الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 28 يونيو 2018

دستورية حظر امتلاك أو شراكة الصيدلي في أكثر من صيدليتين


القضية رقم 21 لسنة 37 ق " دستورية " جلسة 2 / 6 / 2018
الجريدة الرسمية العدد 22 مكرر (ط) في 6 / 6 / 2018 ص 54
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من يونيه سنة 2018م، الموافق السابع عشر من رمضان سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق   رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي على جبالي وسعيد مرعى عمرو ورجب عبدالحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل  نواب رئيس المحكمة
وحضور    السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبو العطا   رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع    أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 21 لسنة 37 قضائية " دستورية ".
المقامة من
.........
ضــــــــــد
1- رئيس مجلس الوزراء
2- وزير الصحة
3- رئيس الادارة المركزية للشئون الصيدلية

الإجراءات

      بتاريخ العاشر من فبراير سنة 2015، أقام المدعى هذه الدعوى ،بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية نص المادة (30) من القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة المعدل بالقانون رقم 253 لسنة 1955.
      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
 وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
   ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة

      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق– في أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 30487 لسنة 64 قضائية، أمام الدائرة الثالثة أفراد بمحكمة القضاء الإداري، طلبًا للحكم بإلغاء قرار رئيس الإدارة المركزية للشئون الصيدلية بعدم الموافقة على الترخيص له بإنشاء صيدلية عامة بمدينة الشروق، مع تمكينه من اتخاذ إجراءات رفع دعوى بعدم دستورية نص المادة (30) من القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة، وذلك على سند من أنه تقدم بطلب إلى الإدارة المركزية للشئون الصيدلية لاستصدار ترخيص إنشاء صيدلية عامة بمدينة الشروق، وبتاريخ 15/4/2010 خاطبته تلك الإدارة بعدم الموافقة على طلبه لكونه يمتلك صيدليتين أخريين، مما لا يجوز معه الترخيص بإنشاء صيدلية ثالثة إعمالاً لنص المادة (30) من القانون رقم 127 لسنة 1955 المشار إليه، وبجلسة 28/10/2014 دفع الحاضر عن المدعى بعدم دستورية ذلك النص ، وبجلسة 25/11/2014 ، قدرت المحكمة جدية الدفع    وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية طعنًا في نص المادة (30) من القانون رقم 127 لسنة 1955 فيما تضمنه من عدم جواز أن يكون الصيدلي مالكًا أو شريكًا في أكثر من صيدليتين، فأقام الدعوى المعروضة.
      وحيث إن المادة (30) من القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة المعدل بالقانون رقم 253 لسنة 1955 تنص على أن "لا يمنح الترخيص بإنشاء صيدلية إلا لصيدلي مرخص له في مزاولة مهنته يكون مضى على تخرجه سنة على الأقــل قضاها في مزاولة المهنة في مؤسسة حكومية أو أهلية ، ويعفى من شرط قضاء هذه المدة الصيدلي الذى تؤول إليه الملكية بطريق الميراث أو الوصية ، ولا يجوز للصيدلي أن يكون مالكًا أو شريكًا في أكثر من صيدليتين....".
      وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – قيام رابطة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان الضرر المدعى به من قبل المدعى، ويدور حوله النزاع المردد أمام محكمة الموضوع، إنما ينصب حول حرمان المدعى من الترخيص له بإنشاء صيدلية عامة بمدينة الشروق لكونه يمتلك صيدليتين أخريين، فإن مصلحة المدعى في الدعوى المعروضة    تتحدد فيما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (30) من قانون مزاولة مهنة الصيدلة المشار إليه، من عدم جواز تملك الصيدلي أكثر من صيدليتين.
      وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه إخلاله بالحماية المقررة للملكية الخاصة، ذلك أن حظر امتلاك الصيدلي لأكثر من صيدليتين عامتين، يعد قيدًا غير مبرر على حق الملكية، ويعيقه عن الانتفاع بعناصرها من استعمال واستغلال، كما يؤثر سلبًا على حجم الخدمة التي يمكن أن تقدمها الصيدليات العامة المملوكة لشخص واحد للمواطنين بما يعيق الدور الاجتماعي للملكية، ويحد من توفير فرص عمل لعدد كبير من الصيادلة والإداريين.
      وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الرقابة القضائية على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، وتعبيرًا عن إرادة الشعب منذ صدوره، ذلك أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، إذ إن نصوص هذا الدستور تمثل دائما القواعد والأصول التي يقوم عليها النظام العام في المجتمع، بحسبانها أسمى القواعد الآمرة التي تعلو على ما دونها من تشريعات، ومن ثم يتعين التزامها، ومراعتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات – أيًّا كان تاريخ العمل بها – لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها بعضًا بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها المدعى إلى النص المطعون فيه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه الذى مازال ساريًّا ومعمولاً بأحكامه ، في ضوء أحكام الدستور الحالي الصادر سنة 2014.
      وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية مالم يقيدها الدستور بضوابط معينه، وكان جوهر هذه السلطة التقديرية يتمثل في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنها أنسبها لمصلحة الجماعة، وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم. وأن الملكية في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة لم تعد حقًا مطلقًا، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية والأغراض التي ينبغي توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التي يجريها المشرع ويرجح من خلالها ما يراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية، وأن ذلك يدخل في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق.
      وحيث إن لكل حق من الحقوق والحريات الدستورية الدائرة التي يتحرك في إطارها، ويمارس من خلالها، تحددها طبيعته والعناصر المكونة له، والتي تمثل من هذا الحق أصله وجوهره . لما كان ذلك، وكان المشرع قد ضمن النص المطعون فيه تنظيمًا للأوضاع الخاصة بالترخيص بإنشاء الصيدليات العامة وتملكها، بما يمكنها ومالكها من الاضطلاع بدورها الذى تقوم به كأحد أهم المؤسسات الصيدلية، وذلك في مجال تقديم الخدمة الطبية للمواطنين، باعتبارها أحد عناصر الرعاية الصحية المتكاملة التي حرص الدستور على كفالتها في المادة (18) منه كحق من الحقوق الدستورية، وقد راعى المشرع في هذا التنظيم تحقيق التوازن بين مصالح الأطراف المختلفة، الذى أوجبته المادة (27) من الدستور، في ضوء الأهداف التي رصدها وسعى إلى تحقيقها من وراء ذلك، والتي أوضحتها المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 127 لسنة 1955 المشار إليه، وهي مراعاة صالح الجمهور مستهلك الدواء للتخفيف عن كاهله بقدر المستطاع، وصالح المزاولين لمهنة الصيدلة، وحماية تلك المهنة من الدخلاء حتى يتوفر للجمهور الدواء بأيسر الوسائل وأضمنها وبأرخص الأسعار، وإبعاد المنافسة غير المشروعة عن محيط العمل في هذه المهنة ذات الطابع المتميز لارتباطها الوثيق بصحة الجمهور وحياة المرضى، ومن ثم فقد بات تحديد المشرع لحق الصيدلي في تملك صيدليتين عامتين، هو الوسيلة التي اختارها لتحقيق الأهداف المتقدمة، والتي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بحماية الصحة العامة التي تعد أحد أهم المصالح العامة التي يتعين على الدولة مراعاتها، وفاءً منها بالتزامها الدستوري المقرر بالمادة (18) من الدستور، في كفالة حق المواطن في الصحة والرعاية الصحية المتكاملة طبقًا لمعايير الجودة الدولية، والذى يتصل بالضرورة باتخاذ التدابير الكفيلة بالتحقق من سلامة وكفاءة الأدوية والخدمات الطبية التي تقدم للمواطنين، في مختلف مجالاتها، فضلاً عن اتصال كل ذلك اتصالاً مباشرًا بتنظيم مهنة الصيدلة كمهنة حرة في أحد مجالاتها الهامة والحيوية، وذلك بهدف تحقيق صالح الجمهور مستهلك الدواء، والمزاولين لمهنة الصيدلة، ومنظورًا إلى تلك المهنة ليس باعتبارها تجارة تستهدف المضاربة وتسعى لتحقيق الربح، بل غايتها تقديم الخدمة العامة، ليكون إنشاء هذه الصيدليات وتملكها، ومزاولتها لنشاطها، وكفالة الدور الفاعل لمالكها في الإشراف على نشاطها وإدارتها والعاملين بها، محددًا كل ذلك في الإطار الذى سنه المشرع، هو المحدد للدائرة التي يمارس فيها كل من حق الملكية ومزاولة المهنة الحرة في هذا المجال، الذى يتصل بالصحة العامة وحمايتها من الأخطار التي تتعرض لها، إضافة إلى تعلقه بالأدوية كسلعة لها طبيعة خاصة تميزها عن غيرها من باقي السلع، وطبيعة الخدمة الطبية التي تقدمها الصيدلية العامة، وآثارها على صحة المواطنين، والذى يرتبط ارتباطًا منطقيًّا وعقليًّا بالغاية التي عناها المشرع وسعى إلى تحقيقها من إقرار النص المطعون فيه، وتتناسب معها، بما لا مصادمة فيه لحماية وصون حق الملكية التي كفلها الدستور في المادتين (33، 35) منه.
      وحيث إن النعي على النص المطعون فيه إخلاله بحق العمل، بقالة أن هذا الحظر سوف يحرم عددًا كبيرًا من الصيادلة والإداريين من العمل، مردود بأن من المقرر أن حق العمل الذى كفله الدستور الحالي في المادتين (12، 13) منه لا يمنح تفضلاً، ولا يتقرر إيثارًا، بل يعتبر أداؤه واجبًا لا ينفصل عن الحق فيه، ومدخلاً إلى حياة لائقة قوامها الاطمئنان إلى غدٍ أفضل، وبها تتكامل الشخصية الإنسانية من خلال إسهامها في تقدم الجماعة وإشباع احتياجاتها، بما يصون للقيم الخلقية روافدها. لما كان ذلك، وكانت غاية المشرع من الحظر الذى ضمنه النص المطعون فيه هو حماية الصحة العامة ومنع المنافسة غير المشروعة بين الصيدليات العامة، وعدم انحصار ملكيتها في يد فئة قليلة العدد بما يمكنها من السيطرة على هذا النشاط، وكذا ضمان إشراف صاحب الصيدلية على نشاطها إشرافًا حقيقيًا فاعلاًّ، يتناسب مع الدور المهم الموكل للصيدليات العامة في خدمة الجمهور مستهلك الدواء، ورعاية صحة، وحياة المرضى منهم، ومن ثم فإن النص المطعون فيه لا ينطوي على مصادرة للحق في العمل، وإنما يعد تنظيمًا له، وهو أمر يملكه المشرع بمقتضى سلطته التقديرية ولمقتضيات الصالـح العـام، إذ لا تناقض بين الحق في العمل كحق دستوري وتنظيمه تشريعيًّا، بما لا يمس أصله وجوهره، والذى التزمه النص المطعون فيه.
 وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف حكمًا آخر في الدستور، فإنه يتعين الحكم برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
 حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق