حيث
أن النيابة العامة أسندت إلى المتهم المذكور فى القضية رقم 12387 / 1978
جنح مركز مغاغة أنه فى يوم 15 / 11 / 1978 بدائرة المركز وجد بالطريق العام
فى حالة سُكر بين وطلبت عقابه بالمواد 1 ، 7 ، 9 من القانون رقم 63 / 1976
بشأن حظر الخمور.
· وحيث
أن محكمة مركز مغاغة الجزئية قضت فى المعارضة وبجلسة 2/3/1979 بحبس المتهم
شهرين مع الشغل وكفالة عشرون جنيها ، فاستأنف المتهم بتوكيل ، وكان ذلك
بتاريخ 5/3/1979 وبالجلسة طلبت النيابة تأييد الحكم المستأنف فى مواجهة
المتهم ودفاعه بالجلسة.
المحكمـة
بعد تلاوة تقرير التلخيص الذى تلاه السيد رئيس المحكمة .
وبعد سماع المرافعة الشفهية ومطالعة الأوراق والمداولة قانونا.
· وحيث
أن الاستئناف قدم فى الميعاد القانونى واستوفى شرائطه القانونية ، ومن ثم
فهو مقبول شكلا عملا بنص المادتين 402 ، 406 من قانون الإجراءات الجنائية.
· وحيث أنه لدى سؤال المتهم أنكر ما نسب إليه.
· وحيث أن الحكم المستأنف فى محله للأسباب الواردة به والتى تأخذ بها هذه المحكمة دعامة من دعامات هذا الحكم.
· وحيث أن الاتهام ثابت قبل المتهم وذلك من محضر
ضبط الواقعة ، ومما هو مبين بالأوراق ومن اعتراف المتهم الثابت بمحضر
الضبط مقررا به أنه لن يتكرر ذلك منه مرة أخرى ، ومردفا أنه لم يجبره آخر
على الشرب ، ثم علل جريمته بالصداع الذى أصاب رأسه.
· وحيث
أن المتهم لم يدفع الاتهام بأى دفاع مقبول ، ومن ثم يتعين عقابه طبقا
لمواد الاتهام عملا بنص المادة 304 / 2 من قانون الإجراءات الجنائية.
· وحيث
أن المحكمة بادئ ذى بدء كان يعنيها فى هذا المقام أن تستعمل النيابة
العامة ـ فى دولة كنيتها الإيمان ـ حقها المواتى لها طالبة التشديد وذلك عن
طريق استئنافها الحكم الجزئى وذلك حتى يطلق العنان لهذه المحكمة فتنزل
بالمتهم أقصى عقاب تعديلا لحكم محكمة أول درجة. ولكن ما حدث هو العكس : فقد
استعمل المتهم حقه وبتوكيل وذلك حتى يتسنى له عدم سداد الكفالة عند
استئنافه ، وهذا منه منطق عجيب : يسكر السكر البين وفى طريق عام ثم يظمأ
إلى البراءة تواقا إليها ، بينما هى بالنسبة له ـ أمام هذه المحكمة ـ وهو
الذى خالف الله نهارا جهارا ـ هى له ( كَسَرَابٍ
بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَ هُ لَمْ
يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ
وَاللَّهُ سَرِيعُ الحِسَابِ) [النور : 39 ]
· وحيث أنه انطلاقا مما نصت عليه المادة الثانية من دستور مصر
ـ المعدلة فى 22 / 5 / 1980 ـ ومما ورد بنص المادة السابعة من قانون
العقوبات ، انطلاقا من هذا وذاك تقرر المحكمة أن الله سبحانه قال : ( فَإِنْ
تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ
كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) [ النساء : 59 ] وأنه سبحانه قال ( فَلا
وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [ النساء: 65 ]
ــــــــــــــــــــــــ
* جنحة 4355 لسنة 1979 جنح مستأنف المنيا
· وحيث
أنه بالبناء على ما تقدم ، وبوضع مثل هذه النوعية من الأنزعة والوقائع
التى نحن بصددها الآن أمام كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
قضاء وتحكيما فإن الله سبحانه ترتيبا على ذلك قال (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ
وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُّوقِعَ
بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ
وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُم
مُّنْتَهُونَ ) [ المائدة : 90 ـ 91]
ومما لا شك فيه والحال كذلك ، ونحن أمام نص قاطع الدلالة على تحريم الخمر ، إذ أن شاربها كعابد الأوثان من دون الله كافر ، هذا بالإضافة إلى أنها هى أم الخبائث كما وصفها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
· وحيث
أن الفقهاء فى شريعة الإسلام قد أجمعوا على أن ما أسكر كثيره فقليله حرام ،
ويطلق عليه اسم الخمر ويأخذ حكمه ، كما وان اتفاقهم أصبح قاعدة شمولية
مقتبسة من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وعندئذ فإن المحكمة تستحضر
قول الله : (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ ) [ الحشر : 7 ] وقوله : (وَمَا
كَانَ لمؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا
أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا ) [ الأحزاب : 36]
· وحيث أن الإسلام وهو دين الله الذى أوحى بتعاليمه إلى محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكلفه
بتبليغه إلى الناس كافة ومن هنا كانت الشريعة الإسلامية الغراء فى عمومها
وشمولها وأصالة قواعدها صالحة لكل زمان ومكان ، قادرة على حكم الناس جميعهم
، ووضع الحدود الفاصلة بين الحق والباطل وبين الحلال والحرام ، ومن ثم فإن
كل تشريع أو حكم يخالف ما جاء به الإسلام باطل ، ويجب على كل مسلم رده
وصده والاحتكام إلى شريعة الله التى لا يتحقق إيمان أى مسلم إلا بالاحتكام
إليها شكلا وموضوعا ، كما يجب الأمر بتطبيق الشريعة الإسلامية ، وليس لأحد
أن يبدى رأيا فى وجوب ذلك ، ولا تقبل مشورة بالتمهل أو التدرج أو التأجيل ،
لا بل التسويف فى إقرارا القوانين الإسلامية معصية لله ولرسوله واتباع
لغير سبيل المؤمنين.
· وحيث أنه ليس
أبلغ من الحاجة إلى الرجوع ـ تماما ـ إلى الإسلام الحنيف ، وأن على علماء
الأزهر بث الدعوة الإسلامية ونشرها علما وعملا بين صفوف الحكام ، والمحكمة
لتعرب فى حكمها هذا عن شدة أسفها على إسلام ينزوى فيه علماء الدين فى كل
ركن هاربين متهربين من أداء رسالتهم أو الإفصاح بها جوهرا ونفاذا وذلك
بفكرهم الحصيف وبإنزال حكم الدين على كل ما يعرض عليهم أو على الدولة من
أمور فلا هم أدوا رسالتهم وأعلوا كلمة الحق ، ولا هم تركوا أماكنهم
ومراكزهم شاغرة يتولاها من يقدر على أداء الرسالة قدرة واقتدارا أمرا
بالمعروف ونهيا عن المنكر ، دون خوف إلا من الله ، وقديما كانت الرعية توجه
الحاكم إلى اتباع شرع الله والالتزام بأحكامه مصداقا لقوله سبحانه: (وَأَنِ
احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ
وَاحْذَرْهُمْ أَن يَّفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُّصِيبَهُمْ
بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ) [المائدة: 49] .
· وحيث
أنه وقد استقام ما تقدم فإن مشروع القانون المقدم إلى مجلس الشعب بتاريخ
20 / 12 / 1975 بشأن تعديل قانون العقوبات تعديلا يصبح بمقتضاه قانونا
إسلاميا كاملا قد نص فى المادة 324 منه على أن : " يعاقب بالجلد ثمانين
جلدة كل من شرب الخمر أو سكر من غيرها " . ومصدر هذا النص ما أثر عن عمر بن
الخطاب رضى الله عنه وأرضاه من أنه استشار عليا بن أبى طالب كرم الله وجهه
فى عقوبة شارب الخمر فقال له : أرى أن يجلد ثمانون جلدة ، لأنه إذا شرب
سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وحد المفترى ثمانون جلدة " .
· وحيث
أن تقرير الطبيب قد أورد أن المتهم المذكور " وجدت رائحة الخمر تفوح منه
وأنه فى حالة سكر بين " فإن نص مادة المشروع سالف البيان هى المنطبقة فى
مثل هذه الحالة وعلى أمثال هذا المتهم. وكان يعنى المحكمة تماما ألا تعزف
محكمة أول درجة عن تطبيق الشريعة الغراء ، ولكنه إجبارا عنها طبقت ـ ويطبق
قضاة مصر المسلمون ـ قانونا وضعيا هالكا متهالكا أجوف مستقى من شرائع
إلحادية لا تؤمن بالله رباً ولا بمحمد نبياً ورسولا . ولئن كان القاضى الذى
يعرف ربه قد غلت يمناه فى مرارة وكمد عن تطبيق شريعة الإسلام إلا أنه يبقى
لهذه المحكمة أمران :
الأمر الأول : أن رعاية حقوق الله واجبة على كل قاض مسلم أداء لأمانة الإسلام وذلك لقول الله تعالى : ( إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا
وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ إِنَّ
اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) [ النساء : 58 ]
الأمر الثانى : هذه المحكمة تسدى النصح إلى السيد رئيس الجمهورية وإلى السلطة التشريعية بتقنين حدود الله نزولا على قوله سبحانه : (إِنَّا
أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ
بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُن لِّلخَائِنِينَ خَصِيمًا ) [النساء : 105] وذلك إبراء لذمتهما أمام الله والناس قياسا على إصدار قانون العيب وقوانين أخرى.
ومتى استقام ما تقدم وكانت الواقعة على ما جاء بمدونات الدعوى ، وما جرى
به التحقيق ، قد قام الدليل على ثبوتها وصحة إسنادها للمتهم ، فإنه يتعين
رفض الاستئناف موضوعا وتأييد الحكم المستأنف مصداقا لقول الله سبحانه : (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) [ المدثر : 38 ]
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلا ، وفى الموضوع برفضه وبتأييد الحكم المستأنف.
محكمة الجنح المستأنفة / المنيا
الدائـــرة
محمود عبد الحميد غراب رئيس المحكمة
زكريا ويصا جبره القاضى
عمر أحمد ابراهيم القاضى
عاطف رزق الله وكيل النائب العام
على عارف أمين السر
جلسة 24 / 6 / 1980
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق