الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 21 أغسطس 2021

الطعن 43 لسنة 33 ق جلسة 23 / 3 / 1966 مكتب فني 17 ج 2 أحوال شخصية ق 92 ص 666

جلسة 23 من مارس سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ أحمد زكي محمد نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: عبد المجيد يوسف الغايش، ومحمد ممتاز نصار، وصبري أحمد فرحات، ومحمد شبل عبد المقصود.

---------------

(92)
الطعن رقم 43 لسنة 33 ق "أحوال شخصية"

(أ ) حكم. "عيوب التدليل". "القصور": ما لا يعد كذلك".
طلب فتح باب المرافعة. عدم التزام المحكمة بإجابته أو الإشارة إليه في حكمها.
(ب) أحوال شخصية. "دعوى الأحوال الشخصية". "تدخل النيابة العامة في الدعوى".
القانون 628 لسنة 1955. اعتبار النيابة العامة طرفاً أصلياً في قضايا الأحوال الشخصية التي لا تختص بها المحاكم الجزئية. عدم سريان حكم المادة 106 مرافعات في شأنها.
(ج) إثبات. محكمة الموضوع. "سلطة محكمة الموضوع". "في تقدير الدليل".
أوراق الدعوى. كفايتها في تكوين عقيدة المحكمة. عدم التزامها بضم أوراق استجابة لطلب أحد الخصوم.
(د) إثبات. "طرق الإثبات". "البينة". محكمة الموضوع. "سلطة محكمة الموضوع". "في تحقيق الدعوى".
إجراء التحقيق. ليس حقاً للخصوم. سلطة محكمة الموضوع. رفض الطلب. حسبها بيان أسبابه.
(هـ) دعوى. "نظر الدعوى أمام المحكمة". "تقديم الطلبات وأوجه الدفاع". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يعد كذلك". بطلان.
الطلبات الختامية وأوجه الدفاع. طريقة تقديمها. اتفاق طرفي النزاع على حجز القضية للحكم وتصميم كل على طلباته. كفايته. لا بطلان.
)و) إثبات. "طرق الإثبات". "البينة". محكمة الموضوع. "سلطة محكمة الموضوع في تحقيق الدعوى". "في تقدير الدليل".
طلب إجراء التحقيق. سلطة محكمة الموضوع. عدم حاجتها إليه. رفضه. بحث الدلائل والمستندات المقدمة في الدعوى. ترجيح ما تطمئن إليه المحكمة. استخلاص ما ترى أنه واقعة الدعوى. من سلطة محكمة الموضوع.
(ز) إثبات. "طرق الإثبات". "البينة". "محكمة الموضوع". "سلطة محكمة الموضوع". "في تقدير الدليل".
الشهادة "إخبار صادق" في مجلس الحكم بلفظ الشهادة لإثبات حق على الغير ولو بلا دعوى. الترجيح بين البيانات واستظهار واقع الحال. سلطة محكمة الموضوع. سبيلها. إعطاء الخصم الحق في إثبات عدم صحة بينة خصمه.
(ح) إثبات. "طرق الإثبات". "القرائن".
قرائن. شهادتها. منها ما هو أقوى من البينة والإقرار.

---------------
1 - المحكمة ليست ملزمة بإجابة طلب فتح باب المرافعة في الدعوى (1) أو بالإشارة إلى هذا الطلب في حكمها.
2 - بعد صدور القانون رقم 628 لسنة 1955 أصبحت النيابة العامة طرفاً أصلياً في قضايا الأحوال الشخصية التي لا تختص بها المحاكم الجزئية، ومن ثم فلا تسري في شأنها أحكام المادة 106 من قانون المرافعات فيما نصت عليه من أنه "في جميع الدعاوى التي لا تكون النيابة فيها طرفاً منضماً لا يجوز للخصوم بعد تقديم أقوالها وطلباتها أن يطلبوا الكلام ولا أن يقدموا مذكرات جديدة وإنما يجوز لهم أن يقدموا للمحكمة بياناً كتابياً لتصحيح الوقائع التي ذكرتها النيابة" إذ هي لا تسري، وعلى ما يبين من عبارتها، إلا حيث تكون النيابة طرفاً منضماً.
3 - متى كانت الأوراق المقدمة في الدعوى كافية لتكوين عقيدة المحكمة فلا حرج عليها إذا هي لم تأمر بضم أوراق أخرى استجابة لطلب أحد الخصوم.
4 - إجراء التحقيق لإثبات وقائع يجوز إثباتها بالبينة - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - ليس حقاً للخصوم تتحتم إجابتهم إليه في كل حالة  (2) ، بل هو أمر متروك لمحكمة الموضوع ترفض الإجابة إليه متى رأت بما لها من سلطة التقدير أن لا حاجة بها إليه أو أنه غير مجد بالنظر إلى ظروف الدعوى وما هو ثابت فيها من الأدلة والوقائع التي تكفي لتكوين عقيدتها وبحسبها أن تبين في حكمها الأسباب التي اعتمدت عليها في رفض هذا الطلب.
5 - للخصوم أن يقدموا طلباتهم "الختامية" وأوجه دفاعهم بالشكل الذي يريدونه، شفاهاً أو كتابة أو هما معاً، وإذ كان الثابت أن طرفي النزاع اتفقا على حجر القضية للحكم وصمم كل على طلباته ولم يثبت بمحضر الجلسة أن الطاعنين أو أحدهما طلب المرافعة الشفوية لاستكمال دفاعه، فإنه لا يكون هناك وجه للقول بوقوع بطلان في الإجراءات أثر في الحكم إذ أنهما بذلك يكونان قد اكتفيا في مرافعتهما الشفوية بهذا القدر الثابت في محضر الجلسة.
6 - للمحكمة أن ترفض طلب التحقيق الذي يطلب منها كلما رأت أنها ليست في حاجة إليه، ولقاضي الموضوع السلطة التامة في بحث الدلائل والمستندات المقدمة له تقديماً صحيحاً وفي موازنة بعضها بالبعض الآخر وترجيح ما تطمئن نفسه إلى ترجيحه منها وفي استخلاص ما يرى أنه واقعة الدعوى.
7 - الشهادة في اصطلاح الفقهاء هي إخبار "صادق" في مجلس الحكم بلفظ الشهادة لإثبات حق على الغير ولو بلا دعوى، وبالقيد الأول يخرج عن نطاقها الإخبار الكذاب، ولازم هذا أن تكون لقاضي الدعوى سلطة الترجيح بين البيانات واستظهار واقع الحال ووجه الحق فيها وسبيله إلى ذلك أنه إذا قدم أحد الخصوم بينة لإثبات واقعة كان للخصم الآخر الحق دائماً في إثبات عدم صحة هذه الواقعة وهو ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للائحة ترتيب المحاكم الشرعية، وإجماع الفقهاء على أن القاضي لا يقف مع ظواهر البينات ولا يتقيد بشهادة من تحملوا الشهادة على الحق إذا ثبت له من طريق آخر.
8 - من القرائن ما نص عليه الشارع أو استنبطه الفقهاء باجتهادهم ومنها ما يستنبطه القاضي من دلائل الحال وشواهده وكتب الحنفية مملوءة باعتبار القرائن في مواضع كثيرة، وبالرجوع إلى اللائحة الشرعية قبل إلغاء ما ألغي من نصوصها بالقانون رقم 462 لسنة 1955 يبين أنها كانت تنص في المادة 123 منها على أن "الأدلة الشرعية هي ما يدل على الحق ويظهره من إقرار وشهادة ونكول عن الحلف وقرينة قاطعة". والواقع في ذلك أن القضاء "فهم" ومن القرائن ما لا يسوغ تعطيل شهادته إذ منها ما هو أقوى من البينة والإقرار وهما خبران يتطرق إليهما الصدق والكذب.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن السيدة يانينا توتلفسكا (الطاعنة الأولى) أقامت الدعوى رقم 1309 لسنة 1960 كلي أحوال شخصية القاهرة ضد السيد/ محمد توفيق محمود (المطعون عليه) طلبت فيها الحكم بإثبات طلاقها منه وأمره بعدم التعرض لها في أمور الزوجية مع إلزامه بالمصروفات والأتعاب وقالت شرحاً لها إنها تزوجت المدعى عليه بعقد محرر في 30/ 9/ 1947 أمام محكمة مصر الكلية الشرعية ودخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج ورزقت منه على فراش الزوجية بطفلين هما إيناس وخالد ثم احتدم الخلاف بينهما وأساء معاملتها بما لا يستطاع معه دوام العشرة وانتهى الأمر بينهما في مساء يوم 2 يوليه سنة 1956 بأن سألته الطلاق على الإبراء من مؤخر الصداق والنفقة وجميع حقوق الزوجية فأجابها فور ذلك وفي نفس المجلس بقوله "وأنت طالق على ذلك" وإذ لم يكف عن إيذائها وظل يتعرض لها رغم انقطاع الصلة بينهما فقد طلبت الحكم بإثبات هذا الطلاق وأمره بعدم التعرض لها في أمور الزوجية، وصادق المدعى عليه المدعية على الزواج والدخول وأنكر حصول الطلاق وأضاف أنها أنجبت منه طفلاً آخر يدعى "عمرو" في 6 أكتوبر سنة 1957 وبعد تاريخ الطلاق المزعوم بخمسة عشر شهراً وأنها كانت تعاشره وتقيم في منزل الزوجية ولم تخرج منه إلا في 3/ 11/ 1960 بتحريض من شخص يدعى محمود حسني هيكل لكي تتزوجه وقد ادعى في تحقيقات النيابة في القضية رقم 2830 سنة 1961 جنح عابدين أنه تزوجها بعقد عرفي وأثناء نظرها طلب محمود حسني هيكل قبوله خصماً في الدعوى منضماً للمدعية في طلباتها وبتاريخ 29/ 4/ 1961 حكمت المحكمة حضورياً وقبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المدعية بسائر وجوه الإثبات المختلفة بما في ذلك البينة الشرعية أنها سألت المدعى عليه في مساء 2 يوليه سنة 1956 طلاقها منه على الإبراء من مؤخر الصداق ونفقة العدة وجميع حقوق الزوجية فأجابها فور ذلك بالمجلس نفسه بقوله لها "أنت طالق على ذلك" ولينفي المدعى عليه ذلك بذات الطرق. وبعد تنفيذ حكم التحقيق عادت المحكمة وبتاريخ 30/ 6/ 1962 فحكمت (أولاً) بقبول محمود حسني هيكل خصماً ثالثاً في الدعوى منضماً إلى المدعية (ثانياً) برفض الدعوى مع إلزام المدعية بمصروفاتها وبإلزامها والخصم الثالث بمبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة للمدعى عليه، واستأنفت المدعية والخصم الثالث هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالبين إلغاءه والحكم لهما بطلباتهما وقيد الاستئناف برقم 170 سنة 79 قضائية. وبتاريخ 9 يونيه سنة 1963 حكمت المحكمة حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنفين بالمصروفات وبمبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. وطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة بالتقرير وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وقررت إحالته إلى هذه الدائرة حيث صمم الطاعنان على طلب نقض الحكم وطلب المطعون عليه رفض الطعن وقدمت النيابة العامة مذكرة أحالت فيها إلى مذكرتها الأولى وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل السبب الأول أنه في 15 مايو سنة 1963 وأثناء حجز القضية للحكم قدم محامي الطاعنة الأولى طلباً بفتح باب المرافعة في الدعوى لتصحيح ما تضمنته مذكرة النيابة من وقائع غير صحيحة ورفض السيد المستشار رئيس الدائرة استلامها بحجة أنه لا يستطيع قبول أوراق بعد قفل بباب المرافعة وحجز القضية للحكم ثم أعاد محاميها الطلب في 16 مايو سنة 1963 ليقدم بياناً بهذا التصحيح وأشر عليه سيادته بعبارة "يعرض مع الدعوى" كما أشر عليه السيد المستشار حسن عكوش عضو الدائرة في 21 مايو سنة 1963 "بالنظر" وصدر الحكم المطعون فيه خالياً من الإشارة إلى هذين الطلبين وهذا الإغفال من الحكم ينطوي (أولاً) على مخالفة لنص المادة 349 مرافعات وهي توجب أن يبين في الحكم نص ما قدمه الخصوم من طلبات أو دفاع أو دفوع وكذلك المراحل التي تمر بها الدعوى قبل وأثناء حجزها للحكم ومنها طلب فتح باب المرافعة إذ هو لا يقدم إلا بعد حجزها وبتقديمه تستمد هذه المرحلة طابعاً قانونياً متميزاً لا يجوز للمحكمة تجاهله ويتعين عليها أن تعرض له (وثانياً) على بطلان جوهري في الإجراءات لأن خلو الحكم من الإشارة إليهما يدل على أنهما لم يعرضا على المحكمة وكان يتعين عرضهما وصدور قرار منها بشأنهما لما لهما من أهمية قانونية تتصل بتصحيح الوقائع التي حرفتها النيابة عملاً بالحق المقرر في المادة 106 مرافعات (وثالثاً) على إخلال بحق الدفاع حيث اتصل الطلبان بأمرين بالغي الأهمية هما بيان الوقائع المحرفة ومن باب الاحتياط تمكين الطاعنة من تقديم هذا البيان وفي استبعاد الطلب الأول وعدم عرض الطلب الثاني مخالفة للمادة 106 مرافعات وهي تجيز للخصوم وبغير إذن من المحكمة أن يقدموا بياناً كتابياً لتصحيح الوقائع التي ذكرتها النيابة ولم يكن رئيس الدائرة يملك استبعادهما لأنهما لم يقدما إليه بصفته الشخصية ولكن بصفته رئيس الدائرة وتبدو أهمية هذا التصحيح من أن الطاعنين كانا قد قدما لمحكمة أول درجة خطابين - محررين باللغة الإنجليزية وترجما - مرسلين من المطعون عليه إلى أخت الطاعنة الأولى في بولونيا ويتضمنان إقراره بسبق طلاقها منه سنة 1956 فهو في أحدهما يقول ابني أيتها الأخت - إنك تسببين لي ألماً جنونياً بأن تطلبي مني أن أطلق نينا... أبداً... أبداً... أبداً سوف أقطع يدي ولساني إذا كتبت ذلك أو لفظته مرة ثانية. إن نينا هي زوجتي العزيزة ومحبوبتي" وعندما عرضت النيابة في مذكرتها لهذا الخطاب سلخت كلمة "مرة ثانية" من آخر الفقرة الأولى وأضافتها إلى الفقرة الثانية فتغير بذلك نص الفقرة الأولى تغييراً خطيراً فقدت به أهم كلمة فيها وهي "مرة ثانية" التي تدل دلالة قاطعة على أن المطعون عليه كان قد طلق "نينا" قبل كتابته وهو لذلك يقرر أنه سوف يقطع يده ولسانه إذا كتب أو لفظ ذلك مرة ثانية، وهذا التحريف يدور حول دفاع جوهري هو اعتراف المطعون عليه بأنه سبق أن طلق الطاعنة الأولى بالقول وبالكتابة ومن مصلحة الطاعنين تصحيحه خصوصاً وأن النيابة تمثل المصلحة العامة وتدين بالحياد بين طرفي الخصومة وقد حرص المشرع أن تكون ممثلة في قضايا الأحوال الشخصية وجعلها آخر من يتكلم ومن هنا نصت المادة 106 مرافعات على أنه يجوز للخصوم أن يقدموا للمحكمة بياناً كتابياً لتصحيح الوقائع التي ذكرتها النيابة، والمحكمة ملزمة بقبول هذا البيان وإن لم تستأذن في تقديمه وفي رفضها له إخلال بحقوق الدفاع إذ يحتمل أن تقتنع المحكمة به أو تأذن بتقديم مستندات جديدة أو مذكرات تكميلية وإعادة القضية للمرافعة. استناداً للمادة 107 مرافعات ويحتمل أن تعدل النيابة عن رأيها عندما تتبين الوقائع على وجه صحيح.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجهين "الأول والثاني" منه بأن المحكمة ليست ملزمة بإجابة طلب فتح باب المرافعة وبالتالي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ليست ملزمة بالإشارة إلى هذا الطلب في حكمها، ومردود في الوجه (الثالث) بأنه بعد صدور القانون رقم 628 لسنة 1955 أصبحت النيابة العامة طرفاً أصلياً في قضايا الأحوال الشخصية التي لا تختص بها المحاكم الجزئية ومن ثم فلا تسري في شأنها أحكام المادة 106 من قانون المرافعات فيما نصت عليه من أنه "في جميع الدعاوى التي لا تكون النيابة فيها إلا طرفاً منضماً لا يجوز للخصوم بعد تقديم أقوالها وطلباتها أن يطلبوا الكلام ولا أن يقدموا مذكرات جديدة وإنما يجوز لهم أن يقدموا للمحكمة بياناً كتابياً لتصحيح الوقائع التي ذكرتها النيابة" إذ هي لا تسري - وعلى ما يبين من عبارتها إلا حيث تكون النيابة طرفاً منضماً - وما أثاره الطاعنان في هذا الخصوص لا يتصل بتصحيح وقائع ذكرتها النيابة ولكن بفهم الواقع في عبارة الخطاب ودلالته.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الطاعنين طلبا من محكمة الاستئناف ضم تحقيقات المصانع الحربية لتعزيز الدليل المستمد من أقوال شاهد الإثبات الأول عبد الله فايد عبد الله كما طلبا إحالة الدعوى إلى التحقيق لسماع أقوال الأطباء الذين استشهد طرفا الخصومة بأوراق متعارضة الدلالة منسوبة إليهم وطلبا السماح بعرض فيلم سينمائي يسجل حياة الطفل عمرو بين والديه الطاعنين منذ شهوره الأولى ورفضت المحكمة إجابتهما إلى هذه الطلبات وهذا من الحكم إخلال بحق الدفاع وبطلان في الإجراءات وفي الحكم إذ أن الاستئناف لا يقف بالقضية عند حدود ما جرى أمام محكمة أول درجة ولكنه يتيح لطرفي الخصومة أن يقدما ما يريان من أدلة ودفوع وأوجه دفاع جديدة والمستأنف هو أكثر الخصمين حاجة لذلك وهو ما لا بد فيه من الالتجاء إلى المحكمة لتصدر القرارات التي يتسنى معها عرض الدليل بحيث إذا رفضت إصدار هذه القرارات دون مقتض فإنها تكون قد جردت المستأنف من الحق الذي تقرره المادة 410 من قانون المرافعات. فقد جرحت محكمة أول درجة شاهد الإثبات الأول فيما قرره بشأن انتدابه من المصانع الحربية للحصول على أسعار بالممارسة وهي المناسبة التي من أجلها توجه إلى منزل المطعون عليه وحضور واقعة الطلاق مستندة في ذلك إلى ما جاء في شهادة المؤسسة العامة لهذه المصانع من أنه لم يعين أو يندب أو يشترك في لجنة ممارسة لشراء أصناف في يوليو سنة 1956 وقيد التحقيق ضده مخالفة إدارية لإخلاله بواجبات وظيفته وفي الاستئناف تمسك الطاعنان بأن هذه الشهادة كتبت بطريقة ملتوية ولا تنفي انتدابه في أوقات أخرى وطلبا ضم التحقيقات ورفضت المحكمة هذا الطلب دون مقتض - كذلك طلب الطاعنان إحالة الدعوى على التحقيق لسماع أقوال الأطباء الذين تضاربت الشهادات الطبية المنسوبة إليهم ومنهم الدكتور صفوت ورفضت المحكمة هذا الطلب واستندت في قضائها إلى هذه الشهادات بينما هي صور فوتوغرافية لأوراق عرفية لا تصلح دليلاً في الإثبات ولو صح صدورها من أصحابها فهي ملقنة ومملاة ولا تعدو أن تكون شهادة كتابية خارج مجلس القضاء وكان واجباً على المحكمة إزاء ذلك أن تحيل القضية على التحقيق وتسمع أقوالهم بعد حلف اليمين كما طلب الطاعنان عرض فيلم سينمائي يصور حياتهما وحياة الطفل عمرو في سني زواجهما وحياته الأولى وفي رحاب سكنهما الواسع وأطوار نموه من ديسمبر سنة 1957 إلى نوفمبر سنة 1960 وهو دليل مادي هام يكذب المطعون عليه في جميع أقواله، ورفضت المحكمة هذا الطلب رغم ما لعرض الفيلم من أهمية ودلالة كبرى وهو لا يعدو أن يكون مستنداً أراد الطاعنان تقديمه إلى المحكمة والسبيل الوحيد إلى ذلك هو عرضه بالطريقة الآلية المعروفة فإذا رفضت المحكمة عرض الفيلم فإنها بذلك تكون قد منعت الطاعنين من تقديم دليل أراد الاستشهاد به وهو خطأ قانوني فاحش خصوصاً وأنها لم تكن تستطيع أن تتبين فحواه إلا بعد عرضه عليها.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجه (الأول) منه بما جرى به قضاء هذه المحكمة من أنه متى كانت الأوراق المقدمة في الدعوى كافية لتكوين عقيدة المحكمة فلا حرج عليها إذا هي لم تأمر بضم أوراق أخرى استجابة لطلب أحد الخصوم، وبالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أنه أقام قضاءه في خصوص شهادة عبد الله فايد عبد الله على أنه "واضح من اطلاع المحكمة على أقوال شهود الطرفين أن الشاهد الأول من شهود المستأنفين (عبد الله فايد عبد الله) ذكر أنه سبق أن ندب من المصانع الحربية في يوليو سنة 1956 للحصول على أسعار بالممارسة لأمر مصلحي وعرض عليه المستأنف عليه بمكتبه بعض الأصناف المراد شراءها وقدم المستأنف عليه شهادة رسمية "ملف 14 أمام محكمة أول درجة" صادرة من الهيئة العامة للمصانع الحربية تفيد بأنها لم تندب الشاهد في أية لجنة لممارسة الشراء في يوليو سنة 1956 خلافاً لما جاء بشهادته وأنه عوقب إدارياً مما يكذب مزاعم هذا الشاهد فضلاً عن أنه لو صح ما ذكره عن ورقة الطلاق ورغم حضوره عقد الزواج العرفي وأن المستأنفة كانت معها هذه الورقة لأثبتت مضمونها في العقد العرفي وقد جاء خلواً من ذلك كما أن إقراره بصداقة المستأنف الثاني مما يفيد أن شهادته التي تكذبها وقائع الدعوى جاءت مجاملة لصديقه المذكور" وانتهى إلى أن "المحكمة ترى في الشهادة المقدمة من إدارة المصانع الحربية ما يكفي لكذب شهادة الشاهد الأول عندما زعم ندبه من لجنة ممارسة المشتريات حتى يعطي شهادته المزيفة ظلاً من الحقيقة الباطلة ولا محل لضم التحقيقات بخصوص هذا الشأن" ومردود في الوجه (الثاني) بأن إجراء التحقيق لإثبات وقائع يجوز إثباتها بالبينة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ليس حقاً للخصوم تتحتم إجابتهم إليه في كل حالة بل هو أمر متروك لمحكمة الموضوع ترفض الإجابة إليه متى رأت بما لها من سلطة التقدير أن لا حاجة بها إليه أو أنه غير مجد بالنظر إلى ظروف الدعوى وما هو ثابت فيها من الأدلة والوقائع التي تكفي لتكوين عقيدتها وبحسبها أن تبين في حكمها الأسباب التي اعتمدت عليها في رفض هذا الطلب وبالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أنه أقام قضاءه في هذا الخصوص على ما سبق بيانه وعلى أنه "واضح من أقوال شهود المستأنفين الثلاثة أن شهاداتهم لا يعول عليها... وأن شهادة هؤلاء الشهود الثلاثة تدحضها المستندات الرسمية القاطعة التي قدمها المستأنف ضده والقرائن القوية التي تثبت عدم صحة شهادتهم إذ قدم المستأنف ضده حافظة 4 دوسيه أمام محكمة أول درجة بها شهادة طبية من الدكتور محمد فياض تفيد أن المستأنفة كانت تحت رعايته الطبية أثناء الحمل من 1/ 9/ 1957 حتى الولادة وكانت تحضر بصحبة زوجها المستأنف ضده وأن الولادة تمت في 6/ 10/ 1957 في منزل والد المستأنف ضده وبحضوره وأنه قام المذكور بدفع نفقات الولادة كما ثبت من المستند 6 من ذات الحافظة أن الطفل عمرو المولود في 6/ 10/ 1957 قيد باسم والده المستأنف ضده مما ينفي طلاق والدته المستأنفة من أبيه في يوليه سنة 1956 كما ثبت من صورة الشهادة الرسمية الصادرة من مصلحة الشهر العقاري (مستند رقم 1 حافظة 5 دوسيه محكمة أول درجة) أن المستأنفة في توكيلها لمحاميها أثبتت إقامتها في ذات عنوان زوجها المستأنف ضده وتاريخ توثيقه في 17/ 3/ 1960 كما ثبت من المستند رقم 3 من ذات الحافظة أن المستأنفة أجريت لها عملية جراحية بمستشفى الجمعية الخيرية الإسلامية وأنها مقيدة بالمستشفى في الفترة من 26/ 2/ 1959 إلى 3/ 3/ 1959 باعتبارها زوجة المستأنف ضده كما ثبت من الشهادة الطبية مستند رقم 2 من الدكتور الزنيني أن المستأنفة زوجة المستأنف ضده عولجت عنده في شهور يوليه سنة 1958 ويناير سنة 1959 ويوليه سنة 1959 وكانت تحضر للعلاج بصحبة زوجها المذكور كما ثبت من المستند رقم 7 حافظة رقم 15 ملف أمام محكمة أول درجة المقدم بمحضر تحقيق نيابة عابدين في جنحة الزنا المقامة ضد المستأنفين أن السيد وكيل النيابة أثبت اطلاعه على طلب تجديد جواز سفر المستأنفة وأنها زوجة المستأنف ضده ومرفق به طلب منه في 23/ 11/ 1958 لمدير الجوازات بإضافة نجله عمرو إلى جواز سفر والدته المستأنفة وأن إقامتها في ذات مسكن زوجها". وأنه "فضلاً عما تقدم فإن سكوت المستأنف الثاني منذ تاريخ ولادة الطفل عمرو في أكتوبر سنة 1957 حتى رفع الدعوى الحالية وعدم تقديمه لشكوى أو رفع دعوى إثبات حالة عن الطفل المتنازع عليه رغم إقرار المستأنفة أنها أطلعته على شهادة ميلاد الطفل المدون باسم أبيه الحقيقي المستأنف عليه ولو كان زواجه العرفي بالمستأنفة له ظل من الحقيقة وأن الطفل عمرو ثمرة هذا الزواج لبادر بإثبات نسبه إليه وإثبات زوجيتها به أو تقدم بشكوى بمجرد اطلاعه على شهادة ميلاده وهي قرينة كافية على عدم صحة الزواج العرفي المصطنع تاريخه" وانتهى إلى أن "المحكمة ترى الأخذ بالشهادات الطبية المقدمة من المستأنف ضده بخصوص علاج زوجته المستأنفة وولادة الطفل عمرو وهي على فراش الزوجية ولا ترى محلاً لاستدعاء محرريها الأطباء للإدلاء بشهادتهم" ومردود في الوجه الثالث بما رد به الحكم المطعون فيه من أنه "لا محل لإجابة المستأنفين إلى طلب عرضهما الفيلم السينمائي الذي صوره المستأنف الثاني مع المستأنفة الأولى للتدليل على معاشرته الزوجية وإقامتها في سكنه وأن الطفل عمرو هو ثمرة هذا الزواج إذ لم يكن التصوير السينمائي في أي يوم دليلاً أو شبه دليل في مثل هذه الدعوى إذ من السهل تواجد الطفل مع أمه في منزل المستأنف الثاني الذي عاشرها معاشرة غير مشروعة" ومؤدى هذا النظر أن الفيلم أياً كانت صوره وأوضاعه لا دليل فيه على الزوجية والمعاشرة المشروعة.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أنه ثبت في محضر جلسة 11 مايو سنة 1963 أن طرفي النزاع اتفقا على حجز القضية للحكم وصمم كل على طلباته وذلك لا يفيد بحال حصول المرافعة الشفوية وفيه ما يبطل الحكم إذ من شأنه الحيلولة بين محكمة النقض وإعمال رقابتها على ما يقع من مخالفة في الإجراءات.
وحيث إن هذا السبب في غير محله ذلك أن للخصوم أن يقدموا طلباتهم "الختامية" وأوجه دفاعهم بالشكل الذي يريدونه - شفاهاً أو كتابة أو هما معاً - وإذ كان الثابت من محضر جلسة 11 مايو سنة 1963 أن طرفي النزاع اتفقا "على حجز القضية للحكم وصمم كل على طلباته" ولم يثبت في المحضر أن الطاعنين أو أحدهما طلب المرافعة الشفوية لاستكمال دفاعه، لا يكون هناك وجه للقول بوقوع بطلان في الإجراءات أثر في الحكم إذ أنهما بذلك يكونان قد اكتفيا في مرافعتهما الشفوية بهذا القدر الثابت في محضر الجلسة.
وحيث إن حاصل السبب الرابع أن السيد المستشار حسن عكوش اشترك في المداولة وفي إصدار الحكم مع أنه لم يسمع المرافعة في جلسة 11/ 5/ 1963 ولم يحضر في الجلسات السابقة التي قدمت فيها المذكرات ولم يتصل بتقديمها واشتراكه في المداولة وفي الحكم بعد تقديم المذكرات ودون سماع مرافعة شفوية مخالفة للقانون وبطلان في الإجراءات وفي الحكم.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن الثابت من الأوراق أن السيد المستشار حسن عكوش كان عضواً في الدائرة التي أصدرت الحكم منذ جلسة 13/ 3/ 1963 واستمر إلى جلسة المرافعة الأخيرة في 11 مايو سنة 1963 حيث حضر الطرفان وصمم كل على طلباته وحجزت القضية للحكم لجلسة 9 من يونيه سنة 1963 ومن ثم فلا عيب في الإجراءات ولا في الحكم ويكون النعي على غير أساس وخليقاً بالرفض.
وحيث إن حاصل السبب الخامس أن الحكم المطعون فيه أغفل الرد على كثير من أوجه الدفاع الجوهرية التي استند إليها الطاعنان وجاء مشوباً بالقصور وذلك فيما جرى عليه من تجريح شهود الإثبات ورفض طلب ضم تحقيقات المصانع الحربية وسماع شهادة الأطباء والتصريح بعرض الفيلم وفيما ساقه من قرائن تنفي دعوى الطلاق وتكذب شهود الإثبات وفيما قرره بشأن تفسير الخطابين اللذين أرسلهما المطعون عليه إلى شقيقة الطاعنة الأولى (1) قصور الحكم فيما جرى عليه من تجريح شهود الإثبات يبدو فيما أورده من أن شاهد الإثبات الأول عبد الله فايد عبد الله "ذكر أنه ندب من المصانع الحربية في يوليه سنة 1956 للحصول على أسعار بالممارسة لأمر مصلحي" مع أنه لم يقل ذلك بل قال إنه "سبق أن انتدب مرة للحصول على أسعار وذلك في يوليه سنة 1956" وهي عبارة تختلف عن العبارة التي نسبها الحكم إليه وقد وضح الشاهد هذه العبارة المجملة في عبارة أخرى وضح بها تاريخ ندبه وتاريخ سعيه للحصول على الأسعار بأوائل يوليه وليس في شهادة المصانع الحربية ما يكذب أقواله وما جاء بها عن قيد التحقيق مخالفة إدارية يقطع بأن هذه المخالفة لا شأن لها بشهادته في الدعوى، وفيما أورده من أن الشاهد الثاني قرر "أنه لا يذكر العبارات التي كتبت في ورقة الطلاق" في حين أنه قرر أنه "لا يذكرها بالضبط" وفيما ارتكن إليه من أن الشاهد الثالث قرر أنه اطلع على ورقة الطلاق وأغفل مع ذلك أن يثبت فحواها في عقد الزواج العرفي وهو استنباط غير سائغ إذ يكفي الاطلاع على صيغة الطلاق وتوقيع المطلق والشهود لاقتناعه بخلو الزوجين من الموانع. (2) ورفض الحكم طلب ضم تحقيقات المصانع الحربية وسماع شهادة الأطباء والتصريح بعرض الفيلم سبق بيان أوجه القصور فيها ويضاف إليها أنه أغفل الرد على شهادة الدكتور محمد صادق وهي تناقض شهادة الدكتورين محمد فياض وأمين الزنيني كما أغفل شهادة الدكتور أحمد صفوت وفيها يقرر أن الطاعنة الأولى كانت تترد عليه لعلاج أولادها إيناس وخالد وعمرو مع الطاعن الثاني الذي كان واسطة حضورهم إليه ودائم التوصية بهم ورفض استدعاءه للشهادة دون أن يعلل هذا الرفض تعليلاً مستساغاً واكتفى بالشهادات المنسوبة إلى الدكتورين فياض والزنيني مع أن الطاعنين جحداها وأنكرا كل قيمة لها وطلبا استبعادها وما تعلل به الحكم بشأن رفض عرض الفيلم هو تعليل واه لم يستخلص استخلاصاً سائغاً من أوراق الدعوى (3) وقصور الحكم فيما ساقه من قرائن تنفي دعوى الطلاق وتكذب شهود الإثبات يبدو من أنه بالغ فيها وحملها بما لا تحتمل ولو أن المحكمة ألقت بالاً إلى ظروف الطاعنة الأولى وما تمسكت به من دفاع لتعذر عليها استمداد تلك القرائن التي عولت عليها ولما بادرت إلى الاقتناع بوجهة نظر المطعون عليه، فقد تمسك الطاعنان بدفاع معقول وفي القليل محتمل هو أن المطعون عليه أراد أن ينتقم من مطلقته وزوجها فأظهر التسليم بوصفها الجديد واستغل حاجتها إلى التردد على منزله لرعاية ولديها إيناس وخالد واختلس ورقة الطلاق وافتعل كثيراً من المظاهر الزائفة لكي يعتمد عليها في إنكار الطلاق واتهامها بالزنا وانتزاع الطفل عمرو من والديه وأوراق الدعوى زاخرة بما يثير كل شك فيه حيث زعم أن الطاعن الثاني طرد من الخدمة وحيث تلاعب في شهادات الدكتور صفوت وافتعل دعوى استرداد بعد سفر الطاعنة إلى أوربا في 22/ 7/ 1959 ليثبت إقامتها في منزل الزوجية وقدم شكوى ضدها في السفارة البولونية، وليس أبلغ في قصوره من أنه أسقط من حسابه ما قدمه الطاعنان من قرائن تؤيد شهود الإثبات واستند إلى تحريك دعوى الزنا واعتبره قرينة على عدم حصول الطلاق وهو تدليل غير مستساغ كما استند إلى ولادة الطفل عمرو في منزل والده المطعون عليه واعتبرها دليلاً على أنه ولده واستند إلى عدم تبليغ الطاعنة الأولى عن اختلاس وثيقة الطلاق مع أنها صرحت باختلاسها في عريضة الدعوى أو في محاضر الجلسات الأولى (4) وقصور الحكم في تفسير الخطابين المرسلين من المطعون عليه إلى شقيقة الطاعنة في بولونيا يبدو من أن الطاعنين تمسكا في دفاعهما بأن عبارة "سوف تقطع يدي ولساني إذا كتبت ذلك أو لفظته مرة ثانية" الواردة في أولهما قاطعة في وجود طلاق سابق وفسرها الحكم تفسيراً آخر هو أنها "زيادة تأكيدية بحبه للطاعنة وعدم تفكيره في الطلاق الذي تنوه عنه شقيقتها" وهو تفسير مستحيل لأن شقيقتها لم تطلب منه الطلاق وقد امتنع عن تقديم الخطاب المرسل منها إليه وامتناعه عن تقديمه أبلغ قرينة على كذب مزاعمه، كما تمسكت الطاعنة الأولى بأن الخطاب الثاني يقطر كرهاً لها وطعناً فيها ويستحيل إذن أن يكون قد كتب أثناء سفرها في الخارج وأن عبارة. "والآن ستكون لديها كل الفرص لتنفرد به - أي حسنى - وسأتركها له" الواردة فيه تتضمن اعترافاً منه بالطلاق ومع ذلك فقد ذهب الحكم إلى أنها لا تفيد الطلاق بل الوعد به ولم يقم دليل على تحققه وهو خطأ في تفسير الخطابين.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجه (الأول) منه بما سبق الرد به على السببين الأول والثاني وبما أورده الحكم المطعون فيه من أنه "واضح من أقوال شهود المستأنفين الثلاثة أن شهادتهم لا يعول عليها إذ أن شهادة الشاهد الأول كاذبة من أساسها وأن الشاهد الثاني لا يذكر العبارات التي كتبت في ورقة الطلاق المزعومة وأن الشاهد الثالث رغم أنه كاتب عقد الزواج العرفي المصطنع فقد زعم أنه اطلع على ورقة الطلاق أثناء العقد ولم يقرأها كلها ولم يثبتها في هذا العقد العرفي" وأن "شهادة هؤلاء الشهود الثلاثة تدحضها المستندات الرسمية القاطعة التي قدمها المستأنف ضده والقرائن القوية التي تثبت عدم صحة شهادتهم" ومردود في الوجه (الثاني) بأن للمحكمة أن ترفض طلب التحقيق الذي يطلب منها كلما رأت أنها ليست في حاجة إليه، ولقاضي الموضوع السلطة التامة في بحث الدلائل والمستندات المقدمة له تقديماً صحيحاً وفي موازنة بعضها بالبعض الآخر وترجيح ما تطمئن نفسه إلى ترجيحه منها وفي استخلاص ما يرى أنه واقعة الدعوى، ومردود في الوجه (الثالث) بما أورده الحكم المطعون فيه من أنه "بخصوص وقائع الدعوى وشهود الطرفين والقرائن التي استندت إليها محكمة أول درجة فإنه بالرجوع إلى صحيفة الدعوى الابتدائية فقد ذكرت المستأنفة أن المستأنف عليه طلقها طلاقاً بائناً في يوليه سنة 1956 ولم تأت بذكر لورقة الطلاق المزعومة أو أنها فقدت أو سرقت منها كما تزعم ولم تأت بذكر أسماء وشهود واقعة الطلاق أو أن الطلاق على الإبراء من حقوق الزوجية ولم يذكر وكيلها أمام محكمة أول درجة حصول الطلاق بورقة وفقدها (تراجع محاضر جلسات 31/ 12/1960، 25/ 2/ 1961 و25/ 3/ 1961 وذكر بالجلسة الأخيرة أن الطلاق على الإبراء أمام شهود ولم يذكر ورقة الطلاق المزعومة التي فقدت وهي سند هام من أسانيد الدعوى بل الثابت من اطلاع المحكمة على عقد الزواج العرفي بحافظة المستأنف الثاني وملف 32 أمام محكمة أول درجة (والمعطى له تاريخ 16/ 12/ 1956 أنه ذكر في صدره أن المستأنفة سابق لها زواج فكان يتعين ذكر واقعة الطلاق من زوجها السابق وتاريخ وقوعه وإثبات الورقة المثبتة للطلاق المزعوم على الإبراء وانقضاء العدة وعدم حصول موانع قانونية في ذات العقد المذكور فضلاً عن أن هذا العقد العرفي لا يعتد به كما قالت بحق النيابة العامة في مذكرتها لأنه مصطنع التاريخ وفضلاً عن عدم جواز سماع دعوى الزوجية المزعومة بين المستأنفين عملاً بالقانون) وأنه "فضلاً عما تقدم فإن سكوت المستأنف الثاني منذ تاريخ ولادة الطفل عمرو في أكتوبر سنة 1957 حتى تاريخ رفع الدعوى وعدم تقدمه بأي شكوى أو رفع دعوى إثبات نسب عن الطفل المتنازع عليه رغم إقرار المستأنفة أنها أطلعته على شهادة ميلاد الطفل المدونة باسم أبيه الحقيقي المستأنف عليه ولو كان زواجه العرفي بالمستأنفة له ظل من الحقيقة وأن الطفل عمرو ثمرة هذا الزواج لبادر بإثبات نسبه إليه وإثبات زوجيتها به أو تقدم بشكوى بمجرد اطلاعه على شهادة ميلاده وهي قرينة كافية تدل على عدم صحة الزواج العرفي المصطنع تاريخه كما تدل على عدم صحة زعم المستأنفة بحصول طلاق سابق من زوجها المستأنف عليه بورقة زعمت فقدها أو سرقتها ولم تتقدم بأي خطوة بشكوى أو نحوها لإثبات هذا الزعم بفقد هذه الورقة وهي سندها الوحيد في الادعاء" وأن "تحريك دعوى الزنا ضد المستأنفين بناء على شكوى المستأنف ضده قرينة مضافة للقرائن السابقة على عدم حصول الطلاق وعدم صحة الزواج العرفي المزعوم" وهي تقريرات موضوعية سائغة تكفي لحمله هي وما سبقها ومردود في الوجه (الرابع) بما أورده الحكم المطعون فيه بشأن الخطابين وقوله "أما عن الخطابين اللذين أمرت هذه المحكمة بترجمتهما ترجمة رسمية إلى اللغة العربية فواضح من الاطلاع على ترجمتهما الرسمية (حافظة المستأنفين رقم 10) أن أحدهما مؤرخ 26/ 12/ 1959 ومرسل من المستأنف عليه إلى شقيقة زوجته (المستأنفة الأولى) وعباراته كلها تؤكد أن الطفل عمرو هو نجله وأنها كل شيء في حياته وأن شقيقة زوجته تسبب له ألماً جنونياً بأن تطلب منه أن يطلق زوجته وأنه جريمة ولن يفعل ذلك طالما هو حي وسوف يقطع يده ولسانه إذا كتبه أو لفظه مرة أخرى وفي هذه العبارة الأخيرة زيادة تأكيدية بحبه لها وعدم تفكيره بتاتاً في الطلاق الذي تنوه عنه شقيقة زوجته ولن يكتب ذلك أو يلفظه مرة أخرى أي لفظ الطلاق الذي طلبته شقيقتها وسياق الخطاب لا يمكن تحميله أكثر من معناه الظاهر فلا محل للقول أن معناه أنه سبق أن طلقها طلقة أولى وفي هذا الخطاب إشارة إلى أن المستأنف الثاني حضر في غيابه إلى منزله وأنه يؤنبها على هذا التصرف لأنه شخص غريب عنها مما يؤكد أنه لم يتزوجها. أما الخطاب الثاني إلى شقيقة المستأنفة فإنه يؤنب فيه زوجته على إهمال شئون بيتها وأولادهما وأن حبه لها قد انتهى وأنه سيتركها له وليس في ألفاظ هذا الخطاب ما يفيد أنه طلقها أو أنشأ طلاقاً وإنما هو وعد ولم يقم دليل على تحقق هذا الوعد" ومردود أخيراً وفي جملته بأنه جدل موضوعي في تقدير الدليل وتقدير أقوال الشهود مما يستقل به قاضي الموضوع ولا شأن لمحكمة النقض به وقد سبق القول بأنه تقدير موضوعي سائغ.
وحيث إن حاصل السببين السادس والسابع أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه من وجهين (أولهما) أنه جرح شهود الإثبات ورد شهادتهم مخالفاً في ذلك أرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة وهي القانون الواجب التطبيق، إن أن البينة في الشريعة الإسلامية لها شأن خطير في إثبات الخصومة والأصل فيها أن المسلمين عدول بعضهم على بعض إلا مجرباً عليه شهادة الزور أو مجلوداً في حد أو ظنيناً في ولاء أو قرابة وشهود الطاعنين الثلاثة لا تنطبق عليهم هذه الأوصاف ولا ما أضافه فقهاء الحنفية في حالات أخرى هي الفسق والعداوة الدنيوية والخصومة والشهادة التي تجر مغنماً أو تدفع مغرماً وأحكام المذهب لا تستلزم إلا أن يكون الشاهد، "عالماً بالمشهود ذاكراً له" وهي تتشدد في وجوب إثبات الطلاق والتفريق بين الزوجين إذا شهد شاهدان بوقوعه وإذ استبعد الحكم المطعون فيه شهادة شهود الإثبات دون ما تجريح شرعي فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله فضلاً عن أنه لم يرد على هذا الدفاع الجوهري الذي تمسك به الطاعنان وهو قصور يعيبه. (وثانيهما) أنه عول على قرائن غير قاطعة في رد شهادة شهود الإثبات في حين أن الراجح في مذهب أبي حنيفة هو عدم اعتبار القرينة دليلاً شرعياً قاطعة كانت أو غير قاطعة وما ورد في المادة 123 من اللائحة من اعتبار القرينة القاطعة دليلاً شرعياً يقتصر عليها وحدها دون القرينة غير القاطعة وهي ليست مأخوذة من فقه الحنفية وقد ألغيت وأصبح لا محل بعد إلغائها للأخذ بالقرينة وإن كانت قاطعة ويتعين الرجوع إلى أرجح الأقوال في المذهب وهي لا تعتبر القرائن بنوعيها دليلاً شرعياً يمكن الاعتماد عليه.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجه (الأول) منه ذلك أن الشهادة في اصطلاح الفقهاء هي إخبار صادق في مجلس الحكم بلفظ الشهادة لإثبات حق على الغير ولو بلا دعوى وبالقيد الأول يخرج عن نطاقها الإخبار الكاذب، ولازم هذا أن تكون لقاضي الدعوى سلطة الترجيح بين البيانات واستظهار واقع الحال ووجه الحق فيها وسبيله على ذلك أنه إذا قدم أحد الخصوم بينة لإثبات واقعة كان للخصم الآخر الحق دائماً في إثبات عدم صحة هذه الواقعة وهو ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للائحة الشرعية بقولها "وقد يقيم أحد الخصوم بينة لإثبات واقعة من وقائع الدعوى ويكون لدى الخصم ما يفيد عدم صحة هذه الواقعة فمن العدالة أن يفسح له المجال لنفي صحة الوقائع التي سمعت البينة لإثباتها ويمكن من تقديم دليله للقضاء ليفصل القاضي بالحق بعد الموازنة بين الأدلة والترجيح لما يظهر له رجحانه" وما جاء في سبب الطعن إنما يتصل بشروط أداء الشهادة وتحملها وهي أمور خارجة عن موضوعها وفهم الواقع فيها والتمييز بين الصادق والكاذب منها، وإجماع الفقهاء على أن القاضي لا يقف مع ظواهر البينات ولا يتقيد بشهادة من تحملوا الشهادة على الحق إذا ثبت له من طريق آخر، ومردود في الوجه (الثاني) بأن من القرائن ما نص عليه الشارع أو استنبطه الفقهاء باجتهادهم ومنها ما يستنبطه القاضي من دلائل الحال وشواهده وكتب المذهب مملوءة باعتبار القرائن في مواضع كثيرة، وبالرجوع إلى اللائحة الشرعية قبل إلغاء ما ألغي من نصوصها بالقانون رقم 462 لسنة 1955 يبين أنها كانت تنص في المادة 123 منها على أن "الأدلة الشرعية هي ما يدل على الحق ويظهره من إقرار وشهادة ونكول عن الحلف وقرينة قاطعة" وجاء في المذكرة الإيضاحية لهذه اللائحة ما نصه "ليس الغرض من الدليل الذي يقدم للقضاء سوى إبانة الحق وإظهاره وقد يعرض في الدعوى من القرائن القاطعة ما يرجح كفة أحد الخصمين ويدل على الحق في الخصومة وليس من العدالة ولا من الحق أن تهدر دلالتها ويحجر على القضاء الأخذ بها وقد جاءت الشريعة الغراء باعتبارها واعتمد الفقهاء في صدر الإسلام في أقضيتهم عليها، لذلك أضيفت القرينة القاطعة إلى الأدلة الشرعية المقبولة وعرف الدليل للإرشاد إلى ما هو المقصود منه ليسير القضاة في التطبيق على وفقه. والواقع في ذلك أن "القضاء فهم" ومن القرائن ما لا يسوغ تعطيل شهادته إذ منها ما هو أقوى بكثير من البينة والإقرار وهما خبران يتطرق إليهما الصدق والكذب.
وحيث إن حاصل الأسباب الثامن والتاسع والعاشر أن الحكم المطعون فيه انطوى على بطلان في الإجراءات ومخالفة للقانون وخطأ في تطبيقه من وجوه (أولها) أن الطاعنين أرسلا إلى المحكمة وثيقة تتضمن بياناً بتصحيح الوقائع التي أوردتها النيابة في مذكرتها وطلبا فتح باب المرافعة مرتين لهذا السبب ولكن المحكمة أهدرت كل هذه الطلبات ولم تستجب إليها وهذا منها مخالفة لأحكام المواد 99، 103، 106، 107، 349 من قانون المرافعات وبطلان في الإجراءات (وثانيها) أنه استند إلى الصور الشمسية للشهادتين المقدمتين من الدكتورين فياض والزنيني مع أن الفقه والقضاء مستقران على أن لا حجية لصور الأوراق العرفية (وثالثها) أنه قرر بطلان الزواج العرفي وثبوت نسب الطفل عمرو من المطعون عليه وهما أمران خارجان عن نطاق الدعوى.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجه (الأول) منه بما سبق بيانه في صدد الرد على الأسباب الخامس والسادس والسابع ومردود في الوجه (الثاني) بأنه ليس في بيانات الحكم المطعون فيه ما يدل على أنه عول في قضائه على صور شمسية لشهادتي الدكتورين فياض والزنيني، ومردود في الوجه الثالث بأن رفض دعوى الطاعنة الأولى إثبات الطلاق هو قضاء ضمني بقيام الزوجية بينها وبين المطعون عليه وأن الولد للفراش وتبعا ببطلان عقد الزواج العرفي المدعى بقيامه بين الطاعنين ولما تقدم يتعين رفض الطعن.


 (1) نقض 3/ 11/ 1960. الطعن رقم 660 لسنة 25 ق السنة 11 ص 544.
 (2) نقض 16/ 1/ 1963.الطعن رقم 45 لسنة 30 ق. السنة 14 ص 104 ونقض 17/ 3/ 1960. الطعن رقم 422 لسنة 25 ق. السنة 11 ص 231

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق