جلسة 9 من يناير سنة 1959
برياسة السيد مصطفى فاضل
وكيل المحكمة، وبحضور السادة: حسن داود ومحمود عياد، ومصطفى كامل، ومحمد عبد
الرحمن يوسف، وفهيم يسي جندي، ومحمد متولي عتلم، ومحمد عطية إسماعيل، ومحمد
زعفراني سالم، والحسيني العوضي، ومحمد رفعت، وعادل يونس المستشارين.
-------------
(1)
الطلب رقم 11 سنة 25 ق
"تنازع الاختصاص"
(أ) تنازع الاختصاص.
طلب
وقف تنفيذ أحد الحكمين المتناقضين. شرطه أن يكون كل حكم حائز لقوة الشيء المحكوم
فيه. م 19 من قانون نظام القضاء.
(ب) تنازع الاختصاص.
طلب
وقف تنفيذ أحد الحكمين المتناقضين ليس طريقاً من طرق الطعن في هذه الأحكام. ليس
بشرط أن تكون الأحكام المتنازع على تنفيذها صادرة بعد العمل بقانون نظام القضاء.
(جـ) تنازع الاختصاص.
طلب
وقف تنفيذ أحد الحكمين المتناقضين. بحاله. الأولوية في التنفيذ بين الحكمين
المذكورين على أساس قواعد الاختصاص. ليس على أساس ما قد يشوب الأحكام من عيوب لا
تمس ولاية المحكمة في النزاع المقدم لها.
(د) تنازع الاختصاص.
قيام
اختصاص المجلس الملي على اتحاد ملة طرفي الخصومة فحسب. تغيير الديانة. إشهار
المدعي الإسلام. اعتباره مسلماً من تاريخ الإشهاد. خضوعه في أحواله الشخصية للشريعة
الإسلامية وحدها. الحكم الصادر من المحكمة الشرعية بالكف عن مطالبته بالنفقة من
تاريخ إسلامه لوقوع الطلاق. صادر من جهة ذات ولاية.
----------------
1 - نص المادة 19 من
قانون نظام القضاء يدل بصريح عبارته وإطلاقها أن الشارع قصد إلى معالجة التناقض
الذي يكون قائماً بين حكمين نهائيين ولم يشترط أن يكون الحكم صادراً من محكمة
الدرجة الثانية أو من محكمة من محاكم الدرجة الأولى غير قابل للاستئناف - بل يكفي
كما تدل على ذلك حكمة التشريع ومن جعل اختصاص المحكمة الفصل في أي الحكمين أولى
بالتنفيذ أن يكون كل حكم حائزاً لقوة الشيء المحكوم فيه - وهذا لا يعني أكثر من أن
يكون الحكم في مرحلة أصبح فيها التنفيذ واجباً وجوباً نهائياً. وتتوافر له هذه
الصفة متى أصبح الحكم غير قابل للطعن فيه بالطرق العادية وهي المعارضة والاستئناف.
2 - طلب الفصل في تنازع
الاختصاص عند تعارض حكمين نهائيين ليس طريقاً من طرق الطعن في هذه الأحكام فلا
يشترط أن تكون الأحكام المتنازع على تنفيذها صادرة بعد العمل بقانون نظام القضاء.
3 - الجمعية العمومية
لمحكمة النقض وهي في مجال الفصل في تنازع الاختصاص عند تعارض حكمين نهائيين - إنما
تفاضل في التنفيذ بين الحكمين المذكورين على أساس قواعد الاختصاص وليس على أساس ما
قد يشوب الأحكام من عيوب لا تمس ولاية المحكمة في النزاع المقدم لها.
4 - إذا كان الطرفان -
الطالبة والمدعى عليه - ينتميان وقت الزواج الذي تم أمام الكنيسة القبطية
الأرثوذكسية - إلى تلك الطائفة، وكان المجلس الملي لطائفة الأقباط الأرثوذكس هو
المختص حينذاك بالفصل في دعوى الفصل والنفقة - إلا أنه لا يسوغ القول بأنه متى كان
الزواج قد تم أمام الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فإن المجلس يبقى مختصاً بالفصل في
آثار الزواج مهما اختلفت ديانة الزوجين بعد العقد. ذلك لأن الأمر الصادر بإنشاء
هذا المجلس إنما أقام اختصاصه على اتحاد ملة طرفي الخصومة فحسب ولم يجعل لجهة
تحرير عقد الزواج شأناً في الأمر، وإذن فمتى كان الثابت أن المدعى عليه أصبح بعد
إشهار إسلامه - مسلماً - فإن الشريعة الإسلامية وحدها دون غيرها - من وقت حصول هذا
التغيير - هي التي تحكم حالته الشخصية فلا يجوز إخضاعه في أحواله الشخصية التي
طرأت بعد الزواج للمجلس الملي وهو مجلس طائفي محدود الولاية لا يستطيع أن يحكم
بغير القواعد التي وضعت لأبناء طائفته من الأقباط الأرثوذكس إذ في هذا إهدار غير
جائز لحقوق موضوعية ومخالفة للنظام العام. ولا محل للقول بأن المدعى عليه لا يصح
اعتباره مسلماً بعد ارتداده وأنه لا يزال على دينه وأنه إنما أظهر اعتناقه للإسلام
تهرباً من اختصاص المجلس الملي أو احتيالاً للكيد للمدعية بعد ما أثبتت المحكمة
الشرعية أن إسلام المدعى عليه أصبح ثابتاً رسمياً من تاريخ الإشهار بإشهار إسلامه وأنه
أوقع الطلاق فعلاً، ومن ثم فإن الحكم الصادر من المحكمة الشرعية بالكف عن مطالبته
بالنفقة من تاريخ إسلامه تأسيساً على وقوع الطلاق يكون قد صدر من جهة ذات ولاية.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق
وسماع تقرير السيد المستشار المقرر وبعد المرافعة والمداولة.
من حيث إن الوقائع -
حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه في 15 من سبتمبر سنة 1946 تزوجت الطالبة
(.......) من المدعى عليه أمام الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وكانا متحدي الملة
والمذهب "قبطيين أرثوذكسيين" وفي 19 من ديسمبر سنة 1946 رفع المدعى عليه
الدعوى رقم 685 سنة 1946 مجلس ملي فرعي القاهرة لطائفة الأقباط الأرثوذكس - طالباً
الفصل بينهما - وأقمت المدعية بدورها ضده وبطريق فرعي دعوى نفقة فقضي بتاريخ 20 من
ديسمبر سنة 1946 برفض طلب الفصل، وبإلزام المدعى عليه بنفقة لها قدرها جنيهان
اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1946 - فاستأنف المدعى عليه الحكم - كما استأنفته
المدعية بطلب زيادة نفقة - وقيد الاستئناف برقم 34 سنة 1947 المجلس الملي العام
للأقباط الأرثوذكس - فقضي بتاريخ 13 من إبريل سنة 1948 برفض الاستئنافين وتأييد
الحكم المستأنف بشقيه - وأثناء سير الاستئناف أمام المجلس الملي - وفي 24 من أغسطس
سنة 1947 أشهد المدعى عليه - على نفسه - أنه طلق زوجته ثم أقام الدعوى رقم 1875
سنة 46 - 47 الوايلي الشرعية طالباً الحكم بكف يد الطالبة عما تقرر لها من نفقة من
المجلس الملي- فقضي فيها بعدم الاختصاص - واستؤنف هذا الحكم فتأيد من المحكمة
العليا الشرعية بتاريخ 22 من فبراير سنة 1948 في الدعوى رقم 207 سنة 1948 - وفي 20
من إبريل سنة 1948 أشهر المدعى عليه إسلامه - وعاد إلى النزاع مرة أخرى ورفع
الدعوى رقم 1341 سنة 1948 محكمة الوايلي الشرعية - ضد الطالبة - يطلب الحكم عليها
بالكف عن مطالبته بشيء من النفقة المقررة لها بموجب حكم المجلس الملي - فقضي له في
28/ 10/ 1948 بذلك اعتباراً من 20 من إبريل سنة 1948 - فاستأنفت الطالبة هذا الحكم
- وقضي في الاستئناف برفضه وتأييد الحكم المستأنف وذلك في الدعوى رقم 3710 سنة
1948 القاهرة الشرعية - ثم غير المدعى عليه مذهبه - ولجأ إلى طائفة الروم
الأرثوذكس - وأقام أمام محكمتها الكنسية دعوى الطلاق رقم 38 لسنة 1954 - فدفعت
الطالبة بعدم الاختصاص وقضي حضورياً برفض الدفع وبتطليق المدعى عليه من زوجته
الطالبة - بعد ذلك وفي 15 من نوفمبر سنة 1955 قدمت الطالبة لرئيس محكمة النقض
الطلب الحالي طالبة - عرض الموضوع على الجمعية العمومية بمحكمة النقض - لتقضي فيه
باعتبار أن الحكم الواجب التنفيذ هو حكم المجلس الملي الفرعي للأقباط الأرثوذكس
الصادر في القضية رقم 685 سنة 1946 - والمؤيد من المجلس الملي العام في الاستئناف
رقم 34 سنة 1947 دون حكم المحكمة الكنسية للروم الأرثوذكس الصادر في 8 من يوليو
سنة 1955 في القضية رقم 38 لسنة 1954 وعدم الاعتداد بالحكم الشرعي الصادر في
الاستئناف رقم 3710 سنة 1948 من المحكمة العليا الشرعية (وصحتها المحكمة
الابتدائية الشرعية).
وحيث إن الطالبة استندت
إلى أنها والمدعى عليه قبطيان أرثوذكسيان وتزوجا على موجب شريعتهما القبطية
الأرثوذكسية - وأن الشريعة المسيحية على اختلاف مذاهبها لا تعرف الطلاق المؤدي إلى
حل عقدة الزواج بوصفه حقاً لأحد الزوجين يوقعه بإرادته المنفردة - فالإشهاد الشرعي
بتطليقها لا قيمة له قانوناً - ويظل المجلس الملي مختصاً بنظر دعوى الطلاق بينهما
رغماً من إشهار المدعى عليه إسلامه في 20 من إبريل سنة 1948 لأنه ليس من شأنه
تغيير الدين اللاحق على هذا الزواج أن يغير من جهة الاختصاص - ولم يكن إسلام
المدعى عليه من عناصر القضاء في الدعوى رقم 1341 سنة 1948 الوايلي الشرعية - هذا
فضلاً عن أن المدعى عليه لم يسلم إلا بقصد الهرب من أحكام العقد الأصلي فلا يصح أن
يعتد بإسلامه - وهو بتقدمه للمحكمة الكنسية للروم الكاثوليك بطلب التطليق وانتمائه
لهذه الطائفة إنما يسجل على نفسه - أنه غير جاد في إسلامه وليست تلك المحكمة جهة
اختصاص فيما عرض وقضت فيه.
وحيث إن المدعى عليه دفع
بعدم قبول الطلب شكلاً - وفي بيان ذلك يقول عن الحكم رقم 38 لسنة 1954 الصادر من
المحكمة الكنيسية للروم الكاثوليك إنه لم يصدر من محكمة ثاني درجة بل صدر من محكمة
أول درجة قابلاً للاستئناف - وقد أصبح نهائياً لمجرد مضي مواعيد الطعن - فلا يجوز
الطعن فيه أمام محكمة النقض منعقدة بهيئة جمعية عمومية - أما عن الحكم الشرعي رقم
3710 سنة 1948 شرعي القاهرة الابتدائية - فقد صدر بتاريخ 30 من يناير سنة 1949 أي
قبل صدور القانون رقم 400 لسنة 1953 واستنفذت طرق الطعن فيه ولم يكن وقت صدوره خاضعاً
لرقابة محكمة النقض المدنية وفقاً لقانون المرافعات ولا محكمة التنازع طبقاً
لقانون نظام القضاء - أما عن الموضوع فيقول إنه يشترط لوجود التناقض اتخاذ الخصوم
والموضوع والسبب - وقد كان موضوع الدعوى التي رفعت أمام المجلس الملي فسخ الزواج
بسبب الغش - أما موضوع الحكم الصادر من المحكمة الكنسية فكان التطليق بسبب تزعزع
الحياة الزوجية وعدم إمكان العودة إليها لسبق الطلاق بالإشهار الشرعي - طلاقاً
مكملاً لثلاث وبهذا اختلف الحكمان موضوعاً وسبباً - وقد نفذ المدعى عليه حكم
المحكمة الكنسية بزواجه من أخرى في فبراير سنة 1956 وأقرت بطريركية الأقباط
الأرثوذكس هذا الحكم بإعطائه تصريحاً بالزواج ولم يجد الموثق المنتدب من تلك
الطائفة مانعاً شرعياً يحول دون توثيق العقد الجديد - ولم يكن حكم المحكمة الكنسية
بالانفصال إلا إقراراً بالأمر الواقع وإثبات حالة كانت قائمة فعلاً قبل صدوره -
فمثل هذا الحكم لم يحرم الطالبة من حق كان لها ولم يفرض عليها التزاماً كانت غير
مقيدة به - فحالتها قبل هذا الحكم وبعده سواء فلا يسوغ إذن اعتراضها عليه - هذا
إلى أن المدعى عليه لم يعد منذ 20 من إبريل سنة 1948 من أفراد طائفة الأقباط
الأرثوذكس - وقد وقع الطلاق منه - قبل إسلامه - أمام القاضي وبعده أمام محكمة
الوايلي الشرعية - ومحكمة مصر الابتدائية الشرعية - إذ استعمل في مواجهة الطالبة -
ما يدل عليه عبارة ولفظاً - وأضاف المدعى عليه إلى أن تغيير الدين في نظر شريعة الأقباط
الأرثوذكس - يعتبر سبباً لفسخ عقد الزواج وما دام أنه قضى فعلاً بالطلاق من
المحكمة ذات الولاية العامة - وانحلت عقدة الزواج فلا يمكن القول بأن هذا العقد
يعود من جديد للانعقاد من ذات نفسه لمجرد ارتداد المدعى عليه إلى المسيحية - إذ أن
الشريعة لا تعترف بالردة، وإنما تجري في حق المرتد أحكام هذه الشريعة - وانتهى
المدعى عليه إلى طلب الحكم أولاً وبصفة أصلية - بعدم اختصاص المحكمة بنظر الطلب
(وثانياً) - وبصفة احتياطية وفي الموضوع برفضه.
وحيث إن النيابة العامة
طلبت الحكم برفض الدفع بعدم القبول - وفي الموضوع برفض الطلب - وأسست قولها على أن
المادة (19) من قانون نظام القضاء لم تشترط لاختصاص الجمعية العمومية لمحكمة النقض
سوى أن يكون كل حكم من الحكمين المتنازع فيهما حائزاً لقوة الشيء المحكوم فيه
وتتوفر له هذه الصفة إذا كان غير قابل للطعن فيه بطرق الطعن العادية - وهي المعارضة
والاستئناف - كما لم تشترط أن تكون الأحكام المتنازع على تنفيذها صادرة بعد العمل
بقانون نظام القضاء - أما عن الموضوع فقالت إن التناقض موجود بين الحكم الملي رقم
685 سنة 1946 المؤيد بالحكم رقم 34 سنة 1947 وبين حكم المحكمة الكنسية رقم 38 سنة
1954 الروم الأرثوذكس - إذ قضى أولهما برفض طلب الفصل وقضى ثانيهما بالتطليق -
وإذا تنازعا في أولوية التنفيذ فإنما تكون لأولهما - ذلك لأن طرفي النزاع أمام
المحكمة الكنسية كانا من مذهبين مختلفين فقد كان المدعي فيهما منتمياً لطائفة
الروم الأرثوذكس والمدعى عليها لطائفة الأقباط الأرثوذكس - وفي هذه الحالة لا تكون
للمحكمة الكنسية ولاية الفصل في النزاع القائم بينهما وإنما يكون للمحكمة الشرعية
دون غيرها ويعتبر حكمها كأن لم يكن - أما فيما يتعلق بالحكم الشرعي رقم 1341 سنة
1948 الوايلي الشرعية المؤيد استئنافياً برقم 3710 سنة 1948 محكمة القاهرة
الابتدائية الشرعية فواضح أنه يعارض الحكم الملي من حيث يقضي الأخير برفض الفصل
وتقدير النفقة - وقضى الحكم الشرعي بالكف عن المطالبة بالنفقة تأسيساً على وقوع
الطلاق - وهذا الحكم الأخير قد صدر بين مصريين مختلفي الدين إذ كان المدعي في تلك
الدعوى (المدعى عليه هنا) مسلماً منذ 20 من إبريل سنة 1948 والمدعى عليها فيها
قبطية أرثوذكسية مما يجعل ولاية الفصل في الدعوى للمحكمة الشرعية دون غيرها - فعند
المفاضلة بين هذين الحكمين تكون أولوية التنفيذ للحكم الشرعي - وأن ما تثيره
الطالبة بشأن عودة المدعى عليه إلى دينه المسيحي لا يصح قبوله منها ما دام أن
الثابت من الأوراق أنه غير دينه على وجه رسمي ولم تجحد الطالبة ذلك الدليل -
وانتهت إلى القول بأن إعمال هذا الرأي يتضمن بطريق اللزوم اعتبار طلب المفاضلة بين
الحكم الملي والحكم الكنسي الصادر من بطريركية الروم الأرثوذكس في الدعوى رقم 38
لسنة 1954 طلباً غير ذي موضوع إذ سبق للمحكمة الشرعية القضاء بوقوع الطلاق حينذاك
- قضاء حاز حجة الأمر المقضي.
وحيث إن الدفع بعدم قبول
الطلب شكلاً مردود بشقيه بأن الشارع إذ نص في المادة 19 من قانون نظام القضاء
المعدلة بالمادة الأولى من القانون رقم 400 لسنة 1953 على أن "تختص هذه
المحكمة كذلك بالفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر
أحدهما من إحدى المحاكم والآخر من محكمة القضاء الإداري أو إحدى محاكم الأحوال
الشخصية أو المجالس الملية - أو صادر كل منهما من إحدى محاكم الأحوال الشخصية أو
المجالس الملية" فقد دل بصريح عبارتها إطلاقها - أنه قصد إلى معالجة التناقض
الذي يكون قائماً بين حكمين نهائيين - ولم يشترط أن يكون الحكم صادراً من محكمة
الدرجة الثانية - أو من محكمة من محاكم الدرجة الأولى غير قابل للاستئناف - بل
يكفي - كما تدل على ذلك حكمة التشريع ومن جعل اختصاص المحكمة الفصل في أي الحكمين
أولى بالتنفيذ - أن يكون كل حكم حائزاً لقوة الشيء المحكوم فيه - وهذا لا يعني
أكثر من أن يكون الحكم في مرحلة أصبح فيها التنفيذ واجباً وجوباً نهائياً -
وتتوافر له هذه الصفة متى أصبح الحكم غير قابل للطعن فيه بالطرق العادية وهي
المعارضة والاستئناف - وهذا الطلب ليس طريقاً من طرق الطعن في هذه الأحكام حتى يصح
القول بعدم سريانه على الأحكام الصادرة قبل العمل به أما النص في القانون رقم 400
لسنة 1953 على أنه يعمل به من تاريخ نشره فإنه تأكيد لاختصاص المحكمة بالفصل فيما
يكون قائماً يوم نشر القانون من منازعات في تنفيذ الأحكام المشار إليها - متى كان
التناقض قائماً ولا يجوز الخلط بين ولاية هذه الهيئة واختصاص محكمة النقض بنظر
الطعون المقدمة لها تطبيقاً للمادة 426 من قانون المرافعات - فإن لكل حالة ضوابطها
وظروفها.
ومن حيث إنه عن موضوع
الطلب فإنه يبين من الحكم الصادر في 20 من ديسمبر سنة 1946 في الدعوى رقم 685 سنة
1946 مجلس ملي فرعي القاهرة - المؤيد استئنافياً برقم 34 سنة 1947 أنه قضى برفض
طلب الفصل وتقدير نفقة تأسيساً على بقاء رابطة الزوجية وقيامها - كما يبين من الحكم
الصادر في القضية رقم 1341 سنة 1948 الوايلي الشرعية والمؤيد استئنافياً برقم 3710
سنة 1948 محكمة القاهرة الشرعية - أنه قضى بالكف عن النفقة تأسيساً على وقوع
الطلاق - فالتعارض بين الحكمين قائم.
وحيث وإن كان الطرفان
الطالبة والمدعى عليه - ينتميان وقت الزواج الذي تم أمام الكنيسة القبطية
الأرثوذكسية - إلى تلك الطائفة وكان المجلس الملي لطائفة الأقباط الأرثوذكس هو
المختص حينذاك بالفصل في دعوى الفصل والنفقة - إلا أنه لا يسوغ القول - بأنه متى
كان الزواج قد تم أمام الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فإن المجلس يبقى مختصاً بالفصل
في آثار الزواج مهما اختلفت ديانة الزوجين بعد العقد - ذلك لأن الأمر الصادر
بإنشاء هذا المجلس إنما قام اختصاصه على اتحاد ملة طرفي الخصومة - فحسب ولم يجعل
لجهة تحرير عقد الزواج شأناً في الأمر - فما دام أن الثابت أن المدعى عليه أصبح -
بعد إشهار إسلامه - مسلماً - فإن الشريعة الإسلامية وحدها دون غيرها - من وقت حصول
هذا التغيير - هي التي تحكم حالته الشخصية - فلا يجوز إخضاعه في أحواله الشخصية -
التي طرأت بعد الزواج للمجلس الملي وهو مجلس طائفي محدود الولاية لا يستطيع أن
يحكم بغير القواعد - التي وضعت لأبناء طائفته من الأقباط الأرثوذكس - إذ في هذا
إهدار غير جائز لحقوق موضوعية ومخالفة للنظام العام - ولا محل للقول بأن المدعى
عليه لا يصح اعتباره مسلماً بعد ارتداده وأنه لا يزال على دينه وأنه إنما أظهر
اعتناقه للإسلام تهرباً من اختصاص المجلس الملي أو احتيالاً للكيد للمدعية لا محل
للقول بذلك بعد ما أثبتت المحكمة الشرعية أن إسلام المدعى عليه أصبح ثابتاً رسمياً
من تاريخ الإشهاد بإشهار إسلامه وأنه أوقع الطلاق فعلاً - ورتبت أثر الشرع
الإسلامي على ذلك - ومهما يكن من خطأ في مبنى الحكم في تلك الدعوى - فإن الجمعية
العمومية لمحكمة النقض وهي في مجال الفصل في تنازع الاختصاص عند تعارض حكمين
نهائيين - إنما تفاضل في التنفيذ بين الحكمين المذكورين على أساس قواعد الاختصاص
وليس على أساس ما قد يشوب الأحكام من عيوب لا تمس ولاية المحكمة في الفصل في
النزاع المقدم لها - لما كان ذلك وكان الثابت - من ناحية أخرى أن كنيسة الأقباط
الأرثوذكس قد صرحت للمدعى عليه - بعد صدور هذا الحكم - بالزواج وقد تم الزواج
فعلاً من أخرى - فإنها تكون قد أقرت صحة الطلاق الذي وقع من المدعى عليه - فإن
الحكم الصادر من المحكمة الشرعية بالكف عن مطالبته بالنفقة من تاريخ إسلام المدعى
عليه تأسيساً على وقوع الطلاق يكون قد صدر من جهة ذات ولاية ويتعين رفض طلب وقف
تنفيذه - وإعمال هذا الرأي يقتضي بطريق اللزوم اعتبار طلب المفاضلة بين الحكم
الملي وحكم بطريركية الروم الأرثوذكس في القضية رقم 38 لسنة 1954 الصادر في 8/ 7/
1955 طلباً غير ذي موضوع.
وحيث إنه لما تقدم يكون
الطلب على غير أساس ويتعين رفضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق