مجلة المحاماة – العدد الرابع
السنة الأولى - أول أكتوبر سنة 1920
ما هو أصل الوقف
ولأي داعٍ أخرج عن اختصاص المحاكم الأهلية
تخرج عن اختصاص المحاكم الأهلية المسائل المذكورة بالمادة السادسة عشرة من لائحة ترتيبها.
ومن ضمن هذه المسائل ما يتعلق بأصل الوقف - فما هو أصل الوقف؟
من جهة اللغة
إن أصل الشيء هو أساسه ووجوده وإن ما عدا الأصل هو فروع الشيء تتفرع من الأصل.
من جهة القانون
إن أصل الوقف هو عبارة عن الأركان الجوهرية التي يُبنَى عليها إنشاء الوقف وتكوينه أو بعبارة أخرى هو كل ما يكون أركان وجوده وشرائط صحته وما عدا ذلك من مسائل الوقف فهو فروع عن وجود الأصل، لذلك أجمع الفقهاء على أن الوقف يمكن أن يكون له وجود بدون الشرائط وأما الشرائط فلا يمكن أن يكون لها وجود إلا إذا ثبت وجود أصل الوقف.
ولقد رأى الشارع أن الحكم في أصل الوقف يحتاج إلى معلومات شرعية خاصة ومراجعات طويلة في كتب الشرع والقياس على فتاوى فقهائه.
فالقاضي الشرعي هو الذي يستطيع أن يعرف إذا كانت الصيغة التي استعملها المنشئ في إنشاء وقفه تدخل في الألفاظ الخاصة التي ينعقد بها الوقف وهو الذي يستطيع بعد مراجعة كتب الفقهاء وتحكيم سوابق الشرع هل هذه الصيغة مقترنة أو غير مقترنة بما لا يجعل الوقف ينعقد.
والقاضي الشرعي هو الذي يعرف أن يحكم في أهلية الواقف الخاصة، وهو الذي يعرف إذ كان المال الموقوف يصح وقفه شرعًا أو لا يصح كل ذلك تطبيقًا لقواعد الشرع.
فالنظر إذن في أصل الوقف يحتاج إلى قضاة درسوا دراسة شرعية مكينة، وهذا الأمر لا يتوفر وجوده دائمًا لدى القضاة الأهليين لذلك استثنى الشارع أصل الوقف من اختصاصهم.
ويظهر مراد الشارع بوضوح تام:
أولاً: بما جاء في النص الموجود في النسخة الفرنسية من لائحة ترتيب المحاكم وهو ينطق بأن المراد من أصل الوقف إنما هو صحة أركانه وانعقاده.
ثانيًا: بما جاء في المادة (15) من لائحة المحاكم الشرعية الصادر بها الأمر العالي المؤرخ 17 يونيه سنة 1880 فإن هذه المادة عند كلامها على كيفية قسمة الاستحقاق والعمل بشروط الوقف فرقت بين أصل الوقف من جهة وبين الاستحقاق والشروط من جهة أخرى فجاء فيها ما نصه:
(إذا حصل تنازع في استحقاق وقف بين مستحقيه وكان أصل الوقف ثابتًا لا نزاع فيه وكان لهذا الوقف كتاب مسجل).
فاللائحة الشرعية التي كان العمل جاريًا عليها وقت وضع لائحة المحاكم الأهلية عبر فيها الشارع عن أصل الوقف بشيء غير الشروط والاستحقاق.
ثالثًا: أحكام الشريعة الإسلامية في تعريف أصل الوقف فقد جاء في المادة (567) من قانون العدل والإنصاف للمرحوم قدري باشا:
(إن كل ما تعلقت به صحة الوقف من شرائط المالك ونحوها يتوقف عليه صحة العقد فهو من أصله).
وجاء في كتاب محمد بك زيد في الوقف صحيفة (135):
(وأصل الوقف هو كل ما توقفت عليه صحته فإذا شهد اثنان بأن هذه الأرض وقف ولكنهما قالا لم نعاين ذلك بل اشتهر عندنا أو سمعنا من الناس قبلت شهادتهما على الراجح وحكم بوقفيتها ولو شهدا بالتسامع على شرائط الوقف التي يشترطها الواقف في الوقفية من تخصيص الغلة وكيفية صرفها لم تقبل هذه الشهادة).
وجاء في نفس هذا المؤلف صحيفة (11):
(لو كان الشرط غير مؤثر على أصل الوقف ولا على المنفعة كما إذا اشترط أنه يبدأ من ريع الوقف بقضاء دينه صح كل من الوقف والشرط اتفاقًا).
وجاء في صحيفة (193) من مؤلف في الوقف للشيخ عبد الجليل عبد الرحمن عشوب:
(أصل الوقف عند الفقهاء كل ما تتوقف عليه صحته من شروط في الصيغة أو في الواقف أو الموقوف أو الجهة الموقوف عليها، والمراد بشرائط الوقف ما عدا ذلك من كل ما يشتمل عليه كتاب الوقف من الشروط التي يشترطها الواقف في الولاية على وقفه أو صرف غلتها).
وجاء في الجزء الثالث صحيفة (415) الطبعة الثالثة من (رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين):
(كل ما يتعلق بصحة الوقف ويتوقف عليه فهو من أصله وما لا يتوقف عليه فهو من الشرائط).
وفي الفتاوى الهندية الجزء الثاني صحيفة (345):
(الشهادة على الوقف بالشهرة تجوز وعلى شرائطه لا، ومعنى قول المشائخ لا تقبل الشهادة على شرائطه أنه بعد ما بينوا الجهة وقالوا هذا وقف على كذا لا ينبغي لهم أن يشهدوا أنه يبدأ من غلته فيصرف إلى كذا ثم إلى كذا ولو ذكروا ذلك لا تقبل شهادتهم).
فيؤخذ من هذا أن الشرط شيء وأصل الوقف شيء آخر.
رابعًا: قضاء المحاكم في هذا الصدد:
( أ ) جاء في حكم استئنافي صادر في 6 مارس سنة 94 منشور بمجموعة الحقوق السنة التاسعة صحيفة (62) ما يأتي: (نص المادة (16) إنما يقصد به منع المحاكم الأهلية من نظر المنازعات التي يتراءى لها أنها تمس أصل الوقف لا منعها من نظر المسائل الحسابية والاستحقاق وكل ما كان منصوصًا عنه بعبارة صريحة في كتاب الوقف).
(ب) وجاء في حكم استئنافي صادر في 20 يناير سنة 98 منشور بالحقوق سنة 12 صـ 49 (قرر علماء الحنفية أن كل ما يتعلق بصحة الوقف ويتوقف عليه فهو من أصله كأهلية الواقف للتبرع ونحوها وما لا يكون كذلك فليس منه كمسائل اشتراط النظر والتغيير والتبديل والإخراج والإدخال وغيرها من الشرائط التي يشترطها الواقف في كتاب وقفه وتختص المحاكم الأهلية بنظر المنازعات الواقعة فيه).
(جـ) وجاء في حكم استئنافي صادر في 22 فبراير سنة 1906 (تختص المحاكم الأهلية بالمنازعات الخاصة بالأوقاف ولا يستثنى من ذلك سوى ما كان فيها خاصًا بأصل الوقف والمراد بأصل الوقف الأركان الجوهرية التي ينبني عليها إنشاء الوقف وتكوينه، وبعبارة أخرى أن كل ما يتوقف عليه الوقف فهو من أصله وما لا يتوقف عليه فهو من الشرائط).
(د) وجاء في حكم استئنافي صادر في 12 يونيه سنة 1915 (أن ما جاء المادة (16) من إخراج المنازعات المتعلقة بأصل الوقف من اختصاص المحاكم الأهلية العام إنما يقصد به المسائل التي لها مساس بأصل وجود الوقف ذاته وعليه فمتى لم يكن النزاع متعلقًا بأصل أو صحة الوقف فكافة المنازعات التي تقع على أي شرط من شروطه التي لا يكون لوجودها أو عدم وجودها تأثير على الوقف نفسه بل مجرد تغيير في كيفيته إنما هي من اختصاص المحاكم الأهلية العام الاعتيادي).
ومما يجب ملاحظته أنه لا يمكن الرجوع إلى أحكام المحاكم المختلطة لأن لائحتها خالية من هذا التخصيص الموجود في لائحة ترتيب المحاكم الأهلية.
السنة الأولى - أول أكتوبر سنة 1920
ما هو أصل الوقف
ولأي داعٍ أخرج عن اختصاص المحاكم الأهلية
تخرج عن اختصاص المحاكم الأهلية المسائل المذكورة بالمادة السادسة عشرة من لائحة ترتيبها.
ومن ضمن هذه المسائل ما يتعلق بأصل الوقف - فما هو أصل الوقف؟
من جهة اللغة
إن أصل الشيء هو أساسه ووجوده وإن ما عدا الأصل هو فروع الشيء تتفرع من الأصل.
من جهة القانون
إن أصل الوقف هو عبارة عن الأركان الجوهرية التي يُبنَى عليها إنشاء الوقف وتكوينه أو بعبارة أخرى هو كل ما يكون أركان وجوده وشرائط صحته وما عدا ذلك من مسائل الوقف فهو فروع عن وجود الأصل، لذلك أجمع الفقهاء على أن الوقف يمكن أن يكون له وجود بدون الشرائط وأما الشرائط فلا يمكن أن يكون لها وجود إلا إذا ثبت وجود أصل الوقف.
ولقد رأى الشارع أن الحكم في أصل الوقف يحتاج إلى معلومات شرعية خاصة ومراجعات طويلة في كتب الشرع والقياس على فتاوى فقهائه.
فالقاضي الشرعي هو الذي يستطيع أن يعرف إذا كانت الصيغة التي استعملها المنشئ في إنشاء وقفه تدخل في الألفاظ الخاصة التي ينعقد بها الوقف وهو الذي يستطيع بعد مراجعة كتب الفقهاء وتحكيم سوابق الشرع هل هذه الصيغة مقترنة أو غير مقترنة بما لا يجعل الوقف ينعقد.
والقاضي الشرعي هو الذي يعرف أن يحكم في أهلية الواقف الخاصة، وهو الذي يعرف إذ كان المال الموقوف يصح وقفه شرعًا أو لا يصح كل ذلك تطبيقًا لقواعد الشرع.
فالنظر إذن في أصل الوقف يحتاج إلى قضاة درسوا دراسة شرعية مكينة، وهذا الأمر لا يتوفر وجوده دائمًا لدى القضاة الأهليين لذلك استثنى الشارع أصل الوقف من اختصاصهم.
ويظهر مراد الشارع بوضوح تام:
أولاً: بما جاء في النص الموجود في النسخة الفرنسية من لائحة ترتيب المحاكم وهو ينطق بأن المراد من أصل الوقف إنما هو صحة أركانه وانعقاده.
ثانيًا: بما جاء في المادة (15) من لائحة المحاكم الشرعية الصادر بها الأمر العالي المؤرخ 17 يونيه سنة 1880 فإن هذه المادة عند كلامها على كيفية قسمة الاستحقاق والعمل بشروط الوقف فرقت بين أصل الوقف من جهة وبين الاستحقاق والشروط من جهة أخرى فجاء فيها ما نصه:
(إذا حصل تنازع في استحقاق وقف بين مستحقيه وكان أصل الوقف ثابتًا لا نزاع فيه وكان لهذا الوقف كتاب مسجل).
فاللائحة الشرعية التي كان العمل جاريًا عليها وقت وضع لائحة المحاكم الأهلية عبر فيها الشارع عن أصل الوقف بشيء غير الشروط والاستحقاق.
ثالثًا: أحكام الشريعة الإسلامية في تعريف أصل الوقف فقد جاء في المادة (567) من قانون العدل والإنصاف للمرحوم قدري باشا:
(إن كل ما تعلقت به صحة الوقف من شرائط المالك ونحوها يتوقف عليه صحة العقد فهو من أصله).
وجاء في كتاب محمد بك زيد في الوقف صحيفة (135):
(وأصل الوقف هو كل ما توقفت عليه صحته فإذا شهد اثنان بأن هذه الأرض وقف ولكنهما قالا لم نعاين ذلك بل اشتهر عندنا أو سمعنا من الناس قبلت شهادتهما على الراجح وحكم بوقفيتها ولو شهدا بالتسامع على شرائط الوقف التي يشترطها الواقف في الوقفية من تخصيص الغلة وكيفية صرفها لم تقبل هذه الشهادة).
وجاء في نفس هذا المؤلف صحيفة (11):
(لو كان الشرط غير مؤثر على أصل الوقف ولا على المنفعة كما إذا اشترط أنه يبدأ من ريع الوقف بقضاء دينه صح كل من الوقف والشرط اتفاقًا).
وجاء في صحيفة (193) من مؤلف في الوقف للشيخ عبد الجليل عبد الرحمن عشوب:
(أصل الوقف عند الفقهاء كل ما تتوقف عليه صحته من شروط في الصيغة أو في الواقف أو الموقوف أو الجهة الموقوف عليها، والمراد بشرائط الوقف ما عدا ذلك من كل ما يشتمل عليه كتاب الوقف من الشروط التي يشترطها الواقف في الولاية على وقفه أو صرف غلتها).
وجاء في الجزء الثالث صحيفة (415) الطبعة الثالثة من (رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين):
(كل ما يتعلق بصحة الوقف ويتوقف عليه فهو من أصله وما لا يتوقف عليه فهو من الشرائط).
وفي الفتاوى الهندية الجزء الثاني صحيفة (345):
(الشهادة على الوقف بالشهرة تجوز وعلى شرائطه لا، ومعنى قول المشائخ لا تقبل الشهادة على شرائطه أنه بعد ما بينوا الجهة وقالوا هذا وقف على كذا لا ينبغي لهم أن يشهدوا أنه يبدأ من غلته فيصرف إلى كذا ثم إلى كذا ولو ذكروا ذلك لا تقبل شهادتهم).
فيؤخذ من هذا أن الشرط شيء وأصل الوقف شيء آخر.
رابعًا: قضاء المحاكم في هذا الصدد:
( أ ) جاء في حكم استئنافي صادر في 6 مارس سنة 94 منشور بمجموعة الحقوق السنة التاسعة صحيفة (62) ما يأتي: (نص المادة (16) إنما يقصد به منع المحاكم الأهلية من نظر المنازعات التي يتراءى لها أنها تمس أصل الوقف لا منعها من نظر المسائل الحسابية والاستحقاق وكل ما كان منصوصًا عنه بعبارة صريحة في كتاب الوقف).
(ب) وجاء في حكم استئنافي صادر في 20 يناير سنة 98 منشور بالحقوق سنة 12 صـ 49 (قرر علماء الحنفية أن كل ما يتعلق بصحة الوقف ويتوقف عليه فهو من أصله كأهلية الواقف للتبرع ونحوها وما لا يكون كذلك فليس منه كمسائل اشتراط النظر والتغيير والتبديل والإخراج والإدخال وغيرها من الشرائط التي يشترطها الواقف في كتاب وقفه وتختص المحاكم الأهلية بنظر المنازعات الواقعة فيه).
(جـ) وجاء في حكم استئنافي صادر في 22 فبراير سنة 1906 (تختص المحاكم الأهلية بالمنازعات الخاصة بالأوقاف ولا يستثنى من ذلك سوى ما كان فيها خاصًا بأصل الوقف والمراد بأصل الوقف الأركان الجوهرية التي ينبني عليها إنشاء الوقف وتكوينه، وبعبارة أخرى أن كل ما يتوقف عليه الوقف فهو من أصله وما لا يتوقف عليه فهو من الشرائط).
(د) وجاء في حكم استئنافي صادر في 12 يونيه سنة 1915 (أن ما جاء المادة (16) من إخراج المنازعات المتعلقة بأصل الوقف من اختصاص المحاكم الأهلية العام إنما يقصد به المسائل التي لها مساس بأصل وجود الوقف ذاته وعليه فمتى لم يكن النزاع متعلقًا بأصل أو صحة الوقف فكافة المنازعات التي تقع على أي شرط من شروطه التي لا يكون لوجودها أو عدم وجودها تأثير على الوقف نفسه بل مجرد تغيير في كيفيته إنما هي من اختصاص المحاكم الأهلية العام الاعتيادي).
ومما يجب ملاحظته أنه لا يمكن الرجوع إلى أحكام المحاكم المختلطة لأن لائحتها خالية من هذا التخصيص الموجود في لائحة ترتيب المحاكم الأهلية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق