جلسة 19 من نوفمبر سنة 1987
برياسة السيد المستشار/ قيس الرأي عطية نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد نجيب صالح نائب رئيس المحكمة, عوض جادو نائب رئيس المحكمة, عبد الوهاب الخياط وعبد اللطيف أبو النيل.
---------------
(184)
الطعن رقم 1468 لسنة 57 القضائية
(1) قانون "تفسيره" "تطبيقه". اختصاص "اختصاص القضاء العسكري".
خضوع ضابط وأفراد هيئة الشرطة لقانون الأحكام العسكرية. مقصور على الجرائم النظامية البحتة أساس ذلك؟
(2) قانون "تفسيره" "التفويض التشريعي". قرارات وزارية. لوائح.
صحة القرار الصادر بموجب التفويض التشريعي. رهينة بعدم وجود تضاد بينه وبين نص القانون المحدد لأوضاعه وشروطه.
تطبيق نص القانون. عند التعارض بينه وبين نص وارد في لائحة أو قرار. واجب. مؤدى ذلك؟
(3) قانون "إلغاؤه". اختصاص "الاختصاص الولائي". محاكم عسكرية. محاكم عادية. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم إلغاء التشريع إلا بتشريع لاحق أعلى منه أو مساو له في مدارج التشريع الإلغاء الصريح والإلغاء الضمني للقانون؟
اختصاص المحاكم العادية بجرائم القانون العام. التي يرتكبها أفراد هيئة الشرطة. أساس ذلك؟
(4) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل" إثبات. "اعتراف". إكراه. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات. حق لمحكمة الموضوع.
صحة أخذ المحكمة باعتراف المتهم في تحقيقات النيابة. ولو عدل عنه.
(5) دعوى مدنية "الصفة فيها". حكم "تسبيبه تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق ابنة المجني عليه في المطالبة بالتعويض عما أصابها من ضرر شخصي من جراء وفاة أبيها. بصرف النظر عن حقها في الميراث.
(6) ضرب "أفضى إلى موت". عقوبة "تطبيقها" نقض "حالات الطعن. الخطأ في تطبيق القانون". محكمة النقض "سلطتها" "الحكم في الطعن".
إنزال الحكم بالطاعن عقوبة تزيد عن الحد الأقصى المقرر للجريمة. خطأ في القانون. كون العيب الذي شاب الحكم مقصوراً على الخطأ في تطبيق القانون. أثر ذلك: وجوب تصحيح الخطأ والحكم وفقاً للقانون.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: ضرب... عمداً بمطواة فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يكن يقصد من ذلك قتلاًًًًًً ولكن الضرب أفضى إلى موته. وأحالته إلى محكمة جنايات... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعت... مدنياً قبل المتهم بمبلغ مائة وواحد جنيه علي سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات عما أسند إليه وألزمته بأن يدفع للمدعية بالحقوق المدنية مبلغ مائة وواحد جنيه علي سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الضرب المفضي إلى الموت وإلزامه بالتعويض المدني المؤقت قد شابه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن الدفاع عن الطاعن أثار دفعاً مؤداه عدم اختصاص القضاء العادي ولائياً بالتحقيق مع الطاعن ومحاكمته وأن الاختصاص بذلك منعقد للقضاء العسكري طبقاً لأحكام القانون رقم 109 سنة 1971 في شأن هيئة الشرطة باعتبار أن الطاعن جندي من أفراد تلك الهيئة، إلا أن الحكم اطرح هذا الدفع ورد عليه بما لا يصلح رداً وبالمخالفة لصريح نصوص القانون والقرارات الوزارية المنفذة له. كما أن الحكم اطرح أيضاً دفاع الطاعن ببطلان الاعتراف المعزو إليه لأنه وليد إكراه مادي بما لا يسوغه وأخيراً، فإن الحكم فصل في الدعوى المدنية وقضى بالتعويض للمدعية بالحق المدني رغم الدفع بعدم قبولها لعدم توافر الدليل على صفة المدعية فيها ودون أن يستظهر انحصار الإرث فيها استناداً إلى الإعلام الشرعي. كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن المادة 99 من القانون رقم 109 سنة 1971 في شأن هيئة الشرطة إذ نصت على أنه "يخضع الضباط بالنسبة للأعمال المتعلقة بقيادة قوة نظامية لقانون الأحكام العسكرية، كما يخضع للقانون المذكور أمناء ومساعدو الشرطة وضباط الصف والجنود ورجال الخفر النظاميون في كل ما يتعلق بخدمتهم. وتوقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية ويحدد وزير الداخلية بقرار منه بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور للجهات المبينة فيه، كما يصدر القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة". فقد دلت بذلك - وعلى ما يبين من وضوح عبارات النص. أنها خاصة بالجرائم النظامية فحسب وليس أدل على ذلك من النص على أن توقيع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية، والجزاءات المنصوص عليها في قانون هيئة الشرطة سواء المتعلقة بالضباط أو بغيرهم كلها جزاءات تأديبية بحتة حتى جزاء الحبس أو السجن وفقاً لقانون الأحكام العسكرية المنصوص عنه في الفقرة 11 من المادة 80 التي عددت الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على أمناء الشرطة، والفقرة 11 من المادة 92 الخاصة بالجزاءات التي يجوز توقيعها على ضباط الصف وجنود الدرجة الأولى، وكذلك الفقرة 11 من المادة 69 الخاصة بالجزاءات التي يجوز توقيعها على رجال الخفر النظاميين. ولا يقدح في ذلك ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للمادة 99 من القانون بأنه ".... وتوقع المحاكم العسكرية متى انعقد لها الاختصاص الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية فلها اختصاص تأديبي إلى ما لها من اختصاص جنائي..." ذلك أن الإحالة إلى الجزاءات المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية رقم 25 سنة 1966 المعدل بالقانون رقم 5 لسنة 1968 بما فيها من جزاءات شبه جنائية إنما يشمل فقط تلك الجزاءات المقررة للجرائم النظامية البحتة وليست العقوبات الجنائية بالمعنى الصحيح والمقررة لجرائم القانون العام - وهذا المعنى واضح من صريح عبارات نص المادة 99 من القانون المذكور والتي لا لبس فيها ولا غموض بل وهو ما يؤكده نص المادة الأولى من قانون هيئة الشرطة والذي جاء فيه أن الشرطة هيئة مدنية نظامية بوزارة الداخلية, وما ورد بالمذكرة الإيضاحية لهذه المادة والتي جاء بها "اختصت المادة الأولى من المشروع بتعريف هيئة الشرطة الواردة في المادة 1 من القانون رقم 61 سنة 1964 من أن الشرطة هيئة مدنية نظامية وبذلك أكدت أن هيئة الشرطة هي هيئة مدنية, فهي جهاز من الأجهزة المدنية بالدولة وليس جهازاً عسكرياً، إلا أنها تفترق عن غيرها من الأجهزة المدنية في أنها ليست مدنية بحتة وإنما هي هيئة نظامية يسود تكوينها علاقات تختلف عن العلاقات المدنية البحتة وخاصة واجب المرؤوس في طاعة رئيسه وواجب الرئيس في قيادة مرؤوسيه والسيطرة على القوة الموضوعة تحت قيادته". وإذن فمتى كان ذلك، وكانت المادة 99 سالفة الذكر قد أتاحت لوزير الداخلية - بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة - تحديد جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور كما أناطت به إصدار القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة، فإن هذا التفويض التشريعي ينحصر فيما نصت عليه هذه المادة ولا يجوز لوزير الداخلية أن يتعدى نطاقه بخلق اختصاصات أخرى غير المنصوص عليها في القانون رقم 992 سنة 1973 بتاريخ 24 من إبريل سنة 1977 في شأن تنظيم القضاء العسكري، متضمناً في المادة الأولى منه النص على اختصاص إدارة القضاء العسكري بتنفيذ قانون الأحكام العسكرية بالنسبة لأفراد هيئة الشرطة ومن ذلك إجراء التحقيق في جرائم القانون العام في الأحوال المنصوص عليها في المادة المذكورة والتصرف في هذه القضايا، كما نص في المادة الثالثة على أن تتولى فروع الادعاء العسكري "النيابة العسكرية اختصاصات النيابة العسكرية المنصوص عليها بالقانون رقم 25 سنة 1966 وكذلك على اختصاص المحكمة العسكرية العليا بنظر الجنايات التي تدخل في اختصاص القضاء العسكري واختصاص المحكمة المركزية بنظر كافة الجنح والمخالفات التي تقع في اختصاصها طبقاً للقانون العام، فإنه يكون قد خرج بذلك عن حدود التفويض التشريعي في كل ما نص عليه متعلقاً بجرائم القانون العام. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن صحة القرار الصادر بموجب التفويض التشريعي رهينة بعدم وجود تضاد بينه وبين نص القانون المحدد لأوضاعه وشروطه، وأنه عند التعارض بين نصين أحدهما وارد في القانون والآخر في لائحته التنفيذية فإن النص الأول هو الواجب التطبيق باعتباره أصلاً للائحة، ومن ثم فإن ما ورد في قرار وزير الداخلية سالف الذكر - الذي يعد خروجاً عن حدود التفويض المرسوم له في القانون - لا يعتد به ولا يكون له أي أثر على اختصاصات النيابة العامة المنصوص عليها في القانون كاملة، كما لا يكون له أدنى أثر على اختصاص المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة - دون سواها - بالفصل في كافة الجرائم إلا ما استثنى بنص خاص عملاً بالفقرة الأولى من المادة 15 من قانون السلطة القضائية رقم 46 سنة 1972، ويستوي في ذلك أن تكون الجريمة معاقباً عليها بموجب القانون العام أو بمقتضى قانون خاص. وإذ كان من المقرر أن التشريع لا يلغى إلا بتشريع لاحق له أعلى منه أو مساو له في مدارج التشريع ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع، وإذ كان الثابت أن قانوناً لاحقاً لم يصدر استثنى أفراد هيئة الشرطة من اختصاص المحاكم العادية فيما يتعلق بجرائم القانون العام، فإن القول بعدم اختصاص القضاء العادي بنظر الدعوى استناداً إلى القرار الوزاري سالف الذكر والقرارات المعدلة له، غير جائز. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد اتبع هذا النظر فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً ويكون النعي عليه بمخالفته غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من اعترافه بالتحقيقات، وما ورد بتحريات الشرطة وتقرير الصفة التشريحية، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض للدفع ببطلان اعتراف الطاعن في التحقيقات لأنه وليد إكراه واطرحه في قوله: "وحيث إن المحكمة لا تعول على إنكار المتهم الذي أخلد إليه أمامها وتطمئن إلى اعترافه في التحقيقات لما بان لها من ظروف الحال أنه اعتراف سليم صدر منه طواعية واختياراً أمام سلطة التحقيق المختصة بغير ما تعارض مع ما انتهى إليه تقرير الصفة التشريحية ومن ثم تأخذه بمدلوله مؤيداً بباقي ما اطمأنت إليه من أدلة الثبوت وتطرح ما أثاره المدافع عنه من قول جاء مرسلاً بلا سند صحيح من أوراق الدعوى وتحقيقاتها". وهذا الذي أورده الحكم سائغاً وكافياً للرد على هذا الدفع لما هو مقرر من أن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، فلها تقدير عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن اعترافه نتيجة إكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيمه على أسباب سائغة، ولا يغير من ذلك عدول الطاعن عن اعترافه وإنكاره بجلسة المحاكمة الاتهام المسند إليه، إذ أنه من المقرر أنه لا على الحكم أن يأخذ باعتراف المتهم في تحقيقات النيابة لبراءته مما يشوبه من عيب الإكراه واطمئناناً من المحكمة إلى صدقه ومطابقته للواقع ولو عدل عنه بعد ذلك، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت أن المدعية بالحقوق المدنية هي ابنة المجني عليه - على ما يبين من الاطلاع على بطاقتها الشخصية التي أوردها الحكم بمدوناته - وهو ما لم يجحده الطاعن، وكان ثبوت الإرث لها أو عدم ثبوته لا يقدح في صفتها كابنة المجني عليه، وكونها قد أصابها ضرر من جراء فقد والدها نتيجة الاعتداء الذي وقع عليه والذي أودى بحياته، وكانت الدعوى المدنية إنما قامت على ما أصابها من ضرر مباشر لا على انتصابها مقام والدها المجني عليه من أيلولة حقه في الدعوى إليها، فإن منعى الطاعن في هذا الصدد يكون غير صحيح. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً. لما كان ذلك، وكانت عقوبة جريمة الضرب المفضي إلى الموت - بغير سبق إصرار أو ترصد - كنص الفقرة الأولى من المادة 236 من قانون العقوبات هي الأشغال أو السجن من ثلاث سنوات إلى سبع. ولما كان الحكم المطعون فيه قد قضى بمعاقبة الطاعن بالأشغال الشاقة لمدة عشرة سنوات وهي عقوبة تزيد عن الحد الأقصى المقرر قانوناً فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، ومن ثم فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً وتصحيحه وذلك بمعاقبة الطاعن بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات فضلاً عن التعويض المدني والمصاريف المدنية والجنائية وأتعاب المحاماة المقضى بها، عملاً بالحق المخول لمحكمة النقض بالمادة 35 من قانون رقم 57 سنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، من نقض الحكم لمصلحة المتهم إذا تعلق الأمر بمخالفة القانون ولو لم يرد هذا الوجه في أسباب الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق