الطعن 153 لسنة 32 ق " دستورية " المحكمة الدستورية العليا
جلسة 4 / 2 /2017
منشور في الجريدة الرسمية العدد 6 مكرر ب في 15 / 2 / 2017 ص 18
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من فبراير سنة 2017م،
الموافق السابع من جمادى الأولى سنة 1438هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي جبالي ومحمد خيري طه النجار
والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمي إسكندر ومحمود محمد غنيم وحاتم محمد بجاتو نواب
رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ طارق عبد الجواد شبل رئيس هيئة
المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 153 لسنة 32
قضائية "دستورية".
----------------
الوقائع
بتاريخ العاشر من أغسطس سنة 2010، أقامت المدعية هذه الدعوى، بإيداع
صحيفتها قلم كتاب المحكمة، بطلب الحكم بعدم دستورية البند رقم (1) من المادة (71)
من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، فيما
أغفله من النص على أحقية العامل أو العاملة المسيحية في الحصول على إجازة خاصة
بأجر كامل لمدة شهر لمرة واحدة طوال حياته الوظيفية لزيارة بيت المقدس، مع عدم
احتسابها من الإجازات الأخرى المقررة للعامل بأجر كامل.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها أصلياً: الحكم بعدم قبول
الدعوى، واحتياطياً: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
----------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق –
في أن المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 15637 لسنة 29 قضائية أمام محكمة القضاء
الإداري بالمنصورة، ضد المدعى عليهما الثالث والرابع، بطلب الحكم بأحقيتها في
احتساب إجازتها خلال الفترة من 28/3/2007 حتى 26/4/2007، إجازة خاصة بأجر كامل
لأداء فريضة التقديس ببيت المقدس، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها عدم
احتسابها من رصيد إجازاتها الاعتيادية، قولاً منها إنها تعمل كاتب أول بنيابة
أحداث جنوب المنصورة الكلية، وقامت بزيارة بيت المقدس لأداء فريضة التقديس، بعد
موافقة جهة عملها على منحها إجازة خاصة لزيارة بيت المقدس اعتباراً من 28/3/2007
حتى 26/4/2007، إلا أنها فوجئت بعد عودتها من الإجازة بقيام جهة الإدارة باحتساب
مدة الإجازة من رصيد إجازاتها الاعتيادية، فتقدمت بتظلم من ذلك، تم حفظه على سند
من عدم جواز منحها هذه الإجازة، كما تقدمت بتظلم إلى لجنة التوفيق في المنازعات،
التي انتهت إلى رفضه، مما حدا بها إلى إقامة دعواها المتقدمة، وأثناء نظر الدعوى
تقدمت بمذكرة دفعت فيها بعدم دستورية نص البند (1) من المادة (71) من قانون نظام
العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، فيما أغفله من النص
على أحقية العامل المسيحي في الحصول على إجازة خاصة بأجر كامل لمدة شهر لمرة واحدة
طوال حياته الوظيفية لزيارة بيت المقدس، مع عدم احتسابها من الإجازات الأخرى التي
يحصل عليها بأجر كامل، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعية برفع
الدعوى الدستورية، أقامت دعواها المعروضة.
وحيث إن الثابت بالأوراق أن البابا تاوضروس الثاني بابا وبطريرك
الكرازة المرقسية أرسل أثناء تحضير الدعوى خطاباً، أشار فيه إلى أن زيارة الأماكن
المسيحية في بيت المقدس يعد من الواجبات الدينية المقدسة التي استقرت عليها عادات
المسيحيين من أقدم العصور، وأن المجمع المقدس أصدر قراراً منذ أكثر من خمسة عشر
عاماً بمنع الزيارة على الأقباط الأرثوذوكس، حتى زوال الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
وحيث إن المادة (71) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر
بالقانون رقم 47 لسنة 1978 - الملغى بالقانون رقم 81 لسنة 2016 بإصدار قانون
الخدمة المدنية – تنص على أن "يستحق العامل إجازة خاصة بأجر كامل، ولا تحتسب
ضمن الإجازات المقررة في المواد السابقة، وذلك في الحالات الآتية: (1) لأداء فريضة
الحج وتكون لمدة شهر وذلك لمرة واحدة طوال حياته الوظيفية
........".
وحيث إنه عن الدفع المبدي من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى
لرفعها بعد الميعاد، فمردود بأن الثابت بملف الدعوى الموضوعية أن المدعية قدمت
بجلسة 23/2/2010 مذكرة ضمنتها الدفع بعدم الدستورية، وبجلسة 23/6/2010 قدرت محكمة
الموضوع جدية الدفع، وقررت وقف الدعوى تعليقاً، وصرحت للمدعية برفع الدعوى
الدستورية، فأقامت دعواها بتاريخ 10/8/2010، خلال مهلة الثلاثة أشهر التي عينها
المشرع كحد أقصى لرفع الدعوى الدستورية طبقاً لنص المادة (29/ ب) من قانون هذه
المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، ومن ثم فإن دعواها المعروضة تكون قد
أقيمت في الميعاد المقرر قانوناً، ويكون الدفع بعدم قبولها لرفعها بعد الميعاد في
غير محله، حقيقاً بالالتفات عنه.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت كذلك بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة،
على سند من أن الحج لغة يعني القصد، وأنه ورد في النص المطعون فيه بصفة عامة
مطلقة، بحيث يشمل الحج إلى بيت الله الحرام وزيارة بيت المقدس، ومن ثم لا يكون
الضرر المدعى به عائداً للنص المذكور، وأن خطأ الجهة الإدارية في تطبيق النص لا
يمثل عيباً دستورياً، فذلك مردود بأن النص المطعون فيه إنما قصد الحج كفريضة
إسلامية، وركن من أركان الدين الإسلامي، ومن أجل ذلك حرص المشرع حين أراد تقرير حق
العامل في الإجازة لزيارة بيت المقدس، على النص على ذلك صراحة في المادة (53) من
قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، التي تقضي باستحقاق العامل المخاطب
بأحكام هذا القانون والذي أمضى في خدمة صاحب العمل خمس سنوات متصلة إجازة بأجر
كامل لمدة شهر لمرة واحدة طوال مدة خدمته لأداء فريضة الحج أو زيارة بيت المقدس،
كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن مفهوم المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول
الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى
الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات
الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة أمام محكمة الموضوع، متى كان ذلك، وكان النزاع
المردد أمام محكمة الموضوع يدور حول أحقية المدعية في احتساب مدة زيارتها لبيت
المقدس إجازة خاصة بأجر كامل، مع عدم احتسابها من رصيد إجازاتها الاعتيادية، وكان
نطاق الدعوى المعروضة – في ضوء حقيقة طلبات المدعية التي ضمنتها صحيفة دعواها
الدستورية - يتحدد بصدر الفقرة الأولى من المادة (71) من قانون نظام العاملين
المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، والبند رقم (1) من هذه
الفقرة، فيما تضمناه من قصر نطاق تطبيق أحكامهما على أداء فريضة الحج، دون زيارة
بيت المقدس بالنسبة للعامل المسيحي الديانة، فإن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعية
تكون متحققة، بحسبان القضاء في دستورية هذا النص في ذلك النطاق سيكون له أثر
وانعكاس أكيد على الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، ولا ينال مما تقدم
إلغاء قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 بنص
المادة الثانية من القانون رقم 81 لسنة 2016 بإصدار قانون الخدمة المدنية، ذلك أن
المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء النص التشريعي المطعون فيه لا يحول دون
النظر والفصل في الطعن بعدم دستوريته من قبل من طبق عليهم ذلك القانون خلال فترة
نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليهم، وبالتالي توافرت لهم مصلحة
شخصية في الطعن بعدم دستوريته، وفي ضوء ما تقدم جميعه يتعين الالتفات عن الدفع
بعدم قبول الدعوى.
وحيث إن المدعية تنعي على النص المطعون فيه - في حدود نطاقه سالف
الذكر - مخالفته لنصوص المواد (2, 8, 40, 46, 68) من الدستور الصادر سنة 1971،
قولاً منها إنها كمسيحية مقيمة إقامة دائمة في مصر، ولها ما للعاملين المسلمين
وعليها ما عليهم، فإنه يحق لها الحصول على إجازة بأجر كامل لزيارة بيت المقدس
شأنها في ذلك شأن العاملين المسلمين عند قيامهم بفريضة الحج، وأن هذا الحق كفلته
لها الشريعة الإسلامية، كما قررته المادة (53) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم
12 لسنة 2003، وأغفله النص المطعون فيه الذي اقتصر على تقرير الإجازة لأداء فريضة
الحج.
وحيث إن من المقرر أن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح
من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور
القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً صون الدستور المعمول به
وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائماً القواعد والأصول
التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام، التي
يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد
الآمرة، وإذ كان الثابت أن قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون
رقم 47 لسنة 1978 قد تم إلغاؤه اعتباراً من 2/11/2016 تاريخ العمل بقانون الخدمة
المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، طبقاً لنص المادتين الثانية والخامسة
من هذا القانون، وعلى ذلك فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون فيه من
خلال أحكام الدستور الحالي، باعتباره الوثيقة الدستورية الحاكمة للنزاع المعروض.
وحيث إنه يتبين من استقصاء النصوص الخاصة بحرية العقيدة في الدساتير
المصرية المتعاقبة، أنها حرصت على التأكيد على تلك الحرية وكفالتها، بدءاً بدستور
سنة 1923 الذي نص في المادة (12) منه على أن "حرية العقيدة مطلقة"، ونصت
المادة (13) منه على أن "تحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد
طبقاً للعادات المرعية في الديار المصرية على ألا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافي
الآداب"، وظل هذان النصان قائمين حتى ألغى دستور سنة 1923 وحل محله دستور
1956، فأدمج النصين المذكورين في نص واحد تضمنته المادة (43)، وكان يجرى نصها على
أن "حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد
طبقاً للعادات المرعية في مصر، على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي
الآداب"، ثم تردد هذا النص في دستور سنة 1964 (في المادة 34 منه)، والمادة
(46) من دستور سنة 1971 التي نصت على أن "تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية
ممارسة الشعائر الدينية"، ثم نص الفقرة الأولى من المادة (12) من الإعلان
الدستوري الصادر في 30/3/2011 الذي ردد الحكم ذاته، ونصت المادة (43) من الدستور
الصادر في 25/12/2012 على أن "حرية الاعتقاد مصونة. وتكفل الدولة حرية ممارسة
الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة للأديان السماوية؛ وذلك على النحو الذي ينظمه
القانون"، ثم نصت الفقرة الثانية من المادة (7) من الإعلان الدستوري الصادر
بتاريخ 8/7/2013 على أن "تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر
الدينية لأصحاب الشرائع السماوية"، واستقر الأمر أخيراً في المادة (64) من
الدستور الحالي الصادر في 18/1/2014 على أن "حرية الاعتقاد مطلقة. وحرية
ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه
القانون".
وحيث إن المستفاد مما تقدم أن الدساتير المصرية المتعاقبة قد التزمت
مبدأ حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة، والتي حرص
الدستور القائم على كفالتهما، لارتباطهما الوثيق بالمواطنة التي اعتبرها الدستور
في المادة (1) منه أساساً لبناء الدولة ونظامها الجمهوري الديمقراطي، فوق كونهما
يعدان من الأصول الدستورية الثابتة المستقرة في كل بلد متحضر، فحرية الاعتقاد
مطلقة لا قيد عليها، ولكل إنسان أن يؤمن بما يشاء من الأديان والعقائد التي يطمئن
إليها ضميره وتسكن إليها نفسه، ولا سبيل لأي سلطة عليه فيما يدين به في قرارة نفسه
وأعماق وجدانه، ومن أجل ذلك فإن حرية الاعتقاد تعد من الحريات اللصيقة بشخص
الإنسان، التي لا تقبل – طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة (92) من الدستور –
تعطيلاً ولا انتقاصاً، فلا يجوز في المفهوم الحق لهذه الحرية – على ما جرى به قضاء
هذه المحكمة – أن يحمل الشخص على القبول بعقيدة لا يؤمن بها، أو التنصل من عقيدة
دخل فيها أو الإعلان عنها، أو ممالأة إحداها تحاملاً على غيرها، سواء بإنكارها أو
التهوين منها أو ازدرائها، بل تتسامح الأديان فيما بينها، ليكون احترامها
متبادلاً، ولا يجوز كذلك أن يكون صون تلك الحرية لمن يمارسونها إضراراً بغيرها،
ولا أن تيسر الدولة – سراً أو علانية – الانضمام إلى عقيدة ترعاها إرهاقاً للآخرين
من الدخول في سواها، ولا أن يكون تدخلها بالجزاء عقاباً لمن يلوذون بعقيدة لا
تصطفيها، وليس لها بوجه خاص إذكاء صراع بين الأديان تمييزاً لبعضها على البعض.
وحيث إن حرية إقامة الشعائر الدينية وممارستها وإقامة دور العبادة،
تمثل المظهر الخارجي لحرية الاعتقاد، باعتبارها انتقالاً بالعقيدة من مجرد الإيمان
بها واختلاجها في الوجدان، إلى التعبير عنها وعن محتواها عملاً، من خلال دور
العبادة على اختلافها، ليكون تطبيقها حياً، فلا تكمن في الصدور، وقد حرص الدستور
على النص صراحة على قصرها على الأديان السماوية الثلاثة المعترف بها، وهي اليهودية
والمسيحية والإسلام، وهو ما أكدته الأعمال التحضيرية للدستور القائم، هذا وقد أوكل
الدستور للقانون تنظيم هذا الحق، بما لا يمس أصله أو جوهره، وهو القيد العام الذي
وضعه الدستور على سلطة المشرع العادي في تنظيم ممارسة الحقوق والحريات، وضمنه نص
الفقرة الثانية من المادة (92) منه، ولا ريب أن هذا الحق مقيد بقيد نصت عليه
الدساتير السابقة وأغفله الدستور الحالي، وهو قيد عدم الإخلال بالنظام العام وعدم
منافاة الآداب، إذ إن من المقرر أن إغفال ذلك القيد لا يعني إسقاطه عمداً أو إباحة
إقامة الشعائر الدينية ولو كانت مخلة بالنظام العام أو منافية للآداب، ذلك أن هذا
القيد غني عن الإثبات والنص عليه صراحة، باعتباره أمراً بديهياً وأصلاً دستورياً
يتعين إعماله ولو أغفل النص عليه.
وحيث إن من المقرر أن مبدأ المساواة أمام القانون الذي رددته الدساتير
المصرية المتعاقبة بدءاً بدستور سنة 1923، وانتهاءً بالدستور القائم الذي تناوله
في المادتين (4، 53) منه، يستهدف حماية حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور
التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، وهو بذلك يعد وسيلة لتقرير الحماية
القانونية المتكافئة التي لا يقتصر تطبيقها على الحقوق والحريات العامة المنصوص
عليها في الدستور، بل يمتد مجال إعمالها إلى الحقوق التي يقرها القانون ويكون
مصدراً لها، ومن ثم لا يجوز للقانون أن يقيم تمييزاً غير مبرر تتنافر به المراكز
القانونية التي تتماثل في عناصرها.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكانت زيارة الأماكن المسيحية ببيت المقدس تعد
من الواجبات الدينية لدى المسيحيين، وقد أقر المشرع ذلك بالنص عليها صراحة في
المادة (53) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، بما لازمه صيرورة
هذه الشعيرة من الشعائر الدينية التي أوجب الدستور على المشرع العادي كفالة الحق
في ممارستها بحرية لأصحاب الأديان السماوية الثلاثة، والذي يعد النظام القانوني
الذي يكفل ذلك أحد وسائله لتحقيق تلك الغاية، وسبيله لذلك بالنسبة للعاملين، ومن
بينهم شاغلو الوظائف العامة، يكون من خلال تقرير الحق في الإجازة اللازمة
لممارستها، باعتبارها أحد الحقوق المتفرعة عن حق العمل والحق في الوظيفة العامة،
اللذين جعل الدستور في المواد (12, 13, 14) منه الحفاظ عليهما وكفالتهما، وما
يتفرع عنهما من حقوق التزاماً على الدولة، ومن ثم لا يجوز للسلطة التشريعية أن تجعل
من السلطة المخولة لها في تنظيم هذه الحقوق مدخلاً للمساس بأصلها أو تعطيل جوهرها،
أو إهدار حقوق يملكها العامل، وعلى الأخص تلك التي تتصل بالأوضاع التي ينبغي أن
يمارس فيها حقه في العمل، ويندرج تحتها الحق في الإجازة الذي لا يجوز لجهة العمل
حجبه عمن يستحقه، كما يتعين عليها تمكينه من أداء فرائضه وواجباته الدينية، التي
تقرها الأديان السماوية، على أساس من المساواة، ودون تمييز في ممارستها بين
العاملين المتماثلين في مراكزهم القانونية، ومن بينهم المخاطبون بأحكام قانون نظام
العاملين المدنيين بالدولة، ممن يتناولهم النص المطعون فيه، وإلا وقع النص المخالف
لذلك عدواناً على حق العمل، والحق في الوظائف العامة، والحق في ممارسة الشعائر
الدينية، فوق كونه يعد مصادماً لمبدأي المواطنة والمساواة اللذين كفلهما الدستور،
باعتبارهما أساساً لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية.
متى كان ذلك، وكان التنظيم الذي أتى به النص المطعون فيه لم يتضمن
تقرير الحق في إجازة وجوبية للعاملين المسيحيين المخاطبين بأحكام قانون نظام
العاملين المدنيين بالدولة، لمدة شهر بأجر كامل، ولمرة واحدة طوال حياتهم
الوظيفية، لزيارة بيت المقدس، مع عدم احتسابها ضمن الإجازات الاعتيادية المقررة
بذلك القانون، وقصر منحها على أداء فريضة الحج، فإن هذا التنظيم يغدو تنظيماً
قاصراً غير متكامل، لا يحيط بالحقوق والحريات التي كفلها الدستور من مختلف أقطارها
وجوانبها، ويكون بذلك قد أخل إخلالاً جسيماً بها، بما يفقدها تكاملها وترابط أجزائها،
ويقع من ثم مخالفاً لنصوص المواد (1, 4, 12, 13, 14, 53, 64, 92) من الدستور،
متعيناً لذلك القضاء بعدم دستوريته.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية صدر الفقرة الأولى من المادة (71) من قانون
نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، والبند رقم (1)
من هذه الفقرة، فيما تضمناه من قصر نطاق تطبيق أحكامهما على أداء فريضة الحج، دون
زيارة بيت المقدس بالنسبة للعامل المسيحي الديانة، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ
مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق