جلسة 30 من ديسمبر سنة 1952
برياسة حضرة رئيس المحكمة
أحمد محمد حسن؛ وبحضور حضرات المستشارين: إبراهيم خليل ومحمد أحمد غنيم وإسماعيل
مجدى ومصطفى حسن.
----------------
(113)
القضية رقم 1109 سنة 22
القضائية
استئناف.
حق المتهم في الاستئناف.
مناطه مقدار العقوبة المحكوم بها. حق النيابة. مناطه ما تبديه من طلبات. القول بأن
للنيابة أن تستأنف أى حكم صادر في الجنح أو المخالفات يزيد الحد الأقصى للغرامة
المقررة لها على خمسة جنيهات مهما كان مقدار الغرامة المحكوم بها قليلا أو كثيرا.
غير صحيح.
-----------------
إنه يبين من نص المادة
402 من قانون الإجراءات الجنائية والمادتين 403و404 والمادة 405 أن المشرع قد بين
على سبيل الحصر الأحوال التي يجوز فيها الاستئناف في مواد المخالفات والجنح وأن ما
عدا ذلك من الأحكام الصادرة من المحكمة الجزئية في هذه المواد لا يجوز استئنافه.
والعبارات التي استعملها الشارع في المادة 402 سواء في فقرتها الأولى أو الثانية
صريحة في التفرقة بين مناط المتهم في الاستئناف الذي جعله المشرع تابعا لمقدار
العقوبة المحكوم بها وبين حق النيابة في الاستئناف الذي علقه على ما تبديه من
طلبات. والتعبير بعبارة "إذا طلبت الحكم" إنما ينصرف إلى ما تطلبه
النيابة في الواقع من المحكمة سواء أكان هذا الطلب قد ضمنته ورقة التكليف بالحضور
أم ابدته شفويا بالجلسة. وإذن فغير سديه القول بأن للنيابة أن تستأنف الحكم الصادر
في أية جنحة يزيد الحد الأقصى للغرامة المقررة لها على خمسة جنيهات مهما نقص مقدار
الغرامة المحكوم بها.
الوقائع
اتهمت النيابة العمومية
رئيفة غندور بشاي (المطعون ضدها) بأنها أحدثت بعزيزة مدبولي الإصابات الموصوفة
بالكشف الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على العشرين يوما, وطلبت عقابها
بالمادة 242/ 1 من قانون العقوبات ومحكمة بولاق الجزئية قضت بتغريم المتهمة مائة
قرش. فاستأنفت النيابة هذا الحكم والمحكمة الاستئنافية قضت حضوريا بعدم جواز
الاستئناف. فطعنت النيابة بطريق النقض... الخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه قد
خالف القانون إذ قضى بعدم جواز الاستئناف المرفوع من النيابة عن الحكم الصادر من
المحكمة الجزئية بتغريم المتهمة مائة قرش تطبيقا للمادة 242 من قانون العقوبات
تأسيسا على أن النيابة لم تطلب في الجلسة سوى تطبيق المادة المشار إليها وقد
طبقتها المحكمة وقضت بغرامة في حدود العقوبة المقررة بها, وأن المادة 402 من قانون
الإجراءات الجنائية تنص على جواز استئناف النيابة للأحكام الصادرة من المحاكم
الجزئية في المخالفات والجنح إذا طلبت الحكم بغير الغرامة والمصاريف أو بغرامة
تزيد على خمسة جنيهات وحكم ببراءة المتهم أو لم يحكم بما طلبته - ذلك على ما تقول
النيابة في الطعن بأن المشرع إذ نص في المادة 402 من قانون الإجراءات الجنائية على
أنه يجوز للنيابة أن تستأنف الأحكام الصادرة في المخالفات والجنح إذا طلبت الحكم
بغير الغرامة والمصاريف أو بغرامة تزيد على خمسة جنيهات, فإنه لم يقصد بذلك أن
يخول للنيابة سلطة طلب مقدار معين من عقوبة معينة فيرتب جواز استئنافها للحكم على
عدم إجابته طلباتها لما في ذلك من مجافاة لطبيعة الدعوى الجنائية والأسس التي يقوم
عليها نظام العقوبة في قانون العقوبات من ترك الحرية للقاضي في تقدير العقوبة حسب
وقائع كل دعوى في نطاق الحدود المقررة للجريمة بالقانون, بل أن كل ما يجوز للنيابة
إبداؤه هو بيان ظروف الدعوى وما يستدعي منها تشديد العقاب دون أن يحل لها أن
تتجاوز ذلك إلى تحديد ما يحكم به من عقوبة بعينها فتطلب قدرا معينا من الغرامة أو
مدة معينة من الحبس. ولما كانت الفقرة الأولى من المادة 402 المشار إليها قد جعلت
مناط جواز استئناف المتهم هو العقوبة المقضي بها بينما جعلته بالنسبة للنيابة
منوطا بطلباتها, فان التفسير الصحيح هو أن النيابة إذا طلبت تطبيق مادة تنص على
غرامة يزيد حدها الأقصى على خمسة جنيهات, فإنها تعتبر أنها طلبت الحكم بغرامة تزيد
على خمسة جنيهات, والقول بغير ذلك يجعل معيار الاستئناف مختلفا بالنسبة إلى النيابة
عنه بالنسبة إلى المتهم, مما يترتب عليه نتيجة عجيبة هى إجازة الاستئناف للمتهم في
أحوال لا يجوز ذلك للنيابة فيها.
وحيث إن قانون الإجراءات
الجنائية إذ تحدث عن الاستئناف في الباب الثاني من الكتاب الثالث الخاص بطرق الطعن
في الأحكام قد نص في المادة 402 على ما يأتي: "يجوز استئناف الأحكام الصادرة
في الدعوى الجنائية من المحكمة الجزئية في المخالفات وفي الجنح: 1 - من المتهم إذا
حكم عليه بغير الغرامة والمصاريف أو بغرامة تزيد على خمسة جنيهات - 2 - من النيابة
العامة إذا طلبت الحكم بغير الغرامة والمصاريف أو بغرامة تزيد على خمسة جنيهات,
وحكم ببراءة المتهم أو لم يحكم بما طلبته" والواضح من هذا النص ومن نصوص
المادتين 403, 404 التي صدرت بعبارة "يجوز الاستئناف" ومن نص المادة 405
التي صدرت بعبارة:"لا يجوز قبل أن يفصل في موضوع الدعوى استئناف الأحكام التحضيرية"
أن المشرع قد بين على سبيل الحصر الأحوال التي يجوز فيها الاستئناف, وأن ما عدا
ذلك من الأحكام الصادرة من المحكمة الجزئية في مواد المخالفات والجنح فإنه لا يجوز
استئنافه, ولما كانت العبارات التي استعملها في المادة 402 سواء في فقرتها الأولى
أو الثانية صريحة في التفرقة بين مناط حق المتهم في الاستئناف الذي جعله المشرع
تابعا لمقدار العقوبة المحكوم بها, وبين حق النيابة الذي علقه على ما تبديه من
طلبات, وكان التعبير بعبارة "إذا طلبت الحكم" إنما ينصرف إلى ما تطلبه
في الواقع من المحكمة سواء أكان هذا الطلب قد ضمنته ورقة تكليف المتهم بالحضور أم
أبدته شفاهيا بالجلسة. ولو أراد المشرع أن يجعل حق النيابة في الاستئناف مترتبا
على الحد الأقصى للعقوبة المقررة في النص الذي تطلب معاقبة المتهم بمقتضاه, لما
أعجزه النص على ذلك بعبارة يسيرة صريحة لا تحتاج إلى التأويل والتخريج الذي نذهب
إليه النيابة. على أنه لو أخذ بنظرية النيابة من أن لها أن تستأنف الحكم الصادر في
أية جنحة يزيد الحد الأقصى للغرامة المقررة لها على خمسة جنيهات مهما نقص مقدار
الغرامة المحكوم بها, لكانت النتيجة أن يفتح باب الاستئناف للنيابة في أحوال هو
مغلق فيها في وجه المتهم الذي لا يجوز له الاستئناف إلا إذا كانت الغرامة المحكوم
بها عليه تزيد على خمسة جنيهات, وهذه النتيجة لا يمكن أن يكون المشرع قد قصدها,
ويكون الاستدلال بغرابة نتيجة التفرقة بين مناط حق المتهم والنيابة في الاستئناف
ساقطا, إذ لاشك في أن التوسيع على المتهم في الاستئناف في أحوال لا يقبل فيها
استئناف النيابة أولى من العكس الذي يرمي إلى التوسيع على النيابة في أحوال لا
يجوز للمتهم فيها أن يستأنف. هذا إلى أن نص القانون صريح في المعنى الأول دون
الثاني - لما كان كل ذلك, فإن ما ساقته النيابة في الطعن لا يكون له محل.
وحيث إنه لا يجدي في هذا
المقام القول بأن تقدير العقوبة من شئون قاضي الموضوع, وأن ليس للنيابة أن تعتدي
على ما خصه به القانون من حرية التقدير, فإنه ليس مما يؤثر في هذه الحرية أن تبسط
النيابة للقاضي ظروف الدعوى الموجبة في رأيها لتشديد العقوبة, أو الحكم بنوع من
العقوبات المقررة في القانون للجريمة, أو بعقوبة لا تقل عن قدر معين من الغرامة,
أو عن مدة معينة من الحبس, ليس ذلك مما يؤثر في حرية القاضي ما دام له هو أن يقضي
بما يراه, وما دام القانون قد رتب حقها في الاستئناف على ذلك.
وحيث إنه باستقراء
الأعمال التحضيرية لقانون الإجراءات الجنائية, يتبين أن اللجنة المؤلفة لتعديل
القانون كانت قد اقترحت هذه القيود على حق الاستئناف سواء بالنسبة للمتهم أو
النيابة, ولكنها قصرت ذلك على الجرائم البسيطة, وأن يكون المقياس هو عين المقياس
الذي اتبع في صدد الأوامر الجنائية, أما الجرائم التي لا يجوز إصدار العقوبة فيها
بأمر جنائي, فقد رأت إطلاق حق الاستئناف بالنسبة للنيابة والمتهم, فيكون للمتهم أن
يستأنف كل حكم من هذه الأحكام, كما يجوز للنيابة أن تستأنف أي حكم صادر فيها
بالبراءة أو الإدانة "بغير نظر إلى طلباتها في الجلسة" (على ما عبرت به
اللجنة), فلما عرض المشروع على البرلمان, رأى مجلس الشيوخ أن لا وجه لهذه التفرقة,
وعدل النص بما يسوي بين الأحكام في الجنح الصادرة من المحاكم الجزئية, ووافق مجلس
النواب على ذلك, ثم صدر القانون بما رآه المجلسان. ويتضح من ذلك أن اللجنة التي
استحدثت هذه النصوص, قد ذكرت صراحة في مذكرتها أن العبرة في طلبات النيابة هي بما
تبديه في الجلسة, وأن التفرقة في المقياس بين حق المتهم وحق النيابة في الاستئناف
مقصودة من واضعي النصوص.
وحيث إنه مع صراحة النص
واتفاقه مع الغرض الذي أفصحت عنه الأعمال التحضيرية للقانون, لا يكون هناك محل
للاجتهاد الذي تذهب إليه النيابة, ولا الاستئناس بالتشريعات الأجنبية, ويتعين لذلك
رفض الطعن. أما ما تقوله النيابة من أن محكمة أول درجة قد تسرعت بالفصل في الدعوى
قبل أن تستكمل عناصرها لعدم ورود ما يدل على شفاء المجني عليها, وأن المحكمة
الاستئنافية جارتها في ذلك, فلا وجه له ما دامت النيابة قد قامت الدعوى على
المتهمة, وطلبت من المحكمة الجزئية معاقبتها بمقتضى المادة 242 من قانون العقوبات
التي تعاقب على الضرب الذي لا تبلغ جسامته ما نص عليه في المادتين السابقتين
عليها, ولم تبين للمحكمة أن عناصر الدعوى كانت غير مستكملة وقد أصدرت المحكمة
حكمها بناء على ذلك حكما غير جائز استئنافه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق