جلسة 22 من نوفمبر سنة 1961
برياسة السيد محمد فؤاد
جابر نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: فرج يوسف، وأحمد زكي محمد، وأحمد أحمد
الشامي، ومحمد عبد الحميد السكري المستشارين.
------------------
(116)
الطعن رقم 27 لسنة 29 ق
"أحوال شخصية"
(أ) حكم.
"بياناته" اسم عضو النيابة الذي أبدى رأيه في القضية. أحوال شخصية. نظام
عام. نيابة عامة.
بيان اسم عضو النيابة
الذي أبدى رأيه في القضية بيان جوهري. إغفاله يترتب عليه البطلان. إغفال هذا
البيان في الحكم الابتدائي مع تأييده من المحكمة الاستئنافية بأسباب مستقلة لا محل
للنعي بالبطلان في هذه الحالة.
)ب) وقف. "شروط
الواقف". مصارف الريع. "تغيير الواقف لشروطه".
اشتراط الواقف بعض مصارف
الوقف من عموم الريع مقدماً على الاستحقاق. إحداث تغيير في شروط الواقف من حيث
إنشاء الوقف وأيلولة الاستحقاق لمن عينهم وحصر الاستحقاق فيهم، لا يتناول هذه المصارف
بشيء.
------------------
1 - إذا كان بيان اسم عضو
النيابة الذي يبدي رأيه في قضايا الأحوال الشخصية والوقف هو بيان جوهري يتعلق
بالنظام العام ولازم لصحة الحكم بحيث يترتب على إغفاله البطلان وفقاً للمادة 349
من قانون المرافعات (1) ، إلا
أنه متى كان هذا العيب قد لحق بالحكم الابتدائي وكانت محكمة الاستئناف لم تعرض
لهذا البطلان ولم تنبه إليه وانتهت إلى تأييد الحكم الابتدائي بأسباب مستقلة - دون
أن تقضي ببطلان الحكم الابتدائي مع الفصل في موضوع الدعوى بحكم جديد - فإن النعي
على حكمها بالبطلان يكون في غير محله إذ ليس من شأنه أن يحقق سوى مصلحة نظرية بحتة
لا يعتد بها بعد أن حققت المحكمة الاستئنافية بحكمها على هذه الصورة غرض الشارع.
2 - إذا نص الواقف في
إشهاد وقفه الأصلي على أنه يكون من بعده وقفاً مقسماً إلى 24 قيراطاً وزعها على
مستحقيها المبينين بالإشهاد المذكور وشرط في وقفه هذا شروطاً أكد العمل بها منها
أن يبدأ من ريع كامل الوقف بإصلاح عينه وما فيه البقاء لمنفعته ولو صرف في ذلك
جميع غلته ومنها أن يصرف من ريع هذا الوقف مبالغ في وجوه الخير فقد دل بذلك على أن
هذه المصارف تخرج من عموم الريع مقدمة على الاستحقاق ومن ثم فإذا كان التغيير الذي
أحدثه الواقف قد انصب على إنشاء الوقف وأيلولة الاستحقاق لمن عينهم وحصر الاستحقاق
فيهم دون أن يتناول بالتعديل شيئاً من هذه المصارف، فإن الحكم الطعون فيه إذ التزم
هذا النظر لا يكون قد خالف القانون أو غرض الواقف.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق
وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن واقعة الدعوى
تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن الطاعن أقام
الدعوى رقم 266 سنة 1956 كلي القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية ضد وزارة الأوقاف
طلب الحكم فيها بأن يكون ريع الـ132 فداناً المشار إليها في إشهاد التغيير الصادر
من محكمة عابدين الشرعية بتاريخ 28/ 3/ 1940 منحصراً جميعه في الموقوف عليهم
المذكورين بالإشهاد المذكور ومنع تعرض وزارة الأوقاف له فيما تطلبه وقال شرحاً لدعواه
إن المرحوم على بك شريف قد صدر منه إشهاد شرعي أمام محكمة مصر الشرعية في 21/ 7/
1903 بوقف 243 ف على نفسه مدة حياته ثم من بعده على من ذكرهم بكتاب وقفه وبالصيغة
التي ذكرها بإشهاده المذكور وكان من شرطه أن يصرف من ريع الوقف سنوياً 250 جنيهاً
على الوجه الآتي: - 100 جنيه ذهباً في وجوه الخيرات على تربة الواقف و100 جنيه في
عمارة مدفن زوجة الواقف و50 جنيهاً تصرف في خيرات على تربة والدة الواقف ووالده -
وفي 8 مارس سنة 1909 صدر إشهاد من الواقف بما له من الشروط العشرة بتغيير في هذا
الوقف بإخراج إناس من الموقوف عليهم وإدخال آخرين على الوجه المبين بإشهاد التغيير
المشار إليه. وفي 28/ 3/ 1940 عاد فأصدر إشهاد آخر أمام محكمة عابدين الشرعية
بتغيير في مصارف وقفه السابق وجعل وقفه على النحو الآتي: 111 ف و5 ط و20 س على
الجمعيات الخيرية الإسلامية التي عددها وجعل كذلك 66 ف و3 ط و10 س من القدر
الموقوف وقفاً على أولاد المرحوم إبراهيم بك شريف والذين من بينهم المدعي ومن
بعدهم على أولادهم ونسلهم وعقبهم وهكذا وجعل 66 ف و3 ط و10 س وقفاً على كريمتي
المرحوم عز الدين بك شريف ومن بعدهما على أولادهما ثم تنازل عن الشروط العشرة
وألغي ما يخالف ذلك أو ينافيه مما هو مبين بإشهاد التغيير الصادر في سنة 1909 وأن
يكون المعول عليه ما ورد في هذا الإشهاد الأخير - وأن المدعي هو الحارس القانون
على الوقف الأهلي وواضع يده عليه ويستغله من بعد وفاة الواقف ويوزع ريعه على
الموقوف عليهم - وأن وزارة الأوقاف "المطعون عليها" والناظرة على الوقف
الخيري تتعرض له وتطالبه بدفع قيمة ما يخص القدر الذي تحت يده من الوقف الأهلي في
مبلغ الـ 250 جنيهاً المشروط للخيرات وبتاريخ 11 من فبراير سنة 1957 حكمت المحكمة
الابتدائية حضورياً برفض الدعوى تأسيساً على أن إشهاد التغيير الصادر في سنة 1940
كان بالنسبة للوقف الأهلي وأن الزيادة في نصيب الخيرات لا تدل على أن الواقف عدل
عن شرطه بالنسبة لمبلغ الخيرات المذكور بل تدل على أنه أراد الزيادة في الخيرات
ولا تعارض بين هذا التوسع في الخيرات وبين الاحتفاظ بصرف المبلغ المشروط لها -
فاستأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف المقيد برقم 52 سنة 74 ق استئناف القاهرة
طالباً إلغاء الكم المستأنف والقضاء له بطلباته الابتدائية - وبتاريخ 25/ 4/ 1959
قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف لأسبابه ولما أضافته هي من أسباب أخرى
فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقد عرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت
إحالته إلى دائرة الأحوال الشخصية وقد نظر أمام هذه الدائرة بجلسة 14 من أكتوبر
سنة 1961 وفيها لم يحضر الطاعن ولا المطعون عليه ولم يقدم دفاعاً ما وصممت النيابة
على رأيها الذي أبدته بمذكراتها الموقعة من رئيس النيابة الأستاذ محمود الأزرق
التي أنهت فيها أصلياً إلى طلب نقض الحكم لبطلانه واحتياطياً رفض الطعن.
وحيث إن النيابة العام
نعت على الحكم فيه بطلانه إذ بني على الحكم الابتدائي الذي أيده مستنداً إلى
أسبابه مع أن هذا الحكم الأخير باطل بطلاناً من النظام العام لخلوه من بيان اسم عضو
النيابة الذي أبدى الرأي في القضية وعدم إفصاحه عن أن اسم عضو النيابة الوارد في
ديباجته هو صاحب ذلك الرأي.
وحيث إنه وإن كان بيان
اسم عضو النيابة الذي أبدى رأيه في قضايا الأحوال الشخصية أو الوقف هو بيان جوهري
متعلق بالنظام العام ولازم لصحة الحكم ويترتب على إغفاله البطلان وفقاً للمادة 349
من قانون المرافعات وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة وقد لحق هذا العيب الحكم
الابتدائي وكان يتعين على محكمة الاستئناف أن تبطله وتفصل في موضوع الدعوى بحكم
جديد تراعى فيه الإجراء الصحيح الواجب اتباعه - إذ كان ذلك وكانت محكمة الاستئناف
لم تعرض لهذا البطلان ولم تنبه إليه - ومضت في نظر الموضوع وانتهت إلى تأييد الحكم
المستأنف بأسباب مستقلة فإن النعي على حكمها بالبطلان يكون في غير محله إذ ليس من
شأنه أن يحقق سوى مصلحة نظرية صرفة لا يعتد بها بعد أن حققت بحكمها على هذه الصورة
غرض الشارع.
وحيث إن هذا الطعن أقيم
على أربعة أسباب يتحصل أولها في مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في
تطبيقه وتأويله بمخالفته قواعد الإثبات واعتماده على سبب مغاير للواقع في الدعوى،
ذلك أنه أقام قضاءه على أن الواقف أراد بإشهاد التغيير الصادر في سنة 1940 أن يغير
في وقفه (الأهلي) مع أن الوارد بذلك الإشهاد الأخير هو أنه أراد "التغيير في
وقفه الأصلي" كما ثبت ذلك من اطلاع المحكمة على سجل إشهاد التغيير بمحضر
الجلسة 22/ 11/ 1958 وهو يجعل التغيير غير منحصر في الجزء الأهلي بل يجعله شاملاً
لإنشاء الوقف الأصلي وشروطه ومصارفه وحلوله محل ما ورد بالحجة الأصلية، ويتحصل
ثانيهما في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق المادة 150 مدني والمادة 280 من
اللائحة الشرعية إذ انحرف في تفسير إشهادي سنة 1909 وسنة 1940 عن عبارتهما الواضحة
وعن اتباع أرجح الأقوال في مذهب أبي حنيفة التي تجعل شرط الواقف كنص الشارع إذ
الظاهر من إشهاد سنة 1940 أن الواقف قسم وقفه إلى وقفين أحدهما خيري على الجمعيات
الخيرية المبينة به والثاني أهلي على من عينهم فه حتى إذا انتهى من بيان ذلك قال
إنه "ألغى ما يخالف ذلك أو ينافيه" ثم قال "إنه يكون المعول عليه
ما دونه في هذا الإشهاد الصادر اليوم" وبهذا يكون الواقف قد أبطل وألغى مصرف
الـ 250 جنيهاً على المدافن والترب وهذا هو ما عناه الواقف وقصد إليه، ومحصل السبب
الثالث تقوم على مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون إذ بني على قياس خاطئ إذ قاس
حكم شرط خاص "وهو مصرف الـ 250 جنيهاً على الترب" على حكم شرط عام هو الصرف
على إصلاح عين الوقف لأن الإصلاح شرط عام مقرر في الفقه بالإجماع وواجب الاتباع
ولو لم يذكره الواقف وذكره يعتبر نافلة أما الصرف على الترب فهو شرط خاص لا يتقرر
إلا بنص من الواقف - ومحصل السبب الرابع يقوم على بطلان الحكم لبنائه على عدة
أسباب أحدهما مغاير للواقع وعلى عدة قرائن مجتمعة لا يعرف أيها كان جوهرياً ثم
تبين فساد بعض هذه القرائن ولا يعرف أثر ذلك في تأسيس الحكم فيكون قد عاره بطلان
جوهري موجب لنقضه.
وحيث إنه لما كان يبين من
الاطلاع على إشهاد الوقف الأصلي الصادر في سنة 1903 أن الواقف أنشأ وقفه هذا
"243 فداناً و22 قيراطاً و16 سهماً" على نفسه مدة حياته ثم من بعده يكون
ذلك وقفاً منقسماً إلى 24 قيراطاً منها 6 قراريط لمن يحدثه الله له من أولاد، 6
قراريط لوالدته، 12 قيراطاً لزوجته مدة حياتهم فإذا انقرضوا كانت 8 قراريط منه
لأشخاص معينين، 12 قيراطاً للعلماء المدرسين بالأزهر وقيراطان لأقارب الواقف
الفقراء وقيراطان للناظر وشرط في كتاب وقفه المذكور شروطاً أكد العمل بها منها أن
يصرف من ريعه 250 جنيهاً ذهباً في وجوه خيرات ومبرات مختلفة على تربته وتربة
والدته ووالده وعمارة مدفن زوجته وفي وجوه خيرات ومبرات على مدفنها حسبما يقتضيه
الوجه الشرعي كل ذلك بالكيفية وعلى الوجه المشروع بكتاب الوقف المشار إليه وجاء
بإشهاد التغيير المحرر في سنة 1909 أن الواقف أخرج والدته من الاستحقاق وضم ما
كانت تستحقه إلى استحقاق زوجته كما أخرج الأشخاص المعينين بالإشهاد الأول وكذا
أقاربه الفقراء من استحقاق الـ 10 قراريط المشار إليها فيه وجعل من وقفه بعد وفاته
ووفاة زوجته 12 قيراطاً للعلماء المدرسين بالجامع الأزهر، 10 قراريط لطلبة العلم
به وقيراطين لمن يكون ناظراً كل ذلك بالكيفية وعلى الوجه المشروح بإشهاد التغيير
المشار إليه وأبطل المشهد وألغى ما يخالف ذلك أو ينافيه مما هو مبين بإشهاد الوقف
المذكور ثم جاء بإشهاد التغيير الأخير المحرر في سنة 1940 وقرر أنه يريد التغيير
في الوقف الأصلي وما حصل فيه بعد ذلك من تغيير. وبموجب هذا الإشهاد الأخير أخرج
السادة العلماء وجعل من وقفه هذا 111 ف و15 ط و20 س على الجمعيات الخيرية
الإسلامية التي عددها أما باقي الأطيان الموقوفة ومقدارها 132 ف و6 ط و20 س فقد
وقفها مناصفة على أشخاص معينين كل ذلك على الوجه المبين بإشهاد التغيير الأخير
وألغى ما يخالف ذلك أو ما ينافيه مما هو مبين في إشهاد سنة 1909. وكان الحكم
المطعون فيه قد أورد في أسبابه "أن الواقف شرط شروطاً أكد العمل بها منها أن
يبدأ الناظر على الوقف (والمتولي) عليه من ريع كامل الوقف بإصلاح عينه وما فيه
البقاء لمنفعته ولو صرف في ذلك جميع غلته ومنها أن يصرف من ريع هذا الوقف بعد وفاة
الواقف ووفاة من ذكرهم في كل سنة هلالية مبلغ 250 جنيهاً في وجوه خيرية
عينها" ثم بين الجهة التي يصرف فيها كل مبلغ إذا تعذر صرفه في مصرفه المحدد
وهذه الشروط لم يعدل عنها في إشهادي التغيير الصادرين في سنة 1909 وسنة 1940 ولا
يمكن أن تشملها عبارته العامة في كلا التغييرين من إبطاله ما خالف ما ورد بإشهادي
التغيير" وكذلك قال الحكم "إن عبارة الواقف في كتاب وقفه الصادر في سنة
1903 قد ورد به أن يبدأ الناظر من ريع كامل الوقف بإصلاح عينه إلخ ثم عين من يصرف
إليه باقي الريع وهم في الكتاب المذكور أولاده ووالدته وزوجته فلما غير في شرط
الوقف بإشهاد سنة 1909 جعل التغيير منحصراً فيمن ذكرهم الوقف وهم مستحقو الريع بعد
ما شرط صرفه للإصلاح والخيرات وكذلك الحال في إشهاد التغيير الحاصل في سنة 1940
الأمر الذي يؤكد أن ما ورد بإشهادي التغيير من إبطال وإلغاء كل ما يخالف ما ورد
بهما لا يمكن أن يمس الشروط التي شرطها وأكد العمل بها وهي التي أمر أن يبدأ
الناظر بالصرف من كل الريع عليها" - فإن هذا الذي قرره الحكم لا مخالفة فيه
للقانون ولا لغرض الواقف لأنه وقد نص في إشهاد وقفه الأصلي على أنه من بعده يكون
وقفاً منقسماً إلى 24 ط وزعها على مستحقيها المبينين بالإشهاد المذكور وشرط في وقفه
هذا شروطاً أكد العمل بها منها أن يبدأ من ريع كامل الوقف بإصلاح عينه وما فيه
البقاء لمنفعته ولو صرف في ذلك جميع غلته ومنها أن يصرف من ريع هذا الوقف 250
جنيهاً في وجوه خيرات على الترب - فقد دل بذلك على أن هذه المصارف تخرج من عموم
الريع مقدمة على الاستحقاق أما التغيير الصادر في سنة 1909 وكذلك التغيير الصادر
في سنة 1940 فقد انصب كل منهما على إنشاء الوقف وأيلولة الاستحقاق لمن عينهم وحصر
الاستحقاق فيهم بمقتضاهما ولم يتناول التغيير شيئاً من هذه المصارف - ومن ثم يكون
النعي بجميع وجوهه على غير أساس ويتعين رفضه.
(1) راجع قاعدة رقم 10 جلسة 8/ 11/ 1961.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق