جلسة 14 يونيه سنة 1934
برياسة سعادة عبد العزيز
فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى
بك وعبد الفتاح السيد بك المستشارين.
----------------
(199)
القضية رقم 2 سنة 4
القضائية
الإرث.
تعلقه بالنظام
العام. التحيل على مخالفة أحكامه باطل بطلانا مطلقا لا تلحقه الإجازة. تحرير زوجة
لزوجها عقد بيع بجميع أملاكها على أن يتملكها إذا ماتت قبله وتحرير الزوج مثل هذا
العقد لزوجته. هذا التصرف هو من قبيل الرقبى المحرّمة شرعا.
(المادتان 263 مدنى و504
من قانون الأحوال الشخصية)
--------------
1 - إن كون الإنسان وارثا
أو غير وارث، وكونه يستقل بالإرث أو يشركه فيه غيره إلى غير ذلك من أحكام الإرث
وتعيين الورثة وانتقال الحقوق في التركات بطريق التوريث لمن لهم الحق فيها شرعا،
كل هذا مما يتعلق بالنظام العام. والتحيل على مخالفة هذه الأحكام باطل بطلانا
مطلقا لا تلحقه الإجازة، ويحكم القاضي به من تلقاء نفسه في أية حالة كانت عليها
الدعوى. وتحريم التعامل في التركات المستقبلة يأتي نتيجة لهذا الأصل، فلا يجوز قبل
وفاة أي إنسان الاتفاق على شيء يمس بحق الإرث عنه، سواء من جهة إيجاد ورثة غير من
لهم الميراث شرعا أو من جهة الزيادة أو النقص في حصصهم الشرعية أو من جهة التصرف
في حق الإرث قبل انفتاحه لصاحبه واستحقاقه إياه، بل جميع هذه الاتفاقات وما شابهها
مخالف للنظام العام.
2 - إذا حررت زوجة لزوجها
عقد بيع بجميع أملاكها على أن يتملكها إذا ماتت قبله وحرر هذا الزوج لزوجته مثل
هذا العقد لتتملك هي ماله في حالة وفاته قبلها فان التكييف الصحيح الواضح لتصرفها
هذا أنه تبادل منفعة معلق على الخطر والغرر، وأنه اتفاق مقصود به حرمان ورثة كل
منهما من حقوقه الشرعية في الميراث فهو اتفاق باطل. أما التبرع المحض الذى هو قوام
الوصية وعمادها فلا وجود له فيه. ويشبه هذا التصرف أن يكون من قبيل ولاء الموالاة،
ولكن في غير موطنه المشروع هو فيه ما دام لكل من المتعاقدين ورثة آخرون، بل هو من
قبيل الرقبى المحرّمة شرعا.
الوقائع
تتحصل وقائع الدعوى، على
ما جاء الحكم المطعون فيه وباقى المستندات المقدّمة لهذه المحكمة ولمحكمة
الاستئناف من قبل، في أن المرحوم يوسف واصف سعد ابن عم الطاعنين ومورّثهما كان
يملك 16 فدانا و14 قيراطا و12 سهما بزمام محلة دياى وكفر الخير بمركز دسوق؛ وقد
توفى في ديسمبر سنة 1918 وانحصر إرثه الشرعي في ولدى عمه الطاعنين وفى زوجته الست
حنينة بنت جرجس سعد. وفى 21 يناير سنة 1927 رفع الطاعنان المذكوران دعوى لدى محكمة
طنطا الأهلية قيدت بنمرة 266 سنة 1927 ضدّ هذه الزوجة طلبا فيها الحكم بتثبيت
ملكيتهما لنصيبهما الشرعي البالغ 12 فدانا و10 قراريط و16 سهما شائعة في المقدار
السابق الذكر. فدفعت المدّعى عليها الدعوى بأن زوجها قد باع لها كل ما كان يملكه
بعقد عرفي مؤرّخ في 25 ديسمبر سنة 1909 ثابت التاريخ في 21 مايو سنة 1910 ومسجل في
9 سبتمبر سنة 1922. وردّ الطاعنان بأن هذا العقد ليس إلا وصية وأن الزوجة باعت
أملاكها هى الأخرى لزوجها في نفس اليوم الذى حرر هو لها فيه العقد المتقّدم الذكر
حتى يتمكن من يعيش منهما بعد صاحبه من تمزيق العقد الصادر منه وحفظ العقد الصادر
له فيجمع لنفسه ما كان له ولزوجه المتوفى (وقدّم المدّعيان إثباتا لذلك شهادة
مستخرجة من قلم العقود الرسمية بمحكمة إسكندرية المختلطة تدل على أنه في يوم 19
مايو سنة 1909 أثبت تاريخ عقد بيع عقاري صادر من حنينة جرجس سعد إلى زوجها يوسف
واصف سعد). وبعد أخذ وردّ بين الطرفين حكمت محكمة طنطا في 13 مارس سنة 1928 برفض
الدعوى. فاستأنف المدّعيان الحكم أمام محكمة استئناف مصر الأهلية بالاستئناف رقم
278 سنة 46 قضائية. وفى أثناء نظر الاستئناف وقفت المستأنف عليها الأطيان التى
باعها زوجها لها على نفسها وعلى آخرين من بعدها فأعلنها المستأنفان لدى محكمة
الاستئناف بصفتها ناظرة على هذا الوقف أيضا. وفى 4 ديسمبر سنة 1929 قضت محكمة
الاستئناف بإحالة القضية إلى التحقيق لإثبات ما إذا كان صحيحا ما ادّعاه المستأنفان
من أن العقد المتقدّم الذكر وصية، وأنه في تاريخ تحريره قد حررت الست حنينة
المستأنف عليها عقد بيع نظيره لزوجها هو وصية له بما تملكه تؤول إليه إذا توفيت
قبله. وبعد أن تم التحقيق حكمت محكمة الاستئناف بتاريخ 21 يناير سنة 1931 باعتبار
العقد الصادر من المورّث إلى زوجته، التي توفيت في الأثناء وحل محلها أنطون أفندي
منصور وزميله في النظر على الوقف، عقد وصية أضيف فيه التمليك إلى ما بعد الموت
بطريق التبرع وبإيقاف الفصل في الدعوى حتى يفصل من الجهة المختصة في صحة هذا العقد
ونفاذه، وأبقت الفصل في المصاريف.
وقبل إعلان هذا الحكم طعن
فيه واصف أفندي قزمان وباسيلى أفندي قزمان بطريق النقض في 20 نوفمبر سنة 1933،
وأعلن تقرير الطعن للمطعون ضدّهما في 23 نوفمبر سنة 1933. وقدّم طرفا الخصومة
مذكراتهم الكتابية في الميعاد القانوني، وقدّمت النيابة مذكرتها في 15 مايو سنة
1934.
وبجلسة 31 مايو سنة 1934
المحدّدة لنظر هذا الطعن سمعت المحكمة الدعوى بما هو مبين بمحضر الجلسة، ثم أجل
النطق بالحكم لجلسة 7 يونيه سنة 1934 ومنها لجلسة اليوم لعدم إتمام المداولة.
المحكمة
بعد سماع المرافعة
الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا
في الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن مبنى الوجه
الأوّل من وجهى الطعن أنه قد ثبت لمحكمة الاستئناف أن الست حنينة زوجة مورّث
الطاعنين المرحوم يوسف واصف سعد قد حررت لزوجها هذا عقد بيع بكل ما تملك على مثال
عقد البيع المتنازع فيه الذى حرره هو لها بكل ما يملك، وأن العقدين حررا في يوم
واحد، وأن كلا العقدين وصية. ولكن محكمة الاستئناف، بعد أن صرحت في حكمها المطعون
فيه بهذه الحقيقة، قد اقتصرت على القول بأنه ما دام العقد المتنازع فيه وصية فيجب
ترك الأمر فيه لجهة الأحوال الشخصية المختصة. ولذلك قضت بإيقاف الفصل في الدعوى
حتى تفصل محكمة الأحوال الشخصية المختصة في صحة هذه الوصية ونفاذها. ويقول
الطاعنان إن تحرير هاتين الوصيتين في يوم واحد هو احتيال من قبل الزوج وزوجته على
حرمان باقي ورثة كل منهما من حقه الشرعي في الميراث، وهو محظور بمفهوم المادة 263
من القانون المدني التي تحرّم بيع حقوق الإرث المستقبلة.
وحيث إن كون الإنسان
وارثا أو غير وارث، وكونه يستقل بالإرث أو يشركه فيه غيره إلى غير ذلك من أحكام
الإرث وتعيين الورثة وانتقال الحقوق في التركات بطريق التوريث لمن لهم الحق فيها
شرعا، كل هذا مما يتعلق بالنظام العام. والتحيل على مخالفة هذه الأحكام باطل
بطلانا مطلقا لا تلحقه الإجازة ويحكم القاضي به من تلقاء نفسه في أية حالة كانت
عليها الدعوى. وتحريم التعامل في التركات المستقبلة يأتي نتيجة لهذا الأصل، فلا
يجوز التعامل بين وارث محتمل في تركة مستقبلة وبين شخص أجنبي عن هذه التركة بأن
يبيع الوارث للأجنبي نصيبه في التركة أو يتنازل له عنه، ولا بين وارث محتمل ووارث
محتمل آخر، ولا بين المورّث نفسه ووارث محتمل له أو أجنبي عنه كأن يتفق المورّث
على أن يعطى وارثه نصيبا من تركته أكبر أو أقل من نصيبه الشرعي أو أن يجعل الأجنبي
وارثا له بغير أن يقوم به سبب شرعي من أسباب الإرث عند استحقاق هذا الإرث. وبالجملة
لا يجوز قبل وفاة أى إنسان الاتفاق على شئ يمس بحق الإرث عنه سواء من جهة إيجاد
ورثة غير من لهم الميراث شرعا أو من جهة الزيادة أو النقص في حصصهم الشرعية أو من
جهة التصرف في حق الإرث قبل انفتاحه لصاحبه واستحقاقه إياه، فان جميع هذه
الاتفاقات وما شابهها تخالف النظام العام.
ومن حيث إن الشارع المصري
إذا كان قد نص في القانون المدني بالمادة 263 على أن بيع الحقوق في تركة إنسان على
قيد الحياة باطل ولو برضاه فما ذلك إلا تطبيقا لهذا الأصل المتقدّم الذكر في أحد
مواطن تطبيقه.
ومن حيث إن محكمة
الاستئناف قد أثبتت بحكمها المطعون فيه أنه تبين لها من مجموع التحقيقات أن الست
حنينة جرجس سعد حررت لزوجها عقد بيع بجميع أملاكها وكلفت جبران ميخائيل بإثبات
تاريخه، فأثبت جبران تاريخه في 19 مايو سنة 1910، وأن الغرض من تحرير هذا العقد
والعقد الآخر المتنازع عليه في الدعوى إنما هو تمليك أحد الزوجين كل ماله للآخر في
حالة وفاته قبله بدون مقابل.
وحيث إن هذا الذى أثبتته
محكمة الاستئناف بَيَّنُ الدلالة على أن أيا من الزوجين لم يرد حقيقة الوصية التي هي
تمليك مضاف لما بعد الموت بطريق التبرع، بل إن كلا منهما جعل وصية صاحبه له سببا
في وصيته هو لصاحبه، فالواقع أن تصرفهما هو تبادل منفعة معلق على الخطر والغرر،
ولا غرض منه سوى حرمان ورثة كل منهما من حقوقهم الشرعية في الميراث. أما التبرع
المحض الذى هو قوام الوصية وعمادها فلا وجود له فيه. ويشبه هذا التصرف أن يكون من
قبيل ولاء الموالاة ولكن في غير موطنه المشروع هو فيه، لأن لكل من المتعاقدين ورثة
يمنع وجودهم من هذه الموالاة، وترى المحكمة، موافقة لرأى النيابة العامة، أنه من
قبيل الرقبى المحرّمة شرعا.
ومن حيث إنه ما دام قد
تبين أن الغرض من العقد المتنازع عليه والعقد الآخر الذى حرر معه هو الاحتيال على
قواعد الميراث وحرمان بعض الورثة من حقهم الشرعي، فقد وجب القضاء ببطلان العقد
المتنازع فيه وما ترتب عليه من التصرفات.
ومن حيث إنه لذلك يتعين
نقض الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن الدعوى صالحة
للحكم فيها ببطلان هذا العقد فقط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق