جلسة 3 يونيه سنة 1943
برياسة حضرة عبد الفتاح السيد بك رئيس المحكمة وبحضور حضرات: محمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك ونجيب مرقس بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك المستشارين.
----------------
(67)
القضية رقم 79 سنة 12 القضائية
تسجيل:
أ - نقل الملكية. مناطه: أمران: أصلي وهو العقد الصحيح، ومكمل وهو التسجيل. العقود الصورية المبنية على الغش. لا يصححها التسجيل.
ب - مشتر لم يسجل عقده. تمسكه بصورية عقد المشتري الآخر الذي سجل. جوازه. دعوى صحة تعاقد. تضمينها طلب بطلان العقد المسجل الصادر لغير رافعها. لا مانع قانوناً.
الوقائع
تتلخص وقائع هذا الطعن في أن المطعون ضده اشترى من جاد الله فرج جاد والد الطاعن وآخرين 8 س و12 ط و2 ف بعقد عرفي تاريخه 19 من ديسمبر سنة 1935 وكان الطاعن شاهداً فيه ثم رفع المطعون ضده على البائعين دعوى بصحة التوقيع أمام محكمة سوهاج الابتدائية تقيدت بجدولها تحت رقم 1 سنة 1939 وحكم له فيها بطلباته: غير أنه لما أراد أن يسجل الحكم وجد أن البائع قد تصرف بالبيع لابنه الطاعن في الأطيان ذاتها بعقد تاريخه أول يوليو سنة 1937 وسجل في 3 من أغسطس سنة 1937 فاضطر لرفع الدعوى رقم 65 سنة 1941 كلي سوهاج ضد الطاعن ووالده والبائعين الآخرين طلب فيها الحكم بصحة التعاقد الحاصل بينهم بالعقد العرفي المؤرخ 19 من ديسمبر سنة 1935 ومحو جميع التسجيلات الواقعة على الأرض المبيعة به واعتبار الحكم الذي يصدر لمصلحته صالحاً للتسجيل وناقلاً للملكية بعد تسجيله. وفي 23 من إبريل سنة 1941 قضت محكمة سوهاج الابتدائية حضورياً بالنسبة للطاعن وغيابياً بالنسبة للباقين بصحة التعاقد المؤرخ 19 من ديسمبر سنة 1935 الحاصل بين المطعون ضده ووالد الطاعن ومن معه والمتضمن بيعهم إلى المطعون ضده 8 س و12 ط و2 ف المبينة حدودها ومعالمها بصحيفة افتتاح الدعوى نظير مبلغ 352 ج ومحو جميع التسجيلات المتوقعة على هذا القدر كله أو بعضه من المدعى عليهم جميعاً، واعتبار الحكم أساساً صالحاً للتسجيل بمقتضاه وألزمت المدعى عليهم بالمصاريف و200 قرش أتعاباً للمحاماة.
فاستأنف الطاعن الحكم الابتدائي طالباً إلغاءه بجميع أجزائه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وفي 9 من يونيه سنة 1942 قضت تلك المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت الطاعن بالمصاريف و200 قرش أتعاباً للمحاماة للمطعون ضده.
أعلن المطعون ضده الحكم الاستئنافي إلى الطاعن في أول أكتوبر سنة 1942 فطعن فيه بطريق النقض في 31 من ذلك الشهر للأسباب التي ذكرها إلخ إلخ.
المحكمة
وحيث إن الطاعن يبني طعنه هذا على وجوه ثلاثة: (أولاً) خطأ في تطبيق القانون. ومحصله أن قانون التسجيل رقم 18 لسنة 1923 قضى في المادة الأولى منه بطريق الجزم بأن جميع العقود التي من شأنها إنشاء حق ملكية يجب تسجيلها فإذا لم تسجل لا تنتقل الملكية بين المتعاقدين أنفسهم ولا بالنسبة لغيرهم ولا يكون لها من الأثر سوى الالتزامات الشخصية بين المتعاقدين. ومقتضى هذا النص الصريح أن المشتري الثاني الذي سجل عقده قبل أن يسجل المشتري الأول عقده يصبح مالكاً للعين المبيعة ولو كان سيئ النية متواطئاً مع المالك على حرمان المشتري الأول الذي لم يسجل عقده من أن تنتقل الملكية إليه. (ثانياً) خطأ في تطبيق القانون، وبيانه أن محكمة الاستئناف قد خلطت بين آثار الدعوى البوليسية والأحكام المترتبة على المطالبة بصحة التعاقد. ورتبت على ذلك جواز نظر الدعوى البوليسية أو دعوى الصورية بصفة تبعية للدعوى الأصلية حالة كون قانون التسجيل الجديد يحول دون هذا الوضع لأن دعوى صحة التعاقد الأصلية يجب أن تكون مقصورة على المتعاقدين دون غيرهم فلا يصح أن يقحم فيها طلب آخر في وجه خصم آخر. (ثالثاً) نقص في تسبيب الحكم المطعون فيه لأن الأسباب التي ساقها لإثبات صورية عقد البيع الصادر للطاعن من والده لا تؤدي إلى النتيجة التي خلص إليها وبنى عليها قوله بالصورية فقد كان اعتماد المحكمة مقصوراً على اعتبارات عامة ولم تعن ببحث الظروف التي أدت إلى القول بصورية العقد. تلك هي الأسباب التي يستند إليها الطاعن في طعنه.
عن الوجه الأول:
وحيث إن الحكم المطعون فيه يقول في صدد الآثار التي تترتب على تسجيل عقد البيع إنه وإن كان لا نزاع في أن العقد المسجل ينقل ملكية المبيع لمن اشتراه ويفضل على العقد الغير المسجل إلا أن محل تطبيق ذلك إنما يكون على العقود الجدية التي قصد بها المتعاقدون البيع والشراء الحقيقيين لا الوهميين المبنيين على التدليس والغش المشترك بين طرفي العقد، والتسجيل لا يخلق بين الناس حقوقاً ولا يصحح عقوداً وهمية باطلة إذ أن قانون التسجيل لم يقصد به تعطيل المبدأ القانوني الخاص ببطلان المشارطات والعقود الصورية التي أساسها الغش والتدليس والتواطؤ على هضم حقوق الناس وأكل أموالهم بالباطل، وهذا الذي ذكره الحكم المطعون فيه يطابق كل المطابقة حكم القانون إذ لا وجود قانوناً للعقد الصوري. ومن الخطأ القول بأن الملكية تنتقل بالتسجيل وحده بل هي تنتقل بأمرين أحدهما أصلي وأساسي وهو العقد الصحيح الناقل للملكية وثانيهما تبعي ومكمل وهو التسجيل فإذا انعدم الأصل فلا يغني عنه مجرد التسجيل.
عن الوجه الثاني:
وحيث إن الحكم المطعون فيه يقول في الرد على ما دفع به الطاعن في هذا الوجه "إن طلب المستأنف عليه الأول (المطعون ضده) إثبات صحة تعاقده على القدر مشتراة في مواجهة البائعين له والمستأنف (الطاعن) الشاهد على عقده ومحو جميع التسجيلات المتوقعة على هذا القدر يتضمن إبطال العقد الصوري المحرر بين الوالد وولده المستأنف، إذ لا يثبت التعاقد على عقد المستأنف عليه الأول ويصح إلا ببطلان عقد المستأنف الصوري بالنسبة للقدر موضوع دعوى إثبات التعاقد، ومحو التسجيل أو إلغاؤه محو للتصرف الصوري وكافة ما له من آثار، والعبرة في الدعاوى بما قصد بها... ويكون توجيه المستأنف عليه لدعواه بطلب إثبات صحة التعاقد توجيهاً سليماً لا غبار عليه تقره الأصول القانونية". ولا شبهة في صحة ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه إذ ليس في القانون ما يحرم على رافع الدعوى بصحة التعاقد أن يضمنها طلب بطلان العقد المسجل من قبل ليخلص له طريق نقل الملكية بتسجيل الحكم بصحة التعاقد. ولا جدال في أن طلب الحكم بمحو تسجيل العقد معناه اعتبار ذلك العقد كأن لم يكن، وأنه لا يصح أن يترتب على تسجيله أي أثر قانوني، والقانون لا يمنع المشتري الذي لم يسجل عقده من أن يتمسك في دعوى صحة التعاقد بصورية عقد المشتري الآخر الذي سجل، لأنه بصفته دائناً للبائع في الالتزامات الشخصية المترتبة على عقد البيع وأهمها الالتزام بنقل الملكية يكون من حقه التمسك بتلك الصورية لإزالة العقبة القائمة في سبيل تحقيق أثر عقده بتسجيل الحكم الصادر بصحته ونفاذه.
عن الوجه الثالث:
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد أخذ بالأسباب التي بنى عليها الحكم الابتدائي قضاءه بصورية عقد الطاعن، وقد تضمنت تلك الأسباب أن العقد الصادر إلى الطاعن جاء بعد تحرير العقد الصادر إلى المطعون ضده، وأن الطاعن كان شاهداً على ذلك العقد، وأن الطاعن هو ولد البائع، وأن هناك سلسلة من التصرفات الصورية صدرت بين المدعى عليهم بعد البيع الصادر منهم للمطعون ضده وتتشابه كلها في بيان المقادير الواردة بها، وهذا الذي ذهبت إليه المحكمة هو تقدير موضوعي مستخلص استخلاصاً مقبولاً من أوراق الدعوى وظروفها فلا يخضع لرقابة محكمة النقض والإبرام.
(1) أخذ الحكم في تقرير هذه القاعدة بما سبق أن قررته محكمة النقض في حكميها الصادرين في 9 ديسمبر سنة 1937 و20 أكتوبر سنة 1938 (المنشورين بالجزء الثاني من هذه المجموعة تحت رقم 96 ص 206 وما بعدها ورقم 135 ص 405 وما بعدها) من أن "القانون لا يمنع المشتري الذي لم يسجل عقده من أن يتمسك بصورية عقد المشتري الآخر الذي سجل عقده صورية مطلقة ليتوصل بذلك إلى محو هذا العقد من الوجود لكي يحكم له هو بصحة عقده ولكي يسجل هذا الحكم فتنتقل إليه ملكية العين المبيعة له. ذلك لأنه بصفته دائناً للبائع في الالتزامات المترتبة على عقد البيع الصادر له من جهة القيام بجميع الإجراءات اللازمة لنقل الملكية يكون له أن يتمسك بتلك الصورية لإزالة جميع العوائق التي تصادفه في سبيل تحقيق أثر عقده".
ولئن كان حكم الاستئناف قد أشار إلى "التدليس والغش المشترك بين طرفي العقد" عند الكلام عن البيع والشراء الوهميين غير الحقيقيين فإنه قد خصص ما قصد بالنص على العقود الصورية. كما أن حكم النقض لم يتكلم إلا عن "العقد الصوري الذي لا وجود له قانوناً" ولم يشر إلى الغش والتدليس.
نقول هذا إيضاحاً للفرق بين طعن المشتري بصورية عقد المشتري الآخر، وهو طعن مقبول ومنتج في التخلص من آثار تسجيل العقد الصوري، وبين تمسك المشتري الذي تأخر في تسجيل عقده بسوء نية المشتري الآخر الذي بادر بتسجيل عقد جدي حقيقي وهو عالم بحصول بيع سابق لم يسجل أو متواطئ مع البائع على تعطيل أثر ذلك البيع السابق، وهو دفاع غير منتج في تعطيل العمل بقاعدة الأسبقية في التسجيل، على ما سبق أن قررته محكمة النقض في حكمها الصادر في 12 ديسمبر سنة 1935 (المنشور بالجزء الأول من هذه المجموعة تحت رقم 308 في صفحة 975 وما بعدها) الذي جاء في قاعدته أنه "ما لم يحصل التسجيل فإن الملكية تبقى على ذمة المتصرف حتى ينقلها التسجيل ذاته للمتصرف إليه ولا يكون للمتصرف إليه في الفترة التي تمضي من تاريخ التعاقد إلى وقت التسجيل سوى مجرد أمل في الملكية دون أي حق فيها. وفي تلك الفترة إذا تصرف المتصرف لشخص آخر فإنه يتصرف فيما يملكه ملكاً تاماً، فإذا أدرك هذا الشخص الآخر وسجل عقده قبل تسجيل عقد المتصرف إليه الأول فقد خلصت له - بمجرد تسجيله - تلك الملكية العينية التي لم يتعلق بها حق ما للأول، حتى ولو كان المتصرف والمتصرف إليه الثاني سيئ النية متواطئين كل التواطؤ على حرمان المتصرف إليه الأول من الصفقة، وإذن... لا يقبل مطلقاً الاحتجاج على صاحب العقد المسجل... لا بسوء نية المتصرف ولا بالتواطؤ... ولا يجوز التحدي بعبارة سوء النية أو حسنها أو العلم أو عدم العلم المشار إليهما بالمادة 270 وغيرها من مواد القانون المدني... إلخ".
وظاهر أن لا تنافر قط بين هذه القاعدة وبين القاعدة في قبول دعوى إبطال العقد الصوري ولو كان مسجلاً. ولقد جاء في ذلك الحكم الأول أن المشتري الذي لم يسجل عقده يبقى من حقه السعي في تقاضي قيمة دينه من ثمن وغيره (من البائع) ولو رفع الدعوى البوليسية لإبطال التصرفات الحاصلة إضراراً به وحرماناً له من تقاضي هذا الدين. ولا شك في أن التسليم بالحق في الدعوى البوليسية يقتضي التسليم بالحق في دعوى الصورية لأن كلتيهما ترمي إلى حل العقد ولو كان مسجلاً، وإن اختلفتا في سبيلهما وفي الأثر الذي يترتب على كل منهما بل إن دعوى الصورية أولى في هذا الصدد بالقبول.
ويلاحظ أخيراً أن قانون تنظيم الشهر العقاري رقم 114 لسنة 1946 الذي وجب العمل به من أول يناير سنة 1947 قد نقل في المادة التاسعة منه حكم المادة الأولى من قانون التسجيل الصادر في سنة 1923 وهو النص على أن عدم التسجيل يترتب عليه أن الحقوق العينية لا تنشأ ولا تنتقل ولا تتغير ولا تزول لا بين ذوي الشأن ولا بالنسبة إلى غيرهم، وأنه لا يكون للتصرفات غير المسجلة من الأثر سوى الالتزامات الشخصية بين ذوي الشأن، كما نقل في المادة العاشرة حكم الفقرة الأولى من المادة الثانية من قانون التسجيل، ولكنه لم ينقل في المادة 12 النص الخاص الوارد في المادة 2 من قانون التسجيل خاصاً بالتصرفات والأحكام التي يداخلها التدليس. وجاء في المذكرة الإيضاحية أنه "في صدد التدليس لم ير محل للنص عليه لا بالنسبة إلى التصرفات المقررة للحقوق العينية ولا بالنسبة إلى التصرفات المنشئة لهذه الحقوق، اكتفاء بتطبيق أحكام القواعد العامة في هذا الشأن".
يبقى البحث فيما إذا كانت "أحكام القواعد العامة في هذا الشأن (أي في شأن التسجيل)" تقضي بغير ما ذهبت إليه محكمة النقض في حكمها الصادر في 12 ديسمبر سنة 1935. نرى أن التشريع الجديد لم ينسخ القاعدة التي قررتها هذه المحكمة من عدم الاعتداد بسوء النية في صدد تسجيل التصرفات الإنشائية. ولو أن التشريع أراد المخالفة المصرح بها. وإذن فسيظل مذهب محكمة النقض قائماً على الأسس التي أقيم عليها، وهي مستفادة من ذات النصوص التي لم يداخلها أي تعديل.