جلسة 22 من نوفمبر سنة 1978
برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد الباجوري، محمد طه سنجر، إبراهيم فراج ومحمد أحمد حمدي.
----------------
(337)
الطعن رقم 790 لسنة 46 القضائية
(1) إيجار. إثبات. "القرائن".
تلف العين المؤجرة أو هلاكها. القرينة القانونية على ثبوت الخطأ في جانب المستأجر. م 583 مدني. جواز نفيها بإثبات المستأجر للسبب الأجنبي أو خطأ المؤجر أو عيب في ذات العين.
(2) خبرة.
حق محكمة الموضوع في طرح دلالة تقرير الخبير الاستشاري اكتفاء بتقرير الخبير المنتدب. مناطه. أن يكون التقرير الأخير قد تعرض لبحث نقطة الخلاف ودلل عليها.
(3) إيجار. التزام "التنفيذ العيني".
حق المؤجر في طلب المستأجر بإجراء الترميمات التأجيرية عيناً أو الترخيص له بإجرائها على نفقة المستأجر. لا حق للمؤجر في طلب هذه النفقات متى قام المستأجر فعلاً بهذه الترميمات.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 689 لسنة 1975 مدنى أمام محكمة الجيزة الابتدائية ضد الطاعن بطلب الحكم أولاً بفسخ عقد الإيجار المؤرخ 1/ 4/ 1971 وإخلاء الشقة المبينة بصحيفة الدعوى وتسليمها إليه، ثانياً: بإلزام الطاعن بأن يؤدى له مبلغ 550 جنيهاً والفوائد، وقال في بيان الدعوى أنه بموجب عقد مؤرخ 1/ 4/ 1970 استأجر الشقة رقم 1 بالعقار رقم 64 شارع العلمين قسم العجوزة كسكن له وإذ أساء استعمالها وترك المياه تتسرب باستمرار من الصنابير وتتراكم على أرض الحمام مما تسبب في سقوطه وظهور رطوبة أدت إلى تآكل الجدران وأحدث بها تلفيات أنبأت عنها دعوى إثبات الحالة رقم 810 لسنة 1975 مستعجل الجيزة المقامة من الطاعن ومحضر الشكويين رقم 1002، 1698 لسنة 1975 إداري العجوزة وهى تشير إلى استعمال المكان المؤجر بطريقة تنافى شروط العقد المعقولة، وقد لحقته أضرار مادية وأدبية فقد أقام الدعوى. وبتاريخ 12/ 2/ 1976 حكمت المحكمة أولاً بفسخ عقد الإيجار المؤرخ 1/ 4/ 1970 وإخلاء العين المؤجرة وتسليمها للمطعون عليه. ثانياً: بإلزام الطاعن بأن يؤدى إلى المطعون عليه مبلغ 41 جنيهاً و438 مليم. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 1211 لسنة 93 ق كما استأنفه المطعون عليه بالاستئناف رقم 1115 لسنة 93 ق القاهرة، وبعد ضم الاستئنافين قضت محكمة الاستئناف في 24/ 6/ 1976 بتأييد الحكم المستأنف. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض. وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر، وبالجلسة المحددة أصرت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب ينعى الطاعن بالسببين الأولين منها على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت بالأوراق والفساد في الاستدلال، وفى بيان ذلك يقول أن الحكم بنى قضاءه بالإخلاء على سند من أنه لم يقم دليل بالأوراق أو بتقرير الخبير الذي ندبته محكمة أول درجة على أن هناك خطأ في تركيب الأدوات الصحية بعقار النزاع وأن الطاعن لم يعترض على هذا التقرير الذى خلص إلى أن الإتلافات بالحادثة بالعقار مردها إلى ترك المياه متجمعة بأرضية الحمام وإلى كسر المرحاض وحوض الغسيل بسبب سوء استعمال المستأجر وإهماله في تركيب بدلها، ودعم الحكم وجهة نظره بأنه لو كان هناك خطأ في تركيب الأدوات الصحية حسبما يزعم الطاعن لظهرت نتيجته بجميع الوحدات السكنية وبعد مدة قليلة إذ ثبت أن النزاع لم ينشب إلا بعد خمس سنوات من شغل العقار، في حين أن تقرير الخبير الذى استند إليه الحكم مودع في دعوى إثبات الحالة ولم تنتدب محكمة أول درجة خبيرا آخر اكتفاء به، وقد زخر ملف الدعويين الابتدائية والاستئنافية بالاعتراضات العديدة التي ساقها الطاعن على ذلك التقرير، ومقدماً الدليل من واقع تقرير هندسي استشاري على أن نشع المياه - بجوار المبنى لم يكن سببه سوء الاستعمال، وإنما - مرجعه إلى أن الأدوات الصحية بالعمارة ليست مركبة طبقاً للأصول الفنية، وأن مواسير الصرف تتسرب منها المياه إلى الجدران فتحدث بها رطوبة، وأن أرضية دورة المياه مستقيمة وليس بها ميل نحو البالوعات مما أدى إلى تراكم المياه فى الزوايا، وزاد من تأثير ذلك عدم وجود مادة عازلة تحت البلاط، وهو ما يعيب الحكم بمخالفة الثابت بالأوراق، هذا إلى أن الربط الزمني بين ظهور النشع وقيام النزاع يعد مصادرة على المطلوب، إذ افترض الحكم أن النشع سببه إهمال المستأجر دون أن يعنى بالكشف عن الأسباب المباشرة لتراكم المياه بالإضافة إلى أنه ليس هناك تلازم بين الأمرين فقد يظهر النشع ولا يحرك ذو الشأن ساكناً أما لعدم فطنته إليه أو لإهماله في علاجه علاوة على أن مأمورية خبير دعوى إثبات الحالة كانت محددة بمعاينة عين النزاع فحسب، دون أن تمتد لمعاينة جميع وحدات العمارة فتكون استدلال الحكم واقعاً على غير محل، وهو ما يعيبه بالفساد في الاستدلال.
وحيث إن النعي صحيح، ذلك أن النص في المادة 583 من التقنين المدني على أنه "يجب على المستأجر أن يبذل من العناية في استعمال العين المؤجرة وفى المحافظة عليها ما يبذله الشخص المعتاد 20 - وهو مسئول عما يصيب العين أثناء انتفاعه بها من تلف أو هلاك غير ناشئ عن استعمالها استعمالاً مألوفاً "يدل على أن المستأجر يلتزم بحفظ العين ورعايتها، باذلاً في ذلك عناية الرجل المعتاد، فإن قصر في أداء التزامه ونتج عن تقصيره تلف العين أو هلاكها كان مسئولاً، ولئن أقام المشرع قرينة تفترض أن ما أصاب العين المؤجرة مرده إلى خطأ المستأجر، إلا أن هذه القرينة قابلة لإثبات العكس، بمعنى ألا يساءل إلا عما يحدث فعلاً بسبب تقصيره، أو تقصير من يسأل عنهم، وإذ أثبت أن التلف أو الهلاك نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه كالقوة القاهرة أو خطأ المؤجر أو عيب في ذات العين المؤجرة انتفت مسئولية المستأجر. ولما كان الواقع في الدعوى أن المطعون عليه أقام دعواه بفسخ عقد الإيجار قولاً منه أن الطاعن أساء استعمال العين المؤجرة وأهمل في صيانتها. وتعمد أن يترك المياه تنساب من صنابيرها دون أن يعنى بنزعها مما أدى إلى تراكمها وسريان الرطوبة في الجدران وسقوط السقف والمرحاض، واستند في إثبات مدعاه إلى تقرير الخبير المنتدب في دعوى إثبات الحالة التي أقامها الطاعن، وكان الدفاع الذى ساقه هذا الأخير يقوم على أن التلف الحاصل ليس ناتجاً عن إهماله في رعاية العين أو إلى إساءة استعمالها وإنما مرده إلى طبيعة العين المؤجرة وإلى خلل في تركيب الأدوات الصحية وقصوراً في مراعاة ميل منسوب البلاط كي يتيسر صرف المياه بدلاً من تجمعها، وأيد مدعاه بتقرير استشاري هندسي، لما كان ذلك وكان البين من الاطلاع على تقرير الخبير المنتدب في دعوى إثبات الحالة أن المهمة الموكلة إليه كانت مقصورة على إجراء معاينة لدورة مياه شقة النزاع والشقة التي تعلوها لبيان تسرب المياه، وبالتالي فلم يعرض لكافة شقق العقار، وكان التقرير المشار إليه وإن أفاد أن هناك تراكماً للمياه ونشعاً بالحوائط في شقة النزاع إلا أنه لم ينف وجود مثل هذه الظاهرة بباقي الشقق، فإن ما تعلل به الحكم لإهدار دفاع الطاعن استناداً إلى عدم وجود النشع بباقي الوحدات السكنية رغم أن التقرير لم يتطرق إلى معاينة هذه الوحدات - لا ينهض دليلاً على أن ظهور النشع في شقة الطاعن يرجع إلى سوء الاستعمال وليس إلى عيب في ذات العين المؤجرة. لما كان ما تقدم فإنه وإن كان لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ بما تطمئن عليه من القرائن التي تستقيها من واقعات الدعوى، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استخلاصها سائغاً وكافياً منطقاً لحمل قضاء الحكم، وإذ كان خلو تقرير خبير دعوى إثبات الحالة من الإشارة إلى وجود عيوب فنية في تركيب الأدوات الصحية، في الوقت الذي نعى فيه الطاعن عليه قصوره عن كشف وتقصي هذه العيوب ينبئ بذاته عن سلامة هذه التركيبات وعن عدم وجود نقص فيهما. فإن ما استخلصه الحكم من التلازم الزمنى بين ظهور العيوب وبين قيام النزاع لا يصلح قرينة على نفى تحقق سبب النزاع في وقت سابق طال أو قصر، ولا ينهض بمجرده دليلاً على أن التلف الحاصل يرجع إلى سوء الاستعمال، لا يغير من ذلك أن من حق محكمة الموضوع ألا تأخذ بدلالة التقرير الاستشارى الذى يقدمه الخصوم، اكتفاء منها بالاعتداد بما خلص إليه تقرير الخبير المنتدب، لأن مناط ذلك أن يكون التقرير قد تناول القول فى نقطة الخلاف ودلل عليها بأسباب سائغة، مؤدية إلى النتيجة التي انتهى إليها، الأمر المفتقد في واقع الدعوى. وهو ما يعيب الحكم بالفساد في الاستدلال. لما كان ما سلف وكان الحكم بذلك قد حجب نفسه عن مناقشة الاعتراضات التي أبداها الطاعن على تقرير الخبير وكانت إشارة الحكم إلى أن الطاعن لم يعترض على تقرير الخبير في الوقت الذى بين أمام محكمة الموضوع أسباب نعيه عليه فإنه بذلك يكون قد خالف الثابت بالأوراق علاوة على فساد في الاستدلال، فيتعين نقضه.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن بباقي الأسباب على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب وفى بيانه يقول أن الحكم ساير الحكم الابتدائي في إلزامه بالتعويض عن بعض أدوات الحمام المكسورة فى حين أنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بأنه قام باستبدال الحوض والمرحاض المكسورين وقدم المستندات الدالة على ذلك إلا أن محكمة الاستئناف التفتت عن هذا الدفاع رغم أن الاستبدال يعتبر من الإصلاحات التأجيرية التي تلزم المستأجر ولا يجوز للمالك مطالبته بالتعويض عنها طالما قام المستأجر بالتزامه عيناً، وإذ قضى الحكم بإلزامه تكاليف الإصلاح فإنه يكون قد هيأ للمطعون عليه الإثراء بلا سبب على حسابه وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن النعي في محله، ذلك أنه لما كان مفاد نص المادة 582 من القانون المدني أن المستأجر ملتزم بكافة الترميمات التأجيرية التي جرى العرف بأن تكون على عاتقه وكان إصلاح الأدوات الصحية، واستبدال ما تلف منها يعتبر من قبيلها طالما كانت نتيجة خطأ المستأجر، أو مما يفترض أن الاستعمال الصادر للعين قد اقتضاه. لما كان ذلك فإنه وإن كان للمؤجر أن يلزم المستأجر بإجراء الترميمات التأجيرية عيناً، كما له أن يطلب الترخيص له في إجرائها بنفسه على نفقة المستأجر. إلا أنه لا يجوز للمؤجر أن يطلب من المستأجر مقابل نفقات هذه الترميمات متى اختار المستأجر القيام بها بنفسه لما كان ما تقدم وكان الطاعن قد نعى على الحكم الابتدائي بإلزامه بدفع قيمة إصلاح الحوض والمرحاض وقدم الدليل على قيامه بالتزامه في هذا الشأن، فإن تأييد الحكم المطعون فيه قضاء المحكمة الابتدائية دون تناول لدفاع الطاعن ينطوي على خطأ في تطبيق القانون وقصور في التسبيب يستوجب نقضه لهذا السبب أيضاً على أن يكون مع النقض الإحالة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق