الدعوى رقم 58 لسنة 42 ق "دستورية" جلسة 16 / 1 / 2022
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد السادس عشر من يناير سنة 2022م،
الموافق الثالث عشر من جمادى الآخر سنة 1443 ه.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمد غنيم
والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان وطارق عبدالعليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد
والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / عوض عبدالحميد عبدالله رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 58 لسنة 42 قضائية "دستورية" بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بدمياط، بحكمها الصادر بجلسة 25/6/2020، ملف الدعوى رقم 317 لسنة 8 قضائية.
المقامة من
.......
ضد
1- محافظ دمياط
2- وكيل الوزارة لمديرية الصحة بدمياط
3- وزير الصحة
4- مساعد الوزير للشئون المالية والإدارية
5- رئيس أمانة المراكز الطبية المتخصصة
الإجراءات
بتاريخ الثالث عشر من أكتوبر سنة 2020، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الدعوى رقم 317 لسنة 8 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري بدمياط بجلسة 25/6/2020، بوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية عبارة " ولو عوقب تأديبيًا عن مدد الانقطاع غير المتصل "، الواردة بالمادة (176) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1216 لسنة 2017.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًا: بعدم قبول الدعوى،
واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 4/12/2021، وفيها قررت
المحكمة إصدار الحكم في الدعوى بجلسة 1/1/2022، ثم قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة
اليوم.
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أن المدعية في الدعوى الموضوعية، كانت قد أقامت الدعوى رقم 317 لسنة 8 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري بدمياط، ضد وزير الصحة والسكان، وآخرين، طالبة الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار رقم 4536 لسنة 2018، الصادر بإنهاء خدمتها. وذكرت شرحًا لدعواها أنها كانت تعمل بوظيفة مساعدة ممرضة، بالمركز التخصصي للقلب والجهاز الهضمي منذ تعيينها في 5/10/2010، وحصلت على إجازة رعاية طفل في الفترة من 2/6/2018 إلى 1/6/2019، إلا أنها علمت بصدور القرار المطعون فيه بإنهاء خدمتها للانقطاع عن العمل. ونعت على هذا القرار مخالفته صحيح حكم القانون، لصدوره من غير مختص بإصداره، وبناء على تحقيق إداري لم تخطر به، فضلاً عن أن مدة الانقطاع لم تكن قد اكتملت؛ الأمر الذي حدا بها إلى إقامة دعواها بطلباتها السالف بيانها. وإذ تراءى للمحكمة أن عبارة " ولو عوقب تأديبيًا عن مدة الانقطاع غير المتصل "، التي تضمنها نص المادة (176) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 81 لسنة 2016 المشار إليه، تخالف أحكام المادتين (4 و170) من الدستور؛ فقد أحالت أوراق الدعوى إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية ذلك النص.
وحيث إن المادة (46) من قانون
الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، تنص على أنه " تحدد السلطة
المختصة أيام العمل في الأسبوع ومواقيته وتوزيع ساعاته وفقًا لمقتضيات المصلحة
العامة، على ألا يقل عدد ساعات العمل الأسبوعية عن خمس وثلاثين ساعة ولا يزيد على
اثنتين وأربعين ساعة.
وتخفض عدد ساعات العمل اليومية بمقدار ساعة للموظفين ذي الإعاقة،
والموظفة التي ترضع طفلاً حتى بلوغه العامين، والحالات الأخرى التي تبينها اللائحة
التنفيذية.
ولا يجوز للموظف أن ينقطع عن عمله إلا لإجازة يُرخص له بها في حدود الإجازات المقررة في هذا القانون، ووفقًا للضوابط والإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية، وإلا حُرم من أجره عن مدة الانقطاع دون الإخلال بمسئوليته التأديبية ".
وتنص المادة (69) من القانون
ذاته على أنه " تنتهى خدمة الموظف لأحد الأسباب الآتية:
1- بلوغ سن الستين بمراعاة أحكام قانون
التأمين الاجتماعي ........
2- الاستقالة.
3- الإحالة إلى المعاش أو الفصل من الخدمة.
4- فقد الجنسية، ...............
5- الانقطاع عن العمل بدون إذن خمسة عشر يومًا متتالية ما لم يقدم
خلال الخمسة عشر يومًا التالية ما يثبت أن الانقطاع كان بعذر مقبول.
6- الانقطاع عن العمل بدون إذن ثلاثين يومًا غير متصلة في السنة.
7- عدم اللياقة للخدمة صحيًّا وذلك بقرار من المجلس الطبي المختص".
وتنص المادة (176) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية المشار إليه، الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1216 لسنة 2017 على أنه " إذا انقطع الموظف عن عمله بدون إذن خمسة عشر يومًا متتالية، ولم يقدم خلال الخمسة عشر يومًا التالية ما يثبت أن انقطاعه كان بعذر مقبول، أو إذا انقطع الموظف عن عمله بدون إذن ثلاثين يومًا غير متصلة في السنة ولو عوقب تأديبيًا عن مدد الانقطاع غير المتصل، يجب على السلطة المختصة أو من تفوضه إنهاء خدمته من تاريخ انقطاعه المتصل عن العمل، أو من اليوم التالي لاكتمال انقطاعه غير المتصل".
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية - وهى شرط لقبولها - مناطها – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع، أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع يدور حول وقف تنفيذ ثم إلغاء القرار رقم 4536 لسنة 2018 بإنهاء خدمة المدعية في الدعوى الموضوعية لانقطاعها عن العمل بدون إذن مدة ثلاثين يومًا غير متصلة في السنة، رغم مساءلتها تأديبيًا عن بعض مدد هذا الانقطاع، وقد استند ذلك القرار لما تضمنته المادة (176) من اللائحة التنفيذية المشار إليها، من النص على أن " ولو عوقب تأديبيًا عن مدد الانقطاع غير المتصل "، لتغدو المصلحة متحققة بالنسبة لها، إذ يكون للقضاء في دستورية هذه العبارة أثره وانعكاسه على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها، وهو ما يتعين معه رفض الدفع الذي أبدته هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرط المصلحة.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال - في النطاق المتقدم - مخالفته مبدأ العدالة المنصوص عليه في المادة (4) من دستور سنة 2014، وكذلك أنه خرج على حدود سلطة إصدار اللوائح التنفيذية المقررة بنص المادة (170) من الدستور، باستحداثه حكمًا بعيدًا عن روح التشريع ومراميه.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور هو القانون الأساسي الأعلى الذي يرسى القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ويحدد السلطات العامة، ويرسم لها وظائفها، ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، ويقرر الحريات والحقوق العامة، ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها. ومن ثم، فقد تميز الدستور بطبيعة خاصة تضفى عليه السيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات وموئلها، وعماد الحريات الدستورية، وأساس نظامها، وحق لقواعده أن تستوى على القمة من البناء القانوني للدولة، وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام باعتبارها أسمى القواعد الآمرة التي يتعين على الدولة التزامها في تشريعاتها، وفى قضائها، وفيما تمارسه من سلطات تنفيذية، دون أية تفرقة أو تمييز في مجال الالتزام بها، بين السلطات العامة الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية. وإذ كان خضوع الدولة بجميع سلطاتها لمبدأ سيادة الدستور أصلاً مقررًا، وحكمًا لازمًا، لكل نظام ديمقراطي سليم، فإنه يتعين على كل سلطة عامة، أيًّا كان شأنها، وأيًّا كانت وظيفتها، وطبيعة الاختصاصات المسندة إليها، أن تنزل على قواعد الدستور ومبادئه، وأن تلتزم حدوده وقيوده، فإن هى خالفتها، أو تجاوزتها، شاب عملها عيب مخالفة الدستور، وخضعت - متى انصبت المخالفة على قانون أو لائحة - للرقابة القضائية التي عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا بوصفها الهيئة القضائية العليا التي اختصها دون غيرها بالفصل في دستورية القوانين واللوائح، بغية الحفاظ على أحكام الدستور، وصونها وحمايتها من الخروج عليها.
وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها - منذ دستور سنة 1923 - على تقرير الحقوق والحريات العامة في صلبها، قصدًا من المشرع الدستوري أن يكون النص عليها في الدستور قيدًا على المشرع العادي فيما يسنه من قواعد وأحكام، وفى حدود ما أراده الدستور لكل منها، فإذا خرج المشرع فيما يقره من تشريعات على هذا الضمان الدستوري، وعن الإطار الذي عينه الدستور له، بأن قيد حرية أو حقًّا أو أهدر أو انتقص من أيهما تحت ستار التنظيم الجائز دستوريًّا، وبالمخالفة للضوابط الحاكمة له، وقع عمله التشريعي في حومة مخالفة أحكام الدستور.
وحيث إن الدستور قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ العدل، باعتباره إلى جانب مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصون وحدته الوطنية، يستلهمه المشرع وهو بصدد مباشرة سلطته في التشريع؛ وبمراعاة أن النصوص القانونية التي ينظم بها المشرع موضوعًا محددًا – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - لا يجوز أن تنفصل عن أهدافها، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يصدر عن فراغ، ولا يعتبر مقصودًا لذاته، بل مرماه إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها، وتعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي أقام المشرع عليها هذا التنظيم باعتباره أداة تحقيقها، وطريق الوصول إليها.
وحيث إن الدستور قد عُنى في المادة (14) منه بكفالة حق المواطنين في شغل الوظائف العامة على أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة، وجعل شغل الوظائف العامة تكليفًا للقائمين بها لخدمة الشعب، وناط بالدولة كفالة حقوق شاغلي الوظائف العامة وحمايتهم، وقيامهم بأداء واجباتهم في رعاية مصالح الشعب، وحظر فصلهم بغير الطريق التأديبي، إلا في الأحوال التي يحددها القانون.
وحيث إن حق العمل وتولى الوظائف العامة، وفقًا لنصى المادتين (12، 14) من الدستور، ليس من الرخص التي تقبضها الدولة أو تبسطها وفق إرادتها، ليتحدد على ضوئها من يتمتعون بها أو يمنعون عنها، وإنما قرره الدستور باعتباره شرفًا لمن يلتمس الطريق إليه من المواطنين، وواجبًا عليهم أداؤه، وحقًا لا ينهدم، فلا يجوز إهداره أو تقييده بما يعطل جوهره، بل يعتبر أداؤه واجبًا لا ينفصل عن الحق فيه، ومدخلاً إلى حياة لائقة قوامها الاطمئنان على غد أفضل.
وحيث إن مبدأ استمرار المرافق العامة في أداء رسالتها يوجب على الدولة وموظفيها أن يعملوا على ضمان سيرها بانتظام واطراد، فالموظف بقبوله للوظيفة العامة يكون قد أخضع نفسه لكل الالتزامات المترتبة على ذلك المبدأ، إذ إن لكل وظيفة حقوقها وواجباتها، فلا تقابل مزاياها بغير مسئولياتها، ولا يكون وصفها وترتيبها منفصلاً عن متطلباتها التي تكفل للمرافق التي يديرها موظفوها حيويتها واطراد تقدمها.
وحيث إن المشرع بإصداره قانون الخدمة المدنية، الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، قد تبنى منهجًا جديدًا في تنظيمه للوظيفة العامة، وما يتصل بها من أوضاع، غايرت قواعده العديد من الأحكام التي تضمنتها التشريعات السابقة عليه، على النحو الذي رآه، وفقًا لسلطته التقديرية، أكثر تحقيقًا لدور الوظيفة العامة في المجتمع، وضمان سير المرافق العامة بانتظام واطراد. وقد أوضحت ذلك المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون الخدمة المدنية المشار إليه، حين بينت العلة من مغايرة الأحكام التي تضمنتها مواده، لأحكام مواد قانون العاملين المدنيين بالدولة السابق عليه، الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، ممثلة في أن " التجربة العملية خلال الفترة الماضية كشفت عن الحاجة الملحة لوضع إطار قانوني جديد ينظم شئون الخدمة المدنية لمواجهة التحديات الراهنة على صعيد الإصلاح الإداري، لا سيما أنه قد رُفعت بشأن قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 ملايين الدعاوى القضائية، وأصدرت المحكمة الدستورية العليا أكثر من حكم بعدم دستورية بعض أحكامه، وصدرت بشأنه آلاف الفتاوى من مجلس الدولة، وآلاف الكتب الدورية من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، لتفسير ما غمُض به من أحكام، وتدخل المشرع سبعَ عشرة مرة لتعديل بعض أحكامه في محاولة منه لإصلاح ما في هذا القانون من ثغرات أدت – في ظل غياب الشفافية خاصة في مجال التعيينات، وغياب نظام موضوعي لتقييم أداء الموظفين، ووجود نظام أجور معقد، وغير واضح، وغير عادل، ويرسخ للتفاوت الشديد غير المبرر في الدخول – إلى تغول البيروقراطية في الجهاز الإداري. ومن ثم، تدنى الخدمات المقدمة للمواطنين. ومن هذا المنطلق كانت الحاجة ماسة إلى وضع قانون للخدمة المدنية يقوم على فلسفة جديدة – مغايرة تمامًا للفلسفة القائمة – مفادها حصول المواطن على الخدمة الحكومية بأعلى جودة، وبشفافية مطلقة، ونزاهة تامة. فالرؤية الأساسية للإصلاح الإداري هي إيجاد جهاز إداري ذي كفاءة وفاعلية، يتسم بالشفافية والعدالة، ويخضع للمساءلة، ويُعنى برضا المواطن، ويحقق الأهداف التنموية للبلاد، مستندًا إلى مبادئ الحوكمة الرشيدة كأساس لنظام العمل ".
وحيث إن الواضح من استعراض أحكام المادة (176) من اللائحة التنفيذية المشار إليها، أن المشرع في مجال سعيه لمواجهة مقتضيات الواقع ومتطلباته المتجددة، وتحقيق التوازن الذي أوجبته المادة (27) من الدستور بين الحق في الوظيفة العامة كحق شخصي للمواطنين، وما يرتبط به من حقوق كفلتها المادتان (12، 14) من الدستور، وبين الوظيفة العامة كتكليف للقائمين بها، غايته خدمة الشعب ورعاية مصالحه، الذي يعد تحقيقه واجبًا والتزامًا دستوريًا على عاتق الموظف، ويضمن المحافظة على سير المرافق العامة بانتظام واطراد، باعتبار أن مداومة القائمين على الوظيفة العامة في أداء مهامهم وواجباتهم الوظيفية، أحد أهم الدعامات التي تكفل تحقيق تلك الغايات والأهداف، ومن أجلها أجاز المشرع للجهة الإدارية مساءلة الموظف تأديبيًا عن مدد انقطاعه عن العمل غير المتصلة، ولو انتهت تلك المساءلة بعقابه تأديبيًا عنها، كأحد الوسائل القانونية التي خولها المشرع للجهة الإدارية لتحقيق الردع الخاص للموظف من خلال الجزاء العادل، الذي يتناسب مع المخالفة التأديبية المنسوب له ارتكابها، ويكفل إلى جانب تحقيق الانضباط الوظيفي، حث الموظف على الوفاء بالتزامه القانوني بالانتظام في العمل، والاضطلاع بالمهام الوظيفية الموكلة إليه في خدمة المرفق العام والشعب، وهو ما لا يتعامد – من ثم – في غايته مع إنهاء الخدمة لاكتمال مدد الانقطاع عن العمل غير المتصلة المدة القانونية المبررة لفصم عرى العلاقة الوظيفية، ليغدو سلوك الجهة الإدارية طريق مساءلة الموظف تأديبيًا على النحو المشار إليه سلطة تقديرية لها، يكون اللجوء إليه، وتقدير الضرورة الموجبة له، ومناسبتها لتحقيق الغايات المتقدمة، والتزام القواعد والضوابط القانونية والدستورية الحاكمة لذلك، خاضعًا لتقدير القاضي الطبيعي، باعتباره الضمانة الأساسية لحماية الحقوق والحريات التي كفلها الدستور طبقًا لنصى المادتين (94، 97) منه، وليضحى تقرير هذا الحكم، وتضمينه نص المادة (176) من اللائحة التنفيذية في الحدود المتقدمة، باعتباره الوسيلة التي قررها المشرع، وقدر مناسبتها لتحقيق الأهداف المشار إليها، والتي تعد مدخلاً حقيقيًا لكفالة بلوغ تلك الغايات والأغراض، غير مصادم لمبادئ العدل التي كفلها الدستور في المادة (4) منه، ولا يخالف نص المادة (170) من الدستور، التي خولت رئيس مجلس الوزراء سلطة إصدار اللوائح التنفيذية للقوانين بما ليس فيه تعطيل أو تعديل أو إعفاء من تنفيذها، بعد أن أجازت الفقرة الأخيرة من المادة (46) من قانون الخدمة المدنية مساءلة الموظف المنقطع تأديبيًا عن مدة انقطاعه، في ضوء الضوابط والأحكام المار ذكرها، ليغدو النعي على هذا النص مخالفة كل من المادتين (4، 170) من الدستور في غير محله، وغير مستند إلى أساس سليم.
وإذ لم يخالف النص المشار إليه أي حكم آخر من أحكام الدستور؛ الأمر الذي يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق