الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 14 مارس 2013

خمور / (4) سكر بين بالطريق العام وإدانة والنفاذ

  حيث أن النيابة العامة أسندت إلى المتهم أنه بتاريخ 13 / 9 / 1978 بدائرة قسم بنى سويف

1ـ تناول مشروبات كحولية بالطريق العام
2ـ وجد بحالة سكر بين بالطريق العام.
   وطلبت عقابه بالمواد 1 ، 2  / 1  ، 5 ، 7 ، 8 ، 9 من القانون رقم 36 / 1976 بحظر شرب الخمر.
·   وحيث أن الاتهام ثابت قبل المتهم ـ المعلن لجلسة 11 / 10 / 1980 ـ من محضر ضبط الواقعة المحرر بتاريخ 13 / 9 / 1978 بمعرفة رئيس مكافحة جرائم الآداب والذى أورد بصدر محضره أن المتهم تواجد خلف شركة بيع المصنوعات : يهذى وبجواره زجاجة إلى نصفها تنفذ منها رائحة كحولية نفاذة ، واتضح له من بطاقة المتهم الشخصية اسمه ومهنته ، كما وجد بداخلها مبلغا من المال ، وورقة يانصيب وكشف نتيجة رهانات على سباق خيل.
·   وحيث أن الاتهام ثابت أيضا قبل المتهم من الكشف الطبى رقم 15063 والذى أورى أنه " بتوقيع الكشف الطبى على المتهم وجد أنه فى حالة سكر بين ، وقد تم غسيل معدته " .
·   وحيث أنه بسؤال المتهم بمحضر الضبط اعترف بما أسند إليه معللا الواقعة الإجرامية بأنه مريض بانخفاض ضغطه ، ,أنه لن يشرب مرة أخرى بالطريق وبأنه يجهل القانون.
·        وحيث أنه لدى سؤال المتهم أمام النيابة العامة أنكر .
·   وحيث أن المتهم لم يحضر المحاكمة لدفع الاتهام بأى دفاع مقبول ومن ثم ينعين عقابه طبقا لمواد الاتهام عملا بنص المادة 304 / 20 من قانون الإجراءات الجنائية.
·   وحيث أنه بادئ ذى بدء فإن المحكمة تقرر بأن دفاع المتهم بالأوراق بمرضه مردود شرعا بقول الله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [البقرة : 173 ] وقولـه عز من قائل :(فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ  لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [ المائدة : 3 ] وقد أدى هذا الاستثناء إلى نظر الفقهاء فى الإباحة عند التداوى بالمحرم ، والتقت آراؤهم حول الاستثناء فقالوا بالإباحة فى حدود القدر الذى يزول به الضرر ، وهذا لا يتوافر إلا بشرطين :
الأول : الرجوع إلى الطبيب الذى يصف الدواء ، بشرط أن يكون مسلما ، ثقة ، مأمونا ، معروفا بالصدق والأمانة.
الثانى : ألا يوجد من الحلال ما يقوم مقام هذا المحرم الممنوع ، على أن تكون حالة المريض تفرض تناول هذا النوع المحرم من الدواء ، ذلك أنه من المقرر فى الإسلام : " أن الضرورات تبيح المحظورات" . وحسبنا أن ندرك فى هذا المقام ما فى هذا الدين الحنيف من يسر ، فهو يعطى للضرورات أحكامها بلا عنت ولا حرج مع تعليق الأمر كله بالنية المستقرة والمستكنة ، ثم بالتقوى وهذه أمور كلها موكولة إلى الله وحده.
·   وحيث أنه انطلاقا مما نصت عليه المادة الثانية من الدستور من أن الإسلام دين الدولة ، ومبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسي للتشريع ، ثم ما نصت عليه المادة السابعة من قانون العقوبات من أنه: "لا تخل أحكام هذا القانون بأى حال من الأحوال ، بالحقوق المقررة فى الشريعة الغراء" ومن ثم فإن الله تعالى قال : (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) [النساء : 59]
ــــــــــــــــــــــــــ
* جنحة رقم 7517 لسنة 1978 جنح بندر بني سويف.
·   وحيث أنه بالبناء على ما تقدم تستحضر المحكمة فى ذهنها لدى هذا القضاء قول الله فى الخمر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُّوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُم مُّنْتَهُونَ ) [ المائدة : 90 ـ 91]
   ومما لا شك فيه ، والحال كذلك أن هذا النص قاطع الدلالة على تحريم الخمر إذ أن شاربها كعابد الأوثان من دون الله كافر ، وفوق ذلك فهى " أم الخبائث " كما وصفها صلى الله عليه وسلم .
·   وحيث إن فقهاء المذاهب الثلاثة قد أجمعوا ثلاثتهم على أن : " كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام " . وعلى أن كل مسكر يطلق عليه اسم الخمر ويأخذ حكمه ، ومن ثم فإن الشريعة الإسلامية الغراء فى عمومها وشمولها وأصالة قواعدها صالحة لكل زمان ومكان قادرة على حكم الناس جميعهم ، ووضع الحدود الفاصلة بين الحق والباطل وبين الحلال والحرام دستورا فوق دستور البشر ينتظم الجميع فى محبة وسلام.
·   وحيث أن كل تشريع أو حكم يخالف ما جاء به الإسلام باطل ويجب رده والاحتكام إلى شريعة الله ، كما يجب على كل مسلم أن يأمر بتطبيق الشريعة الإسلامية ، وليس لأحد أن يبدى رأيا فى وجوب ذلك ، ولا تُقبل مشورة بالتمهل أو التدرج أو التأجيل فى نفاذ شريعة الله بين الناس ، بل إن التسويف فى إقرار القوانين الإسلامية معصية لله ورسوله واتباع لطريق الغي والهوى دون الرشاد والهدى ، وقد ورد أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ".
·   وحيث إنه ليس أبلغ من الحاجة إلى الرجوع ـ تماما ـ إلى الإسلام الحنيف ، وأن على علماء الأزهر بث الدعوة الإسلامية ، ونشرها فى كل دروب الحياة ومسالكها علما وعملا ، بل وقديما كانت الرعية توجه الحاكم وتنصحه وترشده إلى اتباع شرع الله والالتزام بأحكامه ، وصدق الله القائل : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَّفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْك ) [ المائدة : 49] ذلك أن الذين جعلوا القرآن عضين من الحكام أو العلماء هم أعدى أعداء الله ، شياطين خرساء صمتت عن الحق وقوله لتجمعهم الولائم والمناصب أو المال الحرام ، وقد صدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين قال : " سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله". وحين قال : " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " . وإن الجور كل الجور أن لا يحكم بكتاب الله ، وألا يكون دستورا فى دولة كنيتها : " العلم والإيمان "
·   وحيث إن المحكمة كان يعنيها تماما أن تعزف عن تطبيق حكم قانون وضعى أجوف هالك متهالك ، أخل فعلا بالحقوق المقررة بالشريعة الغراء فضلا عن الدستور لكونه مستقى من شرائع دول أخرى لا تؤمن بالله ربا ولا بمحمد نبيا ورسولا ، فى الوقت الذى كانت تهفو نفس المحكمة فيه إلى أن تطبق حدا من حدود الله على مثل هذا الآثم السكير الذى لم يدع إلاً ولا ذمة إلا داسها وقد تناول المشروب الحرام ثم وجد بحالة سكر بين بالطريق العام. ولئن كانت المحكمة قد غلت يمناها فى مرارة وكمد وهى تفتش عن نص إسلامى زاجر تطبقه فخرا لها واعتزازا به فلا تجد حتى بالمجهر ، إلا أنه بقى لها أمران ولا معقب عليها من بشر !
الأمر الأول : تناشد المحكمة كلا من السيد رئيس الجمهورية والسلطة التشريعية فى دورتها هذه ـ دون تردد ولا هوادة ـ إبراء لذمتهما أمام الله والناس . تناشدهما إقرار مشروعات قوانين الله ورسوله المقدمة إليهما بصدد حدود الله فى الخمر والسرقة والردة والزنا والقذف والحرابة ، أيضا فى القصاص والديات وتحريم الفوائد ، وذلك قياسا على قانون حماية القيم من العيب رقم 95 / 1980 وغيره من القوانين الأخرى المجافية لتعاليم الله.
الأمر الثانى : تقرر المحكمة إزاء استعراضها للواقعة الماثلة بأنها مثال  حقيقى لكارثة خلقية بأى معيار ، ومثالها فى مصر كثير ، فهناك متهمون آخرون لحمتهم وسداهم احتساء الخمر ، ورغم أنهم عديدون حقا إلا أنه لا ينالهم أبدا سوط الاتهام ولا قيد السجان أو رسف الأغلال ، وكل هذا تحت سياج من سيادة القانون ذاته ، والمحكمة تناشد السلطة التنفيذية القابضة على مقاليد الحكم فى البلاد ، أن تضرب بيد من حديد على يد هؤلاء وأولئك حتى تكون كلمة الله هى العليا وكلمة الذين كفروا هى السفلى .
   ومتى استقام ما تقدم وكانت الواقعة على ما جاء بمدونات الدعوى العمومية وما جرت به التحقيقات وما ثبت بالأوراق قد قام الدليل على ثبوتها وصحة إسنادها إلى المتهم فإنه مصداقا لقول الله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) [ المدثر : 38 ]
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة غيابيا : بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وتغريمه مائتا جنيه والنفاذ عن كل من العقوبتين.
                                                          محكمة جنح قسم بنى سويف
                                                                   الدائــرة
                                      محمود عبد الحميد غراب           رئيس المحكمة
                                      محمود السيد السبروت                        وكيل النائب العام
                                      محمد محمود عبد الله                         أمين السر
                                                        جلسة 1 / 11 / 1980

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق