الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 28 يونيو 2022

الطعن 165 لسنة 37 ق دستورية عليا " دستورية " جلسة 4 / 6 / 2022

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يونيه سنة 2022م، الموافق الرابع من ذى القعدة سنة 1443 هـ.
أصدرت الحكم الآتى
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمى إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمـــد خيرى طـــه النجـار ورجــب عبد الحكيـم سليم والدكتور محمد عماد النجـار والدكتور طارق عبد الجـواد شبل وخالد أحمـــد رأفت دسوقى والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور / عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 165 لسنة 37 قضائية دستورية.

المقامة من
أحمد ناصر عبد القادر
ضـــد
1- رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الوزراء
3- وزيـر العدل
4- النائب العـــام
5- رئيس محكمة الجنح المستأنفة بالمنصورة

-------------

" الإجـراءات "
بتاريخ السابع عشر من نوفمبر سنة 2015، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نصي المادتين (238 و244) من قانون العقوبات، فيما تضمناه من عقوبة الحبس عن جريمتي القتل والإصابة الخطأ.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

-------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن النيابة العامة، كانت قد قدمت المدعى، وآخر، إلى المحاكمة الجنائية في الجنحة رقم 8570 لسنة 2012، أمام محكمة جنح السنبلاوين، متهمة إيّاه، أنه في يوم 27/ 3 / 2012، بدائرة مركز السنبلاوين:
أولًا: تسبب خطأ في إصابة .....، ووفاة ......، وكان ذلك ناشئًا عن إهماله، ورعونته، وعدم احترازه، ومخالفته للقوانين واللوائح، بأن قاد مركبة بحالة ينجم عنها الخطر. ثانيًــا: أتلف الأشياء المبينة وصفًــا وقيمة بالأوراق، بأن جعلها غير صالحة للاستخدام. ثالثًــا: قاد مركبة بدون رخصتي قيادة وتسيير وبدون لوحات معدنية. رابعًــا: قاد مركبة بحالة ينجم عنها الخطر فصدم أشخاصًا لم يهتم بأمرهم، ولم يبلغ أقرب رجل شرطة أو إسعاف.
وطلبت عقابه بالمادتين (238 و244) من قانون العقوبات، والمواد (67 و74/1 و74 مكررًا/1 و 74 مكرر 2/2) من قانون المرور الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1973 المعدل بالقانون رقم 121 لسنة 2008. وبجلسة 29/9/2013، قضت تلك المحكمة بحبس المدعى ستة أشهر مع الشغل عن الاتهام الأول، وستة أشهر مع الشغل عن الاتهام الثاني. لم يرتض المدعي هذا الحكم وطعن عليه بالاستئناف رقم 25964 لسنة 2013، أمام محكمة جنح مستأنف السنبلاوين، وبجلسة 8/11/2015، دفع المدعي بعدم دستورية نصى المادتين (238 و244) من قانون العقوبـــات، فيما تضمناه من عقوبـــة الحبس، لمخالفتهما أحكام الشريعة الإسلامية، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، أجلت نظر الدعوى إلى جلسة 29/11/2015، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (238) من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، المستبدلة بالقانون رقم 120 لسنة 1962 تنص على أن من تسبب خطأ فى موت شخص آخـر بأن كان ذلك ناشئًــا عــن إهمالــه أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجانى إخلالا جسيمــا بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطيــا مسكرا أو مخدرا عند ارتكابه الخطأ الذى نجم عنه الحادث أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سبع سنين إذا نشأ عن الفعل وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص، فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة فى الفقرة السابقة كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنين.
وتنص المادة (244) من قانون العقوبات المستبدلة بالقانون رقم 120 لسنة 1962 والمعدلة بالقانون رقم 29 لسنة 1982 على أن من تسبب خطأ فى جرح شخص أو إيذائه بأن كان ذلك ناشئًــا عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز مائتى جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين إذا نشأ عن الإصابة عاهة مستديمة أو إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجانى إخـلالا جسيمــا بمـا تفرضه عليه أصـول وظيفته أو مهنته أو حرفته، أو كان متعاطيــا مسكرا أو مخدرا عند ارتكابه الخطأ الذى نجم عنه الحادث، أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك.
وتكون العقوبة الحبس إذا نشأ عن الجريمة إصابة أكثر من ثلاثة أشخاص، فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة فى الفقرة السابقة تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة فى الدعوى الدستورية - وهى شرط لقبولها - مناطها، ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضـــوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعى يدور حول اتهــام المدعى بارتكاب جريمتى قتل وجرح تسبب فيهما خطأ، وطلبت النيابة العامة عقابه بمقتضى المادتين (238، 244) مــن قانـون العقوبــات، وكانت الجريمتان قد اقترنتا بظرف مشدد، هو نكول المتهم عن مساعدة المجني عليهما مع تمكنه من ذلك، المنصوص عليهما في الفقرتين الأولى والثانية من كلتا المادتين، ولم يثبت تعدد المجني عليهم في أي جريمة منهما، ومن ثم يتحدد نطاق الدعوى المعروضة فى الفصل فى دستورية نصي الفقرتين الأولى والثانية من كلٍ من المادتين (238، و244) من قانون العقوبات المار ذكرهما، وذلك فيما تضمناه من عقوبة الحبس المقررة لجريمتي القتل والإصابة الخطأ، دون سائر أحكام هذين النصين.
وحيث إن المدعي ينعي على النصين المطعون عليهما- محددين نطاقاً على نحو ما سبق - مخالفتهما أحكام الشريعة الإسلامية المعتبرة المصدر الرئيسي للتشريع، بقالة إن العقوبة الشرعية المقررة لجريمتي القتل والإصابة الخطأ هى الدية وليس الحبس، على النحو الوارد بالنصين المطعون عليهما، بما يوقعهما فى حومة مخالفة نص المادة الثانية من الدستور.
وحيث إن هذه المحكمة سبق أن حسمت مسألة دستورية المادة (238) من قانون العقوبات، وذلك بحكمها الصادر بجلسة 27/5/1989، فى الدعوى رقم 150 لسنة 4 قضائيةدستورية، الذى قضى برفض الدعوى، تأسيسًا على أن إلزام المشرع باتخاذ مبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع - بعد تعديل المادة الثانية من الدستور فى 22 مايو سنة 1980 - لا ينصرف سوى إلى التشريعات التى تصدر بعد التاريخ الذى فرض فيه هذا الإلزام، بحيث إذا انطوى أى منها على ما يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية، يكون قد وقع فى حومة المخالفة الدستورية، أما التشريعات السابقة على ذلك التاريخ، ومن بينها النص المشار إليه، فلا يتأتى إنفاذ حكم الإلزام المشار إليه بالنسبة لها لصدورها قبله. ونُشر الحكم فى الجريدة الرسمية بالعدد رقم (24) بتاريخ 15/6/1989. لما كان ذلك، وكان نص المادة (238) من قانون العقوبات لا يزال على وضعه كما كان معروضًا على المحكمة الدستورية العليا فى حكمها المتقدم، دون أن يطرأ عليه أى تعديل لاحق لتعديل المادة الثانية من الدستور، كما سبق لهذه المحكمة أن حسمت المسألة الدستورية المثارة بالنسبة لنص الفقرة الأولى من المادة رقم (244) من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 29 لسنة 1982، بحكمها الصادر بجلسة 7/7/2002،في الدعوى رقم 19 لسنة 17 قضائية دستورية، القاضي برفض الدعوى المقامة طعنًــا على هذا النص، ونُشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية في العدد رقم 29 تابع (ب) بتاريخ 18/7/2002، وكان مقتضى نص المادة (195) من الدستور والمادتين (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن تكون أحكام هذه المحكمة وقراراتها ملزمة للكافة، وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة لهم، باعتبارها قولاً فصلاً فى المسألة التي فصـل فيهـا، وهـى حجية تحـول بذاتهـا دون المجادلـة فيها أو إعادة طرحها عليها من جديد لمراجعتها، الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن على نص الفقرتين الأولى والثانية من المادة (238) والفقرة الأولى من المادة (244) من قانون العقوبات المشار إليه.
وحيث إنه عن نعى المدعى بمخالفة نص الفقرة الثانية من المادة (244) من قانون العقوبات لمبادئ الشريعة الإسلامية، فإنه لما كان النص المطعون فيه قد تم تعديله بمقتضى القانون رقم 29 لسنة 1982 بشأن تعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، وقانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المشار إليه، محددًا نطاقًــا فيما ارتآه المدعى، من مخالفته نص المادة الثانية من الدستور.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن النص في المادة الثانية من الدستور - بعد تعديلها فى 22 مايو سنة 1980- على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، إنما يتجلى عن دعوة المشرع كى يتخذ من الشريعة الإسلامية مصدرًا رئيسًا فيما يسنه من تشريعات تصدر بعد العمل بالتعديل الدستوري المشار إليه، فلا يجوز منذ ذلك التاريخ للنص التشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي لا تحتمل اجتهادًا، ومن ثم لا يقبل إقرار أية قاعدة قانونية تخالفها، وليست كذلك الأحكام الظنية فى ثبوتها أو دلالتها أو فيهما معًا، وهى التي تتسع لدائرة الاجتهاد فيها تنظيمًا لشئون العباد، وضمانًا لمصالحهم، وهو اجتهاد وإن كان حقًا لأهل الاجتهاد، فأولى أن يكون هذا الحق مقررًا لولى الأمر، يبذل جهده فى استنباط الحكم الشرعي من الدليل التفصيلي، ويعمل حكم العقل فيما لا نص فيه توصلاً لتقرير قواعد عملية يقتضيها عدل الله ورحمته بعباده، وتسعها الشريعة الإسلامية التى لا تضفى قدسية على آراء أحد من الفقهاء فى شأن من شئونها، ولا تحول دون مراجعتهـا وتقييمهـــا وإبدال غيرها بها بمراعاة المصلحة الحقيقية التي لا تناقض المقاصــد العليا للشريعة، فالآراء الاجتهادية لا تجاوز حجيتها قدر اقتناع أصحابها بها، ولا يساغ بالتالى اعتبارها شرعًا لا يجوز نقضه، وإلا كان ذلك نهيًا عن التأمل والتبصر فى دين الله تعالى وإنكارًا لحقيقة أن الخطأ محتمل فى كل اجتهاد، ومن ثم صح القول بأن اجتهاد أحد الفقهاء ليس بالضرورة أحق بالاتباع من اجتهاد غيره، وربما كان أضعف الآراء أكثرها ملاءمة للأوضاع المتغيرة، ولو كان مخالفًا لأقوال امتد العمل بها زمنًا.
وحيث إن إجماع الفقهاء منعقد على أنه إذا وقعت جريمة القتل غير العمدى، وجب على الجانى - أو عائلته - أن يؤدى لورثة القتيل مائة من الإبل، اختلف العلماء فى نوعها، وأجاز البعض نقلاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم أداؤها من الذهب أو الفضة، أما إذا وقعت الجريمة على ما دون النفس لزم الجانى أن يؤدى للمجنى عليه أرش الجراح، وهو إما أن يكون دية كاملة أو جزءًا من الدية بحسب جسامة أو تفاهة الإصابات التى لحقت بالمجنى عليه، وبصرف النظر عما وقع بين العلماء من خلاف فى تكييف طبيعة الدية أو الأرش، وهل هى عقوبة أو تعويض للمجنى عليه أو هي كلاهما، فقد أقر فريق من العلماء بحق ولي الأمر فى تقرير عقوبات تعزيرية لبعض الجرائم - حتى لو كانت من جرائم الحدود - إذا كان القصد من ذلك الردع والزجر مع الإصلاح والتهذيب، خاصة إذا كان التعزير للمصلحة العامة، فلا يحول وجود عقوبة شرعية لبعض الجرائم دون حق ولى الأمر فى تقرير عقوبات تعزيرية، كالوعظ والتهديد والتوبيخ والحبس والغرامة والنفي، ولا خلاف بين العلماء فى أن العقوبات التعزيرية تتغير بحسب اقتضاء المصلحة زمانًا أو مكانًا أو حالاً، كما تتغير مقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها بحسب جسامة الجناية وسن الجاني وغير ذلك من الظروف الملابسة لارتكابها.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكانت الشريعة الغراء قد خلت من مبدأ قطعي الثبوت والدلالة فى شأن امتناع التعزير فى الجرائم التى تقع على ما دون النفس، فإن النص فى الفقرة الثانية من المادة (244) من قانــون العقوبات، إذ تضمـن عقوبات تعزيرية على مقترف هـذه الجريمـة، هـى الحبس مـدة لا تزيد على سنتين وغرامـة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين، لا يكون مخالفاً فى ذاته لمبادئ الشريعة الإسلامية، والمادة الثانية من الدستور، مما يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن على نص المادة (238) من قانون العقوبات المستبدلة بالقانون رقم 120 لسنة 1962، ونصى الفقرتين الأولى والثالثة من المادة (244) من القانون ذاته المعدلة بالقانون رقم 29 لسنة 1982.
ثانيًا: برفض الدعوى بالنسبة للطعن على نص الفقرة الثانية من المادة (244) من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 29 لسنة 1982.
ثالثًا: بمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق