جلسة 17 من مارس سنة 1992
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد محمود الدكروري نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ الدكتور: أحمد مدحت علي حسن وعويس عبد الوهاب عويس ومحمد أبو الوفا عبد المتعال وأحمد أمين حسان محمد - نواب رئيس مجلس الدولة.
---------------
(117)
الطعن رقم 40 لسنة 37 القضائية
هيئة الشرطة - انتهاء الخدمة - الاستقالة الضمنية - شرط الإنذار (عاملون مدنيون بالدولة).
المادة 73 من قانون هيئة الشرطة الصادر بالقانون رقم 109 لسنة 1971 - يعتبر الضابط مقدماً استقالته إذا انقطع عن عمله بغير إذن أكثر من خمسة عشر يوماً متتالية ولو كان الانقطاع عقب إجازة مرخص له بها ما لم يقدم خلال الخمسة عشر يوماً التالية ما يثبت إن كان انقطاعه بعذر مقبول - إذا لم يقدم الضابط أسباباً تبرر الانقطاع أو قدم هذه الأسباب ورفضت اعتبرت خدمته منتهية من تاريخ انقطاعه عن العمل - يتعين إنذار الضابط كتابة بعد انقطاعه لمدة خمسة أيام ويوجه إليه الإنذار في محل إقامته المعروف لرئاسته - مؤدى ذلك: أن مجال إعمال هذا النص باعتبار خدمة الضابط منتهية للانقطاع عن العمل في حالتين الأولى: وهي التي لم يقدم فيها الضابط أسباباً تبرر انقطاعه عن العمل، والحالة الثانية: إذا قدم فيها الضابط هذه الأسباب ورفضتها جهة الإدارة كمبرر للانقطاع - إذا كانت طبيعة العذر كمبرر للانقطاع مما تقدره جهة فنية ناط بها القانون سلطة البت من النواحي الفنية الخاصة كالمرض فإنه لا يسوغ لجهة الإدارة أن تسارع بإنهاء خدمة الضابط قبل أن تعمل الجهة الطبية المختصة سلطتها - عدم مراعاة جهة الإدارة ذلك - أثر ذلك: مخالفة جهة الإدارة للقانون - أساس ذلك: قرار اللجنة الطبية من وجود المرض من عدمه مؤثر في وجود سبب قرار إنهاء الخدمة - مبادرة جهة الإدارة بإنهاء خدمة ضابط الشرطة دون الرجوع إلى المجلس الطبي بهيئة الشرطة بعد أن أبدى الضابط عذر المرض - القرار في هذه الحالة مخالف للقانون متعين الإلغاء - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الأربعاء الموافق 10/ 10/ 1990 أودع الأستاذ/ سعد عبد الواحد حماد المحامي بصفته وكيلاً عن السيد....... بموجب التوكيل الرسمي العام 3843 لسنة 90 توثيق الوايلي قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها العام تحت رقم 40 لسنة 37 ق عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة الجزاءات) في الدعوى رقم 803 لسنة 41 ق بجلسة 7/ 5/ 1990 والقاضي بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد وإلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن في ختام تقرير الطعن وللأسباب الواردة به الحكم بقبول الطعن شكلاً وبوقف تنفيذ وإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد والحكم بقبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد وبإلغاء القرار المطعون فيه رقم 82 لسنة 1986 الصادر من وزير الداخلية بإنهاء خدمة الطاعن اعتباراً من 16/ 9/ 1985 واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وبتاريخ 13/ 10/ 1990 أعلن المطعون ضده بتقرير الطعن.
وتم تحضير الطعن أمام هيئة مفوضي الدولة التي أعدت تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم قبول الدعوى شكلاً وبقبولها وبإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة التي قررت بجلسة 20/ 2/ 1991 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) وحددت لنظره أمامها جلسة 5/ 3/ 1991 حيث تدوول أمامها على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 28/ 1/ 1992 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إنه عن شكل الطعن فإنه لما كان الحكم المطعون فيه صدر بجلسة 7/ 5/ 1990 وأودع الطاعن سكرتارية لجنة المساعدة القضائية طلب إعفاء بتاريخ 27/ 6/ 1990 قيد تحت رقم 226 لسنة 36 ق وقررت اللجنة قبوله بتاريخ 5/ 9/ 1990 وتم إيداع تقرير الطعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا في 10/ 10/ 1990 أي خلال ميعاد الستين يوماً المنصوص عليه في المادة 44 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة وإذ استوفى الطعن سائر الأوضاع الشكلية فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إنه عن الموضوع فإن وقائع المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 13/ 11/ 1986 أقام الطاعن ضد المطعون ضده الدعوى رقم 803 لسنة 41 ق بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري (دائرة الجزاءات) طالباً في ختامها الحكم أولاً: وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار وزير الداخلية رقم 82 لسنة 1986 بإنهاء خدمته اعتباراً من 16/ 9/ 1985 لانقطاعه عن العمل. ثانياً: وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 82 لسنة 1986 المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات، وقال شرحاً لدعواه: إنه ضابط شرطة بمديرية أمن سوهاج وبتاريخ 11/ 2/ 1984 رشح لفرقة تنتهي في 16/ 3/ 1985 وقد اجتاز هذه الفرقة بنجاح إلا أن المرض أقعده عن العودة إلى عمله عقب انتهاء الفرقة التدريبية ومنح إجازة مرضية في الفترة من 17/ 3/ 1985 حتى 15/ 9/ 1985 ولم يستطع العودة إلى عمله بعد انتهاء إجازته المرضية لاشتداد المرض عليه ومنح إجازة مرضية من 16/ 9/ 1985 حتى 1/ 3/ 1986 نتيجة إصابته بانزلاق غضروفي وذلك طبقاً لقرار قومسيون طبي الشرطة الصادر بتاريخ 25/ 2/ 1986 ورغم حالته المرضية فقد فوجئ بإخطاره بقرار وزير الداخلية رقم 82 لسنة 1986 المطعون فيه بإنهاء خدمته للانقطاع عن عمله بدون عذر.
ونعى المدعي على القرار المطعون فيه صدوره غير مستند على أي أساس من الواقع أو القانون لأن انقطاعه كان بسبب المرض مما يجعل القرار منعدماً لانعدام سببه وانتهى المدعي في ختام عريضة دعواه إلى طلب الحكم بطلباته السالفة الإشارة إليها.
وتدوول نظر الحكم أمام محكمة القضاء الإداري على النحو المبين بمحاضر جلساتها وبجلسة 7/ 5/ 1990 قضت بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد وألزمت المدعي المصروفات وأقامت المحكمة قضاءها على أن القرار المطعون فيه صدر في 17/ 2/ 1986 وقرر المدعي بصحيفة الدعوى أنه قدم طلباً للجهة الإدارية بتاريخ 23/ 2/ 1986 لإعادته إلى عمله ومن ثم فإنه اعتباراً من هذا التاريخ يعتبر المدعي قد علم على وجه اليقين بصدور قرار إنهاء خدمته المطعون فيه وحتى مع افتراض أن المدعي قد تظلم من قرار إنهاء خدمته في الطلب المقدم منه بتاريخ 23/ 2/ 1986 وإزاء عدم رد الجهة الإدارية على تظلمه خلال ستين يوماً من تاريخ تقديمه فقد كان يتعين عليه أن يراعي مواعيد دعوى الإلغاء فيرفعها في موعد غايته 23/ 6/ 1986 ولما كان المدعي قد أقام دعواه بتاريخ 13/ 11/ 1986 أي بعد فوات المواعيد القانونية المقررة ومن ثم يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد، ولا يغير من ذلك ما يتمسك به المدعي من أن القرار المطعون فيه قرار معدوم يجوز الطعن فيه في أي وقت دون التقيد بمواعيد دعوى الإلغاء ذلك بأنه ينظر في تقدير مشروعية القرار إلى الملابسات التي أحاطت به وقت صدوره والمدعي وقت صدور القرار كان منقطعاً عن عمله عقب انتهاء إجازاته المرضية وتم إنذاره بضرورة عرض نفسه على القومسيون الطبي بهيئة الشرطة للكشف عليه إلا أنه تقاعس عن ذلك فصدر القرار المطعون فيه قائماً على سببه ومطابقاًً للقانون ولا عبرة بالظروف التي جدت بعد صدور القرار لا سيما وأن القومسيون الطبي وقع الكشف الطبي على المدعي بعد انتهاء خدمته وانفصام الرابطة الوظيفية بينه وبين الجهة الإدارية مما يجعل قرار القومسيون الطبي عديم الأثر قانوناً ويضحى القول بانعدام القرار المطعون فيه هو مجرد زعم لا أساس له من القانون ويتعين إهداره والالتفات عنه.
وإذ لم يلق حكم محكمة القضاء الإداري المشار إليه قبولاً لدى الطاعن فقد أقام طعنه الماثل تأسيساً على أن الحكم المذكور قد صدر مخالفاً للقانون للأسباب الآتية:
أولاً: أن الطاعن تقدم بتاريخ 31/ 5/ 1986 بطلب المساعدة القضائية أمام هيئة مفوضي الدولة لمحكمة القضاء الإداري قيد تحت رقم 98 لسنة 40 معافاة وقد استخرج شهادة تفيد تقديمه هذا الطلب والذي قضى فيه بجلسة 15/ 12/ 1986 برفضه إلا أنه قبل صدور قرار الرفض كان قد أقام الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه بتاريخ 13/ 11/ 1986، كما أن الطاعن عندما علم بالقرار المطعون فيه في 17/ 2/ 1986 بادر إلى تقديم تظلمه بتاريخ 23/ 2/ 1986 ملتمساً إعادته إلى عمله رغم أنه كان مريضاً وفي إجازة مرضية.
ثانياً: أنه لا يجوز توجيه الإنذار المنصوص عليه في المادة 73/ 1 من القانون رقم 109 لسنة 1971 إلى مريض أبلغ عن مرضه، كما لا يجوز إعمال حكم هذه المادة إلا في حالة الانقطاع بدون إبلاغ أو بدون عذر مقبول وأن الطاعن قد أنهيت خدمته وهو في الإجازة المرضية المعتمدة من السلطة المختصة قانوناً بمنحها وهي المجلس الطبي المتخصص بهيئة الشرطة.
ثالثاً: أن الحكم المطعون فيه قطع بفوات المواعيد القانونية المقررة لرفع دعوى الإلغاء ثم تعرض بعد ذلك إلى بحث دفاع الطاعن بانعدام القرار المطعون فيه وذلك يعد قصوراً في التسبيب لأنه لا يتصور نفي الانعدام بعد القطع بفوات المواعيد المقررة قانوناً لرفع دعوى الإلغاء.
رابعاً: أن الحكم المطعون فيه قد افترض دون بحث صحيح وبالمصادرة على المطلوب أن قرار إنهاء خدمة الطاعن قد صدر متفقاً مع النظام القانوني المنصوص عليه في المادة 73/ 1 المشار إليها بالمخالفة للثابت من عدم قيام جهة الإدارة بالامتناع عن إحالة الطاعن إلى القومسيون الطبي لتوقيع الكشف الطبي عليه إذ إن الثابت أنها قد أحالته لذلك الكشف.
وأثناء نظر الطعن قدم الطاعن حافظة مستندات وثلاث مذكرات دفاع خلص فيها إلى طلب الحكم له بطلباته المبينة بتقرير الطعن وبجلسة 28/ 1/ 1992 أودعت هيئة قضايا الدولة حافظة مستندات طويت على أربعة مستندات ومذكرة دفاع عقبت فيها على دفاع الطاعن وانتهت إلى طلب الحكم برفض الطعن مع إلزام الطاعن بالمصروفات كما تم - بناء على قرار للمحكمة - ضم الملف الخاص بطلب الإعفاء رقم 98 لسنة 40 ق المقدم من الطاعن إلى السيد المستشار رئيس لجنة المساعدة القضائية بهيئة مفوضي الدولة.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من أوجه الطعن فإن المادة 24 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة تنص على أن "ميعاد رفع الدعوى أمام المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوماً من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه في الجريدة الرسمية أو في النشرات المصلحية التي تصدرها المصالح العامة أو إعلان صاحب الشأن به.
وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو الهيئات الرئاسية، ويجب أن يبت في التظلم قبل مضي ستين يوماً من تاريخ تقديمه وإذا صدر القرار بالرفض وجب أن يكون مسبباً، ويعتبر مضي ستين يوماً على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات المختصة بمثابة رفضه ويكون ميعاد رفع الدعوى بالطعن في القرار الخاص بالتظلم ستين يوماً من تاريخ انقضاء الستين يوماً المذكورة.
ومن حيث إن المحكمة الإدارية العليا قد استقر قضاؤها على أن تقديم طلب المساعدة القضائية يقطع ميعاد دعوى الإلغاء.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن القرار المطعون فيه صدر في شهر فبراير 1986 وأخطر به الطاعن وتظلم منه في 24/ 2/ 1986 بالتظلم المرفقة صورته بحافظة المستندات المقدمة من هيئة قضايا الدولة ولعدم قيام الجهة الإدارية بالرد على تظلمه خلال مدة الستين يوماً المحددة قانوناً لرفع دعوى الإلغاء التالية لتحقيق قرينة الرفض الضمني للتظلم والمتمثلة في فوات ستين يوماً على تقديم التظلم إلى جهة الإدارة دون أن تجيب عنه، تقدم الطاعن في 31/ 5/ 1986 بطلب إعفاء من الرسوم القضائية قيد تحت رقم 98 لسنة 40 معافاة، وتقرر رفض هذا الطلب بجلسة 15/ 12/ 1986.
وغني عن البيان أن أثر طلب الإعفاء في قطع ميعاد رفع الدعوى ظل قائماً حتى التاريخ المذكور، ولما كان الطاعن قد أقام دعواه أمام محكمة القضاء الإداري بتاريخ 13/ 11/ 1986 أي قبل البت في طلب الإعفاء فإنه من ثم تكون دعواه مقبولة شكلاً، ذلك أن ميعاد الستين يوماً كان ما زال مفتوحاً عند رفع الدعوى.
وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى غير ذلك فإنه يكون قد صدر على هذا النحو مخالفاً للقانون جديراً بالإلغاء.
ومن حيث إن الدعوى مهيأة للفصل في موضوعها بعد أن أبدى أصحاب الشأن دفاعهم وقدموا مستنداتهم المتعلقة بالنزاع.
ومن حيث إن المادة 73 من قانون هيئة الشرطة الصادر بالقانون رقم 109 لسنة 1971 تنص على أن "يعتبر الضابط مقدماً استقالته في الأحوال الآتية: (1) إذا انقطع عن عمله بغير إذن أكثر من خمسة عشر يوماً متتالية ولو كان الانقطاع عقب إجازة مرخص له بها ما لم يقدم خلال الخمسة عشر يوماً التالية ما يثبت أن انقطاعه كان بعذر مقبول...... فإذا لم يقدم الضابط أسباباً تبرر الانقطاع أو قدم هذه الأسباب ورفضت اعتبرت خدمته منتهية من تاريخ انقطاعه عن العمل ويتعين إنذار الضابط كتابة بعد انقطاعه لمدة خمسة أيام ويوجه إليه الإنذار في محل إقامته المعروف لرئاسته.......".
والمستفاد من حكم هذا النص أن مجال إعماله باعتبار خدمة الضابط منتهية للانقطاع عن العمل إنما يكون في حالتين الأولى: وهي التي لم يقدم فيها الضابط أسباباً تبرر انقطاعه عن العمل، والثانية: إذا قدم فيها الضابط هذه الأسباب ورفضتها جهة الإدارة كعذر يبرر الانقطاع، فإذا كانت طبيعة العذر مما تقدره جهة فنية ناط بها القانون سلطة البت فيه من النواحي الفنية الخاصة كالمرض فإنه لا يسوغ لجهة الإدارة أن تسارع في إنهاء خدمة الضابط في هذه الحالة قبل أن تعمل الجهة الطبية المختصة سلطتها في تقدير هذا العذر ببيان ما إذا كان الضابط مريضاً فترة انقطاعه من عدمه ما دام قد أبدى هذا العذر في الميعاد القانوني، فإذا لم تراع جهة الإدارة ذلك تكون قد خالفت القانون إذ يتعين عليها عرض الأمر في هذه الحالة على الجهة الطبية المختصة للتحقيق من صحة وجود المرض من عدمه قبل إصدار قرار إنهاء الخدمة بحسبان أن قرار اللجنة الطبية يعتبر مؤثراً في وجود سبب قرار إنهاء الخدمة، ومن ثم فإذا أصدرت جهة الإدارة قرارها بإنهاء خدمة الضابط بعدما أبدى عذر المرض إعمالاً لحكم المادة 73 سالفة الذكر دون أن يكون لديها قرار الجهة الطبية المختصة للتحقق من ثبوت أو عدم ثبوت المرض فإن قرارها يكون على هذا الوجه قد بني على سبب غير صحيح، إذ لا يمكن الجزم في هذه الحالة بأن الضابط غير مريض ما دامت الجهة الطبية لم تقرر ذلك وجهة الإدارة لا يمكنها التحقق من صحة المرض من عدمه إذ يتوقف استعمال سلطتها في هذا الشأن على ما ينتهي إليه قرار اللجنة الطبية المختصة التي ناط بها القانون اختصاصاً في المسائل الفنية التي لا يجوز لجهة الإدارة التصدي بالبت فيها من تلقاء نفسها بحجة أن ظروف الحال قد كشفت لها أن الضابط يتمارض لأنه استمر في انقطاعه عن العمل رغم إنذاره بالعودة، وأنه بذلك يكون قد توافر لديها الدليل على نية هجر الضابط للوظيفة فذلك ليس من صحيح القانون ويخالف ما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا من أن قرينة الاستقالة الضمنية تنتفي إذا أبدى العامل أن سبب انقطاعه عن العمل هو المرض.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الطاعن كان مرخصاً له بإجازة مرضية بقرار من المجلس الطبي المختص بهيئة الشرطة خلال الفترة من 11/ 3/ 1985 حتى 15/ 9/ 1985 لإصابته بانزلاق غضروفي قطني ولم يعد إلى عمله اعتباراً من 16/ 9/ 1985 عقب انتهاء هذه الإجازة المرضية المرخص له بها إلى أن أبلغ باستمرار حالته المرضية بتاريخ 8/ 10/ 1985 وتم إعلانه لتسلم استمارة إحالته للكشف الطبي، وبتاريخ 27/ 12/ 1985 تم تحرير محضر بمعرفة نائب مأمور قسم الظاهر أثبت فيه أقوال الطاعن في شأن إحالته إلى الجهة الطبية المختصة وإنذاره بأنه سيعتبر مستقيلاً في حالة تخلفه عن تنفيذ ما طلب منه.
وبتاريخ 23/ 1/ 1986 وقع الكشف الطبي على الطاعن بمعرفة مجلس طبي وسط القاهرة وكانت نتيجة الكشف انزلاقاً غضروفياً قطنياً مع التهاب بعرق النسا الأيسر، وتمديد شديد بالركبة، وتحسب مدة الانقطاع إجازة مرضية.
وفي شهر فبراير 1986 أعملت جهة الإدارة في شأن الطاعن قرينة الاستقالة الضمنية وصدر قرار إنهاء خدمته على هذا الأساس تطبيقاً لنص المادة 73 سالفة الذكر، في حين أن الطاعن وقبل إعلانه بقرار إنهاء خدمته تقدم إلى المجلس الطبي المتخصص بوزارة الداخلية لإعادة الكشف الطبي عليه بتاريخ 22/ 2/ 1986 الذي قرر اعتماد فترة الانقطاع من 16/ 9/ 1985 حتى 1/ 3/ 1986 إجازة مرضية لإصابته بذات الأعراض وهي انزلاق غضروفي بالفقرات القطنية مع التهاب بالعصب الأسفل الأيسر ولم تنازع الجهة الإدارية في صحة ما أثبته المجلس الطبي التابع لها من مرض الطاعن خلال المدة التي انقطع فيها عن عمله اعتباراً من 16/ 9/ 1985، وبالتالي فإن جهة الإدارة ما كان لها أن تسارع بإصدار القرار المطعون فيه رقم 82 لسنة 1986 قبل أن يعمل المجلس الطبي المذكور سلطته في تقدير العذر الذي أبداه الطاعن وهو المرض تبريراً لانقطاعه عن العمل اعتباراً من 16/ 9/ 1985، أما عن قول جهة الإدارة بأن قرار المجلس الطبي المتخصص في شأن الطاعن كان في تاريخ لاحق على تاريخ صدور القرار المطعون فيه وقت إن كان من غير المخاطبين بأحكام قانون هيئة الشرطة، هذا القول مردود بأن المرض في حد ذاته يشكل بلا ريب عذراً يحول بين الطاعن وعودته لتسلم العمل وفي ذات الوقت يحول أيضاً دون قيام القرينة على انصراف نيته في الاستقالة كسبب يجيز إنهاء خدمته طبقاً لما تقضي به أحكام المادة 73/ 1 من قانون هيئة الشرطة الصادر به القانون رقم 109 لسنة 1971، ومن ثم ينتفي معه القول بأن انقطاع الطاعن عن العمل كان للاستقالة الضمنية.
ومن حيث إنه متى كان الثابت على الوجه المتقدم أن الجهة الإدارية المطعون ضدها قد أصدرت القرار المطعون فيه قبل أن يثبت لها على وجه مطابق للقانون صحة السبب الذي استندت إليه في إصدارها لهذا القرار وهو الذي أفصحت عنه بأنه للانقطاع عن العمل اعتباراً من 16/ 9/ 1985 دون الرجوع إلى المجلس الطبي بهيئة الشرطة بعدما أبدى الطاعن عذر المرض خاصة وأنه سبق له أن حصل عن الفترة السابقة على الانقطاع على إجازة مرضية بقرار المجلس الطبي المذكور وهي الفترة من 17/ 3/ 1985 حتى 15/ 9/ 1985 وبالتالي فإن القرار المطعون فيه يكون على هذا الوجه قد صدر مخالفاً للقانون متعين الإلغاء.
ومن حيث إنه استناداً إلى ما تقدم فإنه يتعين الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 82 لسنة 1986 فيما تضمنه من إنهاء خدمة الطاعن للانقطاع عن عمله اعتباراً من 16/ 9/ 1985 وما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إنه عن المصروفات فتلتزم بها الجهة الإدارية المطعون ضدها عن درجتي التقاضي عملاً بالمادة 184 من قانون المرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار المطعون فيه رقم 82 لسنة 1986 وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجهة الإدارية المطعون ضدها المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق