الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

السبت، 5 يونيو 2021

الطعن 11 لسنة 46 ق جلسة 9 / 4 / 1980 مكتب فني 31 ج 1 أحوال شخصية ق 201 ص 1038

جلسة 9 من إبريل سنة 1980

برئاسة السيد المستشار/ أحمد سيف الدين سابق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمود الباجوري، إبراهيم محمد هاشم، محمد طه سنجر وإبراهيم محمد فراج.

---------------

(201)
الطعن رقم 11 لسنة 46 ق "أحوال شخصية"

(1و 2) أحوال شخصية. دعوى. "سماع الدعوى". حيازة. وقف.
 (1)الأصل في الشريعة الإسلامية أن الأموال المملوكة لا تكتسب ملكيتها بوضع اليد عليها مهما طال الزمن. وضع اليد المكسب. شروطه. منع سماع الدعوى. مناطه. م 375 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية. وجوب إعمال حكمها مقيدة بالشروط التي أقرها المذهب الحنفي لعدم سماع الدعوى.
 (2)وضع وزارة الأوقاف يدها على أعيان الوقف المطالب بحصته فيها وذلك بوصفها ناظرة أو حارسة. عدم قبول الدفع المبدى منها بعدم سماع الدعوى بانقضاء 33 سنة. علة ذلك.

--------------
1 - الأصل في الشريعة الإسلامية أن الأموال المملوكة لا تكتسب ملكيتها بوضع اليد عليها مهما امتد في الزمان، ولكن الفقهاء رأوا أن وضع اليد مدة طويلة يدل بحسب الظاهر ووفقاً لما سار عليه العرف وجرت به العادة، على أن واضع اليد هو المالك ما دامت يده هادئة لم ينازعه أحد فيها، فتكون الدعوى عليه في هذه الحالة مما يكذبه الظاهر، ويفيد أن مدعيها مبطل فيها، وكل دعوى هذا شأنها لا تسمع سداً لباب التزوير وقطعاً للدعاوى الباطلة، ولذلك أجازوا لولي الأمر بما له من سلطة تخصيص القاضي بالزمان والمكان ونوع الحوادث التي ينظرها، أن يمنع من سماع الدعوى بعد مدة معينة يحددها، على أن يكون المنع من سماع الدعوى إذا توافرت شروط معينة هي أن يستمر وضع اليد على الشيء مدة طويلة، واختلفوا في تحديد مداها، تبتدئ من وقت ظهور واضع بمظهر المالك للعين إن كان المدعي عيناً من الأعيان، أو من وقت ثبوت حق المطالبة بالمدعى إن كان ديناً أو حقاً من الحقوق، على ألا يكون هناك عذر يحول بين المدعي والمطالبة بحقه، فإن وجد عذر يمنعه من ذلك كأن يكون غائباً غيبة متصلة طويلة غير عادية أو يكون واضع اليد ذا شوكة يخاف من مطالبته، أو يكون المطالب مفلساً لا فائدة من تنفيذ الحكم عليه عند صدوره، إذا وجد شيء من ذلك لم تبتدئ المدة إلا من وقت زوال العذر، وإذا ابتدأت المدة يجب استمرار عدم العذر حتى تنتهي، فإذا انتهت كان مضيها مانعاً من سماع الدعوى، فإذا عاد العذر خلال المدة تنقطع المدة بذلك ويعتبر ما مضى نهائياً لاغياً وتبتدئ مدة جديدة، ولو تعاقب اثنان على وضع اليد أو أكثر، ابتدأت المدة من وقت وضع يد الأول إذا كان كل منهم قد تلقى الملك عمن قبله، كما يشترط إنكار المدعى عليه للحق طيلة المدة، فلو أثبت المدعي أنه أقر في أثنائها سمعت الدعوى، وألا يطرأ إخلال المدة ما يقطعها من إقرار أو طروء عذر، أو قيام المدعي بالمطالبة بالحق أمام القضاء وإن لم يفصل في طلبه، وهذا الذي أوردته كتب الفقه الحنفي يتفق وما نص عليه القانون المدني للتملك بوضع اليد، فهي تستلزم وضع اليد بنية الملك، وضع يد ظاهر، لا غموض فيه، هادئ، مبرأ من الإكراه، مستمر طيلة المدة المحددة، ولا يعتد بمضي المدة إذا وجد مانع من المطالبة بالحق سواء كان قانونياً أو مادياً، وتنقطع المدة بالمطالبة القضائية والإكراه، وفي ضوء هذه القواعد جميعاً يتعين فهم ما نصت عليه المادة 375 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية من أن "القضاة ممنوعون من سماع الدعوى التي مضى عليها خمس عشرة سنة مع تمكن المدعي من رفعها وعدم العذر الشرعي له في عدم إقامتها إلا في الإرث والوقف، فإنه لا يمكن من سماعها إلا بعد ثلاث وثلاثين سنة مع التمكن وعدم العذر الشرعي وهذا كله مع الإنكار للحق في هذه المدة" فلا يكفي مجرد مرور المدة المحددة لكي لا تسمع الدعوى، وإنما يجب الأخذ بالشروط والقواعد التي وضعها المذهب الحنفي لعدم سماع الدعوى والسابق بيانها، باعتباره القانون الواجب التطبيق فيما لم يرد بشأنه نص في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية أو في قانون آخر عملاً بالمادتين 6/ 1 من القانون 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية و280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية.
2 - إذ كانت وزارة الأوقاف - الطاعنة - لم تدع أنها تضع اليد على أعيان الوقف بما في ذلك النصيب الذي يطالب به المطعون عليهم بصفتها مالكة وأنها تتصرف فيه تصرف المالك، وإنما ظاهر الحال أنها وضعت اليد على الوقف شاملاً الحصة التي يستحقها المطعون عليهم بصفتها ناظرة أو حارسة طبقاً للمادة الخامسة من القانون 180 لسنة 1952 بإنهاء الوقف على غير الخيرات، وهي بهذه الصفة أو تلك أمينة على ما تحت يدها، فلا يجوز لها دفع دعوى المطعون عليهم ضدها بعدم السماع، بزعم أنها تملكت نصيبهم بمضي المدة، لأن يدها على الأموال يشوبها الغموض، فلا يعرف إن كانت امتداد لحيازتها كناظرة أو حارسة، أو بنية المالك، والأصل بقاء ما كان على ما كان فما دامت حيازتها بدأت على سبيل النظر أو الحراسة فلا يفترض أنها صارت بنية الملك حتى تجيز الدفع بعدم سماع الدعوى، إلا إذا كان تغيير سبب وضع اليد بفعل إيجابي له مظهر خارجي، يجبه حق المطعون عليهم بالإنكار الساطع والمعارضة العلنية، ولا يكفي في هذا مجرد الامتناع عن دفع المستحقات في الريع، أما عن النص في المادة 375 من اللائحة على عدم سماع الدعوى في الإرث والوقف بعد ثلاث وثلاثين سنة فمجال تطبيقه أن يكون لأجنبي أو الوارث أو ناظر الوقف، الذي يتمسك بعدم السماع قد وضع يده على عين معينة بذاتها بالشروط السابق بيانها طيلة المدة المطلوبة. وعلى هذا فلا تملك وزارة الأوقاف الطاعنة الدفع بعدم سماع دعوى استحقاق مورث المطعون عليهم في الوقف المؤدى إلى تملكهم للحصة المستحقة طبقاً للقانون 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضدهم أقاموا الدعوى رقم 1074 لسنة 1972 أحوال شخصية جنوب القاهرة ضد الطاعنة بطلب الحكم باستحقاق مورثهم المرحوم... لجزء من ستة وثلاثين جزءاً ينقسم إليها وقف الأمير.... وانتقاله ميراثاً لورثته ومنع الطاعنة من التعرض لهم في ذلك، وقالوا شرحاً لها أن الواقف المذكور وقف وقفة المبين بكتابيه المؤرخ أولهما 10 من المحرم سنة 1126 هـ والثاني 17 من ربيع الثاني سنة 1127 هـ على نفسه مدة حياته ثم من بعده على ذريته وعتقائه وفق الترتيب والأنصبة المحددة بكتابي الوقف، وبوفاته، انحصر الاستحقاق في ابنه... لوفاة من عداه من أولاد الواقف عقيماً وعدم وجود عتقاء له ووفاة أخويه... و.... وابنها.... قبل وفاته ثم توفى.... عن ابنه.... الذي توفى عن ابنه.... الذي توفى عن ولديه.... و.... ثم توفى.... المذكور عن ابنته.... التي توفيت عن بنتيها.... و.... عن بناتها الثلاثة.... و.... و....، وتوفيت الأخيرة عن أولادها الثلاثة.... و.... و....، وتوفيت.... عقيما وآل استحقاقها إلى أخويها ثم توفى.... عن ولديه.... و....، وتوفى.... في 1/ 1/ 1954 عن زوجته.... وولديه المطعون ضدهما الأولين وابنته مورثة باقي المطعون ضدهم عدا الأخيرة، فآل استحقاقه في الوقف إليهم ميراثاً تبعاً لإلغاء الوقف على غير الخيرات بالقانون رقم 180 لسنة 1952، وبوفاة الزوجة في 13/ 3/ 1958 عن أولادها المذكورين وولديها من زوج آخر.... و... - المطعون ضدها الأخيرة - آل إليهم ما ورثته عن زوجها المتوفى للذكر منهم مثل حظ الأنثيين، وإذ كانت الطاعنة تضع يدها على أعيان الوقف أو امتنعت عن إعطائهم أنصبتهم فيما دون حق، فقد أقاموا الدعوى، دفعت الطاعنة بعدم سماع الدعوى وبتاريخ 10/ 6/ 1973 حكمت المحكمة بقبول الدفع بالنسبة لما يستحقه مورث المطعون ضدهم المرحوم.... في الوقف، ورفضه بالنسبة لاستحقاق مورثتهم المرحومة.... الشهيرة...، وندب مكتب الخبراء لتحديد مقدار استحقاقها في الوقف، وواضع اليد عليه وصفته في وضع اليد، ثم عادت وحكمت في 9/ 12/ 1973 باستحقاق المرحوم... مورث المطعون ضدهم لجزء من ستة وثلاثين جزءاً ينقسم إليها القدر الموقوف، وانتقاله ميراثاً إلى المطعون ضدهم ومنع الطاعنة من التعرض لهم في ذلك، استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 1 لسنة 91 ق القاهرة، واستأنفت المطعون ضدهم الحكم الأول فيما قضى به من عدم سماع الدعوى بالنسبة لاستحقاق مورثهم المرحوم.... في الوقف بالاستئناف رقم 109 لسنة 90 القاهرة، وبعد ضم الاستئنافين حكمت محكمة الاستئناف في 8/ 2/ 1976 بإلغاء الحكم المستأنف الثاني وتأييد الأول، مع القضاء باستحقاق المطعون ضدهم لجزء من مائتين وعشرين جزء ينقسم إليها الوقف ميراثاً لهم عن استحقاق والدتهم المذكورة آيلا إليها عن مورثها المرحوم...، ومنع تعرض الطاعنة لهم في هذا القدر، طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، قدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم وبعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعى بهما الطاعنة على الحكم المطعون فيه التناقض والخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك تقول أن الحكم بينما أيد الحكم الابتدائي فيما قضى به من عدم سماع الدعوى بالنسبة للنصيب الذي آل إلى المطعون ضدهم عن والدهم، أيده في رفضه القضاء بذلك بالنسبة للنصيب الآيل إليهم عن والدتهم تأسيساً على عدم انقضاء المدة المانعة من سماع الدعوى منذ تاريخ وفاتها، في حين أن كلاً من النصيب الأصلي الذي تلقوه عن والدهم وذلك الذي آل إليهم عن والدتهم، انتقلا إليهم ميراثاً طبقاً لقواعده وليس وفقاً لقواعد الاستحقاق في الوقف لحصول ذلك بعد صدور القانون رقم 180 لسنة 1952 الذي أنهى الوقف على غير الخيرات فيكون حكمها واحداً لانتقالها من مورث واحد هو والدهم، وغاية الأمر أن النصيب الأصلي انتقل إليهم مباشرة بينما انتقل إليهم النصيب الآيل بطريق غير مباشر، وما يجرى على المورث يجرى على الوارث فيجب احتساب المدة التي تركت فيها والدتهم المطالبة بحقها فيما ورثته عن زوجها منذ وفاته في 1/ 1/ 1954 حتى وفاتها في 13/ 3/ 1958 مضافة إلى المدة التي تركوا فيها المطالبة بهذا الحق.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الأصل في الشريعة الإسلامية أن الأموال المملوكة لا تكتسب ملكيتها بوضع اليد عليها مهما امتد في الزمان، ولكن الفقهاء رأوا أن وضع اليد مدة طويلة يدل بحسب الظاهر ووفقاً لما سار عليه العرف وجرت به العادة، على أن واضع اليد هو المالك ما دامت يده هادئة لم ينازعه أحد فيها، فتكون الدعوى عليه في هذه الحال مما يكذبه الظاهر، ويفيد أن مدعيها مبطل فيها، وكل دعوى هذا شأنها لا تسمع سداً لباب التزوير وقطعاً للدعاوى الباطلة، ولذلك أجازوا لولي الأمر بما له من سلطة تخصيص القاضي بالزمان والمكان ونوع الحوادث التي ينظرها، أن يمنع من سماع الدعوى بعد مدة معينة يحددها، على أن يكون المنع من سماع الدعوى إذا توافرت شروط معينة هي أن يستمر وضع اليد على الشيء مدة طويلة، اختلفوا في تحديد مداها، تبتدئ من وقت ظهور واضع اليد بمظهر المالك للعين إن كان المدعي عيناً من الأعيان، أو من وقت ثبوت حق المطالبة بالمدعي إن كان ديناً أو حقاً من الحقوق، على ألا يكون هناك عذر يحول بين المدعي والمطالبة بحقه، فإن وجد عذر يمنعه من ذلك كأن يكون غائباً غيبة متصلة طويلة غير عادية أو يكون واضع اليد ذا شوكة يخاف من مطالبته، أو يكون المطالب مفلساً لا فائدة من تنفيذ الحكم عليه عند صدوره، إذا وجد شيء من ذلك لم تبتدئ المدة إلا من وقت زوال العذر وإذا ابتدأت المدة يجب استمرار عدم العذر حتى تنتهي، فإذا انتهت كان مضيها مانعاً من سماع الدعوى فإذا عاد العذر خلال المدة تنقطع المدة بذلك ويعتبر ما مضى منها لاغياً وتبتدئ مدة جديدة، ولو تعاقب اثنان على وضع اليد أو أكثر، ابتدأت المدة من وقت وضع يد الأول إذا ما كان كل منهم قد تلقى الملك عمن قبله، كما يشترط إنكار المدعى عليه للحق طيلة المدة، فلو أثبت المدعي أنه أقر في أثنائها سمعت الدعوى، وألا يطرأ خلال المدة ما يقطعها من إقرار، أو طروء عذر أو قيام المدعي بالمطالبة بالحق أمام القضاء وإن لم يفصل في طلبه. وهذا الذي أوردته كتب الفقه الحنفي قننه مرشد الحيران لقدري باشا مراجع على المذهب الحنفي بمعرفة فضيلة مفتي مصر ومدرس الشريعة بمدرستي الحقوق ودار العلوم وقتذاك، في المواد من 151 - 161، وقد اشترطت المادتان 151 و161 أن يكون واضع اليد على العقار متصرفاً فيه تصرف الملاك بلا منازع كما نصت المادة 154 على أن الاستيداع والاستئجار والاستعارة والاستيهاب تعتبر إقراراً بعدم الملك لمباشر ذلك فلا تسمع دعواه لنفسه على واضع اليد. ونصت المادة 155 على أن واضع اليد على العقار بطريق الإجارة أو العارية ليس له أن يتمسك بمرور المدة على وضع يده في منع سماع دعوى المؤجر أو المعير عليه فإن كان منكراُ للإجارة أو العارية جميع المدة، والمدعى حاضر وهو تارك للدعوى عليه مع التمكن منها، ووجود المقتضى لها، فلا تسمع دعواه بعد ذلك. ونصت المادة 157 على أنه إذا تركت الدعوى لعذر من الأعذار الشرعية في المدة المحددة كأن كان المدعي غائباً أو قاصراً أو مجنوناً ولا ولي لهما ولا وصي، فلا مانع من سماع دعوى الملك أو الإرث أو الوقف ونصت المادة 158 على أن المطالبة أثناء المدة في مجلس القضاء تقطع المدة - والمتأمل لهذه الأحكام جميعاً يتبين أن الشريعة الإسلامية وضعت شروطاً لعدم سماع الدعوى تتفق وما نص عليه القانون المدني للتملك بوضع اليد، فهي تستلزم وضع اليد بنية الملك، وضع يد ظاهر، لا غموض فيه، هادئ، مبرأ من الإكراه مستمر طيلة المدة المحدودة ولا يعتد بمضي المدة إذا وجد مانع من المطالبة بالحق سواء كان قانونياً أو مادياً وتنقطع المدة بالمطالبة القضائية والإكراه وفي ضوء هذه القواعد جميعاً يتعين فهم ما نصت عليه المادة 375 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية من أن "القضاة ممنوعون من سماع الدعوى التي مضى عليها خمس عشرة سنة مع تمكن المدعي من رفعها وعدم العذر الشرعي له في عدم إقامتها إلا في الإرث والوقف فإنه لا يمكن من سماعها إلا بعد ثلاثة وثلاثين سنة مع التمكن وعدم العذر الشرعي وهذا كله مع إنكار للحق في هذه المدة" فلا يكفي مجرد مرور المدة المحددة لكي لا تسمع الدعوى، وإنما يجب الأخذ بالشروط والقواعد التي وضعها المذهب الحنفي لعدم سماع الدعوى والسابق بيانها باعتباره القانون الواجب التطبيق فيما لم يرد بشأنه نص في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية أو في قانون آخر عملاً بالمادتين 6/ 1 من القانون 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية و280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية. لما كان ذلك وكانت وزارة الأوقاف الطاعنة - لم تدع أنها تضع اليد على أعيان الوقف بما في ذلك النصيب الذي يطالب به المطعون عليهم بصفتها مالكة وأنها تتصرف فيه تصرف المالك، وإنما ظاهر الحال أنها وضعت اليد على الوقف شاملاً الحصة التي يستحقها المطعون عليهم بصفتها ناظرة أو حارسة طبقاً للمادة الخامسة من القانون 180 لسنة 1952 بإنهاء الوقف على غير الخبرات، وهي بهذه الصفة أو تلك أمينة على ما تحت يدها فلا يجوز لها دفع دعوى المطعون عليهم ضدها بعدم السماع، بزعم أنها تملكت نصيبهم بمضي المدة، لأن يدها على الأموال يشوبها الغموض، فلا يعرف إن كانت امتداداً لحيازتها كناظرة أو حارسة، أو أنها بنية الملك، والأصل بقاء ما كان على ما كان فما دامت حيازتها بدأت على سبيل النظر أو الحراسة فلا يفترض أنها صارت بنية الملك حتى تجيز الدفع بعدم سماع الدعوى، إلا إذا كان تغيير سبب وضع اليد بفعل إيجابي له مظهر خارجي، يجبه حق المطعون عليهم بالإنكار الساطع والمعارضة العلنية، ولا يكفي في هذا مجرد الامتناع عن دفع الاستحقاق في الريع أما عن النص في المادة 375 عن اللائحة على عدم سماع الدعوى في الإرث والوقف بعد ثلاث وثلاثين سنة فمجال تطبيقه أن يكون الأجنبي أو الوارث أو ناظر الوقف، الذي يتمسك بعدم السماع قد وضع يده على عين معينة بذاتها بالشروط السابق بيانها طيلة المدة المطلوبة وعلى هذا فلا تملك وزارة الأوقاف - الطاعنة - الدفع بعدم سماع دعوى استحقاق مورث المطعون عليهم - الوقف المؤدي إلى تملكهم للحصة المستحقة طبقاً للقانون 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخبرات، ويكون الحكم المطعون فيه سليماً فيما انتهى إليه من رفض الدفع بعدم السماع ولا يعيبه ما أورده من تقريرات قانونية لا تتفق وما سبق لهذه المحكمة أن أوضحته، ومن ثم فإنه يتعين رفض الطعن.

دستورية الوصية الواجبة - المادة 76 من قانون الوصية الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 1946

الدعوى رقم 216 لسنة 30 ق "دستورية" جلسة 8 / 5 / 2021
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من مايو سنة 2021م، الموافق السادس والعشرين من رمضان سنة 1442 هـ.

برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان وعلاء الدين أحمد السيد والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر


أصدرت الحكم الآتى

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 216 لسنة 30 قضائية "دستورية"


المقامة من

حافظ أنـور حافظ

ضد

1 - رئيس الجمهوريـة 2 - رئيس مجلس الوزراء

3 - رئيس مجلس النواب 4 - عادل أحمد مختار الحطيبـى

5 - نجلاء أحمد مختار الحطيبى 6 - أحمد مختار الحطيبى عبدالحليم

7 - طلعت عبدالحليم الحطيبى 8 – سهام عبدالحليم الحطيبـى

9 - عدلات أنور حافظ 10- جيهان أنور حافظ

11- ابتسام أنـور حافظ 12- سامية أنـور حافظ

13- محمد فؤاد محمد طلبة 14- أنور فؤاد محمد طلبة

15- سناء أنـور حافظ 16- يسرية أنور حافظ

17- انتصار أنور حافظ 18- إيمان أنور حافظ


الإجـراءات
بتاريخ الثالث عشر من أغسطس سنة 2008، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نصوص المواد (76، 77، 78، 79) من قانون الوصية الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 1946، وسقوط العمل بأحكام تلك المواد.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة بجلسة 3/4/2021، إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم، مع التصريح بالاطلاع وتقديم مذكرات في خلال أسبوع، وفى الأجل المشار إليه قدم المدعى مذكرة صمم فيها على الطلبات، كما قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى عليهن من التاسعة إلى الحادية عشرة كن قد أقمن الدعوى رقم 5570 لسنة 1997 مدني كلي، أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية، ضد المدعى عليهما الرابع والخامسة، بطلب ندب مكتب خبراء وزارة العدل ليعهد لأحد خبرائه بالانتقال إلى أعيان تركة المرحوم أنور حافظ على، وتقدير قيمة ما أعطاه المتوفى للمدعى عليهما بدون عوض، وبيان ما إذا كان هذا القدر مساويًا لحقهما في الوصية الواجبة أو يقل عنه، وتحديد القدر المكمل لحقهما، وذلك تأسيسًا على أن مورثهم المرحوم أنور حافظ على، توفى بتاريخ 9/4/1997، وترك تركة هي العقارات أرقام (32، 32 مكرر، 35، 37) شارع عمر لطفى – كامب شيزار – قسم باب شرق، وجزء من العقار الكائن ناصية شارع فرنسيس وطريق الحرية بولكلى قسم الرمل، محافظة الإسكندرية، وقد انحصر إرثه الشرعي فيهن، وآخرين، طبقًا للتحديد الوارد بمادة الوراثة رقم 262 لسنة 1997 وراثات باب شرق – الإسكندرية – وقد استحق للمدعى عليهما الرابع والخامسة، وهما ولدا ابنته سهير أنور حافظ على، المتوفاة حال حياته، وصية واجبة، وكان مورثهم قد تنازل حال حياته لحفيديه المشار إليهما، بدون مقابل، عن ميراثه في ابنته المذكورة، وذلك بموجب عقد التخارج المحرر بتاريخ 26/8/1995، الصادر به الحكم في الدعوى رقم 6244 لسنة 1995 مدنى كلى الإسكندرية بتاريخ 11/11/1995، وذلك إضافة إلى المنقولات والمصاغ وورشة ديكور بمنطقة المعادي، التي لم يتم التخارج عنها، وهو ما يستوجب حساب القدر المتنازل عنه بدون عوض من الجد للمدعى عليهما الرابع والخامسة، وتحديد ما إذا كانت قيمته تفى بمقدار الوصية الواجبة المستحقة لهما أم تقل عنه، مع بيان القدر الذى تكتمل به حصتهما في الوصية الواجبة حال نقصانها عن النصيب المقرر لهما. وأثناء نظر الدعوى تدخل المدعى انضماميًّا للمدعيات في طلباتهن، كما تدخل فيها هجوميًا بطلب الحكم باستبعاد الحصة المملوكة له في العقارين رقمى (32، 35) شارع عمر لطفـى – كامب شيزار – الإسكندرية، بواقع الربع في كل منهما، وذلك من تركة المرحوم أنور حافظ على، وطلب كذلك القضاء ببطلان توريث المدعى عليهما الرابع والخامسة كأصحاب وصية واجبة، وما يترتب على ذلك من آثار. كما تدخل كل من المدعى عليهم من السادس إلى الثامنة هجوميًا في الدعوى بطلب استنزال حصة قدرها 43,4% مـن العقار رقم (32 مكرر) شارع عمر لطفى – كامب شيزار – الإسكندرية، المرفوع بشأنها دعوى ثبوت ملكية، وذلك من تركة المرحوم أنور حافظ على. وبجلسة 29/3/1998، قضت المحكمة بندب خبير في الدعوى، وقدم الخبير تقريرًا، انتهى فيه إلى أن نصيب المدعى عليهما الرابع والخامسة في تركة جدهما المتوفى أنور حافظ على، يقدر بمبلغ (775و73174) جنيهًا، وأن قيمة ما تخارج عنه الجد في تركة ابنته المتوفاة قبله، سهير أنور حافظ، هو مبلغ (5916) جنيهًا، لتغدو قيمة ما يستحق للمدعى عليهما الرابع والخامسة لتكملة نصيبهما في الوصية الواجبة في تركة جدهما، هو مبلغ (707ر67258) جنيهًا. وأثناء نظر الدعوى دفع المدعى بعدم دستورية نص المادة (76) من قانون الوصية الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 1946، وإذ قدرت محكمة الموضوع بجلسة 27/5/2008، جدية هذا الدفع، صرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية طعنًا عليه، كما كلفته المحكمة بهذه الجلسة بإدخال المدعى عليهم من الثانية عشرة حتى الثامنة عشرة في الدعوى، باعتبارهم ورثة المرحوم أنور حافظ على، وبناء على ذلك قام المدعى بإدخال المذكورين خصومًا في الدعوى، كما أقام دعواه المعروضة، بطلباته المتقدمة. وأثناء تحضير الدعوى أمام هيئة المفوضين، قدم المدعى عليهما الرابع والخامسة بجلسة 1/12/2008، مذكرة، طلبا فيها الحكم برفض الدعوى، والقضـاء لهما بتعويـض لكيدية الدعوى، عملاً بنص المادة (270/2) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن لكل من الدعويين الموضوعية والدستورية ذاتيتها، فلا تختلطان ببعضهما ولا تتحدان في شرائط قبولهما، بل تستقل كل منهما عن الأخرى في موضوعها، وكذلك في مضمون الشروط التي يتطلبها القانون لجواز رفعها، وقبولها. متى كان ذلك، وكان الثابت أن المدعى عليهم من السادس حتى الثامنة، قد تدخلوا هجوميًا في الدعوى الموضوعية، طبقًا لنص المادة (126) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وتم إدخال المدعى عليهم من الحادية عشرة حتى الثامنة عشرة في تلك الدعوى، بناء على تكليف محكمة الموضوع للمدعى بجلسة 27/5/2008، بإدخال باقي ورثة المرحوم أنور حافظ على، طبقًا لنص المادة (118) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، كما اُختصم المدعى عليهما الثالث عشر والرابع عشر في الدعوى الموضوعية لحلولهما محل المدعى عليها الثامنة عشرة، بعد تنازلها لهما عن نصيبها في تركة مورثها، وهى الصفات القانونية التي يمثلون بها في تلك الدعوى، ويتحدد بها مركزهم القانوني فيها، دون الدعوى الدستورية المعروضة، التي يُعد اختصام المدعى لهم فيها في حقيقته، وبحسب التكييف القانوني الصحيح له، كخصوم أصليين مع باقي المدعى عليهم فيها.

وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى المبدى من هيئة قضايا الدولة، لعدم اتصالها بالمحكمة اتصالاً مطابقًا للأوضاع المقررة قانونًا، تأسيسًا على أن الدفع بعدم الدستورية قد أُبدى من المدعى طالب التدخل الهجومي والانضمامي في الدعوى الموضوعية، قبل أن تقول محكمة الموضوع كلمتها بشأن قبول هذا التدخل، فضلاً عن تجاوز طلباته نطاق الطلبات الموضوعية للخصوم الأصليين في تلك الدعوى، فهو مردود: ذلك أن الثابت من الأوراق أن المدعى تدخل هجوميًّا في الدعوى الموضوعية توصلاً للقضاء له بطلباته المتقدمة، كما تدخل فيها منضمًا للمدعيات في طلباتهن، وتمسك فيها بالدفع بعدم دستورية نص المادة (76) من قانون الوصية الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 1946، وبعد أن قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، صرحت له بإقامة الدعوى الدستورية طعنًا على ذلك النص، كما كلفته بإدخال باقي ورثة المرحوم أنور حافظ على خصومًا في الدعوى، بما يُعد معه – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – بمثابة قبول ضمني لتدخله، ومن ثم فإنه يعتبر من ذوي الشأن الذين أجازت لهم المادة (29/ب) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، إقامة الدعوى الدستورية، لاسيما أن المتدخلين انضماميًّا في الدعوى الموضوعية إنما يدافعون عن عين المصالح التي تتوخى كل من المدعيات فيها تأمينها وحمايتها، كما أن من المقرر أن المتدخل هجوميًّا متى قُبل تدخله، فإنه يُعد في مركز المدعى، وهو الأمر الذى يضحى معه الدفع بعدم قبول الدعوى المشار إليه في غير محله، وغير قائم على أساس سليم، حقيقًا بالالتفات عنه.

وحيث إن نص المادة (29) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979– على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - جاء قاطعًا في دلالته على أن النصوص التشريعية التي يتصل الطعن عليها بالمحكمة الدستورية العليا اتصالاً مطابقًا للأوضاع المقررة قانونًا، هي تلك التي تطرح عليها بعد دفع بعدم دستوريتها يبديه خصم أمام محكمة الموضوع، وتقدر المحكمة جديته، وتأذن لمن أبداه برفع الدعوى الدستورية طعنًا عليها، أو إثر إحالة الأوراق إلى هذه المحكمة من محكمة الموضوع لقيام دلائل لديها تثير شبهة مخالفـة تلك النصوص لأحكام الدستور، ولم يجز المشرع بالتالي الدعوى الأصلية سبيلاً للطعن بعدم دستورية النصوص التشريعية. متى كان ذلك، وكان الثابت أن الدفع بعدم الدستورية المبدى من المدعى أمام محكمة الموضوع، وتقدير المحكمة لجدية هذا الدفع، وتصريحها له برفع الدعوى الدستورية، قد انصب على نص المادة (76) من قانون الوصية الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 1946، ولم يشمل ذلك الدفع نصوص المواد (77، 78، 79) من هذا القانون، الأمر الذي تضحى معه الدعوى المعروضة في خصوص النصوص الأخيرة دعوى أصلية، أقيمت بالطريق المباشر، بالمخالفة لنص المادة (29) من قانون المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، ولا تكون بالتالي قد اتصلت بهذه المحكمة في هذا الشأن اتصالاً مطابقًا للأوضاع المقررة قانونًا، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى بالنسبة لها.

وحيث إنه عن طلب المدعى عليهما الرابع والخامسة، المبدى بمذكرتهما المقدمة أثناء تحضير الدعوى أمام هيئة المفوضية بجلسة 1/12/2008، الحكم برفض الدعوى، والقضاء لهما بتعويض لكيدية الدعوى، فقد جرى قضاء هذه المحكمة على أنه لا يجوز إبداء طلبات جديدة أو إضافية أمام هيئة المفوضين، الأمر الذى يتعين معه الالتفات عن طلب التعويض المشار إليه.

وحيث إن المادة (76) من قانون الوصية الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 1946 تنص على أنه " إذا لم يوص الميت لفرع ولده الذى مات في حياته أو مات معه ولو حكمًا بمثل ما كان يستحقه هذا الولد ميراثًا في تركته أو كان حيًّا عند موته وجبت للفرع في التركة وصية بقدر هذا النصيب في حدود الثلث بشرط أن يكون غير وارث وألا يكون الميت قد أعطاه بغير عوض من طريق تصرف آخر قدر ما يجب له، وإن كان ما أعطاه أقل منه وجبت له وصية بقدر ما يكمله.

وتكون هذه الوصية لأهل الطبقة الأولى من أولاد البنات وأولاد الأبناء من أولاد الظهور وإن نزلوا على ما يحجب كل أصل فرعه دون فرع غيره وأن يقسم نصيب كل أصل على فرعه وإن نزل قسمة الميراث كما لو كان أصله أو أصوله الذين يدلى بهم إلى الميت ماتوا بعده وكان موتهم مرتبًا كترتيب الطبقات".

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة، وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في الدعوى الدستورية مؤثرًا في الطلبات المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع – الذى تدخل فيه المدعى منضمًا لكل من المدعى عليهن من التاسعة حتى الحادية عشرة في طلباتهن في الدعوى رقم 5570 لسنة 1997 مدنى كلى الإسكندرية - قد انصب على تحديد مقدار الوصية الواجبة التي تقررت للمدعى عليهما الرابع والخامسة في تركة جدهم المرحوم أنور حافظ على، وبيان ما إذا كان ما أعطاه لهما حال حياته دون عوض، مساويًا لمقدار الوصية الواجبة المستحقة لهما أم أقل، والقدر الذى تكتمل به حصتهما في حالة نقصانها عن المستحق لهما، كما تدخل المدعى في هذا النزاع هجوميًا بطلب القضاء باستبعاد كل من الحصتين المملوكتين له في العقارين رقمى (32، 35) شارع عمر لطفى – كامب شيزار – الإسكندرية، من تركة مورثه المرحوم أنور حافظ على، وطلب كذلك الحكم ببطلان الوصية الواجبة المشار إليها. وكان نص المادة (76) من قانون الوصية المطعون فيه هو الحاكم للوصية الواجبة، والمحدد لضوابط وشروط استحقاقها، وتوزيعها، ومقدارها، وأحوال وقواعد تكملته في حالة نقصان التصرف بغير عوض من الجد أو الجدة عن القدر المقرر للمستحقين، ومن ثم فإن القضاء في دستورية هذا النص سيكون ذا أثر وانعكاس أكيد على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها، لتضحى بذلك المصلحة الشخصية المباشرة متحققة بالنسبة لهذا النص.

وحيث إن المدعى ينعى على نص المادة (76) من قانون الوصية المطعون فيه مخالفته وتناقضه مع أحكام القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث، وكذا مخالفته لنصوص المواد (2، 7، 8، 9، 29، 34، 40) من الدستور الصادر سنة 1971، وتقابلها المواد (2، 4، 8، 9، 10، 33، 35، 53) من الدستور الصادر سنة 2014، بقالة إنه بتقريره الوصية الواجبة قد تضمن إهدارًا لقواعد الميراث وحقوق أفراد الأسرة فيه، بإعطاء الحق لأشخاص لا يستحقونه، وتغليب من ليسوا بوارثين وإشراكهم في التركة، والتسوية بينهم وبين الورثة أصحاب العصبات في ذلك، بما يمثل اعتداء على حقوق الورثة، بالمخالفة لمبادئ الشريعة الإسلامية، والمادة الثانية من الدستور، كما يتضمن إخلالاً بالتضامن الاجتماعي، والحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة المصرية، وقيم وتقاليد المجتمع، والمساس بحق الملكية الخاصة، ومبدأى تكافؤ الفرص والمساواة، التي كفلها الدستور.

وحيث إنه عن نعى المدعى مخالفة النص المطعون فيه لأحكام القانون رقم 77 لسنة 1943 المشار إليه، فإنه مردود: ذلك أن الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة في شأن دستورية النصوص القانونية – على ما جرى به قضاؤها – مناطها مخالفة تلك النصوص لقاعدة تضمنها الدستور، ولا شأن لها بالتعارض بين نصين قانونيين جمعهما قانون واحد أو تفرقا بين قانونين مختلفين، ما لم يكن هذا التعارض منطويًا بذاته على مخالفة دستورية، مما يتعين معه الالتفات عن هذا النعي.

وحيث إن من المقرر أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية، التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم، دون غيره، إذ إن هذه الرقابة، إنما تستهدف أصلاً صون الدستور المعمول به، وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي أثارها المدعى بشأن النص التشريعي المطعون فيه، تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على هذا النص، الذى مازال قائمًا ومعمولاً بأحكامه، من خلال أحكام الدستور الصادر بتاريخ 18/1/2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.

وحيث إنه عن نعى المدعى على النص المطعون فيه مخالفته مبادئ الشريعة الإسلامية، ونص المادة الثانية من دستور سنة 1971 – ويقابلها المادة الثانية من الدستور الحالي – فإنه مردود: ذلك أن هذه المحكمة سبق لها أن قضت بحكمها الصادر بجلسة 4/4/1987، في الدعوى رقم 46 لسنة 7 قضائية "دستورية"، برفض الدعوى، المقامة طعنًا على نص المادة (76) من قانون الوصية الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 1946، وكان مبنى الطعن الوحيد الذى اقتصرت في قضائها المذكور على التصدي له هو مدى مخالفة ذلك النص للمادة الثانية من الدستور، ومبادئ الشريعة الإسلامية، وأسست القضاء المتقدم على أن القيد المقرر بمقتضى النص المار ذكره بعد تعديله بتاريخ 22/5/1980، والمتضمن إلزام المشرع بعدم مخالفة مبادئ الشريعة الإسلامية، لا يتأتى إعماله بالنسبة للتشريعات السابقة عليه، وأن المادة (76) المطعون فيها لم يلحقها أي تعديل بعد التاريخ المشار إليه، وأن النعي عليها بمخالفة نص المادة الثانية من الدستور يكون في غير محله. غير أن قضاء هذه المحكمة في الدعوى السالف ذكرها لا يعتبر – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – مطهرًا لذلك النص مما قد يكون عالقًا به من مثالب أخرى، ولا يحول بين كل ذي مصلحة وإعادة طرحه على المحكمة لأوجه مخالفة أخرى غير ما تقدم.

وحيث إنه عن نعى المدعى على النص المطعون فيه المساس بحق الملكية الخاصة الذى كفله الدستور في المادتين (33، 35) منه، فهو مردود: ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن الملكية لم تعد حقًا مطلقًا، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي، وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها، ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها وظيفتها الاجتماعية، وهي وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ ولا تفرض نفسها تحكمًا، بل هي تمليها طبيعة الأموال محل الملكية والأغراض التي ينبغي رصدها عليها، وفى إطار هذه الدائرة وتقييدًا بتخومها يُفاضل المشرع بين البدائل ويرجح على ضوء الموازنة التي يجريها ما يراه من المصالح أجدر بالحماية وأولى بالرعاية، وفقًا لأحكام الدستور، وبمراعاة أن القيود التي يفرضها على حق الملكية للحد من إطلاقها لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة. وقد قرن الدستور كفالة حق الإرث بصون الملكية الخاصة، متفقًا في ذلك مع الشريعة الإسلامية في مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التي لا تبديل فيها، ومنها أن الأموال جميعها مردها إلى الله تعالى، أنشأها وبسطها، مستخلفًا فيها عباده الذين عهد إليهم بعمارة الأرض، وجعلهم مسئولين عما في أيديهم من الأموال لا يبددونها أو يستخدمونها إضرارًا، إذ يقول تعالى في سورة الحديد الآية رقم (7) " وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ "، وليس ذلك إلا نهيًا عن الولوج بها في الباطل، وتكليفًا لولى الأمر بأن يعمل على تنظيمها بما يحقق المقاصد الشرعية المتوخاة منها، وهى مقاصد ينافيها أن يكون إنفاق الأموال وإدارتها عبثًا أو إسرافًا أو عدوانًا، وكان لولى الأمر بالتالي أن يعمل على دفع الضرر قدر الإمكان، فإذا تزاحم ضرران كان تحمل أهونهما اتقاءً لأعظمهما، ويندرج تحت ذلك القبول بالضرر الخاص لرد ضرر عام. وينبغي – من ثم – أن يكون لحق الملكية إطار محدد تتوازن فيه المصالح ولا تتنافر، ذلك أن الملكية خلاقة، وهى باعتبارها كذلك تضبطها وظيفتها الاجتماعية التي تعكس، بالقيود التي تفرضها على الملكية، الحدود المشروعة لممارسة سلطاتها، وهى حدود يجب التزامها، لأن العدوان عليها يخرج الملكية عن دائرة الحماية التي كفلها الدستور لها.

وحيث إن كفالة الدستور لحق الإرث – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – تعنى أن حق الورثة الشرعيين في تركة مورثهم يجب أن يؤول إلى أصحابـه كل حسب نصيبه دون نقصـان، كما تعنى في الوقت ذاته أن مورثهـم لا يملك أن يخص واحدًا من بينهم بنصيب فيها يجور به على حق غيره في التركة عينها، إلا إذا كان ذلك في القدر الذى تجوز فيه الوصية، فإن خالف المورث ذلك، عُدَّ مسلكه هذا عدوانًا على الملكية الخاصة لكل وارث في نصيبه المحدد في تركة مورثه، الأمر الذى يخالف نص المادة (35) من الدستور التي كفلت حق الإرث كأحد أسباب كسب الملكية.

وحيث إن الوصية في أصل شرعتها مردها إلى الشريعة الإسلامية، التي تُعد المصدر الوحيد لأحكامها، باعتبارها المرجع النهائي في كل ما يتصل بقواعد التوريث والوصية، لقوله تعالى في سورة البقرة الآية رقم (180) " كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ"، وقوله عز من قائل في سورة النساء الآية رقم (8) "وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا"، وقوله تعالى في الآية رقم (11) من السورة ذاتها " مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ"، وقوله تعالى في الآية رقم (12) منها كذلك " مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ".

وقد أشارت المذكرة الإيضاحية لقانون الوصية إلى أن "1- والقول بوجوب الوصية للأقربين غير الوارثين مروى عن جمع عظيم من فقهاء التابعين ومن بعدهم من أئمة الفقه والحديث. ومن هؤلاء سعيد بن المسيب والحسن البصرى وطاوس والإمام أحمد وداود والطبرى وإسحق بن راهويه وابن حزم .... 2- والقول بإعطاء جزء من مال المتوفى للأقربين غير الوارثين على أنه وصية وجبت في ماله إذا لم يوص لهم مذهب ابن حزم، ويؤخذ من أقوال بعض فقهاء التابعين ورواية في مذهب الإمام أحمد. 3- وقصر الأقارب غير الوارثين على الأقارب بالترتيب المبين في المادة .... وتحديد الواجب لهم بمثل نصيب أبيهم أو أمهم في حدود الثلث مع تقسيمه بينهم قسمة الميراث مبنى على مذهب ابن حزم ... فالجزء الواجب إخراجه يجوز في مذهب ابـن حـزم أن يحدده الموصى أو الورثة بمثل نصيب الأب كما يجوز تحديده بأقل أو أكثر. كذلك يجوز في مذهبه أن تكون الوصية لبعض الأقربين دون البعض الآخر، وحينئذ يكون لولى الأمر أن يتدخل ويحدد الأقربين بأولاد الأولاد على الترتيب المذكور في المادة، ويأمر بإعطائهم جزءًا من التركة هو نصيب أصلهم في الميراث لو بقى حيًا".

وحيث إن من المقرر أن الأصل في كل تنظيم تشريعي للحقوق أنه لا يجوز لغير مصلحة واضحة يقوم الدليل على اعتبارها، ومستلهمًا في ذلك أن المصالح المعتبرة، هي تلك التي تكون مناسبة لمقاصد الشريعة متلاقية معها، وهى بعد مصالح لا تتناهى جزئياتها، أو تنحصر تطبيقاتها، ولكنها تتحدد – مضمونًا ونطاقًا - على ضوء أوضاعها المتغيرة.

وحيث إن الواضح من استعراض الأحكام التي تضمنها النص المطعون فيه، أنه بما قرره من وصية واجبة إنما يتصل بمسألة تتعلق بتحديد التركة وتقسيمها، وتحديد الأقارب المستحقين للجزء الواجب إخراجه منها كوصية، وتعيين مقداره، إذا مات الجد أو الجدة ولم يوص، التي تعتبر إلى جانب الإرث أحد وسائل اكتساب الملكية، التي تمتد إليها الحماية المقررة للملكية الخاصة التي كفلها الدستور في المادتين (33، 35) منه، ولا يتجافى تدخل المشرع بتنظيمها مع الأصول العامة للشرع الحنيف، ويندرج ضمن نطاق سلطته التقديرية في مجال تنظيم الحقوق والحريات، وهو يمثل أحد مراحل السياسة التشريعية التي تواكب ظروف الواقع، ومقتضيات الأحوال، ويأتي استجابة لضرورة اجتماعية اقتضتها مصلحة جوهرية، وبمراعاة أن الأغلب الأعم من الأحوال يصلح أساسًا للتشريع، وذلك بعد أن كثرت الشكوى مـن الأحفـاد مـن حرمانهـم مـن نصيب في تركة جدهم أو جدتهـم، على ما جاء بالمذكرة الإيضاحية لقانون الوصية، من أن "وضعت هذه المادة والمواد التي بعدها فصلاً في حالة كثرت منها الشكوى وهى حالة الأحفاد الذين يموت آباؤهم في حياة أبيهم او أمهم أو يموتون معهم ولو حكمًا كالغرقى والهدمى. فإن هؤلاء قلما يرثون بعد موت جدهم أو جدتهم لوجود من يحجبهم من الميراث، مع أن آباءهم قد يكونون ممن شاركوا في بناء الثروة التي تركها الميت، وقد يكونون في عياله بموتهم، وأحب شيء إلى نفسه أن يوصى لهم بشيء من ماله، ولكن المنية عاجلته فلم يفعل شيئًا أو حالت بينه وبين ذلك مؤثرات وقتية. وقد تضمنت هذه المادة أنهـم إذا كانـوا غير وارثين ولم يوص لهم الجـد أو الجدة بمثل نصيب أصلهم فإن الوصية تجب لهم بإيجاب الله تعالى بمثل هذا النصيب على ألا يزيد على الثلث". وبذلك حرص المشرع بمقتضى النص المشار إليه على عدم تقييد حق المالك حال حياته في أن يوصى لأحفاده، فقصر نطاق تطبيقه على حالة عـدم الوصية لهـم من الجـد أو الجـدة حـال حياتهم، كما ضمن هذا النص ضوابط إعمال أحكامه، والتى قصد بها ضمان عدم الإضرار بباقي الورثة وأنصبتهم الشرعية في الميراث، فحدد المستحقين للوصية الواجبة في فرع الولد الذى مات في حياة والده أو مات معه ولو حكمًا، وهم أهل الطبقة الأولى من أولاد البنات وأولاد الأبناء من أولاد الظهور، وهم ممن ليسوا من أبناء البطون الذين ينتسبون إلى الميت بأنثى، وإن نزلت طبقاتهم، بشرط أن يكونوا من غير الوارثين، وألا يكون الميت قد قرر لهم بغير عوض عن طريق تصرف آخر غير الوصية قدر ما قرره لهم النص، فإن قل وجب تكملة هذا القدر لهم، كما التزم النص في تحديده لمقدار الوصية الواجبة الحدود المسموح الإيصاء بها شرعًا، على ما رواه أصحاب السنن عن سعد بن أبى وقاص قال " جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد بلغ في الوجع ما ترى، وأنا ذوو مال ولا يرثني إلا ابنة فأتصدق بثلثي مالي؟ قال "لا" قلت فبالشطر يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا" قلت فبالثلث، قال " الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم يتكففون الناس"، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الدارقطني عن أبى الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم فضعوه حيث شئتم"، فاستقر بهذه الأحاديث مقدار الوصية في حدود الثلث، وهو ما التزمه النص المطعون فيه حين عين مقدار الوصية الواجبة فيما كان يستحقه أصلهم ميراثًا في تركـة والده لو كان حيًّا عند موته، على ألا يزيد على ثلث التركة. وفى هذا الخصوص أشارت المذكرة الإيضاحية لقانون الوصية إلى أنه "وعلى هذا الأصل يكون لولى الأمر أن يأمر الناس بالمعروف في الوصية الواجبة للأحفاد بأن تكون بمثل نصيب أصلهم في حدود الثلث؛ لأن هذا هو العدل الذى لا وكس فيه ولا شطط"، بما لازمه أن التنظيم الذى حدده النص المطعون فيه وقد التزم الحدود المتقدمة، فإنه يبرأ من شبهة الإضرار بالورثة، أو الانتقاص من حقهم في الإرث، أو المساس بحقهم في ملكيته، التي كفلها لهم الدستور في المادتين (33، 35) منه، ويكون قد التزم نطاق السلطة التقديرية المقررة للمشرع في مجال تنظيم الحقوق، بما لا مساس فيه بأصل هذا الحق أو جوهره، وهو القيد العام الـذى ضمنه الدستور نص الفقـرة الثانية من المادة (92) منه، والـذى بموجبـه لا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها.

وحيث إنه في خصوص ما ينعاه المدعى على النص المطعون فيه مخالفته لمبدأي تكافـؤ الفرص والمسـاواة، فإنه مردود: ذلك أن الدستور الحالي قد حرص في المادة (4) منه على النص على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التي يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم بالتالي فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال؛ وهو ما يعنى أن موضوعية شروط النفاذ إليها، مناطها تلك العلاقة المنطقية التي تربطهـا بأهدافهـا، فـلا تنفصل عنهـا، ولا يجوز بالتالي حجبها عمن يستحقهـا، ولا إنكارها لاعتبار لا يتعلق بطبيعتها ومتطلباتها.

وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد كذلك بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبـات العامـة، دون تمييز بينهـم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادتين (4، 53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامـة التي يسعى المشـرع إلى تحقيقهـا من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه - بما انطوى عليه من تمييز - مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها، فإن التمييز يكون تحكميًّا، وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.

كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن مبدأ المساواة لا يعنى معاملة المواطنين جميعًا وفق قواعد موحدة، ذلك أن التنظيم التشريعي قد ينطوي على تقسيم أو تصنيف أو تمييز، سـواء من خـلال الأعباء التي يلقيهـا على البعض أم من خلال المزايا التي يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن مناط دستورية هذا التنظيم ألا تنفصل النصوص التي ينظم بها المشرع موضوعًا معينًا عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التي توخى تحقيقها بالوسائل التي لجأ إليها، منطقيًّا، وليس واهيًا أو واهنًا أو منتحلاً، بما يخل بالأسس التي يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا.

وحيث إن من المقرر أن التباين في المراكز القانونية، يفترض تغايرها ولو في بعض العناصر التي تقوم عليها، ولا تتحـد المراكز القانونيـة في بنيانها إلا إذا نشأ كل منها وفقًا للأسس الموضوعية ذاتها التي ضبطها بها القانون الذى أحدثها، ولا شـأن لتجانسها أو تنافرهـا بالتالي بقانون لاحق عليها منقطع الصلة بها.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه قد قرر لاستحقاق الوصية الواجبة عدة شروط: بأن يكون مستحقها من غير الوارثين، من أهل الطبقة الأولى من أولاد البنات والأبناء من أولاد الظهور لفرع ولد المتوفى الذى مات في حياته أو مات معه ولو حكمًا، ولم يوص لهم الجد أو الجدة بمثل نصيب أصلهم، أو يقرر لهم عطاء بغير عوض عن طريق تصرف آخر قدر ما يجب لمورثهم، فإن كان ما أعطاه أقل وجبت لهم الوصية بما يكمل هذا القدر، وفى حدود ثلث التركة. وكانت هذه الشروط يتحدد بها مركزهم القانوني، الذى تتباين مكوناته وعناصره عن المركز القانوني للورثة، بما لازمه عدم اتحاد المراكز القانونية لهم في بنيانها، وتغايرها، وهو ما لا يستوجب معاملة فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزهم القانونية معاملة قانونية متكافئة. أضف إلى ذلك أن التنظيم الذي تبناه المشرع بالنص المطعون فيه تغيا تحقيق أغراض بعينها حددتها المذكرة الإيضاحية لقانون الوصية السالفة الذكر، التي تعكس مشروعيتها إطارًا لمصلحة جوهرية لها اعتبارها يقوم عليها هذا التنظيم، حيث اتخذ المشرع من القواعد القانونية التي تضمنها مدخلاً لها، فاتصل التنظيم الذى أقره، وحواه هذا النص بأهدافه، وارتبط بها برابطة منطقية وعقلية، ليكون كافلاً تحقيقها، بما ينفى عن هذا النص تضمنه تمييزًا تحكميًّا، فضلاً عن ارتكانه إلى أسس موضوعية تبرره، بما لا إخلال فيه بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة، التي حرص الدستور على كفالتهما بنصوص المواد (4، 9، 53) منه.

وحيث إنه عن نعى المدعى إخلال النص المطعون فيه بالتضامن الاجتماعي، والحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة المصرية، وقيم وتقاليد المجتمع، فهو مردود: ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن ما نص عليه الدستور في المادة (8) من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي، يعنى وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، وترابط أفرادها فيما بينهم فلا يكون بعضهم لبعض إلا ظهيرًا، ولا يتناحرون طمعًا، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم عن حماية تلك المصالح، لا يملكون التنصل منها أو التخلى عنها، وليس لفريق منهم أن يتقدم على غيره انتهازًا، ولا أن ينال قدرًا من الحقوق يكون بها – عدوانًا - أكثر علوًا، وإنما تتضافر جهودهم وتتوافق توجهاتهـم، لتكـون لهم الفرص ذاتها التي تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق، وتتهيأ معها تلك الحماية التي ينبغى أن يلوذ بها ضعفاؤهم، ليجدوا في كنفها الأمن والاستقرار.

وحيث إن من المقرر أن وحدة الأسرة – في الحدود التي كفلها الدستور في المادة (10) منه – لازمها ضرورة تماسكها، توكيدًا للقيم العليا النابعة من اجتماعها، وصونًا لأفرادها من مخاطر التبعثر، وليظل رباط هذا التماسك هو الدين والأخلاق، وهو ما يوجب على المشرع أن يهيئ لأفرادها مناخًا ملائمًا لضمان وحدتها.

وحيث إن المشرع قد سعى بتقريره الأحكام التي ضمنها النص المطعون فيه إلى كفالة تحقيق التضامن الاجتماعي بين أفراد الأسرة الواحدة، ومواجهة ضرورة اجتماعية، وحالة كثرت منها الشكوى من الأحفاد، وهم فرع الولد من أهل الطبقة الأولى من أولاد البنات وأولاد الأبناء الذين يموت آباؤهم في حياة أبيهم أو أمهم أو يموتون معهم، ويحجبون عن الميراث، فكفل لهم نصيب في تركة الجد أو الجدة، بمقدار الوصية الواجبة، على النحو المتقدم ذكره، بما يسهم في تحقيق التكافل بين أفراد الأسرة الواحدة، ويحافظ على تماسكها واستقرارها، ونبذ الخلافات بين أعضائها، ويحقق الرضا والطمأنينة والوفاق بين أفرادها، على النحو الذى يتحقق به صالح المجتمع في مجموعه، وتضامنه الاجتماعي، بوصف الأسرة هي اللبنة والخلية الأولى التي يتكون من مجموعها المجتمع، لتنتفي بذلك قالة مخالفة النص المطعون فيه لأحكام كل من المادتين (8، 10) من الدستور.

وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أي نص آخر من نصوص الدستور، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى.

وحيث إنه عن طلب السقوط الذى ضمنه المدعى صحيفة دعواه، فإن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن السقوط لا يُعد طلبًا مستقلاً بعدم الدستورية، وإنما هو من قبيل التقديرات القانونية التي تملكها المحكمة الدستورية العليا، بمناسبة قضائها في الطلبات الأصلية المطروحة عليها، ويتصل بالنصوص القانونية التي ترتبط بها ارتباطًا لا يقبل الفصل أو التجزئة، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى القضاء برفض الدعوى بالنسبة للطعن على نص المادة (76) من قانون الوصية المشار إليه، فإن هذا الطلب يكون حقيقًا بالالتفات عنه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

دستورية انفاق الزوجة المقتدرة الأرثوذكسية على زوجها المعسر غير مستطيع الكسب

الدعوى رقم 175 لسنة 30 ق "دستورية" جلسة 8 / 5 / 2021
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من مايو سنة 2021م، الموافق السادس والعشرين من رمضان سنة 1442 هـ.

برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر


أصدرت الحكم الآتى

فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 175 لسنة 30 قضائية "دستورية".

المقامة من

ليلى قسطنطين مرقس

ضد

1 - رئيس الجمهوريـة

2 - رئيس مجلس الـوزراء

3 - وزير العدل

4 - رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًا)

5 – قداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بصفته رئيس طائفة الأقباط الأرثوذكس والممثل القانوني للطائفة

6 – وديع جرجس مليكة

الإجراءات
بتاريخ العشرين من يونيو سنة 2008، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم، بعدم دستورية نص المادة (151) من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس، المعمول بها اعتبارًا من 8/7/1938.


وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

وقدم المدعى عليه الخامس مذكرتين، أصلية وتكميلية، طلب فيهما الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل– على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى عليه الأخير أقام الدعوى رقم 3 لسنة 2008 أسرة أول طنطا، ضد المدعية، طالبًا الحكم بفرض نفقة مؤقتة له للإنفاق منها حتى يفصل في موضـوع الدعـوى، وبفرض نفقـة شهرية له على المدعية طبقًا لنص المادة (151) من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس المعمول بها اعتبارًا من 8/7/1938، وذلك من تاريخ الامتناع الحاصل في 1/6/2007، على نحو يتناسب مع ارتفاع مستوى المعيشة، وغلاء الأسعار، وارتفاع دخل المدعية، وعدم وجود من يستحق النفقة خلافه. واستند في ذلك إلى امتناع زوجته عن الإنفاق عليه، رغم يسارها، وكونه زوجًا لها بصحيح العقد الكنسي المؤرخ 12/9/1957، وأنهما قبطيان أرثوذكسيان، وكان يقوم طوال حياته بالإنفاق عليها، ومنحها وأولادها كل ما يملك، ومع تقدمه في العمر، وإصابته بالمرض لم يعد يستطيع العمل، وليس له دخل سوى معاش شهري ضئيل من نقابة الصيادلة لا يكفي لمعيشته ومصاريف علاجه. وإبان نظر الدعوى بجلسة 10/6/2008، دفعت المدعية بعدم دستورية نص المادة (151) من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس المشار إليها. وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، قررت التأجيل لجلسة 1/7/2008، لتقديم ما يفيد إقامة الدعوى الدستورية، فأقامت المدعية دعواها المعروضة، ناعية على النص المطعون فيه مخالفته للمواد (2 و9 و40 و46 و68) من دستور سنة 1971.

وحيث إن المادة (151) من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس - التي أقرها المجلس الملي العام، والمعمـول بها اعتبارًا من 8 يوليه سنة 1938 - تنص على أنه " تجب النفقة على الزوجة لزوجها المعسر، إذا لم يكن يستطيع الكسب، وكانت هي قادرة على الإنفاق عليه ".

وحيث إن المادة (3) من دستور سنة 2014 تنص على أن "مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية"، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المشرع وقد أحال في شأن الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين – في إطار القواعد الموضوعية التي تنظمها – إلى شرائعهم، مستلزمًا تطبيقها دون غيرها في كل ما يتصل بها، فإن المشرع يكون قد ارتقى بالقواعد التي تتضمنها هذه الشرائع، إلى مرتبة القواعد القانونية التي ينضبط بها المخاطبون بأحكامها، فلا يحيدون عنها في مختلف مظاهر سلوكهم، ويندرج تحتها – في نطاق الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس – لائحتهم التي أقرها المجلس الملي العام بجلسته المنعقدة في 9 مايو سنة 1938، التي عُمِل بها اعتبارًا من 8 يوليه سنة 1938، إذ تعتبر القواعد التي احتوتها لائحتهم هذه – على ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 1 لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية، التي حلت محل الفقرة الثانية من المادة (6) من القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم المليّة - شريعتهم التي تنظم أصلاً مسائل أحوالهم الشخصية؛ بما مؤداه خضوعها للرقابة الدستورية التي تتولاها هذه المحكمة.

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة، وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في الدعوى الدستورية مؤثرًا في الطلبات المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكانت طلبات المدعى في الدعوى الموضوعية تنصب على تقرير نفقة شهرية له على زوجته، لمرضه وعدم قدرته على الكسب، ويسار زوجته؛ وكان النص المطعون فيه هو الحاكم لهذه المسألة، ومن ثم، فإن القضاء في شأن دستوريته سيكون ذا أثر وانعكاس على الفصل في الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع، لتغدو المصلحة الشخصية المباشرة متحققة في الطعن عليه.

وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون فيه أنه أقام تمييزًا غير مبرر بين أبناء الوطن الواحد في مسألة لا تتعلق بالعقيدة؛ الأمر الذى ترتب عليه الإخلال بالمساواة بين المسلمين والأقباط الأرثوذكس فيما يتعلق بنفقة الزوجية، على نحو يؤدي إلى تقويض دعائم الأسرة الأرثوذكسية، ويتعارض في الوقت ذاته مع مبادئ الشريعة الإسلامية؛ المصدر الرئيسي للتشريع، بما يوقعه مخالفًا لنصوص المواد (2 و9 و40 و46 و68) من دستور سنة 1971، المقابلة لنصوص المواد (2 و10 و53 و64 و97) من الدستور القائم، الصادر سنة 2014.

وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية، التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم، دون غيره، إذ إن هذه الرقابة، إنما تستهدف أصلاً صون الدستور المعمول به، وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي أثارتها المدعية بشأن النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته، تنصب على مخالفته لنصوص المواد (2 و9 و40 و46 و68) من دستور سنة 1971، وتندرج بالتالي تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور، من حيث محتواها الموضوعي؛ ومن ثم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه في حدود نطاقه المتقدم - الذى مازال قائمًا ومعمولاً بأحكامـه - من خـلال أحكام الدستور القائم الصادر بتاريخ 18/1/2014، في المواد (2 و4 و10 و53 و64 و97) منه، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.

وحيث إنه عن النعي بخروج النص المطعون فيه على مبادئ الشريعة الإسلامية، ومخالفته للمادة الثانية من الدستور، فقد اطرد قضاء هذه المحكمة على أن استحداث النص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، الذى تم بالتعديل الدستوري في 22 مايو سنة 1980، في ظل العمل بدستور سنة 1971، وردده دستور سنة 2014 في المادة الثانية منه؛ مفاده أن الدستور اعتبارًا من تاريخ العمل بهذا التعديل قد أتى بقيد على السلطة التشريعية مؤداه تقييدها – فيما تقره من نصوص قانونية – بمراعاة الأصول الكلية للشريعة الإسلامية. إذ هي جوهر بنيانها وركيزتها، وقد اعتبرها الدستور أصلاً ينبغي أن ترد إليه هذه النصوص، فلا تتنافر مع مبادئهـا المقطـوع بثبوتها ودلالتها، وإن لم يكن لازمًا استمداد تلك النصوص مباشرة منها، بل يكفيها ألا تعارضها، ودون ما إخلال بالقيود الأخرى التي فرضها الدستور على السلطة التشريعية في ممارستها لاختصاصاتها الدستورية. ومن ثم، لا تمتد الرقابة على الشرعية الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة في مجال تطبيقها للمادة الثانية من الدستور، لغير النصوص القانونية الصادرة بعد تعديلها. ولا كذلك نص المادة (151) المطعون عليها، فقد أقرها المجلس الملي العام للأقباط الأرثوذكس، وعُمِل بها قبل تعديل المادة الثانية من الدستور، فلا تتناولها الرقابة القضائية على الدستورية من هذا الوجه.

وحيث إن مقتضى ما نصت عليه المادة (10) من الدستور القائم من أن "الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها، واستقرارها، وترسيخ قيمها"، وفقًا لما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة، أن الدستور أقام من الدين والأخلاق والوطنية – بمثلها وفضائلها ومكارمها – إطارًا للأسرة، يؤكد طابعها الأصيل، ويعكس ملامحها، فلا تنفصل – في تراثها وتقاليدها ومناحي سلوكها – عـن دورهـا الاجتماعي، وألا تتراجع عن القيم العليا للدين، بل تنهل منها تأسيًّا بها، والتزامها بالخلق القويم لا ينعزل عن وجدانها، بل يمتد لأعماقها ويحيط بها ليهيمن على طرائقها في الحياة؛ والأسرة بذلك لا تقوم على التباغض أو التناحر، سواء بالنظر إلى خصائصها أو توجهاتها، ولكنها تحمل من القوة أسبابها، فلا تكون حركتهـا انفلاتًا يئيسًا، ولا حريتها نهيًا لقهر أو طغيان، ولا حقوقها انطلاقًا بلا قيد، ولا واجباتها تسهبًا بهواها، بل يُظلها حياؤها وآدابها، تعصمها صلابة الضمير، ويقوى ائتلافها بنيان من الفضائل، يرعى التكافل الاجتماعي بين آحادها؛ وأن صيانة الطابع الأصيل للأسرة مؤداه أنه لا يصلحها شقاق استفحل مداه، ومزق تماسكها ووحدتها، ودهمهـا بالتالي تباغض يُشقيها، بما يصد عنها تراحمها وتناصفها، فلا يرسيها على الدين القويم.

وحيث إن ما قضت به المادة (151) من لائحة الأقباط الأرثوذكس من وجوب النفقة على الزوجة لزوجها، مناطه أن يكون الزوج معسرًا، وغير قادر على الكسـب، وأن تكون الزوجة قادرة على الإنفاق عليه، ليحيل بذلك الالتزام بالنفقـة إلى التزام تبادلي في إطار العلاقة الزوجية لطائفة الأقباط الأرثوذكس، فينتقل – استثناءً – من الملتزم الأصلي به، وهو الزوج، إلى زوجته إذا تحققت الشروط السابقة. وقد فرضت هذا الالتزام الطبيعة الخاصة للزواج في شريعة الأقباط الأرثوذكس، من كونه نظامًا دينيًّا، وسرًا مقدسًا يثبت بعقد يرتبط به رجل وامرأة ارتباطًا علنيًّا، طبقًا لطقوس الكنيسة بقصد تكوين أسرة، والتعاون على شئون الحياة، على نحو أبدى لا مؤقت، يكفل الطرفان خلاله كل منهما الآخر في السراء والضراء، ليكون كل منهما مختصًا بصاحبه لا يعدوه إلى غيره، يأنس له، ويستريح إليه، ويستعين به على آلام ومتاعب الحياة في إطار من المودة والرحمة والتكافل. ومن ثم، يكون الإلزام الذي تضمنه النص المطعون بعدم دستوريته - بتحقق شروط إعماله - منسجمًا مع أسس العلاقة الزوجية في شريعة الأقباط الأرثوذكس، ومتمشيًّا مع مقتضيات التكافل بين الزوجين، ليكون كل منهما سندًا للآخر، وداعمًا له، في إطار علاقتهما الأبدية المقدسة، ومستلهمًا المقاصد النبيلة التي سعى الدستور القائم إلى إقامة الأسرة المصرية في إطارها، وألزم الدولة بالعمل على تماسكها، واستقرارها، وترسيخ قيمها. وإذ كان ذلك، فإن النعي على النص المطعون فيه بمخالفة نص المادة (10) من الدستور القائم يكون غير سديد، متعينًا الالتفات عنه.

وحيث إن ما تنعاه المدعية على النص المطعون فيه بمخالفته مبدأ المساواة أمام القانون، المنصوص عليه في المادتين (4، 53) من الدستور القائم، فمردود أيضًا، ذلك أن الدساتير المصرية المتعاقبة، بدءًا بدستور سنة 1923، وانتهاءً بالدستور الحالي – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – قد رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم، في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ في جوهره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة، التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل ينسحب مجال إعمالها كذلك إلى الحقوق التي يكفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققًا للصالح العام. كما أن الأصل في أي تنظيم تشريعي – على ما جـرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون منطويًا على تقسيم أو تصنيف أو تمييز من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض، أو الحقوق التي يكفلها لفئة دون غيرها. ومع ذلك، فإن اتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور يفترض ألا تنفصل النصوص القانونية التي نظم بها المشرع موضوعًا محددًا عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التي توخاها بالوسائل المؤدية لها منطقيًّا – وليس واهيًّا أو واهنًا بما يخل بالأسس الموضوعية التي يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا. ولذلك، فإن كفالة المساواة بين المواطنين في الحقوق والحريات العامة لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة. كذلك، لا يقوم مبدأ المساواة بين المواطنين على معارضة صور التمييز جميعها. ذلك أن من بين هذه الصور ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنصى المادتين (4، 53) من الدستور، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبهما هو ذلك الذي يكون تحكميًّا، وليس مستندًا إلى أسس موضوعية تبرره. متى كان ذلك، وكان الأصل في تنظيم مسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين، ويدخل فيها النفقة، هو خضوعها لشرائعهم، إعمالاً لنص المادة (3) من الدستور القائم، احترامًا لحريتهم في الاعتقاد؛ وكان الاختلاف في التنظيم التشريعي من طائفة إلى أخرى لا يعنى بالضرورة خروجه على أحكام الدستور، طالما نهض قائمًا على أسس موضوعية تبرره. وكان التنظيم الذي أقامه النص المطعون فيه قد جاء متسقًا وطبيعة عقد الزواج في شريعة الأقباط الأرثوذكس، وما تفرضه قداسة هذا العقد على طرفيه من التزامات متبادلة أبدية، أساسها التكافل والتراحم والمودة، على النحو الذي يؤدي إلى صيانة بنيان الأسرة، واستمراريتها في أداء دورها في المجتمع، بما يحقق أمنها وازدهارها الذى حرص الدستور على كفالة الدولة له ودعمه، وهو تنظيم يشمل جميع أفراد طائفة الأقباط الأرثوذكس، وينطبق عليهم – دون غيره – بقواعد عامة مجردة لا تتضمن تمييزًا من أى نوع بين أفراد تلك الطائفة المخاطبين بأحكام هذا النص، ودون تفرقة بينهم في هذا الإطار، كما أن هذا التنظيم باعتباره الوسيلة التي اختارها المشرع لبلوغ الأهداف والأغراض التي رصدها، وسعى إلى تحقيقها، من سنه للنص المطعون فيه؛ السالف ذكرها، يرتبط بتلك الأغراض برابطة منطقية وعقلية، ويكفل تحقيقها، لتغدو الأحكام التي تضمنها مستندة إلى أسس موضوعية تبررهـا، لا يشفع مـع قيامهـا الادعـاء بمغايرتهـا لما تخضع له الطوائف الدينية والديانات الأخرى من تنظيمات موازية في الشأن ذاته، ليضحى النص المطعون فيه بذلك غير متضمن تمييزًا تحكميًّا، أو مخالفة لمبدأ المساواة الذى كفله الدستور في المادتين (4، 53) منه، فضلاً عن عدم مساس ذلك النص بحرية الاعتقاد المطلقة للمنتمين لهذه الطائفة التي كفلتها لهم المادة (64) من الدستور القائم. كما جاء هذا التنظيم متوافقًا والحماية الدستورية المقررة للأسرة، ومحققًا للأمن الأسرى والمجتمعي، وتحقيق التضامن والتكافل بين أفراد الأسـرة، مما يضحى معه الادعاء بمخالفـة هذا التنظيـم لمبدأ حرية العقيدة، أو تقويضه لدعائم الأسرة، التي حرص الدستور على كفالتهما في المادتين (10، 64) منه، غير قائم على أساس سليم، ويتعين رفضه.

وحيث إنه بشأن ما أثارته المدعية من إخلال النص المطعون فيه بحق التقاضي، فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها مهيأ للفصل فيها، وهذا الحق مخـول للناس جميعًا، فلا يتمايزون فيما بينهم في ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصورًا على بعضهم، ولا منصرفًا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملاً بعوائق تخص نفرًا من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق ميسرًا، ومنضبطًا وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها، وفى إطار من القيود التي يقتضيها تنظيمه، ولا تصل في مداها إلى حد مصادرته. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد أورد الحق محل الحماية، ممثلاً في حق الزوج الأرثوذكسي المعسر الذى لا يستطيع الكسب، في مطالبة زوجته بالإنفاق عليه متى كانت قادرة على ذلك. ولم يتضمن ذلك النص تنظيمًا خاصًا لحق التقاضي فيما قد يثور من نزاع حول هذا الحق، فينعقد الاختصاص بنظره لمحكمة الأسرة، وفقًا لأحكام القانون رقم 10 لسنة 2004، باعتبارها المهيأة بنظره والفصل فيه، على ضوء العناصر التي تلابس هذه المنازعة، شأنها شأن كافة منازعات النفقة في مسائل الأحوال الشخصية التي قد تثور بين غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، دون تمييز بينهم. وتفصل المحكمة في المنازعة على ضوء قواعد موضوعية، وفى ظل ما تستجليه من أوراق الدعوى، ودفاع ودفوع الخصوم فيها. ومن ثم، فإن قالة إخلال النص المطعون فيه بحق التقاضي، بالمخالفة لنص المادة (97) من الدستور، تكون فاقدة لسندها، جديرة – أيضًا – بالرفض.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه لا يخالف أحكام المواد (2 و4 و10 و53 و64 و97) من الدستور القائم، كما لا يخالف أي حكم آخر فيه، فإنه يتعين القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعية المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

عدم دستورية التحكيم الإجباري في منازعة العمل الجماعية

الدعوى رقم 33 لسنة 36 ق "دستورية" جلسة 8 / 5 /2021
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من مايو سنة 2021م، الموافق السادس والعشرين من رمضان سنة 1442 هـ.

برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 33 لسنة 36 قضائية "دستورية".

المقامة من

رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة آمون للأدوية شركة مساهمة مصرية

ضد

١- رئيس مجلس الـوزراء

٢- وزير الدولة للقوى العاملة والهجرة

٣- الممثل القانوني للنقابة العامة للعاملين بالكيماويات

٤- وزيـر العـدل


الإجراءات
بتاريخ السادس عشر من مارس سنة ٢٠١٤، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية المواد (١٧٩، ١٨٠، ١٨١، ١٨٢، ١٨٣، ١٨٤، ١٨٥، ١٨٦، ١٨٧، ١٨٩، ١٩٠)، من قانون العمل الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣. وسقوط المواد المرتبطة بها، أرقام (١٦٨، ١٦٩، ١٧٠، ١٧١، ١٧٢، ١٧٣، ١٧٤، ١٧٥، ١٧٦، ١٧٨) من ذلك القانون.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن نزاعًا قد نشب بين الشركة المدعية وبين خمسة وأربعين عاملاً، من ذوى الإعاقة، من العاملين لديها، حول امتناعها عن صرف علاواتهم الاجتماعية عن عام ٢٠١١، وحصصهم في الأرباح السنوية عن الأعوام من ٢٠٠٩/٢٠١٢، وزيادة مرتباتهم وحوافزهم ومكافآتهم، وتسوية الحالة الوظيفية للحاصلين منهم على مؤهلات عليا أثناء الخدمة. وعلى إثر ذلك تقدمت النقابة العامة للعاملين بالكيماويات بطلب إلى الإدارة المركزية لعلاقات العمل والمفاوضة الجماعية بوزارة القوى العاملة لإجراء مفاوضة جماعية لتسوية النزاع وديًا. وبتاريخ ٢١/ ١٠/٢٠١٢، طلبت تلك النقابة إحالة النزاع للوساطة. وقدم الوسيط توصيات، رفضها الطرفان. وإزاء تعذر تسوية النزاع وديًا، طلبت النقابة إحالته إلى هيئة التحكيم العمالي بدائـرة محكمة استئناف طنطا " مأمورية بنها ". وقيد لديهـا برقم ١ لسنة ٤٦ قضائية (تحكيم عمالي). تدوولت الدعوى أمام هيئة التحكيم، وحال نظرها بجلسة ٢٢/٥/٢٠١٣، دفعت الشركة المدعية بعدم دستورية المواد (١٧٩، ١٨٠، ١٨١، ١٨٢، ١٨٣، ١٨٤، ١٨٥، ١٨٦، ١٨٧، ١٨٩، ١٩٠) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣، وسقوط المواد المرتبطة بها أرقام (١٦٨، ١٦٩، ١٧٠، ١٧١، ١٧٢، ١٧٣، ١٧٤، ١٧٥، ١٧٦، ١٧٨). وإذ قدرت هيئة التحكيم العمالي بجلسة 19/2/2014، جدية الدفع، قررت التأجيل لجلسة ١٩/٣/٢٠١٤، وصرحت للشركة المدعية بإقامة الدعوى الدستورية، فأقامت الدعوى المعروضة.


وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن المادة (٣٠) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٩، تنص على أنه "يجب أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها وفقًا لحكم المادة السابقة، بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته، والنص الدستوري المدعى بمخالفته، وأوجه المخالفـة". ومؤدى ذلك أن المشرع أوجب لقبول الدعوى الدستورية أن يتضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى بيانًا للنص التشريعي المطعون فيه بعدم الدستورية، وبيانًا للنص الدستوري المدعى مخالفته، وأوجه هذه المخالفة، باعتبار أن تلك البيانات الجوهرية هي التي تُنبئ عن جدية الدعوى، وبها يتحدد موضوعها، حتى يتاح لذوى الشأن - ومن بينهم الحكومة التي تعتبر خصمًا في الدعوى الدستورية إعمالاً لنص المادة (35) من قانون هذه المحكمة - أن يتبينوا كافة جوانب المسألة الدستورية المعروضة بما ينفى التجهيل عنها. متى كان ذلك، وكانت صحيفة الدعوى المعروضة، جاءت خلوًا من بيان النصوص الدستورية المدعى مخالفتها، وأوجه هذه المخالفة بالنسبة للمواد (١٨٠، ١٨١، ١٨٣، ١٨٤، ١٨٥، ١٨٦، ١٨٧ فقـرة ١، ١٨٩، ١٩٠) مـن قانـون العمـل المشار إليـه، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى بالنسبة لهذه المواد.

وحيث إن المادة (١٧٩) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣ تنص على أنه " إذا لم يقبل الطرفان أو أحدهما التوصيات التي قدمها الوسيط ، كان لأى منهما أن يتقدم إلى الجهة الإدارية المختصة بطلب اتخاذ إجراءات التحكيم ".

وتنص المادة (١٨٢) على أن " تشكل هيئة التحكيم من:
١- إحدى دوائر محاكم الاستئناف التي تحددها الجمعية العمومية لكل محكمة في بداية كل سنة قضائية، والتى يقع في دائرة اختصاصها المركز الرئيسى للمنشأة، وتكون لرئيس هذه الدائرة رئاسة الهيئة.
٢- محكم عن صاحب العمل.
٣- محكم عن التنظيم النقابي تختاره النقابة العامة المعنية.
٤- محكم عن الوزارة المختصة يختاره الوزير المختص.

وعلى كل من صاحب العمل والتنظيم النقابي والوزارة المختصة أن يختار محكمًا احتياطيًّا يحل محل المحكم الأصلي عند غيابه".

وتنص المادة (١٨٧) على أن " تطبق هيئة التحكيم القوانين المعمول بها، فإذا لم يوجـد نص تشريعي يمكن تطبيقه، حكم القاضي بمقتضى العـرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعـة الإسلامية، فإذا لم توجـد فبمقتضى مبادئ القانـون الطبيعي وقواعـد العدالة وفقا للحالة الاقتصادية والاجتماعية السائدة في منطقة المنشأة.

ويصدر الحكم بأغلبية الآراء، فإذا تساوت يرجح الجانب الذى منه الرئيس، ويكون مسببًا ويعتبر بمثابة حكم صادر عن محكمة الاستئناف بعد تذييله بالصيغة التنفيذية".


وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المصلحة الشخصية المباشرة، شرط لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المطروحة على محكمة الموضوع، ويتحدد مفهوم هذه المصلحة باجتماع شرطين، أولهما: أن يقيـم المدعـى الدلـيل علـى أن ضـررًا واقعيًا قد لحـق به، وليس ضـررًا متوهمًا أو نظريًا أو مجهلاً. ثانيهما: أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعى المطعون عليه. متى كان ذلك، وكانت الشركة المدعية تهدف من دعواها التحلل من وجوب اللجوء في منازعة العمل الجماعية - السالف بيانها - إلى هيئة التحكيم العمالي بتشكيلها الذى لا يغلب عليه العنصر القضائي، وأن ينفتح لها سبيل التقاضي أمام جهات القضاء المختصة، ونظر النزاع على درجتين، ومن ثم فإن مصلحتها الشخصية المباشرة تغدو متحققة في الطعن على دستورية المادة (١٧٩) والبندين 3، 4 من المادة (١٨٢) والفقرة الثانية من المادة (١٨٧) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣. ويتحدد نطاق الدعوى المعروضة فيما تضمنه نص المادة (179) من قانون العمل المشار إليه، من اعتبار تقدم أحد طرفى منازعة العمل الجماعية إلى الجهة الإدارية المختصة بطلب اتخاذ إجراءات التحكيم، أمرًا ملزمًا لخصمه بالمضي في هذه الإجراءات التي لم يقبلها. وما لم يتضمنه نصا البنديـن 3، 4 مـن المـادة (182) مـن ذلك القانـون مـن اشتراط ألا يكون المحكم المختار عن التنظيم النقابي والمحكم المختار عن الوزارة المختصة في عضوية هيئة التحكيم المسند إليها الفصل في منازعة العمل الجماعية، قد سبق اشتراكهما بأيـة صـورة في بحث النـزاع أو محاولة تسويته. وما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (187) من ذلك القانون من اعتبار حكم التحكيم العمالي صادرًا من محكمة الاستئناف بعد تذييله بالصيغة التنفيذية.


وحيث إن الشركة المدعية تنعى على نص المادة (179) من قانون العمل المشار إليه، فرض التحكيم جبرًا على أحد طرفي النزاع، بجعل التحكيم بديلاً عن الأصل، وهو طرح النزاع على جهات القضاء المختصة، بإجازته لأحد طرفي النزاع اتخاذ إجراءات التحكيم العمالي في حالة فشل إجـراءات المفاوضة والوساطة، دون اشتراط موافقة الطرف الآخر، فضلاً عن افتقاد المحكم عن التنظيم النقابي الذي تختاره النقابة العامة المعنية، والمحكم عن الوزارة المختصة الذى يختاره وزيرها، شرطي الحيدة والاستقلال المتعين توافرهما في القاضي، على ما جرى به نصا البندين ٣ و ٤ من المادة (١٨٢) من القانون السالف بيانه. كما تنعى على نص الفقرة الثانية من المادة (187) من القانون ذاته، تحصينه الحكم الصادر عن هيئة التحكيم العمالي من الطعن عليه، ونظره على درجة واحدة، باعتباره حكمًا صادرًا عن محكمة الاستئناف، مما يخل - وفق ما تراه الشركة المدعية - بمقتضيات حق التقاضي.

وحيث إن الباب الرابع من الكتاب الرابع من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، المعنون "منازعات العمل الجماعية"، افتتحه المشرع بنص المادة (168)، الذى جرى على أنه "مع عدم الإخلال بحق التقاضي، تسري أحكام هذا الباب على كل نزاع يتعلق بشروط العمل أو ظروفه أو أحكام الاستخدام، ينشأ بين صاحب عمل أو مجموعة من أصحاب الأعمال، وبين جميع العمال أو فريق منهم". وأوجب في المادة (169) منه على طرفي النزاع الدخول في مفاوضة جماعية لتسويته وديًّا، فإذا لم تتم التسوية خلال ثلاثين يومًا من تاريخ بدء المفاوضة، أجازت المادة (170) منه للطرفين أو أحدهما التقدم إلى الجهة الإدارية المختصة لاتخاذ إجراءات الوساطة، فإذا لم يقبل الطرفان أو أحدهما التوصيات التي قدمها الوسيط، أجازت المادة (179) من ذلك القانون، لأى منهما أن يتقدم إلى الجهة الإدارية المختصة بطلب اتخاذ إجراءات التحكيم، ولم يشترط نص تلك المادة، أو المواد التالية لها موافقة الطرف الآخر على ولوج طريق التحكيم. ومن ناحية أخرى بينت المادة (182) من القانون المشار إليه تشكيل هيئة التحكيم، وتضم في عضويتها محكمًا عن صاحب العمل، وآخر عن التنظيم النقابى تختاره النقابة العامة المعنية، ومحكمًا ثالثًا عن الوزارة المختصة يختاره الوزير المختص. ولم يرد في نص تلك المادة، أو المواد التالية لها، اشتراط ألا يكون المحكم المختار عن التنظيم النقابي، والمحكم المختار عن الوزارة المختصة في عضوية هيئة التحكيم قد سبق اشتراكه بأية صورة في بحث المنازعة أو محاولة تسويتها. وأجازت المادة (188) من القانون المشار إليه لكل من طرفي النزاع أن يطعن في حكم التحكيم أمام محكمة النقض بالشروط والأوضاع والإجراءات ذاتها المقررة في قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994، وناطت المادة (190) من قانون العمل المشار إليه، بهيئة التحكيم نظر الإشكالات في تنفيذ الأحكام الصادرة منها. ومن ثم يكون لإعمال أحكام التحكيم المار بيانها أثر في التقاضي، بوصفه طريقًا أصليًّا لفض منازعات العمل الجماعية، وأفرغت نص المادة (168) من القانون المار ذكره من مضمونها.

وحيث إن الدستور - بنص مادته السابعة والتسعين - قد كفل لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، مخولاً إياه بذلك أن يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها، مهيَّأٌ دون غيره للفصل فيها، كذلك فإن لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها، تمثلها الترضية القضائية، التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها، لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التي يكفلها لهم القانون والدستور، فإذا كبلها المشرع بقيود تعوق الحصول عليها أو تحول دونها كان ذلك إخلالاً بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق وإنكارًا لشعيرة العدل في جوهر ملامحها.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة مطرد على أن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على مُحَكَم من الأغيار يُعيَّن باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها، ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائيًا عن شبهة الممالأة، مجردًا من التحامل، وقاطعًا لدابر الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيلاً من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية. ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجباريًّا يُذعن إليه أحد الطرفين، إنفاذًا لقاعدة قانونية آمرة، لا يجوز الاتفاق على خلافها، وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعًا قائمًا أو محتملاً، ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق، إذ يحدد طرفاه - وفقًا لأحكامه - نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل الخلافية التي يمكن أن تعرض لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت فيها، ويلتزم المحتكمون بالنزول على القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذًا كاملاً وفقًا لفحواه، ليؤول التحكيم إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل في نزاع مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها، وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم، ولا يتولون مهامهم بالتالي بإسناد من الدولة. وبهذه المثابة فإن التحكيم يعتبر نظامًا بديلاً عن القضاء، فلا يجتمعان، ذلك أن مقتضى الاتفاق عليه تنحية المحاكم عن نظر المسائل التي انصب عليها التحكيم، استثناء من أصل خضوعها لولاية القضاء.

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا يجوز أن يكون التحكيم إجباريًّا يذعن له أطرافه أو بعضهم إنفاذًا لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها، ذلك أن القاعدة التي تتأسس عليها مشروعية التحكيم، كأسلوب لفض المنازعات يغاير طريق التقاضي العادي، هي قاعدة اتفاقية تنبنى إرادة الأطراف فيها على أصولها وأحكامها، سواء توجهت هذه الإرادة الحرة إلى اختيار التحكيم سبيلاً لفض نزاع قائم بينهم، أو لفض ما عساه أن يقع مستقبلاً من خلافات بينهم تنشأ عن علاقاتهم التعاقدية، ومن هذه القاعدة الاتفاقية تنبعث سلطة المحكمين الذين يلتزمون حدود وأحكام ما اتفق عليه أطراف التحكيم. ومن ثم فإن التحكيم يعتبر نظامًا بديلاً عن القضاء فلا يجتمعان، لأن مقتضى الاتفاق عليه أن تعزل المحاكم عن نظر المسائل التي انصب عليها التحكيم استثناءً من أصل خضوعها لولايتها، وعلى ذلك فإنه إذا ما قام المشرع بفرض التحكيم قسرًا بقاعدة قانونية آمرة دون خيار في اللجوء إلى القضاء، فإن ذلك يُعد انتهاكًا لحق التقاضي الذي كفله الدستور لكل مواطن بنص مادته السابعة والتسعين التي أكدت أن اللجوء إلى القضاء للحصول على الترضية القضائية دون قيود تعسـر الحصـول عليهـا أو تحول دونها هو أحد الحقوق الجوهرية التي تبنى عليها دولة القانون، وتتحقق بها سيادته.

متى كان ما تقدم، وكان مؤدى نص المادة (١٧٩) من قانون العمل - المطعون عليها - أنه إذا لم يقبل أي من الطرفين التوصيات التي قدمها الوسيط، كان له أن يتقدم إلى الجهة الإدارية المختصة، بطلب اتخاذ إجراءات التحكيم، فتقوم بإحالة ملف النزاع الجماعي إلى هيئة التحكيم المشكلة وفقًا لنص المادة (182) من القانون ذاته، وتختص الأخيرة بنظر هذه المنازعة دون محاكم القضاء العادي. ومن ثم، يكون نص المادة (179) المشار إليه قد عطل حق طرف الخصومة التي اتخذت إجراءات التحكيم في مواجهته من اللجوء إلى قاضيه الطبيعي، إذ جعل اللجوء إلى خيار التحكيم المقيد بالشروط والضوابط المنصوص عليها في القانون وسيلة جبرية لا يجوز فض منازعة العمل الجماعية إلا بمقتضاها، نائيًا بذلك عن طبيعة التحكيم، منافيًا لأصل كونه لا يتولد إلا عن إرادة حرة واعية، ولا يجوز إجراؤه تسلطًا وكرهًا، ومن ثم يغدو تقدم أحد طرفي منازعة العمل الجماعية إلى الجهة الإدارية بطلب اتخاذ إجراءات التحكيم أمرًا ملزمًا لخصمه بالمضي في هذه الإجراءات ولو لم يقبلها، معطلاً لحق التقاضي، منتقصًا منه، بما يكون معه القضاء بعدم دستوريته - في النطاق السابق بيانه - متعينًا.

ومن حيث إن ضمانة الفصل إنصافًا في المنازعات على اختلافها وفق نص المادة (٩٧) من الدستور، تمتد بالضرورة إلى كل خصومة قضائية، أيًّا كانت طبيعة موضوعها جنائيًّا كان أو مدنيًّا أو تأديبيًّا، إذ إن النظر في هذه الخصومات وحسمها إنما يتعين إسناده إلى جهة قضاء أو هيئة قضائية منحها القانون اختصاص الفصل فيها بعد أن كفل استقلالها وحيدتها وأحاط الحكم الصادر فيها بضمانات التقاضى التي يندرج تحتها حق كل خصم في عرض دعواه وطرح أدلتها، والرد على ما يعارضها على ضوء فرص يتكافأ أطرافها، ليكون تشكيلها وقواعد تنظيمها وطبيعة النظم المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها عملاً، محددًا للعدالة مفهومًا تقدميًّا يلتئم مع المقاييس المعاصرة للدول المتحضرة.

وحيث إن مؤدى حق التقاضى المنصوص عليه في المادة (٩٧) من الدستور، أن لكل خصومة - في نهاية مطافها - حلاً منصفًا يمثل الترضية القضائية التي يقتضيها رد العدوان على الحقوق المدعى بها. وتفترض هذه الترضية أن يكون مضمونها موافقًا لأحكام الدستور، وهى لا تكون كذلك إذا كان تقريرها عائدًا إلى جهة أو هيئة تفتقر إلى استقلالها أو حيدتها أو هما معًا، ذلك أن هاتين الضمانتين- وقد فرضهما الدستور على ما تقدم- تعتبران قيدًا على السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، ومن ثم يلحق البطلان كل تنظيم تشريعى للخصومة القضائية على خلافهما.

وحيث إن استقلال هيئة التحكيم فيما يصدر عنها من أعمال قضائية ليس استقلالاً دائرًا في فراغ، بل يتحدد مضمونه - في نطاق الطعن الراهن - بمفهوم استقلال السلطة القضائية باعتبارها المنوط بها أصلاً مهمة القضاء، وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن استقلال السلطة القضائية وحيدتها ضمانتان تنصبان معًا على إدارة العدالة بما يكفل فعاليتها، وهما بذلك متلازمتان. وإذا جاز القول- وهو صحيح- بأن الخصومة القضائية لا يستقيم الفصل فيها حقًا وعدلاً إذا خالطتها عوامل تؤثر في موضوعية القرار الصادر بشأنها، فقد صار أمرًا مقضيًا أن تتعادل ضمانتا استقلال السلطة القضائية وحيدتها في مجال اتصالها بالفصل في الحقوق انتصافًا لتكون لهما معًا القيمة الدستورية ذاتها، فلا تعلو إحداهما على الأخرى أو تجبها بل تتضاممان تكاملاً وتتكافآن قدرًا.

متى كان ما تقدم، وكان البين من نصى البندين ٣ و٤ من المادة (١٨٢) من قانون العمل السالف الذكر، أنهما لم يشترطا عدم سابقة اشتراك المحكمين المختارين بأى صورة في بحث النزاع أو محاولة تسويته قبل عرضه على هيئة التحكيم، مما يضمن عدم اتصال أى منهما بالمنازعة اتصالاً سابقًا على إسناد ولاية الفصل فيها إليهما، فإن ذلك مما ينافى قيم العدل ومبادئه وينتهك ضمانة الحيدة التي يقتضيها العمـل القضائى بالنسبة إلى فريق من المتقاضين، ومنطويًا بالضرورة على إخلال بحق التقاضى، ومخالفًا لنص المادة (٩٧) من الدستور، مما يتعين معه الحكم بعدم دستوريته.

وحيث إنه عن النعى بمخالفة نص الفقرة الثانية من المادة (187) من قانون العمل المشار إليه لحق التقاضى؛ بقصره الفصل في منازعة العمل الجماعية على هيئة التحكيم العمالى، واعتبار حكمها صادرًا من محكمة الاستئناف بعد تذييله بالصيغة التنفيذية، فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصـل في سلطة المشرع في تنظيمه لحـق التقاضى أنها سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض في شأن مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخومًا لها ينبغى التزامها، وفى إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع بإتباع أشكال جامدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي يباشر الحق في التقاضى في نطاقها، وبما لا يصل إلى إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا بها عن أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًّا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا، التزامًا بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالاً. ومن هنا فإن ضمان سرعة الفصل في القضايا غايته أن يتم الفصل في الخصومة القضائية بعد عرضها على قضاتها خلال فترة زمنية لا تجاوز باستطالتها كل حد معقول، ولا يكون قصرها متناهيًّا. وقصر حق التقاضى في المسائل التي فصل فيها الحكم على درجة واحدة، هو مما يستقل المشرع بتقديره بمراعاة أمرين؛ أولهما: أن يكون هذا القصر قائمًا على أسس موضوعية تمليها طبيعة المنازعة وخصائص الحقوق المثارة فيها. وثانيهما: أن تكون الدرجة الواحدة محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى من حيث تشكيلها وضماناتها والقواعد المعمول بها أمامها، وأن يكون المشرع قد عهد إليها بالفصل في عناصر النزاع جميعها الواقعية منها والقانونية فلا تراجعها فيما تخلص إليه من ذلك أية جهة أخرى، وتبعًا لذلك فلا يجوز من زاوية دستورية انفتاح طـرق الطعـن في الأحكام أو منعها إلا وفق أسس موضوعية ليس من بينها مجرد سرعة الفصل في القضايا.



وحيث إن من المقرر كذلك في قضاء هذه المحكمة أن لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها، مهيأ للفصل فيها، وهذا الحق مخول للناس جميعًا، فلا يتمايزون فيما بينهم في ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحـق مقصـورًا على بعضهم، ولا منصرفًا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملًا بعوائق تخص نفرًا من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق، منضبطًا وفق أسس موضوعية لا تمييـز فيهـا، وفى إطـار من القيود التي يقتضيها تنظيمـه، ولا تصل في مداها إلى حد مصادرته.

وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان المشرع قد وصف حكم هيئة التحكيم، في نص الفقرة الثانية من المادة (187) من القانون المشار إليه، بأنه " يعتبر بمثابة حكم صادر عن محكمة الاستئناف بعد تذييله بالصيغة التنفيذية "، وذلك إعمالاً لسلطته التقديرية في شأن التنظيم الإجرائى للخصومة في منازعات العمل الجماعية التي تقام أمام هيئة التحكيم العمالى، بأن وضع للحماية القضائية للمتقاضين أمامها نظامًا للتداعى، من خلال ربط هذا التنظيم الإجرائى للخصومة في مجمله بالغايات التي استهدفها المشـرع من هذا التنظيم، التي تتمثل - على ما يتضح جليًّا من الأعمال التحضيرية للقانون - في تحقيق المصلحة العامة عن طريق إقامة هيئة تحكيم متخصصة في نظر هذه المنازعات وما يستلزمه ذلك من حسم هذه المنازعات بالسرعة التي تتفق مع الطبيعة الخاصة لها، والتى يُعتبر الزمن عنصرًا جوهريًا في حسمها، وعاملاً أساسيًّا لاستقرار المراكز القانونية المتعلقة بها، مع عدم الإخلال في الوقت ذاته بكفالة الضمانات الأساسية لحق التقاضى، بما يجعل للخصومة في هذا النوع من المنازعات حلاً منصفًا يرد العدوان على الحقوق المدعى بها فيها، وفق أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزًا منهيًّا عنه بين المخاطبين بها، مما يتفق مع سلطة المشرع في المفاضلة بين أكثر من نمط لتنظيم إجراءات التقاضى، دون التقيد بقالب جامد يحكم إطار هذا التنظيم. ومن ثم تكون المغايرة التي اتبعها المشرع في تنظيمه لإجراءات فض المنازعات العمالية أمام هيئات التحكيم على أساس نوع المنازعة باعتبارها تعكس أهميتها النسبية، قائمة على أسس مبررة تستند إلى واقع مختلف يرتبط بالأغراض المشروعة التي توخاها، فضلاً عن أن الفقرة الثالثة من المادة (188) من قانون العمل المشار إليه، أجازت لكل من طرفى النزاع أن يطعن على حكم التحكيم العمالى أمام محكمة النقض، والتى تملك – وفقًا لنص المادة (251) من قانون المرافعات – وقف تنفيذ ذلك الحكم. وتبعًا لذلك تنتفى قالة الإخلال بمبدأ المسـاواة أو تقييد حق التقاضى. ومن ثم فإن النص المطعـون فيه لا يكون مخالفًا لأحكام المادة (٩٧) من دستور سنة ٢٠١٤ ، كما لا يخالف أى أحكام أخرى من هذا الدستور، مما يتعين معه القضاء برفض هذا النعى.

وحيث إنه عن طلب سقوط المواد (168، 169، 170، 171، 172، 173، 174، 175، 176، 178) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، فإن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن طلب السقوط يعتبر من قبيل التقديرات التي تملكها المحكمة الدستورية العليا، فيما لو قضت بعدم دستورية نص معين، ورتبت السقوط للمواد الأخرى المرتبطة به ارتباطًا لا يقبل التجزئة، وهو أمر تقضى به المحكمة من تلقاء نفسها حتى ولو لم يطلبه الخصوم. متى كان ذلك، وكان العوار الذى أصاب نص المادة (179) والبندين 3، 4 من المادة (182) من القانون المشار إليه، لا يستطيل أثره إلى نظام التحكيم العمالى، إذا توافق طرفا المنازعة العمالية الجماعية على اللجوء للتحكيم، وروعـى في المحكمين المختارين عن التنظيم النقابى وعـن الـوزارة المختصة ما يكفل حيادهما، بعدم المشاركة بأية صورة في بحث المنازعة ذاتها أو محاولة تسويتها. ومن ثم لا يوجد ارتباط لا يقبل التجزئة بين أحكام هذين النصين، ونصوص المواد المطلوب الحكم بسقوطها.


فلهذه الأسبـاب

حكمت المحكمة :

أولاً: بعدم دستورية نص المادة (179) من قانون العمل، الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣، فيما تضمنه من اعتبار تقدم أحد طرفى منازعة العمل الجماعية إلى الجهة الإدارية، المختصة بطلب اتخاذ إجراءات التحكيم، أمرًا ملزمًا لخصمه بالمضى في هذه الإجراءات، ولو لم يقبلها.

ثانيًا: بعدم دستورية نصى البندين ٣ و٤ من المادة (182) من القانون ذاته فيما لم يتضمناه من اشتراط، ألا يكون المحكم المختار عن التنظيم النقابى، وكذلك المحكم المختار عن الوزارة المختصة، في عضوية هيئة التحكيم، المسند إليها الفصل في منازعة العمل الجماعية، قد سبق اشتراكهما، بأية صورة، في بحث المنازعة ذاتها أو محاولة تسويتها.

ثالثًا: رفض ما عدا ذلك من طلبات.

رابعًا: إلزام الحكومة بالمصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

الفهرس الموضوعي للنقض الأحوال الشخصية والاسرة المصري / ح / حيازة

الأصل في الشريعة الإسلامية أن الأموال المملوكة، لا تكتسب ملكيتها بوضع اليد عليها مهما طال الزمن. منع سماع الدعوى. مناطه. م 375 لائحة شرعية. وجوب إعمال حكمها مقيدة بالشروط التي أقرها المذهب الحنفي لعدم سماع الدعوى.
الأصل في الشريعة الإسلامية أن الأموال المملوكة لا تكتسب ملكيتها بوضع اليد عليها مهما امتد الزمان ولكن الفقهاء رأوا أن وضع اليد مدة طويلة يدل بحسب الظاهر ووفقاً لما سار عليه العرف وجرت به العادة على أن وضع اليد هو المالك مادامت يده هادئة لم ينازعه أحد فيها فتكون الدعوى عليه في هذه الحالة مما يكذبه الظاهر ويفيد أن مدعيها مبطل فيها وكل دعوى هذا شأنها لا تسمع سداً لباب التزوير وقطعاً للدعاوى الباطلة ولذلك أجازوا لولى الأمر بما له من سلطة تخصيص القضاء بالزمان والمكان ونوع الحوادث التي ينظرها أن يمنع من سماع الدعوى بعد مدة يحددها، على أن يكون المنع من سماع الدعوى إذا توافرت شروط معينة هي أن يستمر وضع اليد على الشيء مدة طويلة، واختلفوا في تحديد مداها تبتدئ من وقت ظهور واضع اليد بمظهر المالك للعين إن كان المدعى به عيناً من الأعيان، أو من وقت ثبوت حق المطالبة به إن كان ديناً أو حقاً من الحقوق على ألا يكون هناك عذر يحول بين المدعى والمطالبة بحقه، وما ورد بكتب الفقه الحنفي على هذا النحو يتفق مع أحكام القانون المدني بشأن التملك بوضع اليد فهي تستلزم وضع اليد بنية التملك وضع يد ظاهر لا غموض فيه، هادئ، مبرأ من الإكراه مستمر طيلة المدة المحددة ولا يعتد بمضي المدة إذا وجد مانع من المطالبة بالحق سواء كان قانونياً أو مادياً وتنقطع المدة بالمطالبة القضائية والإكراه، وفى ضوء هذه القواعد يتعين فهم ما نصت عليه المادة 375 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية من أن " القضاة ممنوعين من سماع الدعوى التي مضى عليها خمس عشرة سنة مع تمكن المدعى من رفعها وعدم العذر الشرعي له في عدم إقامتها إلا في الإرث والوقف فإنه لا يمنع من سماعها إلا بعد ثلاث وثلاثين سنة مع التمكن وعدم العذر الشرعي، وهذا كله مع الإنكار للحق في تلك المدة " فلا يكفى مجرد مرور المدة المجددة لكى لا تسمع الدعوى، وإنما يجب الأخذ بالشروط والقواعد التي وضعها المذهب الحنفي لعدم سماع الدعوى والسابق بيانها باعتباره القانون الواجب التطبيق فيما لم يرد بشأنه نص في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية أو في قانون آخر عملاً بالمادتين 6/ 1 من القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والملية، 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية.

الفهرس الموضوعي للنقض الأحوال الشخصية والاسرة المصري / ح / حكم غيابي




عدم إعادة إعلان من لم يعلن لشخصه في مسائل الأحوال الشخصية، أثره. اعتبار الحكم الصادر في حقه غيابياً تجوز فيه المعارضة.

الفهرس الموضوعي للنقض الأحوال الشخصية والأسرة المصري / ح / حكم استئنافي




عدم التزام المحكمة الاستئنافية بالرد على أسباب الحكم الابتدائي الذي ألغته متى أقامت قضاءها على ما يحمله.



متى كان يبين من الحكم أنه خلا من ذكر رأي النيابة العامة في دعوى استئنافية من دعاوى الأحوال الشخصية فإن الحكم يكون باطلاً - ولا يغني عن هذا البيان إشارة الحكم إلى رأي النيابة في مرحلة الدعوى الابتدائية