جلسة 11 من مارس سنة 2019
برئاسة السيد القاضي / ممدوح يوسف نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / ربيع لبنه، محمد خالد، محمود عاكف ورفعت سند نـواب رئيس المحكمة .
----------------
(27)
الطعن رقم 2566 لسنة 88 القضائية
(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وإيراده على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة تؤدي لما رتبه عليها . لا قصور .
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم . كفاية أن يكون ما أورده مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها . المادة 310 إجراءات جنائية .
صيغة الاتهام المبينة بالحكم . جزءٌ منه . إحالته عليها في بيان الواقعة . كفايته .
(2) تزوير " أوراق رسمية " " الادعاء بالتزوير " . محضر الجلسة . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
الأصل في الإجراءات أنها روعيت . عدم جواز الادعاء بما يخالف ما أُثبت بمحضر الجلسة أو الحكم إلَّا بالطعن بالتزوير . أساس ذلك ؟
إثبات بيانات المحررات المزورة في صلب الحكم . غير لازم . ما دامت أنها كانت مطروحة على بساط البحث والمناقشة في حضور الخصوم .
مثال .
(3) تزوير " أوراق رسمية " . ضرر . جريمة " أركانها " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي " .
جريمة التزوير في الأوراق الرسمية . تحققها : بمجرد تغيير الحقيقة في المحرر ولو لم يتحقق ضرر . علة وأثر ذلك ؟
تقدير توافر القصد الجنائي في جريمة التزوير . موضوعي . تحدث الحكم عنه صراحة وعلى استقلال . غير لازم . ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه .
(4) دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
عدم التزام المحكمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد عليها استقلالاً . التفاتها عنها . مفاده : اطراحها .
مثال .
(5) نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
النعي بانتفاء صلة الطاعن بأطراف الواقعة أو مصلحته فيها . جدل في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض . علة ذلك ؟
(6) دعوى جنائية " انقضاؤها بالتصالح " . قانون " تفسيره " . تزوير " أوراق رسمية " .
المادة 18 مكرراً (أ) إجراءات جنائية . مفادها ؟
جريمة التزوير في محرر رسمي ليست من الجرائم المنصوص عليها في المادة 18 مكرراً (أ) إجراءات جنائية . مؤدى ذلك ؟
(7) إثبات " بوجه عام " " أوراق رسمية " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . دفوع " الدفع بنفي التهمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
لمحكمة الموضوع الالتفات عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية . ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي ثبتت لديها .
الدفع بنفي التهمة . موضوعي . لا يستأهل رداً . استفادته من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .
بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه إيراد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم . تعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه . غير لازم . التفاته عنها . مفاده : اطراحها .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(8) إثبات " شهود " . استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " " سلطتها في تقدير جدية التحريات " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .
وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .
أخذ المحكمة بأقوال الشاهد . مفاده ؟
لمحكمة الموضوع تجزئة شهادة الشاهد والأخذ منها بما تطمئن إليه واطراح ما عداه . علة ذلك ؟
للمحكمة التعويل في تكوين عقيدتها على تحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(9) إثبات " خبرة " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير آراء الخبراء " .
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن . موضوعي .
لمحكمة الموضوع الجزم بما لم يجزم به الخبير . حد ذلك ؟
مثال .
(10) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
النعي على الحكم اعتماده في الإدانة على قرينة المصلحة . غير مقبول . ما دام لم يعول عليها ولم تؤثر في قضائه .
(11) نقض " أسباب الطعن . تحديدها " .
وجه الطعن . وجوب أن يكون واضحاً محدداً .
مثال .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة . لما كان ذلك ، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة - كما هو الحال في الدعوى الماثلة - كان ذلك محققاً لحكم القانون كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية ، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الصدد يكون لا محل له . لما كان ذلك ، وإذ كانت صيغة الاتهام المبينة في الحكم تعتبر جزءً منه ، فيكفي في بيان الواقعة الإحالة عليها - بفرض صحة ذلك - ومن ثم فإن النعي على الحكم بالقصور لاكتفائه بترديد صيغة الاتهام بياناً للواقعة يكون ولا محل له .
2- لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أنه أثبت به أن المحكمة قد فضت الحرز المحتوي على المحرر المزور ومكنت الدفاع من الاطلاع عليه ، وكان الأصل طبقا للمادة 30 من القانون رقم 57 لسنة 1959 أن الإجراءات قد روعيت فلا يجوز للطاعن أن يدحض ما أثبت بمحضر جلسة المحاكمة إلا بالطعن بالتزوير وهو ما لم يفعله الطاعن ، كما أنه لم يكن من اللازم إثبات بيانات المحرر المزور في صلب الحكم بعد أن ثبت أنه كان مطروحاً على بساط البحث والمناقشة في حضور المتهم وكان في مكنة الدفاع عن الطاعن وقد اطلع عليه أن يبدي ما يعن له بشأنه في مرافعته ، ومن ثم يكون النعي على الإجراءات بالبطلان لهذا السبب على غير أساس .
3- من المقرر أن جريمة التزوير في الأوراق الرسمية تتحقق بمجرد تغيير الحقيقة بطريق الغش بالوسائل التي نص عليها القانون ولو لم يتحقق ثمة ضرر يلحق شخصاً بعينه ، لأن هذا التغيير ينتج عنه حتماً ضرر بالمصلحة العامة لما يترتب عليه من عبث بالأوراق الرسمية ينال من قيمتها وحجيتها في نظر الجمهور ، ومن ثم لا يشترط لصحة الحكم بالإدانة أن يتحدث صراحة عن ركن الضرر ما دام قيامه لازماً عن طبيعة التزوير ، كما أنه من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة التزوير من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها ، وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة وعلى استقلال ما دام الحكم قد أورد من الوقائع ما يدل عليه ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن بانتفاء ركن الضرر واطرحه بما يتفق وصحيح القانون كما أورد من الوقائع ما يدل على توافر القصد الجنائي في حق الطاعن ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا محل له .
4- لما كان ما يثيره الطاعن بشأن التفات الحكم عن دفاعه القائم على حسن نيته وتبريره ارتكابه الواقعة خشية التعدي عليه من جمهور الناس حال عدم السير في الإجراءات مردوداً بما هو مقرر من أن محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم في كل جزئية في مناحي دفاعه الموضوعي ، إذ في اطمئنانها إلى الأدلة التي أوردتها وعولت عليها ما يفيد اطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة اطراحها إياها .
5- لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الطاعن قد زور المحرر الرسمي ، فإن ما يقول به الطاعن من أنه لا تربطه صلة بأيّ من أطراف الواقعة أو مصلحة بهم لا يعدو أن يكون عوداً إلى الجدل في تقدير أدلة الثبوت مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .
6- لما كانت المادة 18 مكرراً (أ) من قانون الإجراءات الجنائية والتي أجازت للمجني عليه ولوكيله الخاص في جرائم معينة بينتها حصراً أن يطلب إلى النيابة العامة أو المحكمة حسب الأحوال إثبات صلحه مع المتهم وأنه يترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية حتى ولو كانت مرفوعة بالطريق المباشر دون أن يكون للصلح أثر على حقوق المضرور من الجريمة ، إلا أنه لما كانت الجريمة التي دين بها الطاعن ليست من بين الجرائم المحددة على سبيل الحصر بالمادة سالفة الذكر ، فإنه لا أثر للتنازل الذي زعمه الطاعن بأسباب طعنه - بفرض صحة ما يدعيه - في انقضاء الدعوى الجنائية ، ويضحى ما يثيره في هذا الشأن غير سديد .
7- لما كان للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي ثبتت لديها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى ، وهي غير ملزمة - من بعد - بالرد صراحة على دفاع المتهم الموضوعي القائم على أساس نفي التهمة ما دام الرد عليه مستفاد ضمناً من قضائها بإدانته استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها في حكمها ، هذا إلى أنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه ، لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها منها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .
8- لما كان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها ، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق . وكان وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب ، ومتى أخذت بأقوال الشاهد ، فإن ذلك يفيد اطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، دون أن تكون ملزمة ببيان علة اطمئنانها إلى أقواله ، وكان من المقرر أن تقدير الأدلة هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها وهي حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها واطمئنانها إليها ، وإذ كانت قد اطمأنت إلى أقوال رئيس المباحث وما تضمنته تحرياته وأخذت بتصويره للواقعة بالنسبة للطاعن ، وكان من حق محكمة الموضوع أن تجزئ شهادة الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى ، كما لها أن تعول في عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ، ولها أن تجزئها فتأخذ منها بما تطمئن إليه مما تراه مطابقاً للحقيقة وتطرح ما عداه ، وكان الحكم قد حصل أقوال رئيس المباحث وتحرياته بما لا شبهة فيه لأي تناقض ، فإن ما يثيره الطاعن في صدد تعارض أقواله وتحرياته مع أقوال شاهد الإثبات الأول وما أخذ به الحكم وما اطرح من أقوال الضابط وتحرياته واعتماده على الدليل المستمد منها في حق الطاعن لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض .
9- من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم في الدعوى ، وأن لها أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها ، وكان الحكم قد عول على تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير وما أثبته بأن الطاعن هو الكاتب للتوقيع المقروء .... الثابت قرين لفظ التوقيع المذيل به إذن الصرف ، وأن الشاكي لم يكتب التوقيع المنسوب صدوره منه والمذيل به إذن الصرف المرسل موضوع الفحص ، فإنه لا يكون ثمة محل للتعييب على الحكم في تعويله على تقرير الخبير ، ويكون النعي بهذا الوجه غير سديد .
10- لما كان الطاعن يذهب في أسباب طعنه إلى أن الحكم المطعون فيه قد اعتمد - بين ما اعتمد عليه - في الإدانة على قرينة المصلحة والتي لا تصلح أساساً للإدانة ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم يعول على شيء مما جاء بهذا المنعى ولم يكن للقول بقرينة المصلحة تأثير في قضائه فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص غير سديد .
11- لما كان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً ، وكان الطاعن لم يكشف بأسباب طعنه عن ماهية المستندات وأوجه الدفاع التي ساقها أمام محكمة الموضوع في دفاعه المكتوب ولم يعرض الحكم لها حتى يتضح مدى أهميتها في الدعوى المطروحة ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه : وهو صاحب وظيفة عمومية " مدير هندسة كهرباء .... " ارتكب تزويراً في محرر رسمي هو إذن الصرف الرقيم .... المؤرخ في .... بأن ذيله بتوقيع منسوب صدوره زوراً للمدعو / .... " فني صيانة بهندسة كهرباء .... " يفيد استلام الأخير لعدد ألف عداد كهربائي كعهدة على خلاف الحقيقة . استعمل المحرر المزور محل الاتهام الأول بأن قدمه لأمين العهدة وقام بصرف عدد ألف عداد كهربائي بناءً على هذا المحرر ، مع علمه بكونه مزوراً .
وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بنص المادتين 211 ، 214 من قانون العقوبات ، وبعد إعمال نص المادة ۳۲ من ذات القانون بمعاقبة .... بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات عما أسند إليه ومصادرة المحرر المزور وألزمته المصاريف الجنائية .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
حيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه وهو من أرباب الوظائف العمومية بجريمتي تزوير محرر رسمي واستعماله قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والبطلان وران عليه الإخلال بحق الدفاع ، ذلك أن أسبابه جاءت في صورة عامة معماه مجملة ومجهلة وعلى نحو يخلو من بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها بياناً كافياً تتحقق به أركان الجريمتين اللتين دانه بهما ، ولم يورد مؤدى الأدلة التي عول عليها في الإدانة في بيان كافٍ وافٍ مكتفياً في ذلك بما ورد بوصف الاتهام وأمر الإحالة وقائمة أدلة الثبوت المقدمين من النيابة العامة ، كما لم تثبت المحكمة بيانات المحرر المزور ولم تمكن الطاعن من الاطلاع عليه ، هذا إلى أن الحكم لم يدلل تدليلاً سائغاً على توافر القصد الجنائي في حقه وركن الضرر الذي أصاب الجهة المعنية بذلك سيما وأن الطاعن لا تربطه ثمة علاقة بأي من أطراف الواقعة ولا يوجد له مصلحة في ذلك مبرراً ذلك بالانفلات الأمني في حينه وخوفه التعدي عليه من قبل جمهور الناس إن لم يقم بالسير في الإجراءات وأن دوره اقتصر على تحرير طلب الصرف بما يدل على حسن نيته - خاصة وأن المدعو / .... - المنسوب إليه التوقيع المدعى تزويره – أقر بعدم حدوث ضرر في عهدته وتنازل عن حقه ، وأن العدادات التي قيل بتزوير إذن صرفها قد تم تركيبها وفقاً لشهادة المدير المالي والإداري بشركة الكهرباء بما تنتفي معه الواقعة ، بيد أن المحكمة التفتت - إيراداً ورداً - عن دفاعه في هذا الشأن ولم تحققه استجلاءً لوجه الحقيقة ولم تعرض للمستندات المقدمة منه تدليلاً على ذلك ، وعول الحكم في الإدانة على أدلة ظنية لا ترقى لمرتبة الدليل المعتبر إذ تساند إلى تحريات مباحث الأموال العامة وأقوال مجريها رغم عدم جديتها والتي تمت بعد الواقعة بعدة أشهر وحال كونها لا تصلح بمفردها دليلاً للإدانة ، وتناقض أقوال مجريها مع أقوال شاهد الإثبات الأول الذي قرر بعدم وجود عجز بعهدته وأن العدادات تم تسليمها لمستحقيها ، وعول الحكم على تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير رغم أنه لم يشر للطاعن بدور في الواقعة ورغم عدم صلاحيته كدليل في الإدانة ، كما ارتكن الحكم في قضائه على قرينة المصلحة وأن الطاعن هو المستفيد من التزوير حال كونها لا تصلح أساساً للإدانة ، وأخيراً أعرض الحكم عن دفاعه المسطور بالمذكرات والمستندات التي قدمها ولم تحققها المحكمة استجلاءً للحقيقة ، مما يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه .
حيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة . لما كان ذلك ، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة - كما هو الحال في الدعوى الماثلة - كان ذلك محققاً لحكم القانون كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية ، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الصدد يكون لا محل له . لما كان ذلك ، وإذ كانت صيغة الاتهام المبينة في الحكم تعتبر جزءً منه ، فيكفي في بيان الواقعة الإحالة عليها - بفرض صحة ذلك - ومن ثم فإن النعي على الحكم بالقصور لاكتفائه بترديد صيغة الاتهام بياناً للواقعة يكون ولا محل له . لما كان ذلك ، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أنه أثبت به أن المحكمة قد فضت الحرز المحتوي على المحرر المزور ومكنت الدفاع من الاطلاع عليه ، وكان الأصل طبقا للمادة 30 من القانون رقم 57 لسنة 1959 أن الإجراءات قد روعيت فلا يجوز للطاعن أن يدحض ما أثبت بمحضر جلسة المحاكمة إلا بالطعن بالتزوير وهو ما لم يفعله الطاعن ، كما أنه لم يكن من اللازم إثبات بيانات المحرر المزور في صلب الحكم بعد أن ثبت أنه كان مطروحاً على بساط البحث والمناقشة في حضور المتهم وكان في مكنة الدفاع عن الطاعن وقد اطلع عليه أن يبدي ما يعن له بشأنه في مرافعته ، ومن ثم يكون النعي على الإجراءات بالبطلان لهذا السبب على غير أساس . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن جريمة التزوير في الأوراق الرسمية تتحقق بمجرد تغيير الحقيقة بطريق الغش بالوسائل التي نص عليها القانون ولو لم يتحقق ثمة ضرر يلحق شخصاً بعينه ، لأن هذا التغيير ينتج عنه حتماً ضرر بالمصلحة العامة لما يترتب عليه من عبث بالأوراق الرسمية ينال من قيمتها وحجيتها في نظر الجمهور ، ومن ثم لا يشترط لصحة الحكم بالإدانة أن يتحدث صراحة عن ركن الضرر ما دام قيامه لازماً عن طبيعة التزوير ، كما أنه من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة التزوير من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها ، وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة وعلى استقلال ما دام الحكم قد أورد من الوقائع ما يدل عليه ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن بانتفاء ركن الضرر واطرحه بما يتفق وصحيح القانون كما أورد من الوقائع ما يدل على توافر القصد الجنائي في حق الطاعن ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا محل له . لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعن بشأن التفات الحكم عن دفاعه القائم على حسن نيته وتبريره ارتكابه الواقعة خشية التعدي عليه من جمهور الناس حال عدم السير في الإجراءات مردوداً بما هو مقرر من أن محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم في كل جزئية في مناحي دفاعه الموضوعي ، إذ في اطمئنانها إلى الأدلة التي أوردتها وعولت عليها ما يفيد اطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة اطراحها إياها . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الطاعن قد زور المحرر الرسمي ، فإن ما يقول به الطاعن من أنه لا تربطه صلة بأيّ من أطراف الواقعة أو مصلحة بهم لا يعدو أن يكون عوداً إلى الجدل في تقدير أدلة الثبوت مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكانت المادة 18 مكرراً (أ) من قانون الإجراءات الجنائية والتي أجازت للمجني عليه ولوكيله الخاص في جرائم معينة بينتها حصراً أن يطلب إلى النيابة العامة أو المحكمة حسب الأحوال إثبات صلحه مع المتهم وأنه يترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية حتى ولو كانت مرفوعة بالطريق المباشر دون أن يكون للصلح أثر على حقوق المضرور من الجريمة ، إلا أنه لما كانت الجريمة التي دين بها الطاعن ليست من بين الجرائم المحددة على سبيل الحصر بالمادة سالفة الذكر ، فإنه لا أثر للتنازل الذي زعمه الطاعن بأسباب طعنه - بفرض صحة ما يدعيه - في انقضاء الدعوى الجنائية ، ويضحى ما يثيره في هذا الشأن غير سديد . لما كان ذلك ، وكان للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي ثبتت لديها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى ، وهي غير ملزمة - من بعد - بالرد صراحة على دفاع المتهم الموضوعي القائم على أساس نفي التهمة ما دام الرد عليه مستفاد ضمناً من قضائها بإدانته استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها في حكمها ، هذا إلى أنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه ، لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها منها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها ، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق . وكان وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب ، ومتى أخذت بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد اطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، دون أن تكون ملزمة ببيان علة اطمئنانها إلى أقواله ، وكان من المقرر أن تقدير الأدلة هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها وهي حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها واطمئنانها إليها ، وإذ كانت قد اطمأنت إلى أقوال رئيس المباحث وما تضمنته تحرياته وأخذت بتصويره للواقعة بالنسبة للطاعن ، وكان من حق محكمة الموضوع أن تجزئ شهادة الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى ، كما لها أن تعول في عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ، ولها أن تجزئها فتأخذ منها بما تطمئن إليه مما تراه مطابقاً للحقيقة وتطرح ما عداه ، وكان الحكم قد حصل أقوال رئيس المباحث وتحرياته بما لا شبهة فيه لأي تناقض ، فإن ما يثيره الطاعن في صدد تعارض أقواله وتحرياته مع أقوال شاهد الإثبات الأول وما أخذ به الحكم وما اطرح من أقوال الضابط وتحرياته واعتماده على الدليل المستمد منها في حق الطاعن لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم في الدعوى ، وأن لها أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها ، وكان الحكم قد عول على تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير وما أثبته بأن الطاعن هو الكاتب للتوقيع المقروء .... الثابت قرين لفظ التوقيع المذيل به إذن الصرف ، وأن الشاكي لم يكتب التوقيع المنسوب صدوره منه والمذيل به إذن الصرف المرسل موضوع الفحص ، فإنه لا يكون ثمة محل للتعييب على الحكم في تعويله على تقرير الخبير ، ويكون النعي بهذا الوجه غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الطاعن يذهب في أسباب طعنه إلى أن الحكم المطعون فيه قد اعتمد - بين ما اعتمد عليه - في الإدانة على قرينة المصلحة والتي لا تصلح أساساً للإدانة ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم يعول على شيء مما جاء بهذا المنعى ولم يكن للقول بقرينة المصلحة تأثير في قضائه فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً ، وكان الطاعن لم يكشف بأسباب طعنه عن ماهية المستندات وأوجه الدفاع التي ساقها أمام محكمة الموضوع في دفاعه المكتوب ولم يعرض الحكم لها حتى يتضح مدى أهميتها في الدعوى المطروحة ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير سند متعيناً رفضه موضوعاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق