الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

السبت، 12 يوليو 2025

الطعن 24917 لسنة 86 ق جلسة 24 / 9 / 2020 مكتب فني 71 ق 79 ص 727

جلسة 24 من سبتمبر سنة 2020
برئاسة السيد القاضي / د. علي فرجاني نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / عبد الرسول طنطاوي ، محمد رضا حسين ، محمد زغلول وتامر أحمد شومان نواب رئيس المحكمة .
----------------
(79)
الطعن رقم 24917 لسنة 86 القضائية
أسباب الإباحة وموانع العقاب " الجنون والعاهة العقلية " . قتل عمد . مسئولية جنائية . شريعة إسلامية . إثبات " خبرة " . تدابير احترازية . محكمة النقض " نظرها موضوع الدعوى " .
الاضطراب النفسي للمتهم . اعتباره سبباً للإعفاء من المسئولية الجنائية إذا ما أفقده الإدراك والاختيار وقت ارتكاب الجريمة . الانتقاص منهما يحقق مسئوليته عنها وإن جاز اعتباره ظرفاً مخففاً . أساس ذلك ؟
مناط الإعفاء من عقوبة القصاص وفقاً للشريعة الإسلامية ؟
مظاهر انعدام الإدراك وانتفاء المسئولية وفقاً للطب النفسي ؟
فقد الإدراك أو الإرادة الناتج عن الجنون أو عاهة العقل . وجوب أن يكون معاصراً لوقت ارتكاب الجريمة . ثبوت ذلك . يمنع المسئولية الجنائية للمتهم وإن عاد لرشده بعد وقوعها .
تقدير حالة المتهم العقلية . من المسائل الفنية البحتة . وجوب رجوع المحكمة لأهل الاختصاص .
ثبوت معاناة الطاعن وقت الجريمة من اضطراب عقلي أفقده القدرة على الإدراك والاختيار بما يجعله غير مسئول عن الاتهام المنسوب إليه . يوجب القضاء ببراءته من الجريمة المسندة إليه وإيداعه أحد المحال الحكومية المتخصصة لعلاج الأمراض النفسية . علة وأساس ذلك ؟
مثال لحكم صادر بالبراءة من محكمة النقض لدى نظرها موضوع الدعوى في جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار لامتناع المسئولية الجنائية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لما كانت الأدلة قد توافرت في حق المتهم بارتكاب الجريمة المسندة إليه ، إلا أنه من المقرر وفقاً لنص المادة 62 من قانون العقوبات المستبدلة بالقانون 71 لسنة 2009 بإصدار قانون رعاية المريض النفسي وتعديل بعض أحكام قانون العقوبات قد نص على : ( لا يسأل جنائياً الشخص الذي يعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أفقده الإدراك أو الاختيار أو الذي يعاني من غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أياً كان نوعها إذا أخذها قهراً عنه أو على غير علم منه بها ، ويظل مسئولاً جنائياً الشخص الذي يعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أدى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره ، وتأخذ المحكمة في اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدة العقوبة ) . وهو نص مستحدث تمثل في إضافة الاضطراب النفسي للمتهم ، إذا ما أفقده الإدراك والاختيار وقت ارتكاب الجريمة ، واعتبره سبباً للإعفاء من المسئولية الجنائية ، أما إذا اقتصر الأثر على الانتقاص من إدراك المتهم أو اختياره ، يظل المتهم مسئولاً عن ارتكاب الجريمة ، وإن جاز اعتبار هذا الانتقاص ظرفاً مخففاً يصح للمحكمة الاعتداد به عند تقدير العقوبة . وكان من المقرر أن علماء الشريعة ذكروا من شروط القصاص من القاتل أن يكون مكلفاً ، أي بالغاً عاقلاً ، فإن لم يتوفر فيه شرط التكليف ، أُعفى من عقوبة القصاص ، استناداً للحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام أحمد وغيره ، عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( رُفع القلم عن ثلاثة ، عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتي يحتلم ، وعن المجنون حتى يعقل ) . وذكر الفقهاء تعليقاً على هذا الحديث ، أن المجنون ليس من أهل العقوبة ؛ لأن قصده غير صحيح فينزل فعله منزلة القتل الخطأ الذي لا يجب فيه القصاص ، وهنا ذكروا أن القاتل إذا ادعى أنه كان في حالة جنون وقت ارتكابه جريمة القتل ، فإنه لا يصدق في ذلك إلا إذا ثبت جنونه تنفيذاً لقاعدة (استصحاب الأصل) ، ومعنى ذلك أن الشريعة تعتبر الإنسان مسئولاً مسئولية جنائية ، إذا كان مدركاً مختاراً ، فإن انعدم أحد هذين العنصرين ، ارتفع التكليف ، وقد بين الفقهاء أن المجنون يشمل ، ما إذا كان المتصف به فاقد للعقل فقداناً تاماً ويسمون صاحبه مجنوناً ، كما يشمل من كان إدراكه ضعيفاً ضعفاً بحيث لا يصل في قوته إلى درجة الإدراك العادي للأشخاص الراشدين وهذا ما يسمونه بالعته أو البله ، وقد درج الأطباء النفسانيون في الوقت الحاضر على تسمية مظاهر أخرى لانعدام الإدراك بأسماء مختلفة كالصرع ، والهيستريا ، وازدواج الشخصية ، لكنهم أرجعوها كلها إلى زوال العقل واختلاله ، وبذلك أصبحت القاعدة منضبطة بشأن انتفاء المسئولية ، لانحصارها في فقدان الإدراك والاختيار ، وأصبح من المقرر سواء أخذ في الاعتبار بما كان يعرف عند الفقهاء قديماً بالجنون والعته ، أو بما أضيف إلى ذلك مما تعنيه باقي هذه المصطلحات الجديدة ، فإنها كلها تخضع لضابط واحد ، وهو أن المسئولية تنتفي إذا زالت قوة عقل المجرم أو وقع خلل به يحول بين الفاعل وبين إدراكه لحرمة ما يقدم عليه مع عدم توافر الإرادة له للامتناع عن إثباته ، ويجب أن يكون فقد الإدراك أو الإرادة الناتج عن الجنون أو عاهة العقل معاصراً لوقت ارتكاب الجريمة ، فإذا ثبت ذلك ، امتنعت المسئولية الجنائية للمتهم وإن عاد لرشده بعد وقوع الجريمة ، ويترتب على توافر حالة الجنون أو عاهة العقل ، امتناع مسئولية المتهم الجنائية ، لعدم توافر عنصري الركن المعنوي - الإدراك والإرادة - أو أحدهما مما يستتبع استحالة توقيع العقاب على المتهم . وحيث إنه ولما كان ما تقدم ، وكان تقدير حالة المتهم العقلية من المسائل الفنية البحتة التي يجب على المحكمة أن ترجع فيها لأهل الاختصاص ، وعليها أن تتخذ ما تراه من الوسائل لتحقيقها بلوغاً إلى غاية الأمر فيها ، وكان الثابت من تقرير اللجنة الثلاثية بإدارة الطب النفسي الشرعي بالمجلس الإقليمي للصحة النفسية بالقاهرة ، أن المتهم وُضع تحت الملاحظة والمراقبة ، وأظهرت الاختبارات الشخصية ارتفاع في معاملات الذهان والعصابية والاضطرابات الشخصية ويعاني من هلاوس سمعية واضطراب في محتوى التفكير وخلالات بارونية ، غير مستبصر بحالته المرضية ويعاني من اضطراب في الإدراك ، ويكون معه المتهم .... يعاني في الوقت الحالي وفي وقت الواقعة محل الاتهام من اضطراب الفصام ، وهو اضطراب عقلي أفقده القدرة على الإدراك والاختيار بما يجعله غير مسئول عن الاتهام المنسوب إليه ، ولما كانت المحكمة تطمئن لذلك التقرير وتأخذ به وتعول عليه في انعدام مسئولية المتهم عن تلك الجريمة . وحيث إنه قد نصت المادة 342 من قانون الإجراءات الجنائية أنه : ( إذا صدر أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية أو حكم ببراءة المتهم ، وكان ذلك بسبب اضطراب عقلي ، تأمر الجهة التي أصدرت الأمر أو الحكم إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة عقوبتها الحبس بحجز المتهم في أحد المحال المعدة للأمراض النفسية إلى أن تأمر الجهة التي أصدرت الأمر أو الحكم بالإفراج عنه ، وذلك بعد الاطلاع على تقرير مدير المحل وسماع أقوال النيابة العامة وإجراء ما تراه لازماً للتثبت من أن المتهم قد عاد إلى رشده ) . وإذ كان ذلك ، وكان الثابت من التقرير الطبي المعد من اللجنة الثلاثية بإدارة الطب الشرعي النفسي أن المتهم مصاب بالفصام العقلي ، وهو مرض عقلي يتميز باضطراب الإدراك والإرادة ، وأوصت بإيداعه أحد المحال النفسية الحكومية ، وبذلك يكون غير مسئول عن تصرفاته وأفعاله ، ومن ثم فإنه يكون غير مسئول جنائياً عن أفعاله وقت ارتكاب الجريمة المسندة إليه ، لانتفاء الركن المعنوي للجريمة بانعدام القصد الجنائي بسبب المرض العقلي ، مما يستوجب على المحكمة القضاء ببراءة المتهم من الجريمة المسندة إليه ، وإيداعه أحد المحال الحكومية المتخصصة لعلاج الأمراض النفسية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه :-
- قتل زوجته المجني عليها / .... وجنينها عمداً مع سبق الإصرار بأن بيت النية وعقد العزم على قتلهما ، وما أن ظفر بها حتى أطبق يديه على عنقها قاصداً قتلهما فأحدث بهما الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية المرفق والتي أودت بحياتهما على النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
وادعى والد المجني عليها مدنياً قبل المتهم بمبلغ عشرون ألف وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت .
والمحكمة المذكورة قررت بإجماع آراء أعضائها بإحالة أوراق القضية إلى فضيلة مفتي الجمهورية لإبداء الرأي الشرعي فيها وحددت جلسة .... للنطق بالحكم .
وبالجلسة المحددة قضت المحكمة حضورياً بإجماع آراء أعضائها عملاً بالمواد 13 ، 230 ، 231 من قانون العقوبات . بمعاقبة المتهم بالإعدام شنقاً عما أسند إليه وألزمته المصاريف الجنائية ، وفي الدعوى المدنية بإلزامه بأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ 20001 جنيه (عشرون ألف جنيه وواحد جنيه) على سبيل التعويض المدني المؤقت وألزمته مبلغ خمسمائة جنيه كأتعاب للمحاماة ومصاريف الدعوى المدنية .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ، كما عرضت النيابة العامة القضية على محكمة النقض بمذكرة مشفوعة برأيها .
ومحكمة النقض قضت بعدم قبول الطعن المقدم من الطاعن شكلاً ، وبقبول عرض النيابة العامة للقضية وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه للمحكوم عليه الذي لم يُقبل طعنه شكلاً وإعادة القضية إلى محكمة جنايات .... لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى .
ومحكمة الإعادة – بهيئة مغايرة – قرَّرت وبإجماع الآراء بإحالة أوراق الدعوي لفضيلة مفتي الجمهورية لاستطلاع الرأي الشرعي بشأن ما نسب للمتهم ، وحددت جلسة.... للنطق بالحكم .
وبالجلسة المحددة قضت المحكمة المذكورة حضورياً وبإجماع الآراء عملاً بالمواد 13 ،230 ، 231 من قانون العقوبات . بمعاقبة المتهم بالإعدام شنقاً وألزمته المصاريف الجنائية .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية .... إلخ .
كما عرضت النيابة العامة القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها .
ومحكمة النقض قضت بجلسة .... أولاً : بعدم قبول طعن المحكوم عليه شكلاً . ثانياً : بقبول عرض النيابة العامة للقضية شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وتحديد جلسة .... لنظر الموضوع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
حيث إن النيابة العامة اتهمت المتهم .... بأنه :-
- قتل زوجته المجني عليها .... وجنينها عمدًا مع سبق الإصرار بأن بيت النية وعقد العزم على قتلهما ، وما أن ظفر بها حتى أطبق يديه على عنقها قاصداً قتلهما فأحدث بهما الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية المرفق والتي أودت بحياتهما على النحو المبين بالتحقيقات .
وطلبت عقابه بالمواد 230 ، 231 من قانون العقوبات ، والمادة 116 مكررًا من القانون رقم 12 لسنة 1996 المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 بشأن الطفل .
وحيث تداولت الدعوى بالجلسات أمام محكمة جنايات .... مثل خلالها المتهم بشخصه ومحامياً منتدب من قبل المحكمة ، والتي قضت بجلسة .... حضورياً وبعد استطلاع الرأي الشرعي لفضيلة المفتي وبإجماع الآراء بمعاقبة .... بالإعدام شنقاً عما أسند إليه وألزمته المصاريف الجنائية . ثانياً : وفي الدعوى المدنية بإلزامه بأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ عشرون ألف جنيه وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت وألزمته مبلغ خمسمائة جنيه كأتعاب محاماة ومصاريف الدعوى المدنية .
فقرر المحكوم عليه بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض ، وقيد برقم .... .
ومحكمة النقض قضت بجلسة .... أولاً : بعدم قبول طعن المحكوم عليه شكلاً . ثانياً : بقبول عرض النيابة العامة للقضية شكلاً ، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات .... للحكم فيها من جديد وبدائرة أخرى .
ومحكمة الإعادة بهيئة مغايرة ، وبعد استطلاع الرأي الشرعي لفضيلة المفتي ، قضت بجلسة .... حضورياً وبإجماع الآراء بمعاقبة المتهم .... بالإعدام شنقاً وألزمته المصاريف الجنائية .
فقرر المحكوم عليه بتاريخ .... بالطعن في هذا الحكم للمرة الثانية بطريق النقض ، وقيد برقم .... .
ومحكمة النقض قضت بجلسة .... أولاً : بعدم قبول طعن المحكوم عليه .... شكلاً . ثانياً : بقبول عرض النيابة العامة للقضية شكلاً ، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وتحديد جلسة .... لنظر الموضوع .
وحيث تداولت الدعوى بالجلسات أمام هذه المحكمة ، ومثل المتهم بشخصه ومعه محامياً منتدباً من قبل المحكمة التي أحالته إلى مستشفى الأمراض النفسية والعقلية لبيان حالته وفقاً لما ورد بمنطوقها ، وإذ ورد التقرير الطبي النفسي ، والحاضر مع المتهم طلب البراءة لانعدام مسئوليته الجنائية ، فقررت المحكمة حجز الدعوى للحكم ليصدر بجلسة اليوم .
وحيث إن واقعات الدعوى ، حسبما استقر في يقين المحكمة وعقيدتها ، واطمأن إليه وجدانها ، مستخلصة من سائر أوراقها ، وما تضمنته من استدلالات وتحقيقات وتقارير فنية ، وما دار بشأنها بالجلسة ، تتحصل أنه ولوجود خلافات سابقة بين المتهم .... ، وزوجته المتوفية إلى رحمة مولاها .... ، لشكه في سلوكها بوجود علاقات غير شرعية بغيره من الرجال ، وذلك على خلاف الواقع والحقيقة ، فعقد العزم والنية على قتلها ، وما أن ظفر بها حتى قام بإطباق كلتا يديه على عنقها قاصداً من ذلك قتلها ولم يتركها إلا جثة هامدة ، محدثاً بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها على النحو المبين بالأوراق .
وحيث إن الواقعة قد قام الدليل على صحتها وثبوتها في حق المتهم من أدلة قولية وفنية تأخذ بها المحكمة عماداً لقضائها ، أخذاً بما شهد به بالتحقيقات كل من / .... ، النقيب .... ، وما ثبت بملاحظات النيابة العامة من إقرار الطفل .... ، ومن إقرار المتهم بتحقيقات النيابة العامة وجلستي تجديد أمر حبسه ، وما ثبت من التقرير الطبي الشرعي الخاص بتشريح جثة المتوفية لرحمة مولاها . فشهد / .... من تلقيه اتصالاً هاتفياً بقيام المتهم باحتجاز نجلته المجني عليها ، ومن مشاهدته لسيارة الإسعاف بمحل الواقعة وعلمه بقيام المتهم بقتلها . وشهد النقيب / .... رئيس مباحث مركز .... من قيام المتهم بقتل زوجته لمروره بضائقة مالية ، وأنه قد حاول من ذي قبل التخلص منها بقتلها إلا أنه لم يتمكن من ذلك لكونها حامل ، وأضاف بتوافر نية إزهاق روح المجني عليها لدى المتهم . وحيث إن المتهم أقر بتحقيقات النيابة العامة من ارتكابه الواقعة لشكه في سلوك زوجته من وجود علاقات مشبوهة لها بالرجال من تناهي إلى سمعه أصوات أشخاص تصعد سلالم المنزل ، ومن إخبار طفله له بارتداء المجني عليها والدته ملابس عروس في حفل عرسها ، وتدخينها للسجائر ، وأضاف بقيامها بالاتجار في المخدرات ، ومن محاولته قتلها من ذي قبل إلا أنه تراجع من أجل الجنين الذي كان في بطن زوجته المجني عليها .
كما أقر المتهم بجلستي أمر تجديد حبسه المؤرخين .... ، .... باعترافه بالتهمة المسندة إليه . ثبت من تقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليها انسكابات دموية غزيرة على جانبي العنق وزرقة بالأطراف والشفتين ورسوب دموي وسيولة دماء الجثة واحتقان الأحشاء بصفة عامة والرئتين بصفة خاصة ، كما أسفر الفحص المعملي عن خلوها من آثار لمواد مخدرة أو مهدئة والمبيدات الحشرية وسم الفأر ، وتعزى وفاة المذكورة إلى اسفكسيا الخنق وهي متفقة والتصوير الوارد على لسان المتهم بالتحقيقات ، كما تعزى وفاة الجنين إلى وفاة أمه المجني عليها .
وحيث إنه ولئن كانت الأدلة قد توافرت في حق المتهم بارتكاب الجريمة المسندة إليه ، إلا أنه من المقرر وفقًا لنص المادة 62 من قانون العقوبات المستبدلة بالقانون 71 لسنة 2009 بإصدار قانون رعاية المريض النفسي وتعديل بعض أحكام قانون العقوبات قد نص على : ( لا يسأل جنائياً الشخص الذي يعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أفقده الإدراك أو الاختيار أو الذي يعاني من غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أياً كان نوعها إذا أخذها قهراً عنه أو على غير علم منه بها ، ويظل مسئولاً جنائياً الشخص الذي يعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أدى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره ، وتأخذ المحكمة في اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدة العقوبة ) . وهو نص مستحدث تمثل في إضافة الاضطراب النفسي للمتهم ، إذا ما أفقده الإدراك والاختيار وقت ارتكاب الجريمة ، واعتبره سبباً للإعفاء من المسئولية الجنائية ، أما إذا اقتصر الأثر على الانتقاص من إدراك المتهم أو اختياره ، يظل المتهم مسئولاً عن ارتكاب الجريمة ، وإن جاز اعتبار هذا الانتقاص ظرفاً مخففاً يصح للمحكمة الاعتداد به عند تقدير العقوبة . وكان من المقرر أن علماء الشريعة ذكروا من شروط القصاص من القاتل أن يكون مكلفاً ، أي بالغاً عاقلاً ، فإن لم يتوفر فيه شرط التكليف ، أُعفى من عقوبة القصاص ، استناداً للحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام أحمد وغيره ، عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( رُفع القلم عن ثلاثة ، عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتي يحتلم ، وعن المجنون حتى يعقل ) . وذكر الفقهاء تعليقاً على هذا الحديث ، أن المجنون ليس من أهل العقوبة ؛ لأن قصده غير صحيح فينزل فعله منزلة القتل الخطأ الذي لا يجب فيه القصاص ، وهنا ذكروا أن القاتل إذا ادعى أنه كان في حالة جنون وقت ارتكابه جريمة القتل ، فإنه لا يصدق في ذلك إلا إذا ثبت جنونه تنفيذاً لقاعدة (استصحاب الأصل) ، ومعنى ذلك أن الشريعة تعتبر الإنسان مسئولاً مسئولية جنائية ، إذا كان مدركاً مختاراً ، فإن انعدم أحد هذين العنصرين ، ارتفع التكليف ، وقد بين الفقهاء أن المجنون يشمل ، ما إذا كان المتصف به فاقد للعقل فقداناً تاماً ويسمون صاحبه مجنوناً ، كما يشمل من كان إدراكه ضعيفاً ضعفاً بحيث لا يصل في قوته إلى درجة الإدراك العادي للأشخاص الراشدين وهذا ما يسمونه بالعته أو البله ، وقد درج الأطباء النفسانيون في الوقت الحاضر على تسمية مظاهر أخرى لانعدام الإدراك بأسماء مختلفة كالصرع ، والهيستريا ، وازدواج الشخصية ، لكنهم أرجعوها كلها إلى زوال العقل واختلاله ، وبذلك أصبحت القاعدة منضبطة بشأن انتفاء المسئولية ، لانحصارها في فقدان الإدراك والاختيار ، وأصبح من المقرر سواء أخذ في الاعتبار بما كان يعرف عند الفقهاء قديماً بالجنون والعته ، أو بما أضيف إلى ذلك مما تعنيه باقي هذه المصطلحات الجديدة ، فإنها كلها تخضع لضابط واحد ، وهو أن المسئولية تنتفي إذا زالت قوة عقل المجرم أو وقع خلل به يحول بين الفاعل وبين إدراكه لحرمة ما يقدم عليه مع عدم توافر الإرادة له للامتناع عن إثباته ، ويجب أن يكون فقد الإدراك أو الإرادة الناتج عن الجنون أو عاهة العقل معاصراً لوقت ارتكاب الجريمة ، فإذا ثبت ذلك ، امتنعت المسئولية الجنائية للمتهم وإن عاد لرشده بعد وقوع الجريمة ، ويترتب على توافر حالة الجنون أو عاهة العقل ، امتناع مسئولية المتهم الجنائية ، لعدم توافر عنصري الركن المعنوي - الإدراك والإرادة - أو أحدهما مما يستتبع استحالة توقيع العقاب على المتهم . وحيث إنه ولما كان ما تقدم ، وكان تقدير حالة المتهم العقلية من المسائل الفنية البحتة التي يجب على المحكمة أن ترجع فيها لأهل الاختصاص ، وعليها أن تتخذ ما تراه من الوسائل لتحقيقها بلوغاً إلى غاية الأمر فيها ، وكان الثابت من تقرير اللجنة الثلاثية بإدارة الطب النفسي الشرعي بالمجلس الإقليمي للصحة النفسية بالقاهرة ، أن المتهم وُضع تحت الملاحظة والمراقبة ، وأظهرت الاختبارات الشخصية ارتفاع في معاملات الذهان والعصابية والاضطرابات الشخصية ويعاني من هلاوس سمعية واضطراب في محتوى التفكير وخلالات بارونية ، غير مستبصر بحالته المرضية ويعاني من اضطراب في الإدراك ، ويكون معه المتهم .... يعاني في الوقت الحالي وفي وقت الواقعة محل الاتهام من اضطراب الفصام ، وهو اضطراب عقلي أفقده القدرة على الإدراك والاختيار بما يجعله غير مسئول عن الاتهام المنسوب إليه ، ولما كانت المحكمة تطمئن لذلك التقرير وتأخذ به وتعول عليه في انعدام مسئولية المتهم عن تلك الجريمة . وحيث إنه قد نصت المادة 342 من قانون الإجراءات الجنائية أنه : ( إذا صدر أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية أو حكم ببراءة المتهم ، وكان ذلك بسبب اضطراب عقلي ، تأمر الجهة التي أصدرت الأمر أو الحكم إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة عقوبتها الحبس بحجز المتهم في أحد المحال المعدة للأمراض النفسية إلى أن تأمر الجهة التي أصدرت الأمر أو الحكم بالإفراج عنه ، وذلك بعد الاطلاع على تقرير مدير المحل وسماع أقوال النيابة العامة وإجراء ما تراه لازماً للتثبت من أن المتهم قد عاد إلى رشده ) . وإذ كان ذلك ، وكان الثابت من التقرير الطبي المعد من اللجنة الثلاثية بإدارة الطب الشرعي النفسي أن المتهم مصاب بالفصام العقلي ، وهو مرض عقلي يتميز باضطراب الإدراك والإرادة ، وأوصت بإيداعه أحد المحال النفسية الحكومية ، وبذلك يكون غير مسئول عن تصرفاته وأفعاله ، ومن ثم فإنه يكون غير مسئول جنائياً عن أفعاله وقت ارتكاب الجريمة المسندة إليه ، لانتفاء الركن المعنوي للجريمة بانعدام القصد الجنائي بسبب المرض العقلي ، مما يستوجب على المحكمة القضاء ببراءة المتهم من الجريمة المسندة إليه ، وإيداعه أحد المحال الحكومية المتخصصة لعلاج الأمراض النفسية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق