جلسة 21 من ديسمبر سنة 1965
برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة،
وبحضور السادة المستشارين: إميل جبران، وأحمد حسن هيكل، والسيد عبد المنعم الصراف،
وعثمان زكريا.
-------------------
(204)
الطعن
رقم 171 لسنة 31 القضائية
(أ) إثبات. "إجراءات الإثبات". "استجواب الخصم".
استناد المحكمة إلى أدلة
الدعوى القائمة أمامها بما يغني عن اتخاذ أي إجراء آخر من إجراءات الإثبات. بيان
ضمني بسبب عدولها عن تنفيذ استجواب أمرت به.
(ب) حكم. "بيانات الحكم". بطلان.
بيان مراحل الدعوى في
الحكم. مناط اعتباره جوهرياً يترتب على إغفاله البطلان. أن يكون ذكره ضرورياً
للفصل في الدعوى.
(ج) حكم. "حجية الأمر المقضي".
الدفع بحجية الأمر
المقضي. مناطه. أن يكون الحكم صادراً في ذات الخصومة موضوع النزاع. لا على المحكمة
إن هي أغفلت الرد عليه.
(د) إثبات. "طرق الإثبات". "القرائن".
"تساند الأدلة".
استناد الحكم إلى عدة
قرائن متساندة يكمل بعضها بعضاً. مناقشة كل قرينة على حدة لإثبات عدم كفايته. لا
يجوز.
(هـ) حكم. "تسبيب الحكم". "تسبيب كاف".
استئناف.
إلغاء المحكمة
الاستئنافية الحكم الابتدائي الصادر في الموضوع. إقامة حكمها على أسباب كافية
لحمله. لا ضرورة لتفنيد أسباب ذلك الحكم أو الأحكام السابقة عليه.
------------------
1 - متى كانت المحكمة قد رأت في الاستناد إلى أدلة الدعوى القائمة
أمامها ما يغني عن اتخاذ أي إجراء آخر من إجراءات الإثبات مما يعد بياناً ضمنياً
بسبب عدولها عن تنفيذ الاستجواب الذي أمرت به إذ هو يدل على أنها رأت ألا جدوى من
اتخاذ هذا الإجراء وأن في أوراق الدعوى وما قدم فيها من أدلة ما يكفي لتكوين
عقيدتها بغير حاجة إليه، فإن النعي على الحكم بمخالفة المادة 165 من قانون
المرافعات يكون على غير أساس.
2 - لئن أوجبت المادة 349 من قانون المرافعات أن يتضمن الحكم
بيانات معينة من بينها "مراحل الدعوى" إلا أنه يتعين لاعتبار هذا البيان
جوهرياً يترتب على إغفاله البطلان أن يكون ذكره ضرورياً للفصل في الدعوى لتعلقه
بسير الخصومة فيها باعتباره حلقة من حلقاتها قام بين الطرفين نزاع بشأنه.
3 - لا محل للنعي على الحكم بمخالفته حكماً سابقاً حائزاً لقوة
الأمر المقضي إذا تبين أن الحكم المذكور ليس صادراً في ذات الخصومة موضوع الطعن -
ولا يحوز حجية في النزاع المعروض ومن ثم يكون الدفع به غير مؤثر ولا على المحكمة
إن هي سكتت عن الرد على الدفاع بشأنه.
4 - متى كان الثابت أن الحكم فوق استناده إلى أقوال الشهود التي
اطمأن إليها أقام قضاءه أيضاً على عدة قرائن متساندة يكمل بعضها بعضاً وتؤدي في
مجموعها إلى النتيجة التي انتهى إليها فإنه لا يجوز مناقشة كل قرينة على حدة
لإثبات عدم كفايتها في ذاتها.
5 - متى ألغت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي الصادر في الموضوع
فلا تكون ملزمة ببحث أو تفنيد أسباب هذا الحكم أو الأحكام السابقة عليه ما دامت قد
أقامت حكمها على أسباب كافية لحمله.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار
المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى
أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما
يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنة استصدرت بتاريخ 9/
7/ 1956 أمر أداء من محكمة القاهرة الابتدائية ضد المطعون ضدها قضى بإلزامها بأن
تؤدي لها مبلغ 2000 ج قيمة السند المؤرخ 23 سبتمبر سنة 1952، عارضت المطعون ضدها
في هذا الأمر وقيدت معارضتها برقم 2828 سنة 1956 كلي مصر وطعنت على السند بالإنكار
مقررة أنها لا تعلم عنه شيئاً وأنها والطاعنة تملكتا بطريق الشراء من السيدة عزيزة
وفائي 20 ف و14 ط و10 س ومنزلاً بمنيل الروضة مناصفة بينهما دون أن تدفعا ثمناً،
ولكن الطاعنة انتوت حرمانها من نصيبها في هذه الأملاك فزورت عليها عقداً ببيع ما
يخصها في الأطيان واصطنعت السند الذي صدر بموجبه أمر الأداء وتمثل قيمته نصف ثمن
المنزل المذكور - وبتاريخ 8/ 1/ 1957 قضت محكمة أول درجة برفض الطعن بالإنكار
وتأييد أمر الأداء مؤسسة قضاءها على أنه ليس للمطعون ضدها أن تطعن على السند
بالإنكار بعد أن اعترفت بأن البصمة الموقع بها عليه هي بصمة ختمها، وأنها ما دامت
لم تطعن بالتزوير فيكون السند صحيحاً. استأنفت المطعون ضدها هذا الحكم بالاستئناف
رقم 116 سنة 74 ق القاهرة وطعنت على السند بالتزوير مقررة أنها لم توقع بنفسها ببصمة
ختمها عليه، وأن ختمها كان في حيازة الطاعنة لما بينهما من صلة ولاحتياج الأخيرة
إليه في إشهار التصرفات الصادرة لهما من المرحومة السيدة عزيزة وفائي، لكن الطاعنة
استعملت الختم ووقعت به على جملة أوراق منها السند موضوع الادعاء بالتزوير وبتاريخ
27/ 2/ 1958 قضت محكمة الاستئناف بقبول الشاهد الأول من شواهد التزوير وبإحالة
الدعوى إلى التحقيق لتثبت المطعون ضدها بكافة الطرق القانونية أن السند المؤرخ 22
سبتمبر 1952 مزور عليها وأنها لم توقع عليه بختمها وأن هذا الختم كان في حيازة
الطاعنة، وصرحت للأخيرة بنفي ذلك - وقد سمعت المحكمة الشهود إثباتاً ونفياً، وقضت
بتاريخ 11/ 6/ 1959 باستجواب طرفي الخصومة في ظروف إنشاء الدين المتنازع عليه
وتحرير سنده، وبعد أن نفذ الاستجواب في 17/ 12/ 1959 قضت المحكمة في 23/ 6/ 1960
للمرة الثانية باستجوابهما، ثم أجلت الدعوى أكثر من مرة إلى أن قضي فيها بتاريخ
23/ 2/ 1961 بإلغاء الحكم المستأنف وبرد وبطلان السند المطعون عليه بالتزوير
المؤرخ 23 سبتمبر سنة 1952 ورفض دعوى الطاعنة - طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق
النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة برأيها طلبت فيها رفض الطعن وعرض الطعن على
دائرة فحص الطعون فصممت النيابة على رأيها وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه
الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على
أسباب خمسة حاصل أولها بطلان في الإجراءات أثر في الحكم بما يبطله لمخالفتها
للمادة 165 من قانون المرافعات - ذلك أن المحكمة قضت بتاريخ 23/ 6/ 1960 ومن تلقاء
نفسها باستجواب طرفي الخصومة فيما هو موضح بذلك الحكم، ومع ذلك فقد قررت بجلسة 18/
1/ 1961 حجز القضية لإصدار الحكم فيها دون أن تنفذ الحكم الصادر منها بالاستجواب
أو تصدر حكماً أو قراراً بالعدول عنه؛ وبغير أن تبين أسباب هذا العدول في محضر
الجلسة أو في الحكم الذي أصدرته في موضوع الاستئناف.
وحيث إنه يبين من مطالعة
الأوراق أن محكمة الاستئناف قضت في 23/ 6/ 1960 باستجواب طرفي الخصومة في ماهية
الاتفاق الذي كان قد تم بينهما وبين السيدة عزيزة وفائي على أن تحصل الأخيرة على
ريع المنزل المبيع منها لهما وأنه بجلسة 15/ 1/ 1961 وقبل أن ينفذ هذا الاستجواب
قرر الطرفان أن ليس لديهما جديد يقولانه فحجزت الدعوى لإصدار الحكم فيها، وقد حصل
الحكم المطعون فيه أقوال شهود الطرفين إثباتاً ونفياً واستعرض ما قرره الطرفان عند
استجوابهما الحاصل في 17/ 12/ 1959 تنفيذاً للحكم الصادر في 11/ 6/ 1959، ثم أورد
بعد ذلك تقريراته التي أسس عليها قضاءه فقال "إن مقطع النزاع في الدعوى ينحصر
أولاً فيما إذا كانت المستأنفة (المطعون ضدها) قد ائتمنت المستأنف عليها (الطاعنة)
على ختمها، وثانياً ما إذا كانت هذه الأخيرة قد استغلت هذه الثقة لمصلحتها ووقعت
على غير علم أو موافقة من المستأنفة (المطعون ضدها) على سند الدين موضوع الدعوى
الحالية الذي يتضمن مديونية المستأنفة للمستأنف عليها (الطاعنة) في مبلغ 2000 جنيه
مستحق السداد تحت الطلب - وأن المحكمة تستخلص من تحقيق القضية إثباتاً ونفياً أن
المستأنفة (المطعون ضدها) كانت على الأقل تتخلى عن ختمها لمن يحضر إليها من طرف
المرحومة عزيزة وفائي لطلبه فيما كان يزمع إجراؤه من تصرفات اقتضتها مناسبة حل
الوقف في عام 1952، وكان للمرحومة عزيزة وفائي... أوقاف في أطيان ومنازل مشار
إليها تفصيلاً في أوراق الدعوى، ولا نزاع بين الطرفين في أنها كانت إلى ما قبل حل
الوقف هي المستحقة لها جميعاً وحدها - وأنه يبين للمحكمة من مطالعة إشهاد التصرف
الخاص بالمنزل رقم 34 بمنيل الروضة أنه قد تضمن أن السيدة عزيزة وفائي كانت عند
وقفه قد جعلت الاستحقاق لنفسها حال حياتها وأن يكون الاستحقاق من بعدها فيه لطرفي
الدعوى الحالية مناصفة بينهما، ثم تصرفت لهما فيه بعوض قدره 4000 ج جعلته مناصفة
بينهما كما تبين من الاطلاع على صورة الشكوى رقم 6366 سنة 1954 أحوال المنيل
المقدمة تحت رقم 33 ملف الاستئناف أن السيدة عزيزة وفائي الشاكية قد وضعت يدها على
المنزل المذكور وحصلت على ريعه لنفسها وذلك برضاء كل من المستأنفة والمستأنف عليها
(المطعون ضدها والطاعنة) وكما تبين للمحكمة أيضاً من الاطلاع على القضية رقم 4332
سنة 1954 مدني كلي مصر المنضمة أن المستأنف عليها (الطاعنة) أقامت هذه الدعوى ضد عزيزة
وفائي تطالبها بمبلغ 500 جنيه بسند مؤرخ سنة 1948 طعنت عليه عزيزة بالتزوير وتوفيت
في 21/ 5/ 1955 قبل بدء التحقيق الذي حكمت به المحكمة في تلك القضية بتاريخ 30/ 3/
1955 وكانت المستأنف عليها (الطاعنة) قد أوقعت حجزاً تحفظياً تحت يد مستأجري
المنزل رقم 34 بمنيل الروضة وقد طلبت المستأنفة (المطعون ضدها) تدخلها خصماً
ثالثاً في الدعوى وعندئذ قررت المستأنف عليها (الطاعنة) بتنازلها عن الحجز الموقع
تحت يد المستأجرين بالنسبة للأجرة المستحقة غداة وفاة عزيزة حتى الآن فانسحبت
طالبة التدخل وصدر الحكم في تلك الدعوى بتاريخ 31/ 10/ 1956 بإلزام وريث عزيزة
بالمبلغ المذكور وتثبيت الحجز إلى تاريخ وفاة المذكورة - وأنه قد وضح من الاطلاع
على الشكوى المنضمة السالفة الذكر ما يفيد الاتفاق على أن تحصل عزيزة على ريع
المنزل بعد إشهار التصرف فيه وقد تأيد ذلك بموقف المستأنف عليها (الطاعنة) في
القضية رقم 4332 المنضمة مما تستشف منه المحكمة أن مبلغ ال 4000 جنيه الذي ذكر في
الإشهاد لم يدفع للسيدة عزيزة وفائي بالمرة وأنه لم يكن هناك أي عوض ما دفع من
المستأنفة أو المستأنف عليها (المطعون ضدها والطاعنة) وبالتالي يكون السند المطعون
عليه بالتزوير والمؤرخ 23 سبتمبر سنة 1952 أي قبل عمل الإشهاد بيومين لا وجود له
وإنما اصطنع بعد ذلك بمعرفة المستأنف عليها (الطاعنة) كما قرر شهود الإثبات الذين
أدلوا بشهادة تطمئن لها المحكمة وتعول عليها بل وترجحها على شهادة شاهدات
النفي" - ومفاد هذا الذي قرره الحكم أن محكمة الاستئناف قد حصرت مقطع النزاع
ورأت في الاستناد إلى أدلة الدعوى القائمة أمامها والتي عددتها بحكمها على النحو
سالف الذكر ما يغني عن اتخاذ أي إجراء آخر من إجراءات الإثبات، وفي هذا ما يعتبر
بياناً ضمنياً لسبب عدول المحكمة عن تنفيذ الاستجواب الذي أمرت به في 23/ 6/ 1960،
إذ هو يدل - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أنها رأت ألا جدوى من اتخاذ هذا
الإجراء وأن في أوراق الدعوى وما قدم فيها من أدلة ما يكفي لتكوين عقيدتها بغير
حاجة إليه - لما كان ذلك - فإن النعي بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى
بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة المادة 349 من قانون المرافعات بما
يستوجب بطلانه، ذلك أن هذه المادة توجب على المحكمة أن تبين ما قدمه الخصوم من
طلبات أو دفاع أو دفوع وخلاصة ما استندوا إليه من الأدلة الواقعية والحجج
القانونية ومراحل الدعوى - لكن محكمة الاستئناف أسقطت مرحلة هامة من مراحل الدعوى
ولم تشر إليها وهي المرحلة التي تقع بين انتهاء التحقيق وصدور الحكم المطعون فيه،
رغم أنها كانت قد أصدرت فيها حكماً بتاريخ 11/ 6/ 1959 باستجواب طرفي الخصومة وتم
تنفيذه ثم أصدرت حكماً آخر في 23/ 6/ 1960 باستجوابهما تلاه قرار في 28/ 12/ 1960
بإحالة الدعوى إلى دائرة أخرى لامتناع نظرها على عضو اليسار ولتنفيذ القرار السابق
أي حضور الطرفين لإتمام الاستجواب.
وحيث إن هذا النعي مردود،
ذلك أنه وإن أوجبت المادة 349 من قانون المرافعات أن يتضمن الحكم بيانات معينة من
بينها بيان "مراحل الدعوى"، إلا أنه يتعين لاعتبار هذا البيان جوهرياً
يترتب على إغفاله البطلان أن يكون ذكره ضرورياً للفصل في الدعوى لتعلقه بسير
الخصومة فيها باعتباره حلقة من حلقاتها قام بين الطرفين نزاع بشأنه - ومتى كان
الثابت من الحكم المطعون فيه أن ما لم يرد ذكره من بيانات مراحل الدعوى هو حكم
الاستجواب الثاني الصادر في 23/ 6/ 1960 وقرار إحالة الدعوى إلى دائرة أخرى
لامتناع نظرها على أحد الأعضاء، وكانت المحكمة قد عدلت ضمناً عن تنفيذ حكم
الاستجواب الثاني على ما سلف ذكره في الرد على السبب الأول، ولم يكن تنفيذ هذا
الحكم محل نزاع بين الطرفين إذ الثابت أن المطعون ضدها قررت بجلسة 15/ 1/ 1961
بتنازلها عن التمسك بتنفيذه ولم تعترض الطاعنة على ذلك بل طلبت حجز الدعوى للحكم
فيها بحالتها، كما لم يكن قرار الإحالة إلى دائرة أخرى محل اعتراض من أيهما - فلا
على المحكمة إن هي لم تضمن حكمها هذين البيانين بعد ما انتفى النزاع بشأنهما وغدا
ذكرهما غير ضروري للفصل في الدعوى - ومن ثم يكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى
بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه التناقض والقصور من أوجه ثلاثة (أولها) إن ما
قدره الحكم من أن الختم كان في حيازة الطاعنة تحتفظ به تحت يدها يتناقض مع ما ورد
به في موضع آخر من أنه كان في حيازة المطعون ضدها وأنها كانت تتخلى عنه لمن يحضر
لطلبه من قبل السيدة عزيزة وفائي (وثانيها) أن الحكم استند في القول بأن المطعون
ضدها كانت تتخلى عن ختمها لمن يحضر لها من قبل السيدة عزيزة وفائي إلى أن المحكمة
استخلصت ذلك من تحقيق القضية إثباتاً ونفياً دون أن تحدد مصدر هذا الاستخلاص مما
يجعله مشوباً بالقصور (وثالثها) أنه على فرض أن المطعون ضدها كانت تتخلى عن ختمها
لمن يحضر لها من قبل السيدة عزيزة وفائي فإن هذا لا يؤدي حتماً إلى القول بأن الطاعنة
قد تحصلت عليه، وإذ لم تبين المحكمة الصلة بين تخلي المطعون ضدها عن ختمها للسيد
عزيزة وفائي وبين وصول هذا الختم للطاعنة فإن حكمها يكون مشوباً بالقصور.
وحيث إن هذا النعي مردود
في جميع أوجهه - ذلك أن الثابت من الحكم المطعون فيه أنه استعرض أقوال شهود الطرفين
إثباتاً ونفياً وما أدلت به الطاعنة عند استجوابها واستخلص من ذلك ومن الشكوى رقم
6366 سنة 1954 أحوال المنيل والقضية رقم 4332 سنة 1954 مدني كلي مصر المنضمتين أن
المطعون ضدها كانت تتخلى عن ختمها للطاعنة التي كانت تقوم وقتذاك بإجراءات الشهر
التي اقتضاها حل الوقف عام 1952 ليتملك طرفا الخصومة الأموال التي آلت إليهما من
السيدة عزيزة وفائي، وليس فيما أورده الحكم على هذا النحو تناقض ذلك أنه وإن
استخلص من أقوال الشهود عامة تخلي المطعون ضدها عن ختمها للسيدة عزيزة وفائي، إلا
أن ذلك لا يتعارض مع ما حصله في النهاية من أقوال شهود الإثبات من أنها كانت تتخلى
عن ذات الختم للطاعنة وإذ أقامت المحكمة قضاءها على أقوال شهود الإثبات التي
رجحتها وعلى ما استخلصته من الأدلة الأخرى التي قدمت لها وجاء حكمها محمولاً على
أسباب سائغة تؤدي إلى ما انتهى إليه، فإن النعي عليه بالتناقض أو بالقصور يكون على
غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى
بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه مخالفته حكماً سابقاً حائزاً قوة الأمر
المقضي وإغفاله الرد عليه وعلى مستندات أخرى قدمتها - وتقول بياناً لذلك إنها قدمت
لمحكمة الاستئناف حكماً صادراً من محكمة طنطا الابتدائية تأيد استئنافياً بالحكم
رقم 18 سنة 8 ق طنطا قطع في خصومة أخرى مماثلة بين الطرفين بأن المطعون ضدها تحتفظ
بختمها وانتهى إلى رفض ادعائها تزوير عقد بيع صادر منها إلى الطاعنة، وأنها قد
استندت أمام محكمة الاستئناف على ذلك الحكم تأييداً لدفاعها بأن ختم المطعون ضدها
لم يخرج من حيازتها ولم تتخل عنه للطاعنة، ولكن المحكمة لم تشر إلى هذا الحكم
وأغفلت بحث ما بني عليه من أسباب منتجة في الوقوف على حقيقة الخلاف بصدد احتفاظ
المطعون ضدها بختمها وما إذا كانت قد تخلت عنه للطاعنة - وتضيف الطاعنة أنها كانت
قد قدمت مستندات أخرى لمحكمة الاستئناف منها: (1) التوكيل الرسمي الصادر لها من
المطعون ضدها لتستدل منه على أنه لم يكن هناك ثمة ما يدعو لإصداره إذا كانت
الطاعنة تحتفظ حقاً بختم المطعون ضدها... (2) عقد إشهار وقف إسماعيل حقي بتاريخ 2/
3/ 1953 الذي يحمل بصمة ختم وإبهام المطعون ضدها استدلت منه على أنها كانت تحتفظ
بختمها. (3) جملة خطابات متبادلة بينها وبين شاهد الإثبات مصطفى البرعي للدلالة
على الخصومة القائمة بينهما - غير أن الحكم أغفل هذه المستندات ولم يناقشها مما
يعيبه بالقصور.
وحيث إن النعي على الحكم
المطعون فيه بمخالفته حكماً سابقاً حائزاً قوة الأمر المقضي مردود، ذلك أنه يبين
من الحكم المذكور أنه ليس صادراً في ذات الخصومة موضوع الطعن. ومن ثم فإنه لا يحوز
حجية في النزاع المعروض وبالتالي يكون الدفع به غير مؤثر، ولا على المحكمة إن هي
التفتت عنه ولم تعتد به، هذا إلى أنه متى كان الثابت على ما سلف بيانه في الرد على
الأسباب السابقة - أن محكمة الاستئناف قد أسست حكمها على ما استخلصته استخلاصاً
سائغاً من أوراق الدعوى وعلى الأدلة التي أخذت بها في حدود سلطتها التقديرية والتي
من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها في ثبوت التزوير، فلا يعيب حكمها
سكوته عن الرد على ما استدلت به الطاعنة من الحكم المذكور أو من المستندات الأخرى
المشار إليها بسبب النعي. ومن ثم يكون هذا السبب في غير محله.
وحيث إن الطاعنة تنعى
بالسبب الخامس على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال من
عدة أوجه أولها: أن الحكم قرر أن الطاعنة لم تطالب بالسند إلا بعد موت جميع الشهود
الموقعين عليه وأردف ذلك بقوله "ولعلها استعملت الأختام التي كانت تحت يدها
للشهود في غير وجودهم" ولو أن المحكمة اطلعت على السند وعلى الشكوى رقم 6366
سنة 1954 لبان لها أن من الموقعين عليه القائمقام يحيى المبلغ وهو رجل مثقف يوقع
بإمضائه وأن السيدة عزيزة وفائي وهي من شهود السند قد وقعت على أقوالها وثانيها:
أن الحكم استدل على تزوير السند بتنازل الطاعنة عن الحجز الموقع منها على الأجرة
تحت يد مستأجري المنزل رقم 34 بمنيل الروضة وهو المنزل المبيع من السيدة عزيزة
وفائي للطاعنة والمطعون ضدها وبتنازل الطاعنة أيضاً عن نصيبها في ريعه للبائعة،
وأن هذا الذي استدل به الحكم إن صلح أن يكون قرينة في الادعاء بصورية عقد البيع
فإنه لا يؤدي للقول بتزوير السند وثالثها: أن الحكم لم يلق بالاً لاضطراب المطعون
ضدها في بيان كيفية وصول ختمها إلى حيازة الطاعنة، ورغم أن الحكم الابتدائي قد فطن
لذلك وسجله في أسبابه إلا أن الحكم المطعون فيه لم يعرض له ولم يبحثه رغم ما له من
أهمية.
وحيث إنه عن النعي في
وجهه الأول فمردود بأن الثابت من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه بعد أن ذكرت المحكمة
الأسباب التي استندت إليها واطمأنت معها إلى ثبوت تزوير السند - على ما سلف بيانه
في الرد على الأسباب السابقة - أضافت عبارة في نهاية الحكم هي "ولعلها (أي
الطاعنة) استعملت الأختام التي كانت تحت يدها للشهود في غير وجودهم" وهذه
العبارة لا تعدو أن تكون تزيداً لا يعيب الحكم ما دام قد أقيم على أسباب أخرى
كافية لحمله ومؤدية في ذاتها للنتيجة التي انتهى إليها - والنعي في وجهه الثاني
مردود ذلك أنه متى كان الثابت - على ما سلف بيانه من تدوينات الحكم أنه فوق ما
استند إليه أقوال الشهود التي اطمأن إليها، أقام قضاءه أيضاً على عدة قرائن
متساندة يكمل بعضها بعضاً وتؤدي في مجموعها إلى النتيجة التي انتهى إليها فإنه لا
يجوز مناقشة كل قرينة على حدة لإثبات عدم كفايتها في ذاتها - والنعي في وجهه
الثالث مردود بأن محكمة الاستئناف وقد ألغت الحكم الابتدائي الصادر في الموضوع فلا
تكون ملزمة ببحث أو تفنيد أسباب هذا الحكم أو الأحكام السابقة عليه ما دامت قد
أقامت حكمها على أسباب كافية لحمله.