الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 24 يناير 2024

الطعن 498 لسنة 4 ق جلسة 29 / 6 / 1963 إدارية عليا مكتب فني 8 ج 3 ق 129 ص 1374

جلسة 29 من يونيه سنة 1963

برياسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس وعضوية السادة حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد عبد العزيز البرادعي ومحمد مختار العزبي المستشارين.

---------------

(129)

القضية رقم 498 لسنة 4 القضائية

(أ) 1 - طعن 

- طعن هيئة مفوضي الدولة في حكم صادر من محكمة القضاء الإداري أمام المحكمة الإدارية العليا بمفردها دون أي من أطراف الخصومة في الدعوى - مدى حق المدعي في الدعوى الأصلية في التنازل عن مطالبة الجهة الإدارية المدعى عليها بما يدعيه في مرحلة الطعن - جائز.
2 - طعن 

- تنازل المطعون لصالحه أمام المحكمة الإدارية العليا وهو المدعي في الدعوى الأصلية عن مخاصمة الجهة الإدارية المدعى عليها - أثر هذا التنازل - صيرورة الحكم المطعون فيه الصادر برفض دعواه نهائياً قبل هذا المطعون لصالحه، لأن نزوله يعني قبول ذلك الحكم - ليس لهذا النزول أثر رجعي.
3 - طعن 

- نزول المطعون لصالحه عن مخاصمة الجهة الإدارية في مرحلة الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا من جانب هيئة مفوضي الدولة وحدها - تكييف هذا النزول - لا يعتبر من قبيل ترك الخصومة لأن المدعي لم يكن طاعناً، والطعن ماثل أمام المحكمة العليا من قبل هيئة المفوضين وحدها.
4 - نزول المطعون لصالحه عن مخاصمة الجهة الإدارية في مرحلة الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا من جانب هيئة مفوضي الدولة وحدها - أثر هذا النزول على الخصوم الآخرين وهم جهة الإدارة وبعض الأشخاص - ليس له أثر بالنسبة لهؤلاء ويظل الطعن منظوراً أمام المحكمة الإدارية العليا بالنسبة إليهم.
(ب) تعويض 

- اختلاف دعوى التعويض عن دعوى الإلغاء - لا تلازم بين قضاء الإلغاء وقضاء التعويض فلكل من القضاءين فلكه الخاص - إلغاء قرار إداري بسبب انطوائه على بعض العيوب الشكلية - لا يستتبع حتماً وبحكم اللزوم القضاء بالتعويض ما دام إغفال هذا الإجراء الشكلي لا يعتبر عيباً جوهرياً - مثال بعدم عرض قرار على قسم التشريع بمجلس الدولة رغم وجوب عرضه على هذا القسم.

----------------
1 - إن أول ما تلاحظه هذه المحكمة على التنازل الذي أبداه الحاضر عن المطعون لصالحه (المدعي) حسبما هو ثابت بمحضر جلسة 25 من مايو سنة 1962 أنه بعد إذ أستهله بالإشارة إلى موضوع وسبب دعواه الصادر فيها الحكم المطعون فيه موضحاً أنه عبارة عن طلب القضاء له بالتعويض عن ضرر إصابة نتيجة لصدور قرار من السيد وزير المالية وقرارات من لجنتي بورصة العقود وبورصة منيا البصل (المدعى عليهم الأول والثاني والثالث) وأنه اختصم شركتي فرغلي والتجارة في المحاصيل المصرية (المدعى عليهما الرابع والخامس) بحسبان أنهما اقتضيا منه الفروق المترتبة على تلك القرارات انتهى المدعي إلى تقرير تنازله عن مخاصمة وزارة الاقتصاد، وعدم توجيه أية طلبات إليها لرد الفروق التي يطالب بها الشركتين المذكورتين، وذلك لأنهما هما اللتان قبضتا تلك الفروق، واللتان يعتبرهما المدعي مسئولتين عن ردها. وليس من شك في أن هذا التنازل هنا بمفهوم عباراته الواضحة محدود بانحصاره في نطاق الخصومة في الطعن أمام هذه المحكمة العليا ولا يمكن أن يكون له أثر رجعي ويترتب على ذلك أن يصبح الحكم المطعون فيه بعد هذا التنازل نهائياً في حق المدعي إذ معنى التنازل قبول المتنازل لهذا الحكم الصادر في الدعوى برفضها، وتسليم منه به. ولا يجوز أن يعتبر التنازل هنا من قبيل ترك الخصومة، ذلك لأن الخصومة الماثلة أمام هذه المحكمة إنما ترجع في أساسها إلى الطعن المرفوع من هيئة المفوضين ولصالح القانون والعدالة الإدارية حسبما تراه الهيئة رافعة الطعن، ومن ثم يكون ترك الخصومة من حقها وحدها. كما أنه لا يتصور مطلقاً أن تخرج الوزارة من الخصومة أمام المحكمة الإدارية العليا، ويظل بعد ذلك الأفراد وحدهم ماثلين أمامها في دعوى سببها التعويض عن تنفيذ قرارات إدارية ملغاة، وخاصة بعد أن قرر المدعي المتنازل في محضر جلسة 25 من مايو سنة 1962 أن مبنى دعواه، هذه المطالبة برد الفروق المالية. وكذلك لا يجوز للمدعي، وهو أمام هذه المحكمة العليا أن يغير سبب دعواه الأصلية فتصبح دعوى عقد بعد أن كانت أمام محكمة القضاء الإداري دعوى تعويض عن قرار إداري معيب. ولا يغير من الأمر شيئاً كون الوزارة لم تر مانعاً من قبول تنازل المدعي عن مخاصمتها وعدم مطالبتها بأي تعويض أو فروق نتيجة للقرارات الإدارية السالف الإشارة إليها. وقد تمسك باقي المدعى عليهم بعدم قبول التنازل عن مخاصمة الحكومة، المبدى من المدعي. ويتضح من جماع ما تقدم أن طلب المتنازل غير مقبول، ولا يقوم على سند من القانون وخليق بإطراحه جانباً.
2 - إن دعوى الإلغاء تختلف بداهة عن دعوى التعويض أركاناً وموضوعاً وحجية وأخص ما في الأمر أنه بينما يكتفي في دعوى الإلغاء أن يكون رافعها (صاحب مصلحة)، فإنه يشترط في رافع دعوى التضمين أن يكون (صاحب حق) أصابته جهة الإدارة بقرارها الخاطئ بضرر يراد رتقه وتعويضه عنه. والمؤدى اللازم لهذا النظر في جملته وتفصيله أن القضاء بالتعويض ليس من مستلزمات القضاء بالإلغاء. بل لكل من القضاءين فلكه الخاص الذي يدور فيه. فالحكم المطعون فيه يكون قد أصاب وجه الحق، إذ اتبع في سياسته الأصل التقليدي المسلم، وهو أن العيوب الشكلية التي قد تشوب القرار الإداري فتؤدي إلى إلغائه لا تصلح مع ذلك لزوماً أساساً للتعويض. فإذا كان المقصود من عرض القرار على قسم التشريع هو أساسا الاطمئنان إلى سلامة صياغة القرار، وإذا كان الرجوع إلى لجنة البورصة لا يهدف إلا إلى الاستئناس برأيها دون الالتزام به، فإن إغفال مثل هذا الإجراء لا يمكن بداهة أن يقال عنه أنه عيب جوهري يسيغ القضاء بالتعويض.


إجراءات الطعن

في 7 من مايو سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 498 لسنة 4 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - الهيئة الخامسة بجلسة 6 من مارس سنة 1958 في الدعوى رقم 6514 لسنة 8 القضائية المقامة من السيد/ نجيب أمين يونان ضد كل من السادة: (1) وزير المالية بصفته (2) ورئيس لجنة بورصة منيا البصل بصفته (3) ورئيس لجنة بورصة العقود بصفته (4) ومحمد أحمد فرغلي بصفته رئيس مجلس إدارة شركة فرغلي للأقطان والأعمال المالية - شركة مساهمة مصرية - (5) وعلي أمين يحيى بصفته رئيس مجلس إدارة شركة التجارة في المحاصيل المصرية - شركة مساهمة مصرية - وقد قضى الحكم المطعون فيه: أولاً: برفض الدفع ببطلان صحيفة الدعوى. ثانياً: برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى. ثالثاً: وفي الموضوع برفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات وبمبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة للحكومة وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة للمدعى عليهما الرابع والخامس) وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه: "الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها مجدداً". وقد أعلن هذا الطعن للخصوم في 9، 16، 22 من يونيه وكذلك في 2 من أغسطس سنة 1958. وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 19 من ديسمبر 1959 فقررت الدائرة بجلسة 2 من إبريل سنة 1960 إحالة هذا الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 21 من مايو سنة 1960 فطلب الخصوم تأجيله لجلسة 17 من ديسمبر سنة 1960 لتقديم مذكرات ومستندات مما أدى إلى تأجيل نظر الطعن إلى عدة جلسات، وفي أول مايو سنة 1961 قدمت وزارة المالية مذكرة بوجهة نظرها في الطعن وخلصت إلى طلب الحكم برفضه وتأييد الحكم المطعون فيه. وبجلسة 28 من أكتوبر سنة 1961 قررت المحكمة التأجيل لجلسة 20 من ديسمبر سنة 1961 لإعلان الحارس على شركة فرغلي للأقطان والأعمال التجارية، فأودع الحاضر عن السيد/ عبد المنعم فاروق، بصفته مندوباً مفوضاً لشركة فرغلي للأقطان مذكرة طلب فيها برفض الطعن وبتأييد الحكم المطعون فيه. وبجلسة 2 من فبراير سنة 1962 أثار الحاضر عن المدعي - المطعون لصالحه - احتمال التجاء الخصوم إلى طريق التحكيم. فقررت المحكمة التأجيل لجلسة 24 من مارس سنة 1962 بناء على طلب الحاضر عن الحكومة لاستطلاع رأي الجهات الرسمية المسئولة فيما أثاره المدعي خلال جلسات المرافعة. وفي الجلسة المذكورة طلب الحاضرون عن الخصوم التأجيل للمرافعة بجلسة 28 من إبريل سنة 1962. ولكن الحاضر عن الحكومة أودع في 2 من إبريل سنة 1962. خطاباً مؤرخاً في 22 من إبريل سنة 1962 وموقعاً عليه من السيد/ المدير العام لمصلحة القطن بوزارة الاقتصاد إلى السيد/ رئيس إدارة قضايا الحكومة بشأن ما أثاره المدعي من احتمال الوصول إلى حل المنازعة عن طريق التحكيم وجاء في هذا الخطاب ما يأتي: "بالإشارة إلى كتابكم المؤرخ 7 من إبريل سنة 1962 برقم (2449) المرسل إلى السيد سكرتير عام وزارة الاقتصاد أتشرف بالإحاطة أن أحد طرفي النزاع المعروض على القضاء بسبب المضاربات التي انتابت سوق القطن في عام (1950) والمعروفة بكورنر يونيو سنة 1950، وهم فريق تجار الداخل، قد تقدموا إلى الوزارة بعدة ملتمسات يطلبون إحالة النزاع القائم بينهم وبين فريق مصدري الأقطان للتحكيم لإنهائه في أقرب وقت بعد أن طال نظره أمام القضاء. وقد رفعت هذه المصلحة مذكرة إلى السيد الدكتور وزير الاقتصاد في هذا الشأن انتهت فيها إلى ملاءمة إجراء التحكيم الاتفاقي بين طرفي النزاع فيما لو اتفقوا على إخراج الحكومة من النزاع. وقد وافق السيد الوزير على ذلك في 8 من فبراير سنة 1962. ويجرى في الوقت الحاضر الاتصال بطرفي النزاع المتقدم لترشيح من يرونه لتمثيلها في الاجتماع التمهيدي الذي سيعقد لتبادل الرأي في إعداد مشارطة التحكيم، والاتفاق على أشخاص المحكمين. ولهذا أرجو التفضل باتخاذ اللازم نحو طلب تأجيل نظر الطعن المشار إليه بعاليه، وسنوافيكم بما يستقر عليه رأي طرفي النزاع في شأن التحكيم في حينه" وبجلسة 28 من إبريل سنة 1962 سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة. وقدم كل من الخصوم أكثر من مذكرة بدفاعه وبيان وجهة نظره في هذا الطعن. ثم قررت المحكمة حجز الطعن للحكم فيه بجلسة 16 من يونيو سنة 1962. ولكن الحاضر عن المدعي - المطعون لصالحه - تقدم في 12 من يونيو سنة 1962 لهذه المحكمة بطلب فتح باب المرافعة مرفقاً بطلبه صورة من مشروع مشارطة تحكيم بين الأطراف المتنازعين. فقررت لمحكمة مراعية في ذلك كتاب مصلحة القطن لإدارة قضايا الحكومة، إعادة الطعن إلى المرافعة بجلسة 27 من أكتوبر سنة 1962 وفيها أودع الحاضر عن شركة التجارة في المحاصيل المصرية كتاباً موقعاً عليه من السيد/ الحارس الخاص على أموال وممتلكات علي أمين يحيى، يفيد بأن كلاً من الحراسة وشركة التجارة في المحاصيل المصرية لا علم لهما بمشارطة التحكيم التي أشار إليها الحاضر عن السيد/ نجيب أمين يونان في هذا الطعن. وطلب الحارس الاستمرار في نظر الطعن والرضاء بحكم القضاء. وبجلسة 12 من يناير سنة 1962 أودع الحاضر عن شركة التجارة في المحاصيل المصرية كتاباً مؤرخاً في 10 من نوفمبر سنة 1962 من السيد/ رئيس مجلس إدارة هذه الشركة يقول فيه: "إلحاقاً بكتابنا المؤرخ 23 من أكتوبر سنة 1962 بشأن مشروع مشارطة التحكيم الذي تقترحه مصلحة القطن في القضايا القائمة بين فريق المصدرين، وفريق تجار الداخل بسبب عمليات يونيو سنة 1950 أفيد بأن مجلس إدارة الشركة قرر بجلسته التاسعة والسبعين بعد المائة المنعقدة في 25 من سبتمبر سنة 1962 رفض مبدأ التحكيم من أساسه في القضايا المذكورة إذ أن الأصل هو الالتجاء إلى القضاء العادي لفض المنازعات. كما عاد المجلس إلى تأييد هذا القرار بجلسته الثمانين بعد المائة المنعقدة في 21 من أكتوبر سنة 1962 وقرر تفويض السيد/ مدير عام الشركة في اتخاذ كافة الإجراءات التي يراها كفيلة بتنفيذ هذا القرار. لذلك أرجو التفضل بالسير في الدعاوى المتعلقة بهذا الموضوع حتى صدور الأحكام النهائية فيها". وكذلك أودع الحاضر عن الحكومة بالجلسة المذكورة كتاباً مؤرخاً في 22 من ديسمبر سنة 1962 من السيد المدير العام لمصلحة القطن بوزارة الاقتصاد يفيد أنه لم يجد جديد في موضوع الاتفاق على التحكيم في النزاع القائم بين فريق تجار الداخل، وفريق مصدري الأقطان بسبب كورنر سنة 1950 بعد الاجتماع الذي عقد بالمصلحة في 18 من أكتوبر سنة 1962 والذي سبق أن أحطنا المحكمة الإدارية العليا علماً به. وعلى ذلك فإن المصلحة ترى، إلى أن يتفق أطراف النزاع على التحكيم فيما بينهم، التفضل بالسير في الدعوى على أساس الأسانيد التي تمثل وجهة نظر الحكومة والتي أبديت أمام محكمة القضاء الإداري. وسنخطر سيادتكم بأي جديد في الموضوع في حينه". ثم قررت المحكمة، بناء على طلب الخصوم، التأجيل لجلسة 2 من مارس سنة 1962 للمرافعة وتقديم مذكرات تكميلية. وفي الجلسة المذكورة أبدى الحاضر عن المدعي أسفه لمرض المحامي الأصلي واتفق الحاضرون عن الخصوم على عدم المرافعة والاكتفاء بما قدم منهم من مذكرات. وقال الحاضر عن الحكومة أن مصلحة القطن تؤيد الحكم المطعون فيه ولا ترى وجهاً للطعن فيه. فقررت المحكمة حجز الطعن للحكم فيه بجلسة 27 من إبريل سنة 1962. ولكن في 7 من إبريل سنة 1962 قدم الحاضر عن المدعي نجيب أمين يونان - المطعون لصالحه - إلى المحكمة طلباً جديداً بفتح باب المرافعة في الطعن لإثبات تنازله عن مخاصمة الحكومة، وتنازله عن أية مطالبة ضدها وإخراجه من الدعوى وقال في طلبه هذا أنه لما كان المدعي قد أقام الدعوى رقم (6154) لسنة 8 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد وزارة المالية ولجنتي بورصة العقود والبضاعة الحاضرة، وشركتي فرغلي للأقطان والأعمال المالية والتجارة في المحاصيل المصرية، وطلب الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا مبلغ (31250 جنيه) والملحقات وهي التي قضى برفضها بتاريخ 9 من مارس سنة 1958. والتي أقام عنها رئيس هيئة مفوضي الدولة للطعن رقم (498) لسنة 4 القضائية أمام هذه المحكمة العليا. ولما كان المدعي يرغب في التقرير بتنازله عن مخاصمة الحكومة. فإنه يطلب فتح باب المرافعة في الدعوى لإثبات ذلك. فقررت المحكمة إعادة القضية للمرافعة بجلسة 25 من مايو سنة 1962 وفيها طلبت الحكومة التأجيل لبحث موضوع تنازل المدعي عن مخاصمة الحكومة وحدها وحصر طلب رد الفروق من شركتي فرغلي والتجارة في المحاصيل المصرية. وقال الحاضر عن الحكومة أنه يود استطلاع رأي وزارة المالية في طلب المدعي. وقال الحاضر عن شركة التجارة في المحاصيل المصرية أن هذا التنازل من جانب المدعي عن مخاصمة الحكومة وحدها يحطم أساس الدعوى ويهدم سببها ويقوض الاختصاص الإداري منذ البداية لأن المدعي يطلب التعويض على أساس القرارات الإدارية وقال أن المدعي يريد بذلك أن يتخلص من آثار الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري برفض دعواه وفضلاً عن ذلك فإن هذا الطعن قد أقامته هيئة المفوضين لصالح القانون وحددت أطرافه فلا يجوز من المدعي أن يطلب التنازل عن مخاصمة الحكومة وحدها وانتهى الحاضر عن شركة التجارة في المحاصيل المصرية إلى أن موكلته تعترض على طلب المدعي وترفض الموافقة على طلبه إعمالاً لحكم المادة (209) من قانون المرافعات. وقرر الحاضر عن شركة فرغلي للأقطان أنه ينضم إلى زميله الحاضر عن شركة التجارة في المحاصيل المصرية وقال أن تنازل المدعي لا يقبل التجزئة بحال من الأحوال ولا يمكن أن يولد أثره بالنسبة للحكومة وحدها دون شركتي فرغلي والتجارة. وأخيراً قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة 29 من يونيه سنة 1962 وطلبت من أطراف المنازعة تقديم مذكرات في طلب التنازل المقدم من المدعي نجيب أمين يونان كما كلفت هيئة مفوضي الدولة الطاعنة بتقديم مذكرة برأيها القانوني في طلب التنازل عن مخاصمة الحكومة وحدها. فقدمت الحكومة في 5 من يونيو سنة 1962 مذكرة موجزة أوردت فيها أنها لا ترى مانعاً من قبول تنازل المدعي عن مخاصمتها وعن عدم مطالبتها بأي تعويض أو فروق نتيجة لقرار وزير المالية الصادر في العاشر من يونيو سنة 1950 ولقرارات لجنة بورصة منيا البصل بتحديد سعر إعادة الخصم عن الأقطان المرفوضة في فليارات شهر يونيو سنة 1950. وقدمت شركة التجارة في المحاصيل المصرية مذكرة ختامية في أول يونيو سنة 1962 طلبت فيها الحكم بصفة أصلية برفض الطعن وبصفة احتياطية اعتباره كأن لم يكن لإنهاء الخصومة والتنازل عن المسئولية الإدارية مع إلزام السيد/ نجيب أمين يونان (المدعي) بالمصاريف وأتعاب المحاماة. وقدمت شركة فرغلي للأقطان والأعمال المالية مذكرة ختامية في 8 من يونيو سنة 1962 انتهت فيها إلى طلب الحكم بعدم قبول التقرير بترك الخصومة من السيد/ نجيب أمين يونان، وفي الموضوع برفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه. وفي 12 من يونيو سنة 1962 قدم الأستاذ مفوض الدولة مذكرة ختامية رأى فيها الحكم برفض اعتماد ترك الخصومة في الطعن بالنسبة للمطعون عليه الأول (وزير المالية) والثاني (رئيس لجنة بورصة منيا البصل) والثالث (رئيس لجنة بورصة العقود) وطلب الحكم في الطعن بحالته الراهنة. وأخيراً في 16 من يونيو سنة 1962 قدم المدعي (المطعون لصالحه) مذكرة ختامية صمم فيها على القضاء: أولاً بتقرير انقضاء الدعوى قبل الحكومة. ثانياً: بتفويض الرأي في شأن ولاية القضاء الإداري بالنسبة للخصومة القائمة قبل شركتي فرغلي للأقطان والأعمال المالية، والتجارة في المحاصيل المصرية. ثالثاً: وإذا رأت المحكمة ثبوت ولاية القضاء الإداري بنظر موضوع حقوق المطعون لصالحه، قبل شركتي فرغلي للأقطان والأعمال المالية، والتجارة في المحاصيل المصرية، بإلغاء الحكم المطعون فيه وذلك فيما قضى به من رفض دعوى المطعون لصالحه ضد الشركتين مع إلزامهما متضامنين بأن تدفعا للطاعن تعويضاً يعادل قدر الضرر الذي أصابه متمثلاً في فروق الأسعار التي قبضتها الشركتان، وإلزامهما المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي. وكانت هذه المحكمة بجلسة 25 من مايو سنة 1962 قد قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون لصالحه - المدعي نجيب أمين يونان تاجر الأقطان - كان قد أقام الدعوى رقم 1514 لسنة 8 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري - الهيئة الخاصة - بعريضة أودعها سكرتيرية تلك المحكمة في 14 من إبريل سنة 1954 ومعها مذكرة شارحة وحافظة بمستندات، ضد كل من السادة: (1) وزير المالية بصفته (2) ورئيس لجنة بورصة منيا البصل، بصفته (3) ورئيس لجنة بورصة العقود بصفته، (4) ومحمد أحمد فرغلي، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة فرغلي للأقطان والأعمال المالية - شركة مساهمة مصرية - (5) وعلي أمين يحيى بصفته رئيس مجلس إدارة شركة التجارة في المحاصيل المصرية - شركة مساهمة مصرية - وقد أعلنت صحيفة هذه الدعوى إلى المدعى عليه الأول في 18 من إبريل سنة 1954 وإلى باقي المدعى عليهم في (20) منه. وطلب المدعي في ختام صحيفة دعواه الحكم على المدعى عليهم بأن يدفعوا له متضامنين مبلغ (31250 جنيهاً - واحد وثلاثين ألف جنيه ومائتين وخمسين جنيهاً) مع الفوائد من تاريخ 9 من أغسطس سنة 1950 تاريخ رفع الدعوى الأولى التي أشار إليها في صحيفة هذه الدعوى وذلك مع إلزام المدعى عليهم متضامنين بالمصاريف ومقابل الأتعاب.
وقال المدعي بياناً لدعواه أن هذه الدعوى رقم 6514 لسنة 8 القضائية ليست بجديدة على محكمة القضاء الإداري بل هي أثر من آثار الدعويين الواردتين في جدولها العام تحت رقم (589) لسنة 4 القضائية و(653) لسنة 4 القضائية والتي انتهت أولاهما بالحكم الصادر في 26 من فبراير سنة 1952 وثانيهما بالحكم الصادر في 21 من إبريل سنة 1952. والمدعي ممن راحوا ضحية تدبير الكورنر الذي دمغته محكمة القضاء الإداري ودمغت وسائله وأدواته من رجال وهيئات ومؤامرات في حكميها المشار إليهما. أما الدعوى الأولى رقم (589) لسنة 4 القضائية، فكان ذات المدعي قد أقامها ضد الحكومة في 9 أغسطس سنة 1950 وطلب فيها الحكم ببطلان القرار الوزاري المؤرخ 10 من يونيو سنة 1950 بكامل أجزائه وفي انصراف آثاره إلى العمليات التي تم قيدها قبل صدوره إلى العمليات اللاحقة على حد سواء. وكذلك طلب فيها الحكم ببطلان قرار وزير المالية بتشكيل لجنة الاستئناف من (إسماعيل زكي أحمد وآخرين) وذلك لعدم أخذها رأي لجنة البورصة أولاً، ولأن المصلحة العامة لم تكن رائدة في اختيار أعضاء هذه اللجنة. ويقول المدعي أنه أوضح في صحيفة تلك الدعوى رقم (589) لسنة 4 ق أن حلقة من حلقات المؤامرة التي راح ضحيتها، كانت في إقامة العقبات في سبيل المتعاملين في البورصة، ليستحيل عليهم تسليم أقطانهم، أو ليستبعد من هذه الأقطان أعلى ما يمكن استبعاده وبذلك يبعد بينهم وبين التنفيذ العيني، ويقرب بينهم وبين دفع فروق وتعويضات وليحال بينهم وبين استرداد ما كانوا قد أدوه منها، وتلك كانت غاية الغايات لمن دبروا أمر المؤامرة ومن ساندوهم بإسداء المعونة الإيجابية لهم أو بسكوتهم حيث كان الواجب يقضي عليهم بالاعتراض. ومن هنا صدر القرار المؤرخ 10/ 6/ 1950 والذي قضت محكمة القضاء الإداري بجلستها في 26 من فبراير سنة 1952 بإلغائه وأورد المدعي في صحيفة هذه الدعوى الجديدة رقم (6514) لسنة 8 ق منطوق الحكم في الدعوى رقم (589) لسنة 4 ق وسجل بعض أسبابه. واستطرد يقول أن في ذلك كفاية لإلزام كل من ساهم في المؤامرة إن سلباً أو إيجاباً بتعويض المضرور عن كل ما لحقه من ضرر. ثم أورد المدعي بعد ذلك لبعض أسباب الحكم الثاني الصادر أيضاً من محكمة القضاء الإداري بجلستها المنعقدة في 21 من إبريل سنة 1953 في الدعوى رقم (652) لسنة 4 القضائية وقال المدعي أن لهذين الحكمين حجيتهما وأنه من اليسير ترتيب آثار هذه الحجية. وقد قضى الحكم الأول ببطلان القرار الإداري الصادر من وزير المالية في 10/ 6/ 1950 بعدم الاعتداد بإجراءات فرضها القانون. وقضى الحكم الثاني ببطلان قرار لجنة البورصة بتحديد سعر إعادة الخصم للقطن المرفوض في فليارة يونيو سنة 1950 بمبلغ (154.75) ريال للقنطار لأنه صدر وليد مؤامرة غير مشروعة. واستطرد المدعي في هذه الدعوى الجديدة يقول أنه في أكثر من موضع أحست محكمة القضاء الإداري بأن تلك المؤامرة هي جنحة لا شبة جنحة فحسب، ولبانته مخالفة للوائح وأبسط قواعد الأمانة والاستقامة عن طريق العمل في الخفاء، واصطناع الأسعار، وشراء الذمم والدفع بالأصدقاء والأنصار في طريق الفساد. ثم استطرد المدعي يقوم أن من أول ما يستحق الوقوف عنده، ومن واقع الحكمين المذكورين هو تعيين ذوات الفاعلين الأصليين في الجريمة أو شبه الجريمة التي سجلتها محكمة القضاء الإداري ولا يخال المدعي أن أحداً يجادل في أن هذين الفاعلين هما: السيد/ محمد أحمد فرغلي، بصفته ممثلاً لشركة فرغلي للأقطان والأعمال المالية، والسيد/ علي أمين يحيى بصفته ممثلاً لشركة للتجارة في المحاصيل المصرية، ولأن الاثنين تدخلا خصوماً في الدعويين 589 لسنة 4 القضائية، 653 لسنة 4 القضائية، والتي تعتبر هذه الدعوى الجديدة رقم 6514 لسنة 8 القضائية حلقة من سلسلتهما، ولا شك أن الحكم بالتعويض على السيدين فرغلي ويحيى هو من اختصاص محكمة القضاء الإداري. ثم راح المدعي بعد ذلك يقول قرين البند العاشر من صحيفة هذه الدعوى الجديدة "فأما عن مسئولية الحكومة فلأن القرار الذي قضى الحكم الصادر في 26/ 2/ 1952 ببطلانه، فالحكومة هي التي أصدرته، ولا يهم فيه التحدث عن النيات ولا يهم ما سبق صدوره من محاولات قصد بها خيراً أو شراً وإنما يكفي أنه صدر باطلاً وأنه قضى ببطلانه، وأن وضعه موضع التنفيذ رغم بطلانه، قد ألحق بالقرار ضرراً ويضيف المدعي إلى ذلك أولاً: ما ثبت من الحكم الصادر في 21 من إبريل سنة 1953 في الدعوى (653) لسنة 4 ق من أن المؤامرة دبرت بين رجال البورصة وترعرعت في البورصة، وكان ختامها في البورصة أيضاً. ثم أورد المدعي بعض أسباب الحكم الصادر في الدعوى 589 لسنة 4 القضائية بجلسة 26 من فبراير سنة 1952. ثانياً: إن مندوب الحكومة في البورصة كان ملماً بالكليات والجزئيات في مجريات الأمور، وأشار إلى بعض أسباب الحكم الصادر في 21 من إبريل سنة 1953 وقال المدعي أن هذا المندوب رغم علمه بكل ذلك لم يستعمل حقه في الاعتراض، وياليته وقف موقفاً سلبياً فحسب وإنما هو هدد بالاعتراض في حالة ما إذا اتخذت البورصة قراراً لا يتمشى مع الغاية غير المشروعة التي ابتغاها المتآمرين. وفي موقفه هذا ما يكفي لإلقاء عبء المسئولية كاملاً على الحكومة. أما عن مسئولية البورصة فقد ذكر المدعي في البند (12) من صحيفة دعواه أن محكمة القضاء الإداري قد قطعت في حكمها الصادر في 21/ 4/ 1953 بمسئولية البورصة، وأورد المدعي بعضاً من أسباب الحكم المذكور وقال أنه إزاء ما سجلته المحكمة في أسباب حكمها لا يوجد من يجادل في قيام مسئولية البورصة، وفي وجوب إلزامها متضامنة مع الحكومة، ومع المحتكرين في تعويض كل من الحق به الكورنر ضرراً. وقال المدعي أنه كان قد أوضح في الصفحة رقم (36) من عريضة دعواه الثانية رقم 653 لسنة 4 ق أنه كان لدى البورصة أكثر من وسيلة للكشف عن الكورنر والقضاء عليه وأن من حق البورصة إلا تثبت في لوحتها سعراً يكون مصطنعاً. وأن من حقها أيضاً إحالة أعضائها ووسطائها إلى مجلس تأديب عند مخالفتهم لوائحها وخرجهم على مبادئ استقامة المعاملات فيها وأن من حقها كذلك أن تبلغ مندوب الحكومة عن كل جريمة أو مخالفة ترتكب في مقصورتها. وقال المدعي أن هذه العصابة التي التأمت لإصدار قرار بتحديد سعر إعادة الخصم كانت كلها من ذوي المصلحة أنفسهم أو من أنصارهم. فالذين تواطؤا على إصدار ذلك القرار بسعر 154 و4/ 3 ريال وأصدروه فعلاً كانوا السادة: محمد أحمد فرغلي، وعلي أمين يحيى، وعبد الحميد محمد شريف، وعبد المجيد إسماعيل بركات، وكانا عضوين في الكورنر بصفتهما ممثلين لشركة الشريف للأقطان، ومحمد أمين شهيب بصفته في ذلك الوقت مديراً لبنك مصر في الإسكندرية، وقد كان واسطة السوء في التعارف بين السيد محمد أحمد فرغلي والسيد/ محمد حلمي مندوب الحكومة. ثم انضم إلى هؤلاء المسيو سلفاجو، لأن الملك المخلوع كان قد دعاه إلى مقابلته وأوصاه شراً بالشعب وباقتصادياته. وأن أولئك هم الذين أصدروا قرار (10 يونيو سنة 1950) بتحديد سعر إعادة الخصم بمبلغ (154) ريالاً وقد كان همهم الأول والأخير من هذا القرار هو جعل الفروق التي حصل المحتكران اعتماداً على الأسعار المصطنعة حقاً مكتسباً لهما. وخلص المدعي في صحيفة دعواه الأخيرة رقم (6514) لسنة 8 القضائية إلى أن المسئولية لاصقة بالمحتكرين، ومعها الحكومة، والبورصتان وكل ذلك من الحكمين المتقدمي الذكر وهما الحكمان اللذان باتا بمنأى عن الجدل، وكذلك ثابتة منهما أيضاً العناصر الكاشفة عن مدى هذا الضرر، وعن تقدير قيمته. فإذا قررت محكمة القضاء الإداري أن سعر (154) ريالاً هو سعر مصطنع فلأنه ثبت لديها أن السعر الحقيقي هو (72) ريالاً، وهو سعر تصدير المحتكرين لما تسلمه من أقطان في فليارة يونيو سنة 1950 فإذا خصمنا من هذا المبلغ قيمة التكاليف ما بين استلام القطن من منيا البصل، وكبسه كبساً مائياً ونقله إلى الباخرة، وهو ما تقدره صحيفة الدعوى بثلاثة ريالات، كان سعر البضاعة الحاضرة في السوق المصرية سبعين ريالاً. وهذا المبلغ ينطوي على ربح ولو قليل للمحتكرين ولنغضن الطرف عن هذا الربح ونقف عند رقم السبعين ريالاً كسعر للبضاعة الحاضرة. وقال المدعي أن ترديد هذا السعر ليس من عندياته بل هو ما حددته محكمة القضاء الإداري في حكمها الصادر في 21/ 4/ 1953 ولولا ذلك لما قدرت المحكمة أن سعر الـ (154) ريالاً هو سعر مصطنع ولما ألغت القرار الصادر من البورصة في 10/ 6/ 1950 بتحديد سعر إعادة الخصم على أساسه. وخلص المدعي في صحيفة دعواه الأخيرة إلى القول بأن تحديد قيمة التعويض المطلوب إلى كل من أصابه ضرر من التصرفات المشينة التي كشفت عنها المحكمة من أيسر الأمور. ذلك أنه لو كانت المسائل في البورصة قد سارت في مجراها الطبيعي، ولم يكن هناك اصطناع في تحديد الأسعار لكان في مقدور المتعاملين فيها أن يشتروا من البضاعة الحاضرة، وبسعرها الحقيقي ما يتضح أنهم في حاجة إليه لتقديمه في الفليارة لتنفيذ عقدهم عيناً أو لأن ما قدمه منها مرة رفض لسبب من الأسباب، وعلى ذلك فإن كل ما يكون قد حصل من المدعي بالزيادة على هذا المبلغ بما في ذلك الغرامة البالغ قدرها أربعة في المائة هو حرام في حرام وهذه الزيادة بلغت واحد وتسعين ريالاً (91 ريالاً) فإذا أضيف إلى هذا المبلغ ما دفعه المدعي من فوائد إلى بنك مصر إذ أن جميع أقطانه كانت مودعة لديه تأميناً لحساب جار، فإن ما يكون قد أصاب المدعي من ضرر في كل قنطار هو (25) جنيهاً ولأن ما كان لديه هو، 1350 قنطاراً نفذ فيها حكم المحتكرين والبورصة مستعينين في ذلك بتأييد الحكومة ومؤازرتها، ومن ثم يكون التعويض الذي يستحقه المدعي هو مبلغ (31250) جنيهاً واحد وثلاثون ألفاً من الجنيهات ومائتين وخمسين جنيهاً وعلى ذلك طلب المدعي الحكم بإلزام المدعى عليهم متضامنين بأن يدفعوا له هذا المبلغ وفوائده من تاريخ 9/ 8/ 1950 تاريخ رفع الدعوى الأولى رقم (589) لسنة 4 ق مع إلزام المدعى عليهم متضامنين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وختم المدعي صحيفة دعواه الأخيرة رقم (6514) لسنة 8 القضائية بأنه لا يسعه إلا أن يعلنها حازمة صريحة، أنه لم يدخل البورصة مضارباً أو بائعاً على المكشوف إنما دخلها مطمئناً إلى أنها تؤدي وظيفتها الطبيعية، وهي تأمينه من تقلبات أسعار أقطان كانت موجودة لديه بالفعل وأن هذه الأقطان كلها كانت مودعة لدى بنك مصر وأن هذا البنك هو نفسه، وباسمه ولكن نيابة عن المدعي ولحسابه، هو الذي أجرى عملية تغطيتها. وبنك مصر هو أيضاً الذي كان يؤدي نيابة عن المدعي وتلك الفروق التي جاءت نتيجة للارتفاع المصطنع للاثمان، وذلك عن طريق قيدها في حسابه الجاري لديه مضافاً إليها فائدة وعمولة، وهما من بين العناصر التي أدخلها المدعي في تقديره عند تحديد قيمة التعويض الذي يطالب به في هذه الدعوى.
وفي 10 من مايو سنة 1954 أودع المدعى عليه الخامس (علي أمين يحيى/ شركة التجارة في المحاصيل) مذكرة برده على صحيفة هذه الدعوى طلب فيها الحكم: بصفة أصلية: أولاً: ببطلان صحيفة الدعوى الموجهة إليه وبصفة احتياطية: ثانياً: بإخراجه من الخصومة لعدم اختصاص القضاء الإداري بالنسبة له. ثالثاً: بسقوط الحق في التضمينات بالتقادم المسقط مع الحكم بالمصروفات وأتعاب المحاماة. وقامت شركة التجارة في المحاصيل المصرية أن هذه الدعوى رقم (6514) لسنة 8 القضائية ليست جديدة، فهي إذن من قبيل القول المعاد ولكنه مع ذلك قول يستهدف التعويض بعد الإلغاء. ولفهم هذه الدعوى الجديدة لا بد من الرجوع القهري إلى أربع سنوات لنستذكر تلك الضجة التي أثيرت في بورصتي العقود والبضاعة الحاضرة للأقطان. ولقد أثار الضجة وقتذاك الفريقان المضاربان في البورصة إذ زعم فريق الصعود، وهو قلة، أن الحكومة تهدد حقوقه وتعرضه لإفلاس أكيد إذا ما رخصت للفريق الآخر - فريق النزول وهو كثرة - أن يسلم أقطاناً رديئة أو أقطاناً معاداً كبسها مائياً للوفاء بالتزاماته وفاء ظاهرياً كما زعم فريق النزول أنه محتوم عليه تسليم أقطان رديئة أو معاد كبسها للوفاء بكامل التزاماته كبائع، لأن أقطانه الجيدة لا تسعفه كميتها بعد أن أسرف في البيع، وأن على الحكومة أن تحميه من خبرائها المحلفين، فلا تستجيب لطلب الفريق الآخر بحيث يتمكن النزوليون من استرداد الفروق التي دفعوها كاملة، ولا غضاضة في أن يخلص الصعوديون أو أن يتسلموا أقطاناً غير مقبولة في مجال التصدير. ثم قالت شركة التجارة أنه ليس من شأنها هنا أن تناقش مسلك الحكومة أو بعبارة أخرى القرار الإداري الشهير، الذي صدر في 10 من يونيو سنة 1950 يمنع تسليم الأقطان المعاد كبسها وبتعديل تأليف لجان الخبرة الاستئنافية في بورصة منيا البصل عن طريق ترجيح كفة الخبراء الحكوميين المحلفين. كما أنه ليس من شأنها أن تناقش الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 26/ 2/ 1952 قاضياً بإلغاء ذلك القرار المشار إليه لعيب في شكله، ولتقرير ما سمي بالأثر الرجعي، ذلك لأن هذا الحكم الأخير يتمتع بحجية الشيء المقضى به، وبقوته، ثم قالت شركة التجارة أن المدعي نجيب أمين يونان كان من أولئك الذين التجأوا إلى محكمة القضاء الإداري طالبين إلغاء قرار 10 يونيو سنة 1950 فهو إذن نجح مع الناجحين في الحصول على حكم إلغاء هذا القرار ولكن بجانب الأقطان المعاد كبسها مائياً كانت توجد أيضاً مشكلة الأقطان الرديئة التي رفضتها لجان الخبرة ابتدائياً واستئنافياً. فما هو حظ المدعي منها؟ إن عريضة دعوى المدعي ومستنداته غير منتجة في هذا الشأن الهام. ومن المؤكد أن الأقطان التي رفض استلامها في بورصة البضاعة الحاضرة في شهر يونيو سنة 1950 وما بعده من السنة المذكورة كان سبب رفضها هو عدم استيفائها للشرائط المطلوبة أو لإعادة كبسها. وقد سوى مركز البائعين المتخلفين على أساس إعادة الخصم الذي قررته لجنة القطن ثم لجنة البورصة وهو (145) ريالاً وكسور. ومن المهم بيان أن هذه القرارات الأخيرة بدورها قد اعتبرت قرارات إدارية مما أخضعها لقضاء الإلغاء، فاختصمها أصحاب المصلحة ووصلوا إلى إلغائها بالحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 21 من إبريل سنة 1953. وسبب الإلغاء وعلته في هذا الحكم الأخير: أن العقود التي تمت في البورصة خلال موسم (1949/ 1950) على القطن الاشموني هي عقود باطلة بطلاناً مطلقاً لعدم مشروعيتها، ومن ثم يكون تقدير سعر إعادة خصم لها، قد بني أيضاً على أساس باطل. واستطردت شركة التجارة تقول ملاحظة هامة في مذكرتها: أنه في 26/ 2/ 1952 كان من حق المدعي يونان أن يطالب بالتعويض بل وقبل ذلك أي منذ تاريخ رفعه دعوى الإلغاء المتعلقة بقرار 10/ 6/ 1950 كان في مقدوره أن يطالب بالتعويض فلماذا سكت المدعي. لعله كان ينتظر مصير القرارات الصادرة من لجنة القطن ولجنة البورصة بتحديد سعر إعادة الخصم بعد أن طعن عليها بدورها. ولكن يظهر أن العلة هي شيء آخر إذ صدر الحكم عليها منذ جلسة 21/ 4/ 1953 بالإلغاء، ومع ذلك بقى المدعي يونان ساكتاً يفكر ويدبر ويتدبر إلى أن أعلن دعواه الأخيرة هذه رقم 6514 لسنة 8 القضائية في 14 من إبريل سنة 1954 وكان في مقدوره دون شك أن يرفعها منذ سنة 1950 كما فعل بالنسبة لدعوى الإلغاء. وقالت شركة التجارة أن أهمية هذه الملاحظة تظهر في جواز الدفع بسقوط الدعوى بالتقادم المسقط إذا ما كان أساسها فعلاً ضاراً بالمادة (173) من القانون المدني، أو كان أساسها الإثراء بلا سبب بالمادة (180) مدني أو كان أساسها أخيراً استرداد ما دفع بغير وجه حق بالمادة (187) مدني. والحق أن المدعي يونان لم يفصح عن سبب دعواه هذه بالتعويض، وهل سببها هو الحكمان المشار إليهما آنفاً الصادران من محكمة القضاء الإداري) أم أن سببها هو أفعال أخرى. هذا في شأن الدعوى المرفوعة على وزير المالية وأعوانه الرسميين. أما فيما يتعلق بشأن المدعى عليه (علي أمين يحيى) بصفته رئيس مجلس إدارة شركة مساهمة (التجارة في المحاصيل المصرية) فإن هذا المدعى عليه الخامس لا يدري لماذا يطلب من الشركة التعويض متضامنة مع الحاكم وأعوانه رغم أنها - شركة التجارة - شخص معنوي من أشخاص القانون الخاص لا القانون العام ثم قالت شركة التجارة أن الذي يشغل بال المدعي حقاً هو الحصول على تعويض وفي سبيل ذلك فإنه يختصم من يعتقد أنه أسهم فيما لحقه من ضرر. وربما كانت القائمة طويلة إذ يدخل فيهم السادة هو ستاف ريكس، وفاتوري، وجاش، وفرانسوا تاجر وآخرون بصفتهم ممن كانوا مشترين في بورصة العقود وقتذاك. ولكن المدعي تخير في الخصومة فأثر بها شركة التجارة في المحاصيل المصرية (يحيى)، ومعها شركة فرغلي، وضمها إلى وزارة المالية وملحقاتها. فهلا تتسع خزانة وزارة المالية لطلبه في التعويض. والمدعي لماذا لم يرفع دعواه أيضاً على بنك مصر وشركاته المتخصصة، وقد تعامل المدعي معها وسلمها أقطانه، فلم يظهر في التعامل الحاصل في بورصتي العقود ومنيا البصل لكونه مدين مقترض، قد تباع أقطانه جبراً عليه إذا هو تعثر في دفع الدين. ثم حصر المدعى عليه الخامس (شركة التجارة) دفاعه في ثلاثة أوجه: الأول بطلان صحيفة الدعوى استناداً إلى نص المادة (71) مرافعات فقرة ثانية إذ يستلزم أن يبين في الصحيفة، وقائع الدعوى وأدلتها وطلبات المدعي وأسانيدها. والثاني الدفع بعدم الاختصاص. والثالث الدفع بسقوط الحق بالتقادم المسقط. أما عن الدفع بعدم الاختصاص فتقول شركة التجارة أن من المبادئ الأساسية التي بني عليها اختصاص محكمة القضاء الإداري أن المدعى عليه دائماً هو الحكومة صاحبة السلطة الإدارية وفي حدود ذلك نظم قضاء الإلغاء، وفي حدوده أيضاً بالتبعية نظم قضاء التعويض فولاية القضاء الإداري في نطاق قضاء التضمين، ولاية محدودة، وأن المضار من عمل الإدارة إنما يرجع على جهة الإدارة للمطالبة بالتعويض إن كان له محل. وليس من فارق بين قضاء الإلغاء وقضاء التضمين إلا أن الأول منهما يهدف إلى رقابة قرار جهة الإدارة في الناحية القانونية الموضوعية. أما الثاني فيهدف إلى تحقيق الناحية الشخصية بتضمين الضرر الواقع على الفرد. ولكن في الحالتين يختصم الفرد جهة الإدارة، وموضوع الحقوق هو قرار إداري معين. إما أن يختصم فرد جهة الإدارة ويختصم معها فرد آخر في دعوى تضمين، فهذا مسلك لا يقره القانون أصلاً ومن المؤكد أن الأفراد يتقاضون فيها فيما بينهم أمام القضاء العادي، ولا يمكن تصور نزع اختصاص هذا القضاء العادي بمقولة أن الفرد قد أفاد من قرار إداري قضى بإلغائه، ومن ثم يكون سبيل مقاضاته هي الالتجاء إلى محكمة القضاء الإداري. كما أنه لا يمكن الاعتماد على القول بأن المدعى عليه، قد تدخل عند نظر دعوى الإلغاء للزعم بأنه يصح اختصاصه في دعوى التعويض، لأن التدخل في الدعوى الأولى كان اختيارياً بحتاً أي بمحض إرادته دفاعاً عن مصالح معنوية تستقيم مع بقاء القرارات الإدارية قائمة. ولقد كان تدخله عن طريق الانضمام مع الحكومة. وإلى جانبها لمناصرتها من رفض دعوى الإلغاء. كما أنه لا يجوز الزعم بأن دعوى الإلغاء مرحلة سابقة على دعوى التعويض إذ كل من الدعويين منفصل عن الآخر. وكل هذا لا ينفي حق الشركة في التدخل لو رأت مصلحتها في ذلك. ولكن شتان بين التدخل المحتمل وبين أن يختصم المدعي الشركة مع الخصوم وأن يقول أنها مسئولة بالتضامن معها. ولم يقل أحد بأن الأفراد متضامنون مع جهات الإدارة في إصدار القرارات الإدارية ولو كانت غير مشروعة فللإدارة استقلالها، وللأفراد حريتهم. وكل ميسر لما خلق له. ومن ثم فلا تختص محكمة القضاء الإداري بنظر المنازعات التي يرفعها فرد على فرد، وإن كانت المطالبة بتضمينات بسبب إلغاء قرارات إدارية، لأن المطالب بالتضمينات هو جهة الإدارة وحدها إن كان لذلك محل في الدعوى. فإما عن الدفع بسقوط الحق في التضمينات بالتقادم فتقول شركة التجارة أنها إذا جاز لها أن تفترض سبباً لدعوى المدعي هذه، فإن هذا السبب لا يعدو أن يكون واحداً من اثنين: إما العقد، وإما نص القانون. فإذا كانت المسئولية عقدية فلا محل للكلام في شأنها أمام محكمة القضاء الإداري لأن هذه المحكمة لا تختص بالنظر في الالتزامات التعاقدية بين الأفراد وغنى عن البيان أن المدعي (يونان) لم يتعامل أصلاً مع المدعى عليه (شركة التجارة علي يحيى) لا في بورصة العقود، لأن التعاقد فيها يتم بين مجهولين، ولا في بورصة منيا البصل لأن المستندات المقدمة من المدعي نفسه تثبت أنه لم يظهر في التعامل في هذه البورصة وإنما المتعامل كان بنك مصر أو شركة من شركاته ومن ثم فلا توجد علاقة تعاقدية بين المدعي يونان والمدعى عليه شركة التجارة. وخاصة إذا أخذ في الاعتبار أن تعامل المدعي مع بنك مصر لا يعدو كونه قد افترض أو سحب أموالاً من البنك بضمانة الأقطان التي صرح له ببيعها في البورصة، ولا شأن للمدعى عليه (شركة التجارة علي يحيى) في ذلك كله. ومتى استبعدت المسئولية التعاقدية فلا تبقى سوى المسئولية الفعلية على أساس الفعل الضار أو نص القانون وفي جميع صورها تسقط هذه المسئولية بالتقادم المسقط بثلاث سنوات، وواضح أن المدعي يونان قد أمضى أكثر من ثلاث سنوات دون أن يطالب بالتضمينات عن الفعل الضار (172) مدني أو عن الإثراء بلا سبب (180) أو عن استرداد ما دفع بغير حق (187) وختم المدعى عليه الخامس (شركة التجارة في المحاصيل المصرية. علي أمين يحيى) مذكرته بأنه لا يرى محلاً بعد هذه الدفوع لمناقشة الموضوع لأن في الدفوع الشكلية والفرعية ما يكفل إسقاط الدعوى من أساسها - وبجلسة 30 من أكتوبر سنة 1955 أمام الدائرة الخامسة بمحكمة القضاء الإداري طلب الحاضر عن المدعى عليهما - الرابع والخامس - (شركتي فرغلي وعلي يحيى) إخراجهما من الدعوى إذ لا شأن لهما مع الحكومة في إصدار قرارها المطعون فيه. وكلفت المحكمة هيئة مفوضي الدولة بتقديم تقرير بالرأي القانوني. فقدم السيد المفوض تقريراً مؤرخاً 15 من ديسمبر سنة 1955 انتهى فيه إلى أنه يرى الحكم: أولاً: برفض الدفع ببطلان صحيفة الدعوى ثانياً: برفض الدعوى بالنسبة للمدعى عليهما: الأول - وزير المالية - والثاني - لجنة البورصة. ثالثاً: بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى بالنسبة لباقي المدعى عليهم. مع إلزام المدعي بالمصروفات ومقابل الأتعاب. وبنى المفوض رأيه على أن المدعي أورد في صحيفة الدعوى بعض حيثيات الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري والتي استند إليها في دعواه وهي تقرر أن المدعى عليهما الرابع والخامس (شركتي فرغلي وعلي أمين يحيى) بالاتفاق مع أربع شركات أخرى اتجهوا إلى احتكار القطن الاشموني والتحكم في أسعاره برفعها رفعاً اصطناعياً لتحقيق الربح على حساب المنتجين من الزراع وتجار القطن اعتقاداً منهم أن محصول الاشموني في موسم (1949/ 1950) لن يكفي جميع طلبات الخارج والاستهلاك المحلي. والمدعي يونان يستند إلى هذه الاتفاقات غير المشروعة في المطالبة بالتعويض في هذه الدعوى رقم 6524 لسنة 8 القضائية وبذلك تكون دعواه محددة الوقائع والأدلة والطلبات وبذلك يكون الدفع الأول من جانب شركة التجارة في المحاصيل المصرية لا يستند إلى أساس. وقال السيد مفوض الدولة أن محكمة القضاء الإداري قد ألغت القرار الصادر من وزير المالية في 10/ 6/ 1960 كما ألغت قرارات لجنة البورصة الصادرة في 10/ 7/ 1950 وما بعد هذا التاريخ بتحديد سعر إعادة الخصم بمبلغ (154 و4/ 3) ريالاً كأساس لرجوع المشتري على البائع، وأن المدعي أبرم مع بعض المؤسسات الخاصة وبالذات مع بنك مصر عقوداً تم تنفيذها على أساس هذه القرارات التي ألغيت فأصابته منها إضرار فرفع المدعي هذه الدعوى 6514 لسنة 8 القضائية يطالب بالتعويض عنها. ويقول السيد المفوض أنه ليس من شك في أن العقود التي أبرمت على أساس هذه القرارات هي عقود باطلة ويجب أن يطبق عليها جميع أحكام البطلان. ولما كانت القرارات الصادرة من المدعى عليهم الثلاثة الأول (وزير المالية ورئيس لجنتي بورصتي منيا البصل، والعقود) لم تنشئ علاقة مباشرة بينهما وبين المدعي، بل تولدت بينهم وبين المدعي يونان علاقة خاصة من العقد المبرم بين المدعي وبين تجار القطن الذين يتعامل المدعي معهم وتعاقد معهم على أساس تلك القرارات الباطلة، فإن خطأ المدعي عليهم الثلاثة الأول (الحكومة) قد أزيل بحكم الإلغاء أما المركز الذي يشكو منه المدعي هو وجود تلك العقود الخاصة التي أبرمت بينه وبين المؤسسات الخاصة بحيث يمكن القول بأن سبب الضرر الذي لحق المدعي هو خطأ الغير أي المتعاقدين معه الذين ألزموه بتنفيذ تلك العقود رغم بطلانها هذا إذا لم يضف إليه خطأ المضرور الذي لم يطعن في هذه العقود ليحصل على حكم ببطلانها بدلاً من السكوت عليها وإبقاء آثارها كما لو لم يسقط الأساس الذي بنيت عليه. وليس من المقبول أن يترك المدعي السبب المباشر لما أصابه من أضرار قائماً وهو العقود التي أبرمها مع الغير، والتي لا دخل للإدارة فيها، ليعود على السبب غير المباشر وهو الحكومة بطلب التعويض. وما دامت الوقائع قد تمخضت عن علاقة قانونية خاصة فإنها بهذا الوضع تخرج عن اختصاص القضاء الإداري. ويقول المفوض أن المدعي (يونان) نفسه يقر هذا الاتجاه في صحيفة دعواه حيث يقول "وأول ما يستحق الوقوف عنده من واقع هذين الحكمين هو تعيين ذوات الفاعلين الأصليين في الجريمة أو شبه الجريمة التي دمغتها المحكمة ولا نخال أحداً يجادل في أن المحكمة قطعت في أن هذين الفاعلين هما شركتا (فرغلي والتجارة علي أمين يحيى". ويستخلص المفوض من ذلك أن هذه العلاقات هي التي سببت بطريق مباشر الأضرار التي أصيب بها المدعي. ولا ينبغي أن تخفي أو أن يحال بينها وبين نتائجها عن طريق إثارة الأسباب غير المباشرة التي وراءها أو تقوم عليها، أما ما يقوله المدعي من جواز توجيه الخصومة إلى الحكومة أو إلى الموظف شخصياً أو إلى غيره فمردود بأنه وإن صح هذا فيما يتعلق بالخطأ الشخصي الصادر من الموظف فإن الدعاوى المترتبة على أخطاء أحاد الناس تخرج عن ولاية القضاء الإداري. وأن الأحكام التي أشار إليها المدعي واستند إليها في مذكراته إنما تتعلق جميعها بمسئولية الموظفين، وليس فيها حكم واحد يثبت فيه اختصاص محكمة القضاء الإداري بالنظر في دعاوى التعويض الناشئة عن أخطاء الأفراد. وخلص تقرير السيد/ المفوض أمام محكمة القضاء الإداري إلى الرأي بأن النتيجة التي انتهى إليها لا تجعل محلاً لبحث موضوع الدعوى. ثم قدم المفوض تقريراً تكميلياً لاحقاً انتهى فيه إلى الرأي برفض دعوى المدعي وإلزامه بالمصروفات لأن سبب الضرر الذي أصابه هو تنفيذ العقد تنفيذاً غير صحيح فهذا هو السبب الذي يتوسط بين خطأ الإدارة والضرر الذي أصاب المدعي وكل ذلك يضاف إليه أن نشاط الإدارة الخاطئ يزول وينمحي بصدور أحكام إلغاء قراراتها المخالفة للقانون.
وبجلسة 8 من ديسمبر سنة 1957 قدمت الحكومة أول مذكرة بدفاعها، فدفعت في مستهلها بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر هذه الدعوى. وطلبت الحكم بذلك بصفة أصلية، ثم برفض الدعوى موضوعاً بصفة احتياطية. وتقول الحكومة بياناً لدفعها وشرحاً لدفاعها أنه يبين من الوقائع الثابتة في الدعوى أن عقداً من عقود البورصة قد انعقد بين المدعي (يونان) بوصفه بائعاً، والمدعى عليهما الآخرين (شركة فرغلي وشركة يحيى) بوصفهما مشترين. وأن التعامل بين طرفي العقد جرى بعد ذلك وفقاً لقوانين البورصة ولوائحها، سواء من هذه القوانين واللوائح ما كان صادراً من قبل أو ما أدخل عليها من تعديلات تالية لاحقة. ومن بين هذه التعديلات ما صدر به القرار الوزاري، بعدم جواز تسليم الأقطان المعاد كبسها مائياً، وما صدر به قرار لجنتي القطن والبورصة بتحديد سعر إعادة الخصم. وهذان القراران اللذان قد طعن عليهما المدعي وغيره وآخرون أمام محكمة القضاء الإداري فأوقف تنفيذهما بجلسة 29 من يونيو سنة 1950، ولم يكن قد مضى على صدورهما سوى بضعة أيام ثم صدر القضاء بإلغائهما مؤسساً على ما يأتي: أولاً: إن طائفة من التجار توافقوا على احتكار صنف معين من أصناف القطن، مستهدفين رفع أسعاره إلى حد باهظ (وهذه الاتفاقات بطبيعتها ترمى إلى أغراض غير مشروعة، ما دامت تقيد من حرية التجارة بوجه عام، وتقضي على المنافسة الاقتصادية المشروعة. وقد ثبت أن التعامل في سوق القطن الاشموني كان قائماً في ذلك العقد على أسس احتكارية فتكون جميع العمليات التي قامت مبنية على المقامرة، ومن ثم تعتبر باطلة قانوناً. ثانياً: أن تقدير لجنة البورصة لسعر إعادة الخصم يعتبر تقديراً باطلاً قانوناً لأنه بني على أساس باطل. ثالثاً: أن قرار منع إعادة الكبس يعتبر باطلاً لمخالفته للقانون إذ صدر بأثر رجعي. رابعاً: أن قرار تشكيل لجنة الخبراء بالبورصة صدر باطلاً قانوناً لأنه لم يؤخذ فيه رأي لجنة البورصة، كما تقضي بذلك اللائحة الداخلية. وتقول الحكومة بعد ذلك أن المدعي (يونان) يكتفي في هذه الدعوى الجديدة رقم 6514 لسنة 8 القضائية بالقول بأنه يطالب برد الفروق التي سبق أن وفاها عنه بنك مصر للمشترين، ولكنه يترك هذه المطالبة في جو من الغموض، فلا يفصح عن سبب هذه الفروق، ولا عن الأساس القانوني لتحديد مدى ما يجب رده منها. ويبين هذا الغموض بصفة خاصة، عندما يعجز المدعي عن تحديد أسس دعواه إذ يطلب تعيين خبير ليحدد له أقطاناً مرفوضة، وأقطاناً مختلف بين المتعاقدين على تحديد رتبتها. فيقول المدعي في البند الثاني من مذكرته الأخيرة صفحة (74): "أننا نقول في صدق وصراحة بأن مدى الضرر الذي أصاب المدعي ليس محدداً تحديداً كافياً يجعل في مقدور المحكمة الحكم له بطلباته". ومن المقرر وفقاً للائحة البورصة أن الفروق إنما تحدث نتيجة للتصفيات. وقد يتقاضاها البائع، كما قد يتقاضاها المشتري، عند تقلب الأسعار صعوداً أو هبوطاً. كما قد يتقاضاها المشتري نتيجة لعدم وفاء البائع بالتزاماته بالكمية المتفق على بيعها، أو نتيجة لرفض ما يعرضه للتسليم لخلاف في النوع أو في الرتبة وما إلى ذلك من منازعات التسليم التي تحددها اللائحة. ولم يكلف المدعي نفسه مؤونة الإفصاح عن وضعه في أي حالة من هذه الحالات الافتراضية، وإنما أجهد نفسه لتثبيت عقده مع المشتري مفترضاً وجوده بالرغم من قضاء المحكمة ببطلانه، وهو ما لا يقره عليه أحد. ليس هذا فقط، وإنما بلغ الأمر بالمدعي (يونان) مبلغ القول بأن العلاقة بينه وبين فريق المشترين (فرغلي ويحيى) ليست علاقة عقدية تبادلية حتى يتهرب بذلك من النتائج الذي يرتبها القانون على بطلان العقود على أن حكم محكمة القضاء الإداري، صريح في أن الاتفاقات التي تمت مستهدفة الاحتكار باطلة (وأن التعامل في سوق القطن على صنف الاشموني، كان قائماً في ذلك العهد على أسس احتكارية ومضاربات على الصعود غير مشروعة، وأسعار مصطنعة. فتكون جميع العمليات التي قامت في ذلك العهد خاصة بهذا الصنف مبنية على المقامرة، ومن ثم تكون باطلة قانوناً). وبعد أن أوردت الحكومة في مذكرتها بعض نصوص اللائحة العامة لبورصة العقود الصادر بها مرسوم في 23 من أغسطس سنة 1948 وكذلك بعض نصوص لائحتها الداخلية الصادرة بالقرار الوزاري في 30 من أغسطس سنة 1948 - المادة (52) والمادة (55) من اللائحة العامة، والمادة (40) من اللائحة الداخلية وكذلك المواد (57، 58، 59، 60، 64، 69). من هذه اللائحة الأخيرة، خلصت الحكومة إلى القول بأن التعامل طبقاً لهذه النصوص إنما يجرى على أساس عقد من العقود بيعاً أو شراء، وإن كان هذا العقد يفرغ في قالب معين على صورة (مذكرة عقد) وبديهي أن صورة العقد لا علاقة لها بتكييفه، وإنما يعول دائماً على حقيقته. فالعلاقة هي علاقة عقدية يحدد في العقد الثمن في المستقبل وفقاً لسعر السوق، وهو ما تضمنته المادة (52) من لائحة البورصة. وقد أجاز ذلك القانون المدني في المادتين (423، 424) منه. ثم استطردت الحكومة تقول أنه ما دام هناك إيجاب وقبول واتفاق على المبيع والمثمن فلا محل للالتفات لما أثاره المدعي من شكوك حول قيام عقد استوفى كل أركانه القانونية ونشأت بمقتضاه لكل من المتعاقدين حقوق وواجبات تبادلية وتسري على هذا العقد قواعد الإبطال والبطلان المقررة في القانون. فإذا كان العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً جاز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بالبطلان، وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، ولا يزول البطلان بالأجازة - المادة (141) مدني - وعندئذ يعود المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، المادة (142) مدني. ثم أوردت الحكومة في مذكرتها ما تضمنه حكم الإلغاء في أسبابه من "بطلان جميع العمليات التي قامت في ذلك العهد خاصة بذلك الصنف، على أنها مبنية على المقامرة وتعتبر باطلة قانوناً، ولا يصحح هذا البطلان ما قام به المحتكرون من محاولات لكي تبدو هذه العمليات في صورة مشروعة كاستنادهم إلى قرارات قضى ببطلانها أو نجاحهم في الحصول من لجنة البورصة على سعر إعادة الخصم في وقت أرغموها بصنيعهم غير المشروع على الانحراف عن القانون في هذا التجديد". ثم قالت الحكومة أن الحكم المذكور قد قضى ببطلان كل تعامل وقع في وقت معين على صنف معين من الأقطان كما قضى ببطلان كافة العمليات التي من هذا القبيل وما ترتب عليها حتى لو استند إلى قرار إداري بتنظيم عملية التسليم. كمنع تسليم الأقطان المعاد كبسها إلى قرار إداري بتحديد سعر إعادة الخصم متى قضى ببطلان هذه القرارات الإدارية. فالقصد واضح لا سبيل إلى التشكيك فيه، وهو بطلان كل عقد من عقود البورصة في هذه الآونة وفي صنف معين. ولم يكن من حكم محكمة القضاء الإداري إلا أنه استعار نفس ألفاظ لائحة البورصة، واللائحة الداخلية في التعبير عن العقد بأنه (تعامل) وأنه (عمليات) حتى يسد الباب مستقبلاً على كل تأويل أو تفسير. ولا شك أن حكم محكمة القضاء الإداري إنما قصد من الحكم بالبطلان أن تعود مراكز المتعاقدين إلى ما كانت عليه قبل التعاقد كما هو حكم القانون، بصرف النظر عن القرارات الإدارية التي صدرت بعد التعاقد لتحكم أثراً من آثاره بالتنظيم أو بالتسوية، فيسترد كل طرف من طرفي التعاقد مكانه الأصلي قبل التعاقد، كما لو لم تكن هذه القرارات قد صدرت، فلا يجوز لأي المتعاقدين أن يطالب بتنفيذ العقد، وتسترد الفروق التي دفعت على أساس سعر إعادة الخصم الذي سبق أن حددته لجنة البورصة تحديداً غير قانوني فلا يجرى التعامل على مقتضاه. واستطردت الحكومة في مذكرتها أن القرارات الإدارية التي قضى بإلغائها لا شأن لها بالعقد الذي اعتبر باطلاً، كما أن استرداد الفروق التي دفعت لتسوية الثمن على نحو معين تقرره اللائحة أو للتوقف عن تسليم المبيع أو لعدم مطابقة الأقطان المبيعة للمتفق عليه، كل ذلك بين المتعاقدين دون سواهم. ولا مجال لإقحام الحكومة فيه. وكان أجدر بالمدعي أن يلجأ إلى القضاء التجاري وحده لمقاضاة المتعاقدين معه لتصفية الأمر بينهم فيما لكل منهم قبل الآخر من حقوق. وهذا هو الطريق الطبيعي لهذه الدعوى وهو الطريق الذي لجأ إليه فعلاً كافة التجار ممن هم على شاكلة المدعي في الرجوع على المتعاقدين معهم، وقد بلغ عدد القضايا التي رفعت إلى القضاء التجاري بمحكمة الإسكندرية الابتدائية وحدها سبعين قضية. وقد أرفقت الحكومة مع مذكرة دفاعها أمام هذه المحكمة - القضاء الإداري - صورة من عريضة إحدى تلك الدعاوى، وقالت أنها كلها متماثلة مع هذه الدعوى ولو اختلف أشخاص المدعين في كل منها، وقد أقيمت على نفس الأساس الذي تعتمد عليه الدعوى الحالية، وهي لا تعدو أن تكون مطالبة برد الفروق التي استولى عليها المشترون مع الفوائد والمصاريف الأخرى. ثم قالت الحكومة بعد ذلك أنه وقد صار واضحاً أن المدعي (يونان) يطالب باسترداد ما أداه عنه بنك مصر لمشتري الأقطان المتعاقدين معه من فروق الأسعار والعمولة والفوائد والمصاريف الأخرى الناجمة عن تنفيذ هذا البيع الذي تعرضت له محكمة القضاء الإداري في حكميها السالفي الذكر، ضمن ما تعرضت له من عقود أخرى معينة. ومما هو جدير بالملاحظة أن هذه العقود نشأت أولاً وقبل صدور القرارات الإدارية الباطلة، فكانت هي الرابطة بين المتعاقدين وأما القرارات الإدارية فقد صدرت بعد ذلك لتحكم بعض آثار الالتزام من حيث جواز التسليم أو طريقة التسليم أو تحديد سعر إعادة الخصم عند التوقف عن التسليم، وهذه كلها أمور تتصل بتنفيذ العقد لا بنشوئه، فإذا كان العقد قد ولد معدوماً فلا يترتب عليه أثر ما، بل ينتهي حتماً إلى أن تنفصم العلاقة التعاقدية بأثر رجعي إلى ما قبل التعاقد، وهذا لا يكون إلا بحكم يصدر من الجهة القضائية المختصة تقضي بالبطلان قبل أن تقضي بما يترتب على ذلك من الرد عيناً أو بما يقابله تعويضاً. ولا شك أن المحكمة المختصة في هذه الحالة، من حيث وجهة نظر الحكومة، هي المحكمة التجارية دون غيرها، لأن الحكومة لم تكن طرفاً في العقد، ولا يمكن أن تسأل عن إمكان أو استحالة تنفيذ هذا العقد. فأما عن موضوع الدعوى، فقد قام دفاع الحكومة على أنه قد بان مما سلف إيضاحه أن العلاقة بين المدعي (نجيب أمين يونان) والمدعى عليهم الآخرين (المشترين منه) هي علاقة عقدية. وأن ما يدعيه من ضرر إنما وقع نتيجة لتنفيذ عقد باطل بينهما. فقد توقف البائع (المدعي يونان) عن تسليم أقطان معينة مما تضمنه العقد، فتقاضى المشترون منه (فرغلي ويحيى) فروق الثمن على أساس السعر الذي حددته لجنة القطن - سعر إعادة الخصم - ولكن محكمة القضاء الإداري قضت ببطلان هذا العقد، وببطلان قرار لجنة القطن الذي تضمن تحديد هذا السعر. فإذا كان القرار الإداري قد رتب حقاً للمدعى عليهما - المشترين فرغلي ويحيى - قبل المدعي يونان، فإن هذا القرار قد ألغي، وقضت محكمة القضاء الإداري ببطلانه وترتب على ذلك حتماً سقوط حق المشترين في اقتضاء هذه الفروق، ووجب عليهم ردها له. فما هو وجه مساءلة الحكومة في ذلك؟ يقول المدعي أن القرارين الإداريين اللذين قضى ببطلانهما، كانا قد صدرا من الحكومة متأثرة بصالح خاص لفريق المشترين المسئولين عن رد الفروق، وبالتالي فإن الحكومة مسئولة مع أفراد هذا الفريق مسئولية تضامنية عن تعويض الضرر، وهذا قول في مذهب الحكومة، غير مستقيم. وبيان ذلك: أولاً عن القرار الإداري الأول، وقد صدر في 10/ 6/ 1950 بمنع تسليم الأقطان المعاد كبسها مائياً. وبتعديل تشكيل لجنة الخبرة فطعن عليه فريق البائعين - المدعي - فقضت محكمة القضاء الإداري بجلسة 29/ 6/ 1950 بوقف تنفيذه، ولم يكن قد مضى على القرار إلا أيام معدودات، رفع الحظر الذي كان قد فرضه القرار الإداري، وأبيح لكل من التجار البائعين أن ينفذ العقد بتسليم الأقطان المعاد كبسها، ولم يقل المدعي، لأنه ما كان يستطيع أن يقول، أنه توقف عن تنفيذ عقد البيع بسبب الحظر المذكور، لأنه كان حظراً مؤقتاً ورفع. وقد اعتمدت محكمة القضاء الإداري في إلغاء هذا القرار على أمرين الأول منهما، أنه لم يعرض على مجلس الدولة لصياغته، والثاني أنه صدر بأثر رجعي ليحكم العلاقات السابقة عليه. ثم قالت الحكومة أن هناك حقيقة يجب تسجيلها لتكون بارزة في القضاء على هذه الدعوى وأمثاله. ذلك أن البائع لعقد في بورصة العقود لا يمكن أن يكون خاسراً إذا ما كان حائزاً فعلاً للكمية المباعة، ولم يكن مضارباً على المكشوف، وإذا ما كان مستعداً لتسليم هذه الكمية في الموعد المحدد للفليارة، لأنه إنما يبيع العقد في بورصة العقود ليغطي نفسه وليأمن شر التقلبات العنيفة في السوق، فما يخسره كمشتر يكسبه كبائع وبالعكس. ففي حالة نزول الأسعار يقبض الفرق حتماً في بورصة العقود، وفي حالة ارتفاع الأسعار يستطيع أن يسلم من الأقطان ما كان قد اشتراه من قبل بأسعار مخفضة. ولكن الطامة الكبرى هي في أن يخرج المتعاملون في البورصة على هذه القواعد السليمة فيدفعهم شيطان الطمع إلى الجموح فيركبون رؤوسهم مضاربين على المكشوف دون أن تكون لديهم أقطان فعلاً للاتجار فيها وإنما يلجأون إلى ما يشبه المقامرة، بل هو ما سماه حكم القضاء الإداري بحق (مقامرة محرمة). وهذا مع الأسف هو ما لجأ إليه المتجرون في البورصة في ذلك العهد إذ كانوا جميعاً مضاربين على المكشوف. وليس أدل على ذلك من الإحصائيات الرسمية الثابت بها أن محصول الاشموني كان في موسم (1949 - 1950) ثلاثة ملايين من القناطير فعلاً. ولكن التعامل في بورصة العقود عن هذه الكمية نفسها بلغ تعاملاً على الخمسين مليون قنطار اشموني. واندفع المضاربين إلى حد بيع هذه الكمية الضخمة (الغير موجودة فعلاً في البلاد) أملاً في نزول الأسعار واستحصالهم من المشترين تبعاً لذلك على فرق الأسعار ولكن خاب ظنهم وضاع أمل المقامرين، فاندفعت الأسعار في موجة ارتفاع جنونية. ولما حل موعد تسليم الفليارة استحقت عليهم الفروق. ولو أنهم كانوا يحرزون أقطاناً بالفعل لما ترددوا في التسليم لتفادي دفع هذه الفروق ولكن ذلك كان مستحيلاً عليهم بسبب عدم وجود أقطان فعلية في حوزتهم. فقد تعاملوا على وهم خمسين مليون قنطار والحقيقة الفعلية المرة أن الموجود بالفعل في البلاد ما كان ليزيد على الثلاثة ملايين قنطار فحسب. تلك كانت حقيقة الحال التي أصابت سوق القطن في تلك الآونة فزلزلت قواعده، وكادت تؤدي بالبلاد إلى خراب محقق. ولو يكن المسئول عنها فريقاً وحده من المضاربين دون فريق، بل الكل مسئول عنها لأن الجميع كانوا يعلمون مقدار الإنتاج الزراعي الفعلي لمحصول الاشموني في ذلك الموسم، وكانوا جميعاً يعلمون أنهم إنما يضاربون على المكشوف أو بمعنى آخر إنما كانوا يقامرون، ولهذا فقد حاول الكثير منهم أن يلجأوا في التسليم إلى وسائل مختلفة لتغطية مركزهم الذي انكشف، ومن هذه الوسائل فتح البالات السابق كبسها وإعادة الكبس لإدخال ما يرونه صالحاً للتسليم من أقطان مماثلة أو رتب متقاربة مما أدى إلى شكوى فريق المشترين (بعض المدعى عليهم مثلاً) بدعوى الغيرة على سمعة القطن المصري في الخارج لدى البلاد المستوردة لأقطاننا ومما كان سبباً في إصدار القرار الإداري (10/ 6/ 1950) بمنع إعادة الكبس، وهو القرار الذي قضت محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذه عقب صدوره ثم بإلغائه لأنه صدر بأثر رجعي ولأنه لم يعرض على مجلس الدولة لصياغته. وتقول الحكومة أنها ساقت ما تقدم من تفصيل لتقدر المحكمة مدى مسئولية المدعي (يونان) ومن على شاكلته فيما وصل إليه حال سوق القطن من اضطراب، والأسباب التي أدت إلى الإضرار بهم، وبعدها كل البعد عن القرار الإداري (10/ 6/ 1950) وأن ذلك القرار الوزاري هو في الحقيقة منبت الصلة وما يزعمه المدعي من أضرار. ثم استطردت مذكرة دفاع الحكومة من حيث الموضوع تقول أما عن القرار الثاني، موضوع هذه الدعوى فإنه صدر في يوليو سنة 1950 تنفيذاً للائحة البورصة بتحديد سعر إعادة الخصم، وهو السعر الذي تقرره لجنة القطن بالبورصة، لتجرى المحاسبة على مقتضاه بين المتعاقدين، في حالة عدم تنفيذ العقد عيناً بالتسليم. فتحصل تسوية الفروق على أساسه فيتقاضى البائعون (المدعي) في حالة نزول الأسعار، هذه الفروق بين سعر البيع، وسعر إعادة الخصم، يتقاضونها من المشترين. وبالعكس يتقاضى المشترون (الشركات المدعى عليها) مثلاً (فرغلي ويحيى) هذه الفروق من البائعين (المدعي) عند ارتفاع الأسعار على الأساس المتقدم، وهي الحالة التي وقعت في ظروف الدعوى الحالية. وقالت الحكومة أنه لا يجرى تحديد سعر إعادة الخصم جزافاً، ولكن لجنة القطن بالبورصة تحدده على أسس معينة مبنية في اللائحة، المادة (152) من اللائحة الداخلية لقسم الأقطان في بورصة منيا البصل وكذلك المادة (153) من نفس اللائحة. والمادة (154) تبين طريقة تسوية الفروق على أساس سعر إعادة الخصم الذي تحدده لجنة القطن على الأسس المتقدمة. وقالت الحكومة أن أحداً لم يقل أن البورصة قد خالفت اللائحة في طريقة تحديد سعر إعادة الخصم، وإنما قضت محكمة القضاء الإداري بأن السعر الذي اتخذ أساساً لتحديد سعر إعادة الخصم بل الأسعار التي وصل إليها الاشموني في تلك الآونة كان نتيجة لمضاربات غير مشروعة بلغت حد المغامرة، وأفسدت السوق، وقضت على المنافسات التجارية المشروعة، وبناء على ذلك أبطلت التحديد الذي قررته لجنة القطن لسعر إعادة الخصم وبالتالي فقد أبطل الحكم كل العمليات التي تمت على أساس هذا السعر. ثم قالت أنه إذا استطردنا في افتراض ما يترتب على ذلك من نتائج وحتى إذا استبعد من الحساب نصيب المدعي وفريق (البائعين) من مسئولية المشاركة في هذه المضاربات الفاسدة والعقود الباطنة جاز أن يطالبوا أمام المحكمة المختصة بالحكم بإبطال هذه العقود ثم المطالبة بإعادة مراكزهم إلى ما كانت عليه قبل التعاقد كما يقضي بذلك القانون المدني. ولا يمكن مساءلة لجنة البورصة عن ذلك، ولا يمكن أن تكون الحكومة مسئولة عن تصرفات لجنة القطن بالبورصة. واسترسلت الحكومة في دفاعها الموضوعي تقول أنه إذا فرض، وأن العقد كان صحيحاً، وهذا من قبيل الفرض الجدلي فإن بطلان القرار الإداري في ذاته لا يستوجب الرد. وإنما يستتبعه ضرورة اتفاق المتعاقدين على سعر آخر، أو عرض الأمر على لجنة القطن لتحديد سعر آخر لإعادة الخصم على هدي القواعد التي وضعها حكم محكمة القضاء الإداري، وعندما يصدر هذا القرار تجرى التسوية على أساسه إما بأحقية البائعين (المدعي ومن على شاكلته) في استرداد الفروق كلها أو بعضها وإما عدم استرداد شيء منها حسب الأحوال، وهذا أمر لا بد من حدوثه تطبيقاً للمادة (152) من اللائحة الداخلية لبورصة الأقطان. لأن القانون لم يخول هذه الولاية لأية جهة أخرى غير لجنة القطن وحدها. أما وقد وضح أن لجنة القطن بالبورصة لم تفعل شيئاً لتحديد سعر إعادة الخصم سوى أن سجلت أعلى سعر للمبيعات، وهو (154) ريالاً كما تقضي بذلك اللائحة. فإذا كان هذا السعر مصطنعاً ولا يمثل الحقيقة كما سجلته محكمة القضاء الإداري، فليست مسئولية ذلك تقع على لجنة القطن وإنما تقع مسئوليته على المضاربات غير المشروعة التي وقعت بالبورصة بين فريق التجار البائعين (المدعي) والمشتركين (الشركات المدعى عليها) على حد سواء. وناشئة عن العقود الباطلة التي أبرموها معاً ولم تكن ناشئة عن القرار الإداري، فلا محل لمساءلة لجنة البورصة عن استرداد الفروق. ثم ردت الحكومة على ما أورده المدعي في مذكرته من أن الأقطان التي قدمها للتسليم كانت مقبولة في التسليم رغم اعتراض المشترين، مسئولاً بذلك على الرتبة المعطاة لقطنه في المحلج بمقولة أن لوزارة الزراعة مندوباً في كل محلج يختص بمراقبة المحلج وإثبات الرتبة على البالات، وقوله في ذلك لا معقب عليه. ردت الحكومة على هذا القول بأنه مردود وظاهر الفساد إذ لو صح ذلك لما كان هناك داع لنظام لجنة الخبراء الابتدائية الاستئنافية، نظام تنص عليه اللائحة ترتيباً لعملية التسليم بين البائع والمشتري، في كل نزاع ينشأ بينهما بما لا معقب عليه. ثم انتقلت الحكومة بعد ذلك لموضوع مسئولية الحكومة عن لجنة البورصة إذا سلم بالغرض الجدلي أن لجنة البورصة مسئولة عن دفع الفروق. وأفاضت الحكومة في مذكرتها عن بيان أن للبورصة شخصية معنوية مستقلة عن شخصية الحكومة وأوردت مذكرة الحكومة بعض أسباب الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في دعوى الإلغاء بجلسة 26 من فبراير سنة 1956 والتي بني عليها الحكم المذكور في معرض الرد على الدفع بعدم قبول الدعوى في تقرير أن البورصة شخص معنوي من أشخاص القانون العام. وقد جاء في تلك الأسباب أن لها حقوقاً وذمة مالية مستقلة عن ذمة أعضائها وأموالهم، وعن حقوق الدولة وأموالها، وهذه الأموال مخصصة لتحقيق الأغراض المشروعة التي أنشئت من أجلها، ولها رئيس يمثلها وينوب عنها في علاقاتها بالغير وفي التقاضي، وانتهت الحكومة من دفاعها إلى القول بأنه ما دام أن البورصة، وهي خصم في الدعوى شخص قائم بذاته وله كيان مستقل وذمة مالية مستقلة عن أموال الدولة، فلا يجوز مساءلة الحكومة عن تصرفات هذه البورصة. وختمت الحكومة مذكرتها بطلب الحكم أصلياً بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى، واحتياطياً برفضها وإلزام المدعي بالمصروفات ثم عقب المدعي على دفاع الحكومة بمذكرة أودعها في 15 من ديسمبر سنة 1952 تناول فيها بتفصيل واف شرح ما سبق أن شرحه من أن مركز المتعاقد في البورصة ليس مركزاً تعاقدياً وإنما هو مركز لائحي لا سلطان للإدارة فيه، ولا يجوز أن ينطبق عليه مبدأ العقد شريعة المتعاقدين. وختم المدعي مذكرته هذه بطلب تعيين خبير لتحقيق الأسس الأربعة التالية: ( أ ) مقدار الأقطان التي رفضت للمدعي في فليارة يونيو سنة 1950 والرتبة التي أعطيت لها قبل العقد، وعند إيداعها في شئون بنك مصر (ب) الثمن الحقيقي لقنطار القطن الاشموني من رتبة الأساس في الزمن الذي ابتلى بنكسة الاحتكار ومقدار ما أداه المدعي زيادة على هذا الثمن سواء في صورة فروق أو في صورة تعويض (سعر إعادة الخصم) وذلك عن تلك الأقطان المرفوضة. (جـ) قيمة الغرامات والعمولات التي احتسبت على المدعي عن أقطانه المرفوضة. (د) قيمة الفوائد التي احتسبت على المدعي لقاء الزيادة والغرامات - ثم عادت الحكومة إلى التعقيب بمذكرة قدمتها في جلسة المرافعة الأخيرة أمام محكمة القضاء الإداري (12 يناير سنة 1958) قالت فيها أنه فيما يتعلق بالقرار الصادر من البورصة فإن الحكومة لا تتحمل مسئولية إعمال لجنة البورصة لأن لهذه اللجنة الشخصية المعنوية المستقلة عن الدولة ولها ذمة مالية منفصلة. أما عن القرار الصادر في 10/ 6/ 1960 فإنه من شقين، وقد قرر المدعي في مذكراته الأخيرة أنه لم تكن له أقطان معاد كبسها وبناء على ذلك لم يمس قرار (10/ 6/ 1950) في شقه الخاص بحظر تسليم الأقطان المعاد كبسها مركزاً خاصاً بالمدعي. فلم تكن لديه أقطان رفضت بسبب إعادة كبسها مائياً. أما عن الشق الثاني من قرار 10/ 6/ 1950 وهو الشق المتعلق بتشكيل لجنة الاستئناف فإن المدعي لم يوضح تاريخ رفض اللجنة الاستئنافية لهذه الأقطان. ذلك أنه إما أن تكون اللجنة بتشكيلها الباطل هي التي قررت رفض هذه الأقطان وعندئذ يجب العلم بتاريخ الرفض، وهل كان ذلك قبل صدور الحكم المؤقت من محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ القرار الإداري الصادر بتعديل تشكيل اللجنة فيكون قرار الرفض وقتياً موقوفاً على نتيجة الحكم في موضوع الدعوى، ذلك الحكم الذي صدر بجلسة 26 فبراير سنة 1952 ببطلان التشكيل، وحينئذ يمكن القول ببطلان قرار اللجنة الصادر بالرفض بطلاناً تاماً. وهذا وضع قائم بذاته وله حكمه. ولكن إذا كان قرار اللجنة قد صدر بعد الحكم بوقف التنفيذ اعتبر قراراً باطلاً منذ صدوره. أما إن كانت اللجنة الاستئنافية التي قررت رفض هذه الأقطان قد انعقدت مشكلة من أعضائها الأصليين فقط دون الأعضاء الذين عينهم القرار الإداري الباطل فإن قرارها يكون صحيحاً ملزماً لمطابقته للقانون، ولا محل إذن للطعن عليه إذ هو قرار نهائي كما تقضي بذلك المواد (36) وما بعدها من اللائحة الداخلية لبورصة منيا البصل. وأضافت الحكومة في ختام مذكرتها هذه أن المدعي (يونان) لم يبين هذا الغموض كله وتركه في جو الظلام والتجهيل رغم خطورة النتائج والآثار المترتبة عليه. وفضلاً عن ذلك أضافت الحكومة أن الحكم الصادر ببطلان القرار الإداري الخاص بتعديل تشكيل اللجنة لم يبطله التشكيل في ذاته. ذلك أن وزير المالية كان قد ضمن القرار الإداري تعيين أعضاء آخرين بالإضافة إلى أعضاء اللجنة الأصليين. فصدر الحكم بإبطال هذا التعديل فقط فبقى تشكيل اللجنة من أعضائها الأصليين صحيحاً ولا محل للطعن فيه أو الاعتراض عليه. وزادت الحكومة إلى ذلك أن التعديل بضم الأعضاء الجدد قد أوقف تنفيذه بعد أيام من صدور القرار الإداري فلم تنعقد اللجنة إلا بتشكيلها القديم الأصلي. وأنه إذا فرضنا جدلاً أن اللجنة قد انعقدت وهي تضم الأعضاء الثلاثة الجدد وأنها أصدرت قرارات ما في الفترة السابقة على صدور الحكم بوقف التنفيذ فكان متعيناً بعد صدور هذا الحكم أن يعرض المدعي أقطانه مرة أخرى على اللجنة بتشكيلها الصحيح لاستصدار قرار آخر إما برفض الأقطان أو بقبولها. فإن لم يكن المدعى قد فعل ذلك فهو المقصر إذن في استعمال حقه الذي رسمه القانون أو أنه عالم حقاً بما يعيب قطنه، وفي الحالتين يكون غير جدير بحماية القانون. وعادت مذكرة الحكومة بعد ذلك إلى شرح عمليات البورصة فأكدت أن كل عملية آجلة تعقد سواء كانت بيعاً أو شراء أو نقلاً أو فروقاً فإن القانون يعتبر كلاً من هذه العمليات (عقداً) وانتهت الحكومة إلى التصميم على طلباتها لأن الدعوى لا سند لها من القانون خليقة بالرفض. وبجلسة 9 من مارس سنة 1958 حكمت محكمة القضاء الإداري - الهيئة الخامسة - أولاً: برفض الدفع ببطلان صحيفة الدعوى. ثانياً: برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى. ثالثاً: وفي الموضوع برفض الدعوى. وألزمت المدعي المصروفات وبمبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة للحكومة، وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة للمدعى عليهما الرابع والخامس، وأقامت قضائها هذا على أنه: فيما يتعلق بالدفع ببطلان صحيفة الدعوى: فقد حدد المدعي طلباته في صحيفة الدعوى وأودع معها حافظة بمستنداته وأعلنت الصحيفة للمدعي عليهم، ومن ثم يكون الدفع ببطلان صحيفة الدعوى لعدم بيان وقائعها وأدلتها غير قائم على سند سليم متعيناً رفضه. ثانياً فيما يتعلق بالدفع بعدم الاختصاص: هذا الدفع وجهه المدعى عليه الخامس (شركة التجارة في المحاصيل المصرية) وانضم إليه فيه المدعى عليه الرابع (شركة فرغلي للأقطان والأعمال المالية) ثم وجهت الحكومة هذا الدفع أيضاً بجلسة 8 من ديسمبر سنة 1957 وصم عليه الحاضر عنها في جلسات المرافعة اللاحقة. فبالنسبة للشركتين (التجارة وفرغلي) وما ذهب إليه من أن لجهات الإدارة شخصيتها واستقلالها وأن هذه الشركات ليست شريكة للإدارة في مباشرة نشاطها الإداري، سواء أخطأ أم أصابت فلا يعقل أن تسأل مثل تلك الشركات (التجارة أو فرغلي) عن تعويض أخطاء الإدارة. هذا القول على حد ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه، إنما يكون محله عند بحث موضوع مسئولية المدعى عليهما الخامس والرابع (يحيى وفرغلي) ولا شأن له بمسألة الاختصاص بنظر المطالبة. ومن ثم يكون هذا الدفع المقدم منهما، بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى لهما في غير محله أيضاً ويتعين رفضه. أما بالنسبة لهذا الدفع المقدم من الحكومة فإن الحكم المطعون فيه قال أن المدعي (يونان) يؤسس التعويض على القرار الإداري الصادر من وزير المالية في 10/ 6/ 1950 والقرارات الإدارية الصادرة من لجنة البورصة بتحديد سعر الرجوع، والتي قضت محكمة القضاء الإداري بإلغائها في حكميها سالفي الذكر. وفي هذا النطاق وحده حصر المدعي دعواه هذه رقم (6514) لسنة 8 القضائية وفي حدوده تفصل المحكمة في الدعوى. وهذه الدعوى بهذا التحديد تدخل، ولا جدال: في اختصاص محكمة القضاء الإداري طبقاً للمادة الرابعة من القانون السابق رقم (9) لسنة 1949 الذي رفعت في ظله هذه الدعوى، وطبقاً أيضاً للمادة الرابعة من القانون رقم (165) لسنة 1955 الذي صدر بعد رفعها. أما كون الضرر الذي أصاب المدعي لم ينشأ عن القرارات الإدارية وإنما هو نشأ من عقود البيع التي ارتبط بها المدعي مع المشترين قبل صدور هذه القرارات الإدارية أو عن المركز اللائحي كما يصفه المدعي، فإن بحث ذلك لا يكون إلا عند فحص موضوع الدعوى، ولا علاقة له بالاختصاص. وإذ حددت الدعوى وحصرت أسبابها على هذا النحو فيكون الدفع المقدم من الحكومة بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى في غير محله ويتعين، بحق، رفضه. أما بالنسبة إلى الدفع بالتقادم المسقط بثلاث سنوات، وهو الدفع الأخير الذي دفع به المدعى عليهما الخامس والرابع في أول مذكرة لهما فإنه دفع موضوعي يكون الفصل فيه عند الفصل في الموضوع. ثالثاً: فيما يتعلق بموضوع دعوى التعويض قال الحكم المطعون فيه أن المدعي يؤسس هذه الدعوى رقم (6514) لسنة 8 القضائية بطلب التعويض عما أصابه من ضرر بسبب القرارات الإدارية المخالفة للقانون والتي قضى بإلغائها أمام القضاء الإداري في الدعويين رقم (589) لسنة 4 القضائية ورقم (653) لسنة 1 القضائية. بجلستي 26/ 2/ 1952، 21/ 4/ 1953 ولئن قصر المدعي طلباته وحددها في جلسة المرافعة الأخيرة (12 يناير سنة 1958) بأن التعويض الذي يهدف إليه من هذه الدعوى، لا تتعلق بما تضمنه القرار الوزاري الصادر في (10/ 6/ 1950) من عدم جواز تسليم القطن المعاد كبسه مائياً لأن الواقع والحقيقة أنه لم يكن لديه (المدعي) أقطان معاد كبسها، وإنما هو يؤسس التعويض الذي يطمع في الحصول عليه، على بطلان قرار تشكيل لجنة الخبرة والاستئنافية لأن ما قدمه من قطن قد رفض بسبب تحيز لجنة الاستئناف المشكلة تشكيلاً باطلاً. واستطرد الحكم المطعون فيه يقول أنه قد ظهر له من أسباب الحكم السابق الصادر بجلسة 23 فبراير سنة 1952 في الدعوى رقم (589) لسنة 4 القضائية أن بطلان القرار الوزاري الصادر في (10/ 6/ 1950) وهو أحد الأساسين اللذين بنى عليهما المدعي طلب التعويض في الدعوى الراهنة رقم (6514) لسنة 8 القضائية إنما يرجع إلى عيب شكلي في الإجراءات السابقة على صدور القرار، وهو عدم عرضه على قسم التشريع بمجلس الدولة. وكذلك لعدم أخذ رأي لجنة البورصة في أعضاء لجنة الخبرة الاستئنافية. وأن هذا العيب الثاني - عدم أخذ رأي لجنة البورصة - سببه خلاف في وجهتي النظر في تفسير لائحة البورصة، فأخذت محكمة الدعوى رقم (589) بوجهة نظر تخالف وجهة نظر الحكومة في تفسير اللائحة. ثم قال الحكم المطعون فيه "أن مجرد العيب الشكلي وحده لا يرتب حقاً في التعويض، كما أن الخطأ اليسير في تفسير القوانين واللوائح والتي قد تختلف فيها وجهات النظر لا يرتب أيضاً الحق في طلب التعويض إذا أخذت المحكمة بتفسير غير ذلك الذي بنت عليه الحكومة قرارها. ويخلص من ذلك أن الأسباب التي قام عليها الحكم المشار إليه (589) وبالنسبة لبطلان تشكيل لجنة الخبرة الاستئنافية، وإن صحت أساساً لإلغاء هذا القرار لمخالفته للقانون من حيث الشكل إلا أنها لا تصلح سنداً للمدعي في طلب التعويض عن مخالفة هذا القرار للقانون. ولم تر تلك المحكمة في حكمها (589) بالإلغاء محلاً لبحث أوجه البطلان المتعلق بذات القرار (10/ 6/ 1960) والتي ساقها المدعي للتدليل على سوء استعمال السلطة". ولم ير الحكم المطعون فيه، والصادر في هذه الدعوى الراهنة (6514) لسنة 8 القضائية بطلب التعويض محلاً لبحث هذه الأوجه على أساس أن لجنة الخبرة الاستئنافية في البورصة إنما هي لجنة إدارية ذات اختصاص قضائي تفصل في المنازعات التي يطرحها عليها ذوو الشأن فيما يشتجر بينهم من أوجه الخلاف في شأن القطن المراد تسليمه عيناً، تنفيذاً لعقد من عقود البورصة. فالحكم الصادر بإلغاء قرار تشكيل لجنة الخبرة الاستئنافية، لعيب شاب قرار التشكيل لا يترتب عليه بطلان القرارات التي صدرت منها قبل الحكم بإلغاء قرار تشكيل اللجنة. وبذلك ينهار أحد الأساسيين اللذين أقام عليهما المدعي هذه الدعوى الراهنة بطلب التعويض. أما بالنسبة للسبب الثاني من السببين اللذين أقيمت عليهما دعوى التعويض هذه، وهو القرارات الصادرة من لجنة البورصة في يونيو بتحديد سعر إعادة الخصم: (موضوع الدعوى رقم (653) لسنة 4 القضائية فالمدعي (يونان) يقول إن ضرراً أصابه من جراء قرارات تحديد سعر إعادة الخصم، وهي القرارات التي قضى بإلغائها في الدعوى (653) لسنة 4 ق بجلسة 21 من إبريل سنة 1953 لما شابها من بطلان. وفي ذلك يقول الحكم المطعون فيه أن الثابت من وقائع الدعوى الراهنة أن الأقطان التي قدمها المدعي (يونان) للتسليم في فليارة يونيو سنة 1950 قد رفضتها لجان الخبرة الابتدائية والاستئنافية لأنها من رتبة تقل عن الرتبة الجائز تسليمها مما يترتب عليه رد الثمن الذي كان قد دفعه المشتري عند استلامه إذن المعاينة تطبيقاً سليماً للوائح البورصة. ولا يزيد قرار لجنة القطن في البورصة بتحديد سعر إعادة الخصم بمبلغ (154.75) ريالاً إلا بقدر يسير هو ربع ريال فقط عن السعر الذي كان قد دفعه المشتري للبائع مقابل استلام قطن من النوع الجائز تسليمه واضطر البائع (المدعي) لرده ثانية للمشتري (المدعى عليهما الرابع والخامس فرغلي ويحيى) بعد أن ثبت أن القطن الذي يريد تسليمه إليه (إلى المشتري) هو أقل من الرتبة التي تسمح بها لائحة البورصة. ومن ثم يكون الضرر الذي أصاب المدعي (البائع) هنا ناشئاً عن قرار لجنة القطن بالبورصة - بتحديد سعر إعادة الخصم وإنما هو ناشئ عن تقصير المدعي (يونان) ذلك التقصير السابق على ذلك القرار، تقصير في تنفيذ عقده بتسليم القطن، واضطراره لرد ما كان قد دفعه إليه المشتري (يحيى وفرغلي). ولا يسعف المدعي قوله أن الأقطان التي قدمها للتسليم في فليارة يونيو سنة 1950 كانت من رتب يجوز قبولها في الفليارة مستدلاً في ذلك على تقدير رتبتها في المحلج. فهذا دفاع مردود بأن القول في تحديد رتب القطن الصالحة للتسليم إنما مرجعه إلى لجان الخبرة في البورصة دون غيرها. ومن ثم تكون مطالبة المدعي بالتعويض تأسيساً على بطلان قرار لجنة البورصة بتحديد سعر إعادة الخصم غير مستند بدوره إلى أساس سليم. وتكون دعوى التعويض الراهنة، بشقيها مفتقرة إلى سند من القانون ويتعين رفضها برمتها مع إلزام المدعي بالمصروفات.
وفي 7 من مايو سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة المفوضين، وحده عريضة طعن في هذا الحكم الذي لم يطعن فيه المدعي (نجيب أمين يونان) الذي خسر دعواه. وقضى الحكم المطعون فيه برفضها مع إلزامه بالمصروفات ومقابل الأتعاب. وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين في ختام عريضة طعنه الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإعادة القضية إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها مجدداً. ويقوم طعن المفوضين على أن الدعوى المعروضة رقم (6514) لسنة 8 القضائية هي دعوى تعويض عن قرارين إداريين باطلين. الأول منهما هو القرار الصادر من وزير المالية في (10 يونيو سنة 1950) بإعادة تشكيل لجنة الاستئناف في أعمال الخبرة. والثاني منهما هو القرار الصادر من لجنة البورصة في (21 يوليو سنة 1950) بتحديد سعر إعادة الخصم. فيتعين للقول بقيام المسئولية عن هذين القرارين توافر أركان الخطأ من جانب الإدارة، وأن يلحق المطالب بالتعويض ضرر، وأن تقوم علاقة السببية بين خطأ الإدارة وما أصاب المضرور من ضرر. وقد بان لهيئة المفوضين من أسباب الحكم المطعون فيه أنه بالنسبة للقرار الأول (10 يونيو سنة 1950)، لم يعتد هذا الحكم المطعون فيه بالعيوب التي أدت إلى إلغائه في الدعوى رقم (589) لسنة 5 القضائية، كسبب قانوني لطلب التعويض، بمقولة أن خطأ الحكومة هنا خطأ يسير لا يرقى إلى مرتبة الخطأ الذي يستوجب التعويض. وكذلك بمقولة أن إلغاء قرار تشكيل لجنة الخبرة الاستئنافية ليس من شأنه إبطال القرارات الصادرة منها قبل صدور الحكم ببطلان تشكيلها، فتظل قائمة في حق المدعي منتجة لآثارها. فالطعن لا يقر الحكم المطعون فيه، فيما ذهب إليه من اتباع هذا النظر. وأنه بالنسبة للقرار الثاني (21 يوليو سنة 1950) فقد قال الحكم المطعون فيه أن هذا القرار ليس هو السبب المنتج للضرر الذي أصاب المدعي وإنما سبب الضرر في نظر الحكم هو خطأ المدعي (يونان) ولأن العمليات موضوع هذه الدعوى كانت مبنية على المقامرة، وأصبحت البورصة حلبة صراع غير مشروع بين الفريقين المتنازعين (البائعين، والمشترين) فمن خسر المعركة منهما فلا يلومن إلا نفسه. فعلى المدعي وقد خسرها أن يتحمل وحده نتيجة مغامرته أو مقامرته. وهيئة المفوضين، الطاعنة، لا تقر الحكم في هذا الذي سجله في أسبابه على هذا النحو، لأن الدعوى في نظر الطعن، ليست مرفوعة بين الفريقين المتنازعين (البائعين والمشترين) بل هذه الدعوى هي مطالبة بتعويض عن قرارات باطلة. والمدعي لم يخاطر إلى حد المقامرة غير المشروعة لأنه قدم بالفعل أقطاناً، وقد سقط القرار الصادر برفضها بسبب بطلان تشكيل لجنة الخبرة الاستئنافية. وكل ما يمكن أن يقال في حق المدعي أنه مضارب في البورصة ويعلم مقدماً باحتمال الكسب والخسارة. فهو قد رضى مقدماً بهذه الخسارة بشرطة أن تسير الأمور سيرها العادي على مقتضى اللوائح والنظم القائمة. ولكن إذا تعرض المدعي للخسارة نتيجة أفعال غير مشروعة فإن احتمال الخسارة لا يمكن أن يزيل عن هذه الأفعال غير المشروعة صفة عدم المشروعية المكونة لركن الخطأ. والفعل غير المشروع هنا، في نظر هيئة المفوضين الطاعنة، هو قرار لجنة البورصة بتحديد سعر الاسترجاع، لأنه صدر مشوباً بعيب الانحراف ما دام أنه قد قام على عمليات وهمية قصدوا منها رفع السعر اصطناعياً إضراراً بفريق البائعين. ويقول طعن المفوضين أن الضرر هنا يتمثل فيما أصاب فريق البائعين (المدعي)، خسارة، الفرق بين السعر الذي حددته لجنة البورصة، والسعر الذي كان ينبغي قانوناً أن يتخذ أساساً لتحديد سعر الاسترجاع والفصل في ذلك، على حد قول تقرير الطعن يتطلب البحث من محكمة القضاء الإداري فيما يتعلق بالجهة التي تملك تحديد السعر، وفيما يتعلق بالأساس القانوني الذي يعتمد عليه عند إجراء هذا التحديد، وفيما يتعلق بكيفية توزيع المسئولية بين المدعى عليهم الخمسة. ومن أجل ذلك ترى هيئة المفوضين أن الدعوى بحالتها الراهنة لا تزال غير مهيأة للفصل فيها. وتطلب الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإعادة القضية إلى القضاء الإداري، للفصل فيه مجدداً.
ومن حيث إنه يتعين، بادئ ذي بدء، التصدي لما طلبه المدعي (نجيب أمين يونان) من إثبات تنازله عن مخاصمة الحكومة. ففي 7 من إبريل سنة 1962 تقدم بطلب باب المرافعة في هذه الدعوى التي كانت قد حجزت للحكم بجلسة 27 من إبريل سنة 1962. ومهد المدعي لطلبه بأنه كان قد أقام هذه الدعوى رقم 6514 لسنة 8 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد وزارة المالية ولجنتي بورصة العقود والبضاعة الحاضرة وشركتي فرغلي للأقطان والأعمال المالية، والتجارة في المحاصيل المصرية، وطلب الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا مبلغ له (31250) جنيهاً والملحقات، وهي التي قضى برفضها بجلسة 9 من مارس سنة 1958 والتي أقام عنها السيد/ رئيس هيئة مفوضي الدولة هذا الطعن رقم 498 لسنة 4 القضائية أمام المحكمة الإدارية العليا. ولما كان المدعي يرغب في التقرير بتنازله عن مخاصمة الحكومة وتنازله عن أية مطالبة ضدها وإخراجها من الدعوى فقد قررت المحكمة إعادة القضية للمرافعة بجلسة 2 من مايو سنة 1963 وفيها أثبت الحاضر عن المدعي إقراره بمحضر الجلسة. وعقب عليه الحاضر عن شركتي التجارة وفرغلي للأقطان (المدعى عليهما الخامس والرابع) فقال أن هذا الإقرار بالتنازل يحطم اختصاص القضاء الإداري كله ويهدم أساس الدعوى وسببها كما ينهي اختصاص القضاء الإداري منذ البداية وفي مرحلة أول درجة. أما تنازل المدعي عن مخاصمة الحكومة وحدها من الآن فيعتبر تخلصاً من حكم محكمة القضاء الإداري الصادر ضده برفض دعواه، وهذا ما لا يملكه المتنازل بعد أن تعلقت للمدعى عليهم بالدعوى والحكم فيها مصلحة جدية. وأضاف أن هذا الطعن قد رفعه السيد/ رئيس هيئة مفوضي الدولة وفقاً لأحكام القانون، وحددت أطرافه، ولا يملك المدعي أن يتنازل عن مخاصمة أحد الأطراف، وكل ما يملكه أن يتنازل عن الطعن المرفوع لصالحه برمته. وأضاف أيضاً أن المقصود من هذا الطلب وفي هذه المرحلة الأخيرة من التقاضي. هو تعويق الفصل في الدعوى، وشركة التجارة في المحاصيل المصرية لا يسعها إلا أن تعترض على هذا التنازل وتطلب من المحكمة أن تقرر رفضه. وقد انضمت شركة فرغلي للأقطان والأعمال المالية إلى شركة التجارة في طلبها عدم قبول التنازل عن مخاصمة الحكومة وحدها المقدم من المدعي، وأضافت إلى ذلك أن الطعن الحالي مرفوع من هيئة المفوضين وليس من السيد/ نجيب أمين يونان. ومن الخطأ أن يستعير لنفسه صفة المدعي التي كانت له في افتتاح الخصومة ثم زايلته بعد الفصل في دعواه من محكمة القضاء الإداري ليستعمل حقاً لم يعد له، ولكنه ملك خالص لهيئة المفوضين التي رفعت الطعن، وانتقلت بالخصومة إلى مرحلتها الحالية. وفي 5 من يونيو سنة 1963 قدمت وزارة الاقتصاد مذكرة في هذا الشأن فقالت: "أن الحكومة لا ترى مانعاً من قبول تنازل المدعي عن مخاصمتها، وعدم مطالبتها بأي تعويض أو فروق نتيجة للقرارات سالفة الذكر". وفي 12 من يونيو سنة 1963 قدم السيد/ مفوض الدولة أمام هذه المحكمة العليا مذكرة ارتأى في ختامها الحكم برفض اعتماد ترك الخصومة في الطعن بالنسبة للمطعون ضدهم الأول والثاني والثالث وزارة المالية ولجنة بورصة منيا البصل ولجنة بورصة العقود) وطلب الحكم في الطعن بحالته الراهنة.
ومن حيث إن أول ما تلاحظه هذه المحكمة على التنازل الذي أبداه الحاضر عن المطعون لصالحه (المدعي) حسبما هو ثابت بمحضر جلسة 25 من مايو سنة 1963 أنه بعد إذ استهله بالإشارة إلى موضوع وسبب دعواه الصادر فيها الحكم المطعون فيه موضحاً أنه عبارة عن طلب القضاء له بالتعويض عن ضرر أصابه نتيجة لصدور قرار من السيد وزير المالية وقرارات من لجنتي بورصة العقود وبورصة منيا البصل (المدعى عليهم الأول والثاني والثالث) وأنه اختصم شركتي فرغلي والتجارة في المحاصيل المصرية (المدعى عليهما الرابع والخامس) بحسبان أنهما اقتضيا منه الفروق المترتبة على تلك القرارات انتهى المدعي إلى تقرير تنازله عن مخاصمة وزارة الاقتصاد، وعدم توجيه أية طلبات إليها لرد الفروق التي يطالب بها الشركتين المذكورتين، وذلك لأنهما هما اللتان قبضتا تلك الفروق، واللتان يعتبرهما المدعي مسئولتين عن ردها. وليس من شك في أن هذا التنازل، هنا بمفهوم عباراته الواضحة محدود بانحصاره في نطاق الخصومة في الطعن أمام هذه المحكمة العليا، ولا يمكن أن يكون له أثر رجعي ويترتب على ذلك أن يصبح الحكم المطعون فيه بعد هذا التنازل نهائياً في حق المدعي إذ معنى التنازل قبول المتنازل لهذا الحكم الصادر في الدعوى برفضها، وتسليم منه به، وغنى عن البيان أن الحكم المطعون فيه قد صدر في موضوع لا يقبل ولا يحتمل التجزئة بطبيعته لأنه صادر برفض دعوى تعويض عن ضرر ناشئ، من تنفيذ قرارات إدارية معينة مما يستلزم أن تمتد آثار هذا التنازل إلى المدعى عليهم الآخرين جميعاً ولا يستساغ القول بأن يكون تنفيذ القرارات الإدارية سليماً بالنسبة للحكومة وغير سليم بالنسبة لمن خضعوا لها والتزموها، ولا يجوز أن يعتبر التنازل هنا من قبيل ترك الخصومة، ذلك لأن الخصومة الماثلة أمام هذه المحكمة إنما ترجع في أساسها إلى الطعن المرفوع من هيئة المفوضين ولصالح القانون والعدالة الإدارية حسبما تراه الهيئة رافعة الطعن، ومن ثم يكون ترك الخصومة من حقها وحدها. كما أنه لا يتصور مطلقاً أن تخرج الوزارة الخصومة، أمام المحكمة الإدارية العليا ويظل بعد ذلك الأفراد وحدهم ماثلين أمامها في دعوى سببها التعويض عن تنفيذ قرارات إدارية ملغاة، وخاصة بعد أن قرر المدعي المتنازل في محضر جلسة 25 من مايو سنة 1963 أن مبنى دعواه هذه هو المطالبة برد الفروق المالية وكذلك لا يجوز للمدعي وهو أمام هذه المحكمة العليا أن يغير سبب دعواه الأصلية فتصبح دعوى عقد بعد أن كانت أمام محكمة القضاء الإداري دعوى تعويض عن قرار إداري معيب. ولا يغير من الأمر شيئاً كون الوزارة لم تر مانعاً من قبول تنازل المدعي عن مخاصمتها وعدم مطالبتها بأي تعويض أو فروق نتيجة للقرارات الإدارية السالف الإشارة إليها. وقد تمسك باقي المدعى عليهم بعدم قبول التنازل عن مخاصمة الحكومة، المبدى من المدعي. ويتضح من جماع ما تقدم أن طلب المتنازل غير مقبول، ولا يقوم على سند من القانون وخليق بإطراحه جانباً والانتقال للفصل في الطعن بحالته الراهنة.
ومن حيث إن هذا الطعن يقوم على أن الدعوى الراهنة رقم 6514 لسنة 8 القضائية هي دعوى تعويض عن قرارين إداريين باطلين: الأول: قرار وزير المالية بتعديل بعض أحكام اللائحة الداخلية لقسم الأقطان في بورصة البضاعة الحاضرة للأقطان (بورصة منيا البصل) وقد صدر في 10 من يونيو سنة 1950 بإعادة تشكيل لجنة الاستئناف في أعمال الخبرة (منشور بالوقائع المصرية العدد (57) مكرر) وجاء في المادة الثانية من هذا القرار (تعدل الفقرة الأولى من المادة (47) من اللائحة الداخلية لقسم الأقطان ببورصة البضاعة الحاضرة للأقطان على الوجه الآتي: مادة (47) فقرة أولى - تشكل لجنة الاستئناف من خمسة أعضاء من الخبراء الرسمين المحليين يعينهم وزير المالية بعد أخذ رأي لجنة بورصة منيا البصل) - والثاني: هو القرار الصادر من لجنة البورصة بتاريخ 21 من يوليو سنة 1950 والقرارات الماثلة في محاضر لجنة القطن المؤرخة من 10 يوليو سنة 1950 إلى 14 من أغسطس سنة 1950 بتحديد سعر إعادة الخصم بمبلغ (154.75) ريالاً تارة، (113) ريالاً تارة أخرى كأساس لرجوع المشتري على البائع وقد مهد تقرير الطعن لأسبابه بعرض موجز لحكم محكمة القضاء الإداري الصادر في الدعوى رقم (589) لسنة 4 القضائية بجلسة 26 من فبراير سنة 1952 بإلغاء قرار وزير المالية الصادر في 10 من يونيو سنة 1950 بتعديل تشكيل لجنة الخبراء الاستئنافية ببورصة منيا البصل، والذي أسس قضائه على أن وزير المالية لم يعرض مشروع هذا القرار على قسم التشريع بمجلس الدولة، وعلى أن وزير المالية لم يأخذ رأي لجنة البورصة في تعيين أعضاء لجنة الخبرة الاستئنافية بالمخالفة لما يقضي به نص المادة (47) من اللائحة الداخلية لبورصة منيا البصل قسم القطن. والواقع أن الحكم المطعون فيه هنا، والصادر برفض دعوى المدعي بطلب التعويض لم يغفل ما جاء في حكم 589 بجلسة 26/ 2/ 1952 سواء في منطوقه أو في أسبابه. ولكن الحكم المطعون فيه هنا عالج الموضوع من ناحية أثر الإلغاء في التعويض فأورد الأسباب الآتية: ومن حيث إنه ظاهر من أسباب هذا الحكم - 589 - أن بطلان القرار المذكور (10/ 6/ 1950) وهو أحد الأسس التي يبنى عليها المدعي طلب التعويض في دعواه هذه (6514) لسنة 8 القضائية إنما يرجع إلى العيب الشكلي في الإجراءات السابقة على صدوره وهو عدم عرضه على قسم التشريع بمجلس الدولة، وعدم أخذ رأي لجنة البورصة في أعضاء لجنة الخبرة الاستئنافية، وأن هذا العيب الثاني سببه خلاف في وجهتي نظر في تفسير اللائحة أخذت المحكمة بإحداهما وكانت مخالفة لتفسير جهة الإدارة. ومن حيث إن المبادئ المسلمة في القانون الإداري والتي استقر عليها قضاء مجلس الدولة أن مجرد العيب الشكلي لا يكفي وحده لترتيب حق في التعويض. كما أنه من المبادئ المسلمة أيضاً أن الخطأ اليسير في تفسير القانون واللوائح والتي قد تختلف فيها وجهات النظر لا يرتب أيضاً حقاً في التعويض ولو أخذت المحكمة بتفسير غير ذلك الذي بنت عليه جهة الإدارة قرارها. ويخلص من ذلك أن الأسباب التي قام عليها الحكم سالف الذكر 589 لسنة 4 القضائية بالنسبة لبطلان تشكيل لجنة الخبرة الاستئنافية وأن صحت أساساً لإلغاء هذا القرار لمخالفته للقانون من حيث الشكل، إلا أنها لا تصلح سنداً للمدعي في مطالبته بالتعويض عن مخالفة هذا القرار للقانون، ولم تر المحكمة في حكمها السابق بالإلغاء محلاً لبحث أوجه البطلان المتعلقة بذات القرار والتي ساقها المدعي للتعديل على سوء استعمال السلطة. ولا ترى المحكمة في الدعوى الحالية 6514 لسنة 8 القضائية الخاصة بطلب التعويض محلاً لبحث هذه الأوجه على أساس أن لجنة الخبرة الاستئنافية إنما هي لجنة إدارية ذات اختصاص قضائي في المنازعات التي يطرحها عليها ذوو الشأن فيما يشجر بينهم من أوجه خلاف في شأن القطن المراد تسليمه عيناً تنفيذاً لعقد من عقود البورصة.." فهذا الحكم قد اعتبر بحق أن عدم عرض قرار 10 يونيو سنة 1950 وقرار وزير المالية الصادر بتشكيل لجنة الخبرة الاستئنافية ليس خطأ جسيماً يستوجب المسئولية عن التعويض. ففي العاشر من شهر يونيو سنة 1950 صدر قرار وزاري بتعديل اللائحة الداخلية القديمة لبورصة منيا البصل بحيث صارت تشكل لجنة الاستئناف من خمسة من الخبراء الرسميين المحلفين. وكان عدد الخبراء المحلفين الرسميين في ذلك الحين ستة منهم ثلاثة أصليون وثلاثة مساعدون وهم: (الأصليون (1) المستر ووكر وتاريخ تعيينه في 18/ 1/ 1932 (2) إسماعيل زكي أحمد وتاريخ تعيينه 18/ 1/ 1934 (3) أحمد محمود فرغلي وتاريخ تعيينه 3/ 4/ 1949 - أما المساعدون فهم: (1) هاشم حمودة وتاريخ تعيينه 28/ 12/ 1949 (2) عبد العزيز صالح وتاريخ تعيينه 18/ 9/ 1959 (3) محمد زكي بدر الدين وتاريخ تعيينه 18/ 9/ 1949 - وتاريخ تنفيذ القرار هو 10/ 6/ 1950 وقد وافق وزير المالية في 13/ 6/ 1950 على تعيين اثنين من الخبراء المساعدين وهما (هاشم حمودة وعبد العزيز صالح) في وظيفة خبراء أصليين ليصبح عدد الخبراء الأصليين خمسة. فلما أصدرت محكمة القضاء الإداري بجلستها المنعقدة في 26/ 2/ 1952 حكماً ببطلان القرار الوزاري الصادر في 10/ 6/ 1950 في جميع نصوصه لعدم عرضه على قسم التشريع بمجلس الدولة، صدر القرار الوزاري رقم (58) لسنة 1952 فأعاد تشكيل لجنة الاستئناف إلى ما كانت عليه قبل صدور قرار10/ 6/ 1950 فإذا قال الحكم المطعون فيه أن عدم عرض القرار لا يعتبر خطأ جسيماً يستوجب حتماً المسئولية عن التعويض فليس في مثل هذا الاتجاه من جديد، وإنما هو ترديد لما ذهبت إليه أحكام القضاء الإداري ورجال الفقه من أنه ليس كل خطأ من جانب الهيئات الإدارية منشئاً حتماً وبطريقة آلية للمسئولية التي ترتب تعويضاً. وإنما يلزم لذلك خطأ على درجة من الخطورة والأهميةdégré de factuosité وأن من اللازم أن يبحث كل خطأ على حدة من حيث آثاره والمعيار الموضوعي Faute concréte ثم هل يمكن أن يعتبر الخطأ فادحاً من جانب السيد وزير المالية لأنه لم يأخذ رأي لجنة البورصة مقدماً في تشكيل اللجنة التي كان أعضاؤها جميعاً خبراء رسميين يعملون في البورصة منذ عشرات السنين. وهل يعتبر خطأ وزير المالية فادحاً لعدم أخذه رأي لجنة البورصة وهو رأي استشاري بحت. وهل يكون الخطأ جسيماً لأنه كان من المحتمل أن يعدل الوزير عن تعيين أو ترقية واحد من أولئك الخبراء؟ أن الحكم المطعون فيه قد أصابه التوفيق عندما وصف هذا النوع من الخطأ - وأن ترتب عليه إلغاء القرار في دعوى الإلغاء بأنه يسير لا يعول عليه، ومن ثم يتلاشى تباعاً الركن الأساسي في مسئولية الحكومة. هذا إلى أن الثابت من أوراق الطعن أن الأقطان التي رفضتها هذه اللجنة كانت قلة، وأقطان المدعي (يونان) كانت مرفوضة من قبل في لجنة الخبرة الابتدائية. تلك اللجنة التي لا يدخل في تشكيلها خبير رسمي واحد بل يعينها رئيس لجنة البورصة من بين ثلاثين خبيراً عينهم وزير المالية من كشف يحتوي على 49 اسماً قدمته إليه لجنة البورصة (المادة 360 وما بعدها من اللائحة الداخلية لبورصة منيا البصل قسم القطن). ومن المحقق أن لجنة الخبرة الاستئنافية باعتراف المدعي، لم ترفض أقطانه التي كانت قد قبلتها لجنة الخبرة الابتدائية وإنما هي أيدت قرارات الرفض التي كانت قد أصدرتها اللجنة الابتدائية.
ومن حيث إن الطعن يحمل عبارات الحكم المطعون فيه ما لا تحتمله إذ يذهب إلى أن الحكم قد اعتبر أن قرارات لجنة الخبرة الاستئنافية بمثابة أحكام قضائية وأنه لا بطلان في الأحكام وهي قاعدة قديمة مقصورة على الأحكام بالمعنى الفني للحكم القضائي الصادر عن السلطة القضائية. أما القرارات الإدارية سواء تلك الصادرة من هيئة إدارية بحتة أو من هيئة ذات سلطة فصل في بعض المنازعات، فلم يقل أحد أنها تماثل الأحكام تماماً في مجال تطبيق هذه القاعدة. وقد فات تقرير الطعن أن أساس الحكم المطعون فيه هو أن عدم عرض وزير المالية مشروع القرار على قسم التشريع إنما يعد خطأ يسير أساسه اختلاف وجهة النظر فيما يتعلق بتفسير المادة 35 من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة والتي تنص على أن "يتولى قسم التشريع صياغة مشروعات القوانين التي تقترحها الحكومة عدا ما كان منها خاصاً بميزانية الدولة أو بفتح اعتمادات إضافية أو غير عادية.." هذا هو السند الأصيل في أسباب الحكم المطعون فيه الذي قضى برفض دعوى التعويض ولكن تقرير الطعن ترك هذا الجوهر من الحكم وذهب إلى أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ عندما عامل قرارات لجنة الخبرة الاستئنافية كما لو كانت أحكاماً قضائية وفي هذا مجاوزة لمفهوم الحكم الذي وصف لجنة الخبرة الاستئنافية بأنها هيئة إدارية ذات اختصاص قضائي، وقد رسم المشرع طريقة الطعن في قراراتها وتتلخص في السماح للمتضرر أن يقدم أقطاناً جديدة خلال (48) ساعة. وهذا الحق قد مارسه المدعي في الدعوى الراهنة بإقراره، ومع ذلك فإن أقطانه الجديدة كانت مرفوضة بدورها، هذا إلى أن المشرع قد رخص لمندوب الحكومة في أن يستعمل حق الاعتراض، ولكنه لم يفعل لأنه لم يجد لذلك مقتضيا. أما العيب الذي شاب تشكيل لجنة الخبرة الاستئنافية فهو عيب شكلي مرفقاً بأسباب حكم القضاء الإداري بجلسة 26/ 3/ 1952 بمعنى أن ثمة عدم مشروعية شكلية illrgalité formelle ولا محل هنا لعدم المشروعية الموضوعية materielle وهذا يقتضي بحث أثر عدم المشروعية الشكلية في القرارات الموضوعية والمعيار الراجح في مقام تقدير القرارات الإدارية هو أن العبرة بموضوع القرار، وليست بشخص مصدر القرار. والثابت أن قرار لجنة الخبرة الاستئنافية برفض أقطان المدعي (يونان) قد سبقه قرار الخبرة الابتدائية برفض أقطانه. فالقرار موضوعاً لا غبار عليه ولا يمكن أن تنفذ إليه المحاباة التي يقول بها المدعي لأن تشكيل لجنة الخبرة الابتدائية كما سبق البيان تم من غير المحلفين الرسميين، وإنما وجد هؤلاء الرسميون في الاستئناف كصمام أمان أو كضمانة أساسية للطرفين، ولا يمكن تصور أن إضافة خبيرين رسميين محلفين بدلاً من تاجرين في تشكيلها من شأنه أن يقلل من هذه الضمانة التي يتوخاها المشرع. وغنى عن القول أن ثلاثة من أعضاء هذه الهيئة هم خبراء محلفون رسميون يجلسون في اللجنة منذ عشرات السنين، وهم أصحاب الأغلبية فيها والتعديل إنما لحق العضوين الآخرين مما يجعل اللجنة الاستئنافية لا تقل حياداً عن ذي قبل. والقول بأن الطعن على تشكيل لجنة الخبرة الاستئنافية هو في الأصل طعن على قراراتها هو قول فيه تجاوز وافتراض غير مقبول. ذلك لأن الطعن إنما استهدف تعديل نصوص لائحة البورصة، وهي نصوص لها صفة الاستمرار لأنها ليست خاصة باستحقاق شهر يونيو سنة 1950 وحده. ومن ثم فلا حجة في قول هيئة المفوضين بأن الطعن على اللائحة في تعديل تشكيل لجنة الخبرة الاستئنافية هو في الأصل طعن على القرارات الصادرة منها، وذلك لسببين: (1) إن اللائحة إنما تقرر أحكاماً تنظيمية عامة فيجوز إذن اختصامها من كل ذي مصلحة احتمالية لأن اللائحة تخلق مراكز عامة (2) إن القرارات الصادرة من اللجنة في تشكيلها الجديد تنشئ مراكز خاصة بكل من البائع والمشتري في صفقة معينة. ومن ثم يجوز الطعن عليها بذاتها من جانب أحدهما، وكل من الطعنين مستقل عن الآخر ولا يمنع ذلك من الجمع بينهما لدى المصلحة، أما القول بأن الطعن على اللائحة هو في الأصل طعن على القرارات فأمر غير مستساغ قانوناً. فإذا كان المدعي قد أهمل الطعن على قرار اللجنة أو قراراتها المتعلقة بأقطانه فلا يلومن إلا نفسه وهذا هو حكم القانون. ولا يجديه بديلاً التأويل الذي جرى به تقرير الطعن. كما لا وجه لما ذهب إليه هذا التقرير من القول بأن الحكم الذي يصدر بإلغاء تعديل اللجنة، إن لم يشفع ببطلان قراراتها فإنه يغدو حكماً نظرياً معدوم الأثر إذ أن هذا القول مردود بأن الحكم الصادر بالإلغاء يصادف التنفيذ فوراً بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة من إعلانه لجهة الإدارة التي يكون لها الاختيار والحرية بين الرجوع إلى التشكيل القديم، وبين ابتكار التشكيل الآخر، ويكون عليها في خصوص هذه الدعوى أن تتبع في إصدار القرار الجديد الإجراءات التي استلزمها حكم القضاء. أما القول بأن الحكم بإلغاء تعديل تشكيل اللجنة ينطوي على إلغاء كل قرارات اللجنة التي ألغى قرار تعديل تشكيلها فهذا غير جائز في القانون لأنه يكون قضاء للمدعي بأكثر من طلباته ultrapetita وتقرير الطعن بنظريته هذه يؤدي إلى نتيجة سائغة لأنه يرى أنه بعد بطلان تشكيل اللجنة وبطلان قراراتها يتعين البحث بعد ذلك عما ينبغي أن يكون عليه الوضع تنفيذاً للحكم الصادر بالبطلان ومعنى ذلك بطلان جميع قرارات اللجنة، تلك التي صدرت كاشفة عن سلامة نسبة قدرها (97٪) من القطن جرى استلامها في فليارة شهر يونيو الثالثة. وتلك التي كشفت عن عدم سلامة (3٪) من الأقطان المرفوضة. وما من شك في أن إعادة المنازعة في شأن هذه المراكز المستقرة قانوناً وفعلاً لا يساعد مطلقاً على تحقيق العدالة الكاملة. وما من شك في أن المدعي ذاته (نجيب أمين يونان) ومن معه من بائعين يضارون لو حملت نظرية الطعن محمل الجد وأعيدت إليهم (97٪) من أقطانهم وهي أشياء مثلية، وقبض المشترون منه وممن هم في مثل وضعه ما دفعه لهم المشترين بواقع (154.5) ريالاً لكل قنطار تم تسليمه. ومن أجل هذه المصلحة المحققة الأكيدة لم يفكر المدعي (يونان) ومن معه في الطعن على قرارات اللجنة جملة واحدة على النحو الذي أراده لهم تقرير هذا الطعن. وحاصل القول في مجال السبب الأول من أسباب الطعن هو أن دعوى الإلغاء تختلف بداهة عن دعوى التعويض أركاناً وموضوعاً، وحجية. وأخص ما في الأمر أنه بينما يكتفي في دعوى الإلغاء أن يكون رافعها (صاحب مصلحة) فإنه يشترط في رافع دعوى التضمين أن يكون (صاحب حق) أصابته جهة الإدارة بقرارها الخاطئ بضرر يراد رتقه، وتعويضه عنه. والمؤدى اللازم لهذا النظر في جملته وتفصيله، إن القضاء بالإلغاء. بل لكل من القضاءين فلكه الخاص الذي يدور فيه. فالحكم المطعون فيه يكون قد أصاب وجه الحق، إذ اتبع في سياسته الأصل التقليدي المسلم، وهو أن العيوب الشكلية التي قد تشوب القرار الإداري فتؤدي إلى إلغائه لا تصلح مع ذلك لزوماً أساساً للتعويض. فإذا كان المقصود من عرض القرار على قسم التشريع هو أساساً الاطمئنان إلى سلامة صياغة القرار وإذا كان الرجوع إلى لجنة البورصة لا يهدف إلا إلى الاستئناس برأيها دون الالتزام به، فإن إغفال مثل هذا الإجراء لا يمكن بداهة أن يقال عنه عيب جوهري يسيغ القضاء بالتعويض. وتأسيساً على ما تقدم يكون السبب الأول من أسباب هذا الطعن، وهو القرار الوزاري المتعلق بتشكيل لجنة الخبرة الاستئنافية غير قائم على سند من الواقع أو من القانون، ومن ثم يتعين رفضه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالسبب الثاني لدعوى التعويض رقم (6514) لسنة 8 القضائية فهو قرار لجنة البورصة الصادر في 21 من يوليو سنة 1950 والقرارات المماثلة في محاضر لجنة القطن المؤرخة من 10 يوليو سنة 1950 إلى 24 من أغسطس سنة 1950، بتحديد سعر إعادة الخصم بمبلغ (154.75) ريالاً تارة، (113) تارة أخرى كأساس لرجوع المشتري على البائع. فقد اتضح للحكم الطعون فيه أن المدعي (يونان) وآخرين معه (شنودة وجرجس وأسعد) قد أقاموا الدعوى رقم (653) لسنة 4 القضائية في 9 سبتمبر سنة 1950 وطلبوا الحكم بإلغاء هذه القرارات. وقد قضت محكمة القضاء الإداري بجلستها المنعقدة في 21 من إبريل سنة 1951 بإلغائها. وأقام حكم الإلغاء هذا قضاءه على أنه (ثبت مما سبق القول أن التعامل في سوق القطن على صنف الاشموني، كان قائماً في ذلك العهد على أسس احتكارية ومضاربات على الصعود غير مشروعة، وأسعار مصطنعة. فتكون جميع العمليات التي قامت في ذلك العهد خاصة بهذا الصنف مبنية على المقامرة، ومن ثم تعتبر باطلة قانوناً، ولا يصحح من هذا البطلان ما قام به المحتكرون من محاولات لكي تبدو هذه العمليات في صورة مشروعة، كاستنادهم إلى قرارات قضى ببطلانها أو نجاحهم في الحصول من لجنة البورصة على تحديد سعر إعادة الخصم في وقت أرغموها - بصنيعهم غير المشروع - على الانحراف عن القانون في هذا التحديد.). وقد ذكر الحكم المطعون فيه، إن المدعي في الدعوى (6514) لسنة 8 القضائية يزعم أن الضرر الذي أصابه إنما هو من جراء قرارات لجنة البورصة. ولكن الحكومة وشركتي فرغلي ويحيى تقول أن الضرر لم ينشأ من تلك القرارات لأن قرارات لجنة البورصة ما كانت لتصدر وتطبق على المدعي لو لم يكن مقصراً في تنفيذ عقده بتسليم ما باعه من أقطان قابله للتسليم عند حلول الفليارة. ثم استطرد الحكم المطعون فيه يقول أنه ثبت لتلك المحكمة أن المضاربات في بورصة العقود على صنف الاشموني في موسم 1949/ 1950 قد تمت على صفقات تزيد عشرين مثلاً على ما تنتجه البلاد بالفعل من محصول القطن الاشموني الذي بلغت حصيلته فعلاً ثلاثة ملايين قنطاراً بينما بلغت مقادير المعاملات المتعلقة به في بورصة العقود حوالي (50) خمسين مليون قنطاراً. ومعنى هذا في نظر الحكم المطعون فيه أن المدعي (وفريق البائعين) قد باعوا ما لا يملكون من صنف الاشموني بل باعوا ما لا يمكن أن يملكوه. وترتيباً على ذلك لا يكون المسئول عن هذا الاختلال الخطير في التوازن هم المشترون المصدرون (فرغلي ويحيى) وحدهم بل المسئول الأول هو فريق البائعين (المدعي) بأنهم باعوا ما لا يملكون بل وما يستحيل عليهم مادياً وعملياً أن يملكوه. وبذلك تكون البورصة قد فقدت وظيفتها المشروعة وانقلبت إلى حلبة أعمال تجافي أحكام القانون.
ومن حيث إن تقرير الطعن ينعى على الحكم المطعون فيه ذلك الاتجاه الذي يرمى إلى أن سبب الضرر الذي لحق بالمدعي إنما هو خطأ من جانبه هو لأنه باع ما لا يملكه وما لا يمكن أن يملك. ويقول تقرير الطعن في ذلك أن الدعوى رقم (6514) لسنة 8 القضائية المطروحة على المحكمة ليست بين الفريقين المضاربين من بائعين ومشترين بحيث يجب على كل منهما تحمل نتيجة مقامرته وإنما هذه الدعوى هي دعوى تعويض عن قرار إداري باطل. ويستطرد تقرير الطعن قائلاً أن المدعي لم يخاطر إلى الحد الذي يخرج به إلى حيز المقامرة غير المشروعة بل أنه قدم بالفعل أقطاناً، سقط القرار الصادر برفضها نتيجة لبطلان تشكيل الهيئة التي أصدرته (اللجنة الاستئنافية للخبرة). ومفاد هذا القول من تقرير الطعن أنه يخرج على حكم محكمة القضاء الإداري الصادر بجلستها المنعقدة في 21 من إبريل سنة 1953 إذ يورد التقرير تمييزاً موضوعياً أساسه التفرقة بالنسبة للمعاملات التي تمت في موسم 1949/ 1950 على القطن الاشموني. فالتقرير يرى أن بعضها كان مشروعاً والبعض الآخر غير مشروع. وفي نظر تقرير الطعن، فإن الفعل غير المشروع هو القرار الصادر من لجنة البورصة بتحديد سعر الاسترجاع بمقدار (154.75) ريالاً لأنه صدر مشوباً بعيب الانحراف ما دام قد قام على عمليات وهمية كان القصد منها رفع السعر اصطناعياً إضراراً بفريق البائعين (المدعي).
ومن حيث إنه في شهر يونيو سنة 1950 كان على بائعي القطن - في بورصة العقود - أن يقوموا بتنفيذ التزاماتهم أي أن يقوموا، وفقاً لما تعهدوا به بتسليم القطن الذي تعاقدوا عليه. أما البائعون الذين لم يتمكنوا من تسليم القطن الذي تعهدوا بتسليمه، سواء لأنهم لم يتمكنوا من أن يجدوا في السوق هذا القطن الذي باعوه على المكشوف، أو لأن الأقطان التي كانت لديهم لم تكن صالحة للتسليم فهؤلاء البائعون قد تم التنفيذ عليهم، وفقاً لنص المادة (69) من لائحة بورصة العقود بالإسكندرية وبقصد التنفيذ في البورصة يلتزم البائع المقصر بأن يجد بائعاً آخر يقوم بالتسليم بدلاً منه، على أن يدفع لهذا الأخير الفرق بين الثمن المدفوع من المشتري وسعر البورصة أو أن يشتري البائع المقصر القطن من السوق لتسليمه. بمعنى أن يقوم البائع المقصر (بإعادة شراء عقده) مما يترتب عليه إلغاء عملية البيع الأصلية مع تحمل هذا البائع بالفرق بين ثمن البيع الأصلي وثمن إعادة شراء العقد والنظام المعمول به في البورصة يفرض على المتعاقدين احترام العقود. لذلك اضطر أولئك البائعون إلى إعادة شراء عقودهم بأسعار تصل إلى (154) ريالاً تقريباً. محققين بذلك خسارة هي عبارة عن الفرق بين ثمن البيع والثمن الذي اضطروا إلى دفعه حتى يتفادوا تنفيذ الالتزامات التي أخذوها على عاتقهم. وهكذا أجرت لجنة بورصة العقود عدة تنفيذات بسعر(154.50) ريالاً وجدير بالذكر في هذا الصدد أن قلة كميات الأقطان في يونيو سنة 1950 وبالتالي اختفاء العقود اختفاء يكاد يكون تاماً أدى بالضرورة إلى ارتفاع الأسعار إلى أكثر من 154 ريالاً وكان من شأن قانون العرض والطلب أن يرفع الأسعار رفعاً جديداً ولقد قام بعض التجار وهم من بائعي العقود في بورصة العقود، بتسليم أقطانهم في فليارات تنفيذاً لالتزاماتهم ولكنهم اعتبروا من المقصرين في بورصة منيا البصل عندما قررت هيئات الخبرة ولجان الاستهلاك رفض هذا القطن باعتباره أنه غير صالح للتسليم. وبذلك لم يقم البائعون (المدعي) بالتزامهم الخاص بالتسليم. وعملاً بنص القانون اجتمعت لجنة القطن لتحديد سعر إعادة الخصم بالنسبة (للوتات) كثيرة كانت قد رفضت باعتبارها غير صالحة للتسليم. فاجتمعت اللجنة في 29/ 1/ 1950 لتطبيق المادة (30) من اللائحة على البائعين المقصرين. ووافقت اللجنة بعد المداولات على تحديد سعر إعادة الخصم بمبلغ (154 و4/ 3) ريالاً ولكن إحدى الشركات (شركة الإسكندرية التجارية) استأنفت هذا القرار أمام لجنة بورصة منيا البصل باعتبار أن هذا القرار خالف القانون. فقررت اللجنة أن هذا القرار صدر صحيحاً وفقاً لأحكام اللائحة ومقتضيات الاقتصاد العام ولا يجوز الرجوع فيه.
ومن حيث إن تحديد سعر إعادة الخصم، لا يضاربه بائع سليم نفذ عقده، وسلم قطنه بالرتبة المتفق عليها وفي موعد التنفيذ أما البائع المضارب على المكشوف دون أن تكون لديه أقطان يفعل ذلك بقصد الكسب من فروق الأسعار فهو الذي يضار من ذلك التحديد لسعر إعادة الخصم. ذلك ما قرره الحكم المطعون فيه وبحق ما ذهب إليه من أنه ليس من ولاية المحكمة التي أصدرته أن تتعرض لترتيب نتائج معاملات المدعي (البائع) مع المدعى عليهم (المشتريين) وثابت من الأوراق أن الأقطان التي قدمها المدعي للتسليم في يونيو سنة 1950 وهي موضوع هذه الدعوى (6514) لسنة 8 القضائية رفضتها لجان الخبرة الابتدائية والاستئنافية وأنها أقطان من رتبة تقل عن تلك الجائز تسليماً وقد ترتب على ذلك رد الثمن الذي كان المشتري قد دفعه للمدعي. فالضرر الذي أصاب المدعي لم ينشأ من قرار لجنة القطن إنما هو من تقصير المدعي وهو تقصير سابق حتى على صدور القرار، وتأسيساً على ذلك تكون مطالبة المدعي بالتعويض عن بطلان قرار لجنة القطن غير مستندة إلى أساس من القانون. وتكون دعوى التعويض بشقيها لا سند لها شرعاً ويتعين القضاء برفضها. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه هذا المذهب فلا سبيل إلى الطعن عليه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق