جلسة 23 من أكتوبر سنة 1996
برئاسة السيد المستشار/ محمد أحمد حسن نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عبد اللطيف علي أبو النيل ومحمد إسماعيل موسى ومصطفى محمد صادق نواب رئيس المحكمة. ومحمد علي رجب.
------------------
(157)
الطعن رقم 20735 لسنة 64 القضائية
(1) إثبات "اعتراف" محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إكراه. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات. موضوعي.
لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن اعترافه كان وليد إكراه. ما دام سائغاً.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
(2) قبض "الإذن بالقبض. إصداره". استدلالات. إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير جدية التحريات".
تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالقبض. موضوعي.
(3) إثبات "شهود" "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفني. غير لازم. كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
(4) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير. موضوعي.
(5) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تحديد وقت وقوع الحادث لا تأثير له في ثبوت الواقعة. ما دامت المحكمة اطمأنت بالأدلة التي ساقتها إلى حصولها من الطاعنين.
(6) إثبات "بوجه عام" "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إيراد الحكم ما أثاره الدفاع من وجود تناقض بين الدليلين. غير لازم. ما دام ما أورده في مدوناته يتضمن الرد عليه.
(7) إثبات "بوجه عام". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
عدم التزام المحكمة بتتبع المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد عليها استقلالاً. استفادة الرد عليها من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
(8) إجراءات "إجراءات التحقيق" "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة. لا يصح سبباً للطعن على الحكم.
مثال.
(9) قضاة "صلاحيتهم". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". حكم "بطلانه". بطلان. رد.
الحالات التي يمتنع فيها على القاضي نظر الدعوى. ورودها على سبيل الحصر في المادة 247 إجراءات. عدم توافر أي منها. أثره؟
(10) قتل عمد. سبق إصرار. ترصد. اشتراك. عقوبة "توقيعها". ظروف مخففة. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير العقوبة". نقض "حالات الطعن. الخطأ في القانون".
العقوبة المقررة لجريمة الاشتراك في القتل وفق نص المادة 235 عقوبات هي الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة.
إجازة المادة 17 عقوبات. النزول بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة إلى عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن.
إفصاح المحكمة عن أخذها المتهم بالرأفة ومعاملته طبقاً للمادة 17 عقوبات. يوجب عليها ألا توقع العقوبة إلا على الأساس الوارد فيها. علة ذلك؟
معاقبة المحكمة الطاعن بإحدى العقوبتين التخييريتين المقررتين للجريمة التي دين بها. رغم إفصاحها عن معاملته بالمادة 17 عقوبات. خطأ في القانون. علة ذلك؟
(11) نقض "حالات الطعن. الخطأ في تطبيق القانون". محكمة النقض "سلطتها".
لمحكمة النقض الحكم من تلقاء نفسها لمصلحة المتهم. متى كان مبنياً على خطأ في القانون. المادة 35 من القانون 57 لسنة 1959.
(12) نقض "حالات الطعن. الخطأ في القانون" "نظر الطعن والحكم فيه".
اقتصار العيب الذي شاب الحكم على الخطأ في القانون. وجوب تصحيحه. المادة 39 من القانون 57 لسنة 1959.
2 - لما كان تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالقبض هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع. وكانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن القبض وسوغت الأمر به وردت على الدفع ببطلانه لعدم جدية التحريات رداً كافياً وسائغاً، وأقرت النيابة العامة على تصرفها في هذا الشأن. فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون.
3 - من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني، بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي كما أخذت به المحكمة غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
4 - لما كانت المحكمة أقامت قضاءها على ما اقتنعت به مما حواه تقرير الصفة التشريحية، فإنه لا يجوز مصادرتها في عقيدتها لما هو مقرر من أن لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة.
5 - من المقرر أن تحديد وقت وقوع الحادث لا تأثير له في ثبوت الواقعة ما دامت المحكمة قد اطمأنت بالأدلة التي ساقتها إلى أن شهود الإثبات رأوا الطاعنين الثلاثة الأول حال اعتدائهم على المجني عليه.
6 - من المقرر أنه ليس بلازم أن يورد الحكم ما أثاره الدفاع من وجود تناقض بين الدليلين ما دام أن ما أورده في مدوناته يتضمن الرد على ذلك الدفاع.
7 - من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد عليها على استقلال طالما أن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
8 - لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنين لم يثيروا شيئاً مما ينعوه في أسباب طعنهم من بطلان تحقيقات النيابة العامة، فليس لهم أن يثيروا هذا الأمر لأول مرة أمام محكمة النقض، إذ هو لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن في الحكم.
9 - لما كانت المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية قد حددت الحالات التي يمتنع فيها على القاضي نظر الدعوى لما بينها وبين ولاية القضاء من تعارض، وكان ما أورده الطاعنون بأسباب الطعن لا يندرج تحت أي من الحالات الواردة حصراً في هذه المادة، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد.
10 - لما كان البين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن انتهى إلى إدانة الطاعن الرابع بجريمة الاشتراك في قتل المجني عليه عمداً مع سبق الإصرار والترصد المنصوص عليها في المادة 235 من قانون العقوبات مفصحاً عن استعمال المادة 17 منه أنزل به عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة. لما كان ذلك، وكانت العقوبة المقررة لجريمة الاشتراك في القتل الذي يستوجب الحكم على فاعله بالإعدام هي الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة طبقاً للمادة 235 من قانون العقوبات، وكانت المادة 17 من القانون آنف الذكر - التي أعملها الحكم في حق الطاعنين جميعاً - تبيح النزول بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة إلى عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن، وأنه وإن كان هذا النص يجعل النزول بالعقوبة المقررة للجريمة إلى العقوبة التي أباح النزول إليها جوازياً، إلا أنه يتعين على المحكمة إذ ما رأت أخذ المتهم بالرأفة ومعاملته طبقاً للمادة 17 المشار إليها، ألا توقع العقوبة إلا على الأساس الوارد في هذه المادة باعتبار أنها حلت بنص القانون محل العقوبة المنصوص عليها فيه للجريمة محل الاتهام. وإذ كان ذلك، وكان الحكم قد أفصح عن معاملة الطاعن المذكور طبقاً للمادة 17 من قانون العقوبات وأوقع عليه عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة، وهي إحدى العقوبتين التخييريتين المقررتين لجريمة الاشتراك في القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد التي دين الطاعن بها طبقاً للمادة 235 من قانون العقوبات فإنه يكون قد خالف القانون إذ كان عليه أن ينزل بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة إلى عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن.
11 - من المقرر أن المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 تخول محكمة النقض أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين لها مما هو ثابت به أنه مبنى على خطأ في تطبيق القانون.
12 - لما كان العيب الذي شاب الحكم المطعون فيه مقصوراً على الخطأ في تطبيق القانون، فإنه يتعين إعمالاً لنص المادة 39 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام النقض. تصحيح الحكم باستبدال عقوبة الأشغال الشاقة خمسة عشر عاماً بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة المقضي بها على الطاعن الرابع.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم أولاً: المتهمون من الأول إلى الثالث 1 - قتلوا........ عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية وعقدوا العزم على قتله وأعدوا لهذا الغرض أسلحة بيضاء "سيف وخنجران ومطواة" وترصدوا له في الطريق الذي أيقنوا مروره فيه وما أن ظفروا به حتى ضربه الأول بالسيف على رأسه وجبهته وانهال عليه الثاني والثالث طعناً بالخنجرين في بطنه قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. 2 - أحرزوا بغير ترخيص أسلحة بيضاء (سيف وخنجران ومطواة). ثانياً: المتهمان الثاني والثالث: استعملا القوة والعنف والتهديد مع موظفين عموميين هم الرائدان....... و..... والرقيب السري........ لحملهم بغير حق على الامتناع عن أداء عمل من أعمال وظائفهم حال قيامهم بضبطهما لارتكابهما جريمة القتل سالفة الذكر بأن قام الثاني بطعن المجني عليهما الأول والثالث بآلة حادة (مطواة) وهددهم الثالث بخنجر أشهره في وجه المجني عليه الثاني وذلك لمنعهم من القبض عليهما فحدثت بالمجني عليهما الأول والثالث الإصابات الموصوفة بالتقريرين الطبيين ولم يبلغا من ذلك مقصدهما. ثالثاً: المتهم الرابع: اشترك مع الثلاثة الأول بطرق التحريض والاتفاق والمساعدة في ارتكاب الجريمة موضوع التهمة الأولى بأن قام بتحريضهم على قتل المجني عليه واتفق معهم على ذلك وساعدهم بأن أمدهم بالأسلحة اللازمة (سيف وخنجران ومطواة) لإتمام جريمتهم فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وذلك التحريض وتلك المساعدة وأحالتهم إلى محكمة جنايات الإسكندرية لمحاكمتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت عملاً بالمواد 40، 41، 137 مكرراً ( أ )/ 1 - 2، 230، 231، 232 من قانون العقوبات و1/ 1، 25 مكرراً/ 1، 30/ 1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل والبنود أرقام 1، 3، 10 من الجدول رقم (1) الملحق به مع إعمال المادتين 17، 23 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين الثلاثة الأول حضورياً بالأشغال الشاقة المؤبدة عن التهمتين الأولى والثانية وكل من الثاني والثالث أيضاً بالسجن لمدة خمس سنوات عن التهمة الثالثة وغيابياً للمتهم الرابع بمعاقبته بالأشغال الشاقة المؤبدة ومصادرة الأسلحة المضبوطة.
فطعن المحكوم عليهم الثلاثة الأول في هذا الحكم بطريق النقض (قيد بجدولها برقم...... لسنة 61 قضائية)، وهذه المحكمة قضت بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والإعادة. كما قدمت النيابة العامة المحكوم عليه الرابع إلى محكمة جنايات الإسكندرية لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، وهذه المحكمة قضت حضورياً بمعاقبته بالأشغال الشاقة المؤبدة ومصادرة السلاح المضبوط فطعن المحكوم عليه الرابع في هذا الحكم بطريق النقض (قيد بجدولها برقم....... لسنة 61 القضائية)، وهذه المحكمة قضت بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والإعادة ومحكمة الإعادة قضت حضورياً بمعاقبة كل من الثلاثة الأول بالأشغال الشاقة المؤبدة عن التهمتين الأولى والثانية والثاني والثالث أيضاً بالسجن لمدة خمس سنوات عن التهمة الثالثة والرابع بالأشغال الشاقة المؤبدة ومصادرة الأسلحة المضبوطة.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض (للمرة الثانية)... إلخ.
المحكمة
من حيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد والاشتراك فيه واستعمال القوة والعنف مع موظفين عموميين لحملهم بغير حق على الامتناع عن عمل من أعمال وظائفهم قد شابه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع وران عليه البطلان. ذلك بأن أطرح الدفع ببطلان الاعتراف المعزو لهم لكونه وليد إكراه. وببطلان الإذن بالقبض لابتنائه على تحريات غير جدية بما لا يكفي لإطراحه، وأغفل الرد على الدفع بتناقض الدليلين القولي والفني بشأن وقت وقوع الحادث، وببطلان التحقيق الابتدائي لقصوره وإجرائه في قسم الشرطة وفي غيبة المدافعين عن الطاعنين واستغراقه وقتاً طويلاً أرهق الطاعنين، ولم تمتنع الهيئة عن نظر الدعوى رغم ما اشتملت عليه مدونات حكمها من كره وبغض للطاعنين، كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات، ومما ثبت من تقرير الصفة التشريحية وتقريري مستشفى المبرة بالإسكندرية، واعتراف الطاعنين الثلاثة الأول بالتحقيقات وبالمعاينة التصويرية وبجلسة ..... لدى النظر في طلب مد حبسهم احتياطياً. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات فلها تقدير عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن اعترافه كان نتيجة إكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيمه على أسباب سائغة، وكانت المحكمة قد عرضت لما أثاره الدفاع حول اعتراف الطاعنين الثلاثة الأول وأطرحت ما أثير بشأن بطلانه للإكراه بالأسباب السائغة التي أوردتها، وخلصت في منطق سائغ وتدليل مقبول إلى أن هذا الاعتراف منبت الصلة عما وجد بالطاعنين من إصابات، فإن الحكم يكون قد برئ من أية شائبة في هذا الخصوص. ولا يعدو ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن مجرد جدل موضوعي في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالقبض هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، وكانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن القبض وسوغت الأمر به وردت على الدفع ببطلانه لعدم جدية التحريات رداً كافياً وسائغاً، وأقرت النيابة العامة على تصرفها في هذا الشأن، فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني، بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي كما أخذت به المحكمة غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وما دام أن المحكمة أقامت قضاءها على ما اقتنعت به مما حواه تقرير الصفة التشريحية، فإنه لا يجوز مصادرتها في عقيدتها لما هو مقرر من أن لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة - هذا فضلاً عن أن تحديد وقت وقوع الحادث لا تأثير له في ثبوت الواقعة ما دامت المحكمة قد اطمأنت بالأدلة التي ساقتها إلى أن شهود الإثبات رأوا الطاعنين الثلاثة الأول حال اعتدائهم على المجني عليه، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد خلا مما يظاهر دعوى الخلاف بين الدليلين القولي والفني، وإذ كان من المقرر أنه ليس بلازم أن يورد الحكم ما أثاره الدفاع من وجود تناقض بين الدليلين ما دام أن ما أورده في مدوناته يتضمن الرد على ذلك الدفاع - ذلك أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد عليها على استقلال طالما أن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، ومن ثم يضحى ما ينعاه الطاعنون في هذا الخصوص ولا محل له. لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنين لم يثيروا شيئاً مما ينعوه في أسباب طعنهم من بطلان تحقيقات النيابة العامة، فليس لهم أن يثيروا هذا الأمر لأول مرة أمام محكمة النقض، إذ هو لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن في الحكم. لما كان ذلك، وكانت المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية قد حددت الحالات التي يمتنع فيها على القاضي نظر الدعوى لما بينها وبين ولاية القضاء من تعارض، وكان ما أورده الطاعنون بأسباب الطعن لا يندرج تحت أي من الحالات الواردة حصراً في هذه المادة فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً. لما كان ذلك، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن انتهى إلى إدانة الطاعن الرابع بجريمة الاشتراك في قتل المجني عليه عمداً مع سبق الإصرار والترصد المنصوص عليها في المادة 235 من قانون العقوبات مفصحاً عن استعمال المادة 17 منه أنزل به عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة. لما كان ذلك، وكانت العقوبة المقررة لجريمة الاشتراك في القتل الذي يستوجب الحكم على فاعله بالإعدام هي الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة طبقاً للمادة 235 من قانون العقوبات، وكانت المادة 17 من القانون آنف الذكر - التي أعملها الحكم في حق الطاعنين جميعاً - تبيح النزول بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة إلى عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن، وأنه وإن كان هذا النص يجعل النزول بالعقوبة المقررة للجريمة إلى العقوبة التي أباح النزول إليها جوازياً، إلا أنه يتعين على المحكمة إذ ما رأت أخذ المتهم بالرأفة ومعاملته طبقاً للمادة 17 المشار إليها، ألا توقع العقوبة إلا على الأساس الوارد في هذه المادة باعتبار أنها حلت بنص القانون محل العقوبة المنصوص عليها فيه للجريمة محل الاتهام. وإذ كان ذلك، وكان الحكم قد أفصح عن معاملة الطاعن المذكور طبقاً للمادة 17 من قانون العقوبات وأوقع عليه عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة، وهي إحدى العقوبتين التخييريتين المقررتين لجريمة الاشتراك في القتل العمل من سبق الإصرار والترصد التي دين الطاعن بها طبقاً للمادة 235 من قانون العقوبات فإنه يكون قد خالف القانون إذ كان عليه أن ينزل بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة إلى عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن. لما كان ذلك، وكانت المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 تخول محكمة النقض أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين لها مما هو ثابت به أنه مبنى على خطأ في تطبيق القانون، وكان العيب الذي شاب الحكم المطعون فيه مقصوراً على الخطأ في تطبيق القانون، فإنه يتعين إعمالاً لنص المادة 39 من القانون سالف الذكر تصحيح الحكم باستبدال عقوبة الأشغال الشاقة خمسة عشر عاماً بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة المقضي بها على الطاعن الرابع.