الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 24 يوليو 2019

عدم دستورية جواز نزول المحامي أو ورثته عن إيجار مكتبه لمزاولة غير المحاماة من المهن الحرة أو لمباشرة حرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة


القضية رقم 25 لسنة 11 قضائية " دستورية " جلسة 27 / 5 / 1992
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم الاربعاء 27 مايو سنة 1992 م الموافق 24 ذو القعده 1412 هــ . 
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر   رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : محمد ولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وحمدى محمد على وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور/ عبد المجيد فياض    اعضاء 
وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عمارة   المفوض
وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد  أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 25 لسنة 11 قضائية " دستورية " .
المقامة من
الاستاذ / لطفى محمود لطفى بصفته وكيلا عن الشيخ جابر الاحمد الصباح
ضد
1 - الاستاذ / محمود عبد الباقى سالمان
2 - الدكتور / عبد الوهاب عبد الحميد الشافعى
3 - السيد / رئيس مجلس الوزراء
4 - السيد / وزير العدل
" الإجراءات "
بتاريخ 26 إبريل سنة 1989 أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم -وعلى ما يبين من مذكرته المودعة بتاريخ 29 مارس سنة 1990-بعدم دستورية نص المادة (55) من القانون رقم 17 لسنة 1983 فيما تضمنته "واستثناء من حكم المادة (20) من القانون رقم 136 لسنة 1981 يجوز للمحامي أو لورثته التنازل عن حق إيجار مكتب المحاماة لمزاولة مهنة حرة أو حرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة ".
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة ، طلبت فيها رفض الدعوى ، وقدم المدعى عليه الأول مذكرة طلب فيها الحكم، أصلياً: بعدم قبول الدعوى واحتياطياً: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع -على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل في أن المدعى عليه الأول استأجر الشقة رقم 20 التى يملكها المدعى والكائنة في العقار رقم 32 الكائن بشارع يحيى إبراهيم بالزمالك قسم قصر النيل بالقاهرة – وذلك بموجب عقد إيجار مؤرخ 20 من نوفمبر سنة 1979 وبغرض استغلالها مسكناً خاصاً، وبتاريخ أول مايو سنة 1988 غير الغرض لتصبح مكتباً للمحاماة ، وفى الثانى من مارس سنة 1989 تنازل المدعى عليه الأول عن إيجار الشقة المذكورة إلى المدعى عليه الثانى للانتفاع بها كيعادة طبية إعتباراً من أول يونيو سنة 1989، وأقام كلاهما الدعوى رقم 3879 لسنة 1989 أمام محكمة جنوب القاهرة الإبتدائية (دائرة الإيجارات) ضد وكيل المدعى طالبين الحكم بصحة التنازل المشار إليه وإلزامه بتحرير عقد إيجار إلى المتنازل إليه بذات شروط عقد الإيجار المتنازل عنه وذلك إستناداً إلى الفقرة الثانية من المادة (55) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 التى تجيزه. وأثناء نظر الدعوى دفع وكيل المدعى بعدم دستورية هذه المادة ، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع فقد صرحت له بجلسة 26 من مارس سنة 1989 برفع دعواه الدستورية ، فأقام الدعوى الماثلة ، وعقب قيدها قضت المحكمة المذكورة بجلسة 28 من مايو سنة 1989 بوقف الدعوى الموضوعية حتى يصدر حكم من هذه المحكمة .
 وحيث إن المدعى عليه الأول دفع بعدم قبول الدعوى الماثلة على أساس أنها طعن مباشر بعدم دستورية النص التشريعى المطعون فيه بالمخالفة للمادة (29) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1979 التى لا تجيز ذلك سواء عن طريق الدعوى الأصلية أو الطلب العارض، ولا يجدى في ذلك الدفع بعدم الدستورية الذى أثاره المدعى أمام محكمة الموضوع ذلك أنها لم توقف الدعوى بعد تقديرها لجديته وتصريحها له بإقامة الدعوى الدستورية .
 وحيث إن هذا الدفع غير سديد، ذلك أن المادة (29) سالفة البيان تنص على أن "تتولى المحكمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه الآتى :
(أ‌) ........................
(ب‌) إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام أحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة ورأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدى أجلت نظر الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعاداً لا يجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا، فإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد اعتبر الدفع كأن لم يكن "، متى كان ذلك، وكان البين من هذا النص أن محكمة الموضوع إذ ترخص لمن أثار الدفع بعدم الدستورية - بعد تقديرها لجديته - برفع الدعوى الدستورية إلى المحكمة الدستورية العليا، فإن هذا الترخيص لا يلزمها سوى بتأجيل الدعوى الموضوعية المنظورة أمامها، وبالتالى لا يكون وقفها شرطاً لقبول الدعوى الدستورية ، ولا يغير من هذا النظر أن تستعيض محكمة الموضوع في حالة بذاتها وفى حدود سلطتها التقديرية عن تأجيل الدعوى الموضوعية المطروحة عليها، بوقفها لأن ذلك منها لا يعدو أن يكون تربصاً بقضاء المحكمة الدستورية العليا في شأن دستورية النصوص التشريعية المطعون عليها، وهى عين النتيجة التى قصد المشرع إلى بلوغها من وراء تأجيل الدعوى الموضوعية إثر التصريح برفع الدعوى الدستورية ، ومن ثم يكون الدفع بعدم قبول الدعوى الماثلة على غير أساس حرياً بالرفض .
 وحيث إن المدعى ينعى على الفقرة الثانية من المادة (55) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 - وهى الفقرة المطعون عليها- إيثارها المحامى أو ورثته بميزة النزول عن حق إيجار مكتب المحاماة لمن حددتهم من الغير دون أن تكفل لمالك العين الحق في أن يتقاسم مع المتنازل المقابل المعروض للتنازل عنها، وهو ما يخرج بالفقرة المطعون عليها على عمومية القاعدة القانونية وتجردها باعتبارها استثناء غير مبرر من حكم المادة (20) من القانون رقم 136 لسنة 1981، هذا بالإضافة إلى انطوائها على مخالفة لمبدأ تكافؤ الفرص، وإخلالها بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، والمنصوص عليهما في المادتين (8، 40) من الدستور .
وحيث إنه من المقرر -وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن مناط المصلحة في الدعوى الدستورية -وهى شرط لقبولها - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية ، وذلك أن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع، متى كان ذلك، وكانت الدعوى الموضوعية تتعلق بنزول المدعى عليه الأول عن إجارة العين التى اتخذها مكتباً للمحاماة إلى المدعى عليه الثانى بوصفه طبيباً لتمكينه من الانتفاع بها كعيادة طبية ، وكان الدفع بعدم الدستورية الذى أبداه المدعى أمام محكمة الموضوع من حصراً في هذا النطاق وحده، فإن مصلحته الشخصية المباشرة إنما تتحدد في المسألة الدستورية المتصلة بالنزاع الموضوعى، وهى تلك المتعلقة بنزول المحامى أو ورثته عن حق إيجار مكتب المحاماة لمزاولة غيرها من المهن الحرة أو لممارسة حرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة ، ومن البديهى أن انحصار الطعن الماثل في النطاق المتقدم لا يعنى أن ما تضمنته الفقرة الثانية من المادة (55) من قانون المحاماة من أحكام تجاوز هذا النطاق وتتعداه، قد أضحى مطهراً مما قد يكون عالقاً بها من مثالب موضوعية ، إذ لا يزال مجال الطعن فيها مفتوحاً لكل ذى مصلحة .
وحيث إن حق المدعى في الحصول على 50% من مقابل التنازل لا يعدو أن يكون أثراً مترتباً بقوة القانون على النزول عن الحق في الإجارة ، وكل ما قررته الفقرة المطعون عليها من حرمان المدعى من هذا الحق، يثير بالضرورة مسألة سابقة على نشوئه قانوناً، هى ما إذا كان النزول عن الإجارة في ذاته لمزاولة غير مهنة المحاماة من المهن الحرة أو لممارسة حرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة يعتبر جائزاً من الناحية الدستورية . متى كان ذلك، وكان مناط جريان الآثار التى يرتبها المشرع على الأعمال القانونية أن تتوافر لهذه الأعمال ذاتها مقوماتها من الناحية الدستورية والقانونية على حد سواء، فإن مدى اتفاق التنازل في ذاته وأحكام الدستور يكون مطروحاً بقوة النصوص الدستورية على هذه المحكمة لتقول كلمتها فيه .
وحيث إن المادة (20) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تنص على انه " يحق للمالك عند قيام المستأجر في الحالات التى يجوز له فيها بيع المتجر أو المصنع أو التنازل عن حق الانتفاع بالوحدة السكنية أو المؤجرة لغير أغراض السكنى الحصول على 50% من ثمن البيع أو مقابل التنازل بحسب الأحوال، بعد خصم قيمة المنقولات التى بالعين . وعلى المستأجر قبل إبرام الاتفاق إعلان المالك على يد محضر بالثمن مخصوماً منه نسبة ال 50% المشار إليها خزانة المحكمة الجزئية الواقع في دائرتها العقار إيداعاً مشروطاً بالتنازل عن عقد الإيجار وتسليم العين وذلك خلال شهر من تاريخ الإعلان . وبانقضاء ذلك الأجل يجوز للمستأجر أن يبيع لغير المالك مع إلتزام المشترى بأن يؤدى للمالك مباشرة نسبة ال 50% المشار إليها، وتنص الفقرة الثانية من المادة (55) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 - وهى الفقرة المطعون عليها-على أنه "استثناء من حكم المادة (20) من القانون رقم 136 لسنة 1981 يجوز للمحامى أو لورثته التنازل عن حق إيجار مكتب المحاماة لمزاولة مهنة حرة أو حرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة ".
وحيث إن مؤدى نص المادة (20) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه أنه في الأحوال التى يجوز فيها للمستأجر التنازل عن حق الانتفاع بالوحدة السكنية أو المؤجرة لغير أغراض السكنى ، قرر المشرع قاعدة عامة مجردة يستحق المالك بموجبها 50% من مقابل التنازل بعد خصم قيمة ما يكون في هذه الوحدة من منقولات، وهى قاعدة عدل بها المشرع عما كان معمولاً به قبلها من تخويل المستأجر الأصلى المرخص له بالنزول عن الإجارة -سواء في عقد إيجار أو في ترخيص لا حق- حق التنازل عنها إلى الغير بمقابل لا ينال منه المالك شيئاً أياً كان قدره، وقد توخى المشرع بالعدول عن انفراد المستأجر بمقابل التنازل أن يعيد إلى العلاقة الإيجارية توازنها الذى كان قد اختل، وأن يكفل ذلك من خلال أمرين:
أولهما: إلزامه المستأجر بأن يتقاسم مع المالك مقابل التنازل المعروض عليه لمواجهة نزول الأول عن المكان المؤجر نزولاً نافذاً فورياً في حق المالك وبغير رضاه، ثانيهما: تقرير أولوية لمالك العين المؤجرة في الانتفاع بها دون المتنازل إليه وذلك إذا أفصح المالك عن رغبته في ذلك عن طريق إيداع خزانة المحكمة الجزئية الواقع في دائرتها العقار 50% من مقابل التنازل المعروض بعد خصم قيمة المنقولات التى بالعين، وعلى أن يكون هذا الإيداع مشروطاً بالتنازل عن عقد إيجارها وتسليمها . غير أن قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 انتظم بأحكامه موضوع النزول عن الإيجار إذا كان محل التنازل حق إيجار مكتب المحاماة ، وكان المتنازل محامياً أو أحد ورثته، فأجاز - بنص الفقرة الثانية من المادة (55) منه- هذا التنازل لمن كان مزاولاً لمهنة حرة أو لحرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة ، وأو رد بمقتضاها. واستثناء من نص المادة (20) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه - حكماً مؤداه: حرمان المالك من حقين كانت المادة (20) سالفة البيان قد كفلتهما له بغية أن تعيد إلى العلاقة الإيجارية -بإقرارها لهذين الحقين – توازناً مفقوداً هما حق المالك في الحصول على 50% من مقابل التنازل عن العين المؤجرة إذا اتجهت إرادته إلى إنفاذه، وحقه - إذا عمد إلى إهدار التنازل - في أن يستعيد العين من مستأجرها بعد أداء تلك القيمة ، ومن ثم يكون المشرع قد فرض بالأحكام التى قررتها القفرة الثانية من المادة (55) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 -وفى حدود نطاق الطعن الماثل- التنازل على من يملكون هذه الأماكن بما مؤداه: التعرض لحق ملكيتهم عليها عن طريق حرمانهم من الاستئثار بمنافعها .
وحيث إن الدستور حرص على النص على صون الملكية الخاصة وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود وبالقيود التى أو ردها، باعتبار أنها في الأصل ثمرة مترتبة على الجهد الخاص الذى بذله الفرد بكده وعرقه، وبوصفها حافز كل شخص إلى الإنطلاق والتقدم، إذ يختص دون غيره بالأموال التى يملكها، وتهيئة الانتفاع المقيد بها لتعود إليها ثمارها، وكانت الأموال التى يرد عليها حق الملكية تعد كذلك من مصادر الثروة القومية التى لا يجوز التفريط فيها أو استخدامها على وجه يعوق التنمية أو يعطل مصالح الجماعة ، وكانت الملكية في إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة لم تعقد حقاً مطلقاً، ولا هى عصية على التنظيم التشريعى ، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ، وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية ، والأغراض التى ينبغى توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التى يجريها المشرع ويرجح من خلالها ما يراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية على ضوء أحكام الدستور متى كان ذلك، تعين أن ينظم القانون أداء هذه الوظيفة مستهدياً بوجه خاص بالقيم التى تنحاز إليها الجماعة في مرحلة معينة من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود التى تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة . ولقد كفل الدستور في مادته الثانية والثلاثين حماية الملكية الخاصة التى لا تقوم في جوهرها على الاستغلال، وهو يرد إنحرافها كلما كان استخدامها متعارض مع الخير العام للشعب، ويؤكد دعمها بشرط قيامها على أداء الوظيفة الاجتماعية التى يبين المشرع حدودها مراعياً أن تعمل في خدمة الاقتصاد القومى ، وفى إطار خطة التنمية .
وحيث إن الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية تبرز -على الأخص- في مجال الانتفاع بالأعيان المؤجرة ، ذلك أن كثرة من القيود تتزاحم في نطاق مباشرة المالك لسلطته المتعلقة باستغلاله لملكه، وهى قيود قصد بها في الأصل مواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن المهيأة للسكنى وغيرها من الأماكن لمقابلة الزيادة المطردة في الطلب عليها، تلك الأزمة التى ترتد جذورها إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية وما ترتب عليهما من ارتفاع أجرة الأماكن على اختلافها بعد انقطاع ورود المواد الأولية للبناء ونضوبها وازدياد النازحين إلى المدن، بالإضافة إلى الزيادة الطبيعية في سكانها، وكان أن عمد المشرع إلى مواجهة هذه الأزمة بتشريعات استثنائية مؤقتة -لا يجوز التوسع في تفسيرها أو القياس عليها - خرج فيها على القواعد العامة في عقد الإيجار مستهدفاً بها -
على الأخص - الحد من حرية المؤجر في تقدير الأجرة واعتبار العقد ممتداً بقوة القانون بذات شروطه الأصلية عدا المدة والأجرة، غير أن ضراوة الأزمة وحدتها جعلت التشريعات الاستثنائية متصلة حلقاتها، مترامية في زمن تطبيقها، محتفظة بذاتيتها واستقلالها عن القانون المدنى، متعلقة أحكامها بالنظام العام لإبطال كل اتفاق على خلافها ولضمان سريانها بأثر مباشر على الآثار التى رتبتها عقود الإيجار القائمة عند العمل بها ولو كانت مبرمة قبلها، وزايلتها بالتالى صفتها المؤقتة ، وآل الأمر إلى اعتبار أحكامها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها مكملاً بقواعد القانون المدنى باعتباره القانون العام، إذ كان ذلك، وكانت الضرورة الموجهة لهذا التنظيم الخاص تقدر بقدرها، ومعها تدور القيود النابعة وجوداً وعدماً باعتبارها علة تقريرها، وكان حق المستأجر في العين المؤجرة – حتى مع قيام هذا التنظيم الخاص- لا زال حقاً شخصياً تؤول إليه بمقتضاه منفعة العين المؤجرة ،و ليس حقاً عينياً يرد على هذه العين في ذاتها، تعين أن يكون البقاء في العين المؤجرة بعد انتهاء مدة الإجارة مرتبطاً بحاجة المستأجر إليها بوصفها مكاناً يأويه هو وأسرته أو يباشر مهنته أو حرفته فيها، فإذا انفكت ضرورة شغل العين عن مستأجرها، زايلته الأحكام الاستثنائية التى بسطها المشرع عليه لحمايته، ولم يعد له من بعد حق في البقاء في العين المؤجرة ، ولا النزول عنها للغير بالمخالفة لإرادة مالكها، وهو ما رددته هذه التشريعات ذاتها بإلقائها على المستأجر واجبات ثقيلة غايتها ضمان أن يكون شغله العين المؤجرة ناشئاً عن ضرورة حقيقية يقوم الدليل عليها، لا أن يتخذها وسيلة إلى الانتهاز والاستغلال، ذلك أن القيود التى يفرضها المشرع على حق الملكية لضمان أدائها لوظيفتها الاجتماعية يتعين أن تظل مرتبطة بالأغراض التى تتوخاها، دائرة في فلكها، باعتبار أن ذلك وحده هو علة مشروعيتها ومناط استمرارها، متى كان ذلك، وكانت سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق لا تعنى ترخصه في التحرر من القيود والضوابط التى فرضها الدستور كحدود نهائية لهذا التنظيم لا يجوز تخطيها أو الدوران من حولها، وكان كل نص تشريعى لا يقيم وزناً للتوازن في العلاقة الإيجارية عن طريق التضحية الكاملة بحقوق أحد طرفيها – وهو المؤجر – يعتبر مقتحماً الحدود المشروعة لحق الملكية ومنطوياً على إهدار الحماية الدستورية المقررة لها، وكان الأصل في مهنة المحاماة التى نظمها القانون رقم 17 لسنة 1983 بإصدار قانون المحاماة المعدل بالقانون رقم 227 لسنة 1984 أنها مهنة حرة قوامها مشاركة السلطة القضائية في تحقيق العدالة ، وفى توكيد سيادة القانون وفى كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم، ويمارسها المحامون وحدهم في استقلال ولا سلطان عليهم في ذلك إلا لضمائرهم وأحكام القانون، ولتحقيق هذا الغرض حظر المشرع- وعلى ما قررته المادة (14) من هذا القانون – الجمع بينها وبين الأعمال التى عددتها والتى قدر المشرع منافاتها لها، كما كفل بالمادة (51) من ذلك القانون عدم جواز التحقيق مع محام أو تفتيش مكتبه إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة ، ولم يجز كذلك بنص الفقرة الأولى من المادة (55) منه الحجز على مكتبه وكافة محتوياته المستخدمة في مزاولة المهنة ، متى كان ذلك وكانت النصوص التى أو ردها قانون المحاماة على النحو السالف بيانه تتضافر مع غيرها من النصوص التى بسطها في مجال توجهها نحو دعم مهنة المحاماة والتمكين من أداء رسالتها على الوجه الذى يكفل إرساء سيادة القانون، وبمراعاة ما يقتضيه تنظيم أصول المهنة سعياً للنهوض بها، فإن الفقرة الثانية من المادة (55) منه – وهى النص التشريعى المطعون فيه - تبدو غريبة في بابها من فصلة عن مجموع الأحكام التى اشتمل عليها هذا القانون، منافية للتنظيم المتكامل لمهنة المحاماة ، وهو تنظيم خاص توخى تحديد حقوق المحامين وواجباتهم بصورة دقيقة بما لا يخرج على أصول المهنة أو يخل بمتطلباتها محددة على ضوء الأغراض التى ترمى هذه المهنة إلى بلوغها، بما مؤداه: انفصال الفقرة الثانية من المادة (55) - في جوانبها المطعون عليها- عن الأحكام التى تقتضيها مزاولة مهنة المحاماة والقيام على رسالتها، ذلك أنها تقرر لكل محام - ولو بعد تخليه حال حياته عن مزاولة المهنة - ولورثته من بعده - ولو كانوا من غير المحامين،- مزية استثنائية تنطوى على إسقاط كامل لحقوق المالك المرتبطة بها، وتقدم المنفعة المجلوبة على المضرة المدفوعة بالمخالفة لمبادئ الشريعة الإسلامية ، ويظهر ذلك على الأخص من وجهين: أولهما أن الفقرة المطعون عليها تتجاهل كلية موجبات التوازن في العلاقة الإيجارية التى استهدفتها المادة (20) من القانون رقم 136 لسنة 1981 وذلك بحرمانها من قام بتأجير عين يملكها لآخر لاستخدامها مكتباً للمحاماة - دون غيره من المؤجرين- من الحصول على 50% من مقابل التنازل إذا أراد إنفاذه ومن الانتفاع بالعين إذا أراد إهداره مقابل أداء هذه القيمة ، ثانيهما أن مؤدى الفقرة المطعون عليها أن تنازل المحامى أو ورثته عن حق إيجار مكتبه يعتبر نافذاً في حق المالك بغير رضاه، إذ يظل عقد الإيجار قائماً ومستمراً لمصلحة المتنازل إليه، ودون مقابل يؤديه المتنازل إلى المالك، ولو كان المتنازل إليه لا يزاول مهنة المحاماة بل مهنة أخرى أو يمارس حرفة -أياً كان نوعها- شريطة أن تكون غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة ، وكلا الوجهين ينطوى على مخالفة للدستور، ذلك أن النص التشريعى المطعون فيه ليس له من صلة بالأغراض التى يتوخاها تنظيم مهنة المحاماة أو التمكين من أداء رسالتها، هذا بالإضافة إلى إسقاطه الكامل لحقوق المالك وتجاهلها بتمامها تغليباً لمصلحة مالية بحته لمن يمارسون مهنة بذاتها هى مهنة المحاماة ، ولا يدخل ذلك في نطاق التنظيم التشريعى لحق الملكية ، بل هو عدوان عليها لا يختار أهون الشرين لدفع أعظمهما، بل يلحق بالمؤجر وحده الضرر البين الفاحش منافياً بذلك المقاصد الشرعية التى ينظم ولى الأمر الحقوق في نطاقها، ومجاوزاً الحدود المنطقية لعلاقة إيجارية كان ينبغى أن تتوازن فيها المصالح توازناً دقيقاً، لا أن ينحدر الميزان كلية في اتجاه مناقض للمصالح المشروعة لأحد طرفيها، وهى حدود لا يجوز تخطيها بالنزول عن العين إلى الغير بعد إنتفاء حاجة المتنازل إليها، ورغماً من مالكها، وبمقابل يختص به مستأجرها من دونه وأياً كان مقدراه، ولا محاجة في القول بأن النص التشريعى المطعون عليه يوفر مزيداً من الرعاية للمحامين عند اعتزالهم المهنة ولورثتهم من بعدهم تقديراً لدور المحامين في الدفاع عن حقوق المواطنين، لا محاجة في ذلك، ذلك أن قيام المحامين على واجباتهم الأصلية ونهوضهم بتبعاتها، لا يصلح سنداً لإهدار الحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية في المادتين (32، 34) منه وهما تكفلان دعم الملكية الخاصة ممثلة في رأس المال غير المستغل وتقرران صونها في إطار وظيفتها الاجتماعية ، وباعتبار أن الحماية الدستورية لحق الملكية تمتد إلى عناصره المختلفة ويندرج تحتها استعمال المالك للشئ في كل ما أعد له واستغلاله استغلا لاً مباشراً أو غير مباشر جنياً لثماره.
وحيث إنه متى كان ذلك، تعين الحكم بعدم دستورية ما قررته الفقرة الثانية من المادة (55) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 من جواز نزول المحامي أو ورثته عن إيجار مكتبه لمزاولة غير المحاماة من المهن الحرة أو لمباشرة حرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة ، لما ينطوى عليه التنازل عن الإجارة في هذه الأحوال من عدوان على الملكية الخاصة التى كفل الدستور حمايتها في المادتين (32، 34) منه، وبما مؤداه: زوال الآثار القانونية التى يرتبها النص المطعون فيه على هذا التنازل ترتيباً على بطلانه في ذاته من الناحية الدستورية .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة (55) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 وذلك فيما قررته من جواز نزول المحامى أو ورثته عن إيجار مكتبه لمزاولة غير المحاماة من المهن الحرة أو لمباشرة حرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة ، وما يرتبه هذا النص من آثار قانونية على التنازل المشار إليه، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

دستورية خيار المستأجر عند اقامته مبنى مملوكاً له يتكون من أكثر من ثلاث وحدات في تاريخ لاحق لاستئجاره


القضية رقم 36 لسنة 9 ق " دستورية " جلسة 14 / 3 / 1992
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم السبت 14 مارس سنة 1992 الموافق 10 رمضان سنة 1412 هــ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور /عوض محمد عوض المر    رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : الدكتور محمد ابراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال و فاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير ومحمد على عبد الواحد وماهر البحيرى            أعضاء
وحضور السيد المستشار / السيد عبد الحميد عمارة   المفوض
وحضور السيد / رأفت محمد عبد الواحد  أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 36 لسنة 9 قضائية " دستورية "
المقامة من
السيدة / بدرية ابراهيم الرجباوى
ضد
1 - السيد /  رئيس مجلس الوزراء
2 - السيدة / رقية محمد عبد الواحد
3 - السيد / عبد الله محمد عبد الواحد
4 - السيد / جمال الدين محمد عبد الواحد
5 - السيد / محمد طلعت الطور
" الإجراءات "
بتاريخ 22 ديسمبر سنة 1987 أودعت المدعية صحيفة الدعوى الماثلة بطلب الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (22) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها رفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
وحيث إن الوقائع -على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل في أن المدعى عليهم من الثانية إلى الرابع كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 3357 لسنة 1986 مدنى كلى المحلة ضد المدعية والمدعى عليه الخامس طالبين الحكم بإنهاء عقد الإيجار المؤرخ أول يوليه سنة 1963 عن الوحدة السكنية المبينة بالعقد وصحيفة الدعوى والتى قام مورثهم بتأجيرها إلى مورث المدعية والمدعى عليه الخامس، تأسيساً على إقامة الأخيرين -وهما خلف المستأجر- في عامى 1984، 1985 مبنى مملوكاً لهما يتكون من أكثر من ثلاث وحدات ودون أن يوفرا لهم وحدة ملائمة بالمبنى الذى أقاماه.
وحيث إن القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، ينص في الفقرة الثانية من مادته الثانية والعشرين على انه " إذا أقام المستأجر مبنى مملوكاً له يتكون من أكثر من ثلاث وحدات في تاريخ لاحق لاستئجاره، يكون بالخيار بين الاحتفاظ بسكنه الذى يستأجره، أو توفير مكان ملائم لمالكه أو أحد أقاربه حتى الدرجة الثانية بالمبنى الذى أقامه ، بما لا يجاوز مثلى الأجرة المستحقة له عن الوحدة التي يستأجرها منه ".
وحيث إن المدعية تنعى على الفقرة الثانية من المادة الثانية والعشرين المشار إليها مخالفتها للمادة الثانية من الدستور باعتبار أن الملكية وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية هى اختصاص حاجز يجوز للمالك بمقتضاه أن يباشر سلطته على الشيئ الذى يملكه ليمنع غيره من استعماله، هذا بالإضافة على مخالفة الفقرة الثانية المشار إليها لنص المادة الرابعة والثلاثين من الدستور لإخلالها بالحماية التى كفلها للملكية الخاصة، وذلك بإلزامها المالك بتأجير إحدى وحدات العقار الذى يشيده - ولو كان هو وأسرته في حاجة إليها - إلى أشخاص بعينهم- ولو كانوا غير أهل للجوار أو في غير حاجة إلى الوحدة السكنية .
وحيث إن هذا النعى مردود، ذلك أن الدستور حرص على النص على صون الملكية الخاصة وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود وبالقيود التى أو ردها، باعتبار أنها في الأصل ثمرة مترتبة على الجهد الخاص الذى بذله الفرد بكده وعرقه وبوصفها حافز كل شخص إلى الانطلاق والتقدم، إذ يختص دون غيره بالأموال التى يملكها وتهيئة الانتفاع المفيد بها لتعود إليه ثمارها. وكانت الأموال التى يرد عليها حق الملكية تعد كذلك من مصادر الثروة القومية التى لا يجوز التفريط فيها أو استخدامها على وجه يعوق التنمية أو يعطل مصالح الجماعة، وكانت الملكية في إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة، لم تعد حقاً مطلقاً، ولا هى عصية على التنظيم التشريعى، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التى ينبغى توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التي يجريها المشرع ويرجح من خلالها ما يراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية . متى كان ذلك، تعين أن ينظم القانون أداء هذه الوظيفة مستهدياً بوجه خاص بالقيم التى تنحاز إليها الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود التى تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها بل غايتها خير الفرد والجماعة . ولقد كفل الدستور في مادته الثانية والثلاثين حماية الملكية الخاصة التى لا تقوم في جوهرها على الاستغلال، وهو يرد إنحرافها كلما كان استخدامها متعارضاً مع الخير العام للشعب، ويؤكد دعمها بشرط قيامها على أداء الوظيفة الاجتماعية التى يبين المشرع حدودها مراعياً أن تعمل في خدمة الاقتصاد القومى وفى إطار خطة التنمية . ولا مخالفة في ذلك كله لمبادئ الشريعة الإسلامية أو الأسس التى تقوم عليها، إذ الأصل أن الأموال جميعها مضافة إلى الله تعالى، فهو الذى خلقها وإليه تعود، وقد عهد إلى عباده عمارة الأرض وهم مسئولون عما في أيديهم من الأموال باعتبارهم مستخلفين فيها لقوله سبحانه وتعالى "وأنفقوا مما جعلناكم مستخلفين فيه"، ولم تعد الملكية بالتالى مجرد حق خالص لصاحبها ولا هى مزية في ذاتها تتحرر بموجبها من القيود، وإنما تتقيد بما لولى الأمر من سلطة في مجال تنظيمها بما يحقق المقاصد الشرعية في نطاقها، وهى مقاصد ينافيها أن يكون إنفاق الأموال أو إدارتها متخذاً وجهة تناقض مصلحة الجماعة أو تخل بمصلحة للغير أولى بالاعتبار، ومن ثم جاز لولى الأمر رد الضرر البين الفاحش واختيار أهون الشرين- إذا تزاحما في مجال مباشرة المالك لسلطاته- لدفع أعظمهما. كذلك فإن العمل على دفع الضرر قدر الإمكان هو مما ينعقد لولى الأمر بشرط ألا يزال الضرر بمثله، ولا يسوغ بالتالى لمن اختص بمال معين بسبب سبق يده إليه أن يقوم على استخدامه متشحاً بنزعة أنانية قوامها الغلو في الفردية، وإنما ينبغى أن يكون لحق الملكية إطار محدد تتوازن فيه المصالح ولا تتناقض، ذلك أن الملكية خلافة، وهى باعتبارها كذلك، تؤول إلى وظيفة اجتماعية تعكس بالقيود التى تفرضها على الملكية، الحدود المشروعة لممارسة سلطاتها، وهى حدود لا يجوز تجاوزها لأن المروق منها يخرج الملكية عن وضعها، ويحسر الحماية المقررة لها.
وحيث إن الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية تبرز بوجه خاص في مجال الإسكان، ذلك أن كثرة من القيود تتزاحم في نطاق مباشرة المالك لسلطته في مجال استغلال ملكه، وهى قيود قصد بها في الأصل مواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن المهيأة للسكنى لمقابلة الزيادة في الطلب عليها، ولازم ذلك أن تدور هذه القيود - وأهمها الامتداد القانونى لعقد الإيجار- وجوداً وعدماً مع علة تقريرها . لما كان ذلك، وكانت الضرورة تقدر بقدرها وكان توافرها يعتبر مناطاً للحماية التى يقرر المشرع بموجبها امتداد عقد الإيجار بحكم القانون، وكان النص التشريعى المطعون عليه قد تناول بالتنظيم العلاقة الإيجارية في بعض جوانبها، موازناً بين المصالح المتنازعة لأطرافها، كاشفاً بمضمونه عن أن تقرير الأحكام الاستثنائية لعقد الإيجار رهن بقيام مبرراتها، وكان هذا النص قد صدر لتحقيق غاية بعينها هى تحقيق التوازن في العلاقة الإيجارية ، ودل بعبارته وفحواه على انه إذا أقام مستأجر العين المؤجرة -فى تاريخ لا حق لإبرامه عقد الإيجار المتعلق بها - عقاراً مملوكاً له تزيد وحداته السكنية على ثلاث، اقتضاه ذلك أن يشغل إحداها بدلاً من العين التى استأجرها، فإذا آثر البقاء فيها كان ذلك تحكماً وانتهازاً من جهته لا سبيل لدفعه عنه إلا إذا وفر لمؤجر العين أو لأحد أقربائه حتى الدرجة الثانية مكاناً بديلاً عنها في العقار الذى أقامه، على أن يكون هذا الم كان ملائماً، وألا تجاوز الأجرة التى يقتضيها مقابل منفعته مثلى الأجرة المستحقة عن العين التى استأجرها . تلك هى الأحكام التى تضمنها النص التشريعى المطعون عليه، ولا ينطوى إعمال المؤجر لها على عدوان من جانبه على ملكية المدعية للعقار الذى أقامته بعد استئجارها لعين في عقاره، ذلك أن بقاءها في العين المؤجرة إليها بعد انتهاء المدة الاتفاقية لعقدها، يفترض فيه استمرار حاجتها إليها بوصفها مكاناً يأويها هى وأسرتها. وعلى خلاف ذلك تأتى العدوان من جهتها هى باقتران احتفاظها بالعين التى استأجرتها بامتناعها عن أن توفر في عقارها مكاناً ملائماً بديلاً عنها لمؤجر العين أو لأحد أقربائه حتى الدرجة الثانية . ولو أنها كانت قد تخلت عن العين المؤجرة بعد انتفاء حاجتها إليها، لعاد إليها الحق كاملاً في استعمال عقارها واستغلاله بالطريقة التى تراها . وبذلك يكون النص التشريعي المطعون عليه قد وازن بين مصلحتين مرجحاً ما ارتآه منهما أحق بالحماية بما لا مخالفة فيه لأحكام الدستور ومن بينها المادة الثانية منه التي يتعين بموجبها رد النصوص التشريعية إلى مبادئ الشريعة الإسلامية لضمان توافقها معها، ذلك أن النص التشريعي المطعون عليه، وعلى ما سلف البيان، لا يعمد إلى التضحية الكاملة بحقوق المؤجر ولا يسقطها كلية من اعتباره متجاوزاً عن مصالحه المرتبطة بها، وإنما اعتد بها في الحدود التى قدرها مؤكداً بالنص التشريعى المطعون عليه أن المضرة المدفوعة مقدمة على المنفعة المجلوبة ، وأنه في إطار هذا الأصل لا يجوز للمستأجر بعد أن صار مالكاً لعقار تتعدد وحداته السكنية أن يظل محتفظاً بالعين التي استأجرها متسلطاً عليها رغم زوال الحاجة إليها دون أن يوفر في عقاره بديلاً عنها للأشخاص الذين عينهم المشرع وحددهم بأوصافهم، وذلك نوع من التوازن ارتآه المشرع محققاً للمصلحة العامة .
وحيث إن المدعية تنعى كذلك على النص التشريعي المطعون فيه إخلاله بحرية التعاقد إذ فرض عليها مستأجرين لعقارها وحملها على التعاقد معهم، كما حدد الأجرة التى يدفعونها دون مراعاة لتكلفة المساكن الجديدة إذ جعلها مثلى الأجرة المستحقة عن المساكن المتهدمة بإيجاراتها الضئيلة .
وحيث إن المآخذ التى نسبتها المدعية على هذا النحو إلى النص التشريعي المطعون فيه، مردها -وبفرض صحتها- إلى اختيارها البقاء في العين المؤجرة إضراراً بمالكها ولضآلة أجرتها رغم حاجتها إليها . وكان الأصل هو أن يعتبر عقد إيجارها منتهياً بحكم القانون بمجرد إقامتها عقاراً مملوكاً لها . غير أن المشرع انتهاجاً من جانبه لسنة التدرج، خيرها بين التخلى نهائياً عن العين التى استأجرتها لصاحبها لتعود إلى سلطاته الكاملة المتفرعة عن حق الملكية ، وبين مزاحمته في ملكه بإيثارها البقاء في هذه العين، لتتحمل بعدئذ القيود التى فرضها المشرع عليها بأن تمكن المؤجر أو بعض ذويه من اتخاذ مكان ملائم في عقارها سكناً، وليس ذلك إلا تنظيماً للحق في الملكية بما يكفل أداءها لوظيفتها الاجتماعية وبما لا مخالفة فيه للدستور . وما تنعاه المدعية على مقدار الأجرة التى تستحقها مردود كذلك بأن الحكم التشريعى المتعلق بها – والمطعون عليه - ما كان ليسرى عليها لو أنها قنعت بالسكنى في عقارها منهية بذلك علاقاتها الإيجارية السابقة . هذا بالإضافة إلى ان تدخل المشرع - في الأوضاع الاستثنائية - لتقرير ضوابط للأجرة بما لا ينزل بها عن الحدود التى تعتبر معها مقابلاً معقولاً لمنفعة العين المؤجرة هو مما يدخل في نطاق سلطته التقديرية في مجال تنظيم الحقوق بما لا يناقض الصالح العام.
وحيث إن المدعية تنعى على النص التشريعى المطعون فيه إخلاله بمبدأ المساواة أمام القانون وذلك بأن وضع شروطاً غير عامة ولا مجردة حدد بها المراكز القانونية في واقعة النزاع الماثل.
وحيث إن هذا النعى مردود بأن عموم القاعدة لا يعنى إنصرافها إلى جميع الموجودين على إقليم الدولة أو انبساطها على كل ما يصدر عنهم من أعمال، وإنما تتوافر للقاعدة القانونية مقوماتها بانتفاء التخصيص، ويتحقق ذلك إذا سنها المشرع مجردة عن الاعتداد بشخص معين أو بواقعة بذاتها معينه تحديداً . وكان النص المطعون فيه -بالشروط التى حدد بها نطاق ومجال تطبيقه- يتمحض عن قاعدة عامة مجردة لانسحابه إلى أشخاص بأوصافهم وتعلقه بوقائع غير محددة بذواتها، وكان مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزهم القانونية معاملة قانونية متكافئة ، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوى بالتالى على مخالفة لنص المادة (40) من الدستور بما مؤداه: أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكمياً، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصوداً لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبياً لها . وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطاراً للمصلحة العامة التى يسعى المشرع لبلوغها متخذاً من القواعد القانونية التى يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها، فإذا كان النص التشريعى المطعون عليه -بما انطوى عليه من التمييز- مصادماً لهذه الأغراض مجافياً لها بما يحول دون ربطه منطقياً بها أو اعتباره مدخلاً إليها، فإن ذلك النص يكون مستنداً إلى أسس غير موضوعية ، ومتبنياً تمييزاً تحكمياً بالمخالفة لنص المادة (40) من الدستور . متى كان ذلك، وكان المشرع قد أفرد العلاقة الإيجارية محل النزاع الماثل بتنظيم خاص محدداً قواعده وفق أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزاً من أى نوع بين المخاطبين بها المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، وكان قصر هذا التنظيم عليهم قد تقرر لأغراض بعينها تقتضيها المصلحة العامة باعتبار أن التوازن في العلاقة الإيجارية هو الغاية النهائية التى استهدفها التنظيم التشريعى المطعون عليه، وكانت القواعد التى يقوم عليها هذا التنظيم -وعلى ضوء دلالتها القاطعة - تعتبر مرتبطة بأغراضه النهائية ومؤدية إليها، فإن قالة الإخلال بمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة الأربعين من الدستور تكون فاقدة لأساسها .
وحيث إن المدعية تنعى كذلك على النص المطعون عليه مخالفته للدستور في مادته الخمسين التى حظر بها منع المواطن من الإقامة في جهة معينة أو إلزامه بالإقامة في مكان معين، إلا في الأحوال المبينة في القانون قولاً منها بأن النص المطعون فيه يقيد حريتها في الإقامة في الجهة التى تختارها، ويحملها على عدم الإقامة في مسكنها الأصلى والسكنى في العقار الذى أقامته.
وحيث إن هذا النعى مردود بأن الإقامة التى يعنيها الدستور في مادته الخمسين هى التى ينال تقييدها أو منعها من الحق في التنقل سواء بالانتقاص منه أو إهداره، وهو حق كفل الله عز وجل أصله بقوله " هو الذى جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها " وهو كذلك من الحقوق التى تتكامل بها الشخصية الإنسانية التى تعكس حمايتها التطور الذى قطعته البشرية نحو مثلها العليا على ما قررته ديباجة الدستور، ويعتبر من جهة أخرى متصلاً بالحرية الشخصية معززاً لصونها من العدوان، ومن ثم نص الدستور في مادته الحادية والأربعين على انه "فيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد .... أو منعه من التنقل، إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع". وتوكيداً لمضمون الحق في التنقل وتحديداً لأبعاده اعتبره الدستور من الحقوق العامة التى يتعين ضمانها لكل مواطن . وفى إطار هذا الحق نص الدستور في مادته الحادية والخمسين على انه "لا يجوز إبعاد أى مواطن عن البلاد أو منعه من العودة إليها ولو كان ذلك تدبيراً احترازياً لمواجهة خطورة إجرامية ولقد عنى الدستور كذلك في مادته الثانية والخمسين بأن ينظم بعض صوره حين كفل للمواطنين حق الهجرة الدائمة أو الموقوتة إلى الخارج وفقاً للقواعد التى يضعها المشرع في شأن شروط الهجرة وإجراءاتها. لما كان ذلك، وكان النص التشريعى المطعون فيه لا يتوخى تنظيم الإقامة بالمعنى المتقدم ولا شأن له بها، ولم يقصد إلى فرض قيود عليها، بل تغيا بأحكامه إقامة توازن كان مفقوداً في العلاقة الإيجارية قبل صدوره. وكان جوهر السلطة التقديرية التى يملكها المشرع إنما يتمثل في المفاضلة التى يجريها بين البدائل المختلفة المتصلة بالموضوع الذى تناوله بالتنظيم، وكان ما تثيره المدعية في هذا الوجه من مناعيها لا يعدو أن يكون تعقيباً من جانبها على ما ارتآه المشرع ملبياً للمصلحة العامة ومحققاً لمصلحة الغير الأولى بالاعتبار، فإن نعيها يكون حرياً بالرفض .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعية المصروفات، ومبلغ مائة جنيه أتعاباً للمحاماة .

عدم دستورية استمرار عقد إيجار المسكن - عند ترك المستأجر الأصلي له - لصالح أقاربه بالمصاهرة حتى الدرجة الثالثة


القضية رقم 6 لسنة 9 ق "دستورية " جلسة 18 / 3 / 1995
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم السبت 18 مارس 1995الموافق 17 شوال 1415هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر   رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : فاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله   اعضاء       
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد     أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 6 لسنة 9 قضائية "دستورية "
المقامة من
- السيدة / أسماء أحمد على
ونانسى وابراهيم وأيمن ومحيا ونهال وأحمد رجائى على زيتون
ضد
1- السيد / رئيس الجمهورية
2- السيد / رئيس مجلس الوزراء
3- السيد / أحمد نبيل إبراهيم مصطفى
4- السيد / حسن إبراهيم محمود
" الإجراءات "
بتاريخ 7 فبراير سنة 1987، أودع المدعون قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالبين الحكم بعدم دستورية نص المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها، أصلياً: عدم قبول الدعوى واحتياطياً: رفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة بجلسة 6 يناير سنة 1990 إعادة ملف الدعوى إلى هيئة المفوضين بناء على طلبها لإعداد تقرير تكميلي . وإذ أودعت هيئة المفوضين تقريرها التكميلى، عادت المحكمة إلى نظرها وقررت إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع - على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أنه بتاريخ الأول من مارس سنة 1969 استأجر المدعى عليه الثالث من المدعين شقة يملكونها بالعقار رقم 27 شارع الدكتور محمد من دور بمدينة نصر القاهرة لاستعمالها سكناً خاصاً. وإذ فوجئوا بتركه لها وتنازله عنها للمدعى عليه الرابع، فقد أقاموا ضدهما الدعوى رقم 2463 لسنة 1984 إيجارات شمال القاهرة، بطلب الحكم بإخلائهما من الشقة وتسليمها إليهم خالية . فأقام المدعى عليه الرابع دعوى فرعية طلب فيها إلزام المدعين بتحرير عقد إيجار له عن هذه الشقة، إستناداً إلى المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، بمقولة : أنه شقيق لزوجة مستأجرها الأصلى وأقام معه بها منذ سنة 1975. وإذ دفع المدعون أثناء نظر النزاع الموضوعي بعدم دستورية نص المادة (29) المشار إليها، وصرحت لهم محكمة الموضوع باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية ، فقد أقاموا الدعوى الماثلة .
وحيث إن المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تنص على أنه "مع عدم الإخلال بحكم المادة (8) من هذا القانون، لا ينتهى عقد إيجار المسكن بوفاة المستأجر أو تركه العين، إذا بقى فيها زوجته أو أولاده أو أى من والديه الذين كانوا يقيمون معه حتى الوفاة أو الترك. وفيما عدا هؤلاء من أقارب المستأجر نسباً أو مصاهرة حتى الدرجة الثالثة ، يشترط لاستمرار عقد الإيجار، إقامتهم في المسكن مدة سنة على الأقل سابقة على وفاة المستأجر أو تركه العين، أو مدة شغله للمسكن أيتهما أقل. فإذا كانت العين مؤجرة لمزاولة نشاط تجارى أو صناعى أو مهنى أو حرفى فلا ينتهى العقد بوفاة المستأجر أو تركه العين، ويستمر لصالح ورثته وشركائه في استعمال العين بحسب الأحوال. وفى جميع الأحوال يلتزم المؤجر بتحرير عقد إيجار لمن لهم الحق في الاستمرار في شغل العين. ويلتزم هؤلاء الشاغلون بطريق التضامن بكافة أحكام العقد".
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت الدعوى الماثلة بعدم قبولها بمقولة : أن النص المطعون عليه تقرر لمصلحة المؤجرين لا المستأجرين، ذلك أنه قيد امتداد عقد الإيجار -فى حالة وفاة المستأجر أو تركه العين- بقيود تتعلق بالمساكنة ودرجة القرابة، إذ اشترط- بالنسبة لغير زوجة المستأجر الأصلي وأولاده ووالديه - أن يكون المستفيد من امتداد عقد الإيجار قريبا له حتى الدرجة الثالثة نسباً أو مصاهرة، وأن يكون مساكناً له في العين المؤجرة مدة لا تقل عن سنة سابقة على الوفاة أو الترك، أو مدة شغله للمسكن أيتهما أقل، بما مؤداه: أن استمرار عقد الإيجار لهؤلاء، جاء محاطاً بالقيود التى فرضها المشرع لصالح المدعين، مما تنتفى به مصلحتهم الشخصية المباشرة في الدعوى الراهنة .
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعى يدور حول أحقية المدعين في استرداد العين المؤجرة بعد أن تركها مستأجرها الأصلي لشقيق زوجته، وكان هذا الشقيق قد أقام بدوره ضد المدعين دعواه الفرعية لإلزامهم بأن يحرروا لصالحه عقد إيجار جديد، وكان إبطال النص المطعون عليه في مجال تطبيقه بالنسبة إليه، مؤداه: أن تعود العين المؤجرة إلى المدعين باعتبار أن ذلك الشقيق قد صار شاغلاً لها بغير سند، فإن مصلحتهم الشخصية المباشرة في الدعوى الماثلة تكون قائمة، ويكون الدفع بعدم قبولها على غير أساس حرياً بالرفض.
وحيث إن البين من النص المطعون عليه - فيما قرره من أحكام تتعلق بالأعيان المؤجرة لأغراض السكنى - أنه فيما عدا الزوجة التى يستمر لصالحها عقد إيجار زوجها بعد تخليه عن العين المؤجرة أيا كانت مدة إقامتها مع زوجها فيها، فإن غيرها من أقرباء هذا المستأجر مصاهرة لا يبقون في هذه العين بعد تخلى مستأجرها الأصلى عنها - وبوصفهم مستأجرين أصليين لها - إلا بشرطين، أولهما: أن تكون قرابتهم بالمصاهرة لهذا المستأجر حتى درجة معينة ، هى الدرجة الثالثة . وثانيهما: ألا تكون إقامتهم في العين التى كان يشغلها عرضية أو عابرة أو مؤقتة، بل مستقرة لا يتخللها انقطاع غير عارض، وأن تقترن بنية الاستيطان، فلا يشوبها غموض أو يُداخلها خفاء، توقيا لالتباس أمرها وانبهام المقصود منها على المؤجر. ويجب دوما أن تستغرق إقامتهم فيها - بأوصافها تلك - زمناً محدداً لا تقل عنه حتى يمكن الاحتجاح بها على المؤجر ومجابهته بها. إذ يجب وفقاً للنص المطعون فيه، أن يكون هؤلاء الأقرباء قد أقاموا بها متخذين منها وحتى تاريخ التخلى عنها سكنا على وجه الاعتياد، لمدة تستطيل على الأقل إلى سنة سابقة على تخلى المستأجر الأصلى عنها، أو لمدة تماثل المدة التى شغل خلالها هذه العين، أيتهما أقل.
وحيث إن القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، قد نص في المادة (18) منه على أنه "لايجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان، ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد إلا لأحد الأسباب الأتية : - ..............
(ج) إذا ثبت أن المستأجر قد تنازل عن المكان المؤجر أو أجره من الباطن بغير إذن كتابى صريح من المالك للمستأجر الأصلى ؛ أو تركه للغير بقصد الاستغناء عنه نهائياً، وذلك دون إخلال بالحالات التى يجيز فيها القانون للمستأجر تأجير المكان مفروشاً أو التنازل عنه، أو تأجيره من الباطن، أو تركه لذوى القربى وفقاً لأحكام المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977".  
وحيث إن القاعدة التى أرستها المادة (18) المشار إليها، وإن دلت على جواز إخلاء العين المؤجرة للسكنى، إذا تخلى المستأجر الأصلى عنها للغير، إلا أن هذه المادة ذاتها تقيم استثناء من تلك القاعدة، مؤداه: امتناع إخلائها كلما تركها هذا المستأجر لصالح الأقرباء الذين عينتهم المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وبالشروط التى حددتها.
وحيث إنه متى كان ماتقدم، فإن نطاق الطعن الماثل لا ينحصر فيما قررته المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه، من استمرار عقد إيجار العين المؤجرة لصالح أقرباء المستأجر الأصلى مصاهرة حتى الدرجة الثالثة رغم تخلى هذا المستأجر عنها، وإنما يمتد هذا النطاق كذلك إلى الأحكام " ذاتها " التى تبنتها المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981، لصالح هذه الفئة " عينها ".
وحيث إن المدعين ينعون على النص المطعون فيه -فى النطاق المتقدم- مخالفته لحكم المادة الثانية من الدستور التى تقضى بأن مبادىء الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، وذلك من عدة وجوه:- أولها: أن الشريعة الإسلامية وإن حثت على صلة الرحم، إلا أنها لا تعتبر أقارب أحد الزوجين أقرباء للآخر. ومن ثم يكون اعتداد النص المطعون عليه بقرابة المصاهرة مخالفاً للدستور.        
ثانيها: أن إجماع فقهاء الشريعة الإسلامية من عقد على أن عقد الإيجار ينصب على استئجار منفعة لمدة مؤقته يحق للمؤجر بانتهائها أن يطلب إخلاء العين من مستأجرها، بما مؤداه: امتناع تأبيد هذا العقد.
ثالثها: أن عقد الإيجار ينقلب بالنص المطعون فيه، من عقد يقوم على التراضى، إلى عقد يُحمل فيه المؤجر على تأجير العين بعد انتهاء إجارتها، إلى شخص لم يكن طرفاً في الإجارة، بل يعد غريباً عنها، ولا يتصور أن يُقحم عليها.
وحيث إن الدعوى الموضوعية كانت قد أقيمت في ظل العمل بأحكام القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، الصادر بعد تعديل الدستور في 22 مايو سنة 1980.
حيث إن الدستور - إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة ، وتوكيداً لإسهامها في صون الأمن الاجتماعى - كفل حمايتها لكل فرد - وطنياً كان أم أجنبياً - ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود التى يقتضيها تنظيمها، باعتبارها عائدة - في الأعم من الأحوال - إلى جهد صاحبها، بذل من أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها، وأحاطها بما قدره ضرورياً لصونها، مُعبداً بها الطريق إلى التقدم، كافلاً للتنمية أهم أدواتها، محققاً من خلالها إرادة الإقدام، هاجعاً إليها لتوفر ظروفاً أفضل لحرية الاختيار والتقرير، مطمئناً في كنفها إلى يومه وغده، مهيمناً عليها ليختص دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، فلا يرده عنها معتد، ولا يناجز سلطته في شأنها خصيم ليس بيده سند ناقل لها، ليعتصم بها من دون الآخرين، وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التى تُعينها على أداء دورها، وتقيها تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها. ولم يعد جائزاً بالتالى أن ينال المشرع من عناصرها، ولا أن يُغير من طبيعتها أو يجردها من لوازمها، ولا أن يفصلها عن أجزائها أو يدمر أصلها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التى تتفرع عنها في غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية . ودون ذلك تفقد الملكية ضماناتها الجوهرية ، ويكون العدوان عليها غصباً، وافتئاتاً على كيانها أدخل إلى مصادرتها.
وحيث إن من المقرر كذلك، أن حق الملكية من الحقوق المالية التى يجوز التعامل فيها. وبقدر اتساع قاعدتها تتعدد روافدها، وتتنوع استخداماتها، لتشكل نهراً يتدفق بمصادر الثروة القومية التى لايجوز إهدارها أو التفريط فيها أو بعثرتها تبديداً لقيمتها، ولا تنظيمها بما يخل بالتوازن بين نطاق حقوق الملكية المقررة عليها، وضرورة تقييدها نأياً بها عن الانتهاز، أو الإضرار بحقوق الأخرين. ذلك أن الملكية - في إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة - لم تعد حقاً مطلقاً، ولا هى عصية على التنظيم التشريعى . وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها.
ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التى تتطلبها وظيفتها الاجتماعية . وهى وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ، ولا تفرض نفسها تحكماً، بل تمليها طبيعة الأموال محل الملكية ، والأغراض التى ينبغى رصدها عليها، محددة على ضوء واقع اجتماعى معين في بيئة بذاتها لها توجهاتها ومقوماتها.
وفى إطار هذه الدائرة ، وتقيداً بتخومها، يفاضل المشرع بين البدائل، ويرجح على ضوء الموازنة التى يجريها، ما يراه من المصالح أجدر بالحماية وأولى بالرعاية وفقاً لأحكام الدستور، مستهدياً في ذلك بوجه خاص بالقيم التى تنحاز إليها الجماعة في مرحلة بذاتها من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود التى يفرضها الدستور على حق الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة .
وحيث إن الشريعة الإسلامية في مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التى لا تبديل فيها، لا تناقض ما تقدم. ذلك أن الأصل فيها أن الأموال جميعها مردها إلى الله تعالى ، أنشأها وبسطها، وإليه معادها ومرجعها، مستخلفاً فيها عباده الذين عهد إليهم بعمارة الأرض، وجعلهم مسئولين عما في أيديهم من الأموال لا يبددونها أو يستخدمونها إضراراً. يقول تعالى "وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه". وليس ذلك إلانهياً عن الولوغ بها في الباطل، وتكليفاً لولى الأمر بأن يعمل على تنظيمها بما يحقق المقاصد الشرعية المتوخاة منها. وهى مقاصد ينافيها أن يكون إنفاق الأموال وإدارتها عبثاً أو إسرافاً أو عدواناً أو متخذاً طرائق تناقض مصالح الجماعة أو تخل بحقوق للغير أولى بالاعتبار.
وكان لولى الأمر بالتالى أن يعمل على دفع الضرر قدر الإمكان، وأن يحول دون الإضرار إذا كان ثأراً محضاً يزيد من الضرر ولا يفيد إلا في توسيع الدائرة التى يمتد إليها، وأن يرد كذلك الضرر البين الفاحش. فإذا تزاحم ضرران، كان تحمل أهونهما لازماً اتقاء لأعظمهما. ويندرج تحت ذلك القبول بالضرر الخاص لرد ضرر عام.
وينبغى -من ثم - أن يكون لحق الملكية إطار محدد تتوازن فيه المصالح ولا تتنافر، ذلك أن الملكية خلافة ، وهى باعتبارها كذلك تضبطها وظيفتها الاجتماعية التى تعكس -بالقيود التى تفرضها على الملكية - الحدود المشروعة لممارسة سلطاتها. وهى حدود يجب إلتزامها، لأن العدوان عليها يُخرج الملكية عن دائرة الحماية التى كفلها الدستور لها.
وحيث إن المشرع نظم بالنص المطعون فيه، العلاقة الإيجارية في بعض جوانبها كافلاً - بالشروط التى حددها - استمرار أقرباء المستأجر الأصلى مصاهرة حتى الدرجة الثالثة ، في السكنى بالعين المؤجرة التى كان يشغلها هذا المستأجر، ثم تخلى نهائياً عنها بقصد عدم العودة إليها، مُنهياً بذلك الإجارة التى ارتبط بها.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يفرض الدستور على ممارستها قيوداً لا يجوز تخطيها لضمان أن يكون الانتفاع بتلك الحقوق مفيداً وفعالاً، وكانت الحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية في مادته الثانية والثلاثين، مناطها تلك الملكية التى لا تقوم على الاستغلال، ولا يتعارض استخدامها مع الخير العام لجموع المواطنين، ولا تنافى مقاصدها الأغراض التى تمليها وظيفتها الاجتماعية ، وكان المشرع - في مجال تنظيم العلائق الإيجارية - وإن قرر من النصوص القانونية ما ارتآه مُحققاً للتوازن بين أطرافها، إلا أن هذا التوازن لايجوز أن يكون صورياً أو منتحلاً أو سراباً، بل يجب أن يعكس حقيقة قانونية لامماراة فيها، ليكون التنظيم التشريعى لحقوق المؤجرين والمستأجرين في دائرتها منصفا لا متحيفاً، متعمقاً الحقائق الموضوعية ، وليس متعلقاً بأهدابها الشكلية .
ولا يجوز بالتالي أن يُعِّدل المشرع من إطار هذه العلائق بما يمثل افتئاتاً كاملاً على حقوق أحد أطرافها أو إنحرافاً عن ضوابط ممارستها، وإلا آل أمر النصوص التى أقرها إلى البطلان، من خلال مباشرة الرقابة القضائية على دستوريتها، ذلك أن القيود التى يفرضها المشرع على حق الملكية لا يجوز أن تكون مدخلاً لإثراء مستأجر العين وإفقار مالكها، ولا أن يحصل المستأجر من خلالها على حقوق لا يسوغها مركزه القانونى في مواجهة المؤجر، وإلا حض تقريرها على الإنتهاز، وكان قرين الاستغلال.
وحيث إن ما تقدم يؤيده أمران :
 أولهما- أن الأصل هو أن يتحقق التضامن بين المؤجر والمستأجر من الوجهة الاجتماعية ، وأن تتوافق مصالحهما ولاتتنافرمن الوجهة الاقتصادية ، وإلا كان كل منهما حرباً على الأخر يهتبل الفرص لأكل حقه بالباطل. ولايجوز بالتالى أن يميل ميزان التوازن بينهما لتكون الحقوق المقررة لأحدهما إجحافاً وإعناتاً وقهراً، وليس من المتصور أن يكون مغبون الأمس -وهو المستأجر - غابناً، ولا أن يكون تدخل المشرع شططاً وقلباً للموازين، ترجيحاً لكفته لتكون أكثر ثقلاً، وليحل الصراع بين هذين العاقدين، بديلاً عن اتصال التعاون بينهما.
ثانيهما- أن النص المطعون فيه، وإن كان يندرج تحت التشريعات الاستثنائية التى تدخل بها المشرع لمواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن المهيأة للسكنى ، إلا أن الطبيعة الاستثنائية لتلك التشريعات - التى لا يجوز التوسع في تفسيرها أو القياس عليها - والتى درج المشرع على تنظيم العلائق الإيجارية من خلالها، واعتبر أحكامها من النظام العام لإبطال كل اتفاق على خلافها، وليضمن سريانها بأثر مباشر على عقود الإجارة القائمة عند العمل بها -ولو كانت مبرمة قبلها- لا تعصمها من الخضوع للدستور، ولا تخرجها من مجال الرقابة القضائية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا على دستورية النصوص القانونية جميعها. بل يجب اعتبارها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها، وأن يكون مناط سلامتها هو اتفاقها مع أحكام الدستور. ويجب بالتالى أن تقدر الضرورة الموجهة لهذا التنظيم الخاص بقدرها، وأن تدور معها وجوداً وعدماً تلك القيود التى ترتبط بها وترتد إليها، باعتبارها مناط مشروعيتها، وعلة استمرارها.
وحيث إن من المقرر كذلك، أن حق مستأجر العين في استعمالها، مصدره العقد دائماً. ولا زال هذا الحق - حتى مع قيام هذا التنظيم الخاص وتحديد أبعاده بقوانين استثنائية - حقاً شخصياً يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يُمكن المستأجر من الانتفاع بشى ء معين مدة معينة لقاء أجر معلوم. وليس حقاً عينياً ينحل إلى سلطة مباشرة على العين المؤجرة ذاتها يمارسها مستأجرها دون تدخل من مؤجرها. ولازم ذلك أن يكون بقاء مستأجر العين فيها مرتبطاً بضرورة شغلها بوصفها مكاناً يأويه هو وأسرته. فإذا تخلى عنها تاركاً لها، وأفصح بذلك عن قصده إنهاء الإجارة التى كان طرفاً فيها، زايلته الأحكام الاستثنائية التى بسطها المشرع عليه لحمايته، ولم يعد لغيره إحياء حق أصبح منقضياً، ذلك أن العدم لا يولد نبتاً.
يؤيد ذلك أن تخلى مستأجر العين الأصلي عنها، يعنى هجرها نهائياً، وكان ينبغى بالتالى أن يكون هذا التخلى مبرراً لقيام حق المؤجر في طلب إخلائها بعد انقطاع اتصال هذا المستأجر بها، ولأن القيود الاستثنائية التى نظم بها المشرع العلائق الإيجارية إبان أزمة الإسكان، غايتها الحد من تصاعدها وغلواء تفاقمها. وهى بعد ضرورة تقدر بقدرها، ولا يجوز أن تجاوز دواعيها.
إلا أن المشرع آثر بالنص المطعون فيه أن يمنح - بالشروط التى حددها - مزية استثنائية يقتحم بأبعادها حق الملكية ، انتهاكا لمجالاتها الحيوية التى لا يجوز أن يمسها المشرع إخلا لاً بها. ذلك أن منفعة العين المؤجرة تنتقل بموجبها من مستأجرها الأصلى إلى غيره من أقربائه بالمصاهرة حتى الدرجة الثالثة ، ليحل هؤلاء محل المستأجر الأصلى في العين التى كان يشغلها - لا بناء على تعاقد تم بينهما مثلما هو الأمر في شأن التأجير من الباطن أو التنازل عن الإجارة - بل بقوة القانون.
وهى بعد مزية يتعذر أن يكون المتعاقدان الأصليان قد قصدا إلى تقريرها ابتداء، أو أنهما عبرا - صراحة أو ضمناً- عن تراضيهما عليها، ذلك أن إرادتيهما - حقيقية كانت أم مفترضة – لا يمكن أن تُحمل على اتجاهها أو إنصرافها إلى إقحام أشخاص على العلاقة الإيجارية هم غرباء عنها، ومعاملتهم كأصلاء فيها وإن كانوا دخلاء عليها. وليس من المتصور أن يكون مؤجر العين - وهو يملكها في الأعم من الأحوال - قد عطل مختاراً- ونهائياً- الحقوق التى تتصل باستعمالها واستغلالها، سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر.
وحيث إن ما تقدم يبدو جلياً بوجه خاص من خلال أمرين:
أولهما- أن الأقرباء بالمصاهرة الذين تؤول إليهم منفعة العين المؤجرة وفقاً للنص المطعون فيه، يتحايلون عادة مع مستأجرها الأصلي متربصين بالمؤجر ختالاً، ومتخذين انتهازاً من إقامتهم فيها للمدة التى تطلبها المشرع، موطئاً لإبقائها تحت سيطرتهم لا ينتزعها منهم أحد، بل تتصل أيديهم بها تعاقباً عليها، ليكون بعضهم لبعض ظهيراً، فلا ينفكون عنها أو يبرحونها. ومن ثم يكون الاصطناع طريقهم للتسلط عليها والإنفراد بها من دون مؤجرها.
ثانيهما- أن الأقرباء الذين عينهم النص المطعون فيه، ينقلبون بعد تخلى المتعاقد على الإجارة عنها إلى مستأجرين أصليين للعين التي كان يشغلها. فإذا هجرها هؤلاء بعدئذ بقصد تركها وعدم العودة إليها، كان لمن شاركوهم سكناها - بالشروط التى بينها النص المطعون فيه -أن يطلبوا تحرير عقد إيجار بأسمائهم- بوصفهم كذلك مستأجرين أصليين لها- ليطرد اتصال أجيالهم بها لا يفارقونها، ولو بعد العهد على العقد الأول. فلاتُرد لصاحبها أبداً - ولو كان في أمس الاحتياج إليها - ما ظل زمامها بيد من يتداولونها لا يتحولون عنها.
وليس ذلك إلا تعظيماً لحقوقهم، يكاد أن يلحقها بالحقوق العينية التى يباشر صاحبها بموجبها -ووفقاً للقانون- سلطة مباشرة على شئ معين ليستخلص منه فوائده دون وساطة من أحد، وهو ما يناقض خصائص الإجارة ، باعتبار أن طرفيها في اتصال دائم طوال مدتها مما اقتضى ضبطها تحديداً لحقوقهما وواجباتهما. وهى فوق هذا تقع على منفعة الشئ المؤجر لا على ملكيته، ولا ترتب للمستأجر غير الحقوق الشخصية يباشرها قبل المدين.
وحيث إن النص المطعون فيه ينحدر كذلك بحقوق المؤجر إلى مرتبة الحقوق محدودة الأهمية ، مرجحاً عليها مصالح لا تدانيها ولا تقوم إلى جانبها أو تتكافأ معها، ومآل حمايتها حرمان مؤجر العين منها حرماناً مؤبداً ترتيباً على انتقال منفعتها إلى الغير انتقالاً متتابعاً متصلاً ممتدا في أغوار الزمن، وهو بعد انتقال لا يعتد بإرادة المؤجر في معدنها الحقيقى . بل يقوم في صوره الأكثر شيوعاً على التحايل على القانون، والتدليس على المؤجر، وهو ما يعد إلتواء بالإجارة عن حقيقة مقاصدها، وإهداراً لتوازن لا يجوز أن يختل بين أطرافها، وإقحاماً لغرباء عليها إنحرافاً عن الحق، ونكولاً عن الصالح العام.     وحيث إن ما تقدم مؤداه: أن النص المطعون فيه ينحل إلى عدوان على الملكية من خلال نقض بعض عناصرها. وهو بذلك لا يندرج تحت تنظيمها، بل يقوم على إهدار كامل للحق في استعمالها واستغلالها، مُلحقاً بالمؤجر وحده الضرر البين الفاحش، فقد أنشأ هذا النص حقوقاً مبتدأة - بعيدة في مداها - منحها لفئة بذاتها من أقرباء المستأجر الأصلى ، اختصها دون مسوغ، واصطفاها في غير ضرورة ، بتلك المعاملة التفضيلية التى تقدم المنفعة المجلوبة على مخاطر المفاسد ودرء عواقبها، حال أن دفع المضرة أولى اتقاء لسوءاتها وشرورها، ولأن الأصل حين تتزاحم الأضرار على محل واحد، أن يكون تحمل أخفها، لازماً دفعاً لأفدحها.
وكان ينبغى - من ثم - أن يترسم النص المطعون فيه تلك الضوابط التى تتوازن من خلالها العلائق الإيجارية ، بما يكون كافلاً لمصالح أطرافها، غير مؤد إلى تنافرها، ليُقيمها على قاعدة التضامن الاجتماعي التي أرستها المادة (7) من الدستور، والتى تؤكد الجماعة من خلالها القيم التى تؤمن بها، وترعى استقرارها. وهى حدود ما كان يجوز أن يتخطاها المشرع، وإلا كان منافياً المقاصد الشرعية التى ينظم ولى الأمر الحقوق في نطاقها. لا سيما وأن النص المطعون فيه -بالصيغة التى أُفرغ فيها - يفتح للتحايل على القانون أبواباً ينفذ الانتهاز منها دون عائق. ويتحقق ذلك كلما دعا مستأجر العين الأصلي - وقد أضمر نية التخلي عنها -من يطمئن إليه أو يؤثره من أقربائه الذين عينهم النص المطعون فيه - وبالشروط التى حددها- لسكناها مدة محدودة قد لاتربو على المدة التى ظل خلالها شاغلاً لها مهما بلغ قصرها، ليكتمل بفواتها حق هؤلاء الأقرباء في الاستقلال بها مع إقصاء المؤجر دوما عنها، وهو ما يخل بالحدود التى ينبغى أن يتم تنظيم الملكية في نطاقها، ويصم النص المطعون فيه بإهدار أحكام المواد (2، 7، 23، 34) من الدستور.
وحيث إن الحكم بعدم دستورية النص المطعون عليه -فى الحدود السالف بيانها- يعنى سقوط الأحكام التى أحالت إليه، وتضمنتها المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية ما تضمنته المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر من استمرار عقد إيجار المسكن - عند ترك المستأجر الأصلي له - لصالح أقاربه بالمصاهرة حتى الدرجة الثالثة الذين أقاموا معه في العين المؤجرة مدة سنة على الأقل سابقة على تركه العين أو مدة شغله لها أيتهما أقل، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .