الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 8 نوفمبر 2022

القضية 102 لسنة 12 ق جلسة 19/ 6 / 1993 دستورية عليا مكتب فني 5 ج 2 دستورية ق 29 ص 343

جلسة 19من يونيو سنة 1993

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وعبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلي محمود منصور أعضاء

ومحمد خيرى طه عبد المطلب رئيس هيئة المفوضين 

ورأفت محمد عبد الواحد أمين السر .

----------------

(29)

القضية 102 لسنة 12 ق "دستورية"

(1) الشرعية الدستورية - "غايتها - مكانتها - أصلها - مؤداها".
الشرعية الدستورية: غايتها: ضمان أن تكون النصوص التشريعية مطابقة لأحكام الدستور، وهي فرع من خضوع الدولة للقانون. مؤدى ذلك: عدم جواز إعمال نص تشريعي للفصل في نزاع معروض على أية جهة قضائية إذا بدا لها مصادمته للدستور من وجهة مبدئية.

(2) الدفع بعدم الدستورية - "طبيعته - إبداؤه أمام محكمة النقض".
ليس من الدفوع التي يخالطها واقع، وإنما ينحل إلى ادعاء بمخالفة نص تشريعي لحكم في الدستور. أثر ذلك: جواز إبدائه ولو لأول مرة أمام محكمة النقض.
(3) محكمة النقض - "طبيعة الرقابة القضائية التي تباشرها".
محكمة النقض تعتبر من المحاكم التي عنتها المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا - تقرير ما إذا كان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته يعد لازما أو غير لازم للفصل في الحقوق المدعى بها، وكذلك ما إذا كانت المطاعن الموجهة إليه تثير شبهة جدية للتعارض بين هذا النص وحكم في الدستور، كلاهما من مسائل القانون التي عهد المشرع إلى محكمة النقض بمراقبة صحة تطبيقه.

(4) الحق في التقاضي: "قصره على درجة واحدة: مدلوله".
قصر الحق في التقاضي على درجة واحدة مما يستقل المشرع بتقديره - لا يكفي للقول بقيام هذا الحق أن يعهد المشرع بالنزاع إلى محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي. لزوم أن يمتد اختصاصها إلى بحث عناصر النزاع جميعها: الواقعية منها والقانونية، ورود نص على خلاف ذلك يعتبر إنكارا لحق اللجوء إلى القضاء (المادة 68 من الدستور).

(5) عمل قضائي: "المعيار المميز للعمل القضائي".
إسباغ الصفة القضائية على أعمال أي جهة عهد إليها المشرع بالفصل في نزاع معين يفترض أن يكون تشكيلها واستقلالها كاشفين عن حيدتها عند الفصل في النزاع، مع عدم الإخلال بالضمانات القضائية الرئيسية التي لا يجوز النزول عنها، وعلى ضوء قاعدة قانونية نص عليها المشرع سلفا.

(6) هيئات ذات اختصاص قضائي: "القرار بقانون رقم 55 لسنة 1960".
اللجنة التي عهد إليها القرار بقانون رقم 55 لسنة 1960 بفحص طلبات القسمة، وكذا اللجنة التي اختصها بالفصل في الاعتراضات على الأحكام التي تصدرها اللجنة الأولى، كلتاهما هيئتان ذواتا اختصاص قضائي. أساس ذلك.
(7) الحق في التقاضي: "محكمة الاستئناف: أحوال الطعن أمامها في قرارات لجان القسمة".
إباحة الطعن أمام محكمة الاستئناف في القرارات النهائية الصادرة من لجان القسمة في أحوال تماثل أحوال الطعن بطريق النقض، ليس إنكارا لحق التقاضي في مفهوم المادة 68 من الدستور، بل هو توكيد لمضمونه وإرساء لأبعاده بما يكفل الأغراض التي توخاها.

(8) الحق في التقاضي: "تنظيمه: القرار بقانون رقم 55 لسنة 1960".
سلطة المشرع في تنظيم حق اللجوء إلى القضاء غير مقيدة بأشكال محددة لا تقبل التغيير أو التبديل. التنظيم التشريعي الذي تضمنه القرار بقانون رقم 55 لسنة 1960- بمراعاة طبيعة المنازعات التي اختص اللجان التي أنشأها بالفصل فيها، وفي الحدود التي يقتضيها الصالح العام - لا مخالفة فيه للدستور.

(9) مبدأ المساواة - "إعماله".
إعماله يفترض تماثل المراكز القانونية في نطاق الموضوع محل التنظيم التشريعي. اندراج النص المطعون فيه ضمن تنظيم متكامل لحق التقاضي تقرر لأغراض مشروعة ووفق أسس موضوعية. لا مخالفة للدستور.

(10) مبدأ تكافؤ الفرص.
اتصاله بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها، وإعماله حين يقع التزاحم عليها، انتفاء الصلة بين النص المطعون فيه وبين فرص قائمة. لا مجال لإعمال هذا المبدأ.

(11) دعوى دستورية. طلب تدخل. المصلحة فيه.
التدخل في الدعوى الدستورية انضماميا للمدعين فيها، عدم استباقه بالمثول في الدعوى الموضوعية، انتفاء المصلحة في الطعن بعدم الدستورية، أثره، عدم قبول التدخل.

------------

1 - إن الشرعية الدستورية التي تقوم المحكمة الدستورية العليا على مراقبة التقيد بها ، غايتها ضمان أن تكون النصوص التشريعية مطابقة لأحكام الدستور، وتتبوأ هذه الشرعية من البنيان القانوني في الدولة القمة من مدارجه، وهى فرع من خضوع الدولة للقانون والتزامها بضوابطه . ولا يجوز بالتالي لأية محكمة أو هيئة اختصها المشرع بالفصل في نزاع معين فصلا قضائيا- وأيا كان موقعها من الجهة القضائية التي تنتمى إليها- إعمال نص تشريعي لازم للفصل في النزاع المعروض عليها إذ بدا لها مصادمته للدستور من جهة مبدئية. ذلك أن قيام هذه الشبهة لديها يلزمها أن تستوثق من صحتها عن طريق عرضها على المحكمة الدستورية العليا التي تتولى دون غيرها الفصل في المسائل الدستورية، لتقول كلمتها القاطعة فيها، بما مؤداه أنه كلما بدا لأية جهة أو هيئة أولاها المشرع سلطة الفصل في الخصومة بأكملها أو في بعض جوانبها، أن التعارض المدعى به أمامها بين النص التشريعي الأدنى والقاعدة الدستورية التي تحتل مرتبة الصدارة بين قواعد النظام العام، محمولا على أسس تظاهره من وجهة مبدئية غير متعمقة دخائل المطاعن الدستورية، فلا يجوز لهذه الجهة أو الهيئة، أن تتجاهل مظنة الخروج على أحكام الدستور، وأن تنحيها جانبا، بل يتعين عليها- ولو كان بحثها منحصرا في مسائل القانون دون غيرها - إما أن تحيل بنفسها ما ارتأته من تعارض بين نص تشريعي وقاعدة دستورية إلى المحكمة الدستورية العليا ليكون قضاؤها في شأن هذا التعارض قولاً فصلاً، وإما أن توفر للخصم الذى دفع أمامها بعدم دستورية نص تشريعي، وكان دفعه جديا، مكنة عرض دعواه على المحكمة الدستورية العليا عن طريق تخويلها إياه حق رفعها إليها خلال الأجل الذى تحدده.

(2 ، 3) إن الدفع بعدم الدستورية ليس من الدفوع التي يخالطها واقع، ولا تعتبر المجادلة فيه مجادلة موضوعية مما تستقل بتقديرها محكمة الموضوع. وإنما ينحل إلى ادعاء بمخالفة نص تشريعى لحكم في الدستور، وهو ادعاء لا يرتبط الفصل فيه بأية واقعة تكون محكمة الموضوع قد حققتها. ومن ثم تجوز إثارته ولو لأول مرة أمام محكمة النقض- التي تعتبر من المحاكم التي عنتها المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا، والتى يجوز إثارة مثل هذا الدفع أمامها - ذلك أن إعراضها عن بحثه على ضوء ظاهر الأمر فيه، بمقولة أن رقابتها منحصرة في مسائل القانون وحدها، مؤداه أن يكون مرجعها في هذه الرقابة إلى النصوص التشريعية المعمول بها عند الفصل في الطعن المعروض عليها، ولو كانت معيبة في ذاتها لمخالفتها للدستور. وهو ما يؤول إلى إنزالها لهذه النصوص دوما على الواقعة التي حصلها الحكم المطعون فيه أيا كان وجه تعارضها مع الدستور. ويناقض ذلك دون ريب التزمها بالخضوع بالقانون - والدستور في مدارجه العليا - وبضرورة أن تكون الشرعية الدستورية متكاملة حلقاتها، وأن تكون لأحكام الدستور الصدارة على ما دونها في المرتبة. ومحصلة ما تقدم ، أن طبيعة الرقابة التي تباشرها محكمة النقض على محكمة الموضوع ، لا تحول بذاتها دون إثارة الدفع بعدم الدستورية أمامها، بل إن إجالتها لبصرها في هذا الدفع، يعكس جوهر رقابتها القانونية ، ويعتبر أوثق اتصالا بها ، ذلك أن تقرير ما إذا كان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته يعد لازما أو غير لازم للفصل في الحقوق المدعى بها ، وكذلك ما إذا كان التعارض الذى يثيره الدفع بين هذا النص وحكم في الدستور ، يعد - من وجه مبدئية - مفتقرا إلى ما يظاهره أو مرتكنا إلى ما يبرره، كلاهما من مسائل القانون التي يدخل الفصل فيها في ولاية محكمة النقض التي عهد إليها المشرع بمراقبة صحة تطبيقهم على الوقائع التي خلص إليها الحكم المطعون فيه.

4 - ينبغي - ابتداء - التمييز بين قصر حق التقاضي على درجة واحدة ناحية ، وبين إنكار الحق فيه إنكار مطلقاً أو مقيدا من ناحية أخرى . ذلك أن قصر التقاضي في المسائل التي فصل فيها الحكم على درجة واحدة - وهو ما يستقل المشرع بتقديره - يفترض لزوما أمرين، أولهما: أن تكون الدرجة الواحدة محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي من حيث تشكيلها وضماناتها والقواعد المعمول بها أمامها. وثانيهما : أن يكون المشرع قد عهد إليها بالفصل في عناصر النزاع جميعها - الواقعية منها والقانونية - دون أن تراجعها فيما تخلص إليه" من ذلك" أية جهة . وعلى نقيض ما تقدم، أن يقيم المشرع محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي للفصل في مسائل القانون المرتبطة بنزاع معين دون سواها، تعقيبا من جانبها على قرار أصدرته جهة إدارية عند فصلها فيه ، إذ يعتبر ذلك إنكارا لحق اللجوء إلى القضاء- وهو الحق الذى كفلته المادة الثامنة والستون من الدستور - باعتبار أن الفصل في عناصر النزاع الواقعية عائد إلى جهة إدارية لا تتوفر أمامها - وبالضرورة - مقومات التقاضي وضماناته الرئيسة . كذلك يتعين التمييز بين قصر حق التقاضي على درجة واحدة من ناحية، أخرى ، ذلك أن هذا التعدد - حين يتوفر الدليل عليه من النصوص التشريعية ذاتها - يعتبر نافيا- وبداهة - لقالة انحصاره في درجة واحدة ، ومتحققا دوما حين تقوم محكمة استئنافية بمراجعة قضاء المحكمة الدنيا في عناصره الواقعية والقانونية ، وكذلك حين تتصدر التنظيم القضائي ، وتحتل القمة من مدارجه، محكمة تعلوهما تكون ولايتها مقصورة على الفصل في مسائل القانون لتقعيدها، ولو كان الطعن في أحكامها ممتنعا.

5 - إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن التمييز بين الأعمال القضائية وبين غيرها من الأعمال التي تلتبس بها، إنما يقوم على مجموعة من العناصر لا تتحدد بها ضوابط هذا التمييز على وجه قطعي ، ولكنها تعين على إبراز الخصائص الرئيسية للعمل القضائي، من بينها أن إسباغ الصفة القضائية على أية جهة عهد إليها المشرع بالفصل في نزاع معين، يفترض أن يكون تشكيلها واستقلالها كاشفين عن حيدتها عند الفصل في النزاع، ومؤديين إلى غيرتها في مواجهة أطرافه. وفى كل حال يتعين أن يثير النزاع المطروح عليها ادعاء قانونيا يبلور الحق في الدعوى كرابطة قانونية تنعقد الخصومة القضائية من خلالها، وبوصفها الوسيلة التي عينها المشرع لاقتضاء الحقوق المدعى بها، وبمراعاة أن يكون إطار الفصل فيها محددا بما لا يخل بالضمانات القضائية الرئيسية التي لا يجوز النزول عنها ، وعلى ضوء قاعدة قانونية نص عليها المشرع سلفا، ليكون القرار الصادر في النزاع مؤكدا للحقيقة القانونية ، مبلورا لمضمونها، لتفرض نفسها على كل من ألزمه المشرع بها، بافتراض تطابقها مع الحقيقة الواقعة.

(6 ، 7) البين من أحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 55 لسنة 1960 ومذكرته الإيضاحية ، أن الأعيان التي كان مصرفها على غير جهات البر، والتي اعتبر وقفها منتهيا بصدور المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952، كان ينبغي توزيعها على المستحقين، كل بقدر نصيبه، باعتبار أنهم أصبحوا مالكين لهذه الأنصبة ، إلا أن معظم هذه الأعيان لم تصل إلى أيدى مستحقيها بسبب شيوع أنصبتهم ، وما يقيمه بعض الحراس ، بل وبعض المستحقين ، من العوائق التي تحول دون إجراء القسمة ولمواجهة ذلك ، صدر القانون رقم 18 لسنة 1958 بقسمة الأعيان التي اعتبر وقفها منتهيا مستهدفا تقرير قواعد ميسرة تكفل إيصال الحقوق إلى المستحقين، وتجنبهم المنازعات والخصومات التي تتفرع عن إجراءات التقاضي المعتادة والتي قد تعرض حقوقهم للضياع . إلا أن تطبيق هذا القانون أسفر عن تعقد إجراءاته وبطئها بالنظر إلى تعدد لجانه وتعدد إجراءاتها ومواعيدها. ومن ثم فقد صدر القرار بقانون رقم 55 لسنة 1960 متوخيا تعديل أحكام القانون رقم 18 لسنة 1958 المشار إليه بما يكفل سرعة إنجاز عملية القسمة أو البيع- عند تعذر إجرائها - وبمراعاة أن تكون إجراءاتها مبسطة، وبما يصون حقوق المتقاسمين وغيرهم على السواء. وفى هذا الإطار، حدد القرار بقانون رقم 55 لسنة 1960 كيفية إجراء القسمة في الأعيان التي اعتبر وقفها منتهيا، فاستعاض عن القواعد الإجرائية المعقدة بلجنتين، تختص إحداهما بفحص طلبات القسمة وتحقيق جديتها وإجرائها، وكذلك ببيع الأعيان التي تتعذر قسمتها، وتختص أخراهما بالفصل في الاعتراضات على الأحكام التي تصدرها اللجنة الأولى ، سواء كان الاعتراض مبناه المنازعة في الاستحقاق أو تقويم الأعيان أو غير ذلك. وقد قيد المشرع هاتين اللجنتين بقواعد قانونية ألزمهما باتباعها، بعضهما من طبيعة إجرائية هي تلك المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية، ومنها ما هو طبيعة موضوعية تمثلها الأحكام التي تضمنها القانون المدني في شأن القسمة وكذلك ما تضمنه القانون رقم 48 لسنة 1946 من أحكام متعلقة بالوقف. وتفصل هذه اللجان- التي يغلب العنصر القضائي على تشكيلها- فيما يعرض عليها مما يدخل في اختصاصها بعد إعلان أصحاب الشأن ببدء إجراءاتها ، وبما يكفل حقوق المتقاسمين والأغيار على السواء، وفى إطار من الضمانات الرئيسية للتقاضي التي تتهيأ معها لكل من كل طرفا في إجراءات القسمة الفرص الكاملة لإبداء أقواله ومواجهة خصمة وتحقيق دفاعه، بما مؤداه أن المشرع أقام هيئتين ذواتى اختصاص قضائي تعلو إحداهما أدناهما، وتتقيد كلتاهما بقواعد إجرائية وموضوعية لا تريم عنها، وتتوافر في تشكيلها الحيدة التي تكفل غيريتها في مواجهة المتنازعين. وقد اقترن هذا التنظيم القائم على تعدد مراحل التقاضي في الموضوع الواحد، بضمان حق الطعن أمام محكمة الاستئناف في القرارات النهائية الصادرة عن لجان القسمة كلما كان الطعن عليها مبناه مخالفتها القانون أو خطؤها في تطبيقه أو تأويلة، أو إذا وقع بطلان في قراراتها أو بطلان في إجراءاتها أثر فيها. ومن ثم يكون المشرع قد حصر اختصاص محكمة الاستئناف في مسائل القانون، وعهد إليها- من خلال مراقبتها لصحة تطبيقه- بدور مماثل لدور محكمة النقض التي لا يجوز الطعن في أحكامها أمام أية جهة، وليس ذلك إنكارا لحق التقاضي المنصوص عليه في المادة 68 من الدستور، بل هو توكيد لمضمونه، وإرساء لأبعاده بما يكفل الأغراض التي توخاها.

8 - المشرع غير مقيد- في مجال ضمانه حق اللجوء إلى القضاء - بأشكال محددة تمثل أنماطا جامدة لا تقبل التغيير أو التبديل . بل يجوز أن يختار من الصور الإجرائية لإنفاذ هذا الحق ما يكون في تقديره الموضوعي أكثر اتفاقا مع طبيعة المنازعة التي يعهد بالفصل فيها إلى محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي ودون ما إخلال بضمانتها الرئيسية التي تكفل إيصال الحقوق لأصحابها وفق قواعد محددة تكون منصفة في ذاتها . متى كان ذلك ، فإن التنظيم التشريعي الذى تضمنه القرار بقانون رقم 55 لسنة 1960 - بمراعاة طبيعة المنازعات التي اختص اللجان التي أنشأها بالفصل فيها، وفى الحدود التي يقتضيها الصالح العام - لا يكون مخالفا للدستور من هذه الناحية.

9 - إعمال مبدأ المساواة - وما يقتضيه من الحماية القانونية المتكافئة - يفترض تماثل المراكز القانونية في نطاق الموضوع محل التنظيم التشريعي ، ومعاملتها بالتالي على ضوء قاعدة قانونية موحدة لا تفرق بين أصحابها بما ينال من مضمون الحقوق التي يتمتعون بها، وكان النص التشريعي المطعون عليه لا يعدو أن يكون جزءا من التنظيم المتكامل لحق التقاضي الذى ورد بالقرار بقانون رقم 55 لسنة 1960، وكان هذا التنظيم قد تقرر لأغراض مشروعة ، ووفق أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزا منهيا بين المخاطبين بها، فإن قالة إخلال النص المطعون عليه بمبدأ المساوة أمام القانون المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور لا يكون لها محل .

10 - إن ما ينعاه المدعون من إخلال النص التشريعي المطعون فيه بمبدأ تكافؤ الفرص الذى تكفله الدولة للمواطنين كافة وفقا لنص المادة 8 من الدستور، مردود بأن مضمون هذا المبدأ يتصل بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها، وأن إعماله يقع عند التزاحم عليها، وإن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية - في مجال الانتفاع بها - لبعض المتزاحمين على بعض ، وهى أولوية تتحدد وفقا لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام. إذ كان ذلك ، فإن إعمال مبدأ تكافؤ الفرص - في نطاق تطبيق النص المطعون عليه - يكون منتفيا، إذ لا صلة له بفرص قائمة يجرى التزاحم عليها.

11 - إذ كان المتدخلون انضماما للمدعين غير ماثلين في الدعوى الموضوعية التي يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الحكم فيها ، ولا يعتبرون بالتالي خصوما ذوى شأن في الدعوى الدستورية ، فإن مصلحتهم في الطعن على النص التشريعي محلها تكون منتفية، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول تدخلهم.

------------

الوقائع

حيث إن الوقائع- على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق- تتحصل في أن المدعى عليهما الأولى والرابعة كانتا قد تقدمتا بطلب إلى لجنة القسمة بوزارة الأوقاف ابتغاء قسمة أعيان وقف مصطفى حلمي. وبتاريخ 11 مارس سنة 1986 صدر قرار اللجنة باعتماد تقرير الخبير المؤرخ 4 يناير سنة 1986 بالنسبة للطريقة الأولى لقسمة أطيان الوقف. وإذ لم يرتض المدعون هذا القرار فقد تقدموا باعتراض عليه إلى لجنة الاعتراضات التي انتهت إلى قبول الاعتراض شكلاً، ورفضه موضوعاً. طعن المدعون في هذا القرار أمام محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 6 لسنة 154 حيث قضت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد القرار المطعون فيه. وإذ لم يرتض المدعون هذا الحكم فقد طعنوا فيه أمام محكمة النقض ودفعوا أمامها بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة الثالثة عشرة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 55 لسنة 1960 بقسمة الأعيان التي انتهى فيها الوقف والتي تنص على أن "ويكون الحكم الصادر من محكمة الاستئناف نهائياً غير قابل للطعن أمام أية جهة قضائية". وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع فقد صرحت للمدعين باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية، فأقاموا دعواهم الماثلة.

--------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة قولاً منها بأنها لم تتصل بالمحكمة الدستورية العليا وفقاً للأوضاع المنصوص عليها في قانونها باعتبار أن الدفع بعدم الدستورية أثير أمام محكمة النقض التي لا تعتبر محكمة موضوع، ولا يعد النزاع المعروض عليها متصلاً بتقرير الحق أو نفيه، بل تقتصر مهمتها على مراقبة صحة تطبيق القانون على الوقائع التي فصل فيها الحكم المطعون فيه. وبالتالي لا يجوز لمحكمة النقض أن تحيل مسألة دستورية تتصل بطعن معروض عليها إلى المحكمة الدستورية العليا ولا أن تقدر جدية دفع بعدم الدستورية أثير أمامها بمناسبة فصلها في هذا الطعن، إذ لا يعتبر هذا الدفع متعلقا بالنظام العام، ولا يجوز أن يثار أمامها لأول مرة. وحيث إن هذا الدفع مردود بأن الشرعية الدستورية التي تقوم المحكمة الدستورية العليا على مراقبة التقيد بها، غايتها ضمان أن تكون النصوص التشريعية مطابقة لأحكام الدستور. وتتبوأ هذه الشرعية من البنيان القانوني في الدولة القمة من مدارجه وهى فرع من خضوع الدولة للقانون والتزامها بضوابطه. ولا يجوز بالتالي لأية محكمة أو هيئة اختصها المشرع بالفصل في نزاع معين فصلا قضائياً- وأيا كان موقعها من الجهة القضائية التي تنتمى إليها- إعمال نص تشريعي لازم للفصل في النزاع المعروض عليها إذا بدا لها مصادمته للدستور من وجهة مبدئية قوامها ظاهر الأمر في المطاعن الدستورية الموجهة إليه دون خوض في أعماقها. ذلك أن قيام هذه الشبهة لديها يلزمها أن تستوثق من صحتها عن طريق عرضها على المحكمة الدستورية العليا التي تتولى دون غيرها الفصل في المسائل الدستورية، إذ هى التي تتحراها سابرة أغوارها، متقصية أبعادها، بالغة ببحثها منتهاه، لتقول كلمتها القاطعة فيها، بما مؤداه أنه كلما بدا لأية جهة أو هيئة أولاها لمشرع سلطة الفصل في الخصومة بأكملها أو في بعض جوانبها، أن التعارض المدعى به أمامها بين النص التشريعي الأدنى والقاعدة الدستورية التي تحتل مرتبة الصدارة بين قواعد النظام العام، محمول على أسس تظاهره من وجهة مبدئية غير متعمقة دخائل المطاعن الدستورية، فلا يجوز لهذه الجهة أو الهيئة، أن تتجاهل مظنة الخروج على أحكام الدستور، ولا أن تنحيها جانبا، بل يتعين عليها- ولو كان بحثها منحصراً في مسائل القانون دون غيرها- أما أن تحيل بنفسها ما ارتأته من تعارض بين نص تشريعي وقاعدة دستورية إلى المحكمة الدستورية العليا ليكون قضاؤها في شأن هذا التعارض قولاً فصلاً، وإما أن توفر للخصم الذى دفع أمامها بعدم دستورية نص تشريعي، وكان دفعه جدياً، مكنة عرض دعواه على المحكمة الدستورية العليا عن طريق تخويلها إياه حق رفعها إليها خلال الأجل الذى تحدده. يؤيد ذلك أن الدفع بعدم الدستورية ليس من الدفوع التي يخالطها واقع، ولا تعتبر المجادلة فيه مجادلة موضوعية مما تستقل بتقديرها محكمة الموضوع، وإنما ينحل إلى ادعاء بمخالفة نص تشريعي لحكم في الدستور. وهو ادعاء لا يرتبط الفصل فيه بأية عناصر واقعية تكون محكمة الموضوع قد حققتها. ومن ثم تجوز إثارته ولو لأول مرة أمام محكمة النقض- التي تعتبر من المحاكم التي عنتها المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا والتي يجوز إثاره مثل هذا الدفع أمامها- ذلك أن إعراضها عن بحثه على ضوء ظاهر الأمر فيه، بمقولة أن رقابتها منحصرة في مسائل القانون وحدها، مؤداه أن يكون مرجعها في هذه الرقابة إلى النصوص التشريعية المعمول بها عند الفصل في الطعن المعروض عليها، ولو كانت معيبة في ذاتها لمخالفتها للدستور، وهو ما يؤول إلى إنزالها لهذه النصوص دوما على الواقعة التي حصلها الحكم المطعون فيه أيا كان وجه تعارضها مع الدستور، ويخل بضرورة أن تكون الشرعية الدستورية متكاملة حلقاتها، وأن تكون لأحكام الدستور الصدارة على ما دونها في المرتبة. ولازم ذلك، أن طبيعة الرقابة القانونية التي تباشرها محكمة النقض على محكمة الموضوع، لا تحول بذاتها دون إثارة الدفع بعدم الدستورية أمامها، بل أن إجالتها لبصرها في هذا الدفع، يعكس جوهر رقابتها القانونية، ويعتبر أوثق اتصالا بها. ذلك أن تقرير ما إذا كان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته يعد لازماً أو غير لازم للفصل في الحقوق المدعى بها، وكذلك ما إذا كان التعارض الذى يثيره الدفع بين هذا النص وحكم في الدستور، يعد- من وجهة مبدئية- مفتقراً إلى ما يظاهره أو مرتكنا إلى ما يبرره، كلاهما من مسائل القانون التي يدخل الفصل فيها في ولاية محكمة النقض التي عهد إليها المشرع بمراقبة صحة تطبيقه على الوقائع التي خلص إليها الحكم المطعون فيه. وحيث إن المدعين ينعون على الفقرة الثالثة من المادة الثالثة عشرة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 55 لسنة 1960 بقسمة الأعيان التي انتهى فيها الوقف، إنها إذ تنص على أنه "ويكون الحكم الصادر من محكمة الاستئناف نهائياً غير قابل للطعن أمام أية جهة قضائية"، فإنها تكون قد حالت دون الطعن بالنقض في أحكام القسمة الصادرة عن تلك المحكمة، وذلك على خلاف الأصل فيها بما مؤداه أن تكون قرارات لجان القسمة بمنأى من الرقابة التي تباشرها محكمة النقض على صحة تطبيقها للقانون، وهو ما ينطوي على إنكار لحق التقاضي وإخلال بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص المنصوص عليهما في المواد 8، 40، 68 من الدستور. وحيث إن الفصل في هذا النعي يقتضى ابتداء التمييز بين قصر حق التقاضي على درجة واحدة من ناحية، وبين إنكار الحق فيه إنكاراً مطلقاً أو مقيداً من ناحية أخرى، ذلك أن قصر التقاضي في المسائل التي فصل فيها الحكم على درجة واحدة- وهو ما يستقل المشرع بتقديره- يفترض لزوماً أمرين، أولهما أن تكون الدرجة الواحدة محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي من حيث تشكيلها وضماناتها والقواعد المعمول بها أمامها. ثانيهما أن يكون المشرع قد عهد إليها بالفصل في عناصر النزاع جميعها- الواقعية منها والقانونية- دون أن تراجعها فيما تخلص إليه من ذلك أية جهة أخرى. وعلى نقيض ما تقدم، أن يقيم المشرع محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي للفصل في مسائل القانون المرتبطة بنزاع معين دون سواها، تعقيباً من جانبها على قرار أصدرته جهة إدارية عند فصلها فيه، إذ يعتبر ذلك إنكاراً لحق اللجوء إلى القضاء وهو الحق الذى كفلته المادة الثامنة والستون من الدستور باعتبار أن الفصل في عناصر النزاع الواقعية عائد إلى جهة إدارية لا تتوافر أمامها- وبالضرورة- مقومات التقاضى وضماناته الرئيسية. كذلك يتعين التمييز بين قصر حق التقاضى على درجة واحدة من ناحية، وبين تعدد مراحله في الموضوع الواحد من ناحية أخرى. ذلك أن هذا التعدد- حين يتوافر الدليل عليه من النصوص التشريعية ذاتها- يعتبر نافيا- وبداهة- لقالة انحصاره في درجة واحدة، ومتحققاً دوما حين تقوم محكمة استئنافية بمراجعة قضاء المحكمة الدنيا في عناصره الواقعية والقانونية. وكذلك حين تتصدر التنظيم القضائى، وتحتل القمة من مدارجه، محكمة تعلوهما تكون ولايتها مقصورة على الفصل في مسائل القانون لتقعيدها، ولو كان الطعن في أحكامها ممتنعا. وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على ان التمييز بين الأعمال القضائية وبين غيرها من الأعمال التي تلتبس بها، إنما يقوم على مجموعة من العناصر لا تتحدد بها ضوابط هذا التمييز على وجه قطعى، ولكنها تعين على إبراز الخصائص الرئيسية للعمل القضائى، من بينها إن إسباغ الصفة القضائية على أعمال أية جهة عهد إليها المشرع بالفصل في نزاع معين، يفترض أن يكون تشكيلها واستقلالها كاشفين عن حيدتها عند الفصل في النزاع، ومؤديين إلى غيريتها في مواجهة أطرافه، وأنه في كل حال يتعين أن يثير النزاع المطروح عليها ادعاء قانونيا يبلور الحق في الدعوى كرابطة قانونية تنعقد الخصومة القضائية من خلالها، وبوصفها الوسيلة التي عينها المشرع لاقتضاء الحقوق المدعى بها، وبمراعاة أن يكون إطار الفصل فيها محدداً بما لا يخل بالضمانات القضائية الرئيسية التي لا يجوز النزول عنها، وعلى ضوء قاعدة قانونية نص عليها المشرع سلفا ليكون القرار الصادر في النزاع مؤكداً للحقيقة القانونية، مبلوراً لمضمونها، لتفرض نفسها على كل من ألزمه المشرع بها، بافتراض تطابقها مع الحقيقة الواقعة. وحيث إن البين من أحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 55 لسنة 1960 ومذكرته الإيضاحية، أن الأعيان التي كان مصرفها على غير جهات البر، والتى اعتبر وقفها منتهيا بصدور المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952، كان ينبغى توزيعها على المستحقين، كل بقدر نصيبه، باعتبار أنهم أصبحوا مالكين لهذه الانصبة، إلا أن معظم هذه الأعيان لم تصل إلى أيدى مستحقيها بسبب شيوع أنصبتهم، وما يقيمه بعض الحراس، بل وبعض المستحقين، من العوائق التي تحول دون إجراء القسمة، وانه لمواجهة ذلك، صدر القانون رقم 18 لسنة 1958 بقسمة الأعيان التي اعتبر وقفها منتهياً، مستهدفاً تقرير قواعد ميسرة تكفل إيصال الحقوق إلى المستحقين، وتجنبهم المنازعات والخصومات التي تتفرع عن إجراءات التقاضى المعتادة والتى قد تعرض حقوقهم للضياع، إلا أن تطبيق هذا القانون أسفر عن تعقد إجراءاته وبطئهما بالنظر إلى تعدد لجانه وتشابك إجراءاتها ومواعيدها. ومن ثم صدر القرار بقانون رقم 55 لسنة 1960 متوخيا تعديل أحكام القانون رقم 18 لسنة 1958 المشار إليه بما يكفل سرعة إنجاز عملية القسمة أو البيع- عند تعذر إجرائها- وبمراعاة أن تكون إجراءاتها مبسطة، وبما يصون حقوق المتقاسمين وغيرهم على السواء. وفى هذا الإطار نص قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 55 لسنة 1960 في مادته الأولى على أنه استثناء من أحكام المادة 836 من القانون المدنى والمادة 41 من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف، تتولى وزارة الأوقاف بناء على طلب أحد ذوى الشأن قسمة الأعيان التي انتهى فيها الوقف طبقا للمرسوم بقانون رقم 1980 لسنة 1952، كما تتولى الوزارة في هذه الحالة فرز حصة الخيرات الشائعة في تلك الأعيان. وتعهد مادته الثانية بإجراء القسمة إلى لجنة أو أكثر يصدر بتشكيلها ومكان انعقادها قرار من وزير الأوقاف على أن يرأسها مستشار مساعد بمجلس الدولة ويكون أحد القضاة وأحد العاملين في وزارة الأوقاف أو هيئة الأوقاف المصرية من الفئة الوظيفية التي حددتها، عضوين بها. وعملاً بمادتيه الرابعة والخامسة تختص لجان القسمة هذه بفحص طلباته وتحقيق جديتها، ولها أن تكلف الحارس على الوقف، أو من يتولى إدارة أعيانه، بأن يقدم جميع الإشهارات الصادرة بالوقف والمتضمنة الزيادة فيه والاستبدال منه والأحكام الصادرة في شأنه، وكذلك بيانا بأعيانه ومقرها والمنازعات القائمة بصددها. فإذا لم يقدم الحارس على الوقف أو من يتولى إدارة أعيانه في الموعد الذى تحدده اللجنة البيانات والمستندات التي طلبتها، تعين عليها تغريمه، وجاز لها إقالته وإبداله بغيره يتولى إدارة الأعيان بصفة مؤقته إلى أن تتم قسمتها نهائياً. ولكل ذى شأن الاطلاع على الأوراق المقدمة إلى اللجنة وأن يطلب صوراً منها مطابقة للأصل. ووفقاً لمادته السادسة تراعى لجان القسمة في عملها اتباع القواعد الإجرائية المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية، كما تتقيد في مباشرتها بالقواعد الموضوعية المنصوص عليها في القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف وكذلك قواعد القانون المدنى في شأن القسمة، وذلك دون إخلال بما نص عليه القرار بقانون رقم 55 لسنة 1960 من أحكام. وتكون لجان القسمة هى المختصة بالفصل في جميع المنازعات التي تدخل في اختصاص المحاكم وفقاً لأحكام القوانين المتقدمة. ولا تباشر هذه اللجان أعمالها في غيبة ذوى الشأن ولكن بعد إعلانهم بالكيفية المنصوص عليها في المادة الثامنة من القرار بقانون المشار إليه. وتنشئ مادته العاشرة لجنة أو أكثر تسمى لجنة الاعتراضات تشكل بقرار من وزير الأوقاف برئاسة مستشار بمحكمة الاستئناف وعضوية مستشار مساعد على الأقل بمجلس الدولة وأحد العاملين بالشئون القانونية بوزارة الأوقاف أو هيئة الأوقاف المصرية من الفئة الوظيفية التي حددتها هذه المادة. وتختص لجنة الاعتراضات بالنظر فيما يقدمه أصحاب الشأن من أوجه الاعتراضات على الحكم الصادر من لجنة القسمة سواء كان ذلك متعلقا بتقدير أنصبة المستحقين أو تقويم أعيان الوقف أو غير ذلك، على ان ترفع الاعتراضات على حكم لجنة القسمة- وعلى ما ينص عليه القرار بقانون رقم 55 لسنة 1960 في مادته الحادية عشرة0 من كل خصم في الدعوى خلال ثلاثين يوما من تاريخ صدوره. وقد اعتبرت المادة الثانية عشره القرارات النهائية للجان القسمة بمثابة أحكام مقررة للقسمة بين أصحاب الشأن وتشهر في مصلحة الشهر العقارى والتوثيق. وخولت مادته الثالثة عشرة كل من كان طرفاً في إجراءات القسمة أن يطعن في القرارات النهائية الصادرة من لجان القسمة إذا كان القرار مبنيا على مخالفة القانون أو خطأ في تطبيقه أو في تأويله أو إذا وقع بطلان في القرار او في إجراءاته أثر فيه. ويرفع الطعن إلى محكمة الاستئناف خلال موعد محدد، ويكون قرارها نهائياً غير قابل للطعن فيه أمام أية جهة قضائية. وحيث إن البين مما تقدم أن القرار بقانون رقم 55 لسنة 1960 حدد كيفية إجراء القسمة في الأعيان التي اعتبر وقفها منتهياً، فاستعاض عن القواعد الإجرائية المعقدة بلجنتين تختص إحداهما بفحص طلبات القسمة وتحقيق جديتها وإجرائها وكذلك ببيع الأعيان التي تتعذر قسمتها، وتختص أخراهما بالفصل في الاعتراضات على الأحكام التي تصدرها اللجنة الأولى سواء كان الاعتراض مبناه المنازعة في الاستحقاق أو تقويم الأعيان أو غير ذلك. وقد قيد المشرع هاتين اللجنتين بقواعد قانونية ألزمهما باتباعها، بعضها من طبيعة إجرائية هى تلك المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية، ومنها ماهو من طبيعة موضوعية تمثلها الأحكام التي تضمنها القانون المدنى في شأن القسمة، وكذلك ما تضمنه القانون رقم 48 لسنة 1946 من أحكام متعلقة بالوقف. وتفصل هذه اللجان- التي يغلب العنصر القضائى على تشكيلها- فيما يعرض عليها مما يدخل في اختصاصها بعد إعلان أصحاب الشأن ببدء إجراءاتها، وبما يكفل حقوق المتقاسمين والأغيار على السواء، وفى إطار من الضمانات الرئيسية للتقاضى التي تتهيأ معها لكل من كان طرفاً في إجراءات القسمة الفرص الكاملة لإبداء أقواله ومواجهة خصمه وتحقيق دفاعه، بما مؤداه أن المشرع أقام هيئتين ذواتى اختصاص قضائى تعلو إحداهما أدناهما، وتتقيد كلتاهما بقواعد إجرائية وموضوعية لا تريم عنها، وتتوافر في تشكيلها الحيدة التي تكفل غيريتها في مواجهة المتنازعين. وقد اقترن هذا التنظيم القائم على تعدد مراحل التقاضى في الموضوع الواحد، بضمان حق الطعن أمام محكمة الاستئناف في القرارات الصادرة عن لجان القسمة كلما كان الطعن عليها مبناه مخالفتها القانون أو خطؤها في تطبيقه أو تأويله، أو إذا وقع بطلان في قراراتها أو بطلان في إجراءاتها أثر فيها. ومن ثم يكون المشرع قد حصر اختصاص محكمة الاستئناف في مسائل القانون، وعهد إليها- من خلال مراقبتها لصحة تطبيقه- بدور مماثل لدور محكمة النقض التي لايجوز الطعن في أحكامها أمام أية جهة. وليس ذلك إنكاراً لحق التقاضى المنصوص عليه في المادة 68 من الدستور، بل هو توكيد لمضمونه، وإرساء لأبعاده بما يكفل الأغراض التي توخاها. وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المشرع غير مقيد –فى مجال ضمانة حق اللجوء إلى القضاء- بأشكال محددة تمثل أنماطا جامدة لا تقبل التغيير أو التبديل، بل يجوز أن يختار من الصور الإجرائية لإنفاذ هذا الحق ما يكون في تقديره الموضوعى أكثر اتفاقا مع طبيعة المنازعة التي يعهد بالفصل فيها إلى محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى، ودون ما إخلال بضماناتها الرئيسية التي تكفل إيصال الحقوق لأصحابها وفق قواعد محددة تكون منصفة في ذاتها وغير متحيفة بالتالى. متى كان ذلك، فإن التنظيم التشريعى الذى تضمنه القرار بقانون رقم 55 لسنة 1960- بمراعاة طبيعة المنازعات التي اختص اللجان التي أنشأها بالفصل فيها، وفى الحدود التي يقتضيها الصالح العام- لا يكون مخالفاً للدستور من هذه الناحية. وحيث إن المدعين ينعون على النص التشريعى المطعون عليه إخلاله بمبدأ المساواة أمام القانون، وكان إعمال هذا المبدأ –وما يقتضيه من الحماية القانونية المتكافئة- يفترض تماثل المراكز القانونية في نطاق الموضوع محل التنظيم التشريعى ومعاملتها بالتالى على ضوء قاعدة موحدة لا تفرق بين أصحابها بما ينال من مضمون الحقوق التي يتمتعون بها، وكان النص التشريعى المطعون عليه لا يعدو أن يكون جزءاً من التنظيم المتكامل لحق التقاضى الذى تضمنه القرار بقانون رقم 55 لسنة 1960، وكان هذا التنظيم قد تقرر لأغراض مشروعة، ووفق أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزاً منهياً عنه بين المخاطبين بها، فإن قالة إخلال النص المطعون عليه بمبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور، لا يكون لها حل. وحيث إن ما ينعاه المدعون من إخلال النص التشريعى المطعون فيه بمبدأ تكافؤ الفرص الذى تكفله الدولة للمواطنين كافة وفقاً لنص المادة 8 من الدستور، مردود بأن مضمون هذا المبدأ يتصل بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها، وأن إعماله يقع عند التزاحم عليها، وأن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية- في مجال الانتفاع بها- لبعض المتزاحمين على بعض، وهى أولوية تتحدد وفقاً لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام. إذ كان ذلك، فإن إعمال مبدأ تكافؤ الفرص في نطاق تطبيق النص المطعون عليه يكون منتفياً، إذ لا صلة له بفرص قائمة يجرى التزاحم عليها. وحيث إنه عن طلبات التدخل في الدعوى الماثلة، فإنه إذ كان المتدخلون انضماماً للمدعين فيها غير ماثلين في الدعوى الموضوعية التي يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الحكم فيها، ولا يعتبرون بالتالى خصوماً ذوى شأن في الدعوى الدستورية، فإن مصلحتهم في الطعن على النص التشريعى محلها تكون منتفية، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول تدخلهم. وحيث إن النص التشريعى المطعون عليه لا يتعارض مع حكم في الدستور من أوجه أخرى. فلهذه الأسباب حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعين المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

فلهذه الأسباب

برفض الدعوي في طلب الحكم بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة الثالثة عشرة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 55 لسنة 1960 بقسمة الأعيان التي انتهي فيها الوقف والتي تنص علي أن "ويكون الحكم الصادر من محكمة الإستئناف نهائياً غير قابل للطعن أمام أية جهة قضائية".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق