جلسة 6 من مارس سنة 1976
برئاسة المستشار محمد عبد الوهاب خليل نائب رئيس المحكمة وعضوية
المستشارين عادل عزيز زخاري وعمر حافظ شريف نائبي رئيس المحكمة ومحمد بهجت عتيبة
وأبو بكر محمد عطية وطه أحمد أبو الخير ومحمد فهمي حسن عشري وحضور المستشار محمد
كمال محفوظ مفوض الدولة والسيد/ سيد عبد الباري إبراهيم أمين السر.
-----------------
(32)
القضية 8 لسنة 5 ق "دستورية"
(أ) محكمة عليا - ولايتها في رقابة دستورية القوانين - ليست جهة طعن بالنسبة الى محكمة الموضوع - الدفع بعدم اختصاص محكمة الموضوع - محكمة الموضوع - دون المحكمة العليا - صاحبة الولاية في الفصل فيه .
(ب) دعوى دستورية - المصلحة فيها . المصلحة الأدبية تكفي لقبولها
(ج) تفويض تشريعي - بيان الشروط اللازمة لسلامة التفويض وصحته وفقا للدستور - الغرض الذي استهدف الشارع الدستوري من هذه الشروط.
(د) تفویض تشریعی - القانون رقم ١٥ لسنة ١٩٦٧ بتفويض رئيس الجمهورية في اصدار قرارات لها قوة القانون - صدوره في ظروف استثنائية تبرره .
(هـ) تفویض تشریعي - مدة التفويض - القانون رقم ١٥ لسنة ١٩٦٧ المشار اليه - ربطه بالظروف الاستثنائية التي اقتضت اصداره يتوافر معه شرط تحديد مدة التفويض.
(و) تفویض تشریعي - موضوع التفويض - القانون رقم ١٥ لسنة ١٩٦٧ المشار اليه - المادة الأولى منه - شطرها الأول - تحديده موضوعات معينة يجرى فيها التفويض . اتسام هذا التحديد بالسعة - املته الظروف الاستثنائية التي صدر فيها - ماتضمنته العبارة الاخيرة من المادة المذكورة من تفويض عام - لا ينفي عن الشطر الأول من النص شرط استيفانه لشرط التعيين بالنسبة الى الموضوعات المحددة فيه .
(ز) تفویض تشریعي - اسس التفويض - القانون رقم ١٨ لسنة ١٩٦٧ المشار اليه. ارسی اساسا عاما يقيد السلطة التنفيذية فيما تصدره من من قرارات تفويضية - بيان ذلك .
(ح) تفویض تشریعی - مبدا سيادة القانون - التفويض التشريعي الذي تضمنه القانون رقم ١٥ لسنة ١٩٦٧ بالضوابط والقيود التي صدر على مقتضاها - لا يتعارض مع مبدأ سيادة القانون - بيان ذلك .
(ط) تفويض تشريعي - القرارات بقوانين التي يصدرها رئيس الجمهورية بناء على هذا التفويض لها قوة القانون - اثر ذلك - هذه القرارات تتناول كل ما يتناوله التشريع الصادر من السلطة التشريعية بما في ذلك الموضوعات التي نص الدستور على أن يكون تنظيمها بقانون.
(ی) تفویض تشریعی - حكمه فى الدستور الفرنسي - الفتوى الصادرة من مجلس الدولة الفرنسي في ٦ من فبراير سنة ١٩٥٣ - تعتبر كاشفة لحكم المادة ١٣ من الدستور الفرنسي الصادر سنة ١٩٤٦ فى حظر التفويض التشريعي في الموضوعات المحجوزة للبرلمان - تغير الحكم في الدستور الفرنسي الصادر سنة ١٩٥٨ - المادة ٣٨ من هذا الدستور إجازتها التفويض التشريعي فى الموضوعات المحتجزة للقانون بموجب الدستور بيان ذلك .
(ك) قرارات تفويضية - القرار بقانون رقم ٤٨ سنة ١٩٦٧ بإنشاء محكمة الثورة - له قوة القانون - اثر ذلك - له ان يتناول بالتنظيم الموضوعات التي عينها قانون التفويض الذي صدر بالاستناد إليه ولو كانت من الموضوعات التي نص الدستور أن يكون تنظيمها بقانون .
(ل) محكمة الثورة - الختصاص فضائي - المادة الأولى من القرار بقانون رقم ١٨ سنة ١٩٦٧ المشار اليه - تخويلها رئيس الجمهورية سلطة احالة الجرائم المنصوص عليها فيها الى محكمة الثورة - هذه السلطة مقصورة على الجرائم التي أوردها النص وتتم في نطاق الاختصاص الذي عينه القرار بقانون للمحكمة - اثر ذلك ـ لا ينطوي تخويل رئيس الجمهورية هذه السلطة على تعديل اختصاص جهات القضاء الأخرى بيان ذلك .
(م) محكمة الثورة - سلطة التحقيق والادعاء - المادة الرابعة من القرار بقانون رقم 48 لسنة ١٩٦٧ المشار اليه - تخويلها رئيس الجمهورية تحديد من يمثل سلطة التحقيق والادعاء بالنسبة الى الدعاوى التي تنظرها محكمة الثورة في قرار التشكيل - لا تسري على مخالفة الدستور - اساس ذلك.
(ن) محكمة الثورة - احكامها - المادة السابعة من القرار بقانون رقم ٤٨ لسنة المشار اليه - نصها على ان احكام محكمة الثور نهائية ولا يجوز الطعن فيها - يوافق الدستور - اساس ذلك
(س) طعن دستوری - القرار بقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٦٧ بإنشاء محكمة الثورة - العبارة الأخيرة من مادته الأولى - نصها على تخويل رئيس الجمهورية ان يحيل الى محكمة الثورة الأفعال التي تعتبر ضد المبادئ التي قامت عليها الثورة - لا يخل سلامة ما نص عليه المادة المذكورة من تحديد واضح لاختصاص محكمة الثورة بالفصل في الجرائم المنصوص عليها فيها - أثر ذلك - الطعن على النص لهذا السبب غير مجد
(ع) محكمة الثورة - اجراءات التحقيق والمحاكمة - المادة الثالثة من القرار بقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٦٧ المشار اليه - نصها على عدم تقيد محكمة الثورة فيما تباشره من اجراءات التحقيق والمحاكمة لا بما يرد في قرار تشكيلها - لا يخالف الدستور - أساس ذلك .
(ف) محكمة الثورة - رد القضاة - المادة الخامسة من القرار بقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٦٧ المشار اليه - نصها على عدم جواز رد هيئة المحكمة أو أحد أعضائها - لا يخالف الدستور - اسباس ذلك - ان حق المتقاضين في رد القضاة ليس من الحقوق الدستورية المقررة بنص الدستور ولا يمس منع الرد باستقلال القضاء ولا يخل بحق الدفاع ولا بمبدأ المساواة - بيان ذلك.
-----------------
(1) إن قضاء هذه المحكمة جرى بأن المحكمة
العليا ليست جهة طعن بالنسبة إلى محكمة الموضوع وإنما هي جهة اختصاص أصيل حدده قانون إنشائها،
ولئن كانت الدعوى الدستورية لا ترفع إلا بطريق الدفع الذي يثار أمام محكمة الموضوع
إلا أنها متى رفعت إلى المحكمة العليا فإنها تستقل عن دعوى الموضوع لأنها تعالج
موضوعا مغايرا لموضوع الدعوى الأصلية الذي يتصل به الدفع بعدم الاختصاص، ومن ثم تكون محكمة الموضوع - دون المحكمة العليا - صاحبة الولاية في الفصل
فيه، ولا يعرض أمر الاختصاص على هذه المحكمة إلا حيث يكون هناك تنازع على الاختصاص
بين جهات القضاء ويطلب إليها تعيين الجهة المختصة بنظر النزاع تطبيقا للفقرة
الرابعة من المادة الرابعة من قانون المحكمة العليا.
(2) إن الثابت من الحكم الصادر من محكمة الثورة في قضية الجناية رقم 1 لسنة 1971 المدعي العام الاشتراكي
المرفقة بالدعوى أن المدعي أحيل إلى محكمة الثورة متهما بالاشتراك مع آخرين بوصفهم من الوزراء
العاملين بالدولة في ارتكاب جناية الخيانة العظمى، وقضت المحكمة المذكورة في 9 من ديسمبر
سنة 1971 بإدانته ومعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة سنة وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة
لمدة ثلاث سنوات، ولما كان انقضاء مدة وقف تنفيذ العقوبة دون أن يصدر خلالها حكم
بإلغائه وإن كان يترتب عليه اعتبار الحكم كأن لم يكن عملا بنص المادة 59 من قانون العقوبات وسقوطه بكافة آثاره الجنائية وهو ما يعد بمثابة رد اعتبار قانوني للمحكوم عليه، إلا أن للمدعي مصلحة أدبية في أن تعاد محاكمته
لإثبات براءته من الجريمة التي نسب إليه ارتكابها وإزالة الشوائب والظلال التي علقت
باسمه بسبب اتهامه وهو ما يستهدف من رفع الدعوى توصلا إلى إعادة محاكمته أمام محكمة مختصة وفقا لتصويره.
(3) إن الأصل، تطبيقا لمبدأ الفصل بين
السلطات، الذي قننته الدساتير في مصر على نحو يكفل التوازن والتعاون بينها، أن
تختص السلطة التشريعية بوظيفة التشريعات وأن تمارسها بنفسها على مقتضى القواعد
الدستورية وفقا لما تنص عليه المادة 47 من دستور
سنة 1964 التي تقابل المادة 86 من الدستور
القائم، فلا تتخلى عنها للسلطة التنفيذية، إلا أنه نظرا لما تقتضيه الظروف
الاستثنائية التي قد تحل بالبلاد من ضرورة مواجهتها في سرعة وحسم بتشريعات عاجلة فقد أجازت الدساتير
الصادرة في سنة 1956 وسنة 1964 وسنة 1971 تفويض السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية)
في إصدار قرارات لها قوة القانون. وقد حرص
الشارع إذ أباح هذا التفويض على أن يضع له من الضوابط والقيود ما يكفل جعل زمام التشريع في يد السلطة التشريعية
المختصة وذلك بتقييده من حيث الظروف التي تبرره وأمد سريانه والموضوعات التي يرد عليها والأسس
التي تقوم عليها، وقد يشترط الشارع الدستوري توافر أغلبية خاصة لإقرار قانون التفويض
وضرورة عرض هذه القرارات بقوانين على السلطة التشريعية في أول جلسة بعد انتهاء مدة
التفويض فإذا لم تعرض أو عرضت ولم توافق عليها السلطة التشريعية زال ما كان لها من قوة
القانون، وهو ما تنص عليه المادة 108 من الدستور
القائم، وذلك كله حتى لا يؤدي التفويض إلى نزول السلطة التشريعية عن اختصاصها
وبذلك يوفق الشارع الدستوري بين مقتضيات نظام الفصل بين السلطات وكفالة قيام
السلطات بوظائفها الدستورية وبين الاعتبارات العملية الملحة التي تقتضي تفويض رئيس
الجمهورية في ممارسة وظيفة التشريع على سبيل الاستثناء لمواجهة تلك الظروف
الاستثنائية، وقد نص دستور سنة 1964 الذي صدر في ظله القانون رقم 15
لسنة 1967 المطعون فيه في المادة 120 منه على أن "لرئيس الجمهورية في الأحوال الاستثنائية بناء على
تفويض من مجلس الأمة أن يصدر قرارات لها قوة القانون ويجب أن
يكون التفويض لمدة محدودة وأن يعين موضوعات هذه القرارات والأسس التي تقوم
عليها" ويستفاد من هذا النص أنه يشترط لسلامة التفويض وصحته أن تطرأ ظروف استثنائية
تبرره وأن يكون محدود المدة معين الموضوعات التي يجرى فيها والأسس التي يقوم
عليها، وكلها قيود على السلطة التنفيذية حتى لا تمارس ذلك الاختصاص الاستثنائي
بإصدار قرارات لها قوة القانون إلا أن
تقوم مبرراته ودواعيه على أن يكون ذلك في الحدود وفقا للضوابط التي تضعها السلطة
التشريعية صاحبة الاختصاص الأصيل في ممارسة وظيفة التشريع.
(4) يبين من نصوص القانون رقم 15
لسنة 1967 وأعماله التحضيرية التي تقدم ذكرها أنه صدر في ظروف كانت تنذر باندلاع
الحرب بين مصر وإسرائيل مما يعرض أمن البلاد
وسلامتها لأخطار جديدة، وقد نشبت الحرب فعلا في الخامس من شهر يونيه سنة 1967 بعد نحو أسبوع من تاريخ صدور ذلك القانون. ولا جدال
في أن هذه ظروف استثنائية يقتضي أمن الدولة
وسلامتها مواجهتها في سرعة وحسم، ومن ثم تبرر
تفويض رئيس الجمهورية في ممارسة سلطة التشريع استثناء تحقيقا لهذا الهدف.
(5) إنه عن الشرط الثاني الخاص بتحديد مدة
التفويض، وهو القيد الزمني الذي يحول دون إطلاقه، فإن الشارع قدر أن تحديد هذه
المدة بوحدات قياس الزمن العادية
كالسنة والشهر أمر بالغ الصعوبة بل يكاد يكون مستحيلا لأن المعركة بين مصر
وإسرائيل متأرجحة تتغير من يوم لآخر وليس واضحا ما إذا كانت الظروف الاستثنائية تنتهي في أمد
محدد ولهذا اتخذ معيارا آخر لتحديد مدة التفويض فربطه بالظروف التي اقتضت إصداره،
وهي ظروف موقوتة بطبيعتها بحيث يبقى ما بقيت هذه الظروف وتنتهي بانتهائها وبهذا
يتوافر شرط تحديد المدة.
(6) إنه عن الشرط الثالث المتعلق بتعيين
الموضوعات التي يرد عليها التفويض فإن المادة الأولى من القانون رقم 15
لسنة 1967 قد حددت في شطرها الأول موضوعات معينة هي تلك التي تتعلق بأمن الدولة وسلامتها وتعبئة إمكانياتها البشرية والمادية ودعم المجهود
الحربي والاقتصاد الوطني - ولئن كان هذا التحديد قد اتسم بشيء من السعة،
فإن ذلك قد أملته حالة الحرب وهي الظرف الاستثنائي الذي اقتضى إصدار قانون التفويض
لمواجهة هذه الحالة بأداة التشريع العاجل حماية لأمن البلاد
وسلامتها ودفعا للأخطار عنها ودعما لقواتها العسكرية في معركتها مع العدو - أما ما
تضمنته العبارة الأخيرة في المادة المذكورة من تفويض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون "بصفة عامة في كل ما يراه ضروريا لمواجهة الظروف الاستثنائية" -
فإنه لا ينفي عن الشطر الأول من النص استيفاءه لشرط تعيين الموضوعات التي يرد عليها التفويض وذلك
بالنسبة إلى الموضوعات المحددة فيه على الوجه السابق بيانه.
(7) إنه بالنسبة للأسس التي تقوم عليها
الموضوعات التي فوض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات بشأنها فإنها تستفاد من العبارة
الأخيرة من نص المادة الأولى من القانون رقم 15
لسنة 1967 المتقدم ذكرها، فضلا عن المذكرة الإيضاحية والأعمال التحضيرية لهذا القانون،
فقد أرسى القانون أساسا
عاما يقيد السلطة التنفيذية فيما تصدره من قرارات بقوانين بمقتضى التفويض وهو أن تكون هذه القرارات ضرورية
لمواجهة الظروف الاستثنائية التي حلت بالبلاد بالسرعة والحسم الواجبين، وأن تكون
ممارسة رئيس الجمهورية لهذا الاختصاص الاستثنائي بالقدر الضروري لمواجهة هذه
الظروف.
(8) إن الدستور وقد حدد الوظائف المنوطة
بسلطات الدولة ووضع الضوابط والقيود لأدائها بما يكفل التوازن والتعاون بينها، فإن
ممارسة هذه السلطات للوظائف التي ناطها بها الدستور وفق الضوابط وفي الحدود التي
رسمها لا تتعارض بداهة من الناحية الدستورية مع الأحكام الأخرى التي ينص عليها الدستور - لذلك فإن
التفويض التشريعي الذي تضمنه القانون رقم 15
لسنة 1967، وقد صدر وفقا للضوابط والقيود التي تنص عليها المادة 120 من دستور
سنة 1964 الذي صدر في ظله ومتفقا مع حكمها على ما تقدم، لا يترتب على صدوره
وممارسته وفقا للضوابط والقيود التي صدر على مقتضاها إعفاء السلطة التنفيذية
وتحللها من الخضوع للقانون، ومن ثم فلا
يتعارض هذا القانون ولا
يخالف نص المادتين 64، 65 من الدستور القائم.
(9) إن دستور سنة 1964 الذي صدر القرار
بقانون المطعون
فيه في ظله إذ نص في المادة 120 منه آنفة الذكر على أن "لرئيس الجمهورية في الأحوال الاستثنائية
بناء على تفويض من مجلس الأمة أن يصدر قرارات لها قوة القانون ويجب أن
يكون التفويض لمدة محددة وأن يعين موضوعات هذه القرارات والأسس التي تقوم
عليها" إن مؤدى ذلك أن المشرع الدستوري أجاز للسلطة التشريعية تفويض رئيس
الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون بالشروط
الواردة بهذا النص، وأنه بصدور هذا التفويض مستوفيا شرائطه ينتقل الاختصاص
التشريعي لمجلس الأمة إلى رئيس الجمهورية في الموضوعات التي فوض فيها، ويكون له حق
ممارسة صلاحيات هذا المجلس في خصوص ما فوض فيه، ومن ثم تكون
القرارات بقوانين التي يصدرها رئيس الجمهورية بناء على هذا التفويض لها قوة
القانون وتتناول
كل ما يتناوله التشريع الصادر من السلطة التشريعية بما في ذلك الموضوعات التي نص الدستور على أن يكون
تنظيمها بقانون.
(10) إن استناد المدعي إلى الفتوى الصادرة من مجلس
الدولة الفرنسي في 6 من فبراير سنة 1952 لتأييد دفاعه القائم على عدم دستورية التفويض
التشريعي في المسائل التي احتجزها الدستور للقانون استناداً
في غير موضعه، ذلك أنه يبين من تقصي الملابسات التي صدرت فيها هذه الفتوى أنها تتعلق بتفسير المادة 13 من دستور فرنسا الصادر في سنة 1946 والتي تنص على أن تصوت الجمعية الفتوى
أنه لا يجوز للبرلمان أن يعهد للحكومة في قانون التفويض بالتشريع في مسائل محجوزة له بموجب الدستور أو بمقتضى العرف
الدستوري وإنما يجوز التفويض في الموضوعات التي حجزها البرلمان لنفسه وتدخل في
تنظيمها فأصبحت محجوزة له طبقا للقانون، وقد كشفت هذه الفتوى حكم المادة 13 من دستور 1946 التي كان نصها صريحا في حظر التفويض التشريعي في الموضوعات
المحجوزة للبرلمان، وواضح من ذلك أن الفتوى المذكورة صدرت في ظل نظام دستوري لم يكن يجيز التفويض
في التشريعات بحظر صريح تضمنته المادة 13 سالفة الذكر وهو وضع يختلف عن الوضع في النظام الدستوري المصري الذي
صدر في ظله قانون التفويض رقم 15 لسنة 1967 حيث أباح دستور سنة 1964 في المادة 120 منه
التفويض التشريعي، ومن ثم يكون
الاستدلال بهذه الفتوى في غير موضعه. وقد فقدت هذه الفتوى سندها الدستوري بعد
إلغاء الدستور الصادر في سنة 1946 في فرنسا وحلول الدستور الصادر سنة 1958 محله،
فقد أجازت المادة 38 منه تفويض الحكومة في إصدار قرارات لها قوة القانون خلال مدة معينة على أن يتم التفويض بقانون. والتفويض
المقصود بنص المادة المشار إليها هو الذي ينصب على الموضوعات المحتجزة للقانون بموجب الدستور إذ أن الموضوعات غير المحتجزة في الدستور للقانون أصبحت طبقاً للمادة 37 من هذا الدستور ذات صفة لائحية وأصبح تنظيمها يتم بقرارات لائحية دون حاجة
إلى تفويض في ذلك يصدر من السلطة التشريعية.
(11) إنه متى كان لقرار رئيس الجمهورية
بالقانون رقم 48
لسنة 1967 المطعون فيه، والذي صدر بناء على قانون التفويض، قوة القانون الصادر من السلطة
التشريعية على ما تقدم، فإن لهذا القرار بقانون أن
يتناول بالتنظيم الموضوعات التي عينها قانون التفويض الذي صدر بالاستناد إليه ولو كانت من الموضوعات التي نص الدستور على أن يكون تنظيمها بقانون، ويدخل في ذلك
ترتيب جهات القضاء وتعيين اختصاصها، ومن ثم فإن
ما تنص عليه المادة الأولى من القرار بقانون المطعون
فيه عن إنشاء محكمة الثورة وتعيين اختصاص لها لا يخالف المادة 153 من الدستور
آنفة الذكر.
(12) إنه لا وجه لما يثيره المدعي من أن ما
تنص عليه المادة الأولى من القرار بقانون المطعون
فيه من تخويل رئيس الجمهورية سلطة إحالة الجرائم المنصوص عليها فيها إلى
محكمة الثورة مقتضاه تعديل اختصاص جهات القضاء الأخرى، ذلك أن الشطر الأول من المادة المذكورة ينص على أن "تختص المحكمة بالفصل فيما يحيله إليها رئيس
الجمهورية من الدعاوى المتعلقة بارتكاب الجرائم المنصوص عليها في الكتاب الثاني من قانون العقوبات أو في قانون الأحكام
العسكرية أو أية جريمة تمس سلامة الدولة داخليا أو خارجيا أيا كان القانون الذي ينص عليها ......". وقد تضمن هذا الشطر من المادة بذاته
تحديد اختصاص محكمة الثورة بالفصل في الجرائم التي عينها فنص على فئتين من الجرائم
أولاهما حددها النص بأنها تلك التي نص عليها في الكتاب الثاني من قانون العقوبات وعنوانه
"الجنايات والجنح المضرة بالمصلحة العمومية وبيان عقوبتها" وما نص عليه قانون الأحكام
العسكرية الصادر بالقانون رقم 25
لسنة 1966 من هذه الجرائم، وتشمل الفئة الثانية أي جريمة تمس سلامة الدولة داخليا
أو خارجيا أيا كان القانون الذي ينص
عليها وهي الأخرى جرائم متميزة محددة بأوصافها ولها مجال محدد ومدلول خاص استقر في
الفقه والقضاء، وبذلك يقوم الاختصاص لمحكمة الثورة بالفصل في الجرائم المحددة السالف
بيانها بأداة تشريعية لها قوة القانون تملك
تقرير هذا الاختصاص طبقا لأحكام الدستور، ويقوم هذا الاختصاص جنبا إلى جنب مع
الاختصاص المخول في هذا الشأن للمحاكم الجنائية وللمحاكم العسكرية. وأما سلطة
الإحالة إلى محكمة الثورة التي ناطها النص المشار إليه برئيس الجمهورية وقصد بها
تخويله سلطة وزن الاعتبارات التي تقتضي المحاكمة أمام محكمة الثورة بالنسبة لهذا
الاختصاص المشترك بينها وبين المحاكم الجنائية والمحاكم العسكرية فإن هذه السلطة
التي تقررت لرئيس الجمهورية بأداة لها قوة القانون مقصورة
على الجرائم التي أوردها النص وتتم في نطاق الاختصاص الذي عينه للمحكمة، ومن ثم فلا ينطوي تخويل رئيس الجمهورية هذه السلطة على تعديل اختصاص جهات
قضائية أخرى.
(13) إن النعي على المادة الرابعة من القرار بقانون المطعون
فيه بأنها إذ تخول رئيس الجمهورية تحديد من يمثل سلطة التحقيق والادعاء بالنسبة للدعاوى التي تنظرها محكمة الثورة
في قرار التشكيل تكون قد خولت رئيس الجمهورية انتزاع اختصاص التحقيق والادعاء من النيابة
العامة وهي جهة قضائية وإسناده إلى جهة أخرى، هذا النعي مردود بأن دستور سنة 1964
الذي صدر القرار بقانون المطعون
فيه في ظله خلا من نصوص تقضي أن تكون إقامة الدعوى الجنائية بأمر من النيابة العامة أو أي جهة قضائية، وقد أجاز الدستور القائم إقامة
الدعوى الجنائية بغير أمر من جهة قضائية، فتنص المادة 70 من هذا
الدستور على أنه "لا تقام الدعوى الجنائية إلا بأمر من جهة قضائية فيما عدا الأحوال التي يحددها القانون"، وقد أباح قانون الإجراءات الجنائية إقامة الدعوى الجنائية من غير النيابة العامة فتنص المادة الأولى منه على
"أن تختص النيابة العامة دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها ولا ترفع من غيرها
إلا في الأحوال المبينة بالقانون".
وقد
رددت المادة 21 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46
لسنة 1972 هذا الحكم، لما كان ذلك وكان القرار بقانون رقم 48
لسنة 1967 له قوة القانون فإن نصه
في المادة الرابعة منه على أن يمثل سلطة التحقيق والادعاء بالنسبة للدعاوى التي تنظرها
محكمة الثورة الجهة أو الشخص الذي يحدده قرار التشكيل لا يخالف الدستور.
(14) إن النعي على المادة السابعة من القرار بقانون المطعون
فيه أنها إذ تنص على أن أحكام محكمة الثورة نهائية ولا يجوز الطعن فيها تتضمن تعديلا لاختصاصات محكمة النقض بالنسبة إلى الأحكام التي تصدرها محكمة
الثورة مردود بأنه ليس في أحكام الدستور ما يحظر النص على أن تكون الأحكام التي
تصدر من جهة قضاء نهائية وغير قابلة للطعن، وقد جرى الشارع على النص على ذلك بالنسبة
للأحكام التي تصدرها بعض جهات القضاء لاعتبارات تقتضي ذلك. ومن حيث أنه لما تقدم فإن النعي على القرار بقانون المطعون
فيه بهذا السبب يكون على غير أساس سليم.
(15) إن النعي على العبارة الأخيرة من المادة الأولى من القرار بقانون المطعون
فيه إذ تنص على تخويل رئيس الجمهورية أن يحيل إلى محكمة الثورة الأفعال التي تعتبر
ضد المبادئ التي قامت عليها الثورة بأنها تخالف المادة 25 من دستور
سنة 1964 والمادة 66 من الدستور القائم اللتين تنصان على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون - هذا
النعي مردود بأن ورود العبارة المشار إليها في نهاية المادة الأولى سالفة الذكر لا يخل بسلامة ما تنص عليه من تحديد واضح لا لبس فيه لاختصاص محكمة الثورة في الفصل في الجرائم
المحددة المنصوص عليها في الكتاب الثاني من قانون العقوبات أو في قانون الأحكام العسكرية وكذلك الجرائم التي تمس سلامة الدولة داخليا أو
خارجيا والمحددة بوصفها ومدلولها على ما تقدم. وإذ كان
الثابت من حكم محكمة الثورة المرافق بأوراق الدعوى أن ما نسب إلى المدعي وحوكم
عنه أمام محكمة الثورة هو لارتكابه جريمة الخيانة العظمى التي نص عليها قانون محاكمة
الوزراء رقم 79 لسنة 1958، والتي تعتبر من الجرائم التي تمس سلامة الدولة وأمنها والمنصوص عليها في الكتاب
الثاني من قانون العقوبات والتي تندرج في الجرائم التي حددتها المادة الأولى من القرار بقانون المطعون
فيه والتي يستقيم نصها بذاته وينتج أثره القانوني بعد استبعاد العبارة المشار
إليها، لذلك فإن ما يثيره المدعي في هذا السبب يكون غير مجد في دعواه.
(16) إن القرار بقانون آنف
الذكر أداة تشريعية لها قوة القانون الصادر من السلطة
التشريعية، وله بهذه المثابة تنظيم أي من الموضوعات المحتجزة للقانون نص
الدستور على ما تقدم، ومن ثم فإن
لهذا القرار بقانون أن يخص
المحكمة التي رتبها بأحكام بالنسبة لإجراءات التحقيق والمحاكمة تختلف عما هو متبع
في التحقيق المحاكمة أمام الجهات القضائية الأخرى ما دامت هذه الأحكام لا تخالف
الدستور ولما كان القرار بقانون المذكور
قد خلا من أحكام في هذا الخصوص في الدستور فإنه لا يكون متعارضا مع أحكامه - أما
ما يثيره المدعي من ادعاء التعارض بين القرار المطعون فيه وقوانين أخرى من ذات
مرتبته، فهو مردود بأن الرقابة القضائية على دستورية القوانين تقوم على مخالفة
التشريع لنص دستوري فلا تمتد لحالات التعارض أو التنازع بين القوانين ذات المرتبة
الواحدة، لذلك فإن ما يثيره المدعي في هذا الخصوص لا يصلح سببا للطعن بعدم
الدستورية ولا يتناوله اختصاص هذه المحكمة.
(17) حق المتقاضين في رد القضاة ليس من الحقوق
الدستورية المقررة بنص الدستور، وإنما هو مقرر بتشريع عادي، إذ نص عليه قانون المرافعات
وقانون الإجراءات
الجنائية. وقد منعه
القانون عن
المتقاضين إذا قامت دواعي هذا المنع، ومن ثم فلا
يمس منع حق
الرد باستقلال القضاء، كما لا يخل هذا المنع بحق الدفاع المكفول للمتهمين أمام
محكمة الثورة طبقا للأصول الدستورية المقررة، وليس في تقرير هذا المنع ما يخل
بمبدأ المساواة، ذلك أن عموم القاعدة القانونية يتوافر بمجرد انتفاء التخصيص بأن
يسن الشارع قاعدته مجردة عن الاعتداد بشخص معين أو واقعة محددة بالذات، والشارع
يملك بسلطته التقديرية لمقتضيات الصالح العام وضع شروط تحدد المراكز القانونية
التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون بحيث إذا
توافرت هذه الشروط في طائفة من الأفراد وجب إعمال المساواة بينهم لتماثل ظروفهم ومراكزهم القانونية،
فإذا اختلفت هذه الظروف بأن توافرت الشروط في البعض دون البعض الآخر انتفى مناط التسوية بينهم، والتجاء المشرع إلى هذا الأسلوب في تحديد شروط
موضوعية يقتضيها الصالح العام للتمتع بالحقوق لا يخل بشرطي العموم والتجريد في
القاعدة القانونية ذلك لأن المشرع إنما يخاطب الكافة من خلال هذه الشروط، ولما كان التشريع المطعون فيه قد استن قواعد عامة
مجردة لا تستهدف حالة فردية بذاتها وإنما تطبق على من يحاكمون أمام محكمة الثورة كافة طبقا للشروط والأوضاع التي نص عليها
القانون والذين
تختلف ظروفهم عن باقي المتهمين.
--------------
الوقائع
تتحصل الوقائع، على ما يبين من الأوراق، في أنه نسب إلى المدعي أنه خلال أشهر فبراير ومارس وأبريل
ومايو سنة 1971 بدائرة محافظتي القاهرة والجيزة والمحافظات الأخرى الموضحة
بالتحقيقات اشترك مع آخرين بوصفهم من الوزراء العاملين بالدولة بطريق التحريض والاتفاق والمساعدة في ارتكاب
جناية الخيانة العظمى وبموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 2110 لسنة 1971 أحيلت الدعوى
إلى محكمة الثورة المشكلة بقرار رئيس الجمهورية رقم 1929 لسنة 1971 الذي صدر بناء
على قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 48
لسنة 1967 بإنشاء محكمة الثورة وذلك لمعاقبته طبقا للمواد 5، 6، 7 من القانون رقم 79 لسنة 1958 في شأن محاكمة الوزراء والمواد 40 و41 و48 و87/ 1
و96/ 1 و99 و112 و118 من قانون العقوبات. وقد أقام المدعي الدعوى رقم 1764 لسنة 25 القضائية أمام محكمة القضاء
الإداري ضد المدعى عليهم بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة المذكورة في 22 من سبتمبر
سنة 1971 طالبا: أولا: الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم
1929 لسنة 1971 بتشكيل محكمة الثورة وقرار المدعي العام الاشتراكي بإحالة المدعي
إلى محكمة الثورة متهما بتهمة الخيانة العظمى وما يترتب على ذلك من آثار
ثانيا: بعد تحضير الدعوى الحكم بإلغاء القرارين المطعون فيهما واعتبار كل منهما كأن لم يكن وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المطعون ضدهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وكان من بين
الأسانيد التي استند إليها المدعي في دعواه عدم دستورية قانون التفويض رقم 15 لسنة 1967 وقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 48 لسنة 1967 بإنشاء محكمة الثورة الذي صدر بناء على قانون التفويض
آنف الذكر مستهدفا بذلك التوصل إلى بطلان قرار رئيس الجمهورية رقم 1929 لسنة 1971
بتشكيل محكمة الثورة وقرار المدعي العام الاشتراكي بإحالته إلى محكمة الثورة متهما
بتهمة الخيانة العظمى المطعون فيهما الصادرين استنادا إلى قانون التفويض والقرار بقانون رقم 48
لسنة 1967 المشار إليهما.
ودفع المدعى عليهم الدعوى بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظرها استنادا
إلى أن قرار رئيس الجمهورية رقم 1929 لسنة 1971 المطعون فيه لا يعتبر من قبيل
القرارات الإدارية التي تدخل في ولاية قضاء الإلغاء إذ هو عمل تشريعي ينظم جهة من جهات
القضاء هي محكمة الثورة ولا يتصل ما يتناوله هذا القرار بنشاط الإدارة. وفي 21 من أغسطس
سنة 1973 قرر المدعي بتنازله عن الطلب المستعجل. وفي 29 من يناير سنة 1974 قضت محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات
الأفراد والهيئات) في الدعوى المذكورة: أولا: بإثبات ترك المدعي الخصومة في الطلب
المستعجل وألزمته مصروفاته. ثانيا: برفض الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء
إداري بنظر الدعوى وباختصاصه. ثالثا: بوقف الفصل في الدعوى حتى تفصل المحكمة
العليا في الدفع المثار من المدعي بعدم دستورية القانونين رقمي 15، 48 لسنة 1967 وحددت له ميعاد
ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة العليا. وأقامت المحكمة قضاءها برفض
الدفع بعدم الاختصاص على أن قرار رئيس الجمهورية رقم 1929 لسنة 1971 المطعون فيه
صادر من السلطة التنفيذية في ممارستها للاختصاصات المخولة لها بمقتضى القرار
بقانون رقم 48
لسنة 1967 وهو بهذه المثابة يكون قرارا إداريا تختص محاكم مجلس الدولة بالفصل في
طلب إلغائه وفقا لأحكام قانون مجلس الدولة. وقد أقام المدعي هذه الدعوى ضد المدعى عليهم بعريضة
أودعت قلم كتاب المحكمة العليا في 17 من أبريل سنة 1974 طلب فيها الحكم بقبول الدعوى شكلا وفي الموضوع بعدم
دستورية القانون رقم 15
لسنة 1967 وقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 48
لسنة 1967 مع ما يترتب على ذلك من آثار وبإلزام المدعى عليهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وذلك
للأسباب التي تضمنتها عريضة الدعوى. كما قدم المدعي مذكرة شارحة ضمنها أسانيد
دفاعه، وقدمت إدارة الدعوى. كما قدم المدعي مذكرة شارحة ضمنها أسانيد دفاعه، وقدمت
إدارة قضايا الحكومة نائبة عن المدعى عليهم مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى مع
إلزام المدعي المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وعقب المدعي على دفاع المدعى عليهم
بمذكرة صمم فيها عن طلباته الواردة في صحيفة الدعوى. وقدمت هيئة مفوضي الدولة
تقريرا بالرأي القانوني مسببا انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بعدم قبول الدعوى لعدم
اختصاص محكمة الموضوع ولائيا بنظر المنازعة وفي 26 من فبراير سنة 1975 أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا ثانيا بالرأي
القانوني مسببا انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم: أولا: بقبول الدعوى شكلا. ثانيا:
بعدم قبول الدعوى لانتقاء المصلحة في شقها المتعلق بالطعن على قانون التفويض
رقم 15 لسنة 1967 فيما تضمنه من تفويض عام وبقبول الدعوى فيما عدا ذلك وبرفضها موضوعا. ثالثا: مصادرة
الكفالة وإلزام المدعي المصروفات. وبجلسة أول مارس سنة 1975 قدمت إدارة قضايا
الحكومة نيابة عن المدعى عليهم مذكرة أحالت فيها إلى دفاعها السابق ودفعت بعدم
قبول الدعوى لانتقاء مصلحة المدعي فيها وطلبت الحكم: أصليا: بعدم قبول الدعوى،
واحتياطيا: برفض الدعوى وإلزام المدعي في الحالتين المصروفات ومقابل أتعاب
المحاماة ومصادرة الكفالة. وعقب المدعي على تقريري هيئة مفوضي الدولة ودفاع إدارة
قضايا الحكومة بمذكرة قدمت بجلسة 6 من ديسمبر سنة 1975 صمم فيها على طلباته الواردة في عريضة الدعوى كما
عقبت إدارة قضايا الحكومة على مذكرة المدعي بمذكرة صممت فيها على طلباتها.
وقد نظرت الدعوى بجلسة 4 من يناير سنة 1975 ثم تداولت بالجلسات على الوجه المبين بمحاضر هذه
الجلسات، وبجلسة 6 من ديسمبر سنة 1975 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 7 من فبراير
سنة 1976 وفيها تقرر مد أجل إصدار الحكم إلى جلسة اليوم، وفيها صدر الحكم الآتي:
---------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن
الدعوى قد استوفت الأوضاع الشكلية المقررة قانوناً.
أولاً:- عن الدفع بعدم قبول الدعوى لعدم اختصاص محكمة الموضوع ولائياً
بنظرها:
من حيث إن
مبنى هذا الدفع - الذي أبدته هيئة مفوضي الدولة في تقريرها الأول - أنه لما كانت
الدعوى الدستورية ترفع بطريق الدفع الفرعي وتنبثق عن دفع فرعي بعدم الدستورية يثار
أمام محكمة الموضوع، لذلك فإنه يتعين لقبول الدعوى الدستورية أمام المحكمة العليا
أن تكون المحكمة التي أثير أمامها الدفع وقدرت جديته ورخصت بإقامة الدعوى
الدستورية مختصة بنظر النزاع فإذا انتفى ذلك تخلف شرط من شروط قبول الدعوى الدستورية، ولما كان موضوع الدعوى التي أقامها
المدعي أمام محكمة القضاء الإداري إلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 1929 لسنة 1971
بتشكيل محكمة الثورة وقرار المدعي العام الاشتراكي بإحالة المدعي إلى محكمة الثورة
متهما بتهمة الخيانة العظمى، والقرار الأول يتعلق بتسيير مرفق القضاء ويعتبر بهذه
المثابة عملاً قضائياً، كما يعتبر القرار الثاني قراراً قضائياً ومن ثم يخرج الطعن في كلا القرارين عن اختصاص القضاء الإداري، لذلك فإن
الدعوى الدستورية المقامة من المدعي تكون قد اتصلت بالمحكمة العليا بالمخالفة للأوضاع المقررة قانونا وتكون غير مقبولة.
ومن حيث إن
المدعي رد على هذا الدفع بأن مقتضى الأخذ به تخويل المحكمة العليا ولاية على
الدعوى الموضوعية ولا سند لهذه الولاية سواء في قانون المحكمة العليا الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 81 لسنة 1969 أو في قانون الإجراءات والرسوم أمام المحكمة العليا الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1970. وأنه أيا كان وجه الرأي فيما أثارته هيئة مفوضي
الدولة من اشتراط تحقق اختصاص محكمة الموضوع بنظر الدعوى التي أثير فيها الدفع
الدستوري لقبول الدعوى الدستورية أمام المحكمة العليا، فإن ولاية الفصل في دعوى
الموضوع معقودة لمحكمة القضاء الإداري، وقد جاء قضاء هذه المحكمة برفض الدفع بعدم
اختصاصها بنظر الطعن في قرار رئيس الجمهورية رقم 1929 لسنة 1971، باعتباره قرارا
إداريا، متفقا مع أحكام القانون، كما أصابت في قرارها بإرجاء الفصل في هذا الدفع
بالنسبة لقرار المدعي العام الاشتراكي لحين الفصل في دستورية قرار رئيس الجمهورية
رقم 48 لسنة 1967 تأسيساً على أن تكييف القرار آنف الذكر، وتبين مدى اختصاص
المحكمة بالفصل في الطعن فيه، يتوقف على الفصل في دستورية القرار بقانون رقم 48 لسنة 1967 المذكور ومن ثم يكون
الدفع غير قائم على أساس سليم.
ومن حيث إن
هذا الدفع مردود، ذلك أن قضاء هذه المحكمة جرى بأن المحكمة العليا ليست جهة طعن
بالنسبة إلى محكمة الموضوع وإنما هي جهة ذات اختصاص أصيل حدده قانون إنشائها،
ولئن كانت الدعوى الدستورية لا ترفع إلا بطريق الدفع الذي يثار أمام محكمة
الموضوع، إلا أنها متى رفعت إلى المحكمة العليا فإنها تستقل عن دعوى الموضوع لأنها
تعالج موضوعاً مغايراً لموضوع الدعوى الأصلية الذي يتصل به الدفع بعدم الاختصاص،
ومن ثم تكون
محكمة الموضوع - دون المحكمة العليا - صاحبة الولاية في الفصل فيه ولا يعرض أمر
الاختصاص على هذه المحكمة إلا حيث يكون هناك تنازع على الاختصاص بين جهات القضاء
ويطلب إليها تعيين الجهة المختصة بنظر النزاع تطبيقاً للفقرة الرابعة من المادة الرابعة من قانون المحكمة
العليا، ومن ثم يكون
هذا الدفع غير قائم على أساس سليم من القانون متعيناً
رفضه.
ثانيا:- عن الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة:
من حيث إن
مبنى هذا الدفع، الذي أثاره المدعى عليهم، أن مصلحة المدعي في الدعوى الدستورية
غير متوافرة، ذلك أنه يستهدف بدعواه إزالة الآثار التي ترتبت على إحالته إلى
المحاكمة أمام محكمة الثورة. ولما كان قد حكم عليه بجلسة 9 من ديسمبر سنة 1971 بالحبس مع الشغل لمدة سنة مع وقف تنفيذ العقوبة لمدة
ثلاث سنوات، وقد انقضت مدة وقف التنفيذ دون أن يصدر خلالها حكم بإلغائه، فقد أصبح
بذلك الحكم الصادر ضده كأن لم يكن عملاً بنص المادة 59 من قانون العقوبات، ويكون هذا الحكم قد سقط بكل آثاره الجنائية ويعتبر سقوطه بمثابة
رد اعتبار قانوني
للمدعي ويكون قد تحقق له ما يستهدفه من الطعن بعدم دستورية القانون رقم 15
لسنة 1967 وقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 48
لسنة 1967، وهو التوصل إلى إلغاء محاكمته أمام محكمة الثورة وإحالته إلى المحكمة
التي يقول بأنها المختصة بالفصل فيما نسب إليه إذ أن هذه المحاكمة التي يستهدفها
إما أن تسفر عن براءته وهو ما يتساوى مع ما تحقق للمدعي من رد اعتبار قانوني،
وإما أن تسفر هذه المحاكمة عن إدانته مما يجعله في وضع أسوأ من وضعه الحالي وفي الحالتين تنتفي مصلحته في الدعوى.
ومن حيث إن
المدعي رد على هذا الدفع بأن محو الآثار القانونية للحكم الصادر عليه لا ينفي أن
محكمة الثورة قد أدانته في الجريمة المسندة إليه، وأنه يستهدف بدعواه محو أثر هذه
الإدانة ليظل اسمه مبرءا من جريمة أدين فيها، فضلاً عن أن له ثمة مصلحة في أن يحاكم أمام محكمة
مشكلة طبقاً لأحكام الدستور وهو ما يتحقق إذا ما قضى بعدم دستورية القانون رقم 15 لسنة 1967 والقرار بقانون رقم 48
لسنة 1967 المطعون بعدم دستوريتهما، ولما كان الضرر الأدبي يكفي لتوافر شرط
المصلحة في الدعوى فإن مصلحته في الدعوى الدستورية تكون قائمة.
ومن حيث إن
هذا الدفع مردود، ذلك أن الثابت من الحكم الصادر من محكمة الثورة في قضية الجناية رقم 1 لسنة 1971 المدعي العام الاشتراكي
المرفقة بالدعوى أن المدعي أحيل إلى محكمة الثورة متهماً بالاشتراك مع آخرين
بوصفهم من الوزراء العاملين بالدولة في ارتكاب جناية الخيانة العظمى، وقضت
المحكمة المذكورة في 9 من ديسمبر سنة 1971 بإدانته ومعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة سنة وأمرت
بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات، ولما كان انقضاء مدة وقف تنفيذ العقوبة دون
أن يصدر خلالها حكم بإلغائه وإن كان يترتب عليه اعتبار الحكم كأن لم يكن عملاً بنص المادة 59 من قانون العقوبات وسقوطه بكافة آثاره الجنائية وهو ما يعد بمثابة رد اعتبار قانوني للمحكوم عليه، إلا أن للمدعي مصلحة أدبية في أن تعاد محاكمته
لإثبات براءته من الجريمة التي نسب إليه ارتكابها وإزالة الشوائب والظلال التي علقت
باسمه بسبب اتهامه وهو ما يستهدفه من رفع الدعوى الدستورية توصلاً إلى إعادة محاكمته أمام محكمة مختصة
وفقاً لتصويره، ومن ثم يكون
الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة غير قائم على أساس سليم متعيناً رفضه.
ثالثاً:- عن الموضوع:
1- بالنسبة للقانون رقم 15
لسنة 1967.
من حيث أن
المدعي يطلب الحكم بعدم دستورية القانون رقم 15
لسنة 1967 استناداً إلى الأسباب الآتية:
أولاً:- مخالفة القانون لنص المادة 120 من دستور سنة 1964 التي توجب أن يكون التفويض لمدة محددة وأن تعين
الموضوعات التي يرد عليها والأسس التي يقوم عليها، وهي شروط يجب أن يتوافر كل منها بذاته مستقلاً عن الشروط الأخرى وقال المدعي بياناً لهذه
المخالفة:
1- إن القانون المطعون
فيه قد خلا من تحديد مدة زمنية لسريان التفويض إذ أن المعنى الحقيقي لشرط المدة
المحددة التي تنص عليها المادة 120 من دستور
سنة 1964 الذي صدر في ظله القانون المطعون
فيه أن يكون التفويض لمدة معينة ومحددة بالوحدات التي يقاس بها الزمن وإلا فقد التفويض طبيعته الاستثنائية المؤقتة بوصفه تفويضاً وتحول إلى
تنازل من السلطة التشريعية عن وظيفتها التشريعية.
2- إن القانون المطعون
فيه لم يحدد الموضوعات التي يرد عليها التفويض تحديداً دقيقاً وإنما جاء عاماً وغير
محدد على نحو يعتبر نزولاً من السلطة التشريعية عن سلطتها.
3- إن القانون المذكور
قد خلا من تعيين الأسس التي يتعين أن تلتزم بها السلطة التنفيذية فيما تصدره من تشريعات.
ثانياً:- إن القانون المطعون
فيه وقد تضمن تفويضاً
تشريعياً غير مستوف لشرائط التفويض التي نص عليها الدستور فإنه يتعارض مع مبدأ
سيادة القانون إذ يعني
هذا المبدأ ضمن ما يعنيه
خضوع الإدارة للقانون، وينتفي هذا الخضوع إذا فوضت السلطة التنفيذية في ممارسة
سلطة التشريع على نحو مطلق دون قيد ومن ثم فإن قانون التفويض
وقد تضمن تفويضاً
مطلقاً إلى السلطة التنفيذية في ممارسة وظيفة التشريع فإنه يكون قد خالف نص
المادتين 64، 65 من الدستور القائم الواردتين في الباب الرابع منه
الخاص بسيادة القانون والذي
تسري أحكامه على التشريعات الصادرة قبل العمل به بأثر مباشر.
ومن حيث إن
الحكومة دفعت الدعوى قائلة إن قانون التفويض رقم 15 لسنة 1967 قد استوفى مقوماته الدستورية والتزم القيود
والضوابط المنصوص عليها في المادة 120 من دستور
سنة 1964 الذي صدر في ظله، إذ اقتضت إصداره ظروف استثنائية قامت عندما لاحت نذر
العدوان الإسرائيلي على البلاد وتهديد أمنها وسلامتها، وصدر التفويض الذي تضمنه
القانون لمدة
محدودة فقد نص القانون على
سريان التفويض "خلال الظروف الاستثنائية القائمة" وهو ما يحمل تحديداً
زمنياً للتفويض، إذ لا يشترط أن يكون هذا التحديد بوحدات قياس الزمن المعروفة كالسنة والشهر، كما وردت موضوعات التفويض في ذلك القانون محددة بالغاية التي صدر لتحقيقها فحصرها في تلك التي تتصل بأمن الدولة وسلامتها وتعبئة كل إمكانياتها البشرية والمادية ودعم المجهود
الحربي والاقتصاد الوطني، وأما الأسس التي يقوم عليها التفويض فإنها مرتبطة
بالموضوعات التي تم فيها التفويض والهدف منه وهي
أن تكون ضرورية لمواجهة الظروف الاستثنائية وبقدر هذه الضرورة.
واستطردت الحكومة قائلة إن مصلحة المدعي في الدعوى تتحدد فيما إذا كان
إنشاء محكمة الثورة بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 48
لسنة 1967 يدخل في نطاق الموضوعات التي حددها قانون التفويض، وإن إنشاء محكمة الثورة بالقرار بقانون المذكور
وتخويلها سلطة الفصل في الجرائم التي تمس سلامة الدولة داخلياً وخارجياً يتعلق
بأمن الدولة
وسلامتها التي ورد بشأنها التفويض محدداً على نحو لا يثير أي جدل.
ومن حيث إن
الأصل، تطبيقاً لمبدأ الفصل بين السلطات، الذي قننته الدساتير في مصر على نحو يكفل
التوازن والتعاون بينها، أن تختص السلطة التشريعية بوظيفة التشريع وأن تمارسها
بنفسها على مقتضى القواعد الدستورية وفقاً لما تنص عليه المادة 47 من دستور
سنة 1964 التي تقابل المادة 86 من الدستور
القائم، فلا تتخلى عنها للسلطة التنفيذية، إلا أنه نظراً لما تقتضيه الظروف
الاستثنائية التي قد تحل بالبلاد من ضرورة مواجهتها في سرعة وحسم بتشريعات عاجلة فقد أجازت الدساتير
الصادرة في سنة 1956 وسنة 1964 وسنة 1971 تفويض السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية)
في إصدار قرارات لها قوة القانون، وقد حرص الشارع إذ أباح هذا التفويض على أن يضع
له من الضوابط
والقيود ما يكفل جعل زمام التشريع في يد السلطة التشريعية المختصة وذلك بتقييده من حيث
الظروف التي تبرره وأمد سريانه والموضوعات التي يرد عليها والأسس التي تقوم عليها،
وقد يشترط الشارع الدستوري توافر أغلبية خاصة لإقرار قانون التفويض وضرورة عرض هذه القرارات بقوانين على السلطة التشريعية في أول
جلسة بعد انتهاء مدة التفويض فإذا لم تعرض أو عرضت ولم توافق عليها السلطة
التشريعية زال ما كان لها من قوة القانون، وهو ما تنص عليه المادة 108 من الدستور
القائم، وذلك كله حتى لا يؤدي التفويض إلى نزول السلطة التشريعية عن اختصاصها،
وبذلك يوفق الشارع الدستوري بين مقتضيات نظام الفصل بين السلطات وكفالة قيام
السلطات بوظائفها الدستورية وبين الاعتبارات العملية الملحة التي تقتضي تفويض رئيس
الجمهورية في ممارسة وظيفة التشريع على سبيل الاستثناء لمواجهة تلك الظروف
الاستثنائية، وقد نص دستور سنة 1964 الذي صدر في ظله القانون رقم 15
لسنة 1967 المطعون فيه في المادة 120 منه على أن "لرئيس الجمهورية في الأحوال الاستثنائية بناء على
تفويض من مجلس الأمة أن يصدر قرارات لها قوة القانون ويجب أن
يكون التفويض لمدة محدودة وأن يعين موضوعات هذه القرارات والأسس التي يقوم
عليها". ويستفاد من هذا النص أنه يشترط لسلامة التفويض وصحته أن تطرأ ظروف استثنائية
تبرره وأن يكون محدود المدة معين الموضوعات التي يجرى فيها والأسس التي يقوم
عليها، وكلها قيود على السلطة التنفيذية حتى لا تمارس ذلك الاختصاص الاستثنائي
بإصدار قرارات لها قوة القانون إلا أن
تقوم مبرراته ودواعيه على أن يكون ذلك في الحدود ووفقاً للضوابط التي تضعها السلطة
التشريعية صاحبة الاختصاص الأصيل في ممارسة وظيفة التشريع.
ومن حيث إن
القانون رقم 15
لسنة 1967 المتقدم ذكره قد صدر بناء على اقتراح بقانون تقدم به
في 29 من مايو سنة 1967 بعض أعضاء مجلس الأمة بتفويض رئيس الجمهورية في إصدار
قرارات لها قوة القانون طبقاً
للمادة 120 من الدستور استناداً إلى أن الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد
تقتضي أن يتولى رئيس الجمهورية سلطة التشريع بالسرعة والحسم حماية لأمن الدولة وسلامتها ودعماً للمجهود الحربي والاقتصاد الوطني، وطلب مقدمو
الاقتراح إقراره على وجه الاستعجال واعتبار ما ورد في طلبها تبريرا لإصدار مذكرة
إيضاحية للاقتراح بقانون وقد نص
هذا الاقتراح في المادة الأولى منه على
أن "يفوض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون خلال الظروف الاستثنائية القائمة في جميع الموضوعات التي تتصل بأمن الدولة وسلامتها وتعبئة كل إمكانياتها البشرية والمادية ودعم المجهود
الحربي والاقتصاد الوطني وبصفة عامة في كل ما يراه ضرورياً لمواجهة هذه الظروف
الاستثنائية" وعند نظر هذا الاقتراح بقانون في مجلس
الأمة بجلسة 29 من مايو سنة 1967 (مضبطة الجلسة التاسعة والعشرون) طلب أحد الأعضاء أن
توضح "الظروف الاستثنائية" التي وردت في الاقتراح دون تحديد وأشار إلى
أن المادة 120 من الدستور توجب أن يكون التفويض لمدة محدودة وأن تعين موضوع القرارات
وطلب أن يكون ذلك محل البحث. وقد رد رئيس مجلس الأمة على ذلك قائلاً "إن المادة الأولى من الاقتراح
بقانون تضمنت
تحديد مدة التفويض حيث حددت المدة بأنها "خلال الظروف الاستثنائية" كما
عينت الموضوعات بأنها "تلك التي تتصل بأمن الدولة
وسلامتها وتعبئة كل إمكانياتها البشرية والمادية ودعم المجهود الحربي والاقتصاد
الوطني وبصفة عامة في كل ما يراه ضرورياً لمواجهة هذه الظروف الاستثنائية"
واستطرد رئيس المجلس قائلاً "إن تحديد وقت معين أو مدة محددة لمباشرة هذه
الصلاحيات أمر صعب غاية الصعوبة بل يكاد يكون مستحيلاً لأن المعركة متأرجحة تتغير
بين يوم وآخر وليس واضحاً ما إذا كانت هذه الظروف تنتهي في بحر ستة أشهر مثلاً أو
ثلاثة أو في شهر واحد أو في أسبوعين أو أسبوع ومن ثم فليس
ممكناً تحديدها بوقت معين ويكفي أن تحدد بأنها الظروف الاستثنائية القائمة إلى
جانب أن مجال إعمال التفويض محدد تماماً في الاقتراح" وقد وافق مجلس الأمة
بالإجماع على الاقتراح بقانون بالصيغة
التي قدم بها وصدر به القانون رقم 15
لسنة 1967.
ومن حيث إنه
بالنسبة إلى شرائط صحة التفويض طبقاً للمادة 120 من دستور سنة 1964 فإنه يبين على ما تقدم أنها ثلاثة: أولها: أن يصدر
التفويض لمواجهة ظروف استثنائية والثاني: أن يكون محدد المدة والثالث: أن يعين
الموضوعات التي تصدر بشأنها القرارات بقوانين والأسس التي تقوم عليها.
ومن حيث إنه
عن الشرط الأول فإنه يبين من نصوص القانون رقم 15
لسنة 1967 وأعماله التحضيرية التي تقدم ذكرها أنه صدر في ظروف كانت تنذر باندلاع
الحرب بين مصر وإسرائيل مما يعرض أمن البلاد
وسلامتها لأخطار جدية، وقد نشبت الحرب فعلاً في الخامس من شهر يونيه سنة 1967 بعد نحو أسبوع من تاريخ صدور ذلك القانون، ولا جدال في أن هذه ظروف استثنائية يقتضي أمن الدولة وسلامتها مواجهتها في سرعة وحسم ومن ثم تبرر
تفويض رئيس الجمهورية في ممارسة سلطة التشريع استثناء تحقيقاً لهذا الهدف.
ومن حيث إنه
عن الشرط الثاني الخاص بتحديد مدة التفويض وهو القيد الزمني الذي يحول دون إطلاقه
فإن الشارع قدر أن تحديد هذه المدة بوحدات قياس الزمن العادية
كالسنة والشهر أمر بالغ الصعوبة بل يكاد يكون مستحيلاً لأن المعركة بين مصر
وإسرائيل متأرجحة تتغير من يوم لآخر وليس واضحاً ما إذا كانت الظروف الاستثنائية تنتهي في أمد
محدد ولهذا اتخذ معياراً آخر لتحديد مدة التفويض فربطه بالظروف الاستثنائية التي
اقتضت إصداره، وهي ظروف موقوتة بطبيعتها بحيث يبقى ما بقيت هذه الظروف وتنتهي
بانتهائها وبهذا يتوافر شرط تحديد المدة.
ومن حيث إنه
عن الشرط الثالث المتعلق بتعيين الموضوعات التي يرد عليها التفويض فإن المادة الأولى من القانون رقم 15 لسنة 1967 قد حددت في شطرها الأول موضوعات معينة هي تلك التي
تتعلق بأمن الدولة
وسلامتها وتعبئة كل إمكانياتها البشرية والمادية ودعم المجهود الحربي والاقتصاد
الوطني، ولئن كان هذا التحديد قد اتسم بشيء من السعة فإن ذلك قد أملته حالة الحرب وهي الظرف الاستثنائي الذي اقتضى
إصدار قانون التفويض لمواجهة هذه الحالة بأداة التشريع العاجل حماية لأمن البلاد وسلامتها ودفعاً للأخطار عنها ودعماً لقواتها العسكرية في
معركتها مع العدو – أما ما تضمنته العبارة الأخيرة من المادة المذكورة من تفويض
رئيس الجمهورية في "إصدار قرارات لها قوة القانون بصفة
عامة في كل ما يراه ضرورياً لمواجهة الظروف الاستثنائية". فإنه لا ينفي عن
الشطر الأول من النص استيفاءه لشرط تعيين الموضوعات التي يرد عليها التفويض وذلك
بالنسبة إلى الموضوعات المحددة فيه على الوجه السابق بيانه.
ومن حيث إنه
بالنسبة للأسس التي تقوم عليها الموضوعات التي فوض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات
بشأنها، فإنها تستفاد من العبارة الأخيرة من نص المادة الأولى من القانون رقم 15
لسنة 1967 المتقدم ذكرها فضلاً عن المذكرة الإيضاحية والأعمال التحضيرية لهذا
القانون، فقد أرسى القانون أساساً
عاماً يقيد السلطة التنفيذية فيما تصدره من قرارات بقوانين بمقتضى التفويض، وهو أن تكون هذه القرارات ضرورية
لمواجهة الظروف الاستثنائية التي حلت بالبلاد بالسرعة والحسم الواجبين وأن تكون
ممارسة رئيس الجمهورية لهذا الاختصاص الاستثنائي بالقدر الضروري لمواجهة هذه
الظروف.
ومن حيث إنه
بالنسبة للسبب الثاني من أسباب الطعن وحاصله أن القانون المطعون
فيه وقد فوض السلطة التنفيذية تفويضاً مطلقاً في سلطة التشريع فإن هذا التفويض
يتضمن تنازل
السلطة التشريعية عن وظيفة التشريع إلى السلطة التنفيذية ويتيح لها عدم الخضوع
للقانون بما
يتعارض مع مبدأ سيادة القانون ونص
المادتين 64، 65 من الدستور القائم، وتنص أولاهما على أن سيادة القانون أساس الحكم في الدولة وتقضي الثانية بأن تخضع الدولة للقانون، فإنه
مردود بأن الدستور وقد حدد الوظائف المنوطة بسلطات الدولة ووضع الضوابط والقيود
لأدائها بما يكفل التوازن والتعاون بينها، فإن ممارسة هذه السلطات للوظائف التي
ناطها بها الدستور وفق الضوابط وفي الحدود التي رسمها لا تتعارض بداهة من الناحية
الدستورية مع الأحكام الأخرى التي ينص عليها الدستور، لذلك فإن التفويض التشريعي
الذي تضمنه القانون رقم 15
لسنة 1967 وقد صدر وفقاً للضوابط والقيود التي تنص عليها المادة 120 من دستور
سنة 1964 الذي صدر في ظله ومتفقاً مع حكمها على ما تقدم لا يترتب على صدوره
وممارسته وفقاً للضوابط والقيود التي صدر على مقتضاها إعفاء السلطة التنفيذية أو
تحللها من الخضوع للقانون، ومن ثم فلا
يتعارض هذا القانون مع مبدأ
سيادة القانون ولا
يخالف نص المادتين 64، 65 من الدستور القائم.
ومن حيث إنه
يخلص مما تقدم أن القانون رقم 15
لسنة 1967 بتفويض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون لا يخالف الدستور فيما تضمنه من تفويض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون في الموضوعات التي تتعلق بأمن الدولة
وسلامتها وتعبئة كل إمكانياتها البشرية والمادية ودعم المجهود الحربي والاقتصاد
الوطني ومن ثم يكون
طعن المدعي بعدم دستورية هذا القانون غير قائم
على أساس سليم متعيناً رفضه.
2- بالنسبة لقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 48
لسنة 1967:
من حيث إن
المدعي يقيم دعواه بالنسبة لعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 48 لسنة 1967 على الأسباب الآتية:
أولاً:- أن هذا القرار بقانون مشوب
بعيب عدم الدستورية لصدوره استناداً إلى قانون التفويض رقم 15 لسنة 1967 المخالف للدستور.
ثانياً:- مخالفة القرار بقانون لما تقضي
به المادة 153 من دستور سنة 1964 من أن القانون يرتب
جهات القضاء ويعين اختصاصاتها والتي تقابلها المادة 167 من الدستور
القائم ومقتضى هذا النص أنه لا يجوز ترتيب جهات القضاء أو تعيين اختصاصاتها إلا
بقانون يصدر من السلطة
التشريعية وهذا ما قضت به المحكمة العليا في الدعوى رقم 4 لسنة 1 القضائية وأيده
مجلس الدولة في فرنسا في فتوى له صدرت في 6 من فبراير سنة 1954، وقد خالف القرار بقانون المطعون
فيه المادة 153 المشار إليها بنصه في المادة الأولى منه على
أن "تشكل محكمة خاصة تسمى محكمة الثورة" وتختص هذه المحكمة بالفصل فيما
يحيله إليها رئيس الجمهورية من الدعاوى المتعلقة بارتكاب الجرائم المنصوص عليها في الكتاب الثاني من قانون العقوبات أو في قانون الأحكام
العسكرية ..." مرتباً بذلك جهة من جهات القضاء بغير الأداة التي نص عليها الدستور، ومخولاً رئيس
الجمهورية بقرار منه
تعديل اختصاص الجهات القضائية القائمة بأن ينزع منها
اختصاصها في الفصل في الجرائم المشار إليها المقرر لها بموجب القانون وبنقل هذا الاختصاص إلى محكمة الثورة على خلاف حكم الدستور، كما خالف
القرار بقانون المذكور المادة 153 من الدستور آنفة الذكر بنصه في المادة الرابعة منه على
أن يمثل سلطة التحقيق والادعاء بالنسبة للدعاوى التي تنظرها محكمة الثورة الجهة أو
الشخص الذي يحدده قرار التشكيل مخولاً رئيس الجمهورية بقرار يصدره تعديل اختصاص
النيابة العامة وهي جزء من السلطة القضائية أضفى عليها القانون الولاية
القضائية بالنسبة إلى التحقيق الابتدائي وإسناده إلى جهة أخرى، كما خالف القرار
بقانون المطعون
فيه نص المادة 153 المشار إليها بنصه في المادة السابعة منه على
أن أحكام محكمة الثورة نهائية ولا يجوز الطعن فيها بأي وجه من الوجوه، معدلاً بذلك الاختصاص المقرر بمقتضى القانون لمحكمة النقض بنظر الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة في الجنايات بصفة
عامة وذلك بإلغاء اختصاص محكمة النقض في هذا الخصوص بالنسبة للأحكام التي تصدرها
محكمة الثورة.
ثالثاً:- أن القرار بقانون المطعون
فيه يقضي بتجريم أفعال لم ينص أي قانون على تجريمها "إذ تخول المادة الأولى منه رئيس
الجمهورية أن يحيل إلى محكمة الثورة الأفعال التي تعتبر ضد المبادئ التي قامت
عليها الثورة" منشئاً
بذلك نوعاً من الجرائم لم يرد النص على عقوبة لها في أي قانون،
ودون تحديد لكنة هذه الأفعال، والأركان الواجب توافرها لتكوين الجرائم التي تنبثق
عن هذه الأفعال، والعقوبات المقررة
لهذه الجرائم وذلك بالمخالفة لما تنص عليه المادة 25 من دستور
سنة 1964 (ويقابلها نص المادة 66 من الدستور
القائم) التي تقضي بأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على القانون.
رابعاً:- أن القرار بقانون المطعون
فيه قد خالف ما تقضي به بعض مواد الدستور وما يستخلص من روح ومقتضى بعض مواده الأخرى من أن تنظيم إجراءات التحقيق المقيدة للحرية لا يكون إلا بقانون صادر من السلطة التشريعية، إذ ينص دستور سنة 1964 في المادة 27 منه على أنه "لا يجوز القبض على أحد أو حبسه إلا وفق أحكام
القانون" كما تنص المادة 33 منه على
أن "للمنازل حرمة فلا يجوز دخولها إلا في الأحوال المبينة في القانون وبالكيفية المنصوص عليها فيه". ومقتضى هاتين المادتين أن التشريع
الصادر من السلطة التشريعية هو وحده الذي يحدد الأحكام التي تلتزم بها سلطة
الاتهام والتحقيق بالنسبة لإجراءات التحقيق المتصلة بالقبض على الأفراد وحبسهم
وتفتيش منازلهم
سواء تعلق الأمر في ذلك بالتحقيق الابتدائي الذي تجريه سلطة الاتهام والتحقيق أو
بالتحقيق النهائي الذي تجريه المحكمة التي يقدم إليها المتهم، وتنطبق القاعدة
نفسها على إجراءات التحقيق الجنائي الأخرى المقيدة للحرية غير القبض والحبس
والتفتيش على ما هو مستفاد من مقتضى نص المادة 25 من دستور
سنة 1964 آنفة الذكر، وقد خالف القرار بقانون أحكام
الدستور المتقدم ذكرها إذ أن ما تقضي به المادة الثالثة منه من عدم تقيد
محكمة الثورة فيما تباشره من إجراءات التحقيق والمحاكمة إلا بما يرد في قرار تشكيلها يتضمن إعفاء محكمة الثورة من الالتزام بالأحكام التي وضعتها القوانين والمتعلقة بإجراءات التحقيق
والمحاكمة، ولأن ما ينص عليه القرار بقانون في
الفقرة الثانية من المادة الرابعة من أن يكون
لسلطة التحقيق والادعاء كافة الاختصاصات المقررة للنيابة العامة والنيابة العسكرية
وما يتقرر لها من اختصاصات في أمر تشكيل المحكمة يتيح لرئيس الجمهورية تخويل سلطة
التحقيق والادعاء أمام محكمة الثورة اختصاصات تجاوز الاختصاصات المقررة للنيابة
العامة مما قد يترتب عليه المساس بالضمانات التي يقررها قانون الإجراءات الجنائية وغيره من القوانين لصالح المتهمين رغم أن كل ذلك مما يندرج في عداد تنظيم
إجراءات التحقيق والمحاكمة التي لا يجوز تنظيمها طبقاً لأحكام الدستور إلا بقانون.
خامساً:- أن ما تنص عليه المادة الخامسة من القرار بقانون المطعون
فيه من أنه "لا يجوز رد هيئة المحكمة أو أحد أعضائها" يتعارض مع
مقتضى نص المادة 152 من دستور
سنة 1964 (المادة 166 من الدستور القائم) التي تقرر مبدأ استقلال القضاء المقرر لصالح القضاة
والمتقاضين على السواء، إذ أن من وسائل حماية هذا الضمان أن يكون للمتقاضين مكنة رد القاضي، كما يتعارض منع حق الرد مع حق الدفاع الذي كفله نص المادة 28 من دستور
سنة 1964 (المادة 69 من الدستور القائم) ويتعارض هذا المنع أيضاً مع مبدأ المساواة بين
المواطنين في حق الدفاع باعتباره من الحقوق العامة، وهو المبدأ الذي تنص عليه المادة 24 من دستور
سنة 1964 والمادة 40 من الدستور القائم، ذلك أن من يحاكمون عن الجرائم نفسها أمام المحاكم الأخرى غير محكمة الثورة لهم
حق طلب رد قضاتهم إذا قامت مبررات هذا الطلب، في حين أن هذا الحق قد منع بالنسبة لمن يحاكمون
أمام محكمة الثورة.
ومن حيث إن
الحكومة دفعت الدعوى بأوجه الدفاع الآتية:
أولاً:- أن القانون رقم 15
لسنة 1967 صدر متفقاً مع أحكام الدستور ومن ثم فإن
صدور قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 48
لسنة 1967 استناداً إلى قانون التفويض المذكور لا يخالف الدستور.
ثانياً:- إن القرار بقانون الصادر من رئيس
الجمهورية بناء على قانون بتفويضه في التشريع مستوفياً للشروط التي نص عليها الدستور تكون له
قوة القانون، لذلك فإن الأمور التي احتجزها الدستور بنص صريح ليكون تنظيمها بقانون يجوز لرئيس الجمهورية بمقتضى تفويض يصدر من السلطة التشريعية أن ينظمها بقرار بقانون يصدر منه، لذلك يكون ما تضمنه قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 48 لسنة 1967 من نصوص تقضي بإنشاء محكمة الثورة وتعيين اختصاصاتها، وبتحديد الجهة التي
تمثل سلطة التحقيق والادعاء في الدعاوى التي تنظرها المحكمة ونهائية الأحكام التي
تصدرها، وبعدم الطعن فيها بأي وجه من الوجوه لا يخالف نص المادة 153 من دستور
سنة 1964.
ثالثا:- إن القرار بقانون المطعون
فيه بنصه في المادة الأولى منه على
اختصاص محكمة الثورة بالفصل فيما يحيله إليها رئيس الجمهورية من الدعاوى المتعلقة بارتكاب الجرائم المبينة بها "وكذلك الأفعال
التي تعتبر ضد المبادئ التي قامت عليها الثورة" لا يعني تجريم ما لم يجرمه
القانون ولا ينص
على عقوبة لم ينص عليها القانون وإنما
يتضمن الإحالة
إلى نصوص قانونية
متفرقة أشار إليها النص بعبارة جامعة، وعلى ذلك فإن محكمة الثورة تخضع كغيرها من المحاكم
لأحكام القانون والدستور
فلا تملك تأثيم فعل لم يؤثمه القانون أو
القضاء بعقوبة لا ينص عليها القانون أو بغير
العقوبة المقررة قانوناً.
رابعاً:- أن القول بأن تنظيم إجراءات التحقيق المقيدة للقضية لا يكون
إلا بقانون صادر من السلطة
التشريعية على ما هو مستفاد من نص المادتين 27، 33 من دستور سنة 1964 المشار إليهما، وأن القرار بقانون المطعون فيه وقد اشتمل على نصوص في شأن إجراءات التحقيق فإنه يكون قد
خالف الدستور ويتعارض مع ما ينص عليه قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة لاختصاصات النيابة العامة مردود بأن
القرار بقانون الصادر من رئيس
الجمهورية بمقتضى قانون التفويض له قوة القانون الصادر من السلطة
التشريعية وأن التعارض بين القوانين لا يدخل في مجال الرقابة الدستورية.
خامساً:- أن ما تنص عليه المادة الخامسة من القرار بقانون المطعون
فيه من عدم جواز رد هيئة المحكمة أو أحد أعضائها، لا يخالف الدستور، ذلك أن
حق المتقاضين في رد القضاة ليس مقرراً بنص دستوري وإنما بتشريع عادي وقد يحرم هذا
التشريع رد القضاة في بعض الأحوال، وتحريم الرد لا يتعارض مع ضمانات المحاكمة
العادلة، وقد تم تشكيل محكمة الثورة التي حاكمت المدعي على أعلى مستوى وحرص
أعضاؤها على أن يقسموا اليمين على كتاب الله قبل أن يجلسوا على منصة القضاء، وأن عدم جواز الرد لا يتعارض مع مبدأ المساواة ولا يعني
الإخلال بحق الدفاع.
عن السبب الأول:
من حيث أن
هذا السبب من أسباب الطعن وحاصله أن القرار بقانون المطعون
فيه مشوب بعدم الدستورية لصدوره بناء على قانون التفويض رقم 15 لسنة 1967 المخالف للدستور، مردود بأن قانون التفويض
المذكور قد صدر متفقاً مع أحكام الدستور على ما تقدم، ولما كان قرار رئيس
الجمهورية بالقانون رقم 48
لسنة 1967 بإنشاء محكمة الثورة ينظم موضوعاً من الموضوعات التي تتصل بأمن الدولة
والتي تدخل في الموضوعات التي عينها قانون التفويض ويرد عليها التفويض، على نحو ما سلف بيانه لدى مناقشة دستورية القانون المذكور،
لذلك فإن النعي على قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 48
لسنة 1967 لصدوره بناء على قانون غير دستوري لا يقوم على أساس سليم.
عن السبب الثاني:
ومن حيث إن
هذا السبب يقوم على أن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 48
لسنة 1967 المطعون فيه قد خالف نص المادة 153 من دستور
سنة 1964 (التي تقابلها المادة 167 من الدستور
القائم) التي تقضي بأن يكون ترتيب جهات القضاء وتعيين اختصاصاتها بقانون، وذلك
فيما رتبه هذا القرار بقانون من جهة قضاء هي "محكمة الثورة" وفيما يخوله لرئيس الجمهورية من أن يعدل
بقرار منه
اختصاص الجهات القضائية القائمة بما يحيله إلى محكمة الثورة من الجرائم التي تختص بها تلك الجهات، وفيما تضمنه من تعديل اختصاص النيابة العامة وهي جزء من السلطة القضائية، وفيما نص عليه من أن تكون أحكام محكمة الثورة نهائية ولا يجوز الطعن فيها مما ترتب عليه
إلغاء الاختصاص المقرر لمحكمة النقض بنظر الطعن في الأحكام التي تصدرها محكمة
الثورة في الجنايات.
ومن حيث إن
دستور سنة 1964 الذي صدر القرار بقانون المطعون
فيه في ظله إذ نص في المادة 120 منه آنفة الذكر على أن "لرئيس الجمهورية في الأحوال الاستثنائية
بناء على تفويض من مجلس الأمة أن يصدر قرارات لها قوة القانون ويجب أن
يكون التفويض لمدة محدودة وأن يعين موضوعات هذه القرارات والأسس التي تقوم
عليها" فإن مؤدى ذلك: أن المشرع الدستوري أجاز للسلطة التشريعية تفويض رئيس
الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون بالشروط
الواردة بهذا النص، وأنه بصدور هذا التفويض مستوفياً شرائطه ينتقل الاختصاص
التشريعي لمجلس الأمة إلى رئيس الجمهورية في الموضوعات التي فوض فيها ويكون له حق
ممارسة صلاحيات هذا المجلس في خصوص ما فوض فيه، ومن ثم تكون
القرارات بقوانين التي يصدرها رئيس الجمهورية بناء على هذا التفويض لها قوة
القانون وتتناول
كل ما يتناوله التشريع الصادر من السلطة التشريعية بما في ذلك الموضوعات التي نص الدستور على أن يكون
تنظيمها بقانون.
ومن حيث إن
استناد المدعي إلى قضاء المحكمة العليا في الدعوى رقم 4 لسنة 1 القضائية دستورية لا
يسانده في التدليل على حظر التفويض التشريعي في الموضوعات التي نص الدستور على أن
يكون تنظيمها بقانون، فقد قضت المحكمة بحكمها الصادر في الدعوى المذكورة بعدم
دستورية المادة 60 من لائحة
نظام العاملين بالقطاع العام الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 3309 لسنة 1966
المعدل بقرار رئيس الجمهورية رقم 802 لسنة 1967 فيما تضمنته من تعديل قواعد اختصاص جهات القضاء استناداً إلى أن هذا التعديل الذي تم
بموجب قرار جمهوري لا يجوز إجراؤه بغير القانون طبقاً
للمادة 153 من الدستور، لأن الأمور التي احتجزها الدستور بنص صريح ليكون التشريع
فيها بقانون صادر من السلطة
التشريعية لا يجوز تنظيمها أو تعديل أحكامها أو إلغاؤها بأداة تشريعية أدنى وإلا
كانت مخالفة للدستور، والحظر المستفاد من هذا الحكم، كما هو واضح من سياقه، إنما يرد على الأداة التشريعية الأدنى مرتبة من القانون وكانت في خصوص الدعوى المذكورة المادة 60 من قرار
رئيس الجمهورية رقم 3309 لسنة 1966 المعدل بقرار رئيس الجمهورية رقم 802 لسنة 1967
وهو قرار جمهوري عادي في مرتبة أدنى من القانون لم يصدر
استناداً إلى المادة 119 ولا إلى المادة 120 من دستور
سنة 1964 الذي صدر في ظله حتى يكون له قوة القانون، وهذا الحظر الذي قرره الحكم لا
يمتد بداهة إلى قرارات رئيس الجمهورية التي لها قوة القانون طبقاً
لأحكام الدستور والتي لها أن تتناول بالتنظيم الموضوعات التي تدخل في حدود التفويض
ولو كانت من الموضوعات التي احتجزها الدستور للقانون في حدود
الضوابط التي يصدر على أساسها التفويض.
ومن حيث إن
استناد المدعي إلى الفتوى الصادرة من مجلس الدولة الفرنسي في 6 من فبراير سنة 1953 لتأييد دفاعه القائم على عدم دستورية التفويض
التشريعي في المسائل التي احتجزها الدستور للقانون استناداً
في غير موضعه، ذلك أنه يبين من تقصي الملابسات التي صدرت فيها هذه الفتوى أنها تتعلق بتفسير المادة 13 من دستور فرنسا الصادر في سنة 1946 والتي تنص على أن تصوت الجمعية
الوطنية وحدها على القانون وأنها لا
تملك أن تفوض في هذا الحق، ومؤدى هذه الفتوى أنه لا يجوز للبرلمان أن يعهد للحكومة
في قانون التفويض بالتشريع
في مسائل محجوزة له بموجب الدستور أو بمقتضى العرف الدستوري، وإنما يجوز التفويض
في الموضوعات التي حجزها البرلمان لنفسه وتدخل في تنظيمها فأصبحت محجوزة له طبقاً
للقانون، وقد كشفت هذه الفتوى حكم المادة 13 من دستور
1946 التي كان نصها صريحاً في حظر التفويض التشريعي في الموضوعات المحجوزة
للبرلمان، وواضح من ذلك أن الفتوى المذكورة صدرت في ظل نظام دستوري لم يكن يجيز التفويض
في التشريع بحظر صريح تضمنته المادة 13 آنفة الذكر، وهو وضع يختلف عن الوضع في النظام الدستوري المصري الذي
صدر في ظله قانون التفويض رقم 15 لسنة 1967 حيث أباح دستور سنة 1964 في المادة 170 منه
التفويض التشريعي ومن ثم يكون
الاستدلال بهذه الفتوى في غير موضعه، وقد فقدت هذه الفتوى سندها الدستوري بعد
إلغاء الدستور الصادر في سنة 1946 في فرنسا وحلول الدستور الصادر سنة 1958 محله،
فقد أجازت المادة 38 منه تفويض الحكومة في إصدار قرارات لها قوة القانون خلال مدة معينة على أن يتم التفويض بقانون. والتفويض
المقصود بنص المادة المشار إليها هو الذي ينصب على الموضوعات المحتجزة للقانون بموجب الدستور، إذ أن الموضوعات غير المحتجزة في الدستور للقانون أصبحت طبقاً للمادة 37 من هذا الدستور ذات صفة لائحية وأصبح تنظيمها يتم بقرارات لائحية دون
حاجة إلى تفويض في ذلك يصدر من السلطة التشريعية.
ومن حيث إنه
متى كان لقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 48
لسنة 1967 المطعون فيه – والذي صدر بناء على قانون التفويض - قوة القانون الصادر من السلطة
التشريعية على ما تقدم، فإن لهذا القرار بقانون أن
يتناول بالتنظيم الموضوعات التي عينها قانون التفويض الذي صدر بالاستناد إليه ولو كانت من الموضوعات التي نص الدستور على أن يكون تنظيمها بقانون، ويدخل في ذلك
ترتيب جهات القضاء وتعيين اختصاصها، ومن ثم فإن ما
تنص عليه المادة الأولى من القرار بقانون المطعون
فيه من إنشاء محكمة الثورة وتعيين اختصاص لها لا يخالف المادة 153 من الدستور
آنفة الذكر.
ومن حيث إنه
لا وجه لما يثيره المدعي من أن ما تنص عليه المادة الأولى من القرار بقانون المطعون
فيه من تخويل رئيس الجمهورية سلطة إحالة الجرائم المنصوص عليها فيها إلى
محكمة الثورة مقتضاه تعديل اختصاص جهات القضاء الأخرى، ذلك أن الشطر الأول من المادة المذكورة ينص على أن "تختص المحكمة بالفصل فيما يحيله إليها رئيس
الجمهورية من الدعاوى المتعلقة بارتكاب الجرائم المنصوص عليها في الكتاب الثاني من قانون العقوبات أو في قانون الأحكام
العسكرية أو أية جريمة تمس سلامة الدولة داخلياً أو خارجياً أياً كان القانون الذي ينص عليها .........".
وقد تضمن هذا
الشطر من المادة بذاته
تحديد اختصاص محكمة الثورة بالفصل في الجرائم التي عينها، فنص على فئتين من الجرائم
أولاهما حددها النص بأنها تلك التي نص عليها في الكتاب الثاني من قانون العقوبات وعنوانه
"الجنايات والجنح المضرة بالمصلحة العمومية وبيان عقوبتها" وما نص عليه قانون الأحكام
العسكرية الصادر بالقانون رقم 25
لسنة 1966 من هذه الجرائم، وتشمل الفئة الثانية أي جريمة تمس سلامة الدولة داخلياً
أو خارجياً أياً كان القانون الذي ينص
عليها وهي الأخرى جرائم متميزة محددة بأوصافها ولها مجال محدد ومدلول خاص استقر في
الفقه والقضاء، وبذلك يقوم الاختصاص لمحكمة الثورة بالفصل في الجرائم المحددة
السالف بيانها بأداة تشريعية لها قوة القانون تملك
تقرير هذا الاختصاص طبقاً لأحكام الدستور، ويقوم هذا الاختصاص جنباً إلى جنب مع
الاختصاص المخول في هذا الشأن للمحاكم الجنائية وللمحاكم العسكرية، وأما سلطة
الإحالة إلى محكمة الثورة التي ناطها النص المشار إليه برئيس الجمهورية وقصد بها
تخويله سلطة وزن الاعتبارات التي تقتضي المحاكمة أمام محكمة الثورة بالنسبة لهذا
الاختصاص المشترك بينها وبين المحاكم الجنائية والمحاكم العسكرية، فإن هذه السلطة
التي تقررت لرئيس الجمهورية بأداة لها قوة القانون مقصورة
على الجرائم التي أوردها النص، وتتم في نطاق الاختصاص الذي عينه للمحكمة، ومن ثم فلا ينطوي تخويل رئيس الجمهورية هذه السلطة على تعديل اختصاص جهات
قضائية أخرى.
ومن حيث إن
النعي على المادة الرابعة من القرار بقانون المطعون
فيه بأنها إذ تخول رئيس الجمهورية تحديد من يمثل سلطة التحقيق والادعاء بالنسبة للدعاوى التي تنظرها محكمة الثورة
في قرار التشكيل تكون قد خولت رئيس الجمهورية انتزاع اختصاص التحقيق والادعاء من النيابة
العامة وهي جهة قضائية وإسناده إلى جهة أخرى، هذا النعي مردود بأن دستور سنة 1964
الذي صدر القرار بقانون المطعون
فيه في ظله خلا من نصوص تقضي بأن تكون إقامة الدعوى الجنائية بأمر من النيابة العامة أو أي جهة قضائية، وقد أجاز الدستور القائم إقامة
الدعوى الجنائية بغير أمر من جهة قضائية، فتنص المادة 70 من هذا
الدستور على أنه لا تقام الدعوى الجنائية إلا بأمر من جهة قضائية فيما عدا لأحوال التي يحددها القانون، وقد أباح قانون الإجراءات
الجنائية إقامة الدعوى الجنائية من غير النيابة العامة، فتنص المادة الأولى منه على
أن "تختص النيابة العامة دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها ولا ترفع من غيرها
إلا في الأحوال المبينة بالقانون" وقد رددت المادة 21 من قانون السلطة القضائية
الصادر بالقانون رقم 46
لسنة 1972 هذا الحكم، لما كان ذلك وكان القرار بقانون رقم 48
لسنة 1967 له قوة القانون، فإن نصه في المادة الرابعة منه على
أن يمثل سلطة التحقيق والادعاء بالنسبة للدعاوى التي تنظرها محكمة الثورة الجهة أو
الشخص الذي يحدده قرار التشكيل لا يخالف الدستور.
ومن حيث إن
النعي على المادة السابعة من القرار بقانون المطعون
فيه أنها إذ تنص على أن أحكام محكمة الثورة نهائية ولا يجوز الطعن فيها تتضمن تعديلاً لاختصاصات محكمة النقض بالنسبة إلى الأحكام التي تصدرها محكمة
الثورة مردود بأنه ليس في أحكام الدستور ما يحظر النص على أن تكون الأحكام التي
تصدر من جهة قضاء نهائية وغير قابلة للطعن، وقد جرى الشارع على النص على ذلك
بالنسبة للأحكام التي تصدرها بعض جهات القضاء لاعتبارات تقتضي ذلك.
ومن حيث أنه
لما تقدم فإن النعي على القرار بقانون المطعون
فيه بهذا السبب يكون على غير أساس سليم.
عن السبب الثالث:
ومن حيث إن
السبب الثالث من أسباب الطعن بني على أن العبارة الأخيرة من المادة الأولى من القرار
بقانون المطعون
فيه إذ تنص على تخويل رئيس الجمهورية أن يحيل إلى محكمة الثورة الأفعال التي تعتبر
ضد المبادئ التي قامت عليها الثورة تخالف المادة 25 من دستور
سنة 1964 والمادة 66 من الدستور القائم اللتين تنصان على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون.
ومن حيث أن
ورود العبارة المشار إليها في نهاية المادة الأولى آنفة الذكر لا يخل بسلامة ما تنص عليه من تحديد واضح لا لبس فيه لاختصاص محكمة الثورة في الفصل في الجرائم
المحددة المنصوص عليها في الكتاب الثاني من قانون العقوبات أو في قانون الأحكام العسكرية وكذلك، الجرائم التي تمس سلامة الدولة داخلياً أو
خارجياً والمحددة بوصفها ومدلولها على ما تقدم.
وإذ كان الثابت من حكم محكمة الثورة المرفق بأوراق الدعوى أن ما نسب إلى المدعي وحوكم
عنه أمام محكمة الثورة هو ارتكابه جريمة الخيانة العظمى التي نص عليها قانون محاكمة
الوزراء رقم 79 لسنة 1958 والتي تعتبر من الجرائم التي تمس سلامة الدولة وأمنها والمنصوص عليها في الكتاب
الثاني من قانون العقوبات والتي تندرج في الجرائم التي حددتها المادة الأولى من القرار بقانون المطعون
فيه والتي يستقيم نصها بذاته وينتج أثره القانوني بعد استبعاد العبارة المشار
إليها لذلك فإن ما يثيره المدعي في هذا السبب يكون غير مجد في دعواه.
عن السبب الرابع:
ومن حيث إن
حاصل هذا السبب أن المستفاد من نص المادتين 27، 33 من دستور سنة 1964 أن تنظيم إجراءات التحقيق التي تلتزم بها سلطة الاتهام
والتحقيق يتعين أن يكون بقانون صادر من السلطة
التشريعية، ومن ثم فإن
ما تضمنه القرار بالقانون المطعون
فيه في المادة الثالثة منه من عدم تقيد
المحكمة فيما تباشره من إجراءات التحقيق والمحاكمة إلا بما يرد في قرار تشكيلها قد جاء
مخالفاً للدستور ويتعارض مع الاختصاصات المنوطة بالنيابة العامة وفقاً لأحكام قانون الإجراءات
الجنائية.
ومن حيث إن
هذا السبب مردود بأن القرار بقانون آنف
الذكر أداة تشريعية لها قوة القانون الصادر من السلطة
التشريعية، وله بهذه المثابة تنظيم أي من الموضوعات المحتجزة للقانون بنص
الدستور على ما تقدم، ومن ثم فإن
لهذا القرار بقانون أن يخص
المحكمة التي رتبها بأحكام بالنسبة لإجراءات التحقيق والمحاكمة تختلف عما هو متبع
في التحقيق والمحاكمة أمام الجهات القضائية الأخرى ما دام أن هذه الأحكام لا تخالف
الدستور، ولما كان القرار بقانون المذكور
قد خلا من أحكام في هذا الخصوص تخالف الدستور، فإنه لا يكون متعارضاً مع أحكامه،
أما ما يثيره المدعي من ادعاء التعارض بين القرار المطعون فيه وقوانين أخرى من ذات
مرتبته، فهو مردود بأن الرقابة القضائية على دستورية القوانين تقوم على مخالفة
التشريع لنص دستوري، فلا تمتد لحالات التعارض أو التنازع بين القوانين ذات المرتبة
الواحدة، لذلك فإن ما يثيره المدعي في هذا الخصوص لا يصلح سبباً للطعن بعدم
الدستورية ولا يتناوله اختصاص هذه المحكمة.
عن السبب الخامس:
ومن حيث إن
المدعي ينعي في هذا السبب أن ما تنص عليه المادة الخامسة من القرار بقانون المطعون
فيه من عدم جواز رد هيئة المحكمة أو أحد أعضائها يخالف نص المادة 152 من دستور سنة 1964 التي تقرر مبدأ استقلال القضاء ويخل بحق الدفاع المنصوص
عليه في المادة 28 من الدستور
المذكور، ويهدر مبدأ المساواة الذي تنص عليه المادة 24 من هذا
الدستور.
ومن حيث إن
هذا النعي غير صحيح، ذلك بأن حق المتقاضين في رد القضاة ليس من الحقوق الدستورية المقررة بنص الدستور، وإنما هو مقرر بتشريع عادي إذ
نص عليه قانون المرافعات وقانون الإجراءات
الجنائية وقد منعه
القانون عن
المتقاضين إذا قامت دواعي هذا المنع، ومن ثم فلا
يمس منع حق
الرد باستقلال القضاء، كما لا يخل هذا المنع بحق الدفاع المكفول للمتهمين أمام
محكمة الثورة طبقاً للأصول الدستورية المقررة، وليس في تقرير هذا المنع ما يخل
بمبدأ المساواة ذلك أن عموم القاعدة القانونية يتوافر بمجرد انتفاء التخصيص بأن
يسن الشارع قاعدته مجردة عن الاعتداد بشخص معين أو واقعة محددة بالذات، والشارع
يملك بسلطته التقديرية لمقتضيات الصالح العام وضع شروط تحدد المراكز القانونية
التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون بحيث إذا
توافرت هذه الشروط في طائفة من الأفراد وجب إعمال المساواة بينهم لتماثل ظروفهم ومراكزهم القانونية،
فإذا اختلفت هذه الظروف بأن توافرت الشروط في البعض دون البعض الآخر انتفى مناط التسوية بينهم، والتجاء المشرع إلى هذا الأسلوب في تحديد شروط
موضوعية يقتضيها الصالح العام للتمتع بالحقوق لا يخل بشرطي العموم والتجريد في
القاعدة القانونية، ذلك لأن المشرع إنما يخاطب الكافة من خلال هذه الشروط، ولما كان التشريع المطعون فيه قد استن قواعد عامة
مجردة لا تستهدف حالة فردية بذاتها وإنما تطبق على من يحاكمون أمام محكمة الثورة طبقاً للشروط والأوضاع التي نص عليها
القانون والذين
تختلف ظروفهم عن باقي المتهمين الذين يحاكمون أمام محاكم أخرى، لذلك فإن ما يثيره
المدعي في هذا الخصوص يكون على غير أساس.
ومن حيث إنه
يبين مما تقدم أن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 48
لسنة 1967 بإنشاء محكمة الثورة لا يخالف الدستور، ومن ثم فإن
الدعوى برمتها لا تقوم على أساس سليم ولذلك يتعين رفضها ومصادرة الكفالة وإلزام
المدعي المصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولاً:- برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لعدم اختصاص محكمة الموضوع
ولائياً بنظرها.
ثانياً:- برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء مصلحة المدعي في رفعها.
ثالثاً:- بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع برفضها وأمرت بمصادرة
الكفالة وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق