الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 2 يوليو 2021

الطعن 95 لسنة 8 ق جلسة 8 / 6 / 1939 مج عمر المدنية ج 2 ق 189 ص 575

جلسة 8 يونيه سنة 1939

برياسة حضرة محمد فهمي حسين بك وبحضور حضرات: حامد فهمي بك وعبد الفتاح السيد بك وعلي حيدر حجازي بك ونجيب مرقس بك المستشارين.

------------------

(189)
القضية رقم 95 سنة 8 القضائية

نقض وإبرام:
(أ، ب) الشريعة الإسلامية.

متى تعتبر من القانون الواجب على المحاكم النظامية تطبيقه؟ الأحكام التي أخذها الشارع عنها وأدمجها في القوانين. بيع المريض مرض الموت. أحكام الشفعة. عدم تقيد المحاكم في تفسيرها برأي أئمة الشرع. رقابة محكمة النقض عليها. متى يكون العمل بالمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية واجباً؟
)جـ، د) شفعة.

خيار الشفيع. انتقاله إلى الورثة. مذهب الأئمة عدا أبا حنيفة في انتقال الخيارات. مذهب القانون المدني المصري. (المواد 354 و355 و391 مدني(

---------------
1 - إن الشريعة الإسلامية لا تعتبر من القانون الواجب على المحاكم الأهلية تطبيقه إلا في خاصة العلاقات المدنية التي نشأت في ظلها قبل ترتيب هذه المحاكم وفي المسائل التي أحالها القانون إليها كالميراث والحكر. أمّا ما أخذه الشارع عنها وأدمجه في القوانين كأحكام بيع المريض مرض الموت وأحكام الشفعة وحقوق زوجات التجار فإنه من القوانين التي تطبقها المحاكم وتفسرها غير متقيدة برأي الأئمة، ولمحكمة النقض الرقابة عليها في ذلك.
2 - إن الشريعة الإسلامية والقوانين الدينية لليهود والنصارى وقوانين الأحوال الشخصية الخاصة بالأجانب تعتبر من القوانين الواجب على المحاكم تطبيقها فيما يعرض لها من مسائل الأحوال الشخصية ولا تجد فيه ما يستدعي وقف الدعوى لتفصل فيه محكمة الأحوال الشخصية المختصة به بصفة أصلية. ولا شك في أنه متى وجب الحكم في الأحوال الشخصية على مقتضى الشريعة الإسلامية أو القوانين الملية أو الجنسية فإنه يكون على المحكمة أن تتثبت من النص الواجب تطبيقه في الدعوى، وتأخذ في تفسيره بالوجه الصحيح المعتمد، وهي في ذلك خاضعة لرقابة محكمة النقض. ولذلك لا يكون العمل بالمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية واجباً على المحاكم الأهلية إلا في مسائل الأحوال الشخصية التي تختص المحاكم الشرعية بنظرها بصفة أصلية ولا تفصل فيها المحاكم الأهلية إلا بصفة فرعية.
3 - إن القانون المصري قد خلا من النص على حكم خيار العيب وخيار الشرط وخيار التعيين وخيار الاسترداد الوراثي وخيار المدين دفع ثمن الدين المبيع لمشتريه. وكذلك قد خلا قانون الشفعة من النص على حكم خيار الشفيع هل ينتقل للورثة أو لا ينتقل. والصحيح في هذه الخيارات أنها جميعاً تنتقل قانوناً إلى ورثة من له الخيار، لأنها حقوق مالية يجري فيها التوارث مجراه في المال. ولا يغض من ذلك أن الشريعة الإسلامية - في مذهب أبي حنيفة - لا تجيز انتقال خيار الشفعة إلى وارث الشفيع.
4 - إن من عدا أبا حنيفة من الأئمة وجمهور الفقهاء قد ذهبوا في انتقال الخيارات إلى الورثة انتقال الأموال والحقوق المذهب الذي انتحاه القانون المصري فيما جرى عليه من توريث الأموال والحقوق المتعلقة بالأموال والحقوق المجرّدة والمنافع والخيارات والمؤملات والدعاوى وآجال الديون. فمن مات وعليه دين مؤجل فلا يحل بموته أجل الدين لأنه حق استفاده المدين حال حياته فينتقل بعد موته إلى ورثته ميراثاً عنه. والمنافع المملوكة للشخص إذا مات قبل استيفائها يخلفه ورثته فيما بقي منها، فلا تنفسخ الإجارة بموت المستأجر أو المؤجر في أثناء مدّتها. ومن أعطيت له أرض ليحييها بالزراعة أو العمارة فحجرها ثم مات قبل مضي ثلاث سنين ولم يكن قد باشر فيها عمل الإحياء حل وارثه محله في اختصاصه وأولويته بإحيائها. وإذا مات الدائن المرتهن انتقل حقه في الرهن إلى ورثته وانتقل معه حقه في حبس العين المرهونة حتى يوفى الدين. وكل هذا كما هو صحيح في القانون صحيح عند الأئمة الثلاثة وجمهور الفقهاء، وغير صحيح عند أبي حنيفة.


الوقائع

تتضمن وقائع الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه - أنه بتاريخ 2 من مارس سنة 1937 باع عبد القادر توفيق بك وأحمد فؤاد عبد المجيد بك لرزق الله واصف خبل أفندي 24 فداناً و16 قيراطاً بناحية أولاد مهنا مركز بلبيس بثمن قدره 1657 جنيهاً و920 مليماً، وذلك بعقد رسمي سجل في 27 من مايو سنة 1937 أمام موثق العقود بمحكمة مصر الابتدائية المختلطة. ولأن المرحوم محمد مختار سري بك (مورّث الطاعنين) شفيع في هذه الصفقة أعلن للبائعين والمشتري رغبته في أخذها بالشفعة، وذلك في 27 من مايو سنة 1937. ثم رفع عليهم دعوى أمام محكمة الزقازيق الابتدائية طلب فيها الحكم بأحقيته لأخذ هذه الأطيان بالشفعة بالثمن المسمى بالعقد.
وبعد أن ترافع الطرفان في القضية بجلسة 18 من نوفمبر سنة 1937 أجلت المحكمة نطق الحكم لجلسة 23 من ديسمبر سنة 1937، ثم لجلسة 30 من ذلك الشهر. وفي 21 من الشهر المذكور قدّم رزق الله واصف خبل أفندي طلباً بفتح باب المرافعة ليتمكن من الدفع بسقوط الحق في الشفعة لوفاة الشفيع بتاريخ 16 من ديسمبر سنة 1937. والمحكمة أصدرت بتاريخ 30 منه حكماً تمهيدياً بندب خبير لتحقيق الجوار ووجود حق الارتفاق بعد أن قضت بعدم سقوط حق الورثة في متابعة الدعوى.
وبتاريخ 5 من فبراير سنة 1938 استأنف رزق الله أفندي المشتري هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر طالباً إلغاءه والحكم بسقوط حق الشفيع في الشفعة لوفاته.
وفي 16 من يونيه سنة 1938 حكمت محكمة استئناف مصر بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بقبول الدفع المقدّم من المستأنف وبإلغاء الحكم المستأنف وسقوط حق ورثة المرحوم محمد مختار سري بك في أخذ العين بالشفعة الخ.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعنة بصفتيها في 9 من أغسطس سنة 1938، فطعن فيه وكيلها بطريق النقض في 7 من سبتمبر سنة 1938 بتقرير أعلن إلى المدعى عليه في 19 من ذلك الشهر الخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن أن محكمة الاستئناف بقضائها بإلغاء الحكم التمهيدي المستأنف وبسقوط الشفعة لوفاة الشفيع قبل القضاء له بها قد خالفت حكم القانون المدني الواجب الأخذ به.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بني على أن الشريعة الإسلامية، على مذهب الإمام أبي حنيفة، هي الواجب الأخذ بأحكامها، لأن قانون الشفعة من جهةٍ خال من النص على ما إذا كان خيار الشفعة ينتقل لورثة الشفيع أو لا ينتقل، ولأن المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية تقضي "بأن الأحكام تصدر طبقاً للمدوّن في هذه اللائحة ولأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة ما عدا الأحوال التي ينص فيها قانون للمحاكم الشرعية على قواعد خاصة فيجب فيها أن تصدر الأحكام طبقاً لتلك القواعد".
هذا. وحيث إن الشريعة الإسلامية لا تعتبر من القانون الواجب على المحاكم النظامية تطبيقه إلا في خاصة العلاقات المدنية التي نشأت في ظلها قبل إنشاء المحاكم الأهلية وفيما أحاله القانون إليها كالميراث والحكر. أما ما أخذه الشارع من أحكامها وطبعه بطابعه وأدمجه في القوانين كأحكام بيع المريض مرض الموت وأحكام الشفعة وحقوق الزوجات في القانون التجاري فإنه يكون قانوناً بذاته تطبقه المحاكم النظامية وتفسره غير متقيدة فيه بآراء أئمة الفقه الإسلامي. وقضاؤها في ذلك يكون خاضعاً لرقابة محكمة النقض.
وحيث إن الشريعة الإسلامية والقوانين الدينية للمسيحيين واليهود من المصريين وقوانين الأحوال الشخصية الخاصة بالأجانب غير المتمتعين بالامتيازات تعتبر أيضاً من القوانين التي يجب على المحاكم النظامية تطبيقها في مسائل الأحوال الشخصية التي تعرض لهذه المحاكم ولا تجد فيها ما يستدعي التقرير بوقف الدعوى حتى تفصل في تلك المسائل محكمة الأحوال الشخصية المختصة بنظرها بصفة أصلية. ولا شك أنه متى وجب الحكم في الأحوال الشخصية على مقتضى الشريعة الإسلامية أو القوانين الملية أو الجنسية الخاصة بالأجانب غير المتمتعين بالامتيازات، فإنه يكون على المحكمة النظامية أن تتثبت من النص الواجب تطبيقه في الدعوى وأن تأخذ في تفسيره بالوجه المعتمد أمام محاكم الأحوال الشخصية المختصة، ويكون حكمها كذلك خاضعاً لرقابة محكمة النقض. وبذلك لا يكون العمل بالمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية واجباً أمام المحاكم النظامية إلا في مسائل الأحوال الشخصية التي تفصل فيها هذه المحاكم بصفة فرعية كما سبق القول.
وحيث إن الأصل في القوانين الوضعية أن من ترك مالاً فلورثته إلا ما استثني من الحقوق والالتزامات التي تنتهي بالموت بحكم القانون أو بالاتفاق كحق السكنى والاستعمال والإيرادات المؤقتة. والأصل في المالية أنها تثبت بتموّل الناس كافة أو بتموّل البعض، والأصل في التقوّم أنه يثبت بها وبإباحة الانتفاع بها شرعاً أو قانوناً. فما يكون مباح الانتفاع دون تموّل الناس لا يكون مالاً كحبة من حنطة، وما يكون مالاً بين الناس ولا يكون مباح الانتفاع لا يكون متقوّماً كالخمر في حق المسلم في الشريعة الإسلامية. ولذلك جرى الفقه الإسلامي على تقسيم المال إلى مال غير متقوّم وهو ما كان مالاً في عرف مستحله ولكنه غير مال في نظر الشرع لأنه سلبه الاحترام والقيمة التي يسير بها في الأسواق والانتفاع الذي هو الثمرة الأولى من ثمرات المالية، كما جرى القانون على تقسيم المال إلى ما حرم اقتناؤه وعدّ إحرازه جريمة إلا في أحوال استثنائية كالمواد المخدّرة، وإلى ما أبيح اقتناؤه وإحرازه والتصرف فيه. ولهذا خلت القوانين الوضعية من النص فيها على ما ينتقل للورثة من الخيارات المختلفة، لأن الأصل فيها جميعاً الانتقال للورثة، إلا ما كان خاصاً بذات صاحب الخيار فيسقط بالموت. وكما خلا القانون المصري من حكم خيار العيب أو خيار الشرط أو خيار التعيين وخيار الاسترداد الوراثي وخيار المدين دفع ثمن الدين المبيع لمشتريه، كذلك خلا قانون الشفعة من النص على حكم خيار الشفيع أينتقل للورثة أو لا ينتقل. فالقول الفصل فيها جميعاً أنها تنتقل قانوناً إلى ورثة صاحب الخيار، لأنها حقوق مالية يجري فيها التوارث مجرى الأصل.
وحيث إن الأصل كذلك في الشريعة الإسلامية - على مذهب جمهور الفقهاء - هو أن تورث الحقوق والأموال إلا ما قام دليل على مفارقة الحق في هذا المعنى للمال. أما الحنفية منهم فالأصل عندهم أن يورث المال دون الحقوق، لأن الذي ثبت عن الشارع هو قوله صلى الله عليه وسلم "من ترك مالاً فلورثته" إلا ما قام دليله من إلحاق الحقوق بالأموال. فموضع الخلاف بين الأئمة هل الأصل هو أن تورث الحقوق كالأموال أم لا. فأبو حنيفة وأصحابه يذهبون إلى أن الوارث يكون له ما كان للمورّث من الخيارات في خيار العيب وخيار فوات الوصف المرغوب فيه وخيار التعيين وخيارات أخرى، لا على اعتبار أن الذي ينتقل للورثة هو حق من الحقوق، بل على اعتبار أن المنتقل إليهم عين التصقت بها حقوق. ففي خيار العيب وخيار فوات الوصف السبب الحامل على الخيار قائم بالعين بعد موت المورّث كما كان قائماً قبله. أما خيار الشفعة فليس متعلقاً بالعين المشفوع فيها ولا لاصقاً بها، بل هو راجع لمحض إرادة الشفيع فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، فهو لا ينتقل إلى الوارث لأنه ليس بمال ولا في معنى المال. أما جمهور الفقهاء ومنهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد، فأصلهم أن الحقوق والاختصاصات والخيارات تورث كما تورث الأموال إلا ما كان صفة خاصة بذي الخيار كخيار الأب في ردّ هبته، فلا يورث لأنه خيار راجع إلى صفة في الأب لا توجد في غيره وهي الأبوّة. فسبب اختلافهم إذن في خيارٍ خيار على ما يقوله الإمام ابن رشد أنه من انقدح له في شيء منها أنه صفة للعقد ورّثه، ومن انقدح أنه صفة خاصة لذي الخيار لم يورّثه.
وحيث إن مذهب جمهور الفقهاء ومنهم الأئمة الثلاثة في انتقال الخيارات انتقال الأموال والحقوق إلى الورثة هو الذي يلائم مذهب القانون المصري فيما جرى به من توريث الأموال والحقوق المتعلقة بالأموال والحقوق المجرّدة والمنافع والخيارات والمزاعم والدعاوى وآجال الديون. فمن مات وعليه دين مؤجل فلا يحل أجل الدين بموته لأنه حق استفاده المدين حال حياته فينتقل بعد موته إلى ورثته ميراثاً عنه. والمنافع المملوكة لشخص إذا مات قبل استيفائها يخلفه ورثته فيما بقي منها، ولهذا لا تنفسخ الإجارة بموت المستأجر أو المؤجر في أثناء المدّة. ومن أعطيت له أرض ليحييها بالزراعة أو العمارة فحجرها ولم يباشر فيها عمل الإحياء وكان ذلك قبل مضي ثلاث سنين حل وارثه محله في اختصاصه بها وأولويته بإحيائها. وإذا مات الدائن المرتهن انتقلت العين المرهونة إلى يد وارثه وانتقل معها حق حبسها حتى يستوفى الدين. وهذا كله صحيح في مذهب القانون وجمهور الفقهاء ومنهم الأئمة الثلاثة وغير صحيح في مذهب أبي حنيفة. والخلاصة أن حكم القانون في خيار الشفعة هو انتقاله إلى الورثة كرأي جمهور أولئك الفقهاء والأئمة.
وحيث إنه ينتج من ذلك أن محكمة الاستئناف إذ قضت بسقوط حق الشفيع بموته قبل القضاء معتمدة في ذلك على مذهب أبي حنيفة وعلى خلو القانون من نص صريح يخالف المعتمد في هذا المذهب تكون قد خالفت حكم القانون المدني فيما استنبطته هذه المحكمة من فقهه كما سبق الذكر.
وحيث إنه لذلك يتعين نقض الحكم المطعون فيه ورفض ما دفع به المستأنف من سقوط الحق في الشفعة.
وحيث إن الحكم المستأنف في محله فيتعين تأييده.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق