الطلب رقم واحد لسنة 32 ق " تفسير " جلسة 14 / 3 / 2010
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة المنعقدة يوم الأحد 14 مارس سنة 2010 م ، الموافق 28 من ربيع أول سنة 1431 هـ .
برئاسة السيد المستشار / فاروق أحمد سلطان رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : محمد عبد القادر عبد الله وماهر سامى يوسف والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / حمدان حسن فهمى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت القرار الآتي
فى الطلب رقم واحد لسنة 32 قضائية " تفسير " المقدم من السيد المستشار وزير العدل
الإجراءات
بتاريخ الثامن عشر من فبراير 2010 ، ورد إلى المحكمة كتاب السيد المستشار وزير العدل بطلب تفسير نصى البند (1) من المادة (73) ، والفقرة الثالثة من المادة (83) من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972 ، وذلك بناء على طلب السيد الدكتور رئيس مجلس الوزراء .
وبعد تحضير الطلب أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونظر الطلب على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار القرار فيه بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .
حيث إن السيد رئيس مجلس الوزراء قد طلب تفسير البند (1) من المادة (73) من قانون مجلس الدولة الذى ينص على أنه : يشترط فيمن يعين عضواً في مجلس الدولة (1) أن يكون مصرياً متمتعاً بالأهلية المدنية الكاملة ، وكذا تفسير الفقرة الثالثة من المادة (83) من القانون ذاته والتي يجرى نصها كالتالي : " ويعين باقي الأعضاء والمندوبون المساعدون بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس الخاص للشئون الإدارية " وأوضح رئيس مجلس الوزراء بأنه قد ثار خلاف بين المجلس الخاص للشئون الإدارية لمجلس الدولة والجمعية العمومية للمجلس بشأن تطبيق هذين النصين فيما يتعلق بمدى جواز تعيين السيدات في وظيفة مندوب مساعد بالمجلس ، وصاحب السلطة في الموافقة على هذا التعيين - حال جوازه - وما إذا كانت هذه السلطة للمجلس الخاص وحده ، ومدى خضوعه في ممارسته لها لرقابة الجمعية العمومية للمجلس ، نظراً لما لهذه المسألة من أهمية بالغة تتصل بالمبادئ الدستورية ومن أهمها حقوق المواطنة والمساواة مما يستلزم ضرورة الوقوف على التفسير الصحيح لهذين النصين ذلك أن المجلس الخاص وافق على جواز تعيين السيدات بالوظائف القضائية بالمجلس باعتباره مختصا بذلك وأعلن بالفعل في 24/8/2009 عن فتح باب تقدم السيدات للتعيين في وظيفة مندوب مساعد بالمجلس ، في حين رفضت الجمعية العمومية في 15/2/2010 ذلك الأمر بحسبانه داخلاً في اختصاصها ، وأضاف رئيس مجلس الوزراء في كتابه إلى وزير العدل ، أنه لما كانت المحكمة الدستورية العليا وفقاً لقانونها هى المختصة بتفسير نصوص القوانين إذا أثارت خلافاً في التطبيق وكان لها من الأهمية ما يقتضى توحيد تفسيرها ، فإنه يطلب اتخاذ إجراءات عرض طلب التفسير على المحكمة الدستورية العليا لتصدر قرارها بتفسير نص البند (1) من المادة (73) من قانون مجلس الدولة لبيان ما إذا كانت لفظة " مصرياً " الواردة به تتسع للمصريين من الجنسين ، أم تنحصر في الذكور منهم دون الإناث ، وتفسير نص الفقرة الثالثة من المادة (83) من القانون ذاته ، لبيان ما إذا كانت سلطة المجلس الخاص للشئون الإدارية لمجلس الدولة في شأن تعيين المندوبين المساعدين بالمجلس هي سلطة استئثارية أم لا ؟ وما إذا كان للجمعية العمومية لمجلس الدولة أي اختصاصات في هذا الشأن . ومن ثم تقدم وزير العدل بطلبه الماثل .
وحيث إن المادة (175) من الدستور تنص على أن " تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح ، وتتولى تفسير النصوص التشريعية ، وذلك كله على الوجه المبين في القانون ". وإعمالاً لهذا التفويض نصت المادة (26) من قانون المحكمة الدستورية العليا بالقانون رقم 48 لسنة 1979 على أن " تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية ، والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وفقاً لأحكام الدستور وذلك إذا أثارت خلافاًَ في التطبيق وكان لها من الأهمية ما يقتضى توحيد تفسيرها " .
وحيث إن البين من هذين النصين ، أن إعمال هذه المحكمة لسلطتها في مجال التفسير التشريعي المنصوص عليه في قانونها وعلى ما جرى به قضاؤها يخولها تفسير النصوص القانونية تفسيراً ملزماً للناس أجمعين، نافذاً في شأن السلطات العامة ، والجهات القضائية على اختلافها ، تكشف فيه عن إرادة المشرع التي صاغ على ضوئها هذه النصوص ، وحقيقة ما أراده منها، وتوخاه بها ،محدداً لدلالتها تحديداً جازماً لا تعقيب عليه ، ولا رجوع فيه، وقوفاً عند الغاية التي استهدفها من تقريره إياها ، بلوغاً إلى حسم ما ثار من خلاف بشأنها ، حتى تتحدد نهائياً المراكز القانونية للمخاطبين بأحكامها ، على ضوء هذا التفسير الملزم.
وحيث إن مناط قبول تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين التي يصدرها رئيس الجمهورية وفقاً لما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة أن تكون للنص التشريعي المطلوب تفسيره أهمية جوهرية ، تتحدد بالنظر إلى طبيعة الحقوق التي ينظمها ، ووزن المصالح المرتبطة بها، وأن يكون هذا النص فضلاً عن أهميته قد أثار في تطبيقه خلافاً سواء بالنظر إلى مضمونه أو الآثار التي يرتبها ، ويقتضى ذلك أن يكون الخلاف حوله مستعصياً على التوفيق متصلاً بذلك النص في مجال إنفاذه أو آثاره ، نابذاً وحدة القاعدة القانونية في شأن يتعلق بمعناه ودلالته مفضياً إلى تعدد تأويلاته ، وتباين المعايير التى ينتقل إليها من صورته اللفظية إلى جوانبه التطبيقية ليؤول عملاً إلى التمييز فيما بين المخاطبين بحكمه فلا يعاملون جميعهم وفق مقاييس موحدة ، بل تتعدد تطبيقاته بما يحتم رد هذا النص إلى مضمون موحد يتحدد على ضوء استصفاء إرادة المشرع منه ضماناً لتطبيقه تطبيقاً متكافئاً بين جميع المخاطبين به .
وحيث إنه بالنسبة لطلب تفسير البند (1) من المادة (73) من قانون مجلس الدولة والذى يجرى نصه على أنه : " يشترط فيمن يعين عضواً في مجلس الدولة . (1) أن يكون مصرياً متمتعاً بالأهلية المدنية الكاملة . فإنه مع التسليم بأهميته ، لم يثر خلافاً في التطبيق ، إذ لم ينازع أحد في انطباقه على كل من يحمل الجنسية المصرية . ولم يختلف الرأي حول تفسير مدلوله ، ومن ثم يكون طلب التفسير في هذا الشق منه قد افتقد مناط قبوله لعدم توافر شرائطه القانونية ، متعيناً معه - والحال كذلك - التقرير بعدم قبوله .
وحيث إنه عن طلب تفسير الفقرة الثالثة من المادة (83) من قانون مجلس الدولة المشار إليه والتي تنص على أن : " ويعين باقي الأعضاء والمندوبون المساعدون بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس الخاص للشئون الإدارية " فقد توافر الشرطان اللذان تطلبهما المشرع لقبول طلب التفسير بالنسبة لهذا النص ، وذلك لما وقع في شأنه من خلاف في التطبيق بين المجلس الخاص للشئون الإدارية ، والجمعية العمومية للمجلس ، وقد تجلت أوجه هذا الخلاف فيما وقفت عليه المحكمة مما هو ثابت بالأوراق في تضارب قرارات المجلس الخاص ذاته في هذا الشأن ، ثم في تعارضها مع ما أصدرته الجمعية العمومية ، ففى اجتماعه بتاريخ24/8/2009 وافق المجلس بالإجماع على الإعلان المقترح للتعيين في وظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة من خريجى وخريجات كلية الحقوق ، والشريعة والقانون ، والشرطة دفعتي 2008 ، 2009 ، وفى اجتماعه يوم 16/11/2009 وافق المجلس بالإجماع على بدء المقابلات الشخصية للمتقدمين للتعيين في وظيفة مندوب مساعد من دفعتي 2008 ، 2009 وفقاً للجدول الزمنى المعروض ، وبجلسة 18/1/2010 نظر المجلس " ضمن بند ما استجد من أعمال " المذكرة المقدمة من بعض السادة المستشارين أعضاء مجلس الدولة برغبتهم في عقد جمعية عمومية لمناقشة أمر تعيين المرأة في المناصب القضائية ( الفنية ) بالمجلس ، وقد اختلف الرأي بين السادة المستشارين أعضاء المجلس الخاص فيما إذا كان موضوع تعيين الإناث من اختصاص المجلس الخاص أم أن للجمعية العمومية لمستشاري المجلس اختصاصاً في هذا الأمر ، وقد وافقت أغلبية أعضاء المجلس الخاص بهذه الجلسة على السير في اجراءات التعيين للدفعتين 2008 ، 2009 ، وفى حال انعقاد الجمعية العمومية لمستشاري مجلس الدولة تعرض توصياتها على المجلس الخاص ليتخذ القرار النهائي في هذا الشأن . وبتاريخ 15/2/2010 عقدت الجمعية العمومية لمجلس الدولة اجتماعاً بشأن تعيين المرأة في الوظائف الفنية ( القضائية ) بمجلس الدولة انتهى إلى رفض الجمعية بالأغلبية تعيين المرأة ، وأصدرت قرارها بناء على هذه النتيجة برفض تعيين المرأة في الوظائف الفنية ( القضائية ) بمجلس الدولة مع عدم الاعتداد بما تم من إجراءات بشأن تعيينها في تلك الوظائف ، كما وافقت الجمعية على إصدار بيان في خصوص قرارها المشار إليه جاء فيه : " تؤكد الجمعية العمومية لمجلس الدولة على أن جميع المسائل الهامة ومنها ما يتعلق بتكوين وتشكيل المجلس وتنظيمه على غرار الموضوع الماثل يتعين عرضها على الجمعية العمومية لمجلس الدولة لتتخذ بشأنها القرارات المناسبة ، وفى هذا السياق تؤكد الجمعية العمومية على أن قراراتها الصادرة في هذه الجلسة هي قرارات ملزمة ويتعين إعمال مقتضاها شأنها شأن سائر قرارات الجمعية العمومية لمجلس الدولة .
ومفاد ما تقدم في مقام إبراز الخلاف القائم بين الجهتين المذكورتين أن الجمعية العمومية للمجلس في اجتماعها يوم 15/2/2010 أسبغت على ما صدر عنها وصف " قرار" برفض تعيين المرأة في الوظائف القضائية مع عدم الاعتداد بما تم من إجراءات بشأن تعيينها في تلك الوظائف ، بالمخالفة لما كان المجلس الخاص قد أصدره من قرارات واتخذه من إجراءات ، وقد أعقبت الجمعية العمومية قرارها ببيان أكدت فيه على اختصاصها بكل ما يتعلق بتكوين وتشكيل المجلس وتنظيمه على غرار الموضوع المعروض، وأن قراراتها في هذا الشأن ملزمة ويتعين إعمال مقتضاها . وقد انداحت دائرة هذا الخلاف وتعمقت ، وتعددت أطرافها وتمثل ذلك في صدور قرار رئيس مجلس الدولة رقم 92 لسنة 2010 بتاريخ 22/2/2010 والذى نص في مادته الأولى على أن " تستكمل إجراءات تعيين من تقررت صلاحيتهم من بين المتقدمين لشغل وظيفة مندوب مساعد من خريجي وخريجات دفعتي 2008 ، 2009 وذلك بعد استيفاء التحريات اللازمة واجتياز الكشف الطبي تمهيداً للعرض على المجلس الخاص لاستصدار قرار رئيس الجمهورية بهذا التعيين. مرجحاً في هذا المجال حسبما يتبين من ديباجة القرار السالف ذكره القرارات الصادرة من المجلس الخاص بالموافقة على اتخاذ إجراءات تعيين المندوبين المساعدين ،على القرار الأخير للمجلس الصادر بالرفض .
وحيث إن النص التشريعي السابق ذكره محل طلب التفسير انتظمه قانون مجلس الدولة ، وهو من قوانين السلطة القضائية ، ويعد أحد القوانين المكملة للدستور ، فضلاً عن أنه يتعلق بتحديد سلطة التعيين بالنسبة للوظائف القضائية بالمجلس . بما ينبئ عن بالغ أهمية هذا النص وهو ما يستوجب توحيد تفسيره ، إرساء لمدلوله القانوني السليم ، وتحقيقاً لوحدة تطبيقه ومن ثم فإن طلب التفسير الماثل بالنسبة لهذا النص يكون مقبولاً .
وحيث إن طلب التفسير على نحو ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة يدور ابتداء وانتهاء حول استكناه الإرادة التي أضمرها المشرع ، وكشف عنها في النصوص القانونية المطلوب تفسيرها ، فيكون عمل المحكمة الدستورية العليا تحديداً لما هيتها من خلال الاعتماد على كل العناصر التي تعينها على استخلاص حقيقتها ، كالأعمال التحضيرية التي تتصل بالنصوص القانونية محل التفسير ، وكالوثائق التاريخية التي عاصرتها أو تقدمتها ، وكان لها شأن في بلورة هذه النصوص ، أو التمهيد لها ، أو الإيحاء بها ، باعتبار أن ذلك كله يقود إلى استظهار إرادة المشرع ، فلا يكون ما قصده منها إلا عين التفسير ذاته الذى قررته المحكمة .
وحيث إن البين من تطور قوانين مجلس الدولة أن أول قوانين المجلس وهو الصادر برقم 112 لسنة 1946 قد خلت نصوصه من تنظيم لمجلس خاص للشئون الإدارية ، في حين نظمت المادة (15)منه طريقة تشكيل المجلس وتعيين أعضائه فنصت على أن " يشكل مجلس الدولة من رئيس ووكيل ومن مستشارين ويكون تعيينهم وإلحاقهم بالأقسام بمرسوم يصدر بناء على عرض وزير العدل وموافقة الجمعية العمومية .
ثم حددت المادة 17 من القانون ذاته كيفية تشكيل الجمعية العمومية للمجلس وبينت اختصاصاتها فنصت على أن " تشكل الجمعية العمومية لمجلس الدولة من جميع مستشاريه ولا يكون انعقادها صحيحاً إلا بحضور الأغلبية المطلقة لأعضائها . وتختص ،فيما عدا ما هو مبين بهذا القانون بالمسائل الآتية :
(أ) مراجعة مشروعات القوانين واللوائح والمراسيم والقرارات التي يتولى قسم التشريع صياغتها .
(ب) إعداد التشريعات التفسيرية التي يصدرها مجلس الوزراء في الأحوال التي يخولها القانون فيها هذا الحق .
(ج) إبداء الرأي مسبباً في المسائل الدولية والدستورية والتشريعية التي تحال عليها بسبب أهميتها من أحد الوزراء أو من رئيس أحد مجلسي البرلمان أو من رئيس الدولة .
ثم صدر بعد ذلك قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 9 لسنة 1949 ونص في المادة 42 منه على أن " يكون تعيين رئيس مجلس الدولة ووكيليه ومستشاريه وموظفيه الفنيين عدا المندوبين المساعدين بمرسوم يصدر بناء على عرض وزير العدل .... ويكون تعيين المندوبين المساعدين بقرار من وزير العدل بعد أخذ رأى الجمعية العمومية للمجلس.... " .
ثم صدر القانون رقم 165 لسنة 1955 ناصاً في المادة 55 على أن " يكون تعيين أعضاء مجلس الدولة بقرار من مجلس الوزراء بناء على عرض رئيس هذا المجلس . ويعين رئيس مجلس الدولة ووكي لاه ووكلاؤه المساعدون بترشيح من رئيس مجلس الوزراء وموافقة الجمعية العمومية لذلك المجلس ، أما من عدا هؤلاء من أعضاء المجلس فيقترح المجلس الخاص للشئون الإدارية تعيينهم على الوجه المبين في اللائحة الداخلية ..... " .
وكان المشرع قد استحدث المجلس الخاص للشئون الإدارية بحكم المادة 57 منه مبينة تشكيل هذا المجلس من سبعة أعضاء ، برئاسة رئيس المجلس وعضوية وكيلي المجلس والوكلاء المساعدين ، فإن لم يُستوف العدد من الوكلاء المساعدين استكمل التشكيل من المستشارين بحسب أقدميتهم ، كما نصت المادة ذاتها على اختصاص هذا المجلس المستحدث بالموافقة على تعيين أعضاء المجلس . وفى الآن ذاته فقد أبقى القانون على الجمعية العمومية للمجلس والتي نص عليها في المادة 47 ، محافظاً على تشكيلها من جميع مستشاري المجلس ، وعهد برئاستها إلى رئيس المجلس ، وجعل اختصاصها الرئيسي إلى جان بما هو مبين في القانون – وضع اللائحة الداخلية للمجلس ، كما قصر دور الجمعية العمومية في شأن تعيين الأعضاء ، على تعيين رئيس مجلس الدولة ووكيليه والوكلاء المساعدين ، أما ما عدا هؤلاء من الأعضاء الفنيين فناط أمر تعيينهم باقتراح المجلس الخاص ، إلا أن الاختصاص المعقود للأخير لم يكن طليقاً من قيود أُوكل وضعها للجمعية العمومية للمجلس ، إذ أردف النص أن اقتراحات المجلس الخاص ، في شأن التعيينات ، يكون على النحو المبين بلائحة المجلس وهى اللائحة التى تختص بوضعها الجمعية العمومية ، الأمر الذى احتفظت معه الجمعية العمومية بالاختصاص – ولو بطريق غير مباشر – بتعيين الأعضاء دون الوكلاء المساعدين ، بمقتضى سلطتها في تقييد المجلس الخاص بالضوابط التي تراها ، ثم تفرغها نصوصاً في اللائحة الداخلية للمجلس، ليلتزم المجلس الخاص باتباعها . وبصدور القانون رقم 55 لسنة 1959 بمناسبة الوحدة مع سوريا ، وإعادة تنظيم مجلس الدولة ، فقد أبقى الوضع على الحال الذى كان عليه في ظل سابقه ، ولم يصب أحكامه أي تغيير جوهري ، سوى تغيرات لفظية تتفق مع استحداث منصب نائب رئيس المجلس وإلغاء منصب الوكيل المساعد ، كما أصبحت سلطة إصدار القرار النهائي بالتعيين لرئيس الجمهورية بدلاً من رئيس مجلس الوزراء في القانون السابق .
وإذ صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 81 لسنة 1969 بإنشاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية فقد استأثر المجلس بموجب المادة الثانية من قانونه ، بكافة الاختصاصات المقررة للمجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة والجمعية العمومية للمجلس في كل ما يتعلق بشئون الأعضاء تعييناً ونقلاً ..... ، ومن ثم يكون المجلس الخاص والجمعية العمومية قد فقدا أية سلطة في مجال تعيين الأعضاء أو المندوبين المساعدين على حد سواء . ثم صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972 خلوا من النص على وجود المجلس الخاص للشئون الإدارية بينما أعاد في المادة 68 تشكيل الجمعية العمومية للمجلس ، فنص على تكوينها برئاسة رئيس المجلس وأن تضم كافة مستشاري المجلس ، وأبقت المادة على الاختصاص الرئيسي للجمعية وهو إصدار اللائحة الداخلية للمجلس ، كما نظمت المادة 83 أمر تعيين أعضاء المجلس فنصت على أن " يعين رئيس مجلس الدولة بقرار من رئيس الجمهورية من بين نواب رئيس المجلس بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية ، ويعين نواب رئيس المجلس بقرار من رئيس الجمهورية بناء على ترشيح الجمعية العمومية للمجلس وبعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية. ويعين باقي الأعضاء والمندوبون المساعدون بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية " ثم عدلت الفقرة الأولى من المادة الأخيرة بمقتضى القانون رقم 17 لسنة 1976 فصارت " يعين رئيس مجلس الدولة بقرار من رئيس الجمهورية من بين نواب رئيس المجلس بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية ،ويعين نواب رئيس المجلس ووكلاؤه بقرار من رئيس الجمهورية بناء على ترشيح الجمعية العمومية للمجلس وبعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية " . وأخيراً صدر القانون رقم 136 لسنة 1984 والذى أعاد المجلس الخاص للشئون الإدارية بإضافته المادة 68 مكرراً ، والتي جرى نصها على أن " ينشأ بمجلس الدولة مجلس خاص للشئون الإدارية برئاسة رئيس مجلس الدولة وعضوية أقدم ستة من نواب رئيس المجلس، وعند غياب أحدهم أو وجود مانع لديه بحل محله الأقدم فالأقدم من نواب رئيس المجلس .
ويختص هذا المجلس بالنظر في تعيين أعضاء مجلس الدولة ، وتحديد أقدمياتهم وترقياتهم ونقلهم وندبهم خارج المجلس وإعارتهم والتظلمات المتصلة بذلك ، وكذلك سائر شئونهم على الوجه المبين في هذا القانون .
ويجب أخذ رأيه في مشروعات القوانين المتصلة بمجلس الدولة .
ويجتمع هذا المجلس بدعوة من رئيسه ن وتكون جميع مداولاته سرية ، وتصدر القرارات بأغلبية أعضائه " . كما تم تعديل نص المادة 83 مرة أخرى بالتبعية ليصبح كالتالي : " يعين رئيس مجلس الدولة بقرار من رئيس الجمهورية من بين نواب رئيس المجلس ، بعد أخذ رأى جمعية عمومية خاصة ، تشكل من رئيس مجلس الدولة ونوابه ووكلائه والمستشارين الذين شغلوا وظيفة مستشاراً لمدة سنتين .
ويعين نواب رئيس المجلس ووكلاؤه بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة الجمعية العمومية للمجلس .
ويعين باقي الأعضاء والمندوبون المساعدون بقرار من رئيس الجمهورية ، بعد موافقة المجلس الخاص للشئون الإدارية .... "وهذه الفقرة الثالثة من المادة الأخيرة هي النص الثاني المطلوب تفسيره .
وحيث إن البين من التطور التاريخي السالف البيان أن الاختصاص بالموافقة على تعيين المندوبين المساعدين قد تبادله كل من المجلس الخاص للشئون الإدارية والجمعية العمومية للمجلس ، حتى استقر أخيراً بالقانون رقم 47 لسنة 1972 ليصبح الاختصاص للمجلس الخاص .
وحيث إن المادة 167 من الدستور تنص على أن" يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها وينظم طريقة تشكيلها ، ويبين شروط وإجراءات تعيين أعضائها ونقلهم " ، ومقتضى إعمال هذا النص الدستوري أن إجراءات وشروط التعيين في الوظائف القضائية لا تتحدد إلا بقانون ، ومؤدى ذلك أن المجلس الخاص للشئون الإدارية – طبقاً لحكم الفقرة الثالثة من المادة 83 من قانون مجلس الدولة بعد تعديلها بالقانون رقم 136 لسنة 1984 – هو السلطة المختصة بالموافقة على التعيين في وظيفة " المندوب المساعد " ، وأن القانون –بالنسبة لهذه الوظيفة – لم يمنح الجمعية العمومية اختصاصاً في هذه المجال ، وإذا كانت الجمعية العمومية لمجلس الدولة تختص بإصدار اللائحة الداخلية للمجلس ، إلا أنها لا تملك أن تنظم بها أموراً احتجزها المشرع الدستوري للقانون .
وهذه المغايرة قد عمد إليها المشرع قصداً لاعتبارات قدرها ، فأفرغ إرادته في عبارات أراد بها أن يستأثر كل صاحب اختصاص في ممارسة اختصاصه المحدد قانوناً ، دون أن يتحيف على اختصاص الآخرين .
وحيث إنه متى كان ما تقدم ، فإن التفسير الصحيح لنص الفقرة الثالثة من المادة 83 من قانون مجلس الدولة هو أن الاختصاص بالموافقة على التعيين في وظيفة المندوب المساعد معقود – للمجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة دون الجمعية العمومية .
وحيث إن هذه المحكمة وهى تباشر ولايتها في مجال تفسيرها للنصوص التشريعية الواردة بنص المادة (26) من قانونها ، فإن قرارها بتفسير هذه النصوص يكون محدداً لدلالتها تحديداً قاطعاً ، كاشفاً عن حقيقته، ليندمج هذا القرار في تلك النصوص باعتباره جزءاً منها ، لا ينفصل عنها ، ومن ثم يرتد إلى تاريخ العمل بها ، ليكون نفاذها – على ضوء التفسير التشريعي لمضمونها – لازماً منذ سريانها .
فلهذه الأسباب
وبعد الاطلاع على نص الفقرة الثالثة من المادة 83 من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972
قررت المحكمة
أن الاختصاص بالموافقة على تعيين المندوبين المساعدين بمجلس الدولة معقود للمجلس الخاص للشئون الإدارية دون الجمعية العمومية للمجلس .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق