جلسة 22 من أبريل سنة 2017
برئاسة السيد القاضي/ محمد برهام عجيز نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ محمد رشاد أمين، أحمد برغش، حازم نبيل البناوي ومحمد مصطفى نواب رئيس المحكمة.
--------------
(83)
الطعن رقم 4861 لسنة 86 القضائية
(1) التزام" انقضاء الالتزام: انقضاء الالتزام بما يعادل الوفاء: المقاصة القانونية".
المقاصة القانونية. شروطها. م 362 مدني.
(2) نزع الملكية" التعويض عن نزع الملكية: مقابل التحسين بسبب أعمال المنفعة العامة".
المطالبة بخصم مقابل التحسين الذي يلتزم مالك العقار بدفعه. م19 ق 10 لسنة 1990. لازمه. وجوب التفرقة بين إقامة دعوى التعويض عن نزع جزء من الملكية لأعمال المنفعة العامة قبل انتهاء الأعمال أم بعدها. إقامة الدعوى قبل تمام الأعمال. مقتضاه. التزام القاضي حال قضائه بالتعويض بخصم النسبة المقررة قانونا على ذمة ما سوف يسفر عنه حساب ما عاد على باقي العقار من منفعة. علة ذلك. إقامة الدعوى بعد انتهائها، مقتضاه. وجوب التزام جهة الإدارة بتقدير مقابل التحسين على وجه التحديد. علة ذلك.
(3) تنظيم" اعتماد خطوط التنظيم".
قرار اعتماد خط التنظيم لا يرتب بمجرده خروج الأجزاء الداخلة فيه عن ملك صاحبها. مؤداه. بقاؤه مالكا لها.
(4) استيلاء" الاستيلاء دون إتباع الإجراءات القانونية".
استيلاء الحكومة على العقار جبرا دون اتخاذ إجراءات نزع الملكية. اعتباره غصب. شأن المالك كالمضرور من أي عمل غير مشروع المطالبة بتعويض الضرر سواء ما كان قائما وقت الغصب أو ما تفاقم منه حتى تاريخ الحكم. علة ذلك.
(5) محكمة الموضوع" سلطة محكمة الموضوع بالنسبة لمسائل الإثبات: سلطة محكمة الموضوع في تقدير عمل الخبير".
أخذ محكمة الموضوع بتقرير الخبير لاقتناعها بصحة أسبابه. عدم التزامها بالرد استقلالا على الطعون الموجهة إليه. علة ذلك.
(6) تعويض" تقدير التعويض: سلطة محكمة الموضوع في تقدير التعويض"
التعويض غير المقدر بنص في القانون. استقلال محكمة الموضوع بتقديره.
(7) نزع الملكية" التعويض عن نزع الملكية: مقابل التحسين بسبب أعمال المنفعة العامة".
طلب الطاعن خصم مقابل التحسين وفقا للنسبة المبينة قانونا دون تحديد مقدارها رغم ثبوت انتهاء أعمال المنفعة العامة المنزوع جرائها الجزء المطالب بالتعويض عنه من أملاك المطعون ضده قبل إقامته دعواه. على غير أساس. التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر. صحيح.
(8) نقض" أثر نقض الحكم: أثر نقض الحكم أمام محكمة الإحالة".
نقض الحكم والإحالة. أثره. التزام محكمة الإحالة بإتباع حكم محكمة النقض في المسألة القانونية التي فصلت فيها. م 269/2 مرافعات. علة ذلك. اكتسابه حجية الشيء المحكوم فيه في حدود المسائل التي بت فيها.
(9) نقض" أثر نقض الحكم: أثر نقض الحكم أمام محكمة الإحالة".
سبق قضاء محكمة النقض في توافر صفة المطعون ضده في الدعوى. أثره. اكتساب الحكم الناقض لحجية الشيء المحكوم فيه في هذا الشأن. التزام الحكم المطعون فيه بالقضاء السالف وفصله في الدعوى على هذا الأساس. صحيح.
(10) حكم" عيوب التدليل: القصور: ما لا يعد كذلك".
إغفال الحكم المطعون فيه الرد على دفاع لم يقدم الطاعن دليله. لا قصور.
------------------
1 - المقرر- في قضاء محكمة النقض– أنه وإن كان للمدين طبقا لنص المادة 362 من القانون المدني حق المقاصة بين ما هو مستحق عليه لدائنه وما هو مستحق له قبل هذا الدائن إذا كان كل من الدينين خاليا من النزاع مستحق الأداء صالحا للمطالبة به قضاء.
2 - إذ كان تحديد مقابل التحسين الذي يلتزم مالك العقار بدفعه طبقا للمادة 19 من القانون 10 لسنة 1990 يقتضي تحقيق عديد من العناصر، وإن لم يأت بيانها في تلك المادة إلا أنها لازمه لمراقبة صحة القضاء به، باعتبار أنه يلزم التفرقة بين حالة ما إذا كان من عاد التحسين على ما تبقى من عقاره قد بادر إلى إقامة دعواه بطلب التعويض عن نزع جزء من ملكه لأعمال المنفعة العامة قبل انتهاء تلك الأعمال أم أنه أقام دعواه بعد انتهائها على نحو تتوافر معه للجهة نازعة الملكية أن تقدر ما عاد على باقي ملكه من منفعة نتيجة للتحسين الذي طرأ على هذا الباقي، فإذا كانت الدعوى قد أقيمت قبل تمام الأعمال فإنه في هذه الحالة يكون لزاما على القاضي إذا ما قضى لمن نزعت ملكيته بالتعويض أن يخصم النسبة المقررة قانونا على ذمة ما سوف يسفر عنه حساب ما عاد على باقي العقار من منفعة حتى يتسنى للجهة نازعة الملكية استيدائه مما تم خصمه من مبلغ التعويض، أما في حالة إقامة الدعوى بعد انتهاء أعمال المنفعة العامة وجب على جهة الإدارة إذا ما طالبت بمقابل التحسين نتيجة لهذه الأعمال أن تكون قد قدرت ذلك المقابل على وجه التحديد كي يصير دينا معلوم المقدار صالحا للمطالبة به قضاء.
3 - المقرر- في قضاء محكمة النقض- أن صدور قرار باعتماد خط التنظيم لا يترتب عليه بمجرده خروج الأجزاء الداخلة فيه عن ملك صاحبها وإنما يظل مالكا لها.
4 - المقرر- في قضاء محكمة النقض– أن استيلاء الحكومة على العقار جبرا عن صاحبه دون اتخاذ الإجراءات التي يوجبها قانون نزع الملكية تعتبر بمثابة غصب يستوجب مسئوليتها عن التعويض، وأن حصول الاستيلاء الفعلي من الحكومة على أرض وإدخالها في الطريق العام كاف بذاته لمالكها للمطالبة بتعويضه عن ذلك ولو لم يصدر قرار بنزع الملكية، ويكون شأن المالك عند مطالبته بالتعويض شأن المضرور من أي عمل غير مشروع له أن يطالب بتعويض الضرر سواء في ذلك ما كان قائما وقت الغصب أو ما تفاقم بعد ذلك إلى تاريخ الحكم لأن الضرر كلما كان متغيرا تعين على القاضي النظر فيه لا كما كان عندما وقع بل كما صار إليه عند الحكم.
5 - المقرر- في قضاء محكمة النقض- أنه متى رأت محكمة الموضوع- في حدود سلطتها التقديرية – الأخذ بتقرير الخبير لاقتناعها بصحة أسبابه فإنها لا تكون ملزمة- من بعد- بالرد استقلالا على الطعون الموجهة إليه، لأن في أخذها به محمولا على أسبابه ما يفيد أنها لم تجد في ذلك الطعن ما يستحق الرد عليه بأكثر مما تضمنه التقرير.
6 - المقرر- في قضاء محكمة النقض– أن تقدير التعويض الجابر من سلطة محكمة الموضوع ما دام لا يوجد نص في القانون يلزمها بإتباع معايير معينة في خصوصه.
7 - إذ كان البين من الأوراق أن أعمال المنفعة العامة المنزوع جرائها الجزء المطالب بالتعويض عنه من أملاك المطعون ضده قد انتهت قبل إقامة الأخير دعواه بالتعويض، فإن طلب الطاعن خصم مقابل التحسين وفقا للنسبة المبينة قانونا دون تحديد مقدارها يكون على غير أساس ولا على محكمة الموضوع إن هي لم تجبه إليه، وإذ التزمت المحكمة المطعون في حكمها هذا النظر، فإنها تكون قد التزمت القانون وما تستوجبه قواعد العدالة، ولا ينال من قضائها استنادها في تقدير التعويض الجابر للضرر إلى تقرير الخبير المودع ملف الدعوى بعد أخذها به إعمالا لسلطتها في فهم الواقع وتقدير أدلة الدعوى، ومن ثم يضحى النعي برمته في غير محله.
8 - المقرر- في قضاء محكمة النقض- أنه لما كان النص في الفقرة الثانية من المادة 269 من قانون المرافعات المدنية والتجارية على أنه "فإذا كان الحكم قد نقض لغير ذلك من الأسباب تحال القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه لتحكم فيها من جديد بناء على طلب الخصوم، وفي هذه الحالة يتحتم على المحكمة التي أحيلت إليها القضية أن تتبع حكم محكمة النقض في المسألة القانونية التي فصلت فيها المحكمة"، مفاده أنه إذا نقض الحكم وأحيلت القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه للحكم فيها من جديد بناء على طلب الخصوم فإنه يتحتم على المحكمة التي أحيلت إليها القضية أن تتبع حكم محكمة النقض في المسألة القانونية التي فصلت فيها هذه المحكمة، وما يحرمه القانون بموجب هذه المادة على محكمة الإحالة هو مخالفة رأي محكمة النقض في المسألة التي تكون قد فصلت فيها، وأن حكم محكمة النقض يحوز حجية الشيء المحكوم فيه في حدود المسائل التي بت فيها، ويمتنع على محكمة الإحالة عند إعادة نظر الدعوى المساس بهذه الحجية، ويتعين أن تقصر نظرها على موضوع الدعوى في نطاق ما أشار إليه الحكم الناقض.
9 - إذ كان البين من مدونات الحكم الصادر من محكمة النقض في الطعن ... لسنة 74ق جلسة 8/3/2014 والذي سبق أن أقامه المطعون ضده على الحكم الصادر من محكمة استئناف طنطا بتاريخ 30/3/2004 تأسيسا على توافر صفته لشرائه عقار التداعي بعقد عرفي، أن المحكمة قد فصلت في توافر صفة المطعون ضده في الدعوى الأمر الذي بات معه الحكم الناقض حائزا لحجية الشيء المحكوم فيه في هذا الخصوص وإذ كان النعي يدور في حقيقته حول عدم توافر صفة المطعون ضده في الدعوى، فإنه يمتنع- وفقا لما تقدم- إعادة بحث تلك المسألة مرة أخرى، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا القضاء وفصل في الدعوى على هذا الأساس، فإنه يكون قد التزم القانون ويكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
10 - إن تناولت مذكرات الخصوم- على نحو مرسل- أن المساحة الكائنة بالجزء الخلفي من عقار التداعي لا يستحق عنها عوض لعدم صدور قرار تنظيم بشأنها أو أنها استطرقت كطريق للمارة منذ ما يزيد على خمس عشرة سنة سابقة على رفع الدعوى بما يجعله من قبيل المنافع العامة، إلا أن الأوراق قد خلت من قيام الطاعن بتقديم الدليل على ما يدعيه، ومن ثم فلا على المحكمة المطعون في حكمها إن لم تعرض لهذا الدفاع أو تغفل الرد عليه، ومن ثم يضحى النعي (بالقصور في التسبيب) غير مقبول.
---------
الوقائع
وحيث إن الوقائع- على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق- تتحصل في أن المطعون ضده أقام على الطاعن بصفته الدعوى ... لسنة 1998 أمام محكمة طنطا الابتدائية بطلب الحكم بإلزامه بأن يؤدي إليه مائتي ألف جنيه- وفقا لطلباته المعدلة- وقال بيانا لذلك إنه يمتلك المبنى المبين بصحيفة الدعوى والأرض الفضاء المبينة بالأوراق إلا أنه فوجئ بالجهة رئاسة الطاعن باستقطاع جزء من ملكه لتوسعة الطرق العمومية، مما ترتب عليه منعه من البناء على كامل المساحة، الأمر الذي أصابه بأضرار مادية وأدبية قدر التعويض الجابر لها بالمبلغ المطالب به، ومن ثم أقام الدعوى. ندبت المحكمة خبيرا في الدعوى وبعد أن أودع تقريره، حكمت بتاريخ 30/4/2003 بإلزام الطاعن بأن يؤدي إلى المطعون ضده عشرين ألف جنيه كتعويض عن المساحة المنزوع ملكيتها. استأنف الطاعن بصفته هذا الحكم بالاستئناف ... لسنة 53ق طنطا واستأنفه المطعون ضده بالاستئناف ... لسنة 53ق لدى ذات المحكمة، فضمت المحكمة الاستئنافين، وقضت بتاريخ 30/3/2004 في الاستئناف .... لسنة 53ق بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة، وفي الاستئناف ... لسنة 53ق برفضه. طعن المطعون ضده في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن ... لسنة 74ق، فقضت محكمة النقض بجلسة 8/3/2014 بنقض الحكم المطعون فيه وأحالت القضية إلى محكمة استئناف طنطا. فعجل الطاعن بصفته الدعوى، وأعادتها المحكمة إلى الخبراء، وبعد أن أودع الخبير المنتدب تقريره، قضت بتاريخ 16/2/2016 في الاستئناف ... لسنة 53ق برفضه وفي الاستئناف ... لسنة 53ق بتعديل الحكم المستأنف بإلزام الطاعن بصفته بأن يؤدي إلى المطعون ضده خمسة وسبعين ألف وتسعمائة وخمسين جنيها تعويضا عن أرض النزاع. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقضه. عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
--------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة:
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعي الطاعن بالوجهين الأول والثاني من السبب الثالث منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك يقول إن محكمة الاستئناف لم تستنزل قيمة ما طرأ من تحسين على باقي ملك المطعون ضده بسبب أعمال المنفعة العامة إعمالا لحكم المادة 19 من القانون 10 لسنة 1990 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة وهو التزام على المحكمة ولو لم يسبق صدور قرار به من الجهة الإدارية وإذ لم تراع المحكمة هذا النظر كما لم تبين الأساس الذي أقامت عليه تقديرها لمبلغ التعويض المقضي به، فإن حكمها يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك بأن من المقرر- في قضاء هذه المحكمة- أنه وإن كان للمدين طبقا لنص المادة 362 من القانون المدني حق المقاصة بين ما هو مستحق عليه لدائنه وما هو مستحق له قبل هذا الدائن إذا كان كل من الدينين خاليا من النزاع مستحق الأداء صالحا للمطالبة به قضاء. وكان تحديد مقابل التحسين الذي يلتزم مالك العقار بدفعه طبقا للمادة 19 من القانون 10 لسنة 1990 يقتضي تحقيق عديد من العناصر، وإن لم يأت بيانها في تلك المادة إلا أنها لازمه لمراقبة صحة القضاء به، باعتبار أنه يلزم التفرقة بين حالة ما إذا كان من عاد التحسين على ما تبقى من عقاره قد بادر إلى إقامة دعواه بطلب التعويض عن نزع جزء من ملكه لأعمال المنفعة العامة قبل انتهاء تلك الأعمال أم أنه أقام دعواه بعد انتهائها على نحو تتوافر معه للجهة نازعة الملكية أن تقدر ما عاد على باقي ملكه من منفعة نتيجة للتحسين الذي طرأ على هذا الباقي، فإذا كانت الدعوى قد أقيمت قبل تمام الأعمال فإنه في هذه الحالة يكون لزاما على القاضي إذا ما قضى لمن نزعت ملكيته بالتعويض أن يخصم النسبة المقررة قانونا على ذمة ما سوف يسفر عنه حساب ما عاد على باقي العقار من منفعة حتى يتسنى للجهة نازعة الملكية استيدائه مما تم خصمه من مبلغ التعويض، أما في حالة إقامة الدعوى بعد انتهاء أعمال المنفعة العامة وجب على جهة الإدارة إذا ما طالبت بمقابل التحسين نتيجة لهذه الأعمال أن تكون قد قدرت ذلك المقابل على وجه التحديد كي يصير دينا معلوم المقدار صالحا للمطالبة به قضاء. وأن صدور قرار باعتماد خط التنظيم لا يترتب عليه بمجرده خروج الأجزاء الداخلة فيه عن ملك صاحبها وإنما يظل مالكا لها ... وأن استيلاء الحكومة على العقار جبرا عن صاحبه دون اتخاذ الإجراءات التي يوجبها قانون نزع الملكية تعتبر بمثابة غصب يستوجب مسئوليتها عن التعويض، وأن حصول الاستيلاء الفعلي من الحكومة على أرض وإدخالها في الطريق العام كاف بذاته لمالكها للمطالبة بتعويضه عن ذلك ولو لم يصدر قرار بنزع الملكية، ويكون شأن المالك عند مطالبته بالتعويض شأن المضرور من أي عمل غير مشروع له أن يطالب بتعويض الضرر سواء في ذلك ما كان قائما وقت الغصب أو ما تفاقم بعد ذلك إلى تاريخ الحكم لأن الضرر كلما كان متغيرا تعين على القاضي النظر فيه لا كما كان عندما وقع بل كما صار إليه عند الحكم. وأنه متى رأت محكمة الموضوع- في حدود سلطتها التقديرية- الأخذ بتقرير الخبير لاقتناعها بصحة أسبابه فإنها لا تكون ملزمة- من بعد- بالرد استقلالا على الطعون الموجهة إليه، لأن في أخذها به محمولا على أسبابه ما يفيد أنها لم تجد في ذلك الطعن ما يستحق الرد عليه بأكثر مما تضمنه التقرير وأن تقدير التعويض الجابر من سلطة محكمة الموضوع ما دام لا يوجد نص في القانون يلزمها بإتباع معايير معينة في خصوصه. لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن أعمال المنفعة العامة المنزوع جرائها الجزء المطالب بالتعويض عنه من أملاك المطعون ضده قد انتهت قبل إقامة الأخير دعواه بالتعويض، فإن طلب الطاعن خصم مقابل التحسين وفقا للنسبة المبينة قانونا دون تحديد مقدارها يكون على غير أساس ولا على محكمة الموضوع إن هي لم تجبه إليه، وإذ التزمت المحكمة المطعون في حكمها هذا النظر، فإنها تكون قد التزمت القانون وما تستوجبه قواعد العدالة، ولا ينال من قضائها استنادها في تقدير التعويض الجابر للضرر إلى تقرير الخبير المودع ملف الدعوى بعد أخذها به إعمالا لسلطتها في فهم الواقع وتقدير أدلة الدعوى، ومن ثم يضحى النعي برمته في غير محله.
وحيث إن الطاعن ينعي بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول إن المحكمة المطعون في حكمها أقامت قضاءها باستحقاق المطعون ضده للتعويض استنادا إلى صورة ضوئية لعقد بيع عرفي رغم جحده لها وفقا للثابت بمذكرتي دفاعه المقدمتين أمامها بجلستي 23/10/2014، 16/11/2015 على نحو يهدر حجيتها في الإثبات، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك بأن من المقرر- في قضاء هذه المحكمة- أنه لما كان النص في الفقرة الثانية من المادة 269 من قانون المرافعات المدنية والتجارية على أنه "فإذا كان الحكم قد نقض لغير ذلك من الأسباب تحال القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه لتحكم فيها من جديد بناء على طلب الخصوم، وفي هذه الحالة يتحتم على المحكمة التي أحيلت إليها القضية أن تتبع حكم محكمة النقض في المسألة القانونية التي فصلت فيها المحكمة"، مفاده أنه إذا نقض الحكم وأحيلت القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه للحكم فيها من جديد بناء على طلب الخصوم فإنه يتحتم على المحكمة التي أحيلت إليها القضية أن تتبع حكم محكمة النقض في المسألة القانونية التي فصلت فيها هذه المحكمة، وما يحرمه القانون بموجب هذه المادة على محكمة الإحالة هو مخالفة رأي محكمة النقض في المسألة التي تكون قد فصلت فيها، وأن حكم محكمة النقض يحوز حجية الشيء المحكوم فيه في حدود المسائل التي بت فيها، ويمتنع على محكمة الإحالة عند إعادة نظر الدعوى المساس بهذه الحجية، ويتعين أن تقصر نظرها على موضوع الدعوى في نطاق ما أشار إليه الحكم الناقض. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم الصادر من محكمة النقض في الطعن .... لسنة 74ق جلسة 8/3/2014 والذي سبق أن أقامه المطعون ضده على الحكم الصادر من محكمة استئناف طنطا بتاريخ 30/3/2004 تأسيسا على توافر صفته لشرائه عقار التداعي بعقد عرفي، أن المحكمة قد فصلت في توافر صفة المطعون ضده في الدعوى الأمر الذي بات معه الحكم الناقض حائزا لحجية الشيء المحكوم فيه في هذا الخصوص وإذ كان النعي يدور في حقيقته حول عدم توافر صفة المطعون ضده في الدعوى، فإنه يمتنع- وفقا لما تقدم- إعادة بحث تلك المسألة مرة أخرى، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا القضاء وفصل في الدعوى على هذا الأساس، فإنه يكون قد التزم القانون ويكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعي بالوجه الأول من السبب الأول على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك بمذكرة دفاعه المقدمة أمام محكمة الاستئناف بجلسة 16/11/2015 بأن الجزء الواقع بالجهة الخلفية من عقار التداعي لا يستحق عنه تعويض لعدم صدور قرار تنظيم بشأنه كما أنه استطرق كطريق للمارة منذ ما يزيد على خمس عشرة سنة سابقة على رفع الدعوى بما يجعل هذا الجزء من العقار ملحقا بالمنافع العامة بقوة القانون ولا يستحق عنه عوض تبعا لذلك، وإذ خالفت المحكمة المطعون في حكمها هذا النظر مقدرة عنه تعويضا دون أن تمحص دفاعه في هذا الخصوص إيرادا وردا، فإن الحكم يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أنه وإن تناولت مذكرات الخصوم- على نحو مرسل- أن المساحة الكائنة بالجزء الخلفي من عقار التداعي لا يستحق عنها عوض لعدم صدور قرار تنظيم بشأنها أو أنها استطرقت كطريق للمارة منذ ما يزيد على خمس عشرة سنة سابقة على رفع الدعوى بما يجعله من قبيل المنافع العامة، إلا أن الأوراق قد خلت من قيام الطاعن بتقديم الدليل على ما يدعيه، ومن ثم فلا على المحكمة المطعون في حكمها إن لم تعرض لهذا الدفاع أو تغفل الرد عليه، ومن ثم يضحى النعي غير مقبول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق