الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

الأربعاء، 1 نوفمبر 2023

الطعن 229 لسنة 19 ق جلسة 12 / 3 / 2001 دستورية عليا مكتب فني 9 دستورية ق 105 ص 870

جلسة 12 مارس سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وأنور رشاد العاصي، وحضور السيد المستشار/ محمد خيري طه عبد المطلب النجار - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

-----------------

قاعدة رقم (105)
القضية رقم 229 لسنة 19 قضائية "دستورية"

1 - دعوى دستورية "تدخل".
شرط قبول طلب التدخل في الدعوى الدستورية أن يكون مقدماً ممن كان طرفاً في الدعوى الموضوعية التي يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الحكم فيها.
2 - دعوى دستورية "طلبات ختامية - وفاة المدعي".
إبداء المدعي طلباته الختامية في الدعوى الدستورية قبل وفاته - أثره: أن الدعوى تكون قد تهيأت للفصل فيها.
3 - دعوى دستورية "حكم فيها: حجية - عدم قبول الدعوى".
رفع دعوى لاحقة بعدم دستورية نص قانوني بعد نشر الحكم الصادر بعدم دستوريته؛ مؤداه: عدم قبول الدعوى بسبب انعدام المصلحة فيها نظراً للحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية.
4 - دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها - نطاقها".
مناط المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع؛ مؤدى ذلك: استبعاد أحكام النصوص الطعينة التي لا شأن لها بالنزاع الموضوعي أصلاً.
5 - دستور "المادة 13: حق العمل".
لا يُمنح حق العمل - وفقاً لنص المادة 13 من الدستور - تفضلاً، ولا يجوز إهداره أو تقييده بما يعطل جوهره، وبه تتكامل الشخصية الإنسانية - لحق العمل صلة وثيقة بالحرية الشخصية والحق في الإبداع.
6 - دستور "المادتان 32، 34: ملكية خاصة".
الملكية الخاصة التي كفل الدستور صونها بهاتين المادتين ترتد في الأعم من صورها إلى ضمان حق العمل - الملكية الخاصة عائدة إلى جهد صاحبها غالباً وحرصه بالعمل على إنمائها - اختصاصه دون غيره بثمارها - حماية الدستور والقانون للملكية من تعرض الأغيار لها.
7 - حق العمل "عضو هيئة قضائية: المبالغ الشهري الإضافي".
المبلغ الشهري الإضافي مكمل للمعاش الأصلي لأعضاء الهيئات القضائية - تضافرهما معاً في مجال ضمان الحد الأدنى لمتطلبات المعيشة؛ مؤدى ذلك: عدم جواز أن يكون الحق في المبلغ الشهري الإضافي معلقاً على شرط الامتناع عن العمل؛ وهو حق كفله الدستور لكل مواطن.
8 - مبدأ المساواة.
هذا المبدأ ليس تلقيناً جامداً منافياً للضرورة العملية - من الجائز أن تغاير السلطة التشريعية، وفقاً لمقاييس منطقية بين مراكز لا تتحد معطياتها.
9 - تشريع "قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 المعدل بقراره رقم 440 لسنة 1986: الإخلال بالمساواة".
حرمان من يزاولون عملاً خارج البلاد - من أعضاء الهيئات القضائية - من المبلغ الشهري الإضافي، حال أن قرناءهم الذين قد يلتحقون بأعمال داخل البلاد أصبح من حقهم تقاضي هذا المبلغ بناءً على حكم من المحكمة الدستورية العليا؛ مؤدى ذلك: مخالفة النص الطعين لمبدأ المساواة.
10 - عضو هيئة قضائية "المبلغ الشهري الإضافي - خدمات صحية".
لا وجه للربط بين أحقية أعضاء الهيئات القضائية السابقين للمبلغ الشهري الإضافي وبين الانتفاع بنظام الخدمات الصحية - ارتباط هذه الخدمات بالموارد المالية للصندوق.

------------------
1 - اطرد قضاء هذه المحكمة على أن شرط قبول طلب التدخل أن يكون مقدماً ممن كان طرفاً في الدعوى الموضوعية التي يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الحكم فيها، وإذ كان طالبو التدخل غير ممثلين في الأنزعة التي أقامها المدعون أمام دائرة طلبات رجال القضاء بمحكمة النقض، فإنه يتعين الحكم بعدم قبول تدخلهم.
2 - لما كان المدعي الثاني قد أبدى طلباته الختامية في الدعوى الماثلة في جلسات المرافعة المحددة لنظرها على النحو الثابت بمحاضرها قبل أن يقدم وكيله إعلام الوراثة الذي يثبت وفاته، فإن دعواه تكون قد تهيأت للفصل فيها إعمالاً لحكم المادتين 130، 131 من قانون المرافعات.
3 - سبق أن قضت هذه المحكمة بحكمها الصادر بجلسة 3 مايو 1997 في القضية رقم 29 لسنة 15 قضائية "دستورية" بعدم دستورية نص المادة 34 مكرراً (2) من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 بتنظيم صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية المعدل بالقرار رقم 440 لسنة 1986، وذلك فيما نص عليه من وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا مارس العضو مهنة غير تجارية في الداخل. وقد نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بتاريخ 15 مايو سنة 1997، وكان مقتضى نص المادتين 48، 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة باعتباره قولاً فصلاً لا يقبل تأويلاً ولا تعقيباً من أي جهة كانت، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو السعي إلى نقضه من خلال إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته، فإنه يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى الماثلة في شقها المتعلق بالطعن على النص.
4 - من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المصلحة في الدعوى الدستورية - وهي شرط لقبولها - مناطها ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، وكان النزاع الموضوعي - بعد نشر حكم المحكمة الدستورية العليا السالف الإشارة إليه - أضحى يدور حول طلب المدعيين الأول والثاني صرف المبلغ الشهري الإضافي خلال فترة عملهما بالخارج، وكذلك طلب المدعين جميعهم الإفادة من نظام الخدمات الصحية والاجتماعية، وصرف مقابل الدواء، فإن نطاق الطعن الماثل يتحدد بنص المادة 34 مكرراً (2) من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 فيما قضى به من وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا التحق العضو بأي عمل خارج البلاد، ونص المادة 13 من ذات القرار قبل تعديلها بالقرار رقم 1094 لسنة 1989 فيما قضى به من وقف الانتفاع بنظام الخدمات الصحية بالنسبة للعضو السابق إذا التحق بوظيفة أو مارس إحدى المهن الحرة، وذات النص بعد تعديله بالقرار الأخير فيما قضى به من وقف سريان النظام بالنسبة للعضو السابق إذا التحق بأي عمل خارج البلاد أو امتهن مهنة حرة في داخل البلاد، وكذلك نص المادة الخامسة من قرار وزير العدل رقم 1866 لسنة 1987 قبل تعديله بالقرار رقم 1040 لسنة 1989 فيما قضى به من أنه يشترط لمصرف مقابل الدواء لأعضاء الهيئات القضائية السابقين - الأحياء - أن يكون العضو مستوفياً لشروط استحقاق المبلغ الشهري الإضافي الصادر بقرار وزير العدل رقم 440 لسنة 1986، وذات النص بعد تعديله بالقرار 1040 لسنة 1989 فيما قضى به من أنه يشترط لصرف مقابل الدواء لأعضاء الهيئات القضائية السابقين الأحياء أو إعادة صرفه وقفه أن يكون العضو مستوفياً لشروط الانتفاع بنظام الخدمات الصحية الصادر بقرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981، ففي هذا الإطار وحده يتحدد نطاق الخصومة الدستورية الراهنة ولا يمتد إلى غير ذلك من أحكام حوتها النصوص الطعينة.
5 - حق العمل وفقاً لنص المادة (13) منه، لا يمنح تفضلاً، ولا يتقرر إيثاراً، ولا يجوز إهداره أو تقييده بما يعطل جوهره، بل يعتبر أداؤه واجباً لا ينفصل عن الحق فيه، ومدخلاً إلى حياة لائقة قوامها الاطمئنان إلى غد أفضل، وبها تتكامل الشخصية الإنسانية من خلال إسهامها في تقدم الجماعة وإشباع احتياجاتها بما يصون للقيم الخلقية روافدها. فضلاً عن الصلة الوثيقة بين حق العمل وبين الحرية الشخصية والحق في الإبداع، وجميعها من الحقوق التي حرص الدستور على صونها، وإهدارها أو تقييدها لا يستند إلى مصلحة مشروعة بل يناقضها.
6 - الملكية الخاصة - التي كفل الدستور صونها بنص المادتين 32، 34 - ترتد في عديد من جوانبها ومصادرها؛ وكذلك في الأعم من صورها إلى ضمان حق العمل باعتباره أداة تكوينها ووسيلة تراكمها في الأغلب. وقد جرى قضاء هذه المحكمة، على أن الدستور - إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة، وتوكيداً لإسهامها في صون الأمن الاجتماعي - كفل حمايتها لكل فرد، ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفي الحدود التي يقتضيها تنظيمها باعتبارها عائدة - في الأعم من الأحوال - إلى جهد صاحبها بذل من أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها وأحاطها الدستور بما قدره ضرورياً لصونها، معبداً بها وكافلاً من خلالها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية أهم أدواتها، مهيمناً عليها ليختص صاحبها دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها فلا يرده عنها معتد، بل يقيها الدستور والقانون تعرض الأغيار لها، سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها، بما يُعينها على أداء دورها.
7 - قضاء هذه المحكمة مُطرد على أن المبلغ الشهري الإضافي مكمل للمعاش الأصلي لأعضاء الهيئات القضائية، وأنهما يتضافران معاً في مجال ضمان الحد الأدنى لمتطلباتهم المعيشية. ولا يجوز بالتالي أن يكون الحق في المبلغ الشهري الإضافي حائلاً دون امتهان عضو الهيئة القضائية - بعد تقاعده - أعمالاً يمارسها أو تقلده وظائف لا يكون بها طاقة عاطلة، ولا أن يكون لحق في الحصول على هذا المبلغ معلقاً على شرط الامتناع عن العمل، وهو أحد الحقوق التي كفلها الدستور لكل مواطن.
8 - مبدأ المساواة - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ليس مبدأ تلقينياً جامداً منافياً للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التي يقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء. وإذا جاز للسلطة التشريعية أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائماً من التدابير، لتنظيم موضوع محدد وأن تغاير من خلال هذا التنظيم - ووفقاً لمقاييس منطقية - بين مراكز لا تتحد معطياتها أو تتباين في الأسس التي تقوم عليه، إلا أن ما يصون مبدأ المساواة، ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيماً تشريعياً ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها بالأغراض المشروعة التي يتوخاها. فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهياً، كان التمييز انفلاتاً وعسفاً، فلا يكون مشروعاً دستورياً.
9 - القرار المطعون فيه، وإن وَحَّد بين أعضاء الهيئات القضائية في شأن الأسس التي يتم على ضوئها حساب معاشهم التكميلي ممثلاً في المبلغ الشهري الإضافي، إلا أن النص الطعين حجبه عن بعضهم ممن يزاولون عملاً خارج البلاد، حال أن قرناءهم الذين قد يلتحقون بأعمال داخل البلاد، أصبح من حقهم تقاضي هذا المبلغ بعد قضاء هذه المحكمة الصادر في القضية رقم 72 لسنة 20 قضائية "دستورية" بعدم دستورية ذات النص الطعين فيما تضمنه من وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا التحق العضو بعمل داخل البلاد يتقاضى عنه دخلاً، ومن ثم فإنه غداً مخالفاً لمبدأ المساواة الذي يكفل المعاملة القانونية المتكافئة لأصحاب المراكز القانونية المتماثلة.
10 - لا وجه للربط بين أحقية أعضاء الهيئات القضائية السابقين للمبلغ الشهري الإضافي الذي تقرر بنص المادة 34 مكرراً (1) من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 وبين الانتفاع بنظام الخدمات الصحية الذي يكفله صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية الحاليين والسابقين وأسرهم، فالمبلغ الشهري الإضافي يُصرف لكل من استحق أو يستحق من أعضاء الهيئات القضائية معاشاً، وهذا المبالغ يعد معاشاً مكملاً للمعاش الأصلي، أنهما معاً يتضافران في مجال الحد الأدنى لمتطلباتهم المعيشية، في حين أن الانتفاع بنظام الخدمات الصحية يخضع لأحكام المادة 13 من قرار وزير العدل المشار إليه، والتي يتعين النظر إليها في ضوء ما تقضي به المادة الثانية من قرار وزير العدل رقم 3 لسنة 1977 من ربط الانتفاع بالخدمات الصحية بالموارد المالية للصندوق.


الإجراءات

بتاريخ السابع والعشرين من ديسمبر سنة 1997، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبين الحكم:
أولاً: بعدم دستورية نص المادة 34 مكرراً (2) من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 المعدل بالقرار رقم 440 لسنة 1986 فيما تضمنه من وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا مارس العضو مهنة تجارية أو غير تجارية أو التحق بالعمل خارج البلاد.
ثانياً: بعدم دستورية نص البندين ب، جـ من المادة 13 من القرار المشار إليه فيما تضمنه من وقف سريان نظام الخدمات الصحية والاجتماعية بالنسبة للعضو السابق أو أحد أفراد أسرته إذ التحق بعمل خارج البلاد، أو امتهن مهنة حرة أو تجارية أو غير تجارية داخل البلاد أو خارجها.
ثالثاً: بعدم دستورية نص المادة الخامسة من قرار وزير العدل رقم 1866 لسنة 1987 فيما تضمنه من وقف صرف مقابل الدواء للعضو السابق أو أحد أفراد أسرته إذ التحق بعمل خارج البلاد أو امتهن مهنة حرة أو تجارية أو غير تجارية داخل البلاد أو خارجها.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
وبجلسة 7/ 11/ 1998 طلب السادة المستشارون السابقون/ ...... قبول تدخلهم خصوماً منضمين إلى المدعيين في الدعوى.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعين كانوا قد أقاموا أمام محكمة النقض "دائرة طلبات رجال القضاء" الطلبات أرقام 10، 11، 9، 8 لسنة 61 قضائية "رجال القضاء" على التوالي، أبدوا فيها أن الأول عُين معاوناً للنيابة العامة سنة 1950 وتدرج في الوظائف القضائية حتى عُين مستشاراً بمحكمة النقض ثم استقال للعمل بالمحاماة سنة 1976، وعُين الثاني معاوناً للنيابة العامة في 30/ 10/ 1954 وتدرج في الوظائف القضائية حتى عُين مستشاراً بمحكمة الاستئناف ثم استقال للعمل بالمحاماة في أكتوبر سنة 1979، كما عُين الثالث معاوناً للنيابة العامة في مايو سنة 1954 وتدرج في الوظائف القضائية إلى أن عُين بوظيفة رئيس محكمة ثم استقال للعمل بالمحاماة في فبراير سنة 1977، وعُين الرابع معاوناً للنيابة العامة في 30/ 10/ 1954 وتدرج في الوظائف القضائية إلى أن عُين مستشاراً بمحكمة استئناف القاهرة ثم استقال في 12/ 5/ 1979 للترشيح لعضوية مجلس الشعب، ثم قُيد بجدول المحامين في 22/ 5/ 1979. وإذ أصدر السيد المستشار وزير العدل قراره رقم 440 لسنة 1986 بتقرير صرف مبلغ شهري إضافي لأصحاب المعاشات من أعضاء الهيئات القضائية، وقراره رقم 1866 لسنة 1987 بصرف مبلغ سنوي مقابل الدواء لأعضاء الهيئات القضائية الحاليين والسابقين، فقد تقدم المدعون بطلبات إلى صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لصرف ما يستحقونه من هذين المبلغين، إلا أن الصندوق امتنع عن ذلك بدعوى أن الأول والثاني كان يمارسان مهنة المحاماة ثم التحقا بعمل خارج البلاد، كما أن الثالث والرابع يمارسان مهنة المحاماة، وطلبوا الحكم بإلزام الصندوق بأن يؤدي إليهم المبلغين المشار إليهما، ثم عَّدل المدعون طلباتهم أمام تلك الدائرة بأن أضافوا طلب الحكم بأحقيتهم وأسرهم في الانتفاع بالخدمات الصحية التي يكفلها الصندوق. وأثناء نظر طلباتهم دفع كل منهم بعدم دستورية نص البندين ب، ج من المادة 13 من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 بتنظيم صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية بالنسبة للعضو السابق أو أحد أفراد أسرته إذا التحق بعمل خارج البلاد، أو امتهن مهنة حرة أو تجارية أو غير تجارية داخل البلاد أو خارجها، ونص المادة 34 مكرراً (2) من ذات القرار المعدل بالقرار رقم 440 لسنة 1986 فيما تضمنه من وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إن مارس العضو مهنة تجارية أو غير تجارية أو التحق بالعمل خارج البلاد، وكذلك نص المادة الخامسة من قرار وزير العدل رقم 1866 لسنة 1987 فيما تضمنه من وقف صرف مقابل الدواء للعضو السابق أو أحد أفراد أسرته إذا التحق بعمل خارج البلاد أو امتهن مهنة حرة أو تجارية أو غير تجارية داخل البلاد أو خارجها. وإذ قدرت تلك الدائرة جدية دفعهم وصرحت لهم بإقامة الدعوى الدستورية فقد أقاموا الدعوى الماثلة.
وحيث إنه عن طلب التدخل، فقد اطرد قضاء هذه المحكمة على أن شرط قبول طلب التدخل أن يكون مقدماً ممن كان طرفاً في الدعوى الموضوعية التي يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الحكم فيها، وإذ كان طالبو التدخل غير ممثلين في الأنزعة التي أقامها المدعون أمام دائرة طلبات رجال القضاء بمحكمة النقض، فإنه يتعين الحكم بعدم قبول تدخلهم.
وحيث إن المدعي الثاني قد أبدى طلباته الختامية في الدعوى الماثلة في جلسات المرافعة المحددة لنظرها على النحو الثابت بمحاضرها قبل أن يقدم وكيله إعلام الوراثة الذي يثبت وفاته، فإن دعواه تكون قد تهيأت للفصل فيها إعمالاً لحكم المادتين 130، 131 من قانون المرافعات.
وحيث إن إعمالاً لحكم المادة الأولى من القانون رقم 36 لسنة 1975 بإنشاء صندوق للخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية، فقد أصدر وزير العدل قراره رقم 4853 لسنة 1981 بتنظيم صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية متضمناً النص في المادة 13 منه على أن (ينتفع بهذا النظام أعضاء الهيئات القضائية الحاليين والسابقين وأسرهم من زوج ومن أولاد ووالدين يعولهم.
ويقدم العضو إقراراً يوضح فيه أسماء أفراد أسرته الذين لهم حق الانتفاع بخدمات الصندوق الصحية.
ويقف سريانه بالنسبة إلى العضو السابق أو أحد أفراد أسرته إذا التحق بوظيفة أو مارس إحدى المهن الحرة.
...........).
ثم صدر قرار وزير العدل رقم 1094 لسنة 1989 مستبدلاً بنص الفقرة الثالثة من المادة 13 سالفة الذكر النص الآتي:
"ويقف سريانه بالنسبة إلى العضو السابق أو أحد أفراد أسرته في الحالات الآتية:
( أ ) إذا التحق بعمل داخل البلاد يوفر له نظام خدمات صحية.
(ب) إذا التحق بأي عمل خارج البلاد.
(ج) إذ امتهن مهنة حرة أو تجارية أو غير تجارية في داخل البلاد أو خارجها. ويعود الحق في الانتفاع به اعتباراً من أول الشهر التالي لترك العمل أو المهنة".
وحيث إن المادة 34 مكرراً (2) من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 والمضافة بقراره رقم 440 لسنة 1986 أضحى نصها بعد حكمي المحكمة الدستورية العليا الصادرين في القضية رقم 29 لسنة 15 قضائية "دستورية" والقضية رقم 72 لسنة 20 قضائية "دستورية" كالتالي:
"يوقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا التحق العضو بأن عمل خارج البلاد أو مارس مهنة تجارية في الداخل أو الخارج، ويعود الحق في صرفه في حالة ترك العمل أو المهنة.
ويمتنع صرف المبلغ الشهري الإضافي لمن أنهيت خدمته بحكم جنائي أو تأديبي....".
كما تنص المادة الخامسة من قرار وزير العدل رقم 1866 لسنة 1987 بصرف مبلغ سنوي مقابل الدواء لأعضاء الهيئات القضائية الحاليين والسابقين على أن "يشترط لصرف مقابل الدواء - المشار إليه - لأعضاء الهيئات القضائية السابقين - الأحياء - أن يكون العضو مستوفياً لشروط استحقاق المبلغ الشهري الإضافي الصادر بقرار وزير العدل رقم 440 لسنة 1986".
ثم صدر قرار وزير العدل رقم 1040 لسنة 1989 مستبدلاً بنص المادة الخامسة من قراره رقم 1866 لسنة 1987 المشار إليه النص الآتي:
"يشترط لصرف مقابل الدواء - المشار إليه - لأعضاء الهيئات القضائية السابقين الأحياء أو إعادة صرفه بعد وقفه أن يكون العضو مستوفياً لشروط الانتفاع بنظام الخدمات الصحية الصادر بقرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 المعدل بالقرار الوزاري رقم 7360 لسنة 1987 والقرار الوزاري رقم 1094 لسنة 1989".
وحيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت هذه المحكمة بحكمها الصادر بجلسة 3 مايو 1997 في القضية رقم 29 لسنة 15 قضائية "دستورية" بعدم دستورية نص المادة 34 مكرراً (2) من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 بتنظيم صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية المعدل بالقرار رقم 440 لسنة 1986، وذلك فيما نص عليه من وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا مارس العضو مهنة غير تجارية في الداخل. وقد نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بتاريخ 15 مايو سنة 1997، وكان مقتضى نص المادتين 48، 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة باعتباره قولاً فصلاً لا يقبل تأويلاً ولا تعقيباً من أي جهة كانت، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو السعي إلى نقضه من خلال إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته، فإنه يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى الماثلة في شقها المتعلق بالطعن على النص.
وحيث إن المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المصلحة في الدعوى الدستورية - وهي شرط لقبولها - مناطها ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، وكان النزاع الموضوعي - بعد نشر حكم المحكمة الدستورية العليا السالف الإشارة إليه - أضحى يدور حول طلب المدعيين الأول والثاني صرف المبلغ الشهري الإضافي خلال فترة عملهما بالخارج، وكذلك طلب المدعين جميعهم الإفادة من نظام الخدمات الصحية والاجتماعية، وصرف مقابل الدواء، فإن نطاق الطعن الماثل يتحدد بنص المادة 34 مكرراً (2) من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 فيما قضى به من وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذ التحق العضو بأي عمل خارج البلاد، ونص المادة 13 من ذات القرار قبل تعديلها بالقرار رقم 1094 لسنة 1989 فيما قضى به من وقف الانتفاع بنظام الخدمات الصحية بالنسبة للعضو السابق إذا التحق بوظيفة أو مارس إحدى المهن الحرة، وذات النص بعد تعديله بالقرار الأخير فيما قضى به من وقف سريان النظام بالنسبة للعضو السابق إذا التحق بأي عمل خارج البلاد أو امتهن مهنة حرة في داخل البلاد، وكذلك نص المادة الخامسة من قرار وزير العدل رقم 1866 لسنة 1987 قبل تعديله بالقرار رقم 1040 لسنة 1989 فيما قضى به من أنه يشترط لصرف مقابل الدواء لأعضاء الهيئات القضائية السابقين - الأحياء - أن يكون العضو مستوفياً لشروط استحقاق المبلغ الشهري الإضافي الصادر بقرار وزير العدل رقم 440 لسنة 1986، وذات النص بعد تعديله بالقرار 1040 لسنة 1989 فيما قضى به من أنه يشترط لصرف مقابل الدواء لأعضاء الهيئات القضائية السابقين الأحياء أو إعادة صرفه وقفه أن يكون العضو مستوفياً لشروط الانتفاع بنظام الخدمات الصحية الصادر بقرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981، ففي هذا الإطار وحده يتحدد نطاق الخصومة الدستورية الراهنة ولا يمتد إلى غير ذلك من أحكام حوتها النصوص الطعينة.
وحيث إن المدعيين الأول والثاني ينعيان على نص المادة 34 مكرراً (2) من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1891 - محدداً نطاقاً على النحو المتقدم - إهداره لحق العمل بالمخالفة لحكم المادة (13) من الدستور وانطواءه على اعتداء على الملكية الخاصة التي كفل الدستور صونها بنص المادتين 32، 34، فضلاً عن مخالفته لمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (40) من الدستور إذ أنه يمنح المبلغ الشهري الإضافي لبعض أعضاء الهيئات القضائية السابقين الذين يزاولون أعمالاً داخل البلاد في حين حجب صرفه عن زملائهم الذي يلتحقون بأعمال خارج البلاد.
وحيث إن هذا النعي سديد في جوهره، ذلك أن البين - من أحكام الدستور أن حق العمل وفقاً لنص المادة (13) منه، لا يمنح تفضلاً، ولا يتقرر إيثاراً، ولا يجوز إهداره أو تقييده بما يعطل جوهره، بل يعتبر أداؤه واجباً لا ينفصل عن الحق فيه، ومدخلاً إلى حياة لائقة قوامها الاطمئنان إلى غد أفضل، وبها تتكامل الشخصية الإنسانية من خلال إسهامها في تقدم الجماعة وإشباع احتياجاتها بما يصون للقيم الخلقية روافدها. فضلاً عن الصلة الوثيقة بين حق العمل وبين الحرية الشخصية والحق في الإبداع، وجميعها من الحقوق التي حرص الدستور على صونها، وإهدارها أو تقييدها لا يستند إلى مصلحة مشروعة بل يناقضها.
وحيث إن الملكية الخاصة - التي كفل الدستور صونها بنص المادتين 32، 34 - ترتد في عديد من جوانبها ومصادرها؛ وكذلك في الأعم من صورها إلى ضمان حق العمل باعتباره أداة تكوينها ووسيلة تراكمها في الأغلب. وقد جرى قضاء هذه المحكمة، على أن الدستور - إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة، وتوكيداً لإسهامها في صون الأمن الاجتماعي - كفل حمايتها لكل فرد، ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفي الحدود التي يقتضيها تنظيمها باعتبارها عائدة - في الأعم من الأحوال - إلى جهد صاحبها بذل من أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها وأحاطها الدستور بما قدره ضرورياً لصونها، معبداً بها وكافلاً من خلالها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية أهم أدواتها، مهيمناً عليها ليختص صاحبها دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها فلا يرده عنها معتد، بل يقيها الدستور والقانون تعرض الأغيار لها، سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها، بما يُعينها على أداء دورها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة مُطرد على أن المبلغ الشهري الإضافي مكمل للمعاش الأصلي لأعضاء الهيئات القضائية، وأنهما يتضافران معاً في مجال ضمان الحد الأدنى لمتطلباتهم المعيشية. ولا يجوز بالتالي أن يكون الحق في المبلغ الشهري الإضافي حائلاً دون امتهان عضو الهيئة القضائية - بعد تقاعده - أعمالاً يمارسها أو تقلده وظائف لا يكون بها طاقة عاطلة، ولا أن يكون الحق في الحصول على هذا المبلغ معلقاً على شرط الامتناع عن العمل، وهو أحد الحقوق التي كفلها الدستور لكل مواطن.
وحيث إن مبدأ المساواة - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ليس مبدأ تلقينياً جامداً منافياً للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التي يقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء. وإذا جاز للسلطة التشريعية أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائماً من التدابير، لتنظيم موضوع محدد وأن تغاير من خلال هذا التنظيم - ووفقاً لمقاييس منطقية - بين مراكز لا تتحد معطياتها أو تتباين في الأسس التي تقوم عليه، إلا أن ما يصون مبدأ المساواة، ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيماً تشريعياً ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها بالأغراض المشروعة التي يتوخاها. فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهياً، كان التمييز انفلاتاً وعسفاً، فلا يكون مشروعاً دستورياً.
وحيث إن القرار المطعون فيه، وإن وَحَّد بين أعضاء الهيئات القضائية في شأن الأسس التي يتم على ضوئها حساب معاشهم التكميلي ممثلاً في المبلغ الشهري الإضافي، إلا أن النص الطعين حجبه عن بعضهم ممن يزاولون عملاً خارج البلاد، حال أن قرناءهم الذين قد يلتحقون بأعمال داخل البلاد، أصبح من حقهم تقاضي هذا المبلغ بعد قضاء هذه المحكمة الصادر في القضية رقم 72 لسنة 20 قضائية "دستورية" بعدم دستورية ذات النص الطعين فيما تضمنه من وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا التحق العضو بعمل داخل البلاد يتقاضى عنه دخلاً، ومن ثم فإنه غدا مخالفاً لمبدأ المساواة الذي يكفل المعاملة القانونية المتكافئة لأصحاب المراكز القانونية المتماثلة.
وحيث إنه لما تقدم فإن النص المطعون فيه - فيما قرره من وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا التحق العضو بأي عمل خارج البلاد - يكون قد جاء مخالفاً لأحكام المواد 13، 32، 40، 41 من الدستور.
وحيث إن المدعين ينعون كذلك على نصي البندين ب، ج من المادة 13 من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981، فيما تضمناه من وقف انتفاع العضو السابق بالخدمات الصحية إذا التحق بأي عمل خارج البلاد أو امتهن مهنة حرة داخلها، وما اشترطه نص المادة الخامسة من قرار وزير العدل رقم 1866 لسنة 1987 لصرف مقابل الدواء لأعضاء الهيئات القضائية السابقين، من أن يكون العضو مستوفياً لشروط استحقاق المبلغ الشهري الإضافي تارة، أو مستوفياً لشروط الانتفاع بنظام الخدمات الصحية المحددة بنص المادة 13 من لائحة صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية تارة أخرى، أنهما قد خالفا أحكام المواد 13، 32، 34، 40 من الدستور، تأسيساً على أنهما قد حجبا عن بعض أعضاء الهيئات القضائية الحق في الانتفاع بالخدمات الصحية وصرف مقابل الدواء، في حين أن إنفاذها إليهم يعد أمراً لازماً، ذلك أنها لا تعتبر من أعمال التبرع التي يقدمها الصندوق لمستحقيها بل إن المشرع توخى من تقريرها أن تعينهم مع المعاش الأصلي على إشباع الحد الأدنى من احتياجاتهم بثاً للطمأنينة في نفوسهم، فلا يجوز - من زاوية دستورية - حجبها أو وقفها.
وحيث إن هذا النعي مردود بالأسباب التالية:
أولاً: أن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، وجوهر هذه السلطة التقديرية يتمثل في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع الذي يتناوله بالتنظيم، وكان المشرع قد أنشأ صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لرعاية أعضاء الهيئات القضائية الحاليين والسابقين محدداً نوع هذه الخدمات ونطاق تطبيقها، والحالات التي يوقف سريان أحكامه بالنسبة لأحدهما أو كليهما، فإنه لا تثريب عليه إذا قدر أن النهوض بأعباء الصندوق كي يتواصل عطاؤه يقتضي دوماً إجراء مراجعة دقيقة لنوع تلك الخدمات وتحديد المستفيدين منها ما دام أن ما يسنه من قواعد هدفه كفالة تقديمها وفق أسس موضوعية لأعضاء الهيئات القضائية الحاليين منهم والسابقين.
ثانياً: إن القانون رقم 36 لسنة 1975، وإن أنشأ صندوقاً كافلاً الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية التي عينها، ونص على انصرافها إليهم وإلى أسرهم، إلا أنه خلا من تحديد نوع تلك الخدمات أو مداها، وعهد إلى وزير العدل بتفصيلها وتحديد ضوابطها، مصدراً في شأنها ما يناسبها من القرارات بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية، على أن يتم ذلك في حدود الموارد المالية للصندوق، بما يعني أن إنفاذ الخدمات الصحية والاجتماعية التي يقدمها، وما يترتب عليها من أعباء يتحملها الصندوق، يرتبط دوماً بموارده، فتزيد حيث تتوفر، وتقل إذا ما ضاقت تلك الموارد عن استيعابها، يؤكد ذلك ما نصت عليه المادة الثانية من اللائحة الصحية والاجتماعية الصادرة بقرار وزير العدل رقم 3 لسنة 1977 من أن يحدد مجلس الإدارة في أول كل سنة مالية نطاق الخدمات الصحية التي يمكن تقديمها خلال السنة وفي حدود الموارد المالية للصندوق.
ثالثاً: أن الهدف من تقرير الرعاية الصحية لأعضاء الهيئات القضائية السابقين وأسرهم هو إعانتهم على مواجهة انتقاص دخولهم بدرجة كبيرة بعد إحالتهم إلى التقاعد، والزيادة المستمرة في أجور العلاج لدى الأطباء والمستشفيات وأسعار الدواء، فإذا زادت موارد العضو المالية نتيجة ممارسته مهنة حرة في داخل البلاد أو التحاقه بأي عمل خارجها بما يعينه على مجابهة تكاليف علاجه حال مرضه، انتفت الحكمة من استمرار تمتعه بالرعاية الصحية التي يكفلها صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية السابقين بحيث تصبح الفئة الأخرى وهي تلك التي لا تزاول أعمالاً داخل البلاد أو خارجها، أو تمارس مهنة حرة تدر عليهم دخلاً، هي الأولى بالرعاية.
رابعاً: لا وجه للربط بين أحقية أعضاء الهيئات القضائية السابقين للمبلغ الشهري الإضافي الذي تقرر بنص المادة 34 مكرراً (1) من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 وبين الانتفاع بنظام الخدمات الصحية الذي يكفله صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية الحاليين والسابقين وأسرهم، فالمبلغ الشهري الإضافي يُصرف لكل من استحق أو يستحق من أعضاء الهيئات القضائية معاشاً، وهذا المبالغ يعد معاشاً مكملاً للمعاش الأصلي، وأنهما معاً يتضافران في مجال الحد الأدنى لمتطلباتهم المعيشية، في حين أن الانتفاع بنظام الخدمات الصحية يخضع لأحكام المادة 13 من قرار وزير العدل المشار إليه، والتي يتعين النظر إليها في ضوء ما تقضي به المادة الثانية من قرار وزير العدل رقم 3 لسنة 1977 من ربط الانتفاع بالخدمات الصحية بالموارد المالية للصندوق.
خامساً: أن وقف الانتفاع بنظام الخدمات الصحية ليس قاصراً على أعضاء الهيئات القضائية السابقين ممن يلتحقون بأعمال خارج البلاد أو يمتهنون مهنة حرة داخلها، إنما يمتد ليشمل بعض فئات أعضاء الهيئات القضائية الحاليين، إذ تقضي المادة 31 من اللائحة الصحية والاجتماعية الصادرة بقرار وزير العدل رقم 3 لسنة 1977 بأن يقف سريان نظام الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية وأسرهم بالنسبة للعضو المعار أو المتعاقد لدى حكومة أجنبية أو هيئة دولية مدة الإعارة أو التعاقد، أو إذا التحق العضو أو أحد أفراد أسرته بوظيفة أو اشتغل بمهنة تجارية أو غير تجارية مدة قيامه بذلك، كما أن المادة الرابعة من قرار وزير العدل رقم 1866 لسنة 1987 حظرت صرف مقابل الدواء للمعارين والمنتدبين طول الوقت بمقابل والحاصلين على أجازات دراسية أو أجازات بدون مرتب أو لمرافقة الزوج وذلك طوال مدة الإعارة أو الندب أو الأجازة، ومن ثم يجد وقف الانتفاع بالخدمات الصحية وصرف مقابل الدواء سنده في الحالين في أن الأعضاء الحاليين والسابقين الذين تتهيأ لهم فرصة تحسين موادهم المالية، يصبحون في وضع يمكنهم من مجابهة أعباء الحياة وتكاليف العلاج، ومن ثم كان منطقياً قصر الانتفاع بالخدمات الصحية وصرف مقابل الدواء على من لا يمارسون أي عمل أو مهنة داخل البلاد أو خارجها، معتمدين في تصريف شئون حياتهم على ما يتقاضونه من مرتب أو معاش.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة 34 مكرراً (2) من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 بتنظيم صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية المعدل بالقرار رقم 440 لسنة 1986، وذلك فيما تضمنه من وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا التحق العضو بأي عمل خارج البلاد، ورفض ما عدا ذلك من طلبات، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الطعن 190 لسنة 19 ق جلسة 12 / 3 / 2001 دستورية عليا مكتب فني 9 دستورية ق 104 ص 865

جلسة 12 مارس سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

----------------

قاعدة رقم (104)
القضية رقم 190 لسنة 19 قضائية "دستورية"

1 - دعوى دستورية "إجراءاتها وميعادها: من النظام العام".
الأوضاع الإجرائية أمام هذه المحكمة، سواء ما اتصل منها بطريقة رفع الدعوى الدستورية أو بميعاد رفعها، تعتبر من النظام العام - ميعاد الأشهر الثلاثة الذي فرضه المشرع كحد أقصى لرفع الدعوى الدستورية أو الميعاد الذي تحدده محكمة الموضوع في غضون هذا الحد الأقصى يعتبر ميعاداً حتمياً.
2 - دعوى دستورية "ميعاد: مهلة جديدة: اتصالها".
معيار الاعتداد بالمهلة الجديدة أو إطراحها هو اتصالها بالمدة الأصلية أو انفصالها عنها - تأجيل محكمة الموضوع نظر الدعوى لمنح المدعي مهلة جديدة لإقامة دعواه الدستورية، يتمحض ميعاداً جديداً لا يعتد به لوروده على غير محل بعد أن أُعتبر الدفع المبدى أمامها بعدم الدستورية كأن لم يكن بفوات الميعاد المحدد ابتداءً للطعن بعدم الدستورية.

------------------
1 - رسم المشرع طريقاً لرفع الدعوى الدستورية التي أتاح للخصوم إقامتها، وربط بينه وبين الميعاد المحدد لرفعها، فدل بذلك على أنه اعتبر هذين الأمرين من مقومات الدعوى الدستورية، فلا ترفع إلا بعد إبداء دفع بعدم الدستورية تقدر محكمة الموضوع جديته، ولا تقبل إلا إذا رفعت خلال الأجل الذي ناط المشرع بمحكمة الموضوع تحديده بحيث لا يجاوز ثلاثة أشهر، وهذه الأوضاع الإجرائية - سواء ما اتصل منها بطريقة رفع الدعوى أو بميعاد رفعها - إنما تتعلق بالنظام العام، باعتبارها من الأشكال الجوهرية في التقاضي التي تغيا المشرع بها مصلحة عامة، حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية بالإجراءات التي رسمها وفي الموعد الذي حدده؛ ومن ثم فإن ميعاد الأشهر الثلاثة الذي فرضه المشرع على نحو آمر كحد أقصى لرفع الدعوى الدستورية، أو الميعاد الذي تحدده محكمة الموضوع - في غضون هذا الحد الأقصى - هو ميعاد حتمي يتعين على الخصوم الالتزام به بإقامة الدعوى الدستورية قبل انقضائه، يؤيد حتمية هذا الميعاد أن فواته مؤداه اعتبار الدفع بعدم الدستورية كأن لم يكن، وامتناع قبول الدعوى أمام المحكمة الدستورية العليا لعدم اتصالها بها وفقاً للأوضاع المنصوص عليها في قانونها، بما يحول دون مضيها في نظرها.
2 - لا يجوز لمحكمة الموضوع أن تمنح الخصوم الذي أثار المسألة الدستورية مهلة جديدة تجاوز بها حدود الميعاد الذي ضربته ابتداء لرفع الدعوى الدستورية، ما لم يكن قرارها بالمهلة الجديدة قد صدر عنها قبل انقضاء الميعاد الأول، فإذا كان قد صدر عنها بعد فواته، غدا ميعاداً جديداً منقطع الصلة به، ومجرداً قانوناً من كل أثر. ولا ينال مما تقدم أن محكمة الموضوع عادت لتقرر بجلسة 18/ 8/ 1997 تأجيل نظر الدعوى لجلسة 27/ 10/ 1997 لذات السبب، إذ أن ذلك يتمحض ميعاداً جديداً لا يعتد به لوروده على غير محل بعد أن اعتبر الدفع المبدى أمامها بعدم دستورية النصين المشار إليهما كأن لم يكن لفوات الميعاد الذي حددته محكمة الموضوع ابتداء لإقامتها، دون أن تكون الدعوى قد أُقيمت بالفعل قبل انقضائه.


الإجراءات

بتاريخ الخامس عشر من أكتوبر سنة 1997، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ابتغاء الحكم بعدم دستورية المادة 24 من القانون رقم 106 لسنة 1976 المعدل بالقانون رقم 30 لسنة 1993 فيما نصت عليه من عدم جواز الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد أقامت ضد المدعي الجنحة رقم 10298 لسنة 1992 بلدية المنتزه متهمة إياه بأنه أقام بناءً بالمخالفة لشروط الترخيص الصادر إليه. وإذ قضى بتغريمه 4000 جنيه وتصحيح الأعمال المخالفة فقد طعن عليه بالاستئناف رقم 9818 لسنة 1993 استئناف شرق إسكندرية، فقضى بتعديل عقوبة الغرامة وتأييد الحكم المستأنف فيما عدا ذلك. ونظراً لأن المدعي تقاعس عن تصحيح الأعمال المخالفة تنفيذاً للحكم الصادر في الجنحة رقم 10298 لسنة 1992 المشار إليه، فقد أقامت النيابة العامة ضده الجنحة رقم 48786 لسنة 1995 بلدية المنتزه وطلبت عقابه بالمادة 24 من القانون رقم 106 لسنة 1976. وبجلسة 26/ 5/ 1997 دفع المدعي بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 24 المشار إليها فيما نصت عليه من عدم جواز الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة، والمادة 24 مكرراً من هذا القانون، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام المدعي الدعوى الماثلة.
وحيث إن البند (29/ ب) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 ينص على أن "تتولى المحكمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه التالي:
( أ ) .......
(ب) إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر الدعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة، ورأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدي، أجلت نظر الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعاداً لا يجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام محكمة الدستورية العليا، فإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد، أُعتبر الدفع كأن لم يكن".
وحيث إن مؤدى ذلك - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المشرع رسم طريقاً لرفع الدعوى الدستورية التي أتاح للخصوم إقامتها، وربط بينه وبين الميعاد المحدد لرفعها، فدل بذلك على أنه اعتبر هذين الأمرين من مقومات الدعوى الدستورية، فلا ترفع إلا بعد إبداء دفع بعدم الدستورية تقدر محكمة الموضوع جديته، ولا تقبل إلا إذا رفعت خلال الأجل الذي ناط المشرع بمحكمة الموضوع تحديده بحيث لا يجاوز ثلاثة أشهر، وهذه الأوضاع الإجرائية - سواء ما اتصل منها بطريقة رفع الدعوى أو بميعاد رفعها - إنما تتعلق بالنظام العام، باعتبارها من الأشكال الجوهرية في التقاضي التي تغيا المشرع بها مصلحة عامة، حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية بالإجراءات التي رسمها وفي الموعد الذي حدده؛ ومن ثم فإن ميعاد الأشهر الثلاثة الذي فرضه المشرع على نحو آمر كحد أقصى لرفع الدعوى الدستورية، أو الميعاد الذي تحدده محكمة الموضوع - في غضون هذا الحد الأقصى - هو ميعاد حتمي يتعين على الخصوم الالتزام به بإقامة الدعوى الدستورية قبل انقضائه، يؤيد حتمية هذا الميعاد أن فواته مؤداه اعتبار الدفع بعدم الدستورية كأن لم يكن، وامتناع قبول الدعوى أمام المحكمة الدستورية العليا لعدم اتصالها بها وفقاً للأوضاع المنصوص عليها في قانونها، بما يحول دون مضيها في نظرها، ولا يجوز لمحكمة الموضوع كذلك، أن تمنح الخصم الذي آثار المسألة الدستورية مهلة جديدة تجاوز بها حدود الميعاد الذي ضربته ابتداء لرفع الدعوى الدستورية، ما لم يكن قرارها بالمهلة الجديدة قد صدر عنها قبل انقضاء الميعاد الأول، فإذا كان قد صدر عنها بعد فواته، غدا ميعاداً جديداً منقطع الصلة به، مجرداً قانوناً من أثر.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت محكمة الموضوع بعد أن قدرت جدية الدفع المبدى من المدعي، قد قررت بجلسة 26/ 5/ 1997 تأجيل نظر الدعوى لجلسة 18/ 8/ 1997 لإقامة الدعوى الدستورية، بيد أن المدعي لم يرفع دعواه الماثلة إلا في 15/ 10/ 1997، فإن هذه الدعوى تكون قد أقيمت بعد انقضاء الميعاد، مما يتعين معه القضاء بعدم قبولها.
وحيث إنه لا ينال مما تقدم أن محكمة الموضوع عادت لتقرر بجلسة 18/ 8/ 1997 تأجيل نظر الدعوى لجلسة 27/ 10/ 1997 لذات السبب، إذ أن ذلك يتمحض ميعاداً جديداً لا يعتد به لوروده على غير محل بعد أن اعتبر الدفع المبدى أمامها بعدم دستورية النصين المشار إليهما كأن لم يكن لفوات الميعاد الذي حددته محكمة الموضوع ابتداء لإقامتها، دون أن تكون الدعوى قد أُقيمت بالفعل قبل انقضائه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الثلاثاء، 31 أكتوبر 2023

الطعن 49 لسنة 22 ق جلسة 3 / 2 / 2001 دستورية عليا مكتب فني 9 دستورية ق 103 ص 857

جلسة 3 فبراير سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

---------------

قاعدة رقم (103)
القضية رقم 49 لسنة 22 قضائية "دستورية"

1 - عقوبة "تفريدها".
الأصل في العقوبة هو تفريدها - مناط مشروعية العقوبة دستورياً أن يباشر كل قاض سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها تقديراً لها في الحدود المقررة قانوناً وفق ظروف كل جريمة.
2 - عقوبة "تفريدها: وقف تنفيذها".
سلطة القاضي في مجال تنفيذ العقوبة فرع من تفريدها - اتصال التفريد بالمفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية - تفريد العقوبة يردها إلى جزاء يعايش الجريمة ويتناسب مع ظروفها.
3 - عقوبة "تفريد عقوبة الغرامة".
تفريد عقوبة الغرامة يجنبها عيوبها.
4 - تشريع "نص الفقرة الأولى من المادة 157 من القانون رقم 53 لسنة 1966".
ما نصت عليه هذه الفقرة من عدم جواز وقف تنفيذ عقوبة الغرامة؛ مؤداه: سلب القاضي سلطته في تفريد العقوبة وإخلال بخصائص الوظيفة القضائية.
5 - تشريع "نص المادة 157 من القانون رقم 53 لسنة 1966 أغراض مالية".
ما يستهدفه النص الطعين من أغراض مالية لا يجوز أن ينقض حقوقاً أصيلة كفلها الدستور للسلطة القضائية كتلك التي تتعلق بتفريد العقوبة.

--------------
1 - قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أن المتهمين لا تجوز معاملتهم بوصفهم نمطاً ثابتاً، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم في قالبها، بما مؤداه أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها. وتقرير استثناء تشريعي من هذا الأصل - أياً كانت الأغراض التي يتوخاها - مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم يجب أن تكون واحدة لا تغاير فيها، وهو ما يعني إيقاع جزاء في غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابستها والظروف الشخصية لمرتكبها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتض. ذلك أن مشروعية العقوبة - من زاوية دستورية - مناطها أن يباشر كل قاض سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديراً لها، في الحدود المقررة قانوناً. فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها جبراً لآثار الجريمة من منظور عادل يتعلق بها وبمرتكبها.
2 - السلطة التي يباشرها القاضي في مجال وقف تنفيذ العقوبة، فرع من تفريدها؛ تقديراً بأن التفريد لا ينفصل عن المفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية، ويتصل بالتطبيق المباشر لعقوبة فرضها المشرع بصورة مجردة، شأنها في ذلك شأن القواعد القانونية جميعها، وأن إنزالها "بنصها" على الواقعة الإجرامية محل التداعي، ينافي ملاءمتها لكل أحوالها ومتغيراتها وملابساتها، بما مؤداه أن سلطة تفريد العقوبة - ويندرج تحتها الأمر بإيقافها - هي التي تخرجها في قوالبها الصماء، وتردها إلى جزاء يعايش الجريمة ومرتكبها، ولا ينفصل عن واقعها.
3، 4 - تفريد عقوبة الغرامة - وهو أكثر مرونة من تفريد العقوبة السالبة للحرية - يجنبها عيوبها باعتبارها أثقل على الفقراء منها على الأغنياء، وكان فرض تناسبها في شأن جريمة بذاتها، إنصافاً لواقعها وحال مرتكبها، يتحقق بوسائل متعددة يندرج تحتها أن يفاضل القاضي - وفق أسس موضوعية - بين الأمر بتنفيذها أو إيقافها، وكان المشرع قد سلب القاضي هذه السلطة بالفقرة الأولى من المادة 157 المشار إليها، فإنه بذلك يكون قد أخل بخصائص الوظيفة القضائية، وقوامها في شأن الجريمة محل الدعوى الجنائية، تقدير العقوبة التي تناسبها، باعتبار أن ذلك يعد مفترضاً أولياً متطلباً دستورياً لصون عدالة تطبيقها، ولا يجوز للدولة - في مجال مباشرتها لسلطة فرض العقوبة صوناً لنظامها الاجتماعي - أن تنال من الحد الأدنى لتلك الحقوق التي لا يطمئن المتهم في غيابها إلى محاكم تتم إنصافاً، غايتها إدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة وفقاً لمتطلباتها التي بينتها المادة 67 من الدستور؛ وكان من المقرر أن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطتان بمن يكون قانوناً مسئولاً عن ارتكابها على ضوء دوره فيها، ونواياه التي قارنتها، وما نجم عنها من ضرر، ليكون الجزاء عنها موافقاً لخياراته بشأنها. متى كان ذلك، وكان تقدير هذه العناصر جميعها، داخلاً في إطار الخصائص الجوهرية للوظيفة القضائية؛ فإن حرمان من يباشرون تلك الوظيفة من سلطتهم في مجال تفريد العقوبة بما يوائم بين الصيغة التي أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها في كل حالة بذاتها؛ مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بواقعها، فلا تنبض بالحياة، ولا يكون إنفاذها إلا عملاً مجرداً يعزلها عن بيئتها دالاً على قسوتها أو مجاوزتها حد الاعتدال، جامداً فجاً منافياً لقيم الحق والعدل.
5 - حصيلة الغرامات المحكوم بها وفقاً للمادة 157 المشار إليها وإن كانت تؤول جميعها بقوة القانون إلى الهيئة العامة المنصوص عليها في المادة 159 من قانون الزراعة لتعيد إلى الأرض الزراعية خصوبتها بعد تجريفها، أو لتعمل على تحسينها وزيادة معدل كفاءتها وإنتاجيتها، إلا أن اعتماد هذه الهيئة على تلك الغرامات لتحقيق الأغراض سالفة الذكر، لا يجوز أن ينقض حقوقاً أصيلة كفلها الدستور للسلطة القضائية واختصها بها، كتلك التي تتعلق بتفريد العقوبة لتطويعها بما يكفل تناسبها مع الجريمة محلها، واتساقها وأحوال مرتكبها، فلا تهيم في فراغ، ولا تكون إنفاذا حرفياً للنصوص التي فرضتها، بما يحيل تطبيقها عدواناً على كرامة الإنسان وحريته، وهما تضربان بجذورهما عمقاً صوناً لآدميته، وتعلوان قدراً على مجرد الأغراض المالية، ولا يتصور بالتالي أن تكون هذه الأغراض قيداً على أيتهما.


الإجراءات

بتاريخ الثالث والعشرين من فبراير سنة 2000، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الطعن رقم 7494 لسنة 62 قضائية، بعد أن قضت محكمة النقض بجلستها المعقودة في 24 يناير سنة 2000 بوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية ما تضمنه نص المادة 157 من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966 من عدم جواز وقف تنفيذ عقوبة الغرامة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق - تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد اتهمت الطاعن، بأنه أقام قمينة طوب في أرض زراعية بغير ترخيص من الجهة الإدارية المختصة وطلبت عقابه بالمواد 150، 153، 154، 157 من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966، وقيدت الواقعة جنحة برقم 2359 لسنة 1985 مركز أسيوط. وإذ قضى فيها غيابياً بمعاقبته بالحبس سنة وكفالة خمسمائة جنيه لإيقاف التنفيذ وتغريمه عشرة آلاف جنيه والإزالة، فقد عارض في هذا الحكم وقُضِىَ في معارضته بقبولها شكلاً وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه، فطَعن على ذلك بالاستئناف، فقُضِىَ بقبول الاستئناف شكلاً وبتعديل الحكم المستأنف والاكتفاء بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل والتأييد فيما عدا ذلك، فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنه برقم 28873 لسنة 59 قضائية، وبجلسة 19/ 9/ 1991 قضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وأمرت بإيقاف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ثلاثة سنوات من تاريخ صدور ذلك الحكم. فطعن عليه المحكوم ضده بطريق النقض بالطعن رقم 7494 لسنة 62 قضائية، فقضت المحكمة بقبوله شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وحددت جلسة 1/ 2/ 1999 لنظر الموضوع، وتدوول الطعن أمامها إلى أن أصدرت فيه قرار الإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا، تأسيساً على ما تبين لها من أن المادة 157 من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1996، والمضافة بالقانون رقم 116 لسنة 1983 قد نصت في عجز فقرتها الأولى على عدم جواز الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة، وأن إلغاء سلطة القاضي في وقف تنفيذ العقوبة هو في حقيقته إلغاء لسلطته في تفريد العقوبة التي تعتبر أحد خصائص الوظيفة القضائية، مما ينطوي على إهدار لحقوق أصيلة كفلها الدستور في المواد 41، 67، 165، 166 منه، طبقاً لما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا في القضايا الدستورية أرقام 37 لسنة 15، 130 لسنة 18، 64 لسنة 19 قضائية دستورية.
وحيث إن المادة 153 من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966 - بعد إضافة كتاب ثالث إليه بعنوان "عدم المساس بالرقعة الزراعية والحفاظ على خصوبتها" وذلك بالقانون رقم 116 لسنة 1983 - قد حظرت إقامة مصانع أو قمائن طوب في الأراضي الزراعية، ثم نصت الفقرة الأولى من المادة 157 على أن "يعاقب على مخالفة حكم المادة 153 من هذا القانون أو الشروع في ذلك بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة ألاف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه، مع الحكم بإزالة المصنع أو القمينة على نفقة المخالف، وفي جميع الأحوال لا يجوز الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة".
وحيث إن نطاق الدعوى الدستورية المقامة بطريق الإحالة من محكمة الموضوع يتحدد بالنص التشريعي الذي تراءى لها وجود شبهة مخالفته للدستور، ومن ثم فإن نطاق الدعوى الماثلة ينحصر في عجز الفقرة الأولى من المادة 157 - المشار إليها - فيما نصت عليه من عدم جواز الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة، والذي ارتأت محكمة النقض مخالفته للدستور، على الوجه المتقدم.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أن المتهمين لا تجوز معاملتهم بوصفهم نمطاً ثابتاً، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم في قالبها، بما مؤداه أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها. وتقرير استثناء تشريعي من هذا الأصل - أياً كانت الأغراض التي يتوخاها - مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم يجب أن تكون واحد لا تغاير فيها، وهو ما يعني إيقاع جزاء في غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابستها والظروف الشخصية لمرتكبها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتض. ذلك أن مشروعية العقوبة - من زاوية دستورية - مناطها أن يباشر كل قاض سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديراً لها، في الحدود المقررة قانوناً. فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها جبراً لآثار الجريمة من منظور عادل يتعلق بها وبمرتكبها.
وحيث إن السلطة التي يباشرها القاضي في مجال وقف تنفيذ العقوبة، فرع من تفريدها؛ تقديراً بأن التفريد لا ينفصل عن المفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية، ويتصل بالتطبيق المباشر لعقوبة فرضها المشرع بصورة مجردة، شأنها في ذلك شأن القواعد القانونية جميعها، وأن إنزالها "بنصها" على الواقعة الإجرامية محل التداعي، ينافي ملاءمتها لكل أحوالها ومتغيراتها وملابساتها، بما مؤداه أن سلطة تفريد العقوبة - ويندرج تحتها الأمر بإيقافها - هي التي تخرجها في قوالبها الصماء، وتردها إلى جزاء يعايش الجريمة ومرتكبها، ولا ينفصل عن واقعها.
وحيث إن تفريد عقوبة الغرامة - وهو أكثر مرونة من تفريد العقوبة السالبة للحرية - يجنبها عيوبها باعتبارها أثقل على الفقراء منها على الأغنياء، وكان فرض تناسبها في شأن جريمة بذاتها، إنصافاً لواقعها وحال مرتكبها، يتحقق بوسائل متعددة يندرج تحتها أن يفاضل القاضي - وفق أسس موضوعية - بين الأمر بتنفيذها أو إيقافها، وكان المشرع قد سلب القاضي هذه السلطة بالفقرة الأولى من المادة 157 المشار إليها، فإنه بذلك يكون قد أخل بخصائص الوظيفة القضائية، وقوامها في شأن الجريمة محل الدعوى الجنائية، تقدير العقوبة التي تناسبها، باعتبار أن ذلك يعد مفترضاً أولياً متطلباً دستورياً لصون عدالة تطبيقها.
وحيث إنه فضلاً عما تقدم، لا يجوز للدولة - في مجال مباشرتها لسلطة فرض العقوبة صوناً لنظامها الاجتماعي - أن تنال من الحد الأدنى لتلك الحقوق التي لا يطمئن المتهم في غيابها إلى محاكمة تتم إنصافاً، غايتها إدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة وفقاً لمتطلباتها التي بينتها المادة 67 من الدستور؛ وكان من المقرر أن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطتان بمن يكون قانوناً مسئولاً عن ارتكابها على ضوء دوره فيها، ونواياه التي قارنتها، وما نجم عنها من ضرر، ليكون الجزاء عنها موافقاً لخياراته بشأنها. متى كان ذلك، وكان تقدير هذه العناصر جميعها، داخلاً في إطار الخصائص الجوهرية للوظيفة القضائية؛ فإن حرمان من يباشرون تلك الوظيفة من سلطتهم في مجال تفريد العقوبة بما يوائم بين الصيغة التي أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها في كل حالة بذاتها؛ مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بواقعها، فلا تنبض بالحياة، ولا يكون إنفاذها إلا عملاً مجرداً يعزلها عن بيئتها دالاً على قسوتها أو مجاوزتها حد الاعتدال، جامداً فجاً منافياً لقيم الحق والعدل.
وحيث إن حصيلة الغرامة المحكوم بها وفقاً للمادة 157 المشار إليها، وإن كانت تؤول جميعها بقول القانون إلى الهيئة العامة المنصوص عليها في المادة 159 من قانون الزراعة لتعيد إلى الأرض الزراعية خصوبتها بعد تجريفها، أو لتعمل على تحسينها وزيادة معدل كفاءتها وإنتاجيتها، إلا أن اعتماد هذه الهيئة على تلك الغرامات لتحقيق الأغراض سالفة الذكر، لا يجوز أن ينقض حقوقاً أصيلة كفلها الدستور للسلطة القضائية واختصها بها، كتلك التي تتعلق بتفريد العقوبة لتطويعها بما يكفل تناسبها مع الجريمة محلها، واتساقها وأحوال مرتكبها، فلا تهيم في فراغ، ولا تكون إنفاذا حرفياً للنصوص التي فرضتها، بما يحيل تطبيقها عدواناً على كرامة الإنسان وحريته، وهما تضربان بجذورهما عمقاً صوناً لآدميته، وتعلوان قدراً على مجرد الأغراض المالية، ولا يتصور بالتالي أن تكون هذه الأغراض قيداً على أيتهما.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه يكون قد أهدر من خلال إلغاء سلطة القاضي في تفريد العقوبة، جوهر الوظيفة القضائية، وجاء منطوياً كذلك على تدخل في شئونها؛ مقيداً الحرية الشخصية في غير ضرورة، ونائياً عن ضوابط المحاكمة المنصفة، وواقعاً بالتالي في حمأة مخالفة أحكام المواد 41، 67، 165، 166 من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية عجز الفقرة الأولى من المادة 157 من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966 فيما نصت عليه من أنه "وفي جميع الأحوال لا يجوز الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة"، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

منشور فني رقم 28 بتاريخ 25 / 10 / 2023 بشأن إلغاء الوكالة الخاصة الصادرة لصالح الوكيل أو لأجنبي

وزارة العدل
مصلحة الشهر العقاري والتوثيق
الإدارة العامة للبحوث القانونية
-----------------------
منشور فني رقم 28 بتاريخ 25 / 10 / 2023
إلى مكاتب الشهر العقاري ومأمورياتها ومكاتب التوثيق وفروعها
والإدارات العامة بالمصلحة
---------------------
إلحاقاً بالمنشور الفني رقم ۱۰ المؤرخ 19 /11 / 2001 بشأن الامتناع عن إلغاء الوكالة الخاصة الصادرة لصالح الوكيل أو لأجنبي - متي نص في موضوعها على حق الوكيل في البيع لنفسه أو الغير والتوقيع على عقد البيع النهائي - إلا برضاء من صدرت الوكالة لصالحه على النحو الوارد به .

إلحاقا بالمنشور الفني رقم ٤ المؤرخ 1 /2 / 2021 بشأن استبدال الفقرة الثانية من المادة ٦٩ مكرر من تعليمات الشهر طبعة ۲۰۰۱ المضافة بالمنشور الفني ١٥ لسنة ۲۰۰٦ على النحو الوارد به.

وحيث نصت المادة 701/ 1 من القانون المدني علي أن " الوكالة الواردة في ألفاظ عامة لا تخصيص فيها حتى لنوع العمل القانوني الحاصل فيه التوكيل. لا تخول الوكيل صفة إلا في أعمال الإدارة " .

كما نصت المادة ۷۱٥ من القانون المدني على أن " ۱ - يجوز للموكل في أي وقت أن ينهي الوكالة أو يقيدها ولو وجد اتفاق يخالف ذلك. فإذا كانت الوكالة بأجر فإن الموكل يكون ملزماً بتعويض الوكيل عن الضرر الذي لحقه من جراء عزله في وقت غير مناسب أو بغير عذر مقبول.

2 - على أنه إذا كانت الوكالة صادرة لصالح الوكيل أو لصالح أجنبي فلا يجوز للموكل أن ينهي الوكالة أو يقيدها دون رضاء من صدرت الوكالة لصالحه .

ونظراً لتعدد الاستفسارات الواردة من المكاتب بشأن المنشور الفني ٤ لسنة ۲۰۲۱ فقد صدر قرار السيد الدكتور رئيس القطاع رقم ٥٩٧ لسنة ۲۰۲۳ بتشكيل لجنة لتوضيح ما يكون قد غم على بعض الزملاء بالمنشورات المشار إليها وإذاعة تعليمات بما ينتهي إليه قرار اللجنة .

بناء عليه

أولا : إذا تعاقبت أداة من أدوات التصرف القانوني على محل معين محدداً بالنوع وبالحد الأدنى لتحديد الذات مثال بيع السيارات " محدد النوع " ماركة " ..... الحد الأدنى لبيان ذات المحل: أو بيع الأراضي - العقارات " محدد بالنوع " الكائنة بناحية - أو محافظة - الحد الأدنى لبيان ذات المحل. امتنع إلغاءها بالإرادة المنفردة لنشوب المصلحة في استبقاء الوكالة سارية لمصلحة الوكيل أو الغير وفقا لما استقر عليه العمل فقها وقضاءً .

ثانيا : إذا وردت بين مضامين الوكالة عبارة البيع للنفس أو الغير دون أن تعين أداة التصرف والمحل المحدد بالحد الأدنى لتعيين الذات - غدت من صنوف الوكالة العامة التي يجوز للموكل إنهائها بالإرادة المنفردة وفقاً للأصل .

ثالثا : إذا تضمنت الوكالة عبارة عدم جواز إلغاءها أو سريانها بعد الوفاة أو فقدان الأهلية - فإنه والحال كذلك لا يجوز إلغاءها بالإرادة المنفردة - لأن المصلحة كما قد تكون ظاهرة قد تكون مستترة والعبرة بمدلولات الألفاظ وسلطان إرادة الموكل فيا .

لذا يقتضى العلم بما تقدم و مراعاة تنفيذه



الطعن 92 لسنة 21 ق جلسة 6 / 1 / 2001 دستورية عليا مكتب فني 9 دستورية ق 101 ص 843

جلسة 6 يناير سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

----------------

قاعدة رقم (101)
القضية رقم 92 لسنة 21 قضائية "دستورية"

1 - دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
مناط المصلحة الشخصية المباشرة، وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية، أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع - لا ينال من ذلك قيام الشركة المدعية بتنفيذ حكم التحكيم الذي يدور النزاع الموضوعي فيه حول التظلم من الأمر الصادر بتنفيذه - أساس ذلك: اختصاص هذه المحكمة لا يمتد لبحث شروط قبول الدعوى الموضوعية أو أحقية المدعي في طلباته في تلك الدعوى.
2 - سلطة المشرع التقديرية في تنظيم الحقوق "حدودها".
الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط - النيل من الحقوق التي كفل الدستور أصلها؛ مؤداه: عدوان على مجالاتها الحيوية من خلال إهدارها أو تهميشها.
3 - مبدأ المساواة "غايته - مجاله".
يمثل مبدأ المساواة ركيزة أساسية للحقوق والحريات - غايته: صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز - لا يقتصر مجال إعماله على ما كفله الدستور من حقوق، بل يمتد كذلك إلى تلك التي يقررها القانون.
4 - حق التقاضي "مساواة: عدم التمايز - تظلم من الأمر القضائي الصادر بتنفيذ حكم التحكيم".
الناس لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي - عدم تمايزهم كذلك في نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم الخصومة أو في طرق الطعن - الحرمان من مكنة التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم المحكمين، مع منح الطرف الذي يتقدم بطلب التنفيذ الحق في التظلم من رفضه، دون أن يستند هذا التمييز إلى أسس موضوعية؛ مؤداه: الإخلال بمبدأ المساواة وحق التقاضي.
5 - تحكيم "تنفيذ قضائي: طبيعته - مساواة".
أمر التنفيذ القضائي لحكم التحكيم لا يعد مجرد إجراء مادي بحت يتمثل في وضع الصيغة التنفيذية عليه، وإنما يتم بعد بحث الاختصاص والتأكد من عدم تعارض هذا الحكم مع حكم صادر من المحاكم المصرية في موضوع النزاع، وأنه لا يخالف النظام العام، وصحة إعلانه للمحكوم عليه - تحقيق المساواة بين الطرفين يقتضي تقرير حق التظلم من الأمر الصادر بتنفيذه.
6 - دعوى دستورية "الحكم فيها: حجيته - تدخل تشريعي".
الحجية المطلقة للحكم الصادر في الدعوى الدستورية: لازمها: نزول الدولة عليها لتعمل من خلال سلطاتها ومن بينها السلطة التشريعية على تطبيقها - القضاء بعدم دستورية النص الطعين يفيد انفتاح طريق التظلم لمن صدر ضد الأمر بتنفيذ حكم المحكمين؛ مقتضاه: وجوب التدخل التشريعي لتحديد إجراءات وميعاد وشروط هذا التظلم.

------------------
1 - إن المصلحة الشخصية المباشرة وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول قبول تظلم الشركة المدعية من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم، وكان النص المطعون فيه فيما قرره من عدم جواز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ هذا الحكم، هو الذي يحول دون ذلك، فإن مصلحتها الشخصية المباشرة في الدعوى تكون قائمة ويكون الدفع بعدم قبولها على غير أساس؛ حرياً بالرفض. ولا ينال من ذلك، قيام الشركة المدعية، بتنفيذ الحكم فعلاً، ذلك أن هذه المحكمة عند بحثها لشرط المصلحة في الدعوى الدستورية، تقتصر على التحقق من أن الحكم الذي يصدر فيها يؤثر على الحكم في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة في الدعوى الموضوعية دون أن يمتد ذلك لبحث شروط قبول تلك الدعوى أو مدى أحقية المدعي في الدعوى الدستورية في طلباته أمام محكمة الموضوع والتي تختص هذه الأخيرة وحدها بالفصل فيها.
2 - الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتعتبر تخوماً لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها، وكان الدستور إذ يعهد إلى أي من السلطتين التشريعية والتنفيذية بتنظيم موضوع معين، فإن القواعد القانونية التي تصدر عن أيتهما في هذا النطاق، لا يجوز أن تنال من الحقوق التي كفل الدستور أصلها سواء بنقضها أو انتقاصها من أطرافها، وإلا كان ذلك عدواناً على مجالاتها الحيوية من خلال إهدارها أو تهميشها.
3 - مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور والذي رددته الدساتير المصرية جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها وأساساً للعدل والسلام الاجتماعي، غايته صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، باعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة التي لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، فلا يقتصر مجال إعماله على ما كفله الدستور من حقوق، بل يمتد كذلك إلى تلك التي يقررها القانون.
4 - الدستور بما نص عليه في المادة 68 من أن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، قد دل - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - على أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعاً عن مصالحهم الذاتية، وأن الناس جميعاً لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية ولا في مجال التداعي بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغي دوماً أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة سواء في مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام التي تصدر فيها. لما كان ما تقدم، فإن النص الطعين بمنحه الطرف الذي يتقدم بطلب تنفيذ حكم المحكمين الحق في التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ ليثبت توافر طلب الأمر بتنفيذ حكم التحكيم على الضوابط الثلاثة التي تطلبها البند (2) من المادة 58 السالف الإشارة إليه، وحرمانه الطرف الآخر في خصومة التحكيم مكنة التظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ لينفي في المقابل توافر طلب الأمر بالتنفيذ على الضوابط عينها؛ يكون قد مايز - في مجال ممارسة حق التقاضي - بين المواطنين المتكافئة مراكزهم القانونية، دون أن يستند هذا التمييز إلى أسس موضوعية تقتضيه، بما يمثل إخلالاً بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، وعائقاً لحق التقاضي مخالفاً بذلك أحكام المادتين 40، 68 من الدستور.
5 - لا يقيل النص الطعين من عثرته التذرع بالطبيعة الخاصة لنظام التحكيم وما يهدف إليه من تيسير الإجراءات وتحقيق السرعة في حسم الأنزعة؛ ذلك أنه فضلاً عن أن هذا الاعتبار لا يجوز أن يهدر المبادئ الدستورية السالف الإشارة إليها، فإن الأمر بالتنفيذ الذي يصدره القاضي المختص وفقاً لأحكام قانون التحكيم لا يعد مجرد إجراء مادي بحت يتمثل في وضع الصيغة التنفيذية على حكم المحكمين، وإنما يتم بعد بحث الاختصاص ثم التأكد من عدم تعارض هذا الحكم مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية في موضوع النزاع، وأنه لا يتضمن من يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية، وأنه قد تم إعلانه للمحكوم عليه إعلاناً صحيحاً؛ ومن ثم فإنه قد أجاز النص الطعين لأحد أطراف الخصوم التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ فقد بات حتماً تقرير ذات الحق للطرف الآخر بالتظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ إن تبين له أن هذا الأمر قد صدر دون التحقيق من توافره على الضوابط السابق الإشارة إليها.
6 - الحجية المطلقة التي أسبغها قانون هذه المحكمة على أحكامها في المسائل الدستورية لازمها نزول الدولة بكامل سلطاتها وتنظيماتها عليها لتعمل بوسائلها وأدواتها - من خلال السلطة التشريعية كلما كان ذلك ضرورياً - على تطبيقها؛ وإذ كان القضاء بعدم دستورية النص الطعين، ينعى أن الحظر الذي أورده يناقض الدستور، مما يفيد بالضرورة انفتاح طريق التظلم لمن صدر ضده الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، فإن ذلك يقتضي تدخلاً تشريعياً لتحديد إجراءات وميعاد وشروط هذا التظلم.


الإجراءات

بتاريخ الثالث والعشرين من مايو سنة 1999 أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية البند (3) من المادة 58 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994.
وقدمت كل من هيئة قضايا الدولة والمدعى عليها الرابعة مذكرة طلبت فيها أصلياً الحكم بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أنه بموجب عقد مقاولة مؤرخ 28/ 4/ 1993 أسندت الشركة المدعية للشركة المدعى عليها الرابعة عملية إنشاء وصيانة ملحق مستشفي مصر الدولي، وإذ نشب خلاف بينهما حول بعض جوانب تنفيذ هذا العقد فقد تم عرضه على هيئة تحكيم؛ فأصدرت بجلسة 7/ 7/ 1998 حكمها بإلزام الشركة المدعية (المتحكم ضدها في التحكيم) بأن ترد للشركة المدعى عليها الرابعة مبلغ 404695 جنيهاً وفوائده بواقع 5% من تاريخ المطالبة القضائية حتى تاريخ السداد، ثم استصدرت الأخيرة أمراً من السيد المستشار رئيس محكمة استئناف القاهرة بتنفيذ هذا الحكم، فتظلمت الشركة المدعية منه بالتظلم رقم 4 لسنة 116 قضائية أمام تلك المحكمة. وأثناء نظره دفعت بعدم دستورية نص البند (3) من المادة 58 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت للشركة بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة والشركة المدعى عليها الرابعة دفعتا بعدم قبول الدعوى الماثلة بمقولة أن الشركة المدعية ليس لها مصلحة في إقامتها؛ إذ تظلمت من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم بعد الميعاد، كما أنها قامت بتنفيذه بالفعل.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول قبول تظلم الشركة المدعية من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم، وكان النص المطعون فيه فيما قرره من عدم جواز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ هذا الحكم، هو الذي يحول دون ذلك، فإن مصلحتها الشخصية المباشرة في الدعوى تكون قائمة ويكون الدفع بعدم قبولها على غير أساس؛ حرياً بالرفض. ولا ينال من ذلك، قيام الشركة المدعية، بتنفيذ الحكم فعلاً، ذلك أن هذه المحكمة عند بحثها لشرط المصلحة في الدعوى الدستورية، تقتصر على التحقق من أن الحكم الذي يصدر فيها يؤثر على الحكم في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة في الدعوى الموضوعية دون أن يمتد ذلك لبحث شروط قبول تلك الدعوى أو مدى أحقية المدعي في الدعوى الدستورية في طلباته أمام محكمة الموضوع والتي تختص هذه الأخيرة وحدها بالفصل فيها.
وحيث إن المادة 56 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية المشار إليه تنص على أن "يختص رئيس المحكمة المشار إليها في المادة 9 من هذا القانون أو من يندبه من قضاتها بإصدار الأمر بتنفيذ حكم المحكمين....".
وتنص المادة 58 على أن:
"1 - لا يقبل طلب تنفيذ حكم التحكيم إذا لم يكن ميعاد رفع دعوى بطلان الحكم قد انقضى.
2 - لا يجوز الأمر بتنفيذ حكم التحكيم وفقاً لهذا القانون إلا بعد التحقق مما يأتي:
( أ ) أنه لا يتعارض مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية في موضوع النزاع.
(ب) أنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية.
(ج) أنه قد تم إعلانه للمحكوم عليه إعلاناً صحيحاً.
3 - ولا يجوز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم. أما الأمر الصادر برفض التنفيذ فيجوز التظلم منه إلى المحكمة المختصة وفقاً لحكم المادة 9 من هذا القانون خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره".
وحيث إن الشركة المدعي تنعى على النص الطعين أن يُخَوّل طالب التنفيذ التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ بينما يُحْرَم المحكوم ضده من التظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ، فإنه يتعارض مع مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون ويخل بحق التقاضي بالمخالفة لأحكام المادتين 40، 68 من الدستور.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتعتبر تخوماً لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها، وكان الدستور إذ يعهد إلى أي من السلطتين التشريعية والتنفيذية بتنظيم موضوع معين، فإن القواعد القانونية التي تصدر عن أيتهما في هذا النطاق، لا يجوز أن تنال من الحقوق التي كفل الدستور أصلها سواء بنقضها أو انتقاصها من أطرافها، وإلا كان ذلك عدواناً على مجالاتها الحيوية من خلال إهدارها أو تهميشها.
وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور والذي رددته الدساتير المصرية جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها وأساساً للعدل والسلام الاجتماعي، غايته صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، باعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة التي لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، فلا يقتصر مجال إعماله على ما كفله الدستور من حقوق، بل يمتد كذلك إلى تلك التي يقررها القانون.
وحيث إن الدستور بما نص عليه في المادة 68 من أن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، قد دل - على ما جرى به عليه قضاء هذه المحكمة - على أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق للنا كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعاً عن مصالحهم الذاتية، وأن الناس جميعاً لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية ولا في مجال التداعي بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغي دوماً أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة سواء في مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام التي تصدر فيها. لما كان ما تقدم، فإن النص الطعين بمنحه الطرف الذي يتقدم بطلب حكم المحكمين الحق في التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ ليثبت توافر طلب الأمر بتنفيذ حكم التحكيم على الضوابط الثلاثة التي تطلبها البند (2) من المادة 58 السالف الإشارة إليه، وحرمانه الطرف الآخر في خصومة التحكيم مكنة التظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ لينفي في المقابل توافر طلب الأمر بالتنفيذ على الضوابط عينها؛ يكن قد مايز - في مجال ممارسة حق التقاضي - بين المواطنين المتكافئة مراكزهم القانونية، دون أن يستند هذا التمييز إلى أسس موضوعية تقتضيه، بما يمثل إخلالاً بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، وعائقاً لحق التقاضي مخالفاً بذلك أحكام المادتين 40، 68 من الدستور مما يتعين معه القضاء بعدم دستورية النص الطعين. ولا يقيل ذلك النص من عثرته التذرع بالطبيعة الخاصة لنظام التحكيم وما يهدف إليه من تيسير الإجراءات وتحقيق السرعة في حسم الأنزعة؛ ذلك أنه فضلاً عن أن هذا الاعتبار لا يجوز أن يهدر المبادئ الدستورية السالف الإشارة إليها، فإن الأمر بالتنفيذ الذي يصدره القاضي المختص وفقاً لأحكام قانون التحكيم لا يعد مجرد إجراء مادي بحت يتمثل في وضع الصيغة التنفيذية على حكم المحكمين، وإنما يتم بعد بحث الاختصاص ثم التأكد من عدم تعارض هذه الحكم مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية في موضوع النزاع، وأنه لا يتضمن من يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية، وأنه قد تم إعلانه للمحكوم عليه إعلاناً صحيحاً؛ ومن ثم فإنه وقد أجاز النص الطعين لأحد أطراف الخصوم التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ فقد بات حتماً تقرير ذات الحق للطرف الآخر بالتظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ إن تبين له أن هذا الأمر قد صدر دون التحقق من توافره على الضوابط السابق الإشارة إليها.
وحيث إن الحجية المطلقة التي أسبغها قانون هذه المحكمة على أحكامها في المسائل الدستورية لازمها نزول الدولة بكامل سلطاتها وتنظيماتها عليها لتعمل بوسائلها وأدواتها - من خلال السلطة التشريعية كلما كان ذلك ضرورياً - على تطبيقها؛ وإذ كان القضاء بعدم دستورية النص الطعين، يعني أن الحظر الذي أورده يناقض الدستور، مما يفيد بالضرورة انفتاح طريق التظلم لمن صدر ضده الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، فإن ذلك يقتضي تدخلاً تشريعياً لتحديد إجراءات وميعاد وشروط هذا التظلم.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية البند (3) من المادة 58 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 فيما نص عليه من عدم جواز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الطعن 201 لسنة 20 ق جلسة 6 / 1 / 2001 دستورية عليا مكتب فني 9 دستورية ق 100 ص 835

جلسة 6 يناير سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

------------------

قاعدة رقم (100)
القضية رقم 201 لسنة 20 قضائية "دستورية"

1 - أحوال شخصية "أقباط أرثوذكس - رقابة قضائية".
ارتقاء المشرع بالقواعد التي تضمنتها شرائع الأقباط الأرثوذكس إلى مرتبة القواعد القانونية التي ينضبط بها المخاطبون بأحكامها - القواعد التي احتوتها لائحة الأحوال الشخصية الخاصة بهم على ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 1 لسنة 2000، تعتبر شريعتهم التي تنظم أحوالهم الشخصية؛ مؤدى ذلك خضوع هذه اللائحة للرقابة القضائية على الشرعية الدستورية.
2 - دستور "المادة الثانية: شريعة إسلامية" - لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس.
اعتباراً من تاريخ تعديل المادة الثانية من الدستور 22/ 5/ 1980 تتقيد السلطة التشريعية، فيما تقره من النصوص القانونية، بمراعاة الأصول الكلية للشريعة الإسلامية - أثره: عدم امتداد الرقابة على الشرعية الدستورية في مجال تطبيق المادة الثانية من الدستور لغير النصوص القانونية الصادرة بعد تعديلها، مؤدى ذلك: المادة 85 من لائحة الأقباط الأرثوذكس الصادرة قبل هذا التعديل لا تمتد إليها هذه الرقابة.
3 - تشريع "لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس - متاع مسكن الزوجية".
نظمت اللائحة المشار إليها ملكية جهاز الزوجية فقضت بملكيته للزوجة - تعلق نص المادة 85 منها بملكية متاع مسكن الزوجية - إقامته قرينة مؤداها أن ما يصلح للنساء فالقول فيه قول الزوجة ما لم يثبت الزوج أنه له، أما ما يصلح للرجال أو كان يصلح لهما معاً فهو للزوج ما لم تثبت الزوجة أنه لها.
4 - أحوال شخصية "مذهب الإمام أبي حنيفة - متاع مسكن الزوجية" - مساواة.
الراجح في هذا المذهب لا تختلف أحكامه في شأن ملكية المتاع في مضمونها عما يقابلها في لائحة الأقباط الأرثوذكس - النص الطعين لا يقيم تفرقة بين أبناء الوطن الواحد.

----------------
1 - جرى قضاء هذه المحكمة على أن المشرّع وقد أحال في شأن الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين إلى شرائعهم مستلزماً تطبيقها دون غيرها في كل ما يتصل بها؛ فإنه يكون قد ارتقى بالقواعد التي تتضمنها هذه الشرائع إلى مرتبة القواعد القانونية من حيث عموميتها وتجرديها؛ وتمتعها بخاصية الإلزام لينضبط بها المخاطبون بأحكامها؛ ويندرج تحتها في نطاق الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس، لائحتهم التي أقرها المجلس الملي العام في 9 مايو 1938 وعمل بها اعتباراً من 8 يوليه 1938، إذ تعتبر القواعد التي احتوتها هذه اللائحة - على ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 1 لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية التي حلت محل الفقرة الثانية من المادة السادسة من القانون رقم 462 لسنة 1955 - شريعتهم التي تنظم أصلاً مسائل أحوالهم الشخصية، بما مؤداه خضوعها للرقابة الدستورية التي تتولاها هذه المحكمة.
2 - إن النص في المادة الثانية من الدستور؛ بعد تعديلها في 22 مايو سنة 1980، على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، يدل - وفقاً لما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة - على أن الدستور، اعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل، قد أتى بقيد على السلطة التشريعية مؤداه تقييدها - فيما تقره من نصوص قانونية - بمراعاة الأصول الكلية للشريعة الإسلامية، إذ هي جوهر بيانها وركيزتها، وقد اعتبرها الدستور أصلاً ينبغي أن ترد إليه هذه النصوص، فلا تتنافر مع مبادئها المقطوع بثبوتها ودلالتها، وإن لم يكن لازماً استمداد تلك النصوص مباشرة منها بل يكفيها ألا تعارضها، ودون ما إخلال بالقيود الأخرى التي فرضها الدستور على السلطة التشريعية في ممارستها لاختصاصاتها الدستورية. ومن ثم لا تمتد الرقابة على الشرعية الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة في مجال تطبيقها للمادة الثانية من الدستور، لغير النصوص القانونية الصادرة بعد تعديلها؛ ولا كذلك نص المادة 85 المطعون عليها، فقد أقرها المجلس الملي العام للأقباط الأرثوذكس وعمل بها قبل تعديل المادة الثانية من الدستور، فلا تتناولها الرقابة القضائية على الدستورية من هذا الوجه.
3 - إن تجهيز منزل الزوجية قد تناوله الفصل الثاني من الباب الثالث من لائحة الأقباط الأرثوذكس فنص في المادة 80 على أن "لا تجبر المرأة على تجهيز منزل الزوجية من مهرها ولا من غيره....." وفي المادة 84 على أن "الجهاز ملك المرأة وحدها فلا حق للزوج في شيء منه، وإنما له الانتفاع بما يوضع منه في بيته وإذا اغتصب شيئاً منه حال قيام الزوجية أو بعدها فلها مطالبته به أو بقيمته إن هلك أو استهلك عنده" ثم نصت المادة 85 - المطعون فيها - على أنه "إذا اختلف الزوجان حال قيام الزواج أو بعد الفسخ في متاع موضوع في البيت الذي يسكنان فيه فما يصلح للنساء عادة فهو للمرأة إلى أن يقيم الزوج البينة على أنه له وما يصلح للرجال أو يكون صالحاً لها فهو للزوج ما لم تقدم المرأة البينة على أنه لها" ومفاد هذه النصوص جميعها أن الجهاز - وهو ما يؤثث به مسكن الزوجية عند بدء الزواج سواء من مهر الزوجة أو من مالها أو من مال أبيها تبرعاً - يكون ملكاً لها وحدها ولا حق للزوج في شيء منه إلا انتفاعاً بل ويتحمل تبعة هلاكه. وفيما عدا الجهاز الذي تثبت ملكيته للزوجة على النحو المتقدم، فإنه إذا اختلف الزوجان - سواء حال قيام الزوجية أو عند فسخها - حول ملكية شيء من المتاع الموجود بمنزل الزوجية، فقد أقام النص الطعين قرينة مؤداها أن ما يصلح للنساء عادة، فالقول فيه قولها ما لم يثبت الزوج أنه له، أما ما يصلح للرجال أو كان يصلح لهما معاً فقد افترض المشرع أنه للزوج ما لم تثبت الزوجة أنه لها.
4 - إن القواعد الموضوعية المنظمة للأحوال الشخصية للمسلمين، قد خلت من نصوص تتعلق بأحكام الجهاز كتلك الواردة بلائحة الأقباط الأرثوذكس، ولم يرد بها سوى ما يتعلق بالاختصاص القضائي - نوعياً كان أم محلياً - ولما كانت الفقرة الأولى من المادة الثالثة في القانون رقم 1 لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 - تقضي بأن يعمل فيما لم يرد بشأنه نص خاص بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة؛ وكان الراجح في هذا المذهب، أن الجهاز ليس بواجب على المرأة، فلا تجبر عليه، وإذا ما جهزت نفسها من مهرها أو من مالها أو مال أبيها، كما هذا الجهاز ملكاً لها وحدها وليس للزوج إلا حق الانتفاع به. وإذا اختلف الزوجان حال قيام الزوجية أو بعد الفرقة حول ملكية ما يوجد في بيت الزوجية من متاع، فالأصل أن من أقام البينة على ما يدعيه قُضي له بما ادعاه، وإلا فإن ما لا يصلح إلا للنساء فالقول فيه قول الزوجة بيمينها؛ وما لا يصلح إلا للرجال فالقول فيه قول الزوج بيمينه، أما ما يصلح لهما جميعاً فهو للزوج لأن الظاهر يشهد له، فكل ما يحويه المسكن في حوزته وتحت سلطانه، ويده فيه متصرفة، أما يد المرأة فحافظة، واليد المتصرفة هي يد الملك، فكان دليل الملكية ظاهراً، أما اليد الحافظة، فلا تدل على الملك، لما كان ذلك وكانت هذه الأحكام لا تختلف في مضمونها عما يقابلها في لائحة الأقباط الأرثوذكس، فإن النص الطعين لا يكون قد أقام تفرقة بين أبناء الوطن الواحد؛ ومن ثم يكون النعي عليه بذلك غير قائم على أساس.


الإجراءات

بتاريخ السابع والعشرين من أكتوبر سنة 1998، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة 85 من لائحة الأقباط والأرثوذكس الصادرة عام 1938.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة فوضت فيها الرأي للمحكمة.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - حسبما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعى عليها الخامسة كانت قد أقامت الدعوى رقم 59 لسنة 1997 أمام محكمة بني سويف الجزئية للأحوال الشخصية، ضد المدعي، طالبة الحكم بتسليمها المنقولات الموجودة في مسكن الزوجية والمبينة بالصحيفة، أو قيمتها. وذلك على سند من أنها كانت زوجة له ثم طلقت منه وغادرت منزل الزوجية تاركة منقولاتها بعد أن رفض تسليمها إياها. وبجلسة 27/ 6/ 1998 قضت تلك المحكمة بإلزام المدعى عليه بتسليمها منقولاتها الزوجية، فطعن على ذلك بالاستئناف رقم 301 لسنة 1998 أمام محكمة بني سويف الابتدائية، ودفع في صحيفته بعدم دستورية المادة 85 من لائحة الأقباط الأرثوذكس الصادرة عام 1938. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرع وقد أحال في شأن الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين إلى شرائعهم مستلزماً تطبيقها دون غيرها في كل ما يتصل بها؛ فإنه يكن قد ارتقى بالقواعد التي تتضمنها هذه الشرائع إلى مرتبة القواعد القانونية من حيث عموميتها وتجرديها؛ وتمتعها بخاصية الإلزام لينضبط بها المخاطبون بأحكامها؛ ويندرج تحتها في نطاق الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس، لائحتهم التي أقرها المجلس الملي العام في 9 مايو 1938 وعمل بها اعتباراً من 8 يوليه 1938، إذ تعتبر القواعد التي احتوتها هذه اللائحة - على ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 1 لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية التي حلت محل الفقرة الثانية من المادة السادسة من القانون رقم 462 لسنة 1955 - شريعتهم التي تنظم أصلاً مسائل أحوالهم الشخصية، بما مؤداه خضوعها للرقابة الدستورية التي تتولاها هذه المحكمة.
وحيث إن المدعي ينعى على النص الطعين مناقضته لمبادئ الشريعة الإسلامية، وكذلك إقامته تفرقة بين المصريين تبعاً لديانتهم في مسألة لا تمس أصل العقيدة، بما يخالف المادتين 2، 40 من الدستور.
وحيث إن النص في المادة الثانية من الدستور؛ بعد تعديلها في 22 مايو سنة 1980، على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريعي، يدل - وفقاً لما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة - على أن الدستور، اعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل، قد أتى يقيد على السلطة التشريعية مؤداه تقييدها - فيما تقره من نصوص قانونية - بمراعاة الأصول الكلية للشريعة الإسلامية، إذ هي جوهر بيانها وركيزتها، وقد اعتبرها الدستور أصلاً ينبغي أن ترد إليه هذه النصوص، فلا تتنافر مع مبادئها المقطوع بثبوتها ودلالتها، وإن لم يكن لازماً استمداد تلك النصوص مباشرة منها بل يكفيها ألا تعارضها، ودون ما إخلال بالقيود الأخرى التي فرضها الدستور على السلطة التشريعية في ممارستها لاختصاصاتها الدستورية. ومن ثم لا تمتد الرقابة على الشرعية الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة في مجال تطبيقها للمادة الثانية من الدستور، لغير النصوص القانونية الصادرة بعد تعديلها؛ ولا كذلك نص المادة 85 المطعون عليها، فقد أقرها المجلس الملي العام للأقباط الأرثوذكس وعمل بهذا قبل تعديل المادة الثانية من الدستور، فلا تتناولها الرقابة القضائية على الدستورية من هذا الوجه.
وحيث إن تجهيز منزل الزوجية قد تناوله الفصل الثاني من الباب الثالث من لائحة الأقباط الأرثوذكس فنص في المادة 80 على أن "لا تجبر المرأة على تجهيز منزل الزوجية من مهرها ولا من غيره....." وفي المادة 84 على أن "الجهاز ملك المرأة وحدها فلا حق للزوج في شيء منه، وإنما له الانتفاع بما يوضع منه في بيته وإذا اغتصب شيئاً منه حال قيام الزوجية أو بعدها فلها مطالبته به أو بقيمته إن هلك أو استهلك عنده" ثم نصت المادة 85 - المطعون فيها - على أنه "إذا اختلف الزوجان حال قيام الزواج أو بعد الفسخ في متاع موضوع في البيت الذي يسكنان فيه فما يصلح للنساء عادة فهو للمرأة إلى أن يقيم الزوج البينة على أنه له وما يصلح للرجال أو يكون صالحاً لهما فهو للزوج ما لم تقدم المرأة البينة على أنه لها" ومفاد هذه النصوص جميعها أن الجهاز - وهو ما يؤثث به مسكن الزوجية عند بدء الزواج سواء من مهر الزوجة أو من مالها أو من مال أبيها تبرعاً - يكون ملكاً لها وحدها ولا حق للزوج في شيء منه إلا انتفاعاً بل ويتحمل تبعة هلاكه. وفيما عدا الجهاز الذي تثبت ملكيته للزوجة على النحو المتقدم، فإنه إذا اختلف الزوجان - سواء حال قيام الزوجية أو عند فسخها - حول ملكية شيء من المتاع الموجود بمنزل الزوجية، فقد أقام النص الطعين قرينة مؤداها أن ما يصلح للنساء عادة، فالقول فيه قولها ما لم يثبت الزوج أنه له، أما ما يصلح للرجال أو كان يصلح لهما معاً فقد افترض المشرع أنه للزوج ما لم تثبت الزوجة أنه لها.
وحيث إن القواعد الموضوعية المنظمة للأحوال الشخصية للمسلمين، قد خلت من نصوص تتعلق بأحكام الجهاز كتلك الواردة بلائحة الأقباط الأرثوذكس، ولم يرد بها سوى ما يتعلق بالاختصاص القضائي - نوعياً كان أم محلياً - ولما كانت الفقرة الأولى من المادة الثالثة في القانون رقم 1 لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 - تقضي بأن يعمل فيما لم يرد بشأنه نص خاص بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة؛ وكان الراجح في هذا المذهب، أن الجهاز ليس بواجب على المرأة، فلا تجبر عليه، وإذا ما جهزت نفسها من مهرها أو من مالها أو مال أبيها، كما هذا الجهاز ملكاً لها وحدها وليس للزوج إلا حق الانتفاع به. وإذا اختلف الزوجان حال قيام الزوجية أو بعد الفرقة حول ملكية ما يوجد في بيت الزوجية من متاع، فالأصل أن من أقام البينة على ما يدعيه قُضي له بما ادعاه، وإلا فإن ما لا يصلح إلا للنساء فالقول فيه قول الزوجة بيمينها؛ وما لا يصلح إلا للرجال فالقول فيه قول الزوج بيمينه، أما ما يصلح لهما جميعاً فهو للزوج لأن الظاهر يشهد له، فكل ما يحويه المسكن في حوزته وتحت سلطانه، ويده فيه متصرفة، أما يد المرأة فحافظة، واليد المتصرفة هي يد الملك، فكان دليل الملكية ظاهراً، أما اليد الحافظة، فلا تدل على الملك، لما كان ذلك وكانت هذه الأحكام لا تختلف في مضمونها عما يقابلها في لائحة الأقباط الأرثوذكس، فإن النص الطعين لا يكون قد أقام تفرقة بين أبناء الوطن الواحد؛ ومن ثم يكون النعي عليه بذلك غير قائم على أساس مما يتعين معه القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الطعن 40 لسنة 19 ق جلسة 6 / 1 / 2001 دستورية عليا مكتب فني 9 دستورية ق 99 ص 823

جلسة 6 يناير سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

----------------

قاعدة رقم (99)
القضية رقم 40 لسنة 19 قضائية "دستورية"

1 - دعوى دستورية "الخصوم - الحكومة".
اعتبرت المادة 35 من قانون المحكمة الدستورية العليا الحكومة من ذوي الشأن في الدعوى الدستورية - رئيس الجمهورية يتولى، إلى جانب رئاسة الدولة، السلطة التنفيذية - اختصامه في الدعوى الدستورية يحقق مقتضى المادة 35 المشار إليها.
2 - سلطة تشريعية "اختصاصها - استثناء: حالة الضرورة".
الأصل أن تتولى السلطة التشريعية اختصاصها المتمثل في سن القوانين - المحافظة على كيان الدولة وإقرار النظام لمواجهة المخاطر التي تلوح في غيبة مجلس الشعب؛ يقتضي الاستثناء من الأصل المتقدم والسماح للسلطة التنفيذية بمزاولة الاختصاص التشريعي شريطة توافر حالة الضرورة بضوابطها الموضوعية.
3 - دستور "المادة 147: سلطة تشريع استثنائية".
جعل نص المادة 147 من الدستور لرئيس الجمهورية اختصاصاً استثنائياً في إصدار قرارات تكون لها قوة القانون - شرطاه: غيبة مجلس الشعب، وتوافر حالة الضرورة.
4 - دستور "المادة 147/ 2 - قرار بقانون: إجراءات عرضه على مجلس الشعب".
تختلف مواعيد وإجراءات عرض القرارات بقانون المشار إليها على مجلس الشعب، طبقاً للفقرة الثانية من المادة 147 من الدستور، باختلاف ما إذا كان مجلس الشعب منحلاً أو موقوفاً أو قائماً - وجوب عرضها في أول اجتماع إذا كان المجلس موقوفاً أو منحلاً - وخلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها إن كان قائماً - علة ذلك: تمكين المجلس من مباشرة سلطته التشريعية الأصيلة.
5 - تشريع "القرار بالقانون رقم 66 لسنة 1971 - حالة الضرورة".
تزامن صدور القرار بقانون المذكور، في ظروف إعداد البلاد لحرب التحرير، مع قرب بدء العام الجامعي وعدم وفاء موارد صندوق مساعدة طلاب الجامعات والمعاهد العليا بمتطلباتهم، اقتضى سرعة إنشاء "بنك ناصر الاجتماعي" بالقرار بقانون المشار إليه قبيل بدء الدراسة مؤدى ذلك: توافر حالة الضرورة.
6 - الملكية الخاصة "تنظيمها - وظيفة اجتماعية - سلطة تقديرية".
تنظيم الملكية يدخل في نطاق السلطة التقديرية للمشرع - أثره: من السائغ تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية بشرط عدم مخالفة ذلك للدستور.
7 - تشريع "القرار بالقانون رقم 66 لسنة 1971 - تضامن اجتماعي".
هيأ قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 لمشروعات القطاع العام، وهي مملوكة للدولة ملكية خاصة، الفرصة لأداء وظيفتها الاجتماعية، بأن جعل لبنك ناصر الاجتماعي نسبة من صافي أرباحها، بما لا مخالفة فيه لنص المادة 26 من الدستور التي تكفل للعمال نصيباً من الأرباح - لا تناقض بين حق العمال في الحصول على جزء من عائد أعمالهم، وبين حق المجتمع في أن تكون موارده فاعلة إعمالاً لمبدأ التضامن الاجتماعي.

----------------
1 - اعتبرت المادة 35 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 الحكومة من ذوي الشأن في الدعوى الدستورية الواجب إعلانهم بصحيفتها؛ وهذا الإجراء قد تحقق فعلاً باختصام رئيس الجمهورية في الدعوى الماثلة بحكم كونه - إلى جانب رئاسة الدولة - متولياً للسلطة التنفيذية عملاً بالمادة 137 من الدستور؛ وبإعلان هيئة قضايا الدولة بحسبانها النائبة قانوناً عن الدولة بجميع سلطاتها بصحيفة هذه الدعوى، كما تحققت الغاية من هذا الإجراء بإبداء تلك الهيئة دفاعها رداً على المطاعن الدستورية المثارة فيها.
2 - سن القوانين عمل تشريعي تختص به السلطة التشريعية التي تتمثل في مجلس الشعب طبقاً للمادة 86 من الدستور. ولئن كان الأصل أن تتولى هذه السلطة بذاتها مباشرة هذه الوظيفة التي أسندها الدستور لها، وأقامها عليها، إلا أن الدستور قد وازن بين ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولى كل منهما لوظائفها في المجال المحدد لها أصلاً، وبين ضرورة المحافظة على كيان الدولة وإقرار النظام في ربوعها إزاء ما قد تواجهه في غيبة مجلس الشعب من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التي تواكبها، يستوي في ذلك أن تكون هذه المخاطر من طبيعة مادية أو أن يكون قيامها مستنداً إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعي يكون لازماً بصورة عاجلة لا تحتمل التأخير لحين انعقاد مجلس الشعب. وتلك هي حالة الضرورة التي اعتبر الدستور قيامها من الشرائط التي تطلبها لمزاولة السلطة التنفيذية هذا الاختصاص استثناءً من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية في المجال التشريعي، إذ كان ذلك، وكانت التدابير العاجلة التي تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الضرورة نابعة من متطلباتها، فإن انفكاكها عنها يوقعها في حومة المخالفة الدستورية، ذلك أن توفر حالة الضرورة - بضوابطها الموضوعية التي لا تستقل السلطة التنفيذية بتقديرها - هي علة اختصاصها بمواجهة الأوضاع الطارئة والضاغطة بتلك التدابير العاجلة، بل هي مناط مباشرتها لهذا الاختصاص، وإليها تمتد الرقابة الدستورية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا للتحقق من قيامها في الحدود التي رسمها الدستور، ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية - وهي من طبيعة استثنائية - إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لا قيد عليها ولا عاصم من جموحها وانحرافها.
3 - المستفاد من نص المادة 147 من الدستور أن الدستور وإن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصاً في إصدار قرارات تكون لها قوة القانون في غيبة مجلس الشعب، إلا أنه رسم لهذا الاختصاص حدوداً ضيقة فرضتها طبيعته الاستثنائية، منها ما يتعلق بشروط ممارسته ومنها ما يتصل بمآل ما قد يصدر من قرارات استناداً إليه. فأوجب لإعمال سلطة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس الشعب غائباً وأن تطرأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة الضرورة التي تسوّغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس الشعب.
4 - البين مما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 147 من الدستور، أن مواعيد وإجراءات عرض القرارات المشار إليها على مجلس الشعب، تختلف باختلاف ما إذا كان المجلس منحلاً أو موقوفاً أو قائماً، فإذا كان المجلس منحلاً أو موقوفاً، وجب عرض القرارات المشار إليها عليه في أول اجتماع له، فور انعقاده، وإن كان قائماً تعين دعوته للانعقاد لعرض تلك القرارات عليه خلال فترة زمنية محددة هي خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها. وعلة ذلك تمكين المجلس - باعتباره صاحب الاختصاص الأصيل في ممارسة الوظيفة التشريعية - من مراجعة التشريعات التي تصدرها السلطة التنفيذية في غيبته عند الضرورة، والنظر في شأنها في أسرع وقت ممكن، وإلا زال ما لهذه التشريعات من قوة القانون بأثر رجعى دون حاجة لاتخاذ أي إجراء في هذا الشأن.
5 - إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 صدر بتاريخ 23/ 9/ 1971 غداة إقرار الدستور القائم في 11/ 9/ 1971 وما تلاه من الإعداد لإجراء انتخابات مجلس الشعب الجديد إثر حل مجلس الأمة السابق في 8/ 9/ 1971، وقد تزامن صدوره - في ظروف إعداد البلاد لحرب التحرير والخلاص من هزيمة سنة 1967 - مع بدء العام الجامعي، فبدت الحاجة ماسة لدى فئة من طلاب الجامعات والمعاهد العليا إلى صرف الإعانات والقروض التي لم تكن موارد صندوق مساعدة طلاب الجامعات والمعاهد المنشأ بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 56 لسنة 1968 تقي بمتطلباتها على الوجه المرجو، ومن ثم رؤي إنشاء "بنك ناصر الاجتماعي" وإسناد هذه المهمة - ضمن مهام أخرى - إليه، توكيداً للتضامن الاجتماعي الذي يقوم عليه المجتمع بنص الدستور؛ وتوافرت - بالتالي - حالة الضرورة التي سوغت لرئيس الجمهورية الإسراع في إصدار ذلك القرار بقانون، والتي لم تكن تحتمل التأخير إلى أن يبدأ مجلس الشعب دور انعقاده العادي بعد انقضاء فترة زمنية يكون العام الجامعي معها قد شارف على الانتصاف، لتفوت بذلك الغاية من إسناد هذه المهمة الجليلة إلى البنك الوليد. ليقوم عليها خيراً من سابقه.
6 - لم تعد الملكية حقاً مطلقاً يستعصي على التنظيم التشريعي، ومن ثم غدا سائغاً - على ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة - تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية التي يتحدد نطاقها ومرماها بمراعاة الموازنة التي يجريها المشرّع - في ضوء أحكام الدستور - بين طبيعة الأموال محل الملكية والأغراض التي ينبغي توجيهها إليها على النحو الذي يحقق الصالح العام للمجتمع، تقديراً بأن القيود التي تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقه لا تعتبر مقصودة لذاتها، وإنما غايتها تحقيق الخير المشترك للفرد والجماعة، مما مؤداه أن الدستور يكفل الحماية للملكية الخاصة التي لا تقوم في جوهرها على الاستغلال، ويرد انحرافها كلما كان استخدامها متعارضاً مع الخير العام للشعب، ويؤكد دعمها بشرط قيامها على أداء الوظيفة الاجتماعية التي يبين المشرع حدودها، مراعياً أن تعمل في خدمة الاقتصاد القومي؛ وفي إطار خطة التنمية.
7 - هيأ البند 1 من المادة 6 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 لمشروعات القطاع العام - وهي مملوكة للدولة ملكية خاصة - الفرصة لأداء وظيفتها الاجتماعية، بأن جعل لبنك ناصر الاجتماعي نسبة من صافي أرباحها، إسهاما منها في تحقيق الخير العام للجماعة، سواء في المجال الاقتصادي أو في المجال الاجتماعي، وضماناً لاستمرار المشروعات التي يقوم البنك على تمويلها في إطار من التأمين التعاوني؛ بما لا مخالفة فيه لنص المادة 26 من الدستور التي تكفل للعمال نصيباً من الأرباح، فهي لا تجعلها وفقاً خالصا عليهم، إذ لا تناقض بين حق العمال في الحصول على جزء من عائد أعمالهم، وبين حق المجتمع - وهو القائم بنص الدستور على التضامن الاجتماعي - في أن تكون جميع قواه وموارده حية وفاعلة، وأن يبقى دورها دائباً في خدمة الأغراض التي أرادها لها الدستور.


الإجراءات

بتاريخ الخامس من مارس سنة 1997، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً للحكم بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 بإنشاء هيئة عامة باسم "بنك ناصر الاجتماعي"، وكذلك عدم دستورية البند 1 من المادة 6 منه.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت في ختامها (أصلياً) الحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة و (احتياطياً) برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
وبعد حجز الدعوى للحكم قدم المدعى عليه الرابع طلبا لإعادة الدعوى إلى المرافعة، رأت المحكمة الالتفات عنه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعى عليه الرابع، كان قد أقام الدعوى رقم 3529 لسنة 1996 مدني أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية ضد المدعي ابتغاء القضاء بإلزام الشركة التي يمثلها بأن تؤدى لبنك ناصر الاجتماعي مبلغ 981238 جنيهاً، قولاً منه بأن هذا المبلغ يمثل نسبة الاثنين بالمئة من أرباح الشركة المدعية عن السنتين الماليتين 89/ 1990 و90/ 1991 المستحقة للبنك قبلها عملاً بحكم البند 1 من المادة 6 من قرار رئيس الجمهورية رقم 66 لسنة 1971 المعدل بالقانون 21 لسنة 1978، وأحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 137 لسنة 1974، وأثناء نظرها دفع الحاضر عن الشركة المدعى عليها بعدم دستورية ذلك القانون وكذا البند 1 من المادة 6 منه، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت للمدعي بإقامة دعواه الدستورية، فقد أقامها.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة، دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة لرفعها على غير ذي صفة: تأسيساً على أن اختصام الهيئة العامة لبنك ناصر الاجتماعي في الدعوى، لا يغني عن اختصام الحكومة ممثلة في رئيس مجلس الوزراء أو الوزير المختص.
وحيث إن المادة 35 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 اعتبرت الحكومة من ذوي الشأن في الدعوى الدستورية الواجب إعلانهم بصحيفتها؛ وهذا الإجراء قد تحقق فعلاً باختصام رئيس الجمهورية في الدعوى الماثلة بحكم كونه - إلى جانب رئاسة الدولة - متولياً للسلطة التنفيذية عملاً بالمادة 137 من الدستور؛ وبإعلان هيئة قضايا الدولة بحسبانها النائبة قانوناً عن الدولة بجميع سلطاتها بصحيفة هذه الدعوى، كما تحققت الغاية من هذا الإجراء بإبداء تلك الهيئة دفاعها رداً على المطاعن الدستورية المثارة فيها.
وحيث إن المدعي ينعى على قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 صدوره بالمخالفة لحكم المادتين 108، 147 من الدستور، قولاً بأنه قد صدر في غيبة مجلس الشعب، ودون توافر ضرورة ملجئه أو ظروف استثنائية تستوجب اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، إذ لا يعدو الهدف من إنشاء بنك ناصر الاجتماعي - كما جاء بالمذكرة الإيضاحية لذلك القرار بالقانون - أن يكون تكريم اسم زعيم راحل، واستثمار الأموال، وخدمة المجتمع.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن سن القوانين عمل تشريعي تختص به السلطة التشريعية التي تتمثل في مجلس الشعب طبقاً للمادة 86 من الدستور. ولئن كان الأصل أن تتولى هذه السلطة بذاتها مباشرة هذه الوظيفة التي أسندها الدستور لها، وأقامها عليها، إلا أن الدستور قد وازن بين ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولي كل منهما لوظائفها في المجال المحدد لها أصلاً، وبين ضرورة المحافظة على كيان الدولة وإقرار النظام في ربوعها إزاء ما قد تواجهه في غيبة مجلس الشعب من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التي تواكبها، يستوي في ذلك أن تكون هذه المخاطر من طبيعة مادية أو أن يكون قيامها مستنداً إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعي يكون لازماً بصورة عاجلة لا تحتمل التأخير لحين انعقاد مجلس الشعب. وتلك هي حالة الضرورة التي اعتبر الدستور قيامها من الشرائط التي تطلبها لمزاولة السلطة التنفيذية هذا الاختصاص استثناءً من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية في المجال التشريعي، إذ كان ذلك، وكانت التدابير العاجلة التي تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الضرورة نابعة من متطلباتها، فإن انفكاكها عنها يوقعها في حومة المخالفة الدستورية، ذلك أن توفر حالة الضرورة - بضوابطها الموضوعية التي لا تستقل السلطة التنفيذية بتقديرها - هي علة اختصاصها بمواجهة الأوضاع الطارئة والضاغطة بتلك التدابير العاجلة، بل هي مناط مباشرتها لهذا الاختصاص، وإليها تمتد الرقابة الدستورية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا للتحقق من قيامها في الحدود التي رسمها الدستور، ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية - وهي من طبيعة استثنائية - إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لا قيد عليها ولا عاصم من جموحها وانحرافها.
وحيث إن الدستور قد بين ضوابط ممارسة السلطة التنفيذية - ممثلة في رئيس الجمهورية - لجانب من الوظيفة التشريعية في أحوال الضرورة أثناء غياب مجلس الشعب، وذلك في المادة 147 منه التي تنص على أنه "إذا حدث في غيبة مجلس الشعب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية أن يصدر في شأنها قرارات تكون لها قوة القانون.
ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائماً، وتعرض في أول اجتماع له في حالة الحل أو وقف جلساته، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك، وإذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب على آثارها بوجه آخر".
وحيث إن المستفاد من هذا النص أن الدستور وإن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصاً في إصدار قرارات تكون لها قوة القانون في غيبة مجلس الشعب، إلا أنه رسم لهذا الاختصاص حدوداً ضيقة فرضتها طبيعته الاستثنائية، منها ما يتعلق بشروط ممارسته ومنها ما يتصل بمآل ما قد يصدر من قرارات استناداً إليه. فأوجب لإعمال سلطة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس الشعب غائباً وأن تطرأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة الضرورة التي تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس الشعب.
وحيث إن البين مما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 147 من الدستور، أن مواعيد وإجراءات عرض القرارات المشار إليها على مجلس الشعب، تختلف باختلاف ما إذا كان المجلس منحلاً أو موقوفاً أو قائماً، فإذا كان المجلس منحلاً أو موقوفاً، وجب عرض القرارات المشار إليها عليه في أول اجتماع له، فور انعقاده، وإن كان قائماً تعين دعوته للانعقاد لعرض تلك القرارات عليه خلال فترة زمنية محددة هي خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها. وعلة ذلك تمكين المجلس - باعتباره صاحب الاختصاص الأصيل في ممارسة الوظيفة التشريعية - من مراجعة التشريعات التي تصدرها السلطة التنفيذية في غيبته عند الضرورة، والنظر في شأنها في أسرع وقت ممكن، وإلا زال ما لهذه التشريعات من قوة القانون بأثر رجعي دون حاجة لاتخاذ أي إجراء في هذا الشأن.
وحيث إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 صدر بتاريخ 23/ 9/ 1971 غداة إقرار الدستور القائم في 11/ 9/ 1971، وما تلاه من الإعداد لإجراء انتخابات مجلس الشعب الجديد إثر حل مجلس الأمة السابق في 8/ 9/ 1971، وقد تزامن صدوره - في ظروف إعداد البلاد لحرب التحرير والخلاص من هزيمة سنة 1967 - مع بدء العام الجامعي، فبدت الحاجة ماسة لدى فئة من طلاب الجامعات والمعاهد العليا إلى صرف الإعانات والقروض التي لم تكن موارد صندوق مساعدة طلاب الجامعات والمعاهد العليا المنشأ بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 56 لسنة 1968 تقي بمتطلباتها على الوجه المرجو، ومن ثم رؤي إنشاء "بنك ناصر الاجتماعي" وإسناد هذه المهمة - ضمن مهام أخرى - إليه، توكيداً للتضامن الاجتماعي الذي يقوم عليه المجتمع بنص الدستور؛ وتوافرت - بالتالي - حالة الضرورة التي سوغت لرئيس الجمهورية الإسراع في إصدار ذلك القرار بقانون، والتي لم تكن تحتمل التأخير إلى أن يبدأ مجلس الشعب دور انعقاده العادي بعد انقضاء فترة زمنية يكون العام الجامعي معها قد شارف على الانتصاف، لتفوت بذلك الغاية من إسناد هذه المهمة الجليلة إلى البنك الوليد. ليقوم عليها خيراً من سابقه.
وحيث إن القرار بالقانون المشار إليه، قد أحيل إلى مجلس الشعب في الحادي عشر من نوفمبر سنة 1971 أي في ذات تاريخ الجلسة الافتتاحية لدور الانعقاد العادي الأول من الفصل التشريعي الأول - وفقاً لما ورد بكتاب الأمانة العامة لمجلس الشعب رقم 344 المؤرخ 1/ 3/ 2000 - فأحاله إلى اللجنة الاقتصادية لبحثه وتقديم تقرير عنه، وبعد أن قدمته وافق المجلس على ذلك القرار بقانون بجلسته المنعقدة بتاريخ 27/ 12/ 1971، دون اعتراض أحد عليه. لما كان ما تقدم، فإن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 المشار إليه، يكون قد انتصب سوياً على قدميه، بمفازة من أي عوار شكلي، ويضحى النعي عليه بصدوره من رئيس الجمهورية في غير حالة ضرورة، فاقد الأساس.
وحيث إن نطاق الدعوى - على ضوء ارتباط النصوص المطعون فيها بالطلبات المطروحة في النزاع الموضوعي - بات محدداً بنص البند 1 من المادة 6 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 بإنشاء هيئة عامة باسم "بنك ناصر الاجتماعي" وبإلغاء القانون رقم 56 لسنة 1968 بإنشاء وتنظيم صندوق مساعدة طلاب الجامعات والمعاهد العليا، المعدل بالقانون رقم 21 لسنة 1978 - قبل إلغاء هذا البند بنص المادة 7 من القانون رقم 203 لسنة 1991 بإصدار قانون شركات قطاع الأعمال العامة المعمول به اعتباراً من 19 يوليه 1991 - والذي كان يجرى على النحو الآتي:
"تتكون موارد الهيئة من:
1 - نسبة من صافي أرباح وحدات القطاع العام تحسب قبل التوزيع وقبل خصم الضرائب النوعية المستحقة، وتحدد هذه النسبة بقرار من رئيس الجمهورية".
وحيث إن المدعي ينعى على النص الطعين خروجه على الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية وحرمانه العاملين بالشركة التي يمثلها من كامل نصيبهم في الأرباح المخالفة لأحكام الدستور.
وحيث إن الدستور ينص في المادة 29 على أن "تخضع الملكية لرقابة الشعب؛ وتحميها الدولة، وهي ثلاثة أنواع: الملكية العامة، والملكية التعاونية، والملكية الخاصة" وفي المادة 30 على أن "الملكية العامة هي ملكية الشعب...." وفي المادة 34 على أن الملكية الخاصة مصونة...." دالاً بذلك على احتفائه بحق الملكية، بالنظر إلى دقة المصالح التي يمثلها، وانعكاسها على القيم الاقتصادية والاجتماعية التي تؤمن بها الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها؛ ومن ثم فقد أخضعها لرقابة الشعب؛ وعهد إلى الدولة بحمايتها - أياً كان صاحبها - وأعقب الدستور ذلك، بتنظيم صور هذه الحماية، ومداها؛ بحسب دور كل نوع منها.
وحيث إن الملكية لم حقاً مطلقاً يستعصي على التنظيم التشريعي، ومن ثم غدا سائغاً - على ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة - تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية التي يتحدد نطاقها ومرماها بمراعاة الموازنة التي يجريها المشرّع - في ضوء أحكام الدستور - بين طبيعة الأموال محل الملكية والأغراض التي ينبغي توجيهها إليها على النحو الذي يحقق الصالح العام للمجتمع، تقديراً بأن القيود التي تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقه، لا تعتبر مقصودة لذاتها، وإنما غايتها تحقيق الخير المشترك للفرد والجماعة، مما مؤداه أن الدستور يكفل الحماية للملكية الخاصة التي لا تقوم في جوهرها على الاستغلال، ويرد انحرافها كلما كان استخدامها متعارضاً مع الخير العام للشعب، ويؤكد دعمها بشرط قيامها على أداء الوظيفة الاجتماعية التي يبين المشرع حدودها، مراعياً أن تعمل في خدمة الاقتصاد القومي؛ وفي إطار خطة التنمية.
وحيث إن البند 1 من المادة 6 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 – المطعون فيه – قد التزم هذا الإطار الدستوري، فهيأ لمشروعات القطاع العام - وهي مملوكة للدولة ملكية خاصة - الفرصة لأداء وظيفتها الاجتماعية، بأن جعل لبنك ناصر الاجتماعي نسبة من صافي أرباحها، إسهاماً منها في تحقيق الخير العام للجماعة، سواء في المجال الاقتصادي أو في المجال الاجتماعي، وضماناً لاستمرار المشروعات التي يقوم البنك على تمويلها في إطار من التأمين التعاوني؛ بما لا مخالفة فيه لنص المادة 26 من الدستور التي تكفل للعمال نصيباً من الأرباح، فهي لا تجعلها وقفاً خالصاً عليهم، إذ لا تناقض بين حق العمال في الحصول على جزء من عائد أعمالهم، وبين حق المجتمع - وهو القائم بنص الدستور على التضامن الاجتماعي - في أن تكون جميع قواه وموارده حية وفاعلة، وأن يبقى دورها دائباً في خدمة الأغراض التي أرادها لها الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.