باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس مـن نوفمبر سنة 2022م،
الموافق الحادي عشر من ربيع الآخر سنة 1444 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد
سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني
نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 91 لسنة 43
قضائية دستورية. بعد أن أحالت محكمة النقض، بحكمها الصادر بجلسة 23/ 9/ 2021، ملف
الطعن رقم 12 لسنة 89 قضائية نقابات
المقام من
محمد شرف الدين زكي بدر
ضـــد
السيد عبدالستار عبدالسلام المليجي، بصفته نقيب المهن العلمية
-----------------
" الإجـراءات "
بتاريخ السابع والعشرين من أكتوبر سنة 2021، ورد إلى قلم كتاب المحكمة
الدستورية العليا، ملف الطعن رقم 12 لسنة 89 قضائية نقابات، بعد أن قررت محكمة
النقض بجلسة 23/ 9/ 2021، وقف السير في الطعن، وإحالة الأوراق إلى المحكمة
الدستورية العليا، للفصل في دستورية المادة (29) من القانون رقم 80 لسنة 1969 في
شأن نقابة المهن العلمية، فيما نصت عليه من اختصاص محكمة النقض بالطعن على صحة
انعقاد الجمعية العمومية وتشكيل مجلس النقابة والقرارات الصادرة منها.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 2/ 7/ 2022، وفيها قررت
المحكمة - إعمالاً لسلطتها المقررة بنص المادة (27) من قانونها الصادر بالقانون
رقم 48 لسنة 1979 - إعادة الدعوى إلى هيئة المفوضين لاستكمال التحضير، بإبداء
الرأي في دستورية ما تضمنه نص المادة (29) من القانون رقم 80 لسنة 1969 في شأن
نقابة المهن العلمية، من اشتراط نسبة خُمس عدد الأعضاء الذين حضروا اجتماع الجمعية
العمومية للطعن في صحة انعقادها أو في تشكيل مجلس النقابة أو في القرارات الصادرة
منها، وذلك بتقرير موقع عليه منهم، بشرط التصديق على التوقيعات من الجهة المختصة،
وأن تفصل المحكمة في الطعن في جلسة سرية.
وأودعت هيئة المفوضين تقريرًا تكميليًّـا برأيها .
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
------------------
" المحكمــــة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل-على ما يتبين من قرار الإحالـة وسـائر الأوراق-
في أن محمد شرف الدين زكي بدر، كان قد أقام الطعن رقم 12 لسنة 89 قضائية نقابات
أمام محكمة النقض، طالبًـا الحكم :
1- بطـلان انعقـاد الجمعية العمومية لنقابة المهن العلمية، التـي عُقـدت
يـوم الجمعة الموافق 30/ 8/ 2019.
2- بطلان قـرار الموافقة على تشكيل مجلس النقابة الذي اتخذتـه الجمعية
العمومية بتاريخ 30/ 8/ 2019.
3- بطلان ما اتخذته الجمعية العمومية المنعقدة بتاريخ 30/ 8/ 2019، من
قرارات بالموافقة على شطب عدد من أعضاء النقابة، المبينة أسماؤهم بصحيفة الطعن.
4- بطلان قرار الجمعية العمومية بالموافقة على اعتماد فوز الواردة
أسماؤهم بصحيفة الطعن، بمقاعد عضوية هيئة مكتب النقابة العامة بالتزكية.
5- بطلان قرار الجمعية العمومية بالموافقة على استمرار النقيب السيد
عبدالستار عبدالسلام المليجي، نقيبًــا للعلميين مدة ثانية، بداية من فبراير سنة
2020 حتى عام 2024. وذلك على سند من أنه بتاريخ 30/ 8/ 2019، انعقدت الجمعية
العمومية لنقابة المهن العلمية، واتخذت عدة قـرارات، من بينها شطب عشرين عضوًا
وإحالتهم إلى النيابة العامة لاتخاذ شئونها فيما نسب إليهم من جرائم، مما حدا به
إلى الطعن على تلك القرارات. وبجلسة 23/ 9/ 2021، قررت المحكمة وقف الطعن، وإحالة
الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المادة (29) من القانون
رقم 80 لسنة 1969 المشار إليه، فيما نصت عليه من اختصاص محكمة النقض بالفصل في
الطعن على صحة انعقاد الجمعية العمومية، وتشكيل مجلس النقابة، والقرارات الصادرة
منها، تأسيسًــا على أن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد تواتر على أن النقابات
المهنية من أشخاص القانون العام، وتُعد الطعـون المتعلقة بصحة انعقاد الجمعية
العمومية، وأي من تشكيلات النقابة المختلفة، وكذا تشكيل مجلس النقابة أو القرارات
الصادرة منها، من قبيل المنازعات الإدارية التي ينعقد الاختصاص بنظرها والفصل فيها
لمحاكم مجلس الدولة، بهيئة قضاء إداري، دون غيرها، إعمالاً لنص المادة (190) من
الدستور.
وحيث إن المادة (29) من القانون رقم 80 لسنة 1969 في شأن نقابة المهن
العلمية تنص على أن لخُمس عدد الأعضاء الذين حضروا اجتماع الجمعية العمومية الطعن
في صحة انعقادها، أو في تشكيل مجلس النقابة، أو في القرارات الصادرة منها بتقرير
موقع عليه منهم يقدم إلى قلم كتاب محكمة النقض خلال 15 يومًـا من تاريخ انعقادها،
بشرط التصديق على التوقيعات من الجهة المختصة.
ويجب أن يكون الطعن مسببًــا، وإلا كان غير مقبول شكلاً.
وتفصل محكمة النقض في الطعن على وجه الاستعجال في جلسة سرية، وذلك بعد
سماع أقوال النقيب أو من ينوب عنه ووكيل عن الطاعنين.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى، على
سند من أن الطعن الموضوعي قد أقيم أمام محكمة النقض بعد الميعاد القانوني، ومآله
الحكم بعدم قبوله ، ومن ثم فلن يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية، مؤثرًا
على الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، ولا منتجًا في مجال الفصل فيها، فمـردود بأن
من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لكل من الدعويين الموضوعية والدستوريـة،
ذاتيتهـا، ومقوماتها، فلا تختلطان ببعضهما، ولا تتحدان في شرائط قبولهما، بل تستقل
كل منهما عن الأخـرى، سـواء في موضوعها، أو مضمون الشروط المتطلبة قانونًـا
لقبولها، فبينما تطرح أولاهما الحقوق المدعى بها - إثباتًــا ونفيًـا - وتفصل
محكمة الموضوع التي أحالت الدعوى إلى المحكمة الدستورية العليا، في توافر شروطها،
وتعرض لموضوعها، على ضوء ما تنتهي إليه هذه المحكمة، في دستورية النص المحال، فإن
الدعوى الدستورية، تتوخى الفصل في التعارض المدعى به بين نص تشريعي وقاعدة
دستورية، وعلى ذلك فإن محكمة الموضوع هي التي تقضي دون غيرها في توافر قبول
الخصومة الموضوعية، وفقًـا للأوضاع المقررة أمامها، فلا تنازعها المحكمة الدستورية
العليا في ذلك، وإلا كان موقفها منها افتئاتًـا على ولايتها أو تجريحًـا لقضاء
قطعي صادر منها، ومن ثم فإن هذا الدفع يكون غير قائم على أساس سليم، متعينًـا رفضه.
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولهـا، مناطها - على
ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في
الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة
بها والمطروحة على محكمة الموضوع. ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد
اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة. والمحكمة الدستورية العليا هي
وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها،
ومؤدى ذلك أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد
بذاتها توافر المصلحة، بل لازمه أن هذه الدعوى لا تكون مقبولة إلا بقدر انعكاس
الفصل في دستورية النص التشريعي المحال على النزاع الموضوعي، فيكون الحكم في
المطاعن الدستورية لازمًــا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة
بأكملها أو في شق منها في الدعوى الموضوعية. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي
يدور حول طلب الحكم ببطلان انعقاد الجمعية العمومية لنقابة المهن العلمية بتاريخ
30/ 8/ 2019، وما صدر عنها من قرارات، وكان الفصل في اختصاص محكمة النقض بنظر
الطعن في القرارات المشار إليها، هو من الأمور المتعلقة بالنظام العام، بحكم
اتصاله بولاية تلك المحكمة في نظر النزاع والفصل فيه، ومن أجل ذلك كان البت فيه
سابقًـا بالضرورة على البحث في موضوعه.
وإذ كان النص المحال هو الذى وسَّد الاختصاص بالفصل في الطعن على تلك
القرارات إلى محكمة النقض، ومن ثم فإن المصلحة في الدعوى الدستورية تكون قائمة،
ويتحدد نطاقها فيما ورد بالفقرتين الأولى والثالثة من المادة (29) من القانون رقم
80 لسنة 1969 المشار إليه، من عقد الاختصاص لمحكمة النقض بالفصل في صحة انعقاد
الجمعية العمومية، أو في تشكيل مجلس النقابة، أو في القرارات الصادرة من الجمعية
العمومية، ذلك أن للقضاء في دستوريتهما أثرًا وانعكاسًا على الدعوى الموضوعية.
وحيث إن الاختصاص المنوط بهذه المحكمة بنص المادة (27) من قانونها
الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، يخولها الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو
لائحة يعرض لها بمناسبة ممارسة اختصاصاتها، ويتصل بالنزاع المعروض عليها، مؤداه:
أن مناط تطبيقها يفترض وجود خصومة أصلية طُـرح أمرها عليها وفقًـا للأوضاع المنصوص
عليها في قانونها المار ذكره، وأن ثمة علاقة منطقية تقوم بين هذه الخصومة، وما قد
يثار عرضًــا من تعلق الفصل في دستورية بعض النصوص القانونية بها، ومن ثم تكون
الخصومة الأصلية هي المقصودة بالتداعي أصلاً، والفصل في دستورية النصوص القانونية
التي تتصل بها عرضًــا، مبلورًا للخصومة الفرعية التي تدور مع الخصومة الأصلية
وجودًا وعدمًـا، فلا تُقبل إلا معها، وهو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة، التي لا
تعرض لدستورية النصوص القانونية التي تقوم عليها الخصومة الفرعية إلا بقدر اتصالها
بالخصومة الأصلية، وبمناسبتها. وشرط ذلك أن يكون تقرير بطلان هذه النصوص أو صحتها
مؤثرًا في المحصلة النهائيـة للخصومة الأصلية أيًّـا كان موضوعهـا أو أطرافها، مما
مؤداه: أن مباشرة هذه المحكمة لرخصتها المنصوص عليها في المادة (27) من قانونها، يستلزم
توافر عدة شروط، أولها: استيفاء الخصومة الأصلية لشرائط قبولها. وثانيها: اتصال
بعض النصوص القانونية عرضًــا بها. وثالثها: تأثير الفصل في دستوريتها في المحصلة
النهائية للخصومة الأصلية.
وحيث إن الفصل في دستورية نص الفقرتين الأولى والثالثة من المادة (29)
من القانون رقم 80 لسنة 1969 في شأن نقابة المهن العلمية، فيما أوردتاه من اختصاص
محكمة النقض بالفصل في الطعـن على صحة انعقـاد الجمعية العمومية أو تشكيل مجلس
النقابة أو القرارات الصادرة منها - وثيق الصلة بما تضمنته الفقرة الأولى من هذه
المادة، من تحديد للقواعد المنظمة لاتصال هذا الطعن بتلك المحكمة، فاشترطت أن يتم
الطعن من خُمس عدد الأعضاء الذين حضروا الجمعية العمومية، بتقرير موقع عليه منهـم،
يقـدم إلى قلم كتاب محكمة النقض، وبشرط التصديق على التوقيعات من الجهة المختصة،
وكذلك وثيق الصلة بما ورد بعجز الفقرة الثالثة من المادة ذاتها من عبارة في جلسة
سرية . ومن ثم، يمثل نص تلك المادة، في مجمل أحكامه، منظومة متكاملة للطعن على
قرارات من طبيعة واحدة، يتعين على هذه المحكمة أن تجيل ببصرها فيها، على ضوء نظرة
شاملة تحيط بها، وتحدد في ضوئها دستوريتها، وهو ما حدا بالمحكمة إلى استخدام
رخصتها في التصدي، المقررة لها بمقتضى نص المادة (27) من قانونها، لما ورد بالفقرة
الأولى من المادة (29) من القانون رقم 80 لسنة 1969 في شأن نقابة المهن العلمية من
أن لخمس عدد الأعضاء الذين حضروا اجتماع الجمعية العمومية الطعن في صحة انعقادها
أو في تشكيل مجلس النقابة أو في القرارات الصادرة منها، بتقرير موقع عليه منهم،
بشرط التصديق على التوقيعات مــن الجهة المختصـة ، وكذلــك عبـارة في جلسة سرية
الواردة بعجز الفقرة الثالثة من المادة ذاتها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرع الدستوري، بدءًا من دستور
سنة 1971 قـد حرص على دعـم مجلس الدولة، الـذي أصبح منذ تنظيمه بنص المادة (172)
منه، جهة قضاء قائمة بذاتها، محصنة ضد أي عدوان عليها أو على اختصاصها المقرر
دستوريًّا، عن طريق المشرع العادي، وهو ما أكده الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ
30/ 3/ 2011، الذي أورد الحكم ذاته في المادة (48) منه، وكذلك المادة (174) من
الدستور الصادر بتاريخ 25/ 12/ 2012، وأخيرًا المادة (190) من الدستور الحالي،
التي تنص على أن مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في
المنازعات الإدارية ........
ولم يقف دعم المشرع الدستوري لمجلس الدولة عند هذا الحد، بل جاوزه إلى
إلغاء القيود التي كانت تقف حائلاً بينه وبين ممارسته لاختصاصاته، فاستحدث بالمادة
(68) من دستور سنة 1971 نصًّا يقضي بأن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، وأن
لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من
المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا، ويحظر النص فى القوانين على تحصين أي عمل أو
قرار إداري من رقابة القضاء، وهو ما انتهجه نص المادة (21) من الإعلان الدستوري
الصادر بتاريخ 30/ 3/ 2011، ونص المادة (75) من الدستور الصادر بتاريخ 25/ 12/
2012، وقد سار الدستور الحالي على النهج ذاته في المادة (97) منه، وبذلك سقطت جميع
النصوص القانونية التي كانت تحظر الطعن في القرارات الإدارية، وأزيلت جميع العوائق
التي كانت تحول بين المواطنين والالتجاء إلى مجلس الدولة بوصفه القاضي الطبيعي
للمنازعات الإدارية. وإذ كان الدستور بنصه في عجز المادة (97) منه على أنه ولا
يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي، فقد دل على أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق
للناس كافة، تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم
والدفـاع عـن مصالحهـم الذاتيـة، وأن الناس جميعًا لا يتمايزون فيما بينهـم في
مجـال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية أو
الموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية، ولا في مجال التداعي بشأن الحقوق المدعى
بها، وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغي دائمًــا أن يكون للخصومة
الواحدة قواعد موحدة، سـواء في مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام
التي تصدر فيها. ومن ثم غدا مجلس الدولة في ضوء الأحكام المتقدمة، قاضي القانون
العام، وصاحب الولاية العامة، دون غيره من جهات القضاء، في الفصل في كافة
المنازعات الإدارية، عدا ما استثناه الدستور ذاته بنصوص صريحة ضمنها وثيقته.
وحيث إن الدستور الحالي قد نص في المادة (76) منه على أن إنشاء
النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون، وتكون لها الشخصية
الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية، وتسهم في رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع
عن حقوقهم، وحماية مصالحهم.... كما نص في المادة (77) منه على أن ينظم القانون
إنشاء النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطي، ويكفل استقلالها ويحدد
مواردها، وطريقة قيد أعضائها، ومساءلتهم عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم المهني، وفقًا
لمواثيق الشرف الأخلاقية والمهنية....
وحيث إنه باستعراض أحكام القانون رقم 80 لسنة 1969 المشار إليه، يتبين
أنه أنشأ نقابة للعلميين في البلاد، مقرها القاهرة، تتوافر لها جميع مقومات
النقابات المهنية، ومنحها الشخصية الاعتبارية، وأجاز إنشاء فروع لها في أية مدينة
أخرى، وحدد كيفية تشكيلها، وعضويتها، وأهدافها، وجداول القيد وشروط العضوية،
مبينًــا ما للعضو من حقوق، وما عليه من واجبات والتزامات يخضع لها في أدائه
لعمله. ومؤدى ذلك أن نقابة المهن العلمية تعتبر من أشخاص القانون العام، وهى مرفق
عام مهني، وقد منحها قانون إنشائها قدرًا من السلطة العامة في مجال مباشرتها
لأعمالها، بما لازمه أن الطعن في صحة انعقاد الجمعية العمومية، والقرارات الصادرة
منها، والانتخابات المتعلقة بتشكيل مجلس النقابة، التي تتصل في حقيقتها ببنيان
النقابة، والأجهزة القائمة على تسيير شئونها، تُعد جميعها بهذا الوصف، منازعات
إدارية بطبيعتها. ومن ثم، ينعقد الاختصاص بنظرها حصرًا لمجلس الدولة، بهيئة قضاء
إداري، إعمالاً لنص المادة (190) من الدستور.
وحيث إنه لما كان ذلك، وكان نصا الفقرتين الأولى والثالثة من المادة
(29) من القانون رقم 80 لسنة 1969 المشار إليه، قد عهدا بالاختصاص بالفصل في الطعن
في صحة انعقاد الجمعية العمومية لنقابة المهن العلمية، والقرارات الصادرة منها،
وتشكيل مجلس النقابة، إلى محكمة النقض - بناء على تقرير يقدم إلى قلم كتاب تلك
المحكمة - على الرغم من أن هذه المنازعة تدخل في عداد المنازعات الإدارية
بطبيعتها، لتعلقها بمرفق عام مهني يتمتع بقدر من السلطة العامة، فإن مسلك المشرع
على هذا النحو يكون مصادمًا لأحكام الدستور، التي أضحى بمقتضاها مجلس الدولة، دون
غيره، صاحب الولاية في المنازعات الإدارية، وقاضيها الطبيعي. ومن ثم، يمثل هذان
النصان اعتداءً على استقلال القضاء، وانتقاصًـا من اختصاص مجلس الدولة، فوق كونه
يمثل خروجًـا من المشرع عن نطاق التزامه الدستوري المقرر بمقتضى نص الفقرة الثانية
من المادة (92) من الدستور، التي وضعت قيدًا عامًّا على سلطة المشرع في مجـال
تنظيم ممارسة الحقوق والحريات، بألا يقيدهـا بما يمس أصلها وجوهرها، بما يوقع هذين
النصين في حومة مخالفة نصوص المواد ( 92 و94 و97 و184 و190) من الدستور.
وحيث إن البيّن من نص الفقرة الأولى من المادة (29) من القانون المشار
إليه، أن ثمة شرطين يتعين توافرهما معًا لجواز الطعن في صحة انعقاد الجمعية
العمومية، أو في تشكيل مجلس النقابة أو في القرارات الصادرة منها، أولهما: أن يكون
هذا الطعن مقدمًا من خُمس عدد الأعضاء الذين حضروا اجتماع الجمعية العمومية
للنقابة، ليكون انضمامهم إلى بعض نصابًـا عدديًّا للطعن، فلا يقبل بعدد أقل.
ثانيهما: أن يكون الطعن على قراراتها مستوفيًا شكلية بذاتها، قوامها تصديق الجهة
الإدارية المختصة على توقيعاتهم على تقرير الطعن.
وحيث إن الشرطين المتقدمين ينالان من حق التقاضي، ويعصفان بجوهـره،
وعلى الأخص من زاويتين، أولاهمـا: أن الدستور كفل للناس جميعًـا - بنص المـادة 97
منه - حقهم في اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي ، لا يتمايزون في ذلك فيما بينهم، فلا
يتقدم بعضهم على بعض في مجال النفاذ إليه، ولا ينحسر عن فئة منهم، سواء من خلال
إنكاره أو عن طريق العوائق الإجرائية أو المالية التي يحاط بها ليكون عبئًا عليهم،
حائلاً دون اقتضاء الحقوق التي يدعونها، ويقيمون الخصومة القضائية لطلبها، ذلك
أنهم يتماثلون في استنهاض الأسس الموضوعية التي نظم المشرع بها تلك الحقوق لضمان
فعاليتها، فقد كفل الدستور لكل منهم - سواء أكان شخصًا طبيعيًّا أم معنويًّا -
الحق في الدعوى، ليكون تعبيرًا عن سيادة القانون ونمطًـا من خضوع الدولة لقيود
قانونية تعلوها، وتكون بذاتها عاصمًا من جموحها وانفلاتها من كوابحها، وضمانًا
لردها على أعقابها إن هي جاوزتها، لتظهر الخصومة القضائية بوصفها الحماية التي
كفلها القانون للحقوق على اختلافها، وبغض النظر عمن يتنازعونها، ودون اعتداد
بتوجهاتهم، فلا يكون الدفاع عنها ترفًا أو إسرافًا، بل لازمًـا لاقتضائها وفق
القواعد القانونية التي تنظمها. ثانيتهما: أن الخصومة القضائية لا تعتبر مقصودة
لذاتها، بل غايتها اجتناء منفعة يقرها القانون، تعكس بذاتها أبعاد الترضية
القضائية التي يطلبها المتداعون، ويسعون للحصول عليها تأمينًا لحقوقهم. وهم بذلك
لا يدافعون عن مصالح نظرية عقيمة، ولا عن عقائد مجردة يؤمنون بها، ولا يعبرون في
الفراغ عن قيم يطرحونها، بل يؤكدون من خلال الخصومة القضائية تلك الحقوق التي
أُضيروا من جراء الإخلال بها، ويندرج تحتها ما يكون منها متعلقًا بمجاوزة نقابتهم
للقيود التي فرضها الدستور عليها، لتنفصل حقوقهم هذه، عن تلك المصالح الجماعية
التي تحميها نقابتهم بوصفها شخصًا معنويًّا يستقل بالدفاع عنها في إطار رسالتها
وعلى ضوء أهدافها والقيم التي تحتضنها، وهو ما يعني أن تأمينها لمصالح أعضائها -
منظورًا إليها في مجموعها - لا يعتبر قيدًا على حق كل منهم في أن يستقل عنها
بدعواه التي يكفل بها حقوقًــا ذاتية يكون صونها ورد العدوان عنها، متصلاً بمصلحته
الشخصية المباشرة، ليتعلق بها مركزه القانوني الخاص في مواجهة غيره، فلا ينال من
وجوده - ولو بنص تشريعي - قيد تقرر دون مسوغ.
وحيث إن الطعن على قرار معين - كلما توافر أصل الحق فيه -لا يجوز
تقييده فيما وراء الأسس الموضوعية التي يقتضيها تنظيم هذا الحـق، وإلا كان القيد
مضيقًا من مداه أو عاصفًا بمحتواه، فلا يكتمل أو ينعدم. وكان حق النقابة ذاتها في
تكوينها على أسس ديمقراطية، وكذلك إدارتها لشئونها بما يكفل استقلالها، ويقظتها في
الدفاع عن مصالح أعضائها، وإنمائها للقيم التي يدعون إليها في إطار أهدافها،
ووعيها بما يعنيهم، ومراجعتها لسلوكهم ضمانًا لصون الأسس التي حددها الدستور بنص
المادة (76) منه، وإن كان كافلاً لرسالتها محددة على ضوء أهدافها، وبمراعاة جوهر
العمل النقابي ومتطلباته، فإن انحرافها عنها يقتضي تقويمها، ولا يكون ذلك إلا
بإنزال حكم القانون عليها، باعتباره محددًا لكل قاعدة قانونية مجالاً لعملها،
ومقيدًا أدناها بأعلاها، فلا تكون الشرعية الدستورية والقانونية إلا ضابطًــا
للأعمال جميعها، محيطًا بكل صورها، ما كان منها تصرفًا قانونيًا أو متمحضًـا عملاً
ماديًّـا، فلا تنفصل هذه الشرعية عن واقعها، بل ترد إليها أعمال النقابة وتصرفاتها
جميعًا، ليكون تقويمها حقًّا مقررًا لكل من أعضائها، بقدر اتصال الطعن عليها
بمصالحهم الشخصية المباشرة.
وحيث إن نص الفقرة الأولى من المادة (29) من القانون رقم 80 لسنة 1969
المشار إليه، قد نقض الأصل السالف بيانه، حين جعل للطعن في صحة انعقاد الجمعية
العمومية أو في تشكيل مجلس النقابة أو القرارات الصادرة منها، نصابًا عدديًّا، فلا
يُـقبل إلا إذا كان مقدمًا من خُمس عدد الأعضاء الذين حضروا اجتمـاع الجمعيـة
العمومية للنقابة، ليحول هذا القيـد - بالنظر إلى مداه - بين من يسعون لاختصامها
من أعضائها، وأن يكون لكل منهم دعواه قِـبلها، يقيمها استقلالاً عن غيره، ويكون
موضوعها تلك الحقوق التي أخل بها القرار المطعون فيه، التي لا يقوم العمل النقابي
سويًّا بدونها. وهى بعد حقوق قد تزدريها نقابتهم أو تغض بصرها عنها، فلا تتدخل
لحمايتها ولو كان اتصالها برسالتها وتعلقها بأهدافها، وثيقًا. وقد افترض النص
التشريعي المحال كذلك، أن أعضاء الجمعية العمومية - الذين جعل من عددهم نصابًــا
محتومًــا للطعن في قراراتها - متحدون فيما بينهم في موقفهم منها، وأنهم جميعًــا
قدروا مخالفتها للدستور أو القانون، وانعقد عزمهم على اختصامها تجريدًا لها من
آثارها وتعطيلاً للعمل بهـا، لتتخلى نقابتهم عنها. وهو افتراض قلّمـا يتحقق
عمليًّا، ولا يتوخى واقعًــا غير مجرد تعويق الحق في الطعن عليها من خلال قيود
تنافي أصل الحق فيه، ليكون أفدح عبئًــا، وأقل احتمالاً.
وحيث إن البيّن كذلك من النص المشار إليه، أن الطعن في القرارات المار
ذكرها - ولو كان مكتملاً نصابًا - يظل غير مقبول إذا كان من قدموه غير مصادق على
توقيعاتهم من الجهة الإدارية ذات الاختصاص. وكان ما توخاه المشرع بذلك، أن يكون
هذا التصديق إثباتًا لصفاتهم، فلا يكون تقرير الطعن مقدمًا من أشخاص لا يعتبرون
أعضاء في النقابة، ولا من أشخاص يتبعونها، ولكنهم تخلفوا عن حضور جمعيتها
العمومية. وكان التصديق وإن تم في هذا النطــاق، وتعلق بتلك الأغراض، يظــل
منطويًــا على إرهاق المتقاضين بأعباء لا يقتضيها تنظيم حق التقاضي، بل غايتها أن
يكون الطعن أكثر عسرًا من الناحيتين الإجرائية والمالية. وكان هذا القيد مؤداه
كذلك، أن تحل الجهة الإدارية محل محكمة الطعن في مجال تثبتهـا من الشـروط التي لا
يقبل الطعن من الخصوم إلا بها - وتندرج صفاتهم تحتها - باعتبار أن تحقيقها وبسطها
لرقابتها على توافرها أو تخلفها، مما يدخل في اختصاصها، ولا يجوز بالتالي أن
تتولاه الجهة الإدارية، وإلا كان ذلك عدوانًا منها على الوظيفة القضائية التي اختص
المشرع غيرها بها، وانتحالاً لبعض جوانبها، وباطلاً لاقتحام حدودها.
وترتيبًــا على ذلك، فإن الشروط التي تضمنها نص الفقرة الأولى من
المادة (29) من القانون المشار إليه، تغدو مصادمة لنصوص المواد (92 و94 و97 و184
و190) من الدستور.
وحيث إن المادة (187) من الدستور تنص على أن جلسات المحاكم علنية، إلا
إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام أو الآداب، وفي جميع الأحوال يكون
النطق بالحكم في جلسة علنية، بما لازمه أن الأصل في نظر الدعوى أمام المحكمة
المختصة أن يكون في جلسة علنية، واستثناءً من ذلك الأصل، أجاز الدستور نظر الدعوى
في جلسة سرية، استجابة لاعتبارات النظام العام أو الآداب، وجعل تقدير ذلك للمحكمة
المختصة، إلا أنه استوجب، في جميع الأحوال، النطق بالحكم في جلسة علنية. لما كان
ذلك، وكان عجز الفقرة الثالثة من المادة المحالة، قد جعل فصل المحكمة في الطعن في
جلسة سرية، وجاء هذا الحكم عامًّا مطلقًا ليشمل نظر الطعن والفصل فيه، دون التزام الضوابط
التي قررها الدستور في هذا الشأن، فإنه يكون مصادمًا لنص المادة (187) من الدستور.
وحيث إنه لما تقدم جميعه، فإنه يتعين القضاء بعدم دستورية المادة (29)
من القانون رقـم 80 لسنة 1969 في شأن نقابة المهن العلمية، فيما نصت عليه من أن
لخمس عدد الأعضاء الذين حضروا اجتماع الجمعية العمومية الطعن في صحة انعقادها أو
في تشكيل مجلس النقابة أو في القرارات الصادرة منها، بتقرير موقع عليه منهم، يقدم
إلى قلم كتاب محكمة النقض، بشرط التصديق على التوقيعات من الجهة المختصة ، وتفصل
محكمة النقض في الطعن في جلسة سرية . وسقوط باقي أحكام تلك المادة، لارتباطها بما
قُضي بعـدم دستوريته من نصها، ارتباطًا لا يقبل الفصل أو التجزئة، بحيث لا يمكن
فصلها أو تطبيقها استقلالاً عنها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة (29) من القانـون رقم 80 لسنة 1969
في شأن نقابة المهن العلمية، فيما نصت عليه من أن لخمس عدد الأعضاء الذين حضروا
اجتماع الجمعية العمومية، الطعن في صحة انعقادها أو في تشكيل مجلس النقابة أو في
القرارات الصادرة منها، بتقرير موقع عليه منهم يقدم إلى قلم كتاب محكمة النقض،
بشرط التصديق على التوقيعات من الجهة المختصة، وتفصل محكمة النقض في الطعن في جلسة
سرية ، وسقوط باقي أحكام تلك المادة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق