الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 28 يونيو 2018

دستورية العقاب على القيادة دون استخدام حزام الامان واتفاقه مع الشريعة الاسلامية


القضية رقم 31 لسنة 32 ق " دستورية " جلسة 2 / 6 / 2018
الجريدة الرسمية العدد 22 مكرر (ط) في 6 / 6 / 2018 ص 40
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من يونيه سنة 2018م، الموافق السابع عشر من رمضان سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق   رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى وسعيد مرعى عمرو ورجب عبدالحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل   نواب رئيس المحكمة
وحضور    السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبوالعطا   رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع    أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 31 لسنة 32 قضائية " دستورية ". بعد أن أحالتها محكمة جنح مرور الخارجة الجزئية بحكمها الصادر بجلسة 22/7/2009 في الجنحة رقم 7994 سنة 2009 الخارجة
المقامة من
النيابة العامة
ضــــــــــد
عبد المنعم صالح محمد
الإجراءات
      بتاريخ السادس من فبراير سنة 2010، ورد إلى قلم كتاب هذه المحكمة ملف الجنحة رقم 7994 لسنة 2009 جنح مرور الخارجة الجزئية، بعد أن قضت تلك المحكمة بجلسة 22 يوليو سنة 2009 بوقف السير في الدعوى وإحالتها إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية نصى المادتين (74 ، 74 مكررًا) من قانون المرور الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1973 المعدل بالقانون رقم 121 لسنة 2008 فيما نصتا عليه من إلزام قائد السيارة وإلزام من يركب بجواره بربط حزام الأمان.
      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة ، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
   وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
   ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصـل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أن النيابة العامة كانت قد أصدرت أمرًا جنائيًّا بمعاقبة كل من المدعى عليه وآخر بمبلغ مائة جنيه، وذلك لأنه في يوم 16/5/2009 بدائرة قسم شرطة الواحات الخارجة، قاد السيارة الأجرة رقم 2109 الوادي الجديد دون استخدام حزام الأمان، بينما عاقبت الآخر – غير ماثل في الدعوى الدستورية المعروضة – بالتهمة ذاتها حال ركوبه إلى جـوار السائق دون استخـدام حزام الأمان، وإذ لم يرتض المدعى عليه هذه العقوبة، فقد طعن على هذا الأمر، ونظرت الدعوى أمام محكمة الجنح، وحضر المدعى عليه أمامها، وعدلت المحكمة مواد الاتهام في مواجهته إلى نصوص المواد (1، 3، 63، 74، 74 مكررًا) من قانون المرور الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1973 ، المعدل بالقانون رقم 121 لسنة 2008، وبجلسة 22 يوليو سنة 2009 قضت بوقف السير في إجراءات الدعوى وإحالتها إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية المادتين (74، 74 مكررًا) من ذلك القانون فيما نصتا عليه من إلزام قائد السيارة وإلزام من يركب بجواره باستخدام حزام الأمان بقالة مخالفتهما نصوص المواد (2، 3، 4، 8، 40، 57) من الدستور الصادر سنة 1971.
وحيث إن المادة (74) من قانون المرور الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1973 بعد تعديلها بالمادة الأولى من القانون 121 لسنة 2008 تنص على أن " مع عدم الإخـلال بأية عقوبة أشد في أي قانون آخر، يعاقب بغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه كل من ارتكب فعلاً من الأفعال الآتية:
1 - عدم التزام الجانب الأيمن من نهر الطريق المعد للسير في الاتجاهين.
2 - مخالفة أحكام المواد (7، 67، 68، 69) من هذا القانون.
3 - عدم اتباع قائد المركبة لإشارات المرور وعلاماته وتعليمات رجال المرور الخاصة بتنظيم السير.
4 - مخالفة مركبات النقل لشروط وزن الحمولة أو ارتفاعها أو عرضها أو طولها.
5 - إضافة ملصقات أو معلقات أو وضع أية كتابة أو رسم أو أية رموز أو أية بيانات أخرى غير تلك الواجبة بحكم القانون واللوائح على جسم المركبة أو أي جزء من أجزائها، أو لوحاتها المعدنية.
كما يحكم في الحالة المنصوص عليها في البند 9 بمصادرة الأجهزة المستخدمة في ارتكاب المخالفة.
وفي جميع الأحوال تضاعف عقوبة الغرامة المالية عند ارتكاب أي من الأفعال المشار إليها خلال ستة أشهر من تاريخ الحكم النهائي بالإدانة ".
وتنص المادة (74 مكررًا) من القانون ذاته على أن "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد في أي قانون آخر، يعاقب بغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على ثلاثمائة جنيه كل من ارتكب فعلاً من الأفعال الآتية:
1- قيادة مركبة آلية بسرعة تقل عن الحد الأدنى للسرعة المقررة إذا ترتب عليها إعاقة حركة المرور بالطريق.
2- استعمال قائد المركبة الآلية لها في غير الغرض المبين برخصتها.
3- عدم استخدام قائد السيارة ومن يركب بجواره حزام الأمان أثناء سيرها في الطريق، وذلك وفقًا للقواعد والشروط التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
عدم استخدام قائد الدراجة النارية غطاء الرأس الواقي.
استخدام التليفون يدويًّا أثناء القيادة.
4- عدم وضع اللوحات المعدنية للمركبة في المكان المقرر لها.
5- عدم تزويد المركبة بأجهزة الإطفاء الصالحة للاستعمال أو عدم جعلها في متناول قائد السيارة والركاب.
6- مخالفة أحكام المواد (7، 67، 68، 69) من هذا القانون".
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن النص في المادة (30) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 على أنه "يجب أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته، والنص الدستوري المدعى بمخالفته وأوجه المخالفة"؛ مؤداه أن المشرع أوجب لقبول الدعاوى الدستورية أن يتضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى ما نصت عليه المادة (30) السالفة الذكر من بيانات جوهرية تنبئ عن جدية هذه الدعاوى، ويتحدد بها موضوعها، وذلك مراعاة لقرينة الدستورية لمصلحة القوانين، وحتى يتاح لذوى الشأن – ومن بينهم الحكومة – الذين أوجبت المادة (35) من قانون المحكمة إعلانهم بالقرار أو بالصحيفة أن يتبينوا كافة جوانبها، ويتمكنوا في ضوء ذلك من إبداء ملاحظاتهم وردودهم وتعقيبهم عليها، في المواعيد التى حددتها المادة (37) من القانون ذاته، بحيث تتولى هيئة المفوضين بعد انتهاء تلك المواعيد تحضير الموضوع وتحديد المسائل الدستورية والقانونية المثارة، وتبدى فيها رأيها مسببًا، وفقًا لما تقضى به المادة (40) من قانون المحكمة الدستورية العليا.
      متى كان ذلك، وكان حكم الإحالة قد أحال نصى المادتين (74، 74 مكررًا) من قانون المرور المشار إليه بعد استبدالهما بالقانون رقم 121 لسنة 2008، واللتين تتضمنان العديد من الجرائم المرورية، إلا أنه لم ينع على النصين المحالين إلا بمنعى واحد؛ هو كون إلزام قائد السيارة ومن يركب إلى جواره بربط حزام الأمان يخالف أحكام الدستور، وهو ما يصدق على نص البند (3) من المادة (74 مكررًا) المضافة بالقانون رقم 121 لسنة 2008، دون سائر النصوص والبنود الأخرى، فيما اشتملت عليه من مخالفات مرورية أخرى، لا رابط بينها وبين الجريمة المعروضة على محكمة الموضوع، ومن ثم فإن الدعوى المعروضة تكون بالنسبة لسائر هذه النصوص، عدا نص البند (3) من المادة (74 مكررًا) المار ذكره، غير مستوفية للبيانات الجوهرية التى استوجب نص المادة (30) من قانون هذه المحكمة تضمينها حكم الإحالة، بما يوجب القضاء بعدم قبولها بالنسبة لهذه النصوص.




وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها، أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكان الثابت أن التهمة المواجـه بها المدعى عليه من قبل النيابة العامة هي قيادة سيـارة دون استخدام حزام الأمان حال سيرهـا، وكان نص البند (3) من المادة (74 مكررًا) من قانون المرور المشار إليه، يؤثم أفعالاً ثلاثة هي عدم استخدام قائد السيارة حزام الأمان، وعدم استخدام من يركب بجواره حزام الأمان، وسماح قائد السيارة لمن يركب بجواره ألا يستخدم حزام الأمان، وكان المدعى عليه يحاكم عن جريمة قيادة سيارة دون استخدام حزام الأمان ، المعاقب عليها بالعقوبة المنصوص عليها بصدر نص المادة (74 مكررًا) من    قانون المرور المار ذكره، ومن ثم فإن الفصل في دستورية هذا الشق من البند (3) من هذا النص دون غيره، وصدر نص هذه المادة الذى حدد العقاب على هذا الفعل، يرتب انعكاسًا على الدعوى الموضوعية ، وقضاء محكمة الموضوع فيها ، بحيث يتوافر شرط المصلحة في هذا النطاق وحده.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال إخلاله بمبادئ الشريعة الإسلامية، وسيادة الشعب، وتكافؤ الفرص والمساواة، وتأثيم كل اعتداء على الحرية الشخصية، المنصوص عليها بالمواد (2، 3، 4، 8، 40، 57) من دستور سنة 1971، مستندًا في ذلك إلى أن الإلزام باستخدام حزام الأمان حال قيادة السيارة يشكل اعتداءً على الحرية الشخصية للسائق، إذ هو من يقدر الوسائل اللازمة للحفاظ على سلامته، فضلاً عن أنه في حالات الحوادث الجسيمة قد يتعذر على السائق فك الحزام والنجاة بنفسه. ومن جانب آخر ، فإن ما أوجبه النص من قصر الإلزام باستخدام حزام الأمان على ركاب المقاعد الأمامية من السيارة، دون ركاب المقاعد الخلفية في السيارة ذاتها، أو سائق الأتوبيس وركابه، رغم استواء الضرر في كل هذه الأحوال، يخل بمبدأ المساواة.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، لكون هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة- صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت مناعي حكم الإحالة على النص المحال إنما تندرج في عداد المطاعن الموضوعية، التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن المحكمة تعمل رقابتها القضائية على دستورية النص المحال، الذى مازال ساريًا ومعمولاً بأحكامه - في حدود النطاق المحدد سلفًا - استنادًا إلى أحكام الدستور القائم.
وحيث إنه عن النعي بمخالفة النص المحال لمبادئ الشريعة الإسلامية فلما كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن حكم المادة الثانية من الدستور الصادر عام 1971 – منذ تاريخ تعديلها في 22 من مايو سنة 1980، والذى رددته الدساتير المتعاقبة حتى دستور سنة 2014، - يدل على أن الدستور- واعتبارًا من تاريخ العمل بهذا التعديل – قد أتى بقيد على السلطة التشريعية يلزمها فيما تقره من النصوص القانونية، بأن لا تناقض أحكامها مبادئ الشريعة الإسلامية في أصولها الثابتة – مصدرًا وتأويلاً – والتي يمتنع الاجتهاد فيها، ولا يجوز الخروج عليها، أو الالتواء بها عن معناها، ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالاتها أو بهما معًا، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها ولا تمتد لسواها، وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان لضمان مرونتها وحيويتها. وإذا كان الاجتهاد في الأحكام الظنية وربطها بمصالح الناس عن طريق الأدلة الشرعية – الفعلية منها والعقلية - حقًّا لأهل الاجتهاد، فأولى أن يكون هذا الحق مقررًا لولى الأمر ينظر في كل مسألة بخصوصها بما يناسبها، وبمراعاة أن يكون الاجتهاد دومًا واقعًا في إطار الأصول الكلية للشريعة لا يجاوزها، ملتزمًا ضوابطها الثابتة، متحريًا مناهج الاستدلال على الأحكام العملية والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد الكلية للشريعة، بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال، مستلهمًا في ذلك كله حقيقة المصالح المعتبرة، المناسبة لمقاصد الشريعة والمتلاقية معها، ومن ثم كان حقًّا على ولي الأمر عند الخيار بين أمرين مراعاة أيسرهما مالم يكن إثمًا، وكان واجبًا كذلك ألا يشرع حكمًا يضيق على الناس أو يرهقهم في أمرهم عسرًا، وألا يفرط في مصلحة حالية تعرضهم لهلكة في النفس والمال. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه - في النطاق المحدد سلفًا – قد صدر في 9 يونيو سنة 2008، بعد العمل بالتعديل الدستوري في 22 مايو سنة 1980، ومن ثم فإنه يتعين أن يكون متوافقًا مع مبادئ الشريعة الإسلامية وفقًا لمقتضى نص المادة (2) من الدستور الصادر سنة 2014.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان الثابت أن المشرع قد توخى بحكم النص التشريعي المحال، تبنى ما خلصت إليه معظم الدراسات الحديثة المتعلقة بسلامة الركاب أثناء سير السيارة، من أن قائد السيارة ومن بجواره يكونان في صدارة الخطر على الحياة عند وقوع الحادث، وأن حزام الأمان يعمل على منع ارتطامهما بأجزاء السيارة الصلبة أثناء هذه اللحظة الحرجة، فضلاً عن أنه يعمل - حال انفتاح منطاد الأمان - على وجود ركاب المقاعد الأمامية في وضعية عمودية تحول دون إيذائهم من أثر اندفاعها صوبها بسرعة كبيرة، وكان رائد المشرع في ذلك حماية الأنفس وهى إحدى الغايات الكلية التي تهدف إليها الشريعة الإسلامية، بهدف الحيلولة دون استفحال الآثار الضارة الناتجة في أحوال الحوادث. وكان هذا الاجتهاد من المشرع قد صادف مسألة لم يرد فيها نص قاطع في ثبوته، ولم يعارض في دلالته حكمًا شرعيًّا يقضى بخلافه، ومن ثم ينفتح فيه باب الاجتهاد أمام ولاة الأمور في العصور المختلفة ليتحروا ما يلائم كل حـال أخذًا في الاعتبار تحقيق صوالح المواطنين، وإذ كان ذلك، وكان المشرع قد تحرى بإيجابه استخدام حزام الأمان حال قيادة السيارة في الطريق تحقيق الصالح العام، وحفظ الأنفس، والتقليل من آثار الحوادث على سلامة قائد السيارة، ومن يجلس بجواره، فإن قالة مخالفة مبادئ الشريعة الإسلامية والحال كذلك تكون على غير سند ، ويضحى هذا النعي حريًّا بالالتفات عنه.
وحيث إنه عما نعى به حكم الإحالة على النص المحال - في النطاق المحدد سلفًا- من إخلاله بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص المنصوص عليهما في المواد (4، 9، 53) من الدستور القائم، المقابلة للمادتين (8 ، 40 ) من دستور سنة 1971، فإن الدستور القائم قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره -إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص- أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى – وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنصى المادتين (4 ،53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المحال – بما انطوى عليه من تمييز – مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها فإن التمييز يكون تحكميًّا وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة، كما حرص الدستور في المادة (9) منه على كفالة تكافؤ الفرص بما يستوجبه ذلك من ترتيب المتزاحمين على الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال، وهو ما يعنى أن موضوعية النفاذ إليها مناطها تلك العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها، ولا يجوز بالتالي حجبها عمن يستحقها، ولا إنكارها لاعتبار لا يتعلق بطبيعتها ومتطلباتها.
وحيث كان ما تقدم، وكان حكم الإحالة نعى على النص المحال - في النطاق المحدد سلفًا- الإخلال بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص من وجهتين، أولاهما، إلزام قائد السيارة ومن بجواره باستخدام حزام الأمان دون قائد الأتوبيس، وثانيتهما إلزام قائد السيارة ومن يركب إلى جواره بحزام الأمان دون من يركب في المقاعد الخلفية. وحيث إن هذا النعي بوجهيه مردود بأن الثابت أن المشرع وقد عرف السيارة بمقتضى نص المادة (4) من قانون المرور المشار إليه بأنها كل مركبة تسير بمحرك آلي؛ وفى تفصيل ذلك عين منها السيارة الخاصة والسيارة الأجرة وسيارة نقل الركاب وأتوبيس الرحــــلات وغيرهـا. وقد اختص المشرع بالنص العقابي المحال قائد السيارة أيًّا كان نوعها ومن يركب إلى جواره، بالالتزام بوجوب استخدام حزام الأمان أثناء سيرها في الطريق، دون الركاب في المقاعد الخلفية، ودون ركاب الأتوبيسات عدا السائق ومن يركب بجواره، فأحلهم من واجب استخدام حزام الأمان أثناء سير السيارة في الطريق، وكان مؤدى ذلك عدم وقوع هذه الجريمة إلا من أولئك الذين عددهم النص دون غيرهم من الركاب في الأماكن الأخرى، وذلك استنادًا إلى الدراسات التي اعتمدها المشرع أساسًا لهذا التمييز، ممثلة في مبلغ الأخطار التي يتعرض لها قائد السيارة ومن يركب بجواره في المقعد الأمامي، إذا ما قورن الأمر بالخطر المحتمل لركاب المقاعد الخلفية، فاقتصر على تأثيم الحالة الأشد خطرًا وحدها، فإن ذلك التنظيم الذى أتى به المشرع، باعتباره الوسيلة التي عينها، وقدر مناسبتها لتحقيق الأهداف المبتغاة من تقرير هذا الحكم، وهى حماية أرواح سائقي تلك السيارات ومن يركب بجوارهم، والتقليل من آثار الحوادث، والتي ترتبط عقلاً ومنطقيًّا بتلك الأهداف، يكون مستندًا إلى أسس موضوعية تبرره، بعيدًا عن صور التمييز التحكمي الذى يخالف أحكام الدستور، الأمر الذى يكون معه النص المحال غير مخل بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص المقررين بموجب نصوص المواد (4، 9، 53) من الدستور القائم.
وحيث إنه عن النعي بانتهاك النص التشريعي المحال للحق في الحرية الشخصية بالمخالفة لنص المادة (54) من الدستور القائم، على قول من أنه لكل إنسان أن يحمي حياته على النحو الذى يرى ملاءمته، وأن حزام الأمان قد يحول في الحوادث الجسام دون تيسير خروج قائد السيارة المنكوبة منها وصولُا إلى عدم دستورية تأثيم الامتناع عن هذا الالتزام، فإنه غير سديد، ذلك أن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن ضمان الحرية الشخصية لا يعنى غل يد المشرع عن التدخل لتنظيمها، ذلك أن صون الحرية الشخصية يفترض بالضرورة إمكان مباشرتها دون قيود جائرة تعطلها وليس إسباغ حصانة عليها تعفيها من تلك القيود التى تقتضيها مصالح الجماعة وتسوغها ضوابط حركتها، ذلك أن الدستور أعلى قدر الحرية الشخصية، فاعتبرها من الحقوق الطبيعية الكامنة في النفس البشرية الغائرة في أعماقها، والتي لا يمكن فصلها عنها، ومنحها بذلك الرعاية الأوفى والأشمل توكيدًا لقيمتها، وبما لا إخلال فيه بالحق في تنظيمها، وبمراعاة أن القوانين الجنائية قد تفرض على الحرية الشخصية - بطريق مباشر أو غير مباشر - أخطر القيود وأبلغها أثرًا، ويتعين بالتالي أن يكون إنفاد القيود التي تفرضها القوانين الجنائية على الحرية الشخصية رهنًا بمشروعيتها الدستورية، ويندرج تحت ذلك أن تكون محددة بصورة يقينية لا التباس فيها، ذلك أن هذه القوانين تدعو المخاطبين بها إلى الامتثال لها كى يدافعوا عن حقهم في الحياة، وكذلك عن حرياتهم، التي تعكسها العقوبة، ومن ثم كان أمرًا مقضيًّا أن تصاغ النصوص العقابية بما يحول دون انسيابها أو تباين الآراء حول مقصدها أو تقرير المسألة الجنائية في غير مجالاتها، عدوانًا على الحرية الشخصية التي كفلها الدستور.
متى كان ذلك، وكان الثابت بأن المشرع بما له من سلطة تقديرية يفاضل بها بين البدائل المختلفة تحقيقًا للصالح العام، راعى تعاظم مخاطر حوادث السير في الطريق العام، ومبلغ الأضرار العائدة فيه على حياة الأفراد والصحة العامة، والسلامة العامة، ومبلغ الأضرار المترتبة عليها سواء في حاضر ومستقبل المواطنين أو في تبعاتها المالية والصحية، فأوجب على قائد السيارة ومن يجلس بجواره أن يستخدم حزام الأمان أثناء السير في الطريق بالسيارة، مراعيًا في ذلك الحفاظ على سلامته من المخاطر الجسيمة التي قد يتعرض لها كأثر لحوادث الطريق، متخذًا في سبيل ذلك من النص المحال - في النطاق المحدد سلفًا - التزامًا قانونيًّا متبوعًا بعقوبة عن الامتناع عن اتباعه، فإن هذا القيد الذى قرره المشرع يهدف إلى تحقيق الصالح العام. لما كان ذلك، وكان المشرع قد صاغ هذا القيد على نحو واضح جلى لا لبس فيه ولا غموض محددًا على نحو قاطع شخص الملتزم به، وهو قائد السيارة أيًّا كان نوعها، معينًا شروط إعمال هذا القيد من أن يكون السائق في وضع السير في الطريق، موضحًا الركن المادي، لهذه الجريمة في صورة الامتناع عن استخدام حزام الأمان أثناء السير في الطريق، كاشفًا عن الركن المعنوي لهذه الجريمة التي تقع - شأنها في ذلك شأن عموم الجرائم التنظيمية - إما بالعمد وإما بالإهمال في صورتين بديلتين تقوم الجريمة    بإحداهما، فإن النص المحال في هذا الإطار يكون قد وافق صحيح أحكام الدستور في التجريم، وقد خلا من قالة الاعتداء على الحرية الشخصية.
وحيث إنه لما كان ذلك، وكان المشرع قد رصد لهذه الجريمة عقوبة الغرامة التي لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على ثلاثمائة جنيه، وهو تقدير معقول سلم من المغالاة، ولم يحل المشرع بين القاضي وبين إعمال قواعد التقدير العقابي وفقًا لأحكام القانون، سواء من حيث التقدير العقابي بين الحدين الأدنى والأقصى، أو من حيث تفعيل الوسائل المقررة في القانون لمواجهة أحوال عدم ملاءمة توقيع العقوبة، كوقف التنفيذ وفقًا للأحكام العامة للقانون الجنائي، ومن ثم فإن النص المحال يكون قد سلم من قالة سوء التقدير العقابي، أو الإفتئات على الحرية الشخصية.
وحيث إنه عما نعى به حكم الإحالة على النص المحال من قالة المساس بمبدأ السيادة للشعب، والذى قرره نص المادة (4) من الدستور، والنيل من الأساس الاشتراكي للمجتمع المصري فهو مردود؛ ذلك أن المشرع وقد التزم في تقريره للنص المحال الضوابط الدستورية الحاكمة للتجريم والعقاب، على النحو المتقدم بيانه، فإنه لا يقع في حومة مخالفة هذا المبدأ الدستوري، كما لا يخالف الأساس الاشتراكي الذى ردده حكم الإحالة، بعد أن انتهج الدستور الحالي نهجًا مخالفًا
لما سلكه الدستور الصادر سنة 1971 في هذا الخصوص. لما كان ذلك، وكان النص المحال لم يخالف أي نص آخر في الدستور، ومن ثم يتعين القضاء برفض الدعـوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق