جلسة 9 من مارس سنة 1961
برياسة السيد محمود عياد
نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: صبحي الصباغ، ومحمود القاضي، وأحمد زكي محمد،
ومحمود توفيق إسماعيل.
--------------
(27)
الطعن رقم 36 لسنة 26
القضائية
(أ) إثبات "طرق الإثبات
ذات القوة المحدودة" "البينة" "عدم قبول البينة فيما يخالف الكتابة".
تزويد. خيانة الأمانة "خيانة ائتمان الإمضاء المسلمة على بياض".
الأصل في الأوراق الموقعة
على بياض أن تغيير الحقيقة فيها ممن استؤمن عليها هو نوع من خيانة الأمانة. الرجوع
في إثباته إلى القواعد العامة ومن مقتضاها عدم جواز إثبات عكس ما هو ثابت في
الورقة الموقعة على بياض إلا أن تكون هناك كتابة أو مبدأ ثبوت بالكتابة. الخروج عن
هذا الأصل في حالة ما إذا كان من استولى على الورقة قد حصل عليها بغير طريق
التسليم الاختياري. اعتبار تغيير الحقيقة فيها عندئذ تزويراً. جواز إثباته بكافة
الطرق.
(ب) إثبات "طرق
الإثبات ذات القوة المحددة" "القرائن القضائية" "سلطة محكمة
الموضوع ورقابة محكمة النقض". محكمة الموضوع.
حرية قاضي الموضوع في
استنباط القرائن التي يأخذ بها من وقائع الدعوى والأوراق المقدمة فيها متى كان
استنباطه سائغاً.
(ج) إثبات "طرق
الإثبات ذات القوة المطلقة" "الإثبات بالكتابة" "تقديم
الدفاتر التجارية". محكمة الموضوع.
حق محكمة الموضوع في عدم
إجابة طلب تقديم الدفاتر التجارية.
(د) إثبات "إجراءات
الإثبات" "الإثبات بالكتابة" "طلب إلزام الخصم بتقديم ورقة
تحت يده". محكمة الموضوع.
تكليف الخصم بتقديم ورقة
تحت يده وفقاً لنص المادة 253 من قانون المرافعات متروك لتقدير المحكمة.
(هـ) إثبات "طرق
الإثبات ذات القوة المحدودة" "الإثبات بالبينة" "قوة الإثبات
المحدودة البينة" "استثناء - مبدأ الثبوت بالكتابة" "سلطة
محكمة الموضوع ورقابة محكمة النقض". محكمة الموضوع.
حق محكمة الموضوع في
اعتبار الورقة مبدأ ثبوت بالكتابة أو عدم اعتبارها بشرط أن تقيم حكمها على أسباب
سائغة.
---------------
1 - الأصل في الأوراق
الموقعة على بياض أن تغيير الحقيقة فيها ممن استؤمن عليها هو نوع من خيانة
الأمانة، ومن ثم فإنه يرجع في إثباته إلى القواعد العامة ومن مقتضاها أنه لا يجوز
إثبات عكس ما هو ثابت في الورقة الموقعة على بياض إلا أن تكون هناك كتابة أو مبدأ
ثبوت بالكتابة ولا يخرج عن هذا الأصل إلا حالة ما إذا كان من استولى على الورقة قد
حصل عليها خلسة أو نتيجة غش أو طرق احتيالية أو بأية طريقة أخرى خلاف التسليم
الاختياري فعندئذ يعد تغيير الحقيقة فيها تزويراً يجوز إثباته بكافة الطرق.
2 - قاضي الموضوع حرفي
استنباط القرائن التي يأخذ بها من وقائع الدعوى والأوراق المقدمة فيها ولا شأن
لمحكمة النقض معه فيما يستنبطه منها متى كان استنباطه سائغاً.
3 - جرى قضاء محكمة النقض
على أن الاستدلال على التاجر بدفاتره ليس حقاً مقرراً لخصم التاجر واجباً على
المحكمة إنالته إياه متى طلبه، بل إن الشأن فيه - بحسب نص المادة 17 من القانون
التجاري - أنه أمر جوازي للمحكمة إن شاءت أجابته إليه وإن شاءت أطرحته. وكل أمر
يجعل القانون فيه للقاضي خيار الأخذ والترك فلا حرج عليه إن مال لجانب دون الآخر
من جانبي الخيار ولا يمكن الادعاء عليه في هذا بمخالفة القانون.
4 - إنه وإن كانت المادة
253 من قانون المرافعات تجيز للخصم أن يطلب إلزام خصمه بتقديم أية ورقة منتجة في
الدعوى تكون تحت يده إذا توافرت إحدى الأحوال الواردة فيها، إلا أن الفصل في هذا
الطلب باعتباره متعلقاً بأوجه الإثبات متروك لقاضي الموضوع، ولمحكمة الموضوع بما
لها من سلطة التقدير أن تطرح طلب تقديم الدفاتر التجارية أو الإحالة على التحقيق
متى كانت قد كونت عقيدتها في الدعوى من الأدلة التي اطمأنت إليها.
5 - تقدير ما إذا كانت
الورقة التي يراد اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة من شأنها أن تجعل الأمر المراد
إثباته قريب الاحتمال أو لا تجعله هو اجتهاد في فهم الواقع يستقل به قاضي الموضوع
متى أقام قضاءه على استخلاص سائغ.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق
وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى
أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما
يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى
رقم 1424 سنة 1952 تجاري كلي القاهرة ضد بنك مصر يطلب إلزامه بأن يدفع له مبلغ
29257 ج وفوائده من تاريخ المطالبة الرسمية للسداد مع المصاريف والأتعاب وشمول
الحكم بالنفاذ المعجل بلا كفالة. وقال شرحاً لدعواه إنه بموجب عقد مؤرخ 8 يونيه
سنة 1950 ومحرر من صورة واحدة اتفق مع البنك على أن يفتح له اعتماداً بمبلغ مائتي
ألف جنيه بفائدة 4.5% بضمان توريد أقطان ولمدة تبدأ من 8 يونيه سنة 1950 وتنتهي في
آخر موسم القطن ونفذ البنك العقد واستمر إلى 16 أكتوبر سنة 1950 حيث فوجئ الطاعن
بخطاب من البنك يتضمن توقفه عن الاستمرار في صرف باقي الاعتماد وقدره 181000 ج
وأنه حدد للطاعن مبلغ 19000 ج كحد أقصى لرصيد حسابه بدلاً من مبلغ ال200000 ج
المتفق عليه، وإذ توقف البنك عن إمداده بالمبالغ التي يسمح بها حسابه المفتوح فقد
توقف عن الاستمرار في تمويل البائعين له وكانت النتيجة أن امتنع الكثير من هؤلاء
عن تنفيذ تعهداتهم وهبط ما تسلمه منهم إلى 4257.41 قنطاراً بدلاً من ال20340
قنطاراً التي حصل على تعهدات بتوريدها حتى 16 أكتوبر سنة 1950 كما فاته كثير من
الصفقات الأخرى التي كان يمكنه الحصول عليها وضاعت عليه مبالغ كبيرة أمد بها
البائعين له كسلفيات تمهيداً لتنفيذ الصفقات التي أبرموها معه، وقدر التعويض
المستحق له عن ذلك بمبلغ 29257 ج منه 24062 ج ربح فرق الكمية التي تعاقد مع
المنتجين على توريدها وقدرها 20340 قنطاراً والكمية التي وردوها فعلاً 4263
قنطاراً بواقع جنيه و500 م عن كل قنطار و5000 ج مقابل خسارته من وقف نشاطه التجاري
أثناء الموسم و195 ج أضافها البنك للحساب الجاري بغير حق مع حفظ حقه في الرجوع على
البنك بمبلغ 70000 ج قيمة المبالغ التي دفعها لعملائه وامتنعوا عن ردها بدعوى على
حدة. ورد البنك بأن عقد 8 يونيه سنة 1950 صريح في أن مبلغ الاعتماد هو 20000 ج لا
200000 ج، وفي 10 مايو سنة 1954 ادعى الطاعن بتزوير هذا العقد فيما يتعلق بمبلغ
الاعتماد ومؤسساً إدعاءه على أنه وقع العقد وترك رقم الاعتماد على بياض لكي يملأه
فرع البنك بالمنيا بعد موافقة المركز الرئيسي عليه وقد ملأ البنك الفراغ المتروك
لكتابة المبلغ وجعله 20000 ج بدلاً من 200000 ج، وفي 12 مايو سنة 1954 أعلن البنك
بشواهد التزوير، وفي 27 يونيه سنة 1954 قضت المحكمة بقبول إعلان شواهد التزوير
شكلاً وفي الموضوع برفض ادعاء التزوير وتغريم المدعي مبلغ خمسة وعشرين جنيهاً
للخزانة، ثم عادت وفي 28 نوفمبر سنة 1954 فقضت حضورياً برفض الدعوى وألزمت المدعي
بالمصروفات ومبلغ 300 قرش أتعاب محاماة. استأنف الطاعن حكم 27 يونيه سنة 1954 لدى
محكمة استئناف القاهرة طالباً إلغاءه والحكم بقبول شواهد التزوير وفي الموضوع برد
وبطلان عقد توريد الأقطان المؤرخ 8 يونيه سنة 1950 واعتباره مزوراً مع إلزام
المستأنف عليه بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين وقيد هذا الاستئناف
برقم 700 سنة 71 قضائية. كما استأنف حكم 28 نوفمبر سنة 1954 طالباً إلغاءه والحكم
برد وبطلان عقد توريد الأقطان المؤرخ 8 يونيه سنة 1950 واعتباره مزوراً وفي
الموضوع الحكم له على البنك بمبلغ 29257 ج والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة
الرسمية للسداد مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين وقيد هذا الاستئناف
برقم 56 سنة 72 قضائية، وقررت المحكمة ضم الاستئنافين للارتباط. وفي 25 أكتوبر سنة
1955 قضت المحكمة بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع برفضهما وتأييد الحكمين
المستأنفين الصادرين في 27 يونيه سنة 1954 و28 نوفمبر سنة 1954 وألزمت المستأنف
بالمصاريف ومبلغ ألفي قرش مقابل أتعاب المحاماة للمستأنف ضده. وقد طعن الطاعن في
هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة في التقرير، وعرض الطعن على دائرة فحص
الطعون وقررت إحالته إلى دائرة المواد المدنية والتجارية حيث أصر الطاعن على طلب
نقص الحكم ولم يحضر المطعون عليه ولم يقدم دفاعاً وقدمت النيابة العامة مذكرة
أحالت فيها إلى مذكرتها الأولى وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل السبب الأول
أن الحكم المطعون فيه وقد أيد الحكم الابتدائي فيما قرره من أن "المدعي لا
يستطيع إثبات ما يخالف ما كتب في العقد المطعون فيه المؤرخ 8 يونيه سنة 1950 إلا
بالكتابة وهو لا يمكنه الإثبات بالشهود أو القرائن إلا إذا هناك مبدأ ثبوت
بالكتابة إلا أن يكون هناك غش أو طرق احتيالية" يكون قد أخطأ في تطبيق
القانون ذلك أن قاعدة عدم جواز إثبات عكس ما هو ثابت بالكتابة إلا بالكتابة إنما
تسري على أصل الحق لا على أداة إثباته وما دام الطاعن قد طعن في العقد بالتزوير
وقرر أنه وقعه على بياض بالنسبة لرقم الاعتماد وأنه أضيف بعد توقيعه وفي غيبته
وإضراراً به فإن النزاع يكون قد انصب لا على أصل الحق ولكن على أداة إثباته
وبالطعن بالتزوير في رقم الاعتماد يفقد العقد حجيته ويصبح لا وجود له قي هذا
الخصوص ومن الخطأ أن يتكلم عنه الحكم على أنه كتابة لها كيانها لأن مؤدى ذلك أن
يصبح كل طعن بالتزوير في عقد تزيد قيمته على عشرة جنيهات لا جدوى منه طالما أنه لا
يمكن إثبات التزوير إلا بالكتابة في حين أن نصوص القانون صريحة في أن الطعن
بالإنكار أو بالتزوير يفقد الورقة كيانها وبتطبيق ذلك على واقعة الدعوى فإنه
بالطعن بالتزوير في عقد 8 يونيه سنة 1950 بخصوص رقم الاعتماد أصبح لا وجود له
ويتعين على المحكمة تحقيق واقعة ما إذا كان هذا الرقم موجوداً وقت توقيع الطاعن
على العقد أم وجد بعد ذلك وهي واقعة تثبت بكافة الطرق بما فيها البينة وقد طلب الطاعن
إثباتها بإحالة الدعوى إلى التحقيق أو تعيين خبير لإثباتها ولم تجبه المحكمة إلى
طلبه وهو خطأ في تطبيق القانون لأن الإثبات بكل الطرق وبما فيها شهادة الشهود
والقرائن جائز في دعوى التزوير - وقول الحكم المطعون فيه إن ما يدعيه الطاعن لا
يعتبر تزويراً ولا يجوز إثباته بالبينة مخالفة للقانون وتناقض لأن الطعن يدور على
أن الطاعن وقع العقد على بياض فيما يتعلق بمبلغ الاعتماد ومن قبل أن يتفق على رفعه
إلى 200000 ج وإضافة رقم الـ20000 ج بعد توقيع الطاعن وبغير إذنه يعد تزويراً، ومع
ذلك فإنه لا يلزم في الطعن بالإنكار أو بالتزوير من الناحية المدنية أن تكون هناك
جريمة تزوير بل يكفي أن ينكر الطاعن أن الكتابة أو الإضافة منه لكي يكون هناك طعن
يفقد الورقة حجيتها ويجيز إثبات التزوير بكافة الطرق.
وحيث إن هذا السبب مردود
بما أورده حكم 27 يونيه سنة 1954 القاضي برفض الادعاء بالتزوير من أنه "يبين
من مطالعة الأوراق أن طعن المدعي على عقد التعهد بتوريد الأقطان المؤرخ 8/ 6/ 1950
مؤسس على أن البنك المدعى عليه قد ملأ الفراغ الذي ترك في العقد بأن جعل قيمة
القرض عشرين ألف جنيه في حين أنه اتفق وقت تحريره على أن يكون مبلغ مائتي ألف جنيه"
وأن "المستفاد من أقوال المدعي أن العقد المؤرخ 8/ 6/ 1950 المطعون فيه قد
ترك على بياض بالنسبة لقيمة القرض وأن البنك المدعى عليه وكان قد أؤتمن على ذلك
العقد قد عبث به ووضع رقماً بالنسبة لقيمة القرض لا يتفق مع ما اتفق عليه
الطرفان" ثم أنزل حكم القانون على هذا الواقع بقوله إن "من المقر عليه
قانوناً أن المدعي لا يستطيع إثبات ما يخالف ما كتب في العقد المطعون فيه المؤرخ
8/ 6/ 1950 إلا بالكتابة وهو لا يمكنه الإثبات بالشهود أو القرائن إلا إذا كان
هناك مبدأ ثبوت بالكتابة إلا أن يكون هناك غش أو طرق احتيالية أمكن الحصول بها على
ذلك العقد ذلك لأن دفاع المدعي قائم على أن العقد المطعون فيه قد ترك على بياض
بالنسبة لقيمة القرض وقد عبث البنك بذلك الفراغ وملأه برقم للقرض حسبما أراد وعلى
عكس ما تم الاتفاق عليه" وما جرى عليه الحكم من ذلك صحيح ذلك أن الأصل في
الأوراق الموقعة على بياض أن تغيير الحقيقة فيها ممن استؤمن عليها هو نوع من خيانة
الأمانة، ومن ثم فإنه يرجع في إثباته إلى القواعد العامة ومن مقتضاها أنه لا يجوز
إثبات عكس ما هو ثابت في الورقة الموقعة على بياض إلا أن تكون هناك كتابة أو مبدأ
ثبوت بالكتابة ولا يخرج عن هذا الأصل إلا حالة ما إذا كان من استولى على الورقة قد
حصل عليها خلسة أو نتيجة غش أو طرق احتيالية أو بأية طريقة أخرى خلاف التسليم
الاختياري فعندئذ يعد تغيير الحقيقة فهيا تزويراً يجوز إثباته بكافة الطرق وهو وضع
غير قائم في الخصومة على ما استظهرتها محكمة الموضوع.
وحيث إن حاصل السبب
الثاني أن الحكم المطعون فيه وإن سلم بوجود اعتمادين بعقدين هما عقد 8 يونيه سنة
1950 الخاص بفتح اعتماد على قطن وعقد 21 يونيه سنة 1950 وهو خاص بفتح اعتماد آخر
على كمبيالات إلا أنه تناقض مع نفسه عندما قرر أن خطاب 12 إبريل سنة 1950 خاص
بالعقد الأول لا بالعقد الثاني ولم يرد على ما تمسك به الطاعن من أن هذا الخطاب
خاص بالعقد الثاني وحده لاتفاق مواعيد السداد فيهما، ومن القصور في التسبيب قول
الحكم إنه مما يؤكد عقد 8 يونيه ويقطع بأن مبلغ الاعتماد المفتوح بمقتضاه لم يكن
كبيراً كون الطاعن اقترض بعقد 21 يونيه 20000 جنيه لأن اعتماد 8 يونيه لا يقيد
الطاعن إلا بتوريد القطن وهو لا يبدأ إلا في أواخر أغسطس ولكي يتمكن الطاعن من أن
يقترض نقوداً قبل هذا التاريخ تحرر عقد 21 يونيه.
وحيث إن هذا السبب مردود
في الشق الأول منه بما أورده حكم 27 يونيه سنة 1954 من أنه "ثابت من الخطاب
المؤرخ 12/ 4/ 1950 الموقع عليه من المدعي والصادر منه لبنك مصر فرع المنيا إنه
يطلب التصريح له بسلفة قدرها عشرين ألف جنيه تسدد على أقساط بضمان توريد خمسة عشر
ألف قنطار قطن زهر أشموني" وما أضافه الحكم المطعون فيه من أن "هذا
المبلغ إن هو إلا توكيد لما طلبه المستأنف بخطابه المؤرخ 12/ 4/ 1950 والذي طلب
فيه صراحة التصريح له بسلفة قدرها عشرين ألف جنيه على أن تسدد على ثلاثة أقساط
وأبان فيه قيمة كل قسط وتاريخ استحقاقه وذلك نظير توريد خمسة عشر ألف قنطار زهر
أشموني" وما أورده الحكمان من ذلك لا ينطوي على تناقض ولا يشوبه قصور وفيه
الرد الكافي على دفاع الطاعن، ومردود في الشق الثاني بأن قاضي الموضوع حر في
استنباط القرائن التي يأخذ بها من وقائع الدعوى والأوراق المقدمة فيها ولا شأن
لمحكمة النقض معه فيما يستنبطه منها متى كان استنباطه سائغاً.
وحيث إن حاصل السبب
الثالث أن الحكم المطعون فيه وقد رفض طلب الطاعن إحالة الدعوى إلى التحقيق أو
تعيين خبير لتحقيق دفاعه يكون قد خالف القانون من ناحيتين - الأولى - إن النزاع
تجاري يجوز إثباته بالبينة وقد لجأ الطاعن في إثبات دعواه إلى دفاتره ودفاتر البنك
وهي مسجلة ومستوفية للشروط القانونية والفقرة الثانية من المادة 397 مدني صريحة في
أنه "تكون دفاتر التجار حجة على هؤلاء التجار" كما أن المادة 17 من
قانون التجارة تجيز للقضاء قبول هذه الدفاتر لأجل الإثبات في المواد التجارية
والمادة 18 منه صريحة في أنه يجوز للمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها بتقديم الدفاتر
لتستخرج منها ما يتعلق بالخصومة، وما دام القانون قد أجاز طلب هذه الدفاتر فإن
للخصم أن يطلب تقديمها طبقاً للمادة 253 مرافعات ومن باب أولى أن يطلب تعيين خبير
لمراجعتها أو انتقال المحكمة للاطلاع عليها - والثانية - إن الطاعن تمسك في دفاعه
بالبيان الثابت في كشوف حساب البنك المودعة ملف الطعن وتعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة
يجيز الإثبات بالبينة لأنها محرر صادر من البنك وثابت فيه أن قيمت الاعتماد 200000
جنيه بفائدة 4.5% ورفض الحكم المطعون فيه اعتبارها كذلك أخذاً بما قاله حكم 27/ 6/
1954 من أن الأرقام الواردة بها "أرقام مرسلة مؤشراً بها على الكشوف ولا تنبئ
عن شيء في خصوص النزاع" ولما أضافه من أن "هذه الكشوف ليس من شأنها أن
تثبت قرضاً ما قد تم أو بيان قيمته إذ هي كشوف متعددة متلاحقة ما بين وقت وآخر
يثبت فيها البنك العمليات التي تمت من صادر ووارد في فترة معينة ليكون العميل على
بينة من أمره دون أن يكون الغرض منها إثبات أصل القرض والاستئناس بها لا يكون إلا
عن الأرقام الواردة فيها نتيجة للعمليات الجارية "منه وله" أما التمسك
بأي رقم يكون موجوداً في أعلى الكشوف فليس من شأنه أن يغير من حقيقة هذه الكشوف
وإخراجها عن حقيقتها وإعطائها حجية إذ أن عقد القرض وحده هو الذي يحكم العلاقة بين
الطرفين" وهو كلام غير مستساغ لأن كشوف الحساب ملزمة ومكملة لعقد الاتفاق
المؤرخ 8 يونيه سنة 1950 وصدرت بناءً على البند السابع منه وهو يوجل إرسالها
للطاعن، ومن غير المقبول عدم التعويل عليها كمبدأ ثبوت بالكتابة.
وحيث إن هذا النعي مردود
في الشق الأول منه بما رد به حكم 27 يونيه سنة 1954 من أن "طلب المدعي ندب
خبير للاطلاع على دفاتر البنك لا محل له بعد أن استبان للمحكمة بجلاء أن العقد
المطعون فيه صحيح" وما أضافه الحكم المطعون فيه بقوله "أما طلب ندب خبير
لفحص دفاتر البنك فهذا معناه أنه يرغب في خلق دليل له الأمر الغير جائز قانوناً إذ
عليه وحده عبء الإثبات أولاً وقد عجز عن ذلك" وجرى قضاء هذه المحكمة على أن
الاستدلال على التاجر بدفاتره ليس حقاً مقرراً لخصم التاجر واجباً على المحكمة
إنالته إياه متى طلبه بل إن الشأن فيه - بحسب نص المادة 17 من القانون التجاري -
أنه أمر جوازي للمحكمة إن شاءت أجابته إليه وإن شاءت أطرحته وكل أمر يجعل القانون
فيه للقاضي خيار الأخذ والترك فلا حرج عليه إن مال لجانب دون الآخر من جانبي
الخيار ولا يمكن الادعاء عليه في هذا بمخالفته القانون. كما جرى على أنه وإن كانت
المادة 253 من قانون المرافعات تجيز للخصم أن يطلب إلزام خصمه بتقديم أية ورقة
منتجة في الدعوى تكون تحت يده إذا توافرت إحدى الأحوال الثلاثة الواردة فيها إلا
أن الفصل في هذا الطلب باعتباره متعلقاًَ بأوجه الإثبات متروك لقاضي الموضوع،
ولمحكمة الموضوع بما لها من سلطة التقدير أن تطرح طلب تقديم الدفاتر التجارية أو
الإحالة على التحقيق متى كانت قد كونت عقيدتها في الدعوى من الأدلة التي اطمأنت
إليها ومردود في الشق الثاني بأن تقدير ما إذا كانت الورقة التي يراد اعتبارها
مبدأ ثبوت بالكتابة من شأنها أن تجعل الأمر المراد إثباته قريب الاحتمال أولاً
تجعله هو اجتهاد في فهم الواقع يستقل به قاضي الموضوع متى أقام قضاءه على استخلاص
سائغ.
وحيث إن حاصل السبب
الرابع أن الحكم المطعون فيه وقد عول في قضائه على ما تسمك به البنك من أن البندين
الرابع والسابع من عقد 8 من يونيه سنة 1950 يعطيانه الحق في الاستمرار في فتح
الاعتماد أو قفله يكون قد أخطأ في تفسير العقد وفي تطبيق القانون لأن عقد 8 من
يونيه هو عقد تبادلي بمقتضاه تعهد الطاعن بتوريد أقطان مقابل فتح الاعتماد من
البنك وقد نص في البند الأول منه على أنه بمجرد إيداع القطن يصبح مرهوناً للبنك
ونص في البند الثاني على أن الاحتياطي أو الفرق بين الحساب الجاري وقيمة البضاعة
يكون بنسبة 25% من قيمتها بحيث إذا أودع الطاعن قطناً وقبل البنك الإيداع فإنه
يصبح ملزماً بدفع 75% من قيمته قرضاً للطاعن ومن المخالفة لنصوص العقد أن يقال إن
القطن يودع لحساب البنك ثم يكون من حقه أن يرفض دفع القرض لأن حق البنك في قفل
الاعتماد أو تخفيضه دون إبداء الأسباب مقيد بما قبل الإيداع وقد بين الطاعن في
دفاعه لدى محكمة الاستئناف أنه ورد للبنك 75ر2984 قنطاراً من القطن قيمتها 74469 ج
و512 م بينما لم يكن قد استلم إلا 190000 ج وأوقف البنك الاعتماد عند هذا الحد
مخالفاً نصوص العقد كما بين أن كشوف الحساب الجاري بينه وبين البنك تعتبر رابطة
قانونية قائمة بذاتها ولم ترد المحكمة على هذا الدفاع الجوهري. كذلك تمسك الطاعن
في دفاعه لدى محكمة الاستئناف بأن تصرف البنك باستلام القطن وعدم سداده 75% من
قيمته يعتبر تعسفاً من جانبه في استعمال الحق لأن المصالح التي يحققها لا تتناسب
البتة مع ما أصاب الطاعن من ضرر وإن عقد 8 من يونيه هو من عقود الإذعان لأنه عقد
مطبوع ومحرر من صورة واحدة، ولم يرد الحكم المطعون فيه على دفاع الطاعن بالنسبة للتعسف
في استعمال الحق مع أنه دفاع جوهري، ورد بأن عقد 8 من يونيه ليس من عقود الإذعان
ولا تنطبق عليه المادتان 100، 149 مدني وهو خطأ في تطبيق القانون لأن العقد مطبوع
ومن صورة واحدة ولا يقبل البنك أي مناقشة في شروطه والبنوك عامة تحتكر هذا العمل
والمنافسة بينها محدودة. هذا وفي جلسة 4/ 10/ 1955 أبان الطاعن في دفاعه ما يهدم
ادعاء البنك أن عقد 8 من يونيه كان تأييداً لخطاب 12 أبريل ولم يثبت شيء من هذا
الدفاع في محضر الجلسة ولم تصرح المحكمة بتقديم مذكرات وفي هذا إخلال بحق الطاعن
في الدفاع لأن دفاعه هذا لم يكن أمام المحكمة ولم ترد عليه.
وحيث إن هذا السبب مردود
- أولاً - بأن الطاعن لم يؤسس دعواه التعويض على أن البنك لم يدفع له ما اتفق على
دفعه من ثمن الأقطان التي وردها ولكن على أن مبلغ الاعتماد 200000 ج وجعله البنك
20000 ج خلافاً لما اتفق عليه. وقد أقام الحكم المطعون فيه قضاءه في هذا الخصوص
على دعامة أساسية هي عدم جواز إثبات عكس ما هو ثابت في العقد إلا بالكتابة أو عن
طريق مبدأ الثبوت بالكتابة واتخذ من نصوص البندين الرابع والسابع قرينة - مضافة
إلى القرائن التي ساقها - على نفي شواهد التزوير وذلك بما قرره من أنه "مما
يزيد الأمر وضوحاً وإن الأمر ليس في حاجة إلى تزوير أو إحداث تغيير في رقم القرض
ما هو مشروط في البند الرابع من العقد المطعون فيه ونصه "للبنك الحق المطلق
في الاستمرار في فتح الاعتماد أو إقفاله بالكلية أو تخفيضه بغير أن يكون في حالة
من الأحوال ملزماً بتوضيح أسبابه" وجاء في البند السابع "للبنك مطلق
الحق دائماً وفي كل الأحوال أن يقفل الحساب قبل نهاية أجله بدون أن يكون ملزماً
ببيان الأسباب وفي هذه الحالة نكون ملزمين - المقترض وهو هنا المستأنف - بسداد
الرصيد في ظرف أسبوع من تاريخ إخطارنا بقفل الحساب" وهذان البندان معترف بهما
ولا مطعن عليهما من المستأنف، ومتى وضح ذلك فإن في استطاعة البنك إعمالاً لهذين
البندين أن يوقف الصرف وأن يقلل قيمة القرض وأن يقلل الاعتماد دون بيان الأسباب أي
ليس في حاجة إلى إحداث تغيير ما". ومتى كان ذلك فإنه لا يجوز النعي على الحكم
بمخالفة القانون في خصوص استنباطه لهذه القرينة، كما لا يجوز الجدل أمام هذه
المحكمة في مقدار ما أودعه الطاعن من أقطان لدى البنك ومدى ما يلتزم البنك بدفعه
من ثمنها طبقاً للبندين الأول والثاني من عقد 8 يونيه وإنه من عقود الإذعان إذ هو
جدل خارج عن موضوع الخصومة ولا يتسع له نطاقها وقد تحددت في مبلغ الاعتماد وقطع
الحكم بأنه 20000 ج لا 200000 ج مما يجعل كل جدل خارج عن هذا النطاق غير منتج ولا
جدوى فيه. ومردود - ثانياً - بأن محضر الجلسة حجة فيما ورد فيه وظاهر من مذكرة
الطاعن لدى محكمة الاستئناف أنه ناقش الحكم الابتدائي فيما قرره بخصوص خطاب 12
أبريل ومدى اتصاله بعقد 8 يونيه، وقد رد الحكم المطعون فيه على هذا النظر بما فيه
الكفاية وبما ينتفي معه مظنة الإخلال بحق الطاعن في الدفاع.
وحيث إنه لما تقدم يتعين
رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق