الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 15 سبتمبر 2024

الطعن رقم 107 لسنة 33 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 1 / 9 / 2024

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الأول من سبتمبر سنة 2024م، الموافق السابع والعشرين من صفر سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 107 لسنة 33 قضائية دستورية

المقامة من
شركة مصطفى سرحان للصلب أبناء مصطفى سرحان
ضد
1 - رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة
2 - رئيس مجلس الوزراء
3- رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المصري

-------------------
" الإجراءات "
بتاريخ الخامس والعشرين من مايو سنة 2011، أودعت الشركة المدعية صحيفة الدعوى المعروضة قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية نص المادة الثانية من القانون رقم 120 لسنة 2008 بإصدار قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية، والمواد (1 و2 و6 و11 و12) من هذا القانون.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم؛ أصليًّا: بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطيًّا: بعدم قبولها، ومن باب الاحتياط الكلي: برفضها.
كما قدمت الشركة المدعية مذكرة، رددت فيها الطلبات الواردة بصحيفة الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

--------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل -على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- في أن المدعى عليه الثالث أقام أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية الدعوى رقم 957 لسنة 2008 تجاري، ضد الشركة المدعية، وآخرين، طالبًا الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يؤدوا إليه مبلغ خمسة وستين مليونًا وسبعمائة وعشرة آلاف وثمانمائة وسبعة وأربعين جنيهًا، قيمة الدين المستحق على الشركة حتى 30/ 4/ 2008، فضلًا عن العوائد والعمولات والمصاريف حتى تمام السداد. وبتاريخ 4/ 10/ 2008، أُحيلت الدعوى إلى المحكمة الاقتصادية بالقاهرة وقُيدت برقم 110 لسنة 2009 اقتصادي القاهرة. وبجلسة 26/ 5/ 2009، حكمت المحكمة بعدم اختصاصها قيميًّا بنظر الدعوى، وأحالتها إلى إحدى الدوائر الاستئنافية بتلك المحكمة، فقُيدت برقم 1363 لسنة 1 قضائية اقتصادية القاهرة. وبجلسة 4/ 7/ 2010، دفعت الشركة المدعية بعدم دستورية المادة الثانية من القانون رقم 120 لسنة 2008 بإصدار قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية والمواد (6 و11 و12) من هذا القانون. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للشركة المدعية بإقامة الدعوى الدستورية؛ فقد أقامت الدعوى المعروضة.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى؛ بقالة إن الشركة تنعى على النصوص المطعون فيها مخالفتها أحكام الاتفاقيات الدولية، وهو ما ينحل إلى مخالفة نصوص قانونية نصوصًا أخرى من ذات مرتبتها، فمردود بأن الشركة المدعية قد أفصحت بصحيفة دعواها عن مخالفة النصوص المطعون فيها لأحكام المواد (1 و2 و7 و21 و46 و47) من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011، وأن ما ورد بتلك الصحيفة من الإشارة إلى الاتفاقيات الدولية لم يكن إلا على سبيل الاستئناس بما تقرره تلك الاتفاقيات؛ ومن ثم يغدو ذلك الدفع لا سند له، حقيقًا بالالتفات عنه.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن نطاق الدعوى الدستورية التي أتاح المشرع للخصوم إقامتها - وفقًا لنص البند (ب) من المادة (29) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - يتحدد بنطاق الدفع الذي أُثير أمام محكمة الموضوع، وفي الحدود التي تقدر فيها تلك المحكمة جديته، وبما لا يجاوز الطلبات الختامية الواردة في صحيفة الدعوى الدستورية. متى كان ما تقدم، وكان الطعن بعدم دستورية المادتين (1 و2) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية الصادر بالقانون رقم 120 لسنة 2008، لم يتضمنه الدفع المبدى أمام محكمة الموضوع، مما ينحل معه ذلك الطعن إلى دعوى دستورية أصلية أقيمت بالمخالفة للأوضاع والإجراءات المقررة قانونًا، وتغدو معه الدعوى المعروضة في هذا الشق منها غير مقبولة.
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا سبق لها أن حسمت المسألة الدستورية المتعلقة بنص المادتين (6 و11) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية الصادر بالقانون رقم 120 لسنة 2008، فيما نصتا عليه من اختصاص الدوائر الاستئنافية في المحاكم الاقتصادية، دون غيرها، بالنظر ابتداءً في كافة المنازعات والدعاوى المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة (6) المشار إليها، إذا جاوزت قيمتها خمسة ملايين جنيه، واختصاص الدوائر الابتدائية بتلك المحاكم بنظر الدعاوى التي لا تجاوز قيمتها خمسة ملايين جنيه، وذلك بحكمها الصادر بجلسة 5/ 8/ 2012، في الدعوى رقم 56 لسنة 31 قضائية دستورية، الذي قضى برفض الدعوى، وإذ نُشر ذلك الحكم بالجريدة الرسمية - العدد 32 (مكررًا) بتاريخ 15/ 8/ 2012 - وكان مقتضى نص المادة (195) من الدستور القائم والمادتين (48 و49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون للأحكام والقرارات الصادرة من هذه المحكمة حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، باعتبارها قولًا فصلًا لا يقبل تأويلًا ولا تعقيبًا من أية جهة كانت، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها أو إعادة طرحها على هذه المحكمة من جديد لمراجعتها؛ الأمر الذي تغدو معه الدعوى المعروضة بالنسبة إلى هذين النصين غير مقبولة.
وحيث إن المادة الثانية من القانون رقم 120 لسنة 2008 بإصدار قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية، قبل تعديلها بالقانون رقم 146 لسنة 2019، تنص على أن تحيل المحاكم من تلقاء نفسها ما يوجد لديها من منازعات ودعاوى أصبحت بمقتضى أحكام القانون المرافق من اختصاص المحاكم الاقتصادية وذلك بالحالة التي تكون عليها وبدون رسوم، وفي حالة غياب أحد الخصوم يقوم قلم الكتاب بإعلانه بأمر الإحالة مع تكليفه بالحضور في الميعاد أمام المحكمة التي تحال إليها الدعوى.
وتفصل المحاكم الاقتصادية فيما يحال إليها تطبيقًا لأحكام الفقرة السابقة دون عرضها على هيئة التحضير المنصوص عليها في المادة (8) من القانون المرافق.
ولا تسري أحكام الفقرة الأولى على المنازعات والدعاوى المحكوم فيها، أو المؤجلة للنطق بالحكم قبل تاريخ العمل بهذا القانون، وتبقى الأحكام الصادرة فيها خاضعة للقواعد المنظمة لطرق الطعن السارية في تاريخ صدورها.
وتنص المادة (12) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية سالف الذكر على أن تشكل بمحكمة النقض دائرة أو أكثر تختص، دون غيرها، بالفصل في الطعون بالنقض في الأحكام المنصوص عليها في المادة (11) من هذا القانون.
كما تنشأ بمحكمة النقض دائرة أو أكثر لفحص تلك الطعون، تتكون كل منها من ثلاثة من قضاة المحكمة بدرجة نائب رئيس على الأقل، لتفصل، منعقدة في غرفة المشورة، فيما يفصح من الطعون عن عدم جوازه أو عن عدم قبوله لسقوطه أو لبطلان إجراءاته.
ويعرض الطعن، فور إيداع نيابة النقض مذكرة برأيها، على دائرة فحص الطعون، فإذا رأت أن الطعن غير جائز أو غير مقبول، للأسباب الواردة في الفقرة السابقة، أمرت بعدم قبوله بقرار مسبب تسبيبًا موجزًا، وألزمت الطاعن المصروفات فضلًا عن مصادرة الكفالة إن كان لذلك مقتضى، وإذا رأت أن الطعن جدير بالنظر أحالته إلى الدائرة المختصة مع تحديد جلسة لنظره.
وفي جميع الأحوال لا يجوز الطعن في القرار الصادر من دائرة فحص الطعون بأي طريق.
واستثناء من أحكام المادة (39) من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، وأحكام الفقرة الثانية من المادة (269) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، إذا قضت محكمة النقض بنقض الحكم المطعون فيه حكمت في موضوع الدعوى ولو كان الطعن لأول مرة‏.‏
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثرًا في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ما تقدم، وكانت الشركة المدعية تهدف من الدعوى المعروضة، استمرار نظر الدعوى الموضوعية أمام المحكمة الابتدائية التي أقامتها أمامها ابتداءً، والطعن على الحكم النهائي الذي يصدر فيها أمام محكمة النقض باختصاصاتها المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية، دون التنظيم المقرر للطعن بالنقض في قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية، وهما الأمران اللذان يحكمهما النصان المطعون فيهما، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية والمباشرة للشركة المدعية تتحقق في الطعن على الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 120 لسنة 2008 بإصدار قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية، قبل أن يُستبدل بها القانون رقم 146 لسنة 2019، والمادة (12) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية، وبهذين النصين يتحدد نطاق الدعوى المعروضة.
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على نص المادة الثانية من القانون رقم 120 لسنة 2008 بإصدار قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية انطواءه على أثر رجعي دون الحصول على الأغلبية المنصوص عليها في دستور سنة 1971، الذي صدر النص في ظل العمل بأحكامه، والتمييز - دون مبرر موضوعي - بين المتداعين في الدعاوى التي لم يقفل فيها باب المرافعة قبل تاريخ العمل بالقانون، وبين قرنائهم في الدعاوى التي أُقفل فيها باب المرافعة، أو التي فصل فيها قبل تاريخ العمل بالقانون، بالرغم من تكافؤ المراكز القانونية للمتداعين في كلتا الحالتين، مما يشكل إخلالًا بمبدأ المساواة، وإهدارًا لمبدأ سيادة القانون، كما تنعى على نص المادة (12) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية قصره الطعن بالنقض على الأحكام التي تصدر ابتداءً من الدوائر الاستئنافية، وتحصينه القرارات الصادرة من دائرة فحص الطعون بمحكمة النقض من الطعن عليها، وإلزام المحكمة بالفصل في موضوع النزاع إذا ما نقضت الحكم الاستئنافي، ولو كان الطعن أمامها لأول مرة، مما يقيد الحق في التقاضي، ويهدر مبدأ استقلال القضاء، وذلك بالمخالفة لنصوص المواد (1 و2 و7 و21 و46 و47) من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011، المقابلة لأحكام المواد (1 و2 و53 و184 و186) من الدستور القائم.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الفصل فيما يُدَّعى به أمامها من تعارض بين نص تشريعي وقاعدة موضوعية في الدستور، سواء بتقرير قيام المخالفة المدعى بها، أو بنفيها، إنما يعد قضاءً في موضوعها، منطويًا، لزومًا، على استيفاء النص المطعون عليه للأوضاع الشكلية التي تطلبها الدستور، ومانعًا من العودة إلى بحثها مرة أخرى؛ ذلك أن العيوب الشكلية، وبالنظر إلى طبيعتها، لا يتصور أن يكون بحثها تاليًا للخوض في المطاعن الموضوعية، ولكنها تتقدمها، ويتعين على هذه المحكمة، من ثَّم، أن تتحراها، بلوغًا لغاية الأمر فيها، ولو كان نطاق الدعوى المعروضة عليها محددًا في إطار المطاعن الموضوعية، دون سواها؛ ومن ثم تفرض العيوب الشكلية ذاتها على المحكمة دومًا؛ إذ يستحيل عليها أن تتجاهلها، عند مواجهتها لأية مطاعن موضوعية.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت هذه المحكمة قد سبق أن عُرض عليها قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية الصادر بالقانون رقم 120 لسنة 2008، الذى تضمن المواد المطعون فيها، حال تعرضها للفصل في دستورية نصوص المواد (4/ 12 و6 و11) منه، في الدعويين رقمي 56 لسنة 31 قضائية دستورية، بجلسة 5/ 8/ 2012، و25 لسنة 36 قضائية دستورية، بجلسة 24/ 9/ 2016، واللتين قضت فيهما برفض الدعوى، فإن قضاء المحكمة الدستورية العليا - وقد صدر في شأن مطاعن موضوعية - يكون متضمنًا، لزومًا، تحققها من استيفاء نصوص هذا القانون لأوضاعه الشكلية، إذ لو قام الدليل على تخلفها لامتنع عليها أن تفصل في اتفاقه أو مخالفته لأحكام الدستور الموضوعية؛ ومن ثم فإن النعي بصدور هذا القانون على خلاف الأوضاع الشكلية التي تطلبها الدستور، الذي صدر في ظله، يكون قائمًا على غير أساس، حريًّا بالالتفات عنه.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التي يجب أن تقوم عليها الجماعة، وتعبيرًا عن إرادة الشعب، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها النظام العام في المجتمع، وتشكل أسمى القواعد الآمرة التي تعلو على ما دونها من تشريعات؛ ومن ثم يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات - أيًّا كان تاريخ العمل بها - لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية. متى كان ذلك، وكانت المطاعن التي وجهتها الشركة المدعية إلى النصين المطعون فيهما تندرج ضمن المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور، من حيث محتواها الموضوعي، وإذ أدرك دستور سنة 2014 النصين المطعون فيهما؛ فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية النصين المطعون فيهما في ضوء أحكام الدستور القائم.
وحيث إن المادة (97) من الدستور الحالي تنص على أن التقاضي حق مصون ومكفول للكافة. وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضي، وتعمل على سرعة الفصل في القضايا، ويحظر تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي .... وقد دل المشرع الدستوري بذلك على أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم والدفاع عن مصالحهم الذاتية، وأن الناس جميعًا لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية، ولا في مجال التداعي بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغي دائمًا أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة، سواء في مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام التي تصدر فيها.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لكل مواطن حق اللجوء إلى قاضٍ يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها، مهيأً للفصل فيها، وهذا الحق مخول للناس جميعًا فلا يتمايزون فيما بينهم في ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصورًا على بعضهم، ولا منصرفًا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملًا بعوائق تخص نفرًا من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق منضبطًا وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها، وفى إطار من القيود التي يقتضيها تنظيمه، ولا تصل في مداها إلى حد مصادرته.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مبدأ المساواة ليس مبدأ تلقينيًّا جامدًا منافيًا للضرورة العلمية، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلًا لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء. وإذا جاز للسلطة التشريعية أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائمًا من التدابير، لتنظيم موضوع محدد، وأن تغاير - من خلال هذا التنظيم وفقًا لمقاييس منطقية - بين مراكز لا تتحد معطياتها، أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها، فإن ما يصون مبدأ المساواة، ولا ينقض محتواه هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيمًا تشريعيًّا ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها بالأغراض المشروعة التي يتوخاها، فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهيًا، كان التمييز انفلاتًا وعسفًا، فلا يكون مشروعًا دستوريًّا، وأن مبدأ خضوع الدولة للقانون مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التي يعتبر صونها مفترضًا أوليًّا لقيام الدولة القانونية.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في تنظيمه لحق التقاضي - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنها سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض في شأن مباشرتها ضوابط محددة، تعتبر تخومًا لها ينبغي التزامها، وفى إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي يباشر الحق في التقاضي في نطاقها، وبما لا يصل إلى إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا بها عن أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا، التزامًا بمقاصدها، باعتبارها شكلًا للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالًا. ومن هنا فإن ضمان سرعة الفصل في القضايا غايته أن يتم الفصل في الخصومة القضائية - بعد عرضها على قضاتها- خلال فترة زمنية لا تجاوز باستطالتها كل حد معقول، ولا يكون قصرها متناهيًا، وقصر حق التقاضي في المسائل التي فصل فيها الحكم على درجة واحدة، هو مما يستقل المشرع بتقديره بمراعاة أمرين؛ أولهما: أن يكون هذا القصر قائمًا على أسس موضوعية تمليها طبيعة المنازعة وخصائص الحقوق المثارة فيها، وثانيهما: أن تكون الدرجة الواحدة محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي من حيث تشكيلها وضماناتها والقواعد المعمول بها أمامها، وأن يكون المشرع قد عهد إليها بالفصل في عناصر النزاع جميعها -الواقعية منها والقانونية - فلا تراجعها فيما تخلص إليه من ذلك أية جهة أخرى ، ومن ثم لا يجوز- من زاوية دستورية - انفتاح طرق الطعن في الأحكام أو منعها إلا وفق أسس موضوعية، ليس من بينها مجرد سرعة الفصل في القضايا.
وحيث إنه، لما كان ما تقدم، وكان المشرع بتقريره النصين المطعون فيهما، قد أعمل سلطته التقديرية في شأن التنظيم الإجرائي للخصومة في المنازعات والدعاوى التي تختص بنظرها المحاكم الاقتصادية، بأن أنشأ قضاءً متخصصًا ليباشر ما نيط به من اختصاصات حددتها المادتان (4 و6) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية الصادر بالقانون رقم 120 لسنة 2008، وذلك وفقًا للضوابط والإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون، والتي كفلت للمتقاضين ضمانات التقاضي، من إبداء الدفاع وتنظيم لطرق وإجراءات الطعن في الأحكام الصادرة منه، ومن ثم؛ فإن المادة الثانية من القانون رقم 120 لسنة 2008 المشار إليه،
قد ألزمت المحاكم أن تحيل - من تلقاء نفسها - ما يوجد لديها من منازعات ودعاوى أصبحت بمقتضى أحكام ذلك القانون من اختصاص المحاكم الاقتصادية، وذلك بالحالة التي تكون عليها، وبدون رسوم، بقصد الفصل في تلك المنازعات أمام قضاء متخصص، بما يكفل سرعة القضاء فيها، ويحول دون تشتتها أمام جهات قضائية مختلفة؛ ومن ثم تكون المحاكم الاقتصادية - وهي من تشكيل محاكم جهة القضاء العادي - هى القاضي الطبيعي للمنازعات التي تختص بها، والتي عينتها المادة (6) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية، وذلك في مفهوم المادة (97) من الدستور.
وحيث إن المشرع وضع للحماية القضائية للمتقاضين أمام المحاكم الاقتصادية نظامًا للتداعي يقوم على أساس قيمة المنازعة ونوعها، بحيث تعرض الدعاوى - غير الجنائية - التي أسند لتلك المحاكم الاختصاص بنظرها، والتي لا تجاوز قيمتها خمسة ملايين جنيه على الدوائر الابتدائية، وأجاز استئناف الأحكام الصادرة منها أمام الدوائر الاستئنافية، في حين تعرض الدعاوى التي تجاوز هذه القيمة على الدوائر الاستئنافية ابتداءً، وأجاز الطعن في الأحكام الصادرة منها أمام محكمة النقض لتفصل دائرة فحص الطعون، منعقدة في غرفة مشورة، فيما يفصح من الطعون عن عدم جوازه أو عن عدم قبوله، وإذا رأت أن الطعن جدير بالنظر أحالته إلى الدائرة المختصة، فإذا قضت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه؛ حكمت في موضوع الدعوى ولو كان الطعن لأول مرة، وذلك إعمالًا لنص الفقرة الأخيرة من المادة (12) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية المشار إليه، مما مؤداه ربط هذا التنظيم الإجرائي للخصومة في مجمله بالغايات التي استهدفها المشرع من هذا القانون، والتي تتمثل -على ما يتضح جليًّا من أعماله التحضيرية- في تحقيق المصلحة العامة عن طريق إقامة قضاء متخصص في نظر المنازعات ذات الطابع الاقتصادي، وما يستلزمه ذلك من حسم هذه المنازعات بالسرعة التي تتفق مع طبيعة النشاط الاقتصادي، الذى يُعتبر الزمن عنصرًا جوهريًّا فيه، وعاملًا أساسيًّا لاستقرار المراكز القانونية المتعلقة بهذا النشاط، مع عدم الإخلال - في الوقت ذاته - بالضمانات الأساسية لحق التقاضي، ولا بأركانه التي يتوخاها الدستور، بما يكفل لأي من المتقاضين أمام المحاكم الاقتصادية، عرض منازعته ودفوعه على قاضيه الطبيعي، متمتعًا بفرص متكافئة في الطعن على الحكم الصادر من أول درجة من درجات التقاضي، سواء تمثلت هذه الدرجة في الدوائر الابتدائية بالمحاكم الاقتصادية بالنسبة للفئة الأولى من المتقاضين، أم في الدوائر الاستئنافية بها بالنسبة للفئة الثانية منهم- على النحو السالف البيان- بما يجعل للخصومة في هذا النوع من المنازعات حلًّا منصفًا يرد العدوان على الحقوق المدعى بها، وفق أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزًا منهيًّا عنه بين المخاطبين بها، بمراعاة اختلاف المراكز القانونية لخصوم الدعاوى التي أصبحت من اختصاص المحاكم الاقتصادية، وخصوم الدعاوى المحكوم فيها، أو المؤجلة للطعن بالحكم قبل تاريخ العمل بقانون إنشاء المحاكم الاقتصادية المشار إليه، التي تبقي الأحكام الصادرة منها خاضعة للقواعد المنظمة لطرق الطعن السارية في تاريخ صدورها، مما يتفق مع سلطة المشرع في المفاضلة بين البدائل المختلفة لتنظيم إجراءات التقاضي، دون التقيد بقالب جامد يحكم إطار هذا التنظيم؛ ومن ثم تكون الإحالة التي قررها المشرع بنص الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 120 لسنة 2008 بإصدار قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية، قبل أن يُستبدل بها القانون رقم 146 لسنة 2019، وتنظيم إجراءات الطعن أمام محكمة النقض المنصوص عليها بالمادة (12) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية، قائمة على أسس مبررة تستند إلى واقع يرتبط بالأغراض التي توخاها المشرع، ولا يتصل بحقوق موضوعية استقر أمرها، ولا بنزاع كان يدور حولها وصار منتفيًا، وإنما بقواعد إجرائية ضبط المشرع بها استئداء هذه الحقوق، أحل محلها قواعد من جنسها لم تكتمل حلقاتها في شأن النزاع المتصل بها، فلا يكون تطبيق القواعد الإجرائية الجديدة في شأنها متضمنًا أثرًا رجعيًّا، بل متعلقًا محلًا بمراكز قانونية تقبل بطبيعتها التعديل والتغيير، ومن ثم تنتفي عن هذين النصين قالة الإخلال بمبدأي سيادة القانون والمساواة، أو تقييد حق التقاضي.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النصان المطعون فيهما لا يخالفان أي أحكام أخرى من الدستور؛ فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.
وحيث إنه بشأن ما أثارته الشركة المدعية بصحيفة دعواها من غموض نص الفقرة الأخيرة من المادة (12) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية المار ذكره، مما يقتضي تفسيره، فإنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المشرع بعد أن بيَّن في المادة (26) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 الحالات التي تتولى فيها المحكمة تفسير نصوص القوانين والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية، نص في المادة (33) منه على أن يقدم طلب التفسير من وزير العدل بناءً على طلب رئيس مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًا) أو المجلس الأعلى للهيئات القضائية .....، ومؤدى ذلك أن المشرع قصر الحق في تقديم طلبات التفسير على الجهات المحددة في المادة المشار إليها، وذلك عن طريق وزير العدل. لما كان ذلك، فإن طلب الشركة المدعية المار بيانه، لا يكون قد اتصل بهذه المحكمة اتصالًا مطابقًا للأوضاع المقررة قانونًا لتقديم طلبات التفسير؛ ومن ثم يتعين الالتفات عنه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية المصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق