جلسة 19 مايو سنة 1941
برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات، عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك المستشارين.
----------------
(262)
القضية رقم 1259 سنة 11 القضائية
تزوير في أوراق أميرية.
شهادة إدارية. تحرير ورقة متضمنة غير الحقيقة تمهيداً لتوقيع العمدة وشيخ البلد عليها. التوقيع يجعلها ورقة رسمية من وقت تحريرها. عدم توقيع عقوبة على الموظفين الموقعين عليها لانعدام القصد الجنائي لديهم. لا يستتبع براءة باقي الشركاء الذين ساهموا في التزوير عن قصد.
(المادة 42 ع)
-----------------
إنه وإن كانت الورقة التي حصل فيها تغيير الحقيقة لا تصير شهادة ولا ورقة رسمية إلا بتوقيع العمدة والشيخ عليها بعد كتابتها إلا أنه ما دام تحريرها بما تضمنته من تغيير للحقيقة لم يكن إلا تمهيداً لتوقيع العمدة والشيخ عليها فإن توقيعهما عليها يجعل منها ورقة رسمية، وأثره هذا ينسحب إلى وقت تحريرها المنسوب إليهما فيه واقعة الشهادة. ومتى كان من ساهموا في تحريرها يصح وصفهم قانوناً بالفاعلين أو الشركاء في التزوير فإنهم يكونون مستحقين للعقاب ولو كان الموظفون الذين وقعوا عليها لا يستحقون العقاب لانعدام القصد الجنائي لديهم، فإن براءة أحد الفاعلين أو الشركاء لا يلزم عنه - على مقتضى الأحكام المقرّرة بقانون العقوبات لمسئولية الفاعلين والشركاء في الجريمة - براءة باقي من ساهموا معه عن قصد فيها.
المحكمة
وحيث إن الطاعن ينعى بوجود الطعن المقدّمة منه على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ إذ أدانه على أساس أنه وقت تحرير الشهادة كان يعلم حق العلم تاريخ الوفاة ولم يبين الدليل على ذلك، ثم قال إن الطاعن هو صاحب المصلحة في التزوير، وإنه كان مكلفاً بعمل عقد البيع نظير أجر دون أن يبين ماهية هذا الأجر ومقداره. كذلك قالت المحكمة عن جريمة الاستعمال إن الطاعن اشترك في تقديم الشهادة المزوّرة لمصلحة المساحة وللمحكمة المختلطة دون أن تبين مصدر هذا القول. ويعقب الطاعن على ذلك بأن الحكم مشوب بقصور يستوجب نقضه. ثم يقول إنه تمسك في دفاعه بأنه ما كان يعلم التاريخ الحقيقي للوفاة، وإنه كتب الشهادة بحسن نية كما أملاه طالبها عليه، وإنه عندما حرّرها وانتهى من كتابتها لم تكن وقتها ورقة رسمية لأنها لم تكن تحمل إمضاء الموظفين المختصين، وما دام الأمر كذلك، وكان علم العمدة والشيخ بتاريخ الوفاة منتفياً فما كان يصح معاقبة الطاعن على أنه ارتكب تزويراً في ورقة رسمية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أدان الطاعن في جنايتي التزوير في ورقة رسمية واستعمال الورقة المزوّرة، وبرأ من اتهموا معه، وأورد واقعة الدعوى كما حصّلتها المحكمة من التحقيقات التي أجريت فيها بقوله: "إن عبد الله عبد الله الخولي اشترى من أخواته البنات زهرة ورزقة وعائشة 8 قراريط بعقدين ابتدائيين أحدهما بستة قراريط والآخر بقيراطين وقام بتحرير العقد المحرّر بستة قراريط المتهم الثالث إبراهيم يوسف معيزة عامل التليفون الطاعن وأخذ المشتري يسعى في إحضار إعلام شرعي بالوراثة تمهيداً لتحرير العقد النهائي، ولكن البائعات عرض لهنّ أن يبعن ما سبق بيعه لأخيهنّ وعلم بذلك محمد محمد الديب المتهم الرابع وكان واضعاً يده على الأطيان بطريق الإيجار فلم يشأ أن تنزع منه وعرضها على محمد محمد كسيبة النجار، وهذا فوّضه في المشتري فلجأ محمد محمد الديب إلى المتهم الثالث إبراهيم يوسف معيزة لأن له دراية بتحرير العقود وبإجراءات التسجيل فكلفه بإجراء ما يلزم في هذا الصدد في مقابل أجر يدفع إليه، وهذا، طمعاً في الحصول على الأجر بأقرب ما يمكن، رأى بدلاً من الحصول على إعلام شرعي بوراثة مورّث البائعات لمورّثهنّ الذي توفي في 10 أكتوبر سنة 1934 عمد إلى تحرير الشهادة الإدارية المطعون فيها وجعل واقعة مزوّرة في صورة واقعة صحيحة وأثبت أن عبد الله إبراهيم الخولي مورّث البائعات توفي في سنة 1919 أي قبل سنة 1924 حتى يتوصل لتسجيل العقد من غير أن يكلف بتقديم إعلام شرعي كما تقضي بذلك تعليمات المساحة في حين أنه يعلم أن المورّث توفي في 10 أكتوبر سنة 1934. وبعد تحرير الشهادة عرضها بواسطة محمد محمد الديب على العمدة المتهم الأوّل محمد علي عزام، ولما رأى هذا الأخير أن الشهادة بخط المتهم الثالث لم يلتفت إلى ما تدوّن بها ووقع عليها لأن المتهم الثالث صهره ولأنه يثق أنه لا يعمل ما في ضرره، ووقع عليها الشيخ المتهم الثاني لأن العمدة وقعها دون أن يلتفت هو الآخر إلى ما ورد بها. وقد استعمل المتهم تلك الشهادة المزوّرة فقدّمها لمصلحة المساحة وتوصل لتسجيل العقد الصادر إلى محمد محمد كسيبة، فلما علم بذلك المجني عليه عبد الله عبد الله الخولي أبلغ الحادث". ثم عرض إلى الأدلة التي استند إليها في ثبوت هذه الواقعة فذكر "أن الوقائع المتقدّمة تأيدت بأقوال الشهود بالتحقيقات وبالجلسة وبأقوال المتهمين. فقد شهد عبد الله عبد الله الخولي بأنه اشترى من أخواته البنات 8 قراريط بعقدين ابتدائيين أحدهما بستة قراريط قام بتحريره المتهم الثالث إبراهيم يوسف معيزة والثاني بقيراطين ثم سعى في استخراج إعلام شرعي بالوراثة. ثم علم بأن الأطيان التي بيعت له باعها أخواته إلى محمد كسيبة، وأن هذا الأخير توصل إلى تسجيل عقده بواسطة شهادة إدارية مزوّرة جررها المتهم الثالث وأثبت فيها بأن مورّث البائعات توفي في سنة 1919 في حين أنه توفي في سنة 1934 ووقع عليها عمدة الرحمانية محمد علي عزام وشيخها عبد المنعم عوض سمرة، وقدّمت تلك الشهادة للمساحة، وشهد عبد الحميد محمد صابر بما شهد به الشاهد السابق، وشهد محمد محمد كسيبة بأن محمد محمد الديب عرض عليه مشتري الثمانية قراريط وزين له مشتراها ففوّض إليه أمر المشتري ولم يحضر هو إلا يوم التوقيع على العقد بالمحكمة. وحيث إن المتهم الرابع أنكر علمه بما تضمنته الشهادة وقال بأنه وكل الأمر إلى المتهم الثالث يعمل كل ما يجب من الإجراءات لتحرير عقد البيع وتسجيله. وقال إن الذي قدّم الشهادة للمساحة شخص آخر اسمه الموافي حوّاش سئل ألم تعملوا شهادة بإثبات وفاة عبد الله إبراهيم الخولي فقال (ولا عملنا حاجات من دي وغاية ما هناك أنني سلمت فلوس التسجيل لإبراهيم يوسف معيزة عامل التليفون وقلت له عاوزين العقد يتسجل). وأن المتهم الثالث (الطاعن) اعترف بتحرير الشهادة وأعدّها للتوقيع عليها من العمدة والشيخ وقال بأنه لا شأن له بالتواريخ وقال بأنه كتب أن عبد الله الخولي توفي سنة 1919 حسب ما أملاه محمد محمد الديب وقال بأن محمد محمد كسيبة لم يكن موجوداً. ولما وجهت إليه تهمة تزوير ورقة رسمية قال (الورقة دي ما كنتش رسمية وقت ما كتبتها لأن واحد بيمليني وكتبتها). وأنه لم يثبت أن المتهمين الأوّل والثاني (العمدة والشيخ) كان لأحدهما مصلحة في تحرير الشهادة، والعمدة وقع اعتماداً على ثقته بعامل التليفون صهره، والشيخ وقع اعتماداً على تحريرها من عامل التليفون والتوقيع عليها من العمدة، ولم يلتفت أحد منهما إلى ما جاء بها خاصاً بتاريخ وفاة المورّث... وأن المتهم الرابع محمد محمد الديب وكل كذلك أمر تحرير العقد وتسجيله إلى المتهم الثالث لأنه لا يفهم شيئاً من هذه الإجراءات ولا يمكن أن يملي على عامل التليفون تاريخ وفاة المورّث لأنه يجهله، وهو وإن كانت له مصلحة في استبقاء الأرض المباعة تحت يده إلا أنه لا يفهم أن التسجيل يستوجب شهادة إدارية تحرّر بشكل خاص، والذي يفهم هذا هو المتهم الثالث لأنه زاول مثل هذه الأعمال... وأن التهمة ثابتة على المتهم الثالث من أقوال المتهمين والشهود السالفي الذكر ومن اعترافه بكتابته الشهادة المطعون فيها وعقد البيع الصادر للمجني عليه، ولأنه هو الذي قام بإجراءات تحرير عقد محمد محمد كسيبة وتسجيله مع علمه بسبق بيع الأطيان إلى المجني عليه، ولأن من كلفه بالعمل وهو محمد محمد الديب أمي لا يعلم شيئاً من الإجراءات الواجب عملها ولا يستطيع التفكير في عمل مثل هذه الشهادة أو اختلاق تاريخ للوفاة".
وحيث إنه يتضح مما تقدّم أن كل ما يثيره الطاعن بأوجه الطعن لا أساس له. فالحكم المطعون فيه قد أثبت عليه أنه وقت تحرير الشهادة كان يعلم بالتاريخ الحقيقي للوفاة وأنه هو الذي استعمل الشهادة بعد تزويرها. واستند في ذلك إلى ما استخلصته المحكمة من الأدلة التي أوردتها والتي من شأنها أن تؤدّي إلى ما رتبته عليها. وإذا كان الطاعن يرمي بطعنه إلى أن الحكم لم يرد به دليل مباشر يشهد بأنه كان على علم باليوم الذي حصلت فيه الوفاة، فإنه لا يشترط قانوناً لصحة القضاء أن يكون مبنياً على دليل مباشر بل يجوز للمحكمة أن تستخلص الحقائق القانونية من ظروف الدعوى وقرائنها وملابساتها، ومتى كان استخلاصها سائغاً يبرره العقل والمنطق فلا تصح مساءلتها عنه أمام محكمة النقض، لأن هذه المساءلة يكون معناها المناقشة في كفاية الدليل، وهذا لتعلقه بصميم الموضوع من سلطة محكمة الموضوع وحدها تقدّره كما ترى بغير أن يكون لمحكمة النقض أية رقابة عليها فيه. أما ما ينعاه الطاعن على الحكم من ناحية عدم تحدّثه عن مقدار الأجر الذي قال عنه، فإن ذلك لا يقدّم ولا يؤخر ما دامت الواقعة الجنائية وأدلة ثبوتها على الطاعن مبينة في الحكم بما فيه الكفاية، وما دام الأجر الذي قالت المحكمة إنه هو الذي دفع الطاعن إلى التزوير لا تتغير طبيعته وصفته تبعاً لمقداره وماهيته. وأما ما يتمسك به الطاعن أخيراً من أن الشهادة لم تكن وقت أن غيرت الحقيقة فيها ورقة رسمية فمردود بأنه وإن كانت الورقة التي حصل فيها التغيير لم تصبح شهادة ولا ورقة رسمية إلا بتوقيع العمدة والشيخ عليها بعد كتابتها إلا أنه ما دام تحريرها وما تضمنته من تغيير للحقيقة لم يكن إلا تمهيداً لتوقيع العمدة والشيخ عليها فإن توقيعهما بجعلها ورقة رسمية وينسحب أثره إلى وقت تحريرها المنسوب حصوله إليهما فيها هي ذاتها. وإذا كان من ساهموا في تحريرها على الصورة التي حررت بها يصح وصفهم قانوناً بالفاعلين أو الشركاء في الجريمة كما هو الحال في الدعوى بالنسبة للطاعن فإن عدم استحقاق الموظفين الموقعين على الشهادة لأية عقوبة بسبب انعدام القصد الجنائي لديهم لا يستتبع قانوناً على مقتضى الأحكام المقرّرة بقانون العقوبات لمسئولية الفاعلين والشركاء في الجريمة براءة باقي من ساهموا معهم عن قصد فيها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق