جلسة 10 من أكتوبر سنة 1946
برياسة حضرة جندى عبد الملك بك وكيل المحكمة وحضور حضرات: أحمد نشأت بك ومحمد المفتى الجزايرلى بك وسليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك المستشارين.
--------------
(97)
القضية رقم 120 سنة 15 القضائية
ا - إثبات.
وضع اليد. إثباته بالطرق كافة. القرائن القضائية. سلطة القاضى فى تقديرها. الاعتماد فى إثبات الملكية بالتقادم على القرينة المستفادة من إخفاق المنازع فيها وما ترتب على ذلك من نفى وضع يده. لا مخالفة للقانون.
ب - وضع يد.
حصة شائعة. حيازتها على وجه التخصيص والانفراد. جائزة. تملكها بالتقادم. جائز.
حـ - حكم. تسبيبه.
أسباب مؤدية إلى المنطوق. تزيد. الخطأ فيه. لا يستوجب نقض الحكم.
د - وضع يد.
التنازع عليه. رجوع المحكمة فى تحريه إلى الأوراق المقدمة لها جائز. خطؤها فى تكييف هذه الأوراق. لا يؤثر فى سلامة الحكم.
هـ - حكمه. تسبيبه.
بحث كل ركن من أركان وضع اليد على استقلال. غير لازم. يكفى أن يظهر من الحكم أنه تحرى هذه الأركان جميعاً وتحقق من قيامها.
و - ضمان. قسمة.
ضمان المتقاسم. القواعد التى تحكمه هي القواعد التي تحكم ضمان البائع. العلم بخطر الاستحقاق. العبرة بقيمة المستحق وقت القسمة.
ز - حكم. تسبيبه.
دعوى ضمان استحقاق. عدم بيان كيف أدى تطبيق حكم القانون وحكم العقد إلى المبلغ المحكوم به. قصور.
---------------
1 - إذا تمسك مدعى الملكية بأنه تملك الأطيان المتنازع عليها بالشراء ممن تملكها بالتقادم من مالكها الأصلى، ودفع المدعى عليه بأنه هو الذى تملك بالتقادم، وأمرت المحكمة الابتدائية بإحالة الدعوى على التحقيق لإثبات وضع اليد بشهادة الشهود، وحملت المدعى عليه عبء الإثبات فقبل هذا الحكم التمهيدى ولم يستأنفه، ثم لما أصدرت حكمها القطعى نفت ملكية المدعى عليه وأثبتت فى الوقت نفسه ملكية المدعى وردت هذه الملكية إلى سببها القانونى وهو التقادم، وساقت على هذا التقادم أدلة من شأنها أن تؤدى إليه، فانها لا تكون قد أخطأت فى تطبيق قواعد إثبات الملكية، ولو جعلت فى المقام الأول من الأدلة التى أوردتها على تملك المدعى بالتقادم ما استفادته من إخفاق المدعى عليه فى دفاعه وما ترتب على هذا الإخفاق من انتفاء وضع يده، فذلك حقها الذى لا معقب عليه، إذ أن وضع اليد واقعة تقبل الإثبات بالطرق كافة بما فيها القرائن، والقرائن القضائية من الأدلة التى لم يحدد القانون حجيتها والتى أطلق للقاضى فى الأخذ بنتيجتها وعدم الأخذ بها، كما أطلق له فى أن ينزل كل قرينة منها من حيث الأهمية والتقدير المنزلة التى يراها.
2 - الحصة الشائعة فى عقار كالنصيب المفرز من حيث إن كليهما يصح أن يكون محلا لأن يحوزه حائز على وجه التخصيص والانفراد. ولا فارق بين الاثنين إلا من حيث إن حائز النصيب المفرز تكون يده بريئة من المخالطة، أما حائز الحصة الشائعة فيده بحكم الشيوع تخالط يد غيره من المشتاعين، والمخالطة ليست عيباً فى ذاتها، وإنما العيب فيما ينشأ عنها من غموض وإبهام. فإذا اتفق المشتاعون ووقف كل منهم فى ممارسته لحيازته عند حصته مراعياً حصة غيره، كما لو اغتصب اثنان فأكثر عقاراً وحازوه شائعاً بينهم جاعلين لكل منهم حصة فيه، جاز أن يتملكوه بالتقادم سواء اشتركوا فى حيازته المادية أم ناب فى هذه الحيازة بعضهم عن بعض. هذا إذا لم يكن لمالك العقار يد عليه وخلصت الحيازة لغاصبيه. أما إذا كان للمالك يد على العقار فالفرض أن اجتماع يده مع يد الغير يؤدى إلى مخالطة من شأنها أن تجعل يد هذا الغير غامضة، فضلاً عن إمكان حمل سكوت المالك على محمل التسامح. لكن هذا الفرض ينتفى كما تنتفى مظنة التسامح من جانب المالك إذا كان الغير الذى يزاحمه فى ملكه قد استطاع أن يحوز حصة شائعة فى عقاره حيازة استقرت على مناهضة حق المالك ومناقضته على نحو لا يترك محلاً لشبهة الغموض أو مظنة التسامح، فعندئذ تكون الحيازة صالحة لأن تكون أساساً لتملك الحصة الشائعة المحوزة بالتقادم.
3 - إن قاضى الدعوى إذا ضمن حكمه من الأسباب ما يكفى لبيان الحقيقة التى اقتنع بها وما يقوى على حمل المنطوق الذى انتهى إليه، فإن تزيده بعد ذلك فى البحث، مهما جاء فيه من خطأ، لا يعيب حكمه عيباً يستوجب نقضه.
4 - إذا كان النزاع بين طرفى الخصومة يدور على وضع اليد فهذه واقعة مادية للمحكمة أن ترجع فى تحريها إلى ما بين يديها من عقود وأوراق، وهى إذ تفعل ذلك إنما تفعله لتستمد من هذه العقود والأوراق ما قد تفيده من دلالة على ثبوت وضع اليد أو نفيه، أما وصف هذه العقود وتكييفها التكيف القانونى المؤثر فى حقوق أصحابها، فهو إذ كان غير مطروح على المحكمة للفصل فيه ولا قيمة له فيما هى بصدده فخطؤها فيه لا يقدح فى سلامة الحكم.
5 - إن قاضى الموضوع وإن لزمه أن يبين فى حكمه أركان وضع اليد الذى أقام عليه قضاءه بالتملك بالتقادم، فإنه غير ملزم بأن يورد هذا البيان على نحو خاص، فلا عليه إذا لم يتناول كل ركن من هذه الأركان ببحث مستقل متى بان من مجموع حكمه أنه تحراها وتحقق من وجودها.
6 - القواعد التى تحكم ضمان البائع هى هى التى تحكم ضمان المتقاسم. وعلى ذلك فالمتقاسم الذى يعلم وقت القسمة أن ما اختص به فيها مهدد بخطر الاستحقاق لسبب أحيط به علماً من طريق من تقاسم معه أو من أى طريق آخر لا يسوغ له، فى حالة الاستحقاق، أن يرجع على قسيمه إلا بقيمة ما استحق وقت القسمة، لأن تعيين قيمة الأموال المقتسمة فى عقد القسمة يقابل تعيين الثمن فى عقد البيع، والمقرر فى أحكام عقد البيع، على ما يستفاد من نص المادة 265 من القانون المدنى (1)، أن البائع لا يضمن سوى الثمن متى كان المشترى عالماً وقت الشراء بسبب الاستحقاق، وأنه مع هذا العلم لا حاجة إلى شرط عدم الضمان ليمتنع على المشترى الرجوع على البائع بأى تعويض فى حالة الاستحقاق.
7 - إذا كانت المحكمة، فى دعوى ضمان المتقاسم، قد أحسنت فهم حكم القانون وحكم عقد القسمة وطبقتهما تطبيقاً صحيحاً على واقعة الدعوى، ولكنها لم تبين كيف أن هذا التطبيق الصحيح قد أدى إلى المبلغ الذى قضت به لطالب الضمان، فإن حكمها يكون قاصر الأسباب باطلاً فى هذا الخصوص.
الوقائع
أقام الأستاذان يوسف عبد اللطيف ومصطفى عبد اللطيف بك المطعون ضدهما الأول والثانى الدعوى رقم 197 سنة 1942 كلى المنصورة على الطاعن إبراهيم بك الطاهرى وطلبا فيها الحكم بثبوت ملكيتهما لحصة قدرها 133 ف و13 ط و15 س شائعة فى حوض الثمانمائة نمرة 3 ومساحته خمسمائة وتسعة وثلاثون فداناً ونصف وضحت حدودها ومعالمها بصحيفة افتتاح الدعوى.
واعتمد المدعيان على ثمانية عقود مسجلة فى سنتى 1934 و1935 تفيد شراءهما من آخرين من بينهم والدهما المرحوم مصطفى عبد اللطيف مقادير شائعة فى حوض الثمانمائة رقم 3 مجموعها 133 ف و13 ط و15 س كما اعتمدا على أوراد مال وكشوف رسمية تفيد أن ما اشترياه كان مثبتاً فى دفاتر التكليف بأسماء بائعيه منذ سنة 1903. كذلك اعتمدا على عقد إيجار ثابت التاريخ فى 29 أكتوبر سنة 1929 يفيد أن والدهما كان قد أجر حصته وقدرها مائة فدان شائعة فى الحوض موضوع الدعوى لمدة سنة تنتهى فى 30 من نوفمبر سنة 1928.
وفى 2 من أبريل سنة 1942 أدخل الطاعن أخاه على بك القريعى المطعون ضده الثالث ضامناً فى الدعوى وطلب الحكم عليه فى حالة الحكم للمدعيين بطلباتهما بأن يدفع له مبلغ 15344 ج منها 13334 ج نصف قيمة الـ 133 ف و13 ط و15 س موضوع الدعوى على أساس أن ثمن الفدان مايتا جنيه والباقى وقدره ألفا جنيه قيمة المنشآت القائمة على الأرض. وبنى الطاعن دعواه بالضمان على أنه فى سنة 1928 اقتسم مع أخيه تركة والدتهما السيدة بمبة القريعى وأدخلا فيما اقتسماه جميع أرض حوض الثمانمائة نمرة 3 التى وقعت فى نصيب الطاعن فصار له الحق فى الرجوع على أخيه بنصف قيمة ما يستحق منها فضلاً عن حقه فى التعويض.
وعند نظر الدعويين دفع الطاعن الدعوى الأصلية بأنه تملك كل أرض حوض الثمانمائة رقم 3 بالتقادم الطويل المدة بما كان من وضع يد مورثته المرحومة السيدة بمبة القريعى على الحوض المذكور ووضع يد ورثتها من بعدها ووضع يده هو من يوم أن اختص بهذا الحوض منذ القسمة التى أبرمت بينه وبين أخيه فى سنة 1928.
وفى 14 من يونيه سنة 1943 حكمت محكمة المنصورة تمهيدياً بإحالة الدعوى على التحقيق ليثبت الطاعن وأخوه المطعون ضده الثالث وضع اليد من جانبهما على الأطيان محل النزاع المدة الطويلة المكسبة للملكية وللمدعيين النفى وهذا وذاك بكل طرق الإثبات بما فيها البينة.
وبعد تمام التحقيق وسماع ملاحظات الخصوم عليه أصدرت محكمة المنصورة فى 27 من ديسمبر سنة 1943 حكمها القطعى قاضياً أولاً فى الدعوى الأصلية بثبوت ملكية المدعيين إلى 133 ف و13 ط و15 س شيوعاً فى الـ 539 ف و12 ط المبينة بصحيفة افتتاح الدعوى مع إلزام المدعى عليه فى الدعوى المذكورة بالمصاريف وألف قرش مقابل أتعاب المحاماة، وثانياً فى الدعوى الفرعية بإلزام على بك القريعى بأن يدفع إلى أخيه إبراهيم بك الطاهرى مبلغ 2420 ج و965 م مع المصاريف المناسبة وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة.
استأنف على بك القريعى هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر وطلب فيه إلغاء الحكم المستأتف بشقيه كما استأنف الحكم نفسه إبراهيم بك الطاهرى باستئناف رفع أمام محكمة استئناف مصر أيضاً وطلب فيه أصلياً إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى الأصلية مع إلزام رافعيها بالمصاريف وأتعاب المحاماة واحتياطياً فى دعوى الضمان تعديل الحكم المستأنف وإلزام على بك القريعى بأن يدفع له مبلغ 15334 جنيهاً مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وبعد أن ضم الاستئنافان قضت محكمة استئناف مصر فيهما معاً فى 6 من يونيه سنة 1943 بقبولهما شكلاً ورفضهما موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف الخ الخ.
وأعلن الطاعن بهذا الحكم فى 9 من يوليه سنة 1945 فطعن فيه بالنقض الخ الخ.
المحكمة
وحيث إن الحكم المطعون فيه فصل فى دعويين إحداهما دعوى أصلية هى دعوى الملكية التى أقامها المطعون ضدهما الأول والثانى على الطاعن، والأخرى دعوى فرعية هى دعوى الضمان التى أقامها الطاعن على أخيه المطعون ضده الثالث.
وحيث إنه فيما يختص بدعوى الملكية فإن الطعن مبناه أن قضاء الموضوع قد أخطأ فى تطبيق قواعد إثبات الملكية العقارية وخالف قواعد التملك بوضع اليد. هذا فضلاً عما عابه من قصور فى التسبيب ومسخ لمستندات الخصوم وشهادات الشهود وتحريف فى الوقائع الثابتة واستناد إلى أدلة وهمية وقرائن غير مقبولة وإغفال لأهم الأدلة المؤيدة لدفاع الطاعن وإهمال لطلب التحقيق بالمعاينة الذى أبداه.
وحيث إن حاصل ما قاله الطاعن بياناً للخطأ فى تطبيق قواعد إثبات الملكية العقارية أن قضاء الموضوع قد جعل ملكية العين موضوع الدعوى للمطعون ضدهما الأول والثانى لا بناءً على سند شهد لهما بهذه الملكية، ولكن بناءً على مجرد عجز الطاعن عن إثبات تملكه بالتقادم الطويل المدة. ذلك فى حين أن الطاعن حين احتج بتملك أرض الحوض المتنازع عليه لم يسلم قط للمطعون ضدهما الأول والثانى بأصل ملكية البائعين لهما، بل أنكر عليهما الملك أصلا. ولم يحتج بالتملك بوضع اليد إلا على سبيل الدفاع فى الدعوى. ومقتضى هذا الوضع وجوب إبقاء العين فى يد صاحب اليد الفعلية عليها وهو الطاعن إلى أن يقوم الدليل الكافى على أن البائعين للمطعون ضدهما الأول والثانى كانوا قد كسبوا الملك بوضع اليد المدة الطويلة. وموجب ذلك أنه كان على محكمة الموضوع أن تحقق وضع يد البائعين للمدعيين ولا تقضى لهما بما طلبا إلا إذا ثبت لها وضع يدهم المكسب للملك. وإن هى رأت أن تبدأ بتحقيق احتجاج المدعى عليه بوضع يده باعتبار ذلك مجرد دفاع فى الدعوى، واستظهرت عدم صحة هذا الدفاع، وجب عليها بعد هذا أن تحقق أصل الدعوى فإن عجز المدعيان بدورهما عن إثبات وضع اليد المكسب للملك قضت برفض دعواهما لاحتمال أن لا يكون أى الطرفين قد كسب الملكية بالتقادم ولوجوب تفضيل المدعى عليه صاحب اليد الفعلية فى هذه الصورة. لكن محكمة الموضوع اتبعت فى حكمها منطقاً آخر غير الذى يوجبه التطبيق الصحيح لقواعد إثبات الملكية العقارية، فأخذت ترد على ما استند إليه المدعى عليه فى إثبات وضع يده المكسبة للملكية حتى تشككت فى أدلته، ثم قضت للمدعيين بما طلباه تأسيساً على مجرد نفى ملكية المدعى عليه لما أدعاه.
وحيث إن المطعون ضدهما عندما أقاما دعواهما بملكية 133 ف و13 ط و15 س شائعة فى جميع حوض الثمانمائة رقم 3 قد بينا سبب ملكيتهما فقالا إنه الشراء بموجب عقود مسجلة قدماها. كذلك بينا سبب ملكية من باعوهما هذا القدر الذى اشترياه فقالا عن هذا السبب إنه التقادم الطويل المدة على القدر المبيع شائعاً فى الحوض المذكور، ولم يشأ الطاعن أن يستعمل حقه فى إنكار دعوى خصمه ليوجب عليهما بهذا الإنكار إثبات ما ادعياه بل دفع الدعوى بأنه تملك حوض الثمانمائة رقم 3 كله بوضع اليد الذى بدأت به مورثته السيدة بمبة القريعى ثم تلاها فيه ورثتها بعد وفاتها وتلاهم الطاعن وحده بعد أن اختص بهذا الحوض فى القسمة التى أبرمت بينه وبين أخيه على بك القريعى فى سنة 1928، وعلى هذا النحو انحصر النزاع بين الطرفين فى وضع اليد ضرورة أن كلا منهما كان يدعى ملكية مملكه بالتقادم على الشيوع بالنسبة للمدعيين وعلى الحوض كله بالنسبة للمدعى عليه. ولم تر محكمة المنصورة فيما قدمه الطرفان من مستندات ما يغنى عن تحقيق وضع اليد فقضت تمهيدياً فى 14 من يونيه سنة 1943 بإحالة الدعوى على التحقيق ليثبت الطاعن وأخوه على بك القريعى تملكهما للأرض موضوع النزاع بالتقادم الطويل المدة وللمدعيين النفى. ورغم أن هذا الحكم قد قلب عبء الإثبات على الطاعن فإنه لم يضق بهذا الوضع بل قبله ولم يستأنف الحكم التمهيدى. وجرى التحقيق على النحو المأمور به. وعلى أساسه أصدرت المحكمة حكمها القطعى قاضياً بثبوت ملكية المطعون ضدهما الأول والثانى للحصة التى ادعياها.
وحيث إن الحكم المذكور - الذى أيدته محكمة الاستئناف معتمدة أسبابه ومضيفة إليها أسباباً أخرى لا تتعارض معها - بدأ فاستعرض أدلة المدعيين على صحة دعواهما فقال إن المدعيين قدما ثمانية عقود مسجلة فى سنتى 1934 و1935 تفيد أنهما اشتريا من آخرين 133 ف و13 ط و15 س شائعة فى حوض الثمانمائة رقم 3 الذى مساحته 539 ف و12 ط. وفى هذه العقود أن البائعين تملكوا ما باعوه بالتقادم الطويل المدة. ثم قال الحكم إن المدعيين استندا بعد هذه العقود إلى أوراد مال وكشوف تكليف تفيد أن ما بيع للمدعيين كان مكلفاً بأسماء من باعوه منذ سنة 1903، وإلى أن الحكومة كانت قد أقامت فى سنة 1924 الدعوى رقم 109 سنة 1924 كلى المنصورة على إبراهيم بك الطاهرى وأخيه وعلى آخرين منهم البائعون للمدعيين، وجاء فى صحيفة افتتاح هذه الدعوى أن الحكومة تملك فى حوض الثمانمائة رقم 3 حصة قدرها 239 ف و12 ط شائعة فى مساحة الحوض المملوك باقيه لمن عدا إبراهيم بك الطاهرى وأخاه من المدعى عليهم، وأن إبراهيم بك الطاهرى نازعها فى ملكية نصيبها فأقامت الدعوى طالبة الحكم عليه بثبوت ملكيتها لحصتها فى مواجهة باقى ملاك الحوض، وأن هذه الدعوى انتهت بصلح فى 30 من يونيه سنة 1929 انعقد بين الحكومة وبين إبراهيم بك الطاهرى حاصله تخلى الحكومة عن حقها فى الـ 239 ف و12 ط موضوع دعواها مقابل ثمن قدره 1197 جنيها و500 مليم، ومما جاء فى عقد هذا الصلح: "أن الثمن المقدر هو عن الأطيان بحسب ما كانت عليه قبل وضع إبراهيم بك الطاهرى أو سواه يده عليها".. "وأن الأطيان المذكورة مكلفة على الشيوع فى 539 ف و12 ط وأن باقى هذا القدر مكلف على آخرين فمن المتفق عليه أن المشترى يكون مسئولا قبل هؤلاء الشركاء فى كل ما عسى أن يدعوه من الحقوق مهما كان نوعها". قالت المحكمة هذا كله بياناً لدعوى المدعيين وشرحاً لأدلتهما، ثم انتقلت منه إلى دفاع الطاعن فبينته واستعرضت أدلته عليه وناقشتها دليلا بعد دليل حتى إذا ما انتهت ختمت حكمها بما يأتى: "وحيث إنه مما يؤيد دعوى المدعيين من جهة وضع يد من تلقيا الملك عنهم ومورثيهم على الحصص الشائعة المبيعة لهما، وينفى وضع يد المدعى عليه الأول ومورثته وباقى شركائه فى الإرث على مقدار من حوض الثمانمائة بما يتعارض مع وضع اليد من الجانب الآخر على الحصص التى آلت للمدعيين، توقيع المدعى عليه بصفته شاهداً على عقد القسمة المبرمة بين ورثة المرحوم محمد بك المكباتى فى 11 أبريل سنة 1932 وما أشير إليه صراحة فى كل من عقد القسمة المبرم بين المدعى عليه نفسه وباقى ورثة المرحومة والدته وعقد الصلح المبرم بينه وبين الحكومة المتضمن شراءه منها الـ 239 ف و12 ط التى كانت تطالب بها من وجود نزاع قائم من جانب الغير مما سبق بيانه تفصيلا، فضلا عما هو مستفاد من كشوف التكليف وأوراد المال الخاصة بالبائعتين للمدعيين أو مورثيهم. وكل ذلك يدل قطعاً على أن مظهر وضع اليد على الأطيان محل النزاع كان لأصحاب التكليف على الشيوع خصوصاً فى الوقت السابق على الاستصلاح الحاصل فى سنة 1933 بحسب ما كان محتملاً فى تلك الحالة من مظاهر وضع اليد المناسبة لحالتها كمراعى ومصايد الأسماك وهو لم تمض عليه لغاية رفع دعوى القسمة من المدعيين فى سنة 1936 سوى ثلاث سنوات تقريباً".
وحيث إن هذا الذى جاء فى أسباب حكم محكمة الموضوع كاف وحده للرد على ما عزاه الطاعن إلى المحكمة المذكورة من خطأ فى تطبيق قواعد إثبات الملكية العقارية. ذلك لأن المحكمة إذ نفت ملكية الطاعن أثبتت فى الوقت نفسه ملكية المطعون ضدهما الأول والثانى، وردت هذه الملكية إلى سببها القانونى وهو التقادم وساقت على هذا التقادم أدلة من شأنها أن تؤدى إليه، وكونها قد جعلت فى المقام الأول من هذه الأدلة ما استفادته من إخفاق الطاعن فى دعواه وما ترتب على هذا الإخفاق من انتفاء وضع يده فذلك حقها الذى لا معقب عليه، متى لوحظ من ناحية أن وضع اليد واقعة تقبل الإثبات بالطرق كافة بما فيها القرائن، ولوحظ من ناحية أخرى أن القرائن القضائية من الأدلة التى لم يحدد القانون حجيتها والتى أطلق للقاضى فى الأخذ بنتيجتها وعدم الأخذ بها، كما أطلق له فى أن ينزل كل قرينة منها من حيث الأهمية والتقدير المنزلة التى يراها.
وحيث إن ما ينعاه الطاعن على قضاء الموضوع من مخالفة لقواعد وضع اليد مبناه أن المطعون ضدهما لم يدعيا أن البائعين لهم تملكوا بالتقادم حوض الثمانمائة رقم 3 كله وإنما ادعيا أن البائعين لهم تملكوا بالتقادم حصصاً شائعة فى الحوض المذكور، وقد أقرهما قضاء الموضوع على دعواهما هذه دون أن يفطن إلى أنه من المستحيل قانوناً أن يكتسب إنسان حصة شائعة فى عقار مملوك لغيره لأن يده فى هذه الحالة تكون مختلطة بيد المالك وهذا ينافى الاستحواذ المطلق الذى بدونه لا تبرأ اليد من عيب الغموض والخفاء وهو عيب إذا شاب وضع اليد حال بينه وبين قيامه سبباً للتملك بالتقادم.
وحيث إن الحصة الشائعة فى عقار كالنصيب المفرز فيه، من حيث إن كليهما يصح أن يكون محلا لأن يحوزه حائزه على وجه التخصص والانفراد، ولا فارق بين الاثنين إلا من حيث إن حائز النصيب المفرز تكون يده بريئة من المخالطة، أما حائز الحصة الشائعة فيده بحكم الشيوع تخالط يده غيره من المشتاعين، والمخالطة ليست عيباً فى ذاتها وإنما العيب فيما ينشأ عنها من غموض وإبهام، فإذا اتفق المشتاعون ووقف كل منهم فى ممارسته لحيازته عند حد حصته مراعياً حصة غيره - كما إذا اغتصب اثنان فأكثر عقاراً وحازوه شائعاً بينهم جاعلين لكل منهم حصة فيه جاز أن يتملكوه بالتقادم سواء اشتركوا فى حيازته المادية أم ناب فى هذه الحيازة بعضهم عن بعض. هذا إذا لم يكن لمالك العقار يد عليه وخلصت الحيازة لغاصبيه، أما إذا كان للمالك يد على عقاره، فالفرض أن اجتماع يده مع يد الغير يؤدى إلى مخالطة من شأنها أن تجعل يد هذا الغير غامضة. فضلاً عن إمكان حمل سكوت المالك على محمل التسامح، لكن هذا الفرض ينتفى، كما تنتفى مظنة التسامح من جانب المالك، إذا كان الغير الذى زحمه فى ملكه قد استطاع أن يحوز حصة شائعة فى عقاره حيازة استقرت على مناهضة حق المالك ومناقضته على نحو لا يترك محلاً لشبهة الغموض أو مظنة التسامح، وعندئذ تكون الحيازة صالحة لأن تكون أساساً لتملك الحصة الشائعة المحوزة بالتقادم.
وحيث إنه متى كان ذلك كذلك فلا مخالفة لقواعد وضع اليد إذا كان الحكم المطعون فيه قد قضى بملكية المطعون ضدهما الأول والثانى لحصة شائعة فى حوض الثمانمائة رقم 3 بناءً على أن البائعين للمطعون ضدهما قد تملكوا هذه الحصة بالتقادم ضد الحكومة التى كانت مالكة للحوض كله، متى كان الثابت مما استظهره الحكم أن البائعين للمطعون ضدهما قد حازوا الحصة المذكورة حيازة استكملت فى وجه الحكومة صفات الظهور والهدوء والاستقرار وخلصت من عيب الغموض والخفاء، وأن مصلحة الأموال المقررة، وهى فرع من فروع الحكومة، قد أقرت لهؤلاء البائعين بحقهم المستفاد من وضع يدهم فأدرجت فى كشوف التكليف لكل منهم القدر الذى كان واضعاً يده عليه شائعاً فى الحوض كله، بل إن مصلحة الأملاك الأميرية، وهى الجهة الحكومية القائمة على إدارة أملاك الدولة، أقرت بدورها حق هؤلاء البائعين عندما أقامت فى سنة 1923 دعوها على الطاعن وأخيه فلم تدع لنفسها فى حوض الثمانمائة رقم 3 إلا حصة شائعة قدرها 239 ف و12 ط مصرحة فى صحيفة دعواها بما يفيد أن باقى الحوض مملوك لآخرين من بينهم البائعون للمطعون ضدهما الأول والثانى.
وحيث إن الطاعن قد عزا إلى قضاء الموضوع مخالفة ثانية لقواعد وضع اليد قال فى بيانها إن هذا القضاء سلم له بوضع يده على أجزاء معينة من حوض الثمانمائة رقم 3، ومع ذلك فإنه قضى للمطعون ضدهما بحصة شائعة فى مساحة الحوض كله بناءً على أن وضع يد الطاعن لم يشمل كل مساحة الحوض وأنه لا يتنافى مع وضع يد البائعين للمطعون ضدهما على مقدار نصيبهم شائعاً. وهذا نظر ينطوى على خطأ فى فهم قواعد التملك بوضع اليد، لأن الطاعن لم يكن شريكاً فى يوم من الأيام للمطعون ضدهما حتى يعتبر وضع يده على حصة شائعة غير متناف مع وضع يد شركائه على حصصهم الشائعة، وإنما كان الطاعن يضع يده بنية الملك الكامل على كل ما وضع يده عليه بحيث يتملكه بغير شريك، وهذا وضع يقتضى إخراج كل ما وضع الطاعن يده عليه وتملكه، مهما يكن صغيراً، من حدود ما يقضى به للمطعون ضدهما الأول والثانى. وعلى هذا يكون الحكم للمطعون ضدهما المذكورين بحصة شائعة فى مساحة الحوض كله بما فيها من أجزاء ثابت تملك الطاعن لها بوضع اليد حكماً مخالفاً للقانون.
وحيث إن التسليم للطاعن بوضع يده على أجزاء معينة من حوض الثمانمائة رقم 3 لا يعنى على وجه اللزوم أنه تملك هذه الأجزاء، لأن وضع اليد لا ينهض بمجرده سبباً للملك، وهو لا يصل أساساً للتقادم إلا إذا كان مقروناً بنية التملك وكان مستمراً هادئاً ظاهراً غير غامض، ولم يرد فى حكمى قضاء الموضوع ما يفيد تحقق هذه الصفات فى وضع يد الطاعن، ومتى كان الأمر كذلك فلا مخالفة للقانون فى أن يسلم قضاء الموضوع للطاعن بوضع يده على أجزاء معينة فى حوض الثمانمائة رقم 3 ويقضى فى الوقت نفسه للمطعون ضدهما الأول والثانى بحصة شائعة فى الحوض كله، هذا إذا صح زعم الطاعن وكان قضاء الموضوع قد سلم له بوضع يده على أجزاء معينة من حوض الثمانمائة رقم 3. لكن الواقع أن هذا القضاء كان حريصاً على نفى وضع يد الطاعن، وقد قرر هذا النفى كحقيقة اقتنع بها وساق الأدلة عليها، حتى إذا ما فرغ من ذلك لم يجد بأساً فى أن يقول إنه إذا صح أن الطاعن كان قد وضع يده على أجزاء من الحوض فإن مساحة هذه الأجزاء تتراوح بين 53 ومائة وستين فداناً فوضع يده عليها لا يتنافى مع إمكان وضع يد البائعين للمطعون ضدهما على ما يوازى حصصهم الشائعة وقدرها 133 ف و13 ط و15 س ما دامت مساحة الحوض تتسع للحيازتين معاً. وعلى ذلك يكون ما جاء فى الحكم مشيراً إلى وضع يد الطاعن على بعض الحوض المتنازع فيه قد جاء مجئ الفرض الجدلى الذى لم يقم الحكم عليه وإنما قام على سواه.
وحيث إن الطاعن عقد فى تقرير طعنه فصلاً حشد فيه أخطاء أخرى نعاها على الحكم المطعون فيه، وحاصل ما جاء فى هذا الفصل أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى تكييف عقد الصلح المبرم بين الطاعن وبين الحكومة فى 30 من يوليه سنة 1929 ومسخ معنى هذا العقد كما مسخ عقد القسمة الحاصلة بين الطاعن وبين أخيه ومسخ الخرائط الرسمية والوقائع الإجرائية فى دعوى القسمة التى رفعها المطعون ضدهما الأول والثانى على الطاعن، ومسخ مستندات الطاعن المثبتة لوضع يده وأغفل دلالتها فضلاً عن أنه استند فى قضائه إلى أدلة وهمية أو غير منتجة. وهذا الذى قاله الطاعن مردود كله: أولا - لأنه ينصب على جزء معين من أسباب حكم محكمة الاستئناف، وهذا الجزء لم يرد فى الحكم إلا بعد أن كانت المحكمة قد فرغت من إقامة الأدلة الكافية على ملكية المطعون ضدهما وبعد أن كانت قد فرغت أيضاً من الرد على دفاع الطاعن كما ورد فى صحيفة استئنافه ومذكراته. وهذا هو الذى جعل المحكمة تصدر بحثها الذى انصب عليه هذا القسم من الطعن بقولها "بما أن المحكمة وقد فرغت من الرد على أهم ما وجهه المستأنفان إلى الحكم المستأنف من نقد ترى أن تنوه عن أشياء حقيقة بالاهتمام وجديرة بالعناية". وإذن فلم يجئ هذا البحث فى حكم المحكمة إلا من باب الاستطراد أو التزيد، ومن ثم كان الطعن فيه، مهما تكن أسبابه، طعناً غير منتج، لأن قاضى الدعوى إذا ضمن حكمه من الأسباب ما يكفى لبيان الحقيقة التى اقتنع بها وما يقوى على حمل المنطوق الذى انتهى إليه، فإن تزيده بعد ذلك فى البحث مهما جاء فيه من خطأ لا يعيب حكمه عيباً يستوجب نقضه، ثانياً - إن النزاع بين طرفى الخصومة إنما كان يدور على وضع اليد، ووضع اليد واقعة مادية قد ترجع المحكمة فى تحريها إلى ما بين يديها من عقود وأوراق. وهى إذ تفعل ذلك إنما تفعله لتستمد من هذه العقود والأوراق ما قد تفيده من دلالة على ثبوت وضع اليد أو نفيه. أما وصف هذه العقود وتكييفها التكييف القانونى المؤثر فى حقوق أصحابها فليس مطروحاً على المحكمة للفصل ولا قيمة له فى ذاته فيما هى بصدده، فما يقع من خطأ فى هذا الوصف أو هذا التكييف على فرض وقوعه لا يقدح فى سلامة حكمها. فإذا تحدثت المحكمة عن عقد الصلح الذى أبرم بين الطاعن وبين الحكومة فقالت إنه عقد بيع، ولم يكن هذا العقد بيعاً بل كان صلحاً، فلا بأس على حكمها من هذا الخطأ، لأن النظر فى هذا العقد فى خصوص النزاع مدار البحث لا يتغير بوصف العقد ويستوى فيه أن يكون العقد بيعاً أو صلحاً. ثالثاً - إن الاطلاع على الأوراق قد بان منه أن كل واقعة ساقتها المحكمة لتفيد معنى من المعانى التى قام عليها حكمها لها مصدرها من أوراق الدعوى والتحقيق الذى تم فيها ومن شأنها بحكم طبيعتها أن تفيد المعنى الذى استفادته المحكمة منها. وكذلك كل دليل أوردته المحكمة نافياً لدعوى الطاعن ومؤيداً لحق خصومه مما لا يستقيم معه القول بأن المحكمة قد مسخت أو حرفت أو تعلقت بالوهم إلى مثل ذلك مما حشده الطاعن فى طعنه.
وحيث إن القصور الذى نعاه الطاعن على قضاء الموضوع مبناه أن حكميه لم يبينا أركان وضع اليد المكسب للملك وشرائطه من وجود عقار قابل للتملك بوضع اليد المدة الطويلة فى تصرف واضع اليد تصرف المالك فى ملكه ظاهراً بنفسه بغير منازع ومستمراً بغير انقطاع المدة القانونية المكسبة للملكية، فى حين أن هذه الأركان والشروط وما يلحقها من الخصائص معان قانونية معروفة يجب على قاضى الموضوع التحقق من توافرها فى دعوى التملك بالتقادم وإلا كان حكمه باطلاً.
وحيث إن قاضى الموضوع وإن لزمه أن يبين فى حكمه أركان وضع اليد الذى أقام عليه حكمه المثبت للتملك بالتقادم فإنه غير ملزم بأن يورد هذا البيان على نحو خاص. فلا عليه إذا لم يتناول كل ركن من هذه الأركان ببحث مستقل متى بان من مجموع حكمه أنه تحراها وتحقق من وجودها. وقضاء الموضوع فى الدعوى موضوع النظر قد تحدث فى أسباب حكمه عن وضع يد البائعين للمطعون ضدهما الأول والثانى فقال: "إن مظهر وضع اليد على الأطيان محل النزاع كان لأصحاب التكليف على الشيوع فى الوقت السابق على الاستصلاح الحاصل فى سنة 1933" وإنه كان جارياً على وفق ما كانت تسمح به طبيعة الأرض وقت ذاك فقصر على الاحتشاش والاصطياد، وأشار إلى أن وضع اليد بمظهره هذا يرجع إلى سنة 1903 وقت أن حصرت الأرض فى دفاتر التكليف على هؤلاء البائعين، كل بقدر حصته الشائعة فى الحوض. وأنه ظل مستمراً إلى سنة 1933 على الأقل. وهذا حسب الحكم فى هذا المقام وهو ليس فى حاجة بعده إلى استظهار ما عدا ذلك من شرائط وضع اليد ما دام الطاعن لم ينازع فى تحققها من جانب خصومه كما نازع خصومه فى تحققها من جانبه.
وحيث إنه لم يبق بعد ذلك ما نعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه فيما يتعلق بدعوى الملكية غير قوله إن الحكم المطعون فيه لم يرد على طلبه التحقيق بالانتقال والمعاينة. وهذا قول مردود بأن المحكمة، وقد أقامت حكمها على التحقيق الذى أمرت به، قد دلت بذلك على أنها لم تر ضرورة للتحقيق بالانتقال والمعاينة. وفى هذا رد ضمنى على طلب الطاعن يغنى الحكم عن الرد على هذا الطلب بلفظ مستقل صريح.
وحيث إنه فيما يتعلق بدعوى الضمان فإن الطعن مبناه:
أولا - أن الحكم المطعون فيه إذ رفض إلزام الضامن المطعون ضده الثالث بما لا يزيد على قيمة المقدار المستحق كما قدر وقت إجراء القسمة تأسيساً على أن طالب الضمان كان عالماً بسبب الاستحقاق، قد أخطأ فى تطبيق القانون. لأن العلم بسبب الاستحقاق لا يسقط الحق فى التعويض إلا مع اشتراط عدم الضمان، أما حيث لا يوجد هذا الاشتراط فلا يجدى فى دفع التعويض الاحتجاج بالعلم بسبب الاستحقاق.
ثانياً - لأن قضاء الموضوع بعد أن قرر أن دعوى الضمان صحيحة من أساسها، وبعد أن قرر أن الحكم بالضمان إنما يكون على اعتبار نصف القيمة المتفق على تقديرها فى ملحق عقد القسمة، قضى للطاعن طالب الضمان بمبلغ أقل من نصف تلك القيمة المقدرة. وبذلك يكون قد أخطأ فى تطبيق عقد القسمة الذى اعتمده وقضى فى دعوى الضمان على أساسه.
وحيث إن القواعد التى تحكم ضمان البائع هى بذاتها التى تحكم ضمان المتقاسم، وعلى ذلك فإن المتقاسم الذى يعلم وقت القسمة أن ما اختص به فيها مهدد بخطر الاستحقاق لسبب أحيط به علماً من طريق من تقاسم معه أو من أى طريق آخر، لا يسوغ له فى حالة الاستحقاق أن يرجع على قسيمه إلا بقيمة ما استحق وقت القسمة، لأن تعيين قيمة الأموال المقتسمة فى عقد القسمة يقابل تعيين الثمن فى عقد البيع. والمقرر فى أحكام عقد البيع، على ما يستفاد من نص المادة 265 من القانون المدنى، أن البائع لا يضمن سوى الثمن متى كان المشترى عالماً وقت الشراء بسبب الاستحقاق، وأنه مع هذا العلم لا حاجة إلى شرط عدم الضمان ليمتنع على المشترى الرجوع على البائع بأى تعويض فى حالة الاستحقاق.
وحيث إنه عن الوجه الثانى من وجهى الطعن المنصبين على الحكم فى دعوى الضمان فإن قضاء الموضوع وإن يكن قد أحسن فهم حكم القانون وحكم عقد القسمة وأخذ بهما إذ قال إن الضمان الواجب إنما يكون على نصف القيمة المقدرة فى ملحق عقد القسمة للجزء الذى استحق، غير أنه لم يبين كيف أن تطبيق هذا الحكم الصحيح قد أدى إلى المبلغ الذى قضى به فيكون قاصراً قصوراً يبطله فى هذا الخصوص.
(1) تقابلها فى القانون الجديد المادة 468 الواردة فى الفرع الخاص ببيع ملك الغير ونصها: "إذا حكم للمشترى بإبطال البيع (لصدوره من غير مالك) وكان يجهل أن المبيع غير مملوك للبائع، فله أن يطالب بتعويض ولو كان البائع حسن النية".
وقد استند الحكم إلى المادة 265 (من القانون المدنى) واستغنى بها عن تفسير المواد 301 وما يليها الخاصة بضمان الاستحقاق.
والمادة 302 التى أوردت حكم علم المشترى بسبب الاستحقاق، فى سياق شرط عدم الضمان، تقابلها فى القانون الجديد المادة 446 ونصها: "1 - إذا اتفق على عدم الضمان بقى البائع مع ذلك مسئولا عن أى استحقاق ينشأ من فعله، ويقع باطلا كل اتفاق يقضى بغير ذلك. 2 - أما إذا كان استحقاق المبيع قد نشأ من فعل الغير فان البائع يكون مسئولا عن رد قيمة المبيع وقت الاستحقاق، إلا إذا ثبت أن المشترى كان يعلم وقت البيع سبب الاستحقاق، أو أنه اشترى ساقط الخيار". وقد نصت المادة 443 (المقابلة للمادة 304 من القانون السابق) على أن ضمان الاستحقاق يوجب دفع قيمة المبيع وقت الاستحقاق، فضلا عن غيرها من الفوائد والتضمينات.
أما بالنسبة لضمان المتقاسم فالمادة 844 من القانون الجديد تجعل العبرة فى تقدير الشئ بقيمته وقت القسمة.