الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 4 أغسطس 2022

الطعن 4 لسنة 24 ق جلسة 29 / 11 / 1954 مكتب فني 6 ج 1 تنازع اختصاص ق 1 ص 1

جلسة 29 من نوفمبر سنة 1954

برياسة السيد الأستاذ أحمد محمد حسن رئيس المحكمة وبحضور السادة الأساتذة: عبد العزيز محمد، وسليمان ثابت وكيلي المحكمة، وإبراهيم خليل، ومحمد نجيب أحمد، ومصطفى فاضل، وعبد العزيز سليمان، وأحمد العروسي، ومصطفى حسن، وحسن داود، ومحمود إبراهيم إسماعيل ومحمود عياد، وأنيس غالى، ومصطفى كامل، ومحمد أمين زكي، ومحمد فؤاد جابر المستشارين.

----------------
(1)
الطلب رقم 4 سنة 24 القضائية "تنازع الاختصاص"

 (أ) تنازع الاختصاص. مجالس ملية. استئناف.

النص في لائحة المجلس الملي لطائفة الأقباط الكاثوليك على أن استئناف الأحكام الحضورية في مسائل الأحوال الشخصية يبدأ من تاريخ صدورها. عدم مخالفة هذا النص للقانون أو النظام العام.
(ب) تنازع الاختصاص. اختصاص. نقض. طعن.

صدور حكم نهائي من المجلس الملي بالنفقة للزوجة وحكم نهائي آخر من المحكمة الشرعية بدخول الزوجة في طاعة زوجها. وجوب اعتبارهما حكمين متناقضين إذا تضمن حكم المجلس الملي قضاء ضمنيا برفض دعوى الطاعة. اختصاص محكمة النقض بوقف تنفيذ أحد الحكمين.
(ج) تنازع الاختصاص. مجالس ملية. أحوال شخصية. اختصاص.

المجلس الملي لطائفة الأقباط الكاثوليك. اختصاصه بمسائل الأحوال الشخصية لهذه الطائفة. الأساس الذي يرتكز عليه هذا الاختصاص. القانون رقم 8 لسنة 1915.

----------------
1 - القاعدة الواردة في لائحة المجلس الملي للأقباط الكاثوليك التي تنص على أن ميعاد استئناف الأحكام الحضورية يبدأ من تاريخ صدورها ليست مخالفة للقانون أو النظام العام، ذلك إنه وإن كانت القاعدة العامة في خصوص الطعن في الأحكام هي وجوب إعلانها حتى ينفتح ميعاد الطعن فيها إلا أن القانون أجاز الاستثناء من هذه القاعدة فنص في المادة 379 من قانون المرافعات على أنه "تبدأ مواعيد الطعن من تاريخ إعلان الحكم ما لم ينص القانون على غير ذلك" وجاء القانون رقم 126 لسنة 1951 الخاص بالإجراءات المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية بقاعدة عامة في المادة 875 تقضى بأن ميعاد استئناف الأحكام الحضورية يبدأ من تاريخ النطق بها وهذه القاعدة مطابقة تماما للقاعدة التي قررتها لائحة المجلس الملي.
2 - اذا صدر حكم نهائي من المجلس الملي بإلزام الزوج بالنفقة لزوجته ثم صدر حكم نهائي آخر من المحكمة الشرعية بدخول الزوجة في طاعة زوجها وكان الحكم الصادر من المجلس الملي يتضمن قضاء ضمنيا برفض دعوى الطاعة فإن هذين الحكمين يكونان متناقضين مما يجيز طلب وقف تنفيذ أحدهما بنص المادة 19 من قانون نظام القضاء المعدلة بالقانون رقم 400 لسنة 1953.
3 - لما كانت طائفة الأقباط الكاثوليك هي من الطوائف التي كان معترفا لمجلسها الملي بالفصل في المنازعات الخاصة بالأحوال الشخصية التي تقوم بين أبناء هذه الطائفة وكان القانون رقم 8 لسنة 1915 قد نص في مادته الأولى على استمرار السلطات القضائية الاستثنائية المعترف بها حتى الآن في الديار المصرية إلى حين الإقرار على أمر آخر بالتمتع بما كان لها من حقوق عند زوال السيادة العثمانية وكان مقتضى ذلك أن السلطات القضائية المذكورة هي والهيئات التي تمارس تلك السلطات أعمالها يكون مخولا لها بصفة مؤقتة جميع الاختصاصات والحقوق التي كانت تستمدها لغاية الآن من المعاهدات والفرمانات والبراءات العثمانية، فإن المجلس الملي لطائفة الأقباط الكاثوليك أصبح يستمد ولايته في مسائل الأحوال الشخصية من القانون رقم 8 لسنة 1915 ويكون هو المختص بالفصل في هذا المسائل بين أبناء الطائفة فيما عدا بعض المسائل التي أخرجت من اختصاصه بإنشاء المجالس الحسبية وبإخضاع الوصية لنظام المواريث باعتبارها من المسائل العينية، وتكون المحكمة الشرعية إذ قضت بدخول الزوجة القبطية الكاثوليكية في طاعة زوجها الذي ينتمى لنفس الملة على خلاف الحكم السابق صدوره بينهما من المجلس الملي قد جاوزت نطاق اختصاصها بما يستوجب وقف تنفيذ حكمها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع مرافعة محامى الطالبة والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الوقائع تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعى عليه تزوج من الطالبة في 11 من يناير سنة 1948 وكان الزوجان ولا يزالا متحدى الملة والمذهب "قبطيين كاثوليكيين" - وفى سنة 1950 دب الخلف بينهما فلجأت الزوجة إلى مجلس ملى الأقباط الكاثوليك بالإسكندرية وطلبت الحكم بنفقة لها ولولديها الصغيرين ابتداء من أول أغسطس سنة 1950 وبإلزامه بأن يدفع إليها مبلغ سبعة جنيهات كانت قد اقترضتها لمناسبة ولادة ابنهما - وبأن يسلمها جهازها وملابسها المحرر بها قائمة موقع عليها منه للمحافظة عليها وذلك إلى أن يوجد لها مسكنا شرعيا. وفى أول يونيه سنة 1951 حكم المجلس المذكور حضوريا - أولا - بتقدير نفقة شهرية للطالبة ولولديها القاصرين بولص ومجدى مقدارها ستة جنيهات مصرية يلزم بأدائها المدعى عليه ابتداء من 4 أغسطس سنة 1950 إلى أن يجد لها مسكنا شرعيا خاصا - ثانيا - بإلزام المدعى عليه بأن يدفع إلى الطالبة مبلغ عشرة جنيهات مصرية نظير مصاريف ولادة طفلها مجدى - ثالثا - شمول الحكم بشقيه بالنفاذ المعجل وبلا كفالة - نفذ هذا الحكم بدون سبق إعلان - وذلك بتوقيع الحجز في 12 من مايو سنة 1952 تحت يد محل هانو بالإسكندرية على مرتب المدعى عليه الموظف في هذا المحل. وكان المدعى عليه قد لجأ إلى المحاكم الشرعية فأقام على الطاعنة الدعوى رقم 527 سنة 1951 - محكمة الرمل الشرعية طلب فيها الحكم له الطالبة بدخولها في المسكن الشرعي الذي أعده لها فدفعت الطالبة بعدم اختصاص المحاكم الشرعية بنظرها وفى 24 من نوفمبر سنة 1951 حكمت المحكمة برفض الدفع وأمرت الطالبة في الدخول في طاعة المدعى عليه بالمسكن الشرعي المحدود بالدعوى غيابيا - عارضت الطالبة في هذا الحكم وقضى برفض معارضتها في 3 من مارس سنة 1952 ثم استأنفت الحكم وفى 12 مايو سنة 1952 حكمت محكمة الإسكندرية الابتدائية الشرعية في هذا الاستئناف الذي قيد في جدولها برقم 362 سنة 1952 - بقبوله شكلا ورفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف - استشكلت الطالبة في تنفيذ هذا الحكم أمام محكمة الإسكندرية الوطنية للأمور المستعجلة وقيد هذا الإشكال في جدولها برقم 1231 سنة 1952 - واستشكل المدعى عليه أمام نفس المحكمة في تنفيذ الحكم الصادر من مجلس ملى الأقباط الكاثوليك بالإسكندرية في أول يونيو سنة 1951 وقيد إشكاله في جدول المحكمة المذكورة برقم 1201 سنة 1952 وفى 15 من أكتوبر سنة 1952 حكمت المحكمة المذكورة بقبول الإشكالين شكلا وفى الموضوع بوقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة الرمل الشرعية والمؤيد بالحكم الاستئنافي الصادر في محكمة الإسكندرية الابتدائية وباستمرار في تنفيذ الحكم الصادر من المجلس الملي - استأنف المدعى عليه هذا الحكم أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية الوطنية وقيد استئنافه في جدولها برقم 777 سنة 1952 وفى 17 من أكتوبر سنة 1953 حكمت المحكمة المذكورة بهيئتها الاستئنافية بإلغاء الحكم المستأنف وبوقف تنفيذ الحكم الصادر من المجلس الملي بالنفقة وبالاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الشرعية بالطاعة. وفى 5 من أبريل سنة 1954 قدمت الطالبة طلبها إلى رئيس هذه المحكمة طلبت فيه - أولا - أن يأمر الرئيس مؤقتا بوقف تنفيذ حكم محكمة الرمل الشرعية المؤيد استئنافيا بحكم محكمة الإسكندرية الشرعية - ثانيا - عرض النزاع على الجمعية العمومية لتقضي المحكمة بوقف هذين الحكمين نهائيا واعتبارهما كأن لم يكونا لصدورهما من محكمة لا ولاية لها في القضاء بين الزوجين المتخاصمين مع إلزام المدعى عليه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة تم قرر رئيس المحكمة نظر طلب وقف التنفيذ مؤقتا أمام هيئة هذه المحكمة وقد قررت بجلسة 6 من مايو سنة 1954 وقف تنفيذ الحكم الشرعي الصادر بالطاعة وذلك بصفة مؤقتة حتى يفصل في موضوع الطلب.
ومن حيث إن مبنى هذا الطلب هو تناقض الحكم المطلوب وقف تنفيذه والصادر بإلزام الطالبة بالدخول في طاعة المدعى عليه وتعارضه مع الحكم الذي سبق صدوره من مجلس ملى الأقباط الكاثوليك بتقرير النفقة للطالبة وأن الحكم المطلوب وقف تنفيذه قد صدر من المحكمة الشرعية في نزاع خارج عن اختصاصها لأن المجلس الملي هو المختص بالفصل بين أبناء طائفته في مواد الأحوال الشخصية - ما عدا المواريث والوصية – اختصاصا لازما غير مقيد باتفاق الخصوم.
ومن حيث إن الطالبة كانت عند بدء نظر هذا الطلب قد اكتفت بتقديم صورة غير كاملة من الحكم الصادر من مجلس ملى الأقباط الكاثوليك بالإسكندرية في أول يونيه سنة 1951 قاصرة على بيان منطوق الحكم والهيئة التي أصدرته وشهادة مؤرخة في 12/ 4/ 1954 صادرة من بطريركية الأقباط الكاثوليك بالإسكندرية تفيد أن هذا الحكم لم يستأنف فأبدت النيابة رأيها بعدم قبول الطلب تأسيسا على أن القاعدة العامة في قانون المرافعات هو وجوب إعلان الأحكام حتى يبدأ ميعاد الطعن فيها وعلى أن الطالبة لم تقدم ما يدل على إعلان الحكم المذكور إلى المدعى عليه فلم يتوفر بذلك ما يقتضيه نص المادة 19 من قانون نظام القضاء من وجوب صدور حكمين نهائيين متناقضين يطلب وقف تنفيذ أحدهما - ثم قدمت الطالبة صورة من لائحة الإجراءات أمام المجالس الملية للأقباط الكاثوليك وتبين منها أن ميعاد الاستئناف بالنسبة إلى الأحكام الحضورية هو عشرة أيام من تاريخ النطق بها إلا أن النيابة لاحظت أن ثمت نصا في تلك اللائحة يقضى ببطلان الأحكام الصادرة من المجالس الملية إذا لم تكن مشتملة على أسباب فقدمت الطالبة صورة كاملة من وقائع وأسباب الحكم الصادر بتقرير النفقة لها ولولديها - ثم تنازلت النيابة عن التمسك بعدم قبول الطلب لما سبق بيانه إلا أنها أبدت رأيها بعدم قبول الطلب لسبب آخر هو أن الحكم الصادر من المجلس الملي لا يتعارض مع الحكم الصادر بالطاعة ذلك لأن الزوجة التي يحكم لها بالنفقة على زوجها يتعين عليها أن تدخل في طاعته ولأن التعارض قد يتصور إذا كان الزوج قد رفع دعوى حكم فيها بنشوز الزوجة أو بضم الصغيرين إلى الوالد الزوج مما يقتضى إسقاط النفقة ولأن التعارض على الاختصاص وادعاء كل من المجلس الملي والقضاء الشرعي إنه هو المختص ليس هو مراد الشارع بالمادة 19 من قانون نظام القضاء المعدلة بالقانون رقم 400 لسنة 1953 التي جعلت مناط فض التنازع واختصاص هذه المحكمة بنظره أن يقوم النزاع على تنفيذ حكمين متناقضين صادرين من محكمتين مختلفتين من محاكم الأحوال الشخصية أو المجالس الملية مما يستفاد منه أنه لا محل لبحث مسألة الولاية ما لم يكن الحكمان المطلوب وقف تنفيذ أحدهما متناقضين.
ومن حيث إن المدعى عليه تمسك في مذكرته المقدمة أخيرا بالدفع الذي أبدته النيابة بكافة وجوهه ما تنازلت عنه منها وما أصرت على التمسك به قائلا أن قاعدة وجوب إعلان الأحكام حتى ينفتح ميعاد الطعن فيها قاعدة متعلقة بالنظام العام لا تجوز مخالفتها فلا يعتد في هذا الخصوص بما قررته لائحة الإجراءات أمام المجالس الملية للأقباط الكاثوليك من اعتبار أن ميعاد استئناف الأحكام الحضورية يبدأ من تاريخ النطق بها وأن الحكم الصادر من مجلس ملى الأقباط الكاثوليك في أول يونيو سنة 1951 كان وقت صدوره غير مشتمل على أسباب مما يستتبع بطلانه عملا بنصوص قانون المرافعات وبنص لائحة الإجراءات أمام المجالس الملية للأقباط الكاثوليك وذلك بدليل أن الدفع ببطلان الحكم المذكور لهذا السبب قد قدم إلى القضاء المستعجل عند نظر الإشكالين المرفوعين من الطرفين ولم تدع الطالبة في ذلك الوقت أن الحكم كان مشتملا على أسباب بل كان ردها أمام القضاء المستعجل أن خلوا لحكم من الأسباب لا يستتبع بطلانه.
ومن حيث إنه وإن كانت القاعدة العامة في خصوص الطعن في الأحكام هى وجوب إعلانها حتى ينفتح ميعاد الطعن فيها إلا أن القانون أجاز الاستثناء من هذه القاعدة فقد نصت المادة 379 من قانون المرافعات على أنه "تبدأ مواعيد الطعن من تاريخ إعلان الحكم ما لم ينص القانون على غير ذلك" وقد جاء القانون رقم 126 سنة 1951 والخاص بالإجراءات المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية - بقاعدة عامة تقضي بأن ميعاد استئناف الأحكام الحضورية يبدأ من تاريخ النطق بها – المادة 875 - والحكمة في هذا على ما ورد في المذكرة التفسيرية لهذا القانون هو ما أراده الشارع من تبسيط إجراءات الدعوى وسرعة الفصل فيها. وهذه القاعدة مطابقة تماما للقاعدة التي قررتها في هذا الخصوص لائحة المجالس الملية للأقباط الكاثوليك فلا محل إذن للقول بأن هذه اللائحة إذ نصت على القاعدة المذكورة قد خالفت القانون أو النظام العام.
ومن حيث إنه لا محل كذلك لإثارة الشك في شمول الحكم الصادر من المجلس الملي في أول يونيه سنة 1951 لأسبابه ووقائعه وقت صدوره طالما أن الطالبة قد قدمت صورة من الحكم مشتملة على هذه الوقائع والأسباب ومعتمدة من بطريركيه الأقباط الكاثوليك باعتبارها مطابقة لأصله ومع مراعاة أن المادة الثامنة من الفصل الخامس من الباب الخامس من لائحة الإجراءات أمام المجالس الملية للأقباط الكاثوليك تقضى بوجوب وجود سجل لقيد أسباب الأحكام ومنطوقها بحسب تاريخ صدورها.
ومن حيث إنه عما دفعت به النيابة والمدعى عليه من عدم قبول الطلب تأسيسا على أن الحكمين المطلوب وقف تنفيذ أحدهما غير متناقضين لأن وجوب النفقة على الزوج يقابله التزام الزوجة بالدخول في طاعته ولأنه طالما أن الزوج لم يحصل على حكم مثبت لنشوز الزوجة أو قاض بضم الصغير مما يقتضى إسقاط النفقة فلا يكون ثمة تعارض - هذا الذي دفعت به النيابة والمدعى عليه لا ترى هذه المحكمة فيه سداد النظر - ذلك أنه لا نزاع في أن دعوى النفقة يمكن دفعها بدعوى الطاعة بمعنى أن الزوج إذا أثبت عند نظر دعوى النفقة أنه كان قد أعد لزوجته مسكنا شرعيا وأحجمت هي عن دخوله امتنع الحكم عليه بالنفقة دون حاجة لصدور حكم يقضى بالنشوز، أما إذا كان الزوج قد تمسك بأنه أعد المسكن الشرعي ولم يقدم دليلا على أنه أعد المسكن أو تبين للمحكمة أن المسكن الذي أعده هو مسكن غير شرعي وجب الحكم عليه بالنفقة - الأمر الذي يبين منه أن الحكم الصادر في دعوى النفقة قد يكون مشتملا على قضاء ضمني برفض دعوى الطاعة فإذا لم تتغير ظروف النزاع وصدر للزوج حكم لا حق بدخول زوجته في طاعته كان هذا الحكم مناقضا للحكم بالنفقة الذي قضى ضمنا برفض دعوى الطاعة ويجوز عملا بنص المادة 19 من قانون نظام القضاء المعدلة بالقانون رقم 400 سنة 1953 وقف تنفيذ أحد هذين الحكمين.
ومن حيث إنه يبيت من الاطلاع على الحكم الصادر من مجلس ملى الأقباط الكاثوليك بالإسكندرية في أول يونيو سنة 1951 أن المدعى عليه كان قد أعد لزوجته الطالبة غرفة ضمن الشقة رقم 2 من المنزل رقم 12 بشارع راغب باشا واعترضت الزوجة على ذلك قائلة أن هذه الغرفة لا تعتبر سكنا شرعيا خاصا وقد أقرها المجلس الملي المذكور على اعتراضها في أسباب حكمه بالنفقة إذا قال "وحيث إن المدعى عليه استأجر غرفة ضمن شقة تسكنها عائلة أخرى، وحيث إن الزوجة رفضت اعتبار هذه الغرفة سكنا خاصا شرعيا لوجودها ضمن شقة تسكنها عائلة أخرى غريبة عنها مما يتعارض مع معنى السكن الخاص الذي قصده القانون - وحيث إن المجلس يرى أن اعتراض المدعية قائم على أساس سليم من القانون - وحيث إن للزوجة تبعا لذلك الحق في المطالبة بنفقة واجبة الأداء من زوجها من يوم تركها منزل أقاربه في أغسطس سنة 1950 لحين إيجاد مسكن شرعي خاص لها ولأولادها" - كما يبين من الحكم الصادر من محكمة الرمل الشرعية في 24 نوفمبر سنة 1951 والقاضي بدخول الطالبة في طاعة زوجها المدعى عليه بالسكن المحدد في الدعوى أن هذا المسكن المحدد هو "الحجرة الأولى التي على يمين الداخل من الشقة الثانية بالدور الأرضي من المنزل ملك جريس حبيش شارع محمد نصحى باشا بالمحمودية. ويتضح مما ورد في هذين الحكمين. (أولا) إن المجلس الملي قضى في حكمه بالنفقة ضمنا برفض الدفع بالطاعة الذي تمسك به المدعى عليه. (ثانيا) إنه وإن كان المسكن الذي أعده المدعى عليه عند رفعه دعوى الطاعة أمام المحكمة الشرعية هو مسكن آخر غير المسكن الذي كان قد أعده لزوجته خلال نظر دعوى النفقة أمام المجلس الملي إلا أن تشابه أوصاف المسكنين من ناحية أن كلا منهما هو غرفة ضمن شقة تسكنها عائلة أخرى - هذا التشابه - يدعو إلى القول بأن الظروف التي صدر فيها الحكم الضمني من المجلس الملي برفض دعوى الطاعة هي بذاتها الظروف التي صدر فيها حكم المحكمة الشرعية بالطاعة لم تتبدل ولم تتغير وأن ما اعتبرته المحكمة الشرعية سكنا شرعيا وأجازت من أجله الحكم بالطاعة لم يعتبره المجلس الملي كذلك.
ومن حيث إنه لذلك يكون على غير أساس ما دفعت به النيابة والمدعى في هذا الخصوص ويكون الحكمان المذكوران حكمين متناقضين ويتعين للفصل في موضوع الطلب بحث ما إذا كان الحكم المطلوب وقف تنفيذه قد صدر من المحكمة الشرعية في حدود ولايتها أم أنها تعدت في حكمها هذه الولاية.
ومن حيث أنه يبين من الحكم المذكور المؤيد لأسبابه بالحكم الاستئنافي الصادر من محكمة الإسكندرية الشرعية أنه قضى برفض الدفع بعدم اختصاص المحاكم الشرعية واختصاصها بنظر الدعوى تأسيسا على أن المجالس الملية للأقباط الكاثوليك لا وجود لها قانونا لأنه لم يصدر بها مرسوم ولا قانون من ولى الأمر في البلاد فلا تحوز أحكامها قوة الشيء المحكوم به وما هي إلا مجالس تحكيم عرفية فتكون المحاكم الشرعية هي المختصة بنظر قضايا أحوالهم الشخصية وإن اتحد المذهب - وهذا الذي أسست عليه المحكمة الشرعية اختصاصها غير صحيح في القانون على ما جرى به قضاء هذه المحكمة، ذلك أن ولاية القضاء للطوائف غير الإسلامية في سائر أقطار السلطنة العثمانية كانت منذ الفتح العثماني متروكة للهيئات الدينية لتلك الطوائف دون تدخل أو إشراف من سلطات الدولة فكانت الهيئات الدينية تباشر وظيفة القضاء لا في مسائل الأحوال الشخصية وحدها بل وفى سائر الشئون المدنية والجنائية فلما عمت الشكوى الناشئة عن ذلك أخذت الدولة العثمانية في منتصف القرن التاسع عشر تهتم بتنظيم شئون تلك الطوائف فأصدرت في فبراير سنة 1856 الوثيقة المعروفة بالخط الهمايوني والتي تعتبر دستورا لعلاقة تلك الطوائف في سائر شئونها بالدولة العثمانية وعلى الأخص في الشئون القضائية وقد تحدثت هذه الوثيقة عن الدعاوى فقالت: "أما جميع الدعاوى التي تحدث فيما بين أهل الإسلام والمسيحيين وباقي التبعة غير المسلمة تجارية كانت أو جنائية فتحال إلى دواوين مختلطة والمجالس التي تعقد بين طرفي هذه الدواوين لأجل استماع الدعوى تكون علنية بمواجهة المدعى والمدعى عليه والشهود - أما الدعاوى العائدة إلى الحقوق العادية فينبغي أن ترى شرعا أو نظاما بحضور الوالي وقاضى البلدة في مجالس الولايات. وأما الدعاوى الخاصة مثل الحقوق الإرثية بين شخصين من المسيحيين وباقي التبعة غير المسلمة فتحال على أن ترى إذا أراد أصحاب الدعوى بمعرفة البطريرك أو الرؤساء والمجالس وينبغي تتميم أصول ونظامات المرافعات التي تجرى في الدواوين المختلطة بمقتضى قوانين المجازاة والتجارة بأسرع ما يمكن... الخ" ويبين من ذلك أن الخط الهمايوني إذ تحدث عن الدعاوى الخاصة مثل الحقوق الإرثية بين غير المسلمين قال أنها ترى إذا أراد أصحاب الدعوى بمعرفة البطريرك أو الرؤساء والمجالس وقد ثار الجدل حول الاختصاص في مسائل الأحوال الشخصية فقال البعض أن التعبير بالدعاوى الخاصة ينصرف إلى هذه المسائل بصفة عامة وأن الحقوق الإرثية لم ترد إلا على سبيل المثال مما يؤدى إلى ضرورة اتفاق الطرفين لكى يكون للهيئات الدينية اختصاص بنظر هذه المسائل فكانت المحاكم الشرعية تنظر في مسائل الزواج والطلاق بين غير المسلمين كلما رفع إليها النزاع غير أنه صدرت منشورات مختلفة من حكومة تركيا كما نص في براءات تعيين بعض البطاركة على اختصاص الهيئات الدينية وحدها بمسائل الأحوال الشخصية ثم صار التسليم من جانب الحكومة المصرية بذلك ولذا فإنه لما أنشئت المحاكم المختلطة نصت المادة التاسعة من لائحتها على أن هذه المحاكم لا تختص بنظر مسائل الأحوال الشخصية كما نصت المادة 16 من لائحة ترتب المحاكم الأهلية على أنه ليس لها أن تنظر في المسائل المتعلقة بأصل الأوقاف ولا في مسائل الأنكحة ولا ما يتعلق بها من قضايا المهر والنفقة وغيرها ولا في مسائل الهبة والوصية والمواريث وغيرها مما يتعلق بالأحوال الشخصية كما أن الحكومة المصرية قد أصدرت في سنة 1883 أول لائحة لتنظيم مجلس الأقباط الأرثوذكس ثم أصدرت بعدئذ لائحة لتنظيم مجالس الإنجيلين الوطنيين في سنة 1902 ولائحة المجالس الأرمن الكاثوليك في سنة 1905 وقد نظمت هذه اللوائح الثلاث تشكيل المحاكم التي تنظر مسائل الأحوال الشخصية، أما باقي الطوائف فلم يصدر تشريع بتنظيم شئون مجالسها وظل الحال على ما كان عليه إلى أن انفصلت مصر عن تركيا أثر نشوب الحرب العالمية الأولى فصدر القانون رقم 8 سنة 1915 ينص على "أن السلطات القضائية الاستثنائية المعترف بها حتى الآن في الديار المصرية تستمر إلى حين الإقرار على أمر آخر على التمتع بما كان لها من الحقوق قبل زوال السيادة العثمانية" وعلى ذلك فإن السلطات القضائية المذكورة هي والهيئات التي بواسطتها تمارس تلك السلطات أعمالها يكون مخولا لها بصفة مؤقته جميع الحقوق والاختصاصات التي كانت تستمدها لغاية الآن من المعاهدات والفرمانات والبراءات العثمانية وبمقتضى هذا القانون أصبحت السلطة القضائية التي كانت تباشرها تلك الهيئات في مسائل الأحوال الشخصية تستمد ولايتها فيها من القانون رقم 8 سنة 1915 ولكنها لا تزال محتفظة أنظمتها السابقة من حيث تشكيلها واختصاصاتها استنادا إلى الفرمانات والبراءات العثمانية وإلى العرف الذي كان ساريا في الديار المصرية عند زوال السيادة العثمانية وذلك بمقتضى القانون رقم 8 سنة 1915 ذاته وقد استمر الحال على هذا الوضع من الاقتصار على تنظيم شئون الطوائف الثلاثة المشار إليها وترك شئون باقيها لهيئاتها الدينية تتصرف فيها دون رقابة أو إشراف من الدولة إلى أن صدر المرسوم بقانون رقم 40 لسنة 1936 بترتيب محاكم الأحوال الشخصية للطوائف الملية لغير المسلمين وكان ينص في المادة الثالثة منه على أن يكون ترتيب هذه المحاكم بلائحة تعتمدها الحكومة ويصدر بها مرسوم - غير أن هذا المرسوم بقانون قد سقط بعدم تقديمه إلى البرلمان في اجتماعه التالي لصدوره فعادت الحال بالنسبة إلى الطوائف إلى ما كانت عليه من قديم فيما عادا بعض المسائل التي أخرجت من اختصاصها بإنشاء المجالس الحسبية ثم بإخضاع الوصية لنظام المواريث باعتبارها من المسائل العينية - وبعدئذ صدر قانون نظام القضاء فأخرج في المادة الخامسة عشرة منه مسائل الأحوال الشخصية بالنسبة للمصريين من اختصاص المحاكم إلا ما ورد بشأنه قانون خاص - أما بالنسبة لغير المصريين فقد نص في المادة 12 على اختصاص المحاكم بالفصل في المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية - ويخلص مما سبق بيانه أن المجالس الملية التي لم تصدر مراسيم بتنظيمها على غرار المراسيم التي صدرت بتنظيم مجالس الأقباط الأرثوذكس والإنجيليين الوطنيين والأرمن الكاثوليك لا تزال رغم ذلك هي المختصة دون غيرها من الهيئات بالقضاء بين أبناء طوائفها في مسائل الأحوال الشخصية - وأخصها الزواج والطلاق - وذلك في الحدود المشار إليها فيما تقدم.
ومن حيث إنه لا نزاع في أن الطالبة هي والمدعى عليه متحدا الملة والمذهب ولهذا يكون الحكم الصادر من المجلس الملي لطائفتهما وهو المجلس الملي للأقباط الكاثوليك قد صدر في حدود ولايته ويكون الحكم الصادر من محكمة الرمل الشرعية قد صدر من جهة غير مختصة ومن ثم يتعين الحكم بوقف تنفيذه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق