جلسة 19 من يونيه سنة 1958
برياسة السيد محمود عياد
المستشار، وبحضور السادة: عثمان رمزي، ومحمد متولي عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف،
ومحمد زعفراني سالم المستشارين.
--------------
(75)
طعن رقم 28 سنة 26 ق
"أحوال شخصية"
(أ) استئناف. أحوال
شخصية. وقف. دفاع. إثبات.
الأثر الناقل للاستئناف طبقاً للمادتين 317 و321 من
لائحة ترتيب المحاكم الشرعية: مثال في دعوى استحقاق في وقف.
(ب) قوة الأمر المقضي.
إثبات "بالقرائن". أحوال شخصية. وقف.
الاستناد إلى قرارين صادرين بالنظر
على الوقف والتمكين باعتبار ما جاء فيهما قرينة إلى جانب قرائن أخرى على عدم
انتساب مدعى الاستحقاق إلى مستحق في الوقف. لا خطأ.
--------------
1 - مفاد نصوص المادتين
317 و321 من القانون رقم 78 لسنة 1931 الخاص بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية أن
المشرع ترك للخصوم أنفسهم في الاستئناف أن يقيموا الأدلة على ما يدعونه دفعاً
ورداً. فإذا كان المستأنف قد دفع المستأنف عليه في مواجهته بعدم استحقاقه في الوقف
لما يدعيه وقدم أدلته ومستنداته التي استند إليها في استئنافه طالباً إلغاء الحكم
المستأنف الذي قضى باستحقاق المستأنف عليه في الوقف فردّ هذا الأخير بما يفيد أنه
اكتفى والأدلة المقدمة منه لمحكمة الدرجة الأولى ولم يقدم لمحكمة الاستئناف أدلة
أخرى وقضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعواه فإنه لا يكون ثمت
أساس للنعي على هذا الحكم بمخالفة القانون أو الإخلال بحق الدفاع.
2 - متى كانت محكمة
الموضوع لم تستند إلى القرارين الصادرين بالنظر على الوقف والتمكين باعتبار أن
لهما حجية في إثبات الاستحقاق بل أخذت بما جاء فيهما باعتباره قرينة إلى جانب
القرائن الأخرى التي قامت على عدم انتساب مدعى الاستحقاق إلى مستحق في الوقف
المتنازع عليه فإنه لا محل للنعي على الحكم بمخالفة القانون.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق
وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد
استوفى إجراءاته الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما
يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنة رفعت الدعوى
رقم 310 لسنة 1954 القاهرة الابتدائية الشرعية ضد المطعون عليه بصفته ناظراً على
وقفي المرحومين محمد أبو الخير وولده مصطفى المحرر بهما إشهاد شرعي بتاريخ 13 من
ذي القعدة سنة 1246 قالت فيها إن الواقفين وقفاً العقارات المبينة في كتاب الوقف
على نفسيهما وذريتهما من بعدهما فإذا انقرضت الذرية يكون ريع الوقف لعتقائه
بالسوية ثم على أولاد العتقاء، وقد انقرضت ذرية الواقفين فآل الاستحقاق إلى خيرة
بنت عبد الله السوداء معتوقة محمد أبو الخير أحد الواقفين ثم توفيت خيرة عن ولديها
أحمد وعبد الله من زوجها عبد الله الدخاخني ثم توفي أحمد عن ثمانية أولاد منهم
الطاعنة فيخصها من ريع الوقفين 1.5 ط من 24 ط وقالت إن المطعون عليه ناظر على الوقف
مع أخرى وأنه وضع اليد على أعيانه وطلبت الحكم لها باستحقاقها فصادق المطعون عليه
على الوقف وشروطه وتنظره ووضع يده على أعيانه وأنكر استحقاق الطاعنة قائلاً
"إنه لا صلة لها بالوقف، وقدمت الطاعنة إثباتاً لدعواها كتاب الوقف وإشهاد
وراثة صادر من محكمة الخليفة الشرعية بتاريخ 23 من أغسطس سنة 1954. أحيلت الدعوى
إلى التحقيق فسمعت المحكمة شاهدي الطاعنة ثم قضت في 23 من يناير سنة 1955 بطلبات
الطاعنة، فاستأنف المطعون عليه هذا الحكم وقيد الاستئناف برقم 12 سنة 72 ق استئناف
القاهرة، وقد أقامه على أن محكمة أول درجة أخذت بشهادة شاهدي الطاعنة رغم عدم
صحتها وأن المحكمة لم تمكنه من إبداء ملاحظاته وأن لديه مستندات تدفع الادعاء وقدم
إلى محكمة هذه المستندات وهي قرار نظر وتمكين أولهما صادر بتاريخ 19 من شوال سنة
1334 هـ بإقامة عزيزة عبد الله الدخاخني ناظرة على الوقفين والآخر صادر بتاريخ 10
صفر سنة 1315 بإقامة عبد الله عبد الله علي ناظراً على وقفين غير الوقفين موضوع
النزاع. واستدل المطعون عليه بما ورد في هذين القرارين على أنه لم يكن لخيرة
السودانية ولد اسمه عبد الله الدخاخني وهو من تدعى الطاعنة الانتساب إليه
والاستحقاق في الوقفين عنه وأنه لم يكن لخيرة ذرية خلاف ولدها عبد الله وأنها كانت
من فصيلة السود في حين أن الطاعنة من فصيلة البيض، وطلبت الطاعنة إلى محكمة
الاستئناف تأييد الحكم المستأنف إذ ثبت لمحكمة أول درجة استحقاق الطاعنة في
الوقفين، وفي 26 من مايو سنة 1956 قضى بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعنة
... فطعنت في هذا الحكم بطريق النقض. عرض الطعن على دائرة فحص الطعون وطلب الحاضر
عن الطاعنة إحالته إلى هذه الدائرة وصممت النيابة على مذكرتها طالبة رفض الطعن وقد
نظر الطعن بجلسة 15 من مايو سنة 1958 وفي هذه الجلسة أبدت النيابة رأيها برفض الطعن.
وحيث إن الطعن أقيم على
أربعة أسباب تنعي الطاعنة على الحكم المطعون فيه بالسبب الأول منها خطأ في تطبيق
القانون وإخلالاً بحق الدفاع، وتقول في بيان ذلك إن مقتضى نص المادة 317 من
القانون رقم 78 لسنة 1931 هو أنه إذا كانت محكمة الاستئناف لم تطمئن إلى الإثبات
الذي قدمته الطاعنة إلى محكمة أول درجة وأخذت به فأصدرت حكمها على موجبه فإنه كان
يتعين عليها - محكمة الاستئناف - أن تشعر الطاعنة بعدم اطمئنانها وأن تطلب إليها
تقديم إثبات آخر، وما كانت الطاعنة لتقدم هذا الإثبات دون توجيه بعد إذ اطمأنت إلى
كفاية ما قدمته إلى محكمة أول درجة من إثبات أخذت به، وقد فوتت المحكمة بفعلها هذا
على الطاعنة حقها في الدفاع فضلاً عن خطئها في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود
بأن المادة 317 من القانون رقم 78 لسنة 1931 الخاص بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية
والإجراءات المتعلقة بها نصت على أن الاستئناف يعيد الدعوى إلى الحالة التي كانت
عليها قبل صدور الحكم المستأنف وأوجبت على المحكمة الاستئنافية أن تعيد النظر فيما
رفع عنه الاستئناف على أساس الدفوع والأدلة المقدمة إلى محكمة أول درجة وعلى أي
دفع أو دليل آخر يقدم في الاستئناف من قبل الخصوم طبقاً للمادة 321 ثم أشارت
الفقرة الثانية من المادة 321 إلى أنه لا يجوز للخصوم أن يبدو أدلة جديدة لثبوت
الدعوى أو نفيها. ومفاد هذه النصوص أن المشرع ترك للخصوم أنفسهم أن يقيموا الأدلة
على ما يدعونه دفعاً ورداً، ولما كان يبين من الحكم المطعون فيه أن المطعون عليه
دفع دعوى الطاعنة في مواجهتها بعدم استحقاقها لما تدعيه وقدم أدلته ومستنداته التي
استند إليها استئنافه طالباً إلغاء الحكم المستأنف فردت بقولها: "إن الدعوى
بحثت أمام محكمة أول درجة وثبت استحقاقها" بما يفيد أنها - أي الطاعنة -
اكتفت بالأدلة المقدمة منها لمحكمة الدرجة الأولى ولم تقدم لمحكمة الاستئناف أدلة
أخرى. لما كان ذلك يكون على غير أساس ما تنعاه الطاعنة في هذا السبب من المخالفة
للقانون أو الإخلال بحق الدفاع.
وحيث إن حاصل الأسباب
الثلاثة الأخرى أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون إذ عول على قراري النظر والتمكين
المقدمين من المطعون عليه باعتبارهما أحكاماً قضائية لها قوة الأمر المقضي وذلك
لأن قرارات إقامة النظار على الأوقاف ليست
إلا عملاً ولائياً تتولاه
المحكمة من تلقاء نفسها بناءً على طلب يقدم من أي كان بلا حاجة إلى دعوى فهي ليست
أحكاماً قضائية لا يجوز القضاء بمخالفتها وما جاء بالقرارين سالفى الذكر من أن
الطاعنة لا تستحق في الوقف لأن الاستحقاق انحصر في ذرية عبد الله لا يحتج به عليها.
ومن حيث إن هذا النعي
مردود بأن محكمة الاستئناف إذ تحدثت عن قراري النظر سالفى الذكر قالت: "ومن
حيث إنه يوجد في قرار النظر الصادر في 19 شوال سنة 1334 ... أن عبد الله عبد الله
الدخاخني أقيم في النظر على هذين الوقفين في 11 من شعبان سنة 1313 وأن الاستحقاق
انحصر فيه كما أقيم في النظر على الواقفين الآخرين الصادرين في 15 من ربيع الثاني
سنة 1248 وانحصر الوقف نظراً واستحقاقاً فيه وفي أخرى تدعى نفسية محمد الأشقر ولم
يرد ذكر بهذه المستندات لمن تدعى المستأنف عليها - الطاعنة - بأنها تستحق عنه وهو
أحمد عبد الله الدخاخني الذي تزعم أنه ابن خيرة السودانية وظاهر أيضاً أنه لما مات
عبد الله عبد الله الدخاخني أقيمت بنته عزيزة في النظر في 19 من شوال سنة 1334 على
الوقفين موضوع النزاع، وفي قرار تنظرها هذا أن عبد الله عبد الله الدخاخني المذكور
لم يترك إلى ثلاثة أولاد هم حسين وأحمد وعزيزة وأن حسين اختار نفسه للنظر على
الوقفين، واختار الباقون عزيزة لتكون ناظرة فأقيمت ناظرة ثم آل النظر أخيراً إلى
أخيها حسين عبد الله عبد الله الدخاخني كما هو مبين في صورة قرار النظر الصادر في
17 من يوليه سنة 1942 ... وبعد وفاة حسين عبد الله المذكور أقيم والد المستأنف -
المطعون عليه - وأخرى في النظر على الوقفين وظلا ناظرين إلى أن حل الوقف وأصبحا
حارسين حتى الآن واستمر محمد عثمان هو الواضع اليد حتى الآن. ومن حيث إنه مع تسلسل
النظر على الوقفين المذكورين طوال هذه المدة وتعدد هؤلاء النظار لم يرد ذكر لمن
عدا المستحقين الذين اختاروا عزيزة فلو كان هناك مستحق غيرهم عند إقامة عزيزة في
سنة 1334 أي من نحو أربعين سنة لأشير إلى استحقاقه ... وقد كان ورثة أحمد عبد الله
الدخاخني الذي تقول المستأنف عليها إنها تنسب إليه موجودين على قيد الحياة عند
إقامة عزيزة المذكورة" وانتهت المحكمة من ذلك إلى القول بأن: "هذه كلها
قرائن من أوراق رسمية تدل على أن المدعو أحمد عبد الله ليس ابناً لخيرة السودانية
ولم يكن مستحقاً في الوقفين بعدها، يضاف إلى ذلك أن والد المستأنف عليها لم يطالب
بشيء من الاستحقاق كما أن جدها الذي يدعي أنه ابن خيرة السودانية لم يقدم أي دليل
على أنه قبض شيئاً من استحقاقه أو نازع أخاه في ذلك الاستحقاق بعد وفاة خيرة
السودانية التي توفيت في سنة 1313 وقد مضى من ذلك التاريخ حتى الآن ما يزيد على
الأربعين عاماً. ويبين من ذلك أن محكمة الاستئناف لم تستند إلى قراري النظر
والتمكين باعتبار أن لهما حجية في إثبات الاستحقاق بل أخذت بما جاء فيهما باعتباره
قرينة إلى جانب القرائن الأخرى التي قامت على عدم انتساب الطاعنة إلى مستحق في
الوقف ومن ثم يتعين رفض هذه الأوجه أيضاً.
ومن حيث إنه لما تقدم
يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق