، إعمالاً
للتفويض المنصوص عليه في المادة (16) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم
95 لسنة 1992، منظماً – بقواعد عامة مجردة لا تقصد أشخاصاً بذواتهم، ولا تستنفد
أغراضها بتطبيقها على المخاطبين بأحكامها – بعض الأحكام المتعلقة بتداول الأوراق
المالية غير المقيدة بالبورصة "سوق الأوراق المالية غير المقيدة"؛ ومن
ثم فإن القرار المطعون فيه، يعد – بهذه المثابة – قراراً لائحياً، تنبسط عليه
ولاية المحكمة الدستورية العليا، ومن ثم يكون الدفع المبدي من المدعى عليهما على
غير سند، قميناً بالرفض.
وحيث إنه عن الدفع المبدي من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى؛
لخلو صحيفة الدعوى من البيانات التي تطلبها نص المادة (30) من قانون المحكمة
الدستورية العليا، الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، فمردود بأن ما تغياه قانون
المحكمة الدستورية العليا بنص المادة (30) من قانونها، هو ألا تكون صحيفة الدعوى
الدستورية أو قرار الإحالة الصادر من محكمة الموضوع مجهلاً بالمسائل الدستورية
المطروحة على هذه المحكمة ضماناً لتعيينها تعييناً كافياً، فلا تثير خفاء في شأن
مضمونها أو اضطراباً حول نطاقها، ليتمكن ذوو الشأن جميعاً من إعداد دفاعهم ابتداءً
ورداً وتعقيباً في المواعيد التي حددتها المادة (37) من ذلك القانون، ولتتولى هيئة
المفوضين بعد انقضاء تلك المواعيد، تحضير الدعوى، ثم إعداد تقرير يكون محدداً
للمسائل الدستورية المثارة ورأيها فيها مسبباً، ومن ثم يكفي لتحقيق تلك الغاية أن
يكون تعيين هذه المسائل ممكناً، ويتحقق ذلك كلما كان بنيان عناصرها منبئاً عن
حقيقتها. لما كان ذلك، وكانت صحيفة الدعوى المعروضة، قد تضمنت تحديد القرار
المطعون فيه، ونص الدستور المدعى مخالفته، وما ارتكن إليه المدعي من مخالفة القرار
المطعون فيه للدستور؛ وهو ما تتوافر به البيانات التي تطلبتها المادة (30) من
قانون المحكمة الدستورية العليا.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة، وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية،
مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون
الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها
والمطروحة أمام محكمة الموضوع. ولما كان القرار المطعون فيه قد تضمن وضع بعض
الأحكام المتعلقة بتداول الأوراق المالية غير المقيدة بالبورصة "سوق الأوراق
المالية غير المقيدة"، وهي الأحكام التي ارتكنت إليها البورصة المصرية في
إصدارها للقرار محل طلب وقف التنفيذ والإلغاء المطروح أمام محكمة الموضوع، فإن
المصلحة الشخصية المباشرة تكون متحققة بالنسبة للطعن على هذا القرار.
وحيث إن المدعي ينعى على القرار المطعون فيه مخالفته نص المادة (188)
من دستور سنة 1971، على سند من أن هذا القرار لم ينشر بالجريدة الرسمية.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن التحقق من استيفاء النصوص
التشريعية لأوضاعها الشكلية، يعتبر أمراً سابقاً بالضرورة على الخوض في عيوبها
الموضوعية، كما أن الأوضاع الشكلية، سواء في ذلك تلك المتعلقة باقتراحها أو
إقرارها أو إصدارها أو شروط نفاذها، إنما تتحدد في ضوء ما قررته في شأنها أحكام
الدستور المعمول به حين صدورها، ومن ثم فإن نصوص دستور سنة 1971، الذي صدر القرار
المطعون فيه في ظل العمل بأحكامه، تكون هي الواجبة التطبيق في هذا الشأن.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الدولة القانونية، وعلى ما
تنص عليه المادة (65) من دستور سنة 1971، هي التي تتقيد في ممارستها لسلطاتها،
أياً كانت وظائفها أو غاياتها، بقواعد قانونية تعلو عليها، وتردها على أعقابها إن
هي جاوزتها، فلا تتحلل منها، ذلك أن سلطاتها هذه، وأياً كان القائمون عليها، لا
تعتبر امتيازاً شخصياً لمن يتولونها، ولا هي من صنعهم، بل أسستها إرادة الجماهير
في تجمعاتها على امتداد الوطن، وضبطتها بقواعد آمرة لا يجوز النزول عنها، ومن ثم
تكون هذه القواعد قيداً على كل أعمالها وتصرفاتها، فلا تأتيها إلا في الحدود التي
رسمها الدستور، وبما يرعى مصالح مجتمعها.
وحيث إن مضمون القاعدة القانونية التي تعتبر إطاراً للدولة القانونية
تسمو عليها وتقيدها، إنما يتحدد، من منظور المفاهيم الديمقراطية التي يقوم نظام
الحكم عليها على ما تقضي به المواد (1, 3, 4) من دستور سنة 1971، على ضوء المعايير
التي التزمتها الدول الديمقراطية في ممارستها لسلطاتها، واستقر العمل فيما بينها
على انتهاجها باطراد في مجتمعاتها، فلا يكون الخضوع لها إلا ضماناً لحقوق مواطنيها
وحرياتهم، بما يكفل تمتعهم بها أو مباشرتهم لها دون قيود جائرة تنال من محتواها أو
تعطل جوهرها.
وحيث إن إخطار المخاطبين بالقاعدة القانونية، بمضمونها، يعتبر شرطاً
لإنبائهم بمحتواها، وكان نفاذها، تبعاً لذلك، يفترض إعلانها من خلال نشرها، وحلول
الميعاد المحدد لبدء سريانها. وكان ذلك مؤداه أن دخول هذه القاعدة مرحلة التنفيذ
مرتبط بواقعتين تجريان معاً وتتكاملان، وإن كان تحقق ثانيتهما معلقاً على وقوع
أولاهما، هما نشرها وانقضاء المدة التي حددها المشرع لبدء العمل بها، وكان من
المقرر أن كل قاعدة قانونية، سواء تضمنها قانون أو لائحة، لا يجوز اعتبارها كذلك،
إلا إذا قارنتها صفتها الإلزامية التي تمايز بينها وبين القاعدة الخلقية، فإن
خاصيتها هذه تعتبر جزءاً منها، فلا تستكمل مقوماتها بفواتها.
وحيث إن ما تقدم مؤداه أن نشر القاعدة القانونية ضمان لعلانيتها وذيوع
أحكامها واتصالها بمن يعنيهم أمرها، وامتناع القول بالجهل بها، وكان هذا النشر
يعتبر كافلاً وقوفهم على ماهيتها ومحتواها ونطاقها، حائلاً دون تنصلهم منها، ولو
لم يكن علمهم بها قد صار يقينياً، أو كان إدراكهم لمضمونها واهياً. وكان حملهم قبل
نشرها على النزول عليها، وهم من الأغيار في مجال تطبيقها، متضمناً إخلالاً
بحرياتهم أو بالحقوق التي كفلها الدستور، دون التقيد بالوسائل القانونية التي حدد
تخومها وفصل أوضاعها، فقد تعين القول بأن القاعدة القانونية التي لا تنشر، لا
تتضمن إخطاراً كافياً بمضمونها ولا بشروط تطبيقها، فلا تتكامل مقوماتها التي اعتبر
الدستور تحققها شرطاً لجواز التدخل بها لتنظيم الحقوق والحريات على اختلافها.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن القرار المطعون فيه لم
ينشر في الجريدة الرسمية "الوقائع المصرية"، وذلك بالمخالفة للنصوص
المتقدمة ونص المادة (188) من دستور سنة 1971، ومن ثم فإن تطبيقه على المدعي قبل
نشره، يزيل عن القواعد التي تضمنها صفتها الإلزامية، فلا يكون لها قانوناً من وجود.
وحيث إن مؤدي ما تقدم مخالفة أحكام القرار المطعون فيه، جميعها، لنصوص
المواد (1, 3, 4, 64, 65, 188) من دستور سنة 1971، الأمر الذي يتعين معه القضاء
بعدم دستوريته برمته.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية قرار رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية
رقم 54 لسنة 2009 المعدل بالقرار رقم 8 لسنة 2012، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ
مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق