المحكمة الإدارية العليا
بالجلسة المنعقدة علنا برئاسة السيد الأستاذ المستشار / عادل فهيم
محمـد عزب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ د.
محمـد ماهر أبو العينين حسنين حمزة وأحمد محمـد حامد محمـد حامد وسعيد عبد ربه
علواني خليف ومنير محمـد عبد الفتاح غطاس وعادل سيد عبد الرحيم حسن بريك وسعيد سيد
أحمد القصير وفوزي عبد الراضي سليمان وعطية حمد عيسى عطية وأسامة يوسف شلبي يوسف
ومحمود إبراهيم محمـد أبو الدهب نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ اشرف سيد إبراهيم محمود نائب رئيس
مجلس الدولة مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ أسعد سيد عمر سكرتير المحكمة
أصدرت الحكم الآتي :
في الطعن رقم ٣922٥ لسنة ٦٦ ق. عليا
في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة - الدائرة الخامسة
عشرة في الدعوى رقم 38136 لسنة 71 ق بجلسة 29/ 1/ 2020
المقام من/
وزير الخارجية بصفته
ضد/
....
--------------
" الإجراءات "
في يوم السبت الموافق 14/ 3/ 2020 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن
الطاعن بصفته - قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا - تقريرا بالطعن الماثل وقيد
بجدولها بالرقم المسطر أعلاه طعنا في الحكم المشار إليه عالية، والقاضي في منطوقه أولا
: بسقوط حق المدعية في المطالبة بفروق بدل السكن عن الفترتين من 2/ 11/ 1993ؤحتى
24/ 12/ 1993 ومن 6/ 6/ 1999 حتى 5/ 7/ 1999 بالتقادم الطويل .ثانيا : بقبول
الدعوى شكلا وفى الموضوع بأحقية المدعية في تقاضي فروق بدل السكن عن الفترات
الأخرى وذلك على النحو المبين بالأسباب، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعن بصفته في ختام تقرير الطعن - للأسباب الواردة به - بصفة
مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، ثم بإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية
العليا لتقضى بقبول الطعن شكلا وبوقف الدعوى تعليقا لحين الفصل في الدعويين رقمي
١57 و ١58 لسنة 37 ق. دستورية، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء
مجددا برفض الدعوى والزام المطعون ضدها المصروفات عن درجتي التقاضي. وأودعت هيئة
مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن
شكلا، وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه ليكون بأحقية المطعون ضدها في حساب
العلاوات الخاصة المقررة قانونا ضمن نسبة بدل السكن الذي صرف لها عن عملها ببعثات
ومهام التمثيل الدبلوماسي المصرية في الخارج على أساس سعر صرف الدولار وقت
الاستحقاق مع مراعاة أحكام التقادم الخمسي على النحو المبين تفصيلا بالأسباب،
وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة والمطعون ضدها المصروفات مناصفة.
ونظر الطعن أمام الدائرة السابعة فحص بالمحكمة الإدارية العليا،
وبجلسة 7/ 6/ 2021 قررت إحالته إلى الدائرة الثامنة عليا فحص للاختصاص، وبجلسة31/
7/ 2021 قررت إحالته إلى الدائرة الثامنة عليا موضوع وتدوول نظره أمامها وبجلسة
23/ 1/ 2022 قررت وقف الطعن تعليقا وأحالته إلى الهيئة المشكلة طبقا 51 لنص المادة
54 مكرر من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون47 لسنة 1972 والمضافة بالقانون رقم
136 لسنة 1984( دائرة توحيد المبادئ) وذلك للبت في المسألة المعروضة بترجيح أحد
اتجاهي المحكمة الإدارية العليا الآتيين:
الأول: عدم قبول الدعوى إذا رفعت قبل اللجوء إلى لجنة التوفيق في بعض
المنازعات المنصوص عليها في القانون رقم ١ لسنة 9222 والمعدل بموجب القانون رقم 6
لسنة 2017ولو تم تقديم الطلب إلى اللجنة بعد رفع الدعوى.
الثاني: قبول الدعوى طالما تم اللجوء إلى اللجنة، وتحقق الإجراء
المطلوب، ولو تم تقديم الطلب بعد رفع الدعوى.
ونفاذا لذلك، ورد الطعن الماثل إلى دائرة توحيد المبادئ وتحدد لنظره
أمامها جلسة 5/ 2/ 2022 وفيها قررت المحكمة تأجيل نظر الطعن لجلسة 2/ 4/ 2022وكلفت
هيئة مفوضي الدولة بإعداد تقرير بالرأي القانوني في الطعن.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني ارتأت فيه
الحكم بترجيح المبدأ القانوني القاضي بعدم قبول الدعاوى التي تخضع لأحكام وقواعد
ونصوص القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون
الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها إذا تم اللجوء للجان التوفيق في
بعض المنازعات المنصوص عليها في هذا القانون بعد تاريخ إقامة الدعوى، وذلك على
النحو المبين تفصيلا بالأسباب، وبإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة للفصل
فيه على هدى ما تقدم.
وتدوول نظر الطعن أمام دائرة توحيد المبادئ مرة أخرى وذلك على النحو
المبين بمحاضرها، وبجلسة 19/ 4/ 2022قررت المحكمة التأجيل لجلسة 7/ 5/ 2022 ،وأمرت
بإحالة الطعن إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير تكميلي في ضوء النقاط المثارة
بالجلسة وهي:
أولا تحديد ماهية مواد القانون المحال أمرها إلى المحكمة الدستورية
العليا في الدعوى الموضوعية وتحديد ما إذا كان لها أثر قانوني على المبدأ المنظور
المراد ترجيحه من عدمه.
ثانيا تحديد طبيعة اللجوء للجان التوفيق في بعض المنازعات المنصوص
عليها وفقا للقانون رقم 7 لسنة 2000 وما إذا كان إجراء من إجراءات الدعوى المنصوص
عليها بقانون المرافعات أم أنه يعد شرطا من شروط قبول الدعوى.
ثالثا تحديد الميعاد القانوني لتوفر شروط قبول الدعوى وما إذا كان هذا
الميعاد هو تاريخ إيداع عريضة الدعوى أم تاريخ إعلان العريضة أم تاريخ الفصل في
الدعوى.
رابعا : تحديد الطبيعة القانونية لما تصدره لجان التوفيق في بعض
المنازعات المنصوص عليها وفقا للقانون 7 لسنة 2000 من أعمال قانونية .
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا تكميليا في الطعن انتهت فيه إلى ذات
رأيها القانوني السابق مشتملا على أسبابه على النحو الوارد به. وتدوول نظر الطعن
أمام هذه الدائرة على النحو المبين بمحاضر جلساتها وبجلسة 15/ 10/ 2022 قررت
المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم وصرحت بتقديم مستندات ومذكرات خلال
أسبوعين وانقضى هذا الأجل ولم يقدم أي شيء، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته
المشتملة على أسبابه ومنطوقه لدى النطق به.
----------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونا
من حيث ان عناصر المنازعة الماثلة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في
أنه بتاريخ 26/ 3/ 2017 أقامت المطعون ضدها الدعوى رقم 38136لسنة 7١ق. أمام محكمة
القضاء الإداري بالقاهرة الدائرة الخامسة عشرة طالبة في ختامها الحكم بقبول الدعوى
شكال وفى الموضوع بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن ضم العلاوات الخاصة لبدل
السكن وصرفها مع الفروق والعلاوات الخاصة التي سبق أن تم صرفها عن فترات العمل
بالخارج بسعر الصرف وقت السداد وفقا لحكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في الطعن
رقم 9854لسنة 50 ق. عليا، مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وذكرت المدعية شرحا لدعواها أنها من العاملين بالجهة الإدارية المدعى
عليها والتحقت بالعمل بسفارات مصر العربية في الخارج لعدة فترات كما هو مبين ببيان
الحالة الوظيفية الخاص بها، وقد قامت الجهة الإدارية بصرف بدل السكن لها عن مدد
عملها بالخارج بنسبة 20% من إجمالي الراتب غير شامل العلاوات الخاصة، وأضافت أنها
طالبت الجهة الإدارية بإعادة حساب هذا البدل بعد إضافة العلاوات الخاصة إلى الراتب
وصرف الفروق المستحقة لها نتيجة لذلك، إلا أن جهة الإدارة لم تستجب لطلبها؛ الأمر
الذي حدا بها إلى اللجوء إلى لجنة فض المنازعات المختصة، ثم أتبعت ذلك بإقامة
الدعوى الماثلة والتي اختتمتها بطلباتها آنفة البيان.
وبجلسة 29/ 1/ 2020 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه سالف الذكر.
وشيدت قضاءها - بعد استعراضها نص المادة 58 من قانون السلك الدبلوماسي والقنصلي
الصادر بالقانون رقم 54 لسنة 1982 - على أن الجهة الإدارية صرفت للمدعية بدل السكن
خلال تسع فترات دون حساب قيمة العلاوات الخاصة ضمن نسبة هذا البدل، كما أن المدعية
تتقاضى راتبها من وزارة الخارجية، وكانت العلاوات الخاصة يدور صرفها مع الراتب
وجود ا وعدما وتندرج ضمن العلاوات المنصوص عليها في المادة 53 من قانون السلك
الدبلوماسي والقنصلي المشار إليه، والتي تدخل في حساب بدل السكن، فمن ثم يتعين
أخذها في الاعتبار عند حساب هذا البدل شأنها في ذلك شأن الرواتب والبدلات
والعلاوات الأخرى المقررة للمدعية؛ الأمر الذي يتعين معه القضاء بأحقيتها في حساب
قيمة العلاوات الخاصة المقررة لها خلال الفترات المشار إليها ضمن نسبة بدل السكن
الذي سبق صرفه لها وبفئة ،الخارج مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية على أن
يتم صرف هذه الفروق بالمقابل النقدي المصري على أساس سعر الصرف للعملة الأجنبية
وقت الاستحقاق، وفقا لما انتهى اليه حكم دائرة تو حيد المبادئ الصادر في الطعن رقم
3001 لسنة 56ق.عليا بجلسة 2/ 6/ 2018 وأضافت المحكمة أنه بالنسبة إلى طلب المدعية
أحقيتها في حساب قيمة العلاوات الخاصة ضمن نسبة بدل السكن الذي صرف لها عن فترتي
عملها بالخارج من 25/ 11/ 1993حتى 24/ 12/ 1993 ،ومن 6/ 6/ 1999 حتى 5/ 7/ 1999
،فقد خلت األور4اق مما يثبت أن المدعية قد طالبت الجهة الإدارية المدعى عليها
بحساب قيمة تلك العلاوات ضمن نسبة بدل السكن الممنوح لها عن هاتين الفترتين قبل
اللجوء إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات، ومن ثم يكون حقها في المطالبة عنهما قد
سقط بالتقادم الطويل بمضي أكثر من خمس عشرة سنة على تاريخ نشوء الحق، وبناء عليه
انتهت المحكمة إلى قضائها سالف الذكر.
وإذ لم يلق هذا القضاء قبولا لدي الطاعن بصفته ، فأقام الطعن الماثل
نعيا على الحكم المطعون فيه مخالفته القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله ، والقصور
في التسيب ، والفساد في الاستدلال ، وذلك على النحو الوارد تفصيلا بصحيفة الطعن ،
واختتم الطاعن تقرير الطعن بطلباته سالفة البيان .
ومن حيث ان جوهر الإحالة إلى هذه الدائرة ينحصر في الترجيح بين
اتجاهين بالمحكمة الإدارية العليا فيما صدر عنها من أحكام بشأن قبول الدعاوي التي
ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء
لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة
طرفا فيها ، وذلك اذا تم اللجوء لهذه اللجان بعد تاريخ إقامة الدعوي .
حيث ذهب الاتجاه الأول إلى عدم قبو الدعاوي التي ترفع ابتداء إلى المحاكم
بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان التوفيق في
بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها اذا تم
اللجوء لتلك اللجان المنصوص عليها بهذا القانون بعد تاريخ إقامة الدعوي تأسيسا على
أن المشرع في سبيل تحقيق العدالة الناجزة التي تيسر لذوي الشأن الحصول على حقوقهم
في أقرب وقت ممكن ، ولتخفيف العبء عن القضاة أصدر القانون رقم 7 لسنة 2000 المشار
اليه بإنشاء لجان للتوفيق في بعض المنازعات التي تنشأ بين الجهات الإدارية الواردة
بالمادة الأولي والعاملين بها أو بينها وبين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة ،
وذلك أيا كانت طبيعة هذه المنازعات ، ورتب أثرا على عدم الالتزام باللجوء إلى تلك
اللجان هو عدم قبول الدعاوي التي تقام مباشرة أمام المحكمة ، وأخرج عن الخضوع لأحكامه
منازعات بعينها أوردها تفصيلا بالمادتين الرابعة والحادية عشرة ، ..... ومن ثم
يتعين على صاحب الشأن في المنازعات الخاضعة لأحكامه قبل اللجوء إلى المحكمة أن
يتقدم بطلب التوفيق إلى اللجنة المختصة خلال المواعيد المقررة للطعن بالإلغاء وبعد
تقديم التظلم من القرار المطعون فيه وانتظار المواعيد المقررة للبت فيه ، وبالنسبة
إلى طلب التعويض المرتبط بطلب الإلغاء يتعين بشأنه كذلك اللجوء للجنة التوفيق ،
والا أضحي غير مقبول .
( في هذا الاتجاه حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في الطعن رقم 2914
لسنة 49 ق . عليا - جلسة 25/ 11/ 2006 ، والطعن رقم 9025 لسنة 56 ق .عليا - جلسة
19/ 3/ 2016 ، والطعن رقم 27504 لسنة 60 ق. عليا - جلسة 28/ 1/ 2018 ، والطعن رقم
105799 لسنة 63 ق. عليا - جلسة 19/ 1/ 2019 )
بينما ذهب الاتجاه الثاني إلى قبول الدعاوي التي ترفع ابتداء إلى المحاكم
بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان التوفيق في
بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها اذا تم
اللجوء لتلك اللجان المنصوص عليها بهذا القانون بعد تاريخ إقامة الدعوي ، تأسيسا
على أن الغاية من هذا القانون وطبقا لما أفصحت عنه مذكرته الإيضاحية هي تحقيق
العدالة الناجزة التي تصل بها الحقوق إلى أصحابها دون الاضطرار إلى ولوج سبيل
التقاضي ، وما يستلزمه في مراحله المختلفة من الأعباء المادية والمعنوية ، وما قد
يصاحبها في أحيان كثيرة من إساءة استغلال ما وفره القانون من أوجه الدفاع والدفوع
، واتخاذها سبيلا للكيد ، ووسيلة لإطالة أمد الخصومات على نحو يرهق القضاء ويلحق
الظلم بالمتقاضين ، ومن ثم فانه على ضوء ما تغياه المشرع من إصدار القانون رقم 7
لسنة 2000 بإنشاء لجان التوفيق من تخفيف الأعباء عن كاهل القاضي والمتقاضي ، فاذا
أقام المدعي في احدي المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون دعواه مباشرة إلى المحكمة
المختصة قبل اللجوء إلى احدي اللجان التي أنشأها هذا القانون ، ولكنه في أثناء نظر
الدعوي ، وقبل صدور الحكم المنهي للخصومة فيها تدارك هذا الأمر وتقدم بطلبه إلى اللجنة
المختصة إعمالا لأحكام القانون المذكور ، فان هذا المدعي يكون قد استوفي الإجراء
الذي أوجبه هذا القانون بما لا تثريب معه على المحكمة ان هي مضت في السير في نظر
دعواه دون حاجة للحكم بعدم قبولها لعدم اتخاذ الإجراء الشكلي ، فاذا تم تقديم طلب
التوفيق بعد رفع الدعوي ، فان الإجراء المطلوب قانونا يكون قد استوفي وتحققت
الغاية منه ، ولا محل للدفع بعدم قبول الدعوي لذلك .
بالإضافة إلى ذلك فانه وإعلاء لحق التقاضي الذي صانه الدستور وكفله
للكافة ، فقد درجت هذه المحكمة في فهمها وتطبيقها للنصوص القانونية التي تنظم الإجراءات
السابقة على اللجوء إلى قضاء مجلس الدولة كالتظلم الوجوبي أو اللجوء إلى لجنة
التوفيق على اعتبار أن تلك الإجراءات ليست أشكالا جامدة مقصودة لذاتها ، وإنما هي
وسائل شرعها المشرع لإمكان إنهاء المنازعة قبل اللجوء إلى القضاء تيسيرا على أصحاب
الشأن وعلى وجهة الإدارة ، وتخفيفا للعبء الواقع على المحاكم ، إلا أنه لا يجوز أن
تطبق تلك النصوص على وجه جامد ينحرف بها عن المقصد منها ، فاذا اتخذت تلك الإجراءات
ولو بعد رفع الدعوي فان الغاية منها تكون قد تحققت ، ولا يجوز أن يكون ذلك سببا
للقضاء بعدم قبول الدعوي ، وانتهت إلى أنه لا يشترط لقبول الدعوي الالتزام
بالأسبقية الزمنية لتقديم التظلم على رفع الدعوي ما دام قد قدم فعلا خلال الميعاد
المقرر قانونا لتقديمه ، كما قضت بأنه اذا تم تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة بعد
رفع الدعوي ، فان الإجراء المطلوب قانونا يكون قد استوفي ، وتحققت الغاية منه ،
ولا محل للدفع بعدم قبول الدعوي لهذا السبب .
( في هذا الاتجاه حكمها الصادر في الطعن رقم 2906 لسنة 41 ق .عليا -
جلسة 13/ 11/ 1999 ، وفي الطعن رقم 35979 لسنة 52 ق .عليا - جلسة 15/ 10/ 2010 ،
وفي الطعن رقم 12078 لسنة 62 ق. عليا - جلسة 28/ 1/ 2018 ، وفي الطعن رقم 80577
لسنة 65 ق .عليا - جلسة 19/ 6/ 2021 )
ومن حيث إن مقطع النزاع في الطعن الماثل يدور حول قبول الدعاوي التي
ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء
لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة
طرفا فيها ، وذلك اذا تم اللجوء لهذه اللجان بعد تاريخ إقامة الدعوى .
ومن حيث إن المادة الأولي من القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان
التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا
فيها تنص على أنه : ينشأ في كل وزارة أو محافظة أو هيئة عامة وغيرها من الأشخاص
الاعتبارية العامة لجنة أو أكثر ، للتوفيق في المنازعات المدنية والتجارية والإدارية
التي تنشأ بين هذه الجهات وبين العاملين بها ، أو بينها وبين الأفراد والأشخاص
الاعتبارية الخاصة .
وتنص المادة الرابعة من القانون ذاته على أنه : عدا المنازعات التي
تكون وزارة الدفاع والإنتاج الحربي أو أي من أجهزتهما طرفا فيها وكانت المنازعات
المتعلقة بالحقوق العينية العقارية وتلك التي تفردها القوانين بأنظمة خاصة ، أو
توجب فضها عن طريق هيئات تحكيم تتولي اللجان المنصوص عليها في المادة الأولي من
هذا القانون التوفيق بين أطراف المنازعات التي تخضع لأحكامه . ويكون اللجوء إلى هذه
اللجان بغير رسوم .
وتنص المادة التاسعة من القانون المذكور والمستبدلة بموجب القانون رقم
6 لسنة 2017 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 على أن : مع مراعاة أحكام
المادة العاشرة مكررا من هذا القانون تصدر اللجنة قراراتها مسببة ، وذلك في ميعاد
لا يجاوز ثلاثين يوما من تاريخ تقديم طلب التوفيق اليها وتثبت ذلك بمحضرها .
ويعرض القرار خلال سبعة أيام من تاريخ صدوره على السلطة المختصة
والطرف الآخر في النزاع ، فاذا اعتمدته السلطة المختصة وقبله الطرف الآخر كتابة
خلال الخمسة عشر يوما التالية لحصول العرض قررت اللجنة إثبات ما تم الاتفاق عليه
في محضر يوقع من الطرفين ويلحق بمحضرها وتكون له قوة السند التنفيذي ، ويبلغ إلى السلطة
المختصة لتنفيذه .
وتنص المادة الحادية عشرة من القانون ذاته على أنه : عدا المسائل التي
يختص بها القضاء المستعجل ومنازعات التنفيذ والطلبات الخاصة بالأوامر على العرائض
، والطلبات الخاصة بأوامر الأداء ، وطلبات إلغاء القرارات الإدارية المقترنة
بطلبات وقف التنفيذ ، لا تقبل الدعوي التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات
الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وفوات
الميعاد المقرر لإصدار التوصية أو الميعاد المقرر لعرضها دون قبول وفقا لحكم
المادة السابقة.
ومن حيث انه باستقراء النصوص المتقدمة يبين أن المشرع في سبيل تحقيق
العدالة الناجزة التي تيسر لذوي الشأن الحصول على حقوقهم في أقرب وقت ممكن ،
ولتخفيف العبء عن القضاة ، أصدر القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان للتوفيق في
بعض المنازعات التي تنشأ بين الجهات الإدارية الواردة بالمادة الأولي والعاملين
بها أو بينها وبين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة ، وذلك أيا كانت طبيعة هذه
المنازعات ، ورتب أثرا على عدم الالتزام باللجوء إلى تلك اللجان هو عدم قبول
الدعاوي التي تقام مباشرة أمام المحكمة ، وأخرج عن الخضوع لأحكامه منازعات بعينها
أوردها تفصيلا بالمادتين الرابعة والحادية عشرة ...... ومن ثم يتعين على صاحب
الشأن في المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون قبل اللجوء إلى المحاكم أن يتقدم
بطلب التوفيق إلى اللجنة المختصة خلال المواعيد المقررة للطعن بالإلغاء .
ومن حيث ان قضاء هذه المحكمة قد جري على أن المشرع أوجب على المدعي
اللجوء إلى لجنة التوفيق المختصة بشأن منازعته المدنية أو التجارية أو الإدارية
وذلك قبل ولوجه سبيل التقاضي ، ليعرض عليها أمر منازعته لتتولي فحصها وإصدار
التوصية المناسبة في موضوعها في ضوء أحكام القانون الواجب التطبيق ، عسي أن تستجيب
جهة الإدارة إلى طلب المدعي أو أن يقتنع الأخير بأن مظنة حقه لا سند لها من
القانون فيعدل عن مخاصمة جهة الإدارة قضاء ، فان أنكرت هذه الجهة حق المدعي أو لم
تنزل توصية اللجنة في نفسه منزلة اليقين كان له اللجوء إلى القضاء وولوج سبيله
استدعاء لحقه في التقاضي الذي كفله له الدستور ، ومن ثم فاذا تنكب المدعي السبيل
الذي رسمه القانون رقم 7 لسنة 2000 سالف الذكر ولجأ مباشرة بدعواه إلى المحكمة ،
فقد رتب المشرع جزاء قانونيا على ذلك مقتضاه عدم قبول هذه الدعوي جزاء وفاقا لإغفاله
اتباع هذا السبيل .
كما جري قضاؤها بأنه مع صراحة نص المادة الحادية عشرة من القانون رقم
7 لسنة 2000 والتي نصت على أن لا تقبل الدعاوي التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن
المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة
المختصة وفوات الميعاد المقرر لإصدار التوصية أو الميعاد المقرر لعرضها ، فان
الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق المقرر في هذا القانون ، مثل عدم سابقة
التظلم الوجوبي المنصوص عليها في المادة 12 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون
رقم 47 لسنة 1972 ، حيث أوجب المشرع على ذوي الشأن حتي تقبل طعونهم بالإلغاء في
القرارات النهائية للسلطات التأديبية أن يتظلموا منها قبل رفع الدعوي إلى الهيئة الإدارية
التي أصدرت القرار أو إلى الهيئة الرئاسية وانتظار المواعيد المقررة للبت في
التظلم ، وكذا الدفع بعدم اللجوء إلى لجنة التوفيق في المنازعات أو لجان فحص
المنازعات التي أنشئت بالتطبيق لنص المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعي الصادر
بالقانون رقم 79 لسنة 1975 ، وأن هذا الدفع هو في حقيقته دفع ببطلان الإجراءات ، إذ
أنه موجه إلى إجراءات الخصومة وشكلها وكيفية توجيهها ، وبهذه المثابة يعد من
الدفوع الشكلية .
( حكمها الصادر في الطعن رقم 80577 لسنة 65 ق. عليا - جلسة 19/ 6/ 2021 )
وفي ضوء ما تقدم ، وإعمالا للقاعدة الأصولية في التفسير من أنه لا
اجتهاد عند صراحة النص ، وأن إعمالا النص خير من إهماله ، فانه يتعين التقيد بصريح
نص المادة الحادية عشرة من القانون رقم 7 لسنة 2000 سالف الذكر ، والالتزام بالفهم
السليم لها ، والتطبيق الصحيح لحكمها ، والتي نصت في إفصاح جهير وصريح لا يجوز
تأويله على محمل آخر من أنه لا تقبل الدعاوي التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن
المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة
المختصة وفوات الميعاد المقرر لإصدار التوصية أو الميعاد المقرر لعرضها دون قبول كإجراء
شكلي جوهري يتعين مراعاة اتخاذه قبل سلوك طريق الدعوي القضائية ، بحسبانه هو الأصل
في استخلاص ذي الشأن لحقه ورفع الظلم عنه ، دون أن يتحمل مشقة القضاء وإجراءاته ،
وقد حدد المشرع بعبارات صريحة النتيجة المترتبة على مخالفة هذا الإجراء وهي عدم
قبول الدعاوي التي ترفع إبداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام هذا
القانون قبل تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة .
ومن حيث انه بناء على ما سلف بيانه ، فانه يغدو الاتجاه الأول في
أحكام المحكمة الإدارية العليا بعدم قبول الدعاوي التي ترفع ابتداء إلى المحاكم
بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان التوفيق في
بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها ، اذا تم
اللجوء لهذه اللجان بعد تاريخ إقامة الدعوي هو الأولي بالترجيح .
فلهذه الأسباب :
حكمت المحكمة بترجيح الاتجاه الوارد في أحكام المحكمة الإدارية العليا
، الذي من مقتضاه عدم قبول الدعاوي التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات
الخاضعة لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات
التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها ، وذلك اذا تم اللجوء
لهذه اللجان بعد تاريخ إقامة الدعوي ، وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة
بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فيه على هدي ما تقدم .
( صدر هذا الحكم وتلي علنا بالجلسة المنعقدة يوم السبت 10 من جمادي
الأولي سنة 1444 هـ ، الموافق 3 من ديسمبر 2022 م ، وذلك بالهيئة المبينة بصدره ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق