الطعن 227 لسنة 25 ق "
دستورية " المحكمة الدستورية العليا جلسة 4 / 2 /2017
منشور في الجريدة الرسمية العدد 6 مكرر ب في 15 /2/ 2017 ص 3
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من فبراير سنة 2017م،
الموافق السابع من جمادي الأولى سنة 1438هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي جبالي والسيد عبد المنعم
حشيش ومحمد خيري طه النجار وسعيد مرعي عمرو والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد
الحكيم سليم نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ طارق عبد الجواد شبل رئيس هيئة
المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 227 لسنة 25
قضائية "دستورية".
------------
الوقائع
بتاريخ الثالث من أغسطس سنة 2003، أقام المدعون الدعوى المعروضة،
بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا بطلب الحكم بعدم دستورية نص
المادة الرابعة من القانون رقم 96 لسنة 1992 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم
178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليا: بعدم قبول
الدعوى، واحتياطيا برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
-------------
المحكمة
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق -
في أن المدعين كانوا قد أقاموا الدعويين رقمي 2623، 4481 لسنة 1998 مدني کلي
"حكومة"، أمام محكمة طنطا الابتدائية، مختصمين فيها المدعى عليهم من
السادس حتى الثالث عشر، بطلب الحكم بطردهم من المنزلين المبينين في صحيفة الدعوى،
وتسليمهما للمدعين خاليين من جميع الشواغل، مع إلزام المدعى عليهما الأخيرين
بصفتيهما بتدبير مسكنين بديلين للمدعى عليهم. وذلك على سند من أن مورثي المدعى
عليهم آنفي الذكر، كانا يستأجران أرضا زراعية من مورث المدعين، طبقا لأحكام المرسوم
بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي، بموجب عقدي إيجار مؤرخين 30/ 9/ 1963
و1/ 1/ 1984، وذلك بزمام عزبة أبو شليب، ببار الحمام مركز بسيون، وقد قام مورث
المدعين بتسليم مورثي المدعى عليهم منزلين للإقامة بهما، من منازل العزبة المملوكة
لهما، حتى يتمكنا من خدمة الأرض التي يستأجرانها، ثم صدر القانون رقم 96 لسنة
1992، الذي أنهى عقود الإيجار التي كانت سارية وقت العمل به بنهاية السنة الزراعية
1996/ 1997، ونفاذا لذلك، قام المدعى عليهم بتسليم الأراضي الزراعية للمدعين، بيد
أنهم امتنعوا عن تسليم المنزلين الكائنين على تلك الأرض، والمسلمين لهما بغرض خدمة
الأرض الزراعية التي كانت مؤجرة لمورثيهم. وهو ما يصير معه بقاؤهم في هذين
المنزلين مفتقرا للسند القانوني ويعد غصبا. وإبان تدوول نظر الدعوى الأولى، وجه
المدعى عليهم دعوى فرعية ضد المدعين، بثبوت ملكيتهم للمنزلين موضوع التداعي، بوضع
اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية.
وبجلسة 16/ 12/ 1998، قررت المحكمة ضم الدعوى رقم 4481 لسنة 1998 مدني
کلي طنطا، للدعوى رقم 2623 لسنة 1998 مدني کلي طنطا.
وبجلسة 27/ 11/ 2002، قضت المحكمة في الدعوى رقم 2623 لسنة 19988 مدني كلي طنطا، بعدم قبول الدعوى الفرعية، وبرفض الدعوى
الأصلية فيما يتعلق بطلب طرد المدعى عليهم من السادس إلى الثالث عشر من منزلي
التنازع، وبعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر طلب إلزام المدعى عليهما الأخيرين
بصفتيهما بتدبير مسكنين بديلين للمدعى عليهم في تلك الدعوى، وبإحالة هذا الشق من
الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بطنطا. وقضت المحكمة في الدعوى رقم 4481 لسنة
1998 مدني کلي طنطا برفضها.
وإذ لم يرتض المدعون هذا القضاء، طعنوا عليه أمام محكمة استئناف طنطا
بالاستئناف رقم 3687 لسنة 52 قضائية، بطلب الحكم أصليا: بإلغاء الحكم المستأنف في
الدعويين رقمي 2623/ 4481 لسنة 1998 مدني کلي طنطا، والقضاء لهم مجددا بطلباتهم
المبداة في صحيفتي افتتاح تلك الدعويين، مع تأييد الحكم الصادر برفض الدعوى
الفرعية. واحتياطيا: بقبول الدفع بعدم دستورية نص المادة الرابعة من القانون رقم
96 لسنة 1992، لمخالفتها نصوص المواد (2، 7، 34، 40، 41) من دستور 1971 وتأجيل نظر
الاستئناف لاتخاذ إجراءات الدعوى الدستورية.
کما طعن المدعى عليهما الأخيران، بصفتيهما، على الحكم الابتدائي
المشار إليه، أمام محكمة استئناف طنطا بالاستئناف رقم 152 لسنة 53 قضائية، بطلب
الحكم بإلغاء الحكم الصادر في الدعوى رقم 2623 لسنة 1998 مدني کلي طنطا، فيما قضى
به من عدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر طلب إلزام جهة الإدارة بتدبير مسكنين بديلين
للمدعى عليهم، والقضاء بإعادة الدعوى في ذلك الشق إلى محكمة أول درجة للفصل في
موضوعها. وبجلسة 28/ 5/ 2003، قررت محكمة استئناف طنطا ضم الاستئناف رقم 152 لسنة
53 قضائية إلى الاستئناف رقم 3687 لسنة 52 قضائية، للارتباط وليصدر فيهما حكم
واحد، کما قررت تأجيل نظرهما معا لجلسة 29/ 10/ 2003، کطلب الحاضر عن المدعين في
الاستئناف رقم 3687 لسنة 52 قضائية، لاتخاذ إجراءات الطعن على المادة الرابعة من
القانون رقم 96 لسنة 1992 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952
بالإصلاح الزراعي أمام المحكمة الدستورية العليا، فأقام
المدعون دعواهم المعروضة.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية – وهي شرط
لقبولها – مناطها – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها
وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة
الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك،
وكان النزاع الموضوعي ينصب على طلب المدعين في الدعوى الموضوعية طرد المدعى عليهم
من السادس حتى الثالث عشر من المنزلين اللذين كانوا يشغلونهما بمناسبة استئجار
مورثيهم الأرض المملوكة للمدعين، وذلك بعد انتهاء عقود إيجار تلك الأراضي، وكان
النص المطعون فيه يخول مستأجر الأرض الزراعية البقاء في المسكن الملحق بالأرض إذا
كان المسكن الوحيد لإقامته ومن يعولهم، وذلك حتى تدبر الدولة مسكنا آخر له بأجرة
مناسبة بالوحدة المحلية التي كان يقيم بها، ولا يجوز إخلاؤه قبل تدبير هذا المسكن،
فإن المصلحة الشخصية والمباشرة في الدعوى المعروضة تكون متحققة، ويتحدد نطاق تلك
الدعوى بالفقرة الثانية من المادة الرابعة من القانون رقم 96 لسنة 1992 بتعديل بعض
أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي، فيما نصت عليه من أنه
"ولا يجوز إخلاؤه قبل تدبير هذا المسكن".
وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، من حيث
مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم
دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلا صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج
على أحكامه التي تمثل دائما القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها
مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما
يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، وكان النص المحال لا زال
قائما ومعمولا بأحكامه، ومن ثم فإن حسم أمر دستوريته يتم في ضوء أحكام الدستور
الحالي الصادر عام 2014.
وحيث إنه باستعراض التطور التاريخي لقوانين الإصلاح الزراعي وآخرها
القانون رقم 96 لسنة 1992 (المتضمن النص المطعون فيه)، يتبين أن أول قانون للإصلاح
الزراعي صدر بالمرسوم بالقانون رقم 178 لسنة 1952 محددا ملكية الشخص للأراضي
الزراعية بمائتي فدان، ثم صدر القانون رقم 127 لسنة 1961 بتحديد الحد الأقصى
لملكية الشخص للأراضي الزراعية بمائة فدان، ثم صدر القانون رقم 50 لسنة 1969 محددا
ملكية الفرد بخمسين فدانا، ومائة فدان للأسرة من الأراضي الزراعية وما في حكمها،
وفي ذات السياق حدد المرسوم بالقانون رقم 178 لسنة 1952 مدة عقد إيجار الأراضي
الزراعية بما لا يقل عن ثلاث سنوات، ثم صدر القانون رقم 406 لسنة 1953 مقررا مد
عقود الإيجار التي انتهت لمدة سنة أخرى، وهكذا توالت التشريعات على ذات المنوال،
حتى
صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 67 لسنة 1975 مقررا امتداد عقود
إيجار الأراضي الزراعية دون تقيد بأجل محدد، وعدم جواز إخلاء المستأجر من الأراضي
المؤجرة إلا إذا أخل بالتزام جوهري يقضي به القانون أو العقد، وبتاريخ 27/ 6/ 1992
صدر القانون رقم 96 لسنة 1992 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952
بالإصلاح الزراعي، وبموجب المادة الأولى منه تم استبدال المادة (33 مكررا ز) من
القانون المشار إليه والتي نصت على أن "تنتهي عقود إيجار الأراضي الزراعية
نقدا أو مزارعة السارية وقت العمل بأحكام هذا القانون بانتهاء السنة الزراعية 96/
1997، ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك.
ولا ينتهي عقد الإيجار بموت المؤجر أو المستأجر، وإذا توفى المستأجر
خلال المدة المبينة بالفقرة السابقة ينتقل حق الإيجار إلى ورثة المستأجر حتى
انتهاء المدة السابقة.
وتسري أحكام القانون المدني، بما فيها ما يتعلق بتحديد القيمة
الإيجارية على عقود الإيجار المذكورة في الفقرتين السابقتين عند انقضاء مدة
السنوات الخمس المشار إليها.
وإذا رغب المؤجر في بيع الأرض المؤجرة قبل انقضاء المدة المبينة في
الفقرة الأولى كان للمستأجر أن يختار بين شرائها بالسعر الذي يتفق عليه، أو أن
يخلي الأرض بعد تقاضيه من المؤجر مقابل التنازل عن المدة المتبقية من العقد، ويحسب
هذا المقابل بأربعين مثل الضريبة العقارية المقررة عن كل سنة زراعية، أو
أن يستمر مستأجرا للأرض إلى حين انتهاء المدة المشار إليها في الفقرة
الأولى".
ونصت المادة الرابعة من القانون الأخير السالف الذكر (النص المطعون
فيه) على أن "لا يترتب على تطبيق أحكام هذا القانون الإخلال بالقواعد
القانونية أو التعاقدية المقررة في تاريخ العمل به لشغل المساكن الملحقة بالأراضي
الزراعية المؤجرة.
ومع ذلك إذا ترتب على إنهاء عقد إيجار الأرض الزراعية المؤجرة وفقا
لأحكام هذا القانون إخلاء المستأجر للمسكن الملحق بالأرض الذي يقيم به، وكان هو
المسكن الوحيد لإقامته ومن يعولهم، تكفل الدولة تدبير مسكن آخر له بأجرة مناسبة
بالوحدة المحلية التي كان يقيم فيها، ولا يجوز إخلاؤه قبل تدبير هذا المسكن".
وحيث إن البين من تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الزراعة والري ومكتب
لجنة الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب عن مشروع القانون بتعديل بعض أحكام المرسوم
بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي - القانون رقم 96 لسنة 1992 – أن ذلك
المشروع كان يتكون من ثلاث مواد ولم يكن يتضمن النص المطعون فيه، وكان ذلك المشروع
يستهدف صدور قانون متوازن يحقق العدالة بين طرفي العلاقة الإيجارية في الأراضي
الزراعية، مع توخي أن تأتي نصوص مشروع القانون استجابة للحاجات الضرورية ولخدمة
أهداف الإصلاح الاقتصادي مع التوفيق بين وجهات النظر المختلفة للمتخصصين من رجال
القانون والقضاء وممثلي الملاك والمستأجرين.
وأثناء مناقشة ذلك المشروع بمجلس الشعب – طبقا لما تكشف عنه مضبطة
الجلسة السابعة والتسعين بتاريخ 23/ 6/ 1992 – اقترح أحد السادة الأعضاء إضافة
النص المطعون فيه والنص الذي يليه، وذلك لمعالجة الأوضاع القائمة والتي تتمثل في
أن بعض المستأجرين عند إخلائهم للأرض الزراعية سوف يضطرون إلى ترك المساكن التي
كانوا يعيشون فيها، ولهذا فقد أقترح إضافة النص المطعون فيه إلى مشروع القانون.
ولقد لاقى ذلك الاقتراح معارضة بعض الأعضاء لعدم جدواه، وذهب المعارضون إلى أن
الأوفق تعويض الفلاحين الذين انتهت عقود إيجار الأراضي الزراعية التي كانوا
ينتفعون بها، عن مساكنهم الملحقة بتلك الأراضي والتي تعتبر السكن الوحيد لإقامتهم
ومن يعولونهم، بحسبان القانون قرر انتهاء عقود إيجار الأراضي الزراعية بانتهاء
السنة الزراعية 96/ 1997، ومن ثم لم يعد للفلاح بعد ترکه الأرض الحق في البقاء في
المنزل الذي كان يقيم به،
اللهم إلا إذا أتفق المالك والمستأجر على ذلك.
وحيث إن السياسة التشريعية الرشيدة يتعين أن تقوم على عناصر متجانسة،
فإن قامت على عناصر متنافرة نجم عن ذلك افتقاد الصلة بين النصوص ومراميها، بحيث لا
تكون مؤدية إلى تحقيق الغاية المقصودة منها لانعدام الرابطة المنطقية بينهما،
تقديرا بأن الأصل في النصوص التشريعية – في الدولة القانونية – هو ارتباطها عقلا
بأهدافها، باعتبار أن أي تنظيم تشريعي ليس مقصودا لذاته، وإنما هو مجرد وسيلة
لتحقيق تلك الأهداف، ومن ثم يتعين دائما استظهار ما إذا كان النص المطعون فيه
يلتزم إطارا منطقيا للدائرة التي يعمل فيها، كافلا من خلالها تناغم الأغراض التي
يستهدفها، أو متهادما مع مقاصده أو مجاوزا لها، ومناهضا – بالتالي – لمبدأ خضوع
الدولة للقانون المنصوص عليه في المادة (94) من الدستور.
وحيث إن الدستور - إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة، وتوكيدا
لإسهامها في صون الأمن الاجتماعي - کفل حمايتها لكل فرد – وطنيا كان أم أجنبيا –
ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفي الحدود التي يقتضيها تنظيمها،
باعتبارها عائدة - في الأغلب الأعم من الأحوال - إلى جهد صاحبها، بذل من أجلها
الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها، وأحاطها بما قدره ضروريا
لصونها، معبدا بها الطريق إلى التقدم، كافلا للتنمية أهم أدواتها، محققا من خلالها
إرادة الإقدام، هاجعا إليها لتوفر ظروفا أفضل لحرية الاختيار والتقرير، مطمئنا في
كنفها إلى يومه وغده، مهيمنا عليها ليختص دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، فلا
يرده عنها معتد، ولا يناجز سلطته في شأنها خصيم ليس بيده سند ناقل لها، ليعتصم بها
من دون الآخرين، وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التي تعينها على أداء دورها،
وتقيها تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحماية التي كفلها الدستور
للملكية الخاصة تفترض ألا ترهق القيود التي يفرضها المشرع عليها – في إطار وظيفتها
الاجتماعية – جوهر بنيانها، وألا يكون من شأنها تعطيل الانتفاع بها بما يفقدها علة
وجودها، وينحدر بالحماية المقررة لها إلى ما يفرغها من مضمونها، ذلك أن صون
الملكية الخاصة وإعاقتها لا يجتمعان، وكلما تدخل المشرع مقوضا بنيانها من خلال
قيود ترهقها إلى حد ابتلاعها، كان عمله افتئاتا عليها منافيا للحق فيها، ومؤدى ذلك
أن بقاء الملكية مع الحرمان من مقوماتها أمران متناقضان، وإذا كان بقاء الملكية
بيد أصحابها هو الأصل فيها، فإن إخراجها من ذمتهم يعتبر حرمانا منها لا يجوز إلا
في الأحوال التي يقررها القانون، وبالطريقة التي رسمها، ومقابل تعويض عادل، وهذه
القاعدة عينها هي التي التزمتها الدساتير المصرية المتعاقبة، جاعلة منها قيدا على
السلطتين التشريعية والتنفيذية بما يحول دونهما ونزع الملكية دون مقتض، أو بغير
تعويض، أو دون تقيد بالقواعد التي حددها القانون.
وحيث إن تدخل المشرع بتنظيم أوضاع أموال معينة مع إبقائها بيد أصحابها
بطريقة تؤدي عملا إلى تقويض مقوماتها من خلال إهدار قيمتها الاقتصادية إلى حد كبير
- ولو كان ذلك تذرعا بالوظيفة الاجتماعية للملكية - إنما يعد انتقاصا من حق
الملكية تتحدد مشروعيته من زاوية دستورية بأن يكون مقترنا بالتعويض العادل عن
القيود التي يتضمنها ذلك التنظيم.
وحيث إن العدالة الاجتماعية وإن كانت من القيم التي تبناها الدستور،
إلا أن مفهومها لا يناقض بالضرورة حق الملكية، ولا يجوز أن يكون عاصفا بفحواه،
وعلى الأخص في نطاق العلائق الإيجارية التي تستمد مشروعيتها الدستورية من التوازن
في الحقوق التي كفلها المشرع لأطرافها. ذلك أن الملكية – بما يتفرع عنها من الحقوق
- ينبغي أن تخلص لأصحابها، فلا ينقض المشرع على أحد عناصرها، ليقيم بنيانها على
غير القواعد التي تتهيأ بها لوظيفتها الاجتماعية أسبابها. ولئن جاز القول بأن لكل
حق وظيفة يعمل في إطارها ليتحدد مداه على ضوئها، إلا أن لكل حق كذلك دائرة لا يجوز
اغتيالها حتى يظل الانتفاع به ممكنا. وكلما فرض المشرع على الحق قيودا جائرة تنال
من جدواه، فلا يكون بها إلا هشيما، فإن التذرع بأن لهذه القيود دوافعها من وظيفته
الاجتماعية يكون لغوا.
وحيث إن السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في موضوع تنظيم الحقوق،
لازمها أن يفاضل بين بدائل متعددة مرجحا من بينها ما يراه أكفل بتحقيق المصالح
المشروعة التي قصد إلى حمايتها، إلا أن الحدود التي يبلغها هذا التنظيم لا يجوز
بحال أن ينفلت مداها إلى ما يعد سلبا للملكية من أصحابها، سواء من خلال العدوان
عليها بما يفقدها قيمتها، أو عن طريق اقتحامها ماديا، بل أن اقتلاع المزايا التي
تنتجها، أو تهميشها، مؤداه سيطرة آخرين فعلا عليها، أو تعطيل بعض جوانبها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المشرع قد قصد من إقراره القانون رقم
96 لسنة 1992 بتعديل بعض أحكام المرسوم بالقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح
الزراعي، تحقيق العدالة، وإعادة التوازن للعلاقة بين ملاك الأراضي الزراعية
ومستأجريها، وصولا إلى تحقيق التوازن العادل بين طرفي هذه العلاقة، فقرر انتهاء
عقود الإيجار السارية وقت العمل بأحكام ذلك القانون بانتهاء السنة الزراعية 96/
1997، ما لم يتفق المالك والمستأجر على غير ذلك، كما قرر انتقال حق الإيجار إلى
ورثة المستأجر حتى انتهاء المدة السابقة، وخول المستأجر - في حالة رغبة المالك في
بيع الأرض المؤجرة – قبل انقضاء تلك المدة – حق الاختيار بين شرائها بالسعر الذي
يتفق عليه، أو إخلائها بعد تقاضيه من المؤجر مقابل التنازل عن المدة المتبقية في
العقد، إلا أن المشرع قد نكث على عقبيه وقرر بالنص المطعون فيه أحقية المستأجر
الذي انتهى عقد إيجار الأرض الزراعية المؤجرة له في البقاء في المسكن الملحق
بالأرض والذي يقيم به، متى كان هو المسكن الوحيد لإقامته ومن يعولهم، ولا يجوز
إخلاؤه من هذا المسكن قبل تدبير الدولة له مسكنا آخر بأجرة مناسبة بالوحدة المحلية
التي كان يقيم بها، وبذلك يكون المشرع قد حاد عن الهدف والغاية من إقراره القانون
رقم 96 لسنة 1992، وعمد إلى تعطيل النتائج التي قصد تحقيقها وهي انتهاء عقود إيجار
الأراضي الزراعية، بانتهاء السنة الزراعية 1996/ 1997، طبقا لما تضمنته الفقرة
الأولى من المادة (33 مكررا ز) من المرسوم بالقانون رقم 178 لسنة 1952 والمعدل
بالقانون رقم 96 لسنة 1992، وهو ما أقرت هذه المحكمة صحته بحكمها الصادر بجلسة 13/
1/ 2008 والذي قضى برفض الدعوى رقم 70 لسنة 20 قضائية "دستورية" التي
أقيمت طعنا على تلك المادة، وهو ما يوقع النص المطعون فيه في حومة مخالفة المواد
(2، 8، 27، 35، 36) من الدستور.
وحيث إن البين مما تقدم أن النص المطعون فيه قد جاء مفتقدا للصلة
المنطقية بينه والغاية التي قصد المشرع تحقيقها من وراء إقراره القانون رقم 96
لسنة 1992، فضلا عن أنه فرض قيودا على الملكية الخاصة يصل مداها إلى حد تقويض
دعائمها، فلا يكون الانتفاع بها ممكنا وميسورا لأصحابها، وذلك بأن حرم ملاك
الأراضي الزراعية التي أعيدت إليهم من جزء من تلك الأراضي، حرمانا قد يطول أمده
إلى غير حد، وموكولا انتهاؤه إلى السلطة التقديرية للدولة والتي يقع على عاتقها تدبير
مسكن آخر للمستأجر الذي انتهى عقد إيجار الأراضي الزراعية المؤجرة له بأجرة مناسبة
بالوحدة المحلية التي كان يقيم بها قبل إخلائه من المسكن الذي يشغله، فلا يبقى من
الأموال التي يرد عليها الحرمان شيء من منافعها، بل تخرج بتمامها من السلطة
الفعلية لأصحابها، مع حرمانهم من كل فائدة اقتصادية يمكن أن تعود عليهم منها، وبما
يعطل وظائفها عملا، وهو ما يعدل - في الآثار التي يرتبها - نزع الملكية من أصحابها
دون تعويض، وفي غير الأحوال التي نص عليها القانون، بما يعتبر غصبا لها يحيل أصلها
عدما، بل إن اغتيالها على هذا النحو يمثل أسوأ صور العدوان عليها، لاتخاذه الشرعية
ثوبا وإطارا، وانحرافه عنها قصدا ومعنى، فلا تكون الملكية التي يكفل الدستور صونها
إلا سرابا أو وهما.
وحيث إن بقاء أغيار في مساكن مرصودة من قبل ملاكها، لمصلحة الأراضي
التي يملكونها وخدمتها، بعد أن صاروا منبتي الصلة بهذه الأراضي بانتهاء عقود
استئجارهم لها بموجب القانون 96 لسنة 1992 المشار إليه، يمثل عدوانا على الإنتاج
والاستثمار الزراعي، فتلك المساكن قد تم رصدها من قبل ملاكها لخدمة الأراضي
الزراعية التي يملكونها، والأصل فيها أن يسكنها من يعمل في خدمتها، بحسبانها الحل
الأمثل لإقامة العاملين على خدمة هذه الأراضي ورعايتها، فإذا ما قرر المشرع أحقية
غير القائمين على خدمة هذه الأراضي الزراعية في شغل تلك المساكن والبقاء فيها إلى
غير أمد، فمن ثم يكون النص المطعون فيه مخالفا لأحكام المادة (29) من الدستور،
والتي تنص على أن
"الزراعة مقوم أساسي للاقتصاد الوطني، وتلتزم الدولة بحماية الرقعة
الزراعية، وتعمل على تنمية الإنتاج الزراعي والحيواني".
ولا ينال مما تقدم، قالة أن ما قرره المشرع بالنص المطعون فيه يدخل في
سلطة المشرع التقديرية وتخير أنسب الحلول للمشكلات التي يواجهها، ذلك أن السلطة
التقديرية التي يملكها المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، لازمها أن يفاضل بين بدائل
متعددة مرجحا من بينها ما يراه أكفل بتحقيق المصالح المشروعة التي قصد إلى
حمايتها، غير أن الحدود التي يتصور أن يبلغها هذا التنظيم، لا يجوز بحال أن ينفلت
مداها إلى ما يعد سلبا للملكية من أصحابها، سواء من خلال العدوان عليها بما يفقدها
قيمتها، أو عن طريق اقتحامها ماديا، وطبقا لنص المادة (92) من الدستور، فإن سلطة
المشرع في تنظيم الملكية الخاصة لا يجوز أن تنال من أصلها أو تفتئت على جوهرها،
ومن ثم فاقتلاع المزايا التي تنتجها الملكية أو تهميشها، بما يؤدي إلى سيطرة آخرين
فعلا عليها، وتعطيل بعض جوانبها، إنما يعد مجاوزة من قبل المشرع لحدود الضوابط
التي رسمها الدستور للمشرع وهو بصدد تنظيمه لحق الملكية.
كما لا ينال مما تقدم أيضا، قالة أن المشرع بإقراره النص المطعون فيه،
التزم إطار الوظيفة الاجتماعية للملكية الخاصة، لإمكان تحميلها ببعض القيود التي
تقتضيها الضرورة الاجتماعية. فذاك مردود بأن الحماية التي كفلها الدستور للملكية
الخاصة في إطار وظيفتها الاجتماعية، تفترض ألا ترهق القيود التي يفرضها المشرع
عليها جوهر بنيانها، وألا يكون من شأنها تعطيل الانتفاع بها بما يفقدها علة
وجودها، وينحدر بالحماية المقررة لها إلى ما دون مستوياتها الموضوعية، ولا أن يكون
ذلك سبيلا لتسلب الدولة من الالتزام الدستوري الملقى على عاتقها بالمادة (78) من
الدستور بتوفير المسكن الملائم والآمن والصحي للمواطن؛ كما سلف البيان.
وحيث، إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه يغدو مخالفا لنصوص
المواد (2، 8، 27، 29، 35، 36، 78) من الدستور، مما يتعين معه القضاء بعدم
دستوريته.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة الرابعة من
القانون رقم 96 لسنة 1992 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952
بالإصلاح الزراعي، فيما نصت عليه من أنه "ولا يجوز إخلاؤه قبل تدبير هذا
المسكن"، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق