باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الأول من يونيو سنة 2025م، الموافق
الخامس من ذي الحجة سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار
والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب
رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 124 لسنة 29
قضائية "دستورية"
المقامة من
نادي لبيب بولس
ضد
1- رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الوزراء
3- رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًّا)
4- وزير العدل
5- عيد لبيب بولس
------------
الإجراءات
بتاريخ الرابع والعشرين من مايو سنة 2007، أودع المدعي صحيفة هذه
الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية البند (2)
من المادة (503) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، المستبدل به
نص المادة الأولى من القانون رقم 156 لسنة 2004.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو
المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
---------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل -على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق-
في أن النيابة العامة قدمت المدعي إلى المحاكمة الجنائية في الدعوى رقم 3522 لسنة
2006 جنح الدرب الأحمر، بوصف أنه، بدائرة قسم الدرب الأحمر، أعطى بسوء نية شيكًا
للمجني عليه - المدعى عليه الأخير - بمبلغ ثمانين ألف جنيه مسحوبًا على البنك
الوطني للتنمية – فرع الأزهر، لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب، مع علمه بذلك،
وطلبت عقابه بالمادتين (337) من قانون العقوبات، و(534/1 بند "أ") من
قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999. وبجلسة 22/5/2006، حكمت المحكمة
غيابيًّا بحبس المدعي ستة أشهر مع الشغل وكفالة مقدارها خمسمائة جنيه. عارض المدعي
في ذلك الحكم. وحال نظر المعارضة، دفع بعدم دستورية البند (2) من المادة (503) من
قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع،
وصرحت بإقامة الدعوى الدستورية؛ فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن البند (2) من المادة (503) من قانون التجارة الصادر بالقانون
رقم 17 لسنة 1999، المستبدل به نص المادة الأولى من القانون رقم 156 لسنة 2004،
ينص على أنه "وإذا قدم الشيك للوفاء قبل اليوم المبين فيه كتاريخ لإصداره وجب
وفاؤه في يوم تقديمه، وذلك باستثناء الشيكات المسطرة المنصوص عليها في المادة
(515) من هذا القانون والشيكات الحكومية فلا تكون مستحقة الوفاء إلا في التاريخ
المبين فيها كتاريخ لإصدارها".
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة –
وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها قيام علاقة منطقية بينها وبين المصلحة في
الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في
الطلبات المرتبطة بها، المطروحة على محكمة الموضوع، ولا تتحقق تلك المصلحة إلا
باجتماع شرطين، أولهما: أن يقوم الدليل على أن ضررًا واقعيًّا مباشرًا ممكنًا
تداركه قد لحق بالمدعي، وثانيهما: أن يكون مرد هذا الضرر إلى النص التشريعي
المطعون فيه.
متى كان ما تقدم، وكان البين من الحكم الغيابي الصادر بإدانة المدعي
في الدعوى رقم 3522 لسنة 2006 جنح الدرب الأحمر، عما نسب إليه من أنه أعطى بسوء
نية شيكًا إلى المدعى عليه الأخير بمبلغ ثمانين ألف جنيه مسحوبًا على البنك الوطني
للتنمية – فرع الأزهر، لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب، مع علمه بذلك، وكان
التاريخ الثابت بذلك الشيك هو 30/6/2006، إلا أن المستفيد قدمه للبنك المسحوب عليه
بتاريخ 6/2/2006، وكان النص المطعون فيه قد أوجب الوفاء بقيمة الشيك في يوم تقديمه
إذا قدم قبل اليوم المبين فيه كتاريخ لإصداره، وكان تاريخ تقديم الشيك غير المسطر
أو غير الحكومي إلى البنك المسحوب عليه هو التاريخ المعتبر في ارتكاب الجنحة
المؤثمة بالمادة (534/1 بند "أ") من قانون التجارة المشار إليه، ومن ثم
يكون للقضاء في دستورية هذا النص انعكاس على الفصل في الدعوى الموضوعية، تتحقق به
المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي، ويضحى الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم
توافر المصلحة على غير سند متعينًا الالتفات عنه. ويتحدد نطاق الدعوى المعروضة
فيما نص عليه صدر البند (2) من المادة (503) من قانون التجارة المشار إليه،
المستبدل به نص المادة الأولى من القانون رقم 156 لسنة 2004، من أنه "وإذا
قدم الشيك للوفاء قبل اليوم المبين فيه كتاريخ لإصداره وجب وفاؤه في يوم
تقديمه"، دون باقي أحكام ذلك البند.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه – في النطاق المحدد سلفًا –
مخالفته مبادئ الشريعة الإسلامية، لإقراره وجوب الوفاء بقيمة الشيك في يوم تقديمه
إذا قدم للوفاء قبل اليوم المبين فيه كتاريخ لإصداره، حال أن الشريعة الإسلامية
أوجبت الوفاء بالعقود إعمالًا لقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا
بالعقود" الآية (1) من سورة المائدة، وكذا إخلاله بمبدأ المساواة؛ إذ مايز
بين الشيكات العادية وبين الشيكات المسطرة المنصوص عليها في المادة (515) من
القانون ذاته والشيكات الحكومية، فاعتد بالتاريخ الوارد بهما كتاريخ للوفاء، دون
أن يمد الحكم ذاته إلى الشيكات العادية، وإهداره مبدأ حرية التعاقد؛ إذ أحل المشرع
إرادته محل إرادة المتعاقدين فيما قرره من وجوب الوفاء بالشيك يوم تقديمه،
بالمخالفة لاتفاقهما على تحديد تاريخ آجل للوفاء بالشيك، بما ينال من الحرية
الشخصية وحق الملكية، ويخرق أصل البراءة، ويجترئ على العدالة الجنائية وسلطة
القاضي الجنائي في تقدير الأدلة، ويخل بمبدأ الفصل بين السلطات، وذلك بالمخالفة
للمواد (2 و32 و34 و40 و41 و47 و67 و68 و69 و165) من دستور 1971 المقابلة للمواد
(2 و34 و35 و53 و54 و65 و96 و97 و98 و184) من الدستور الحالي.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد
الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره؛ ذلك أن
هذه الرقابة تستهدف أصلاً – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – صون هذا الدستور
وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون نصوصه تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم
عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها
ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى
كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها المدعي إلى النص المطعون فيه تندرج تحت المطاعن
الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث
محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن المحكمة تباشر رقابتها القضائية على النص المطعون
عليه – الذي مازال ساريًا ومعمولاً بأحكامه – في ضوء أحكام الدستور القائم.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد اطرد على أن ما نص عليه
دستور 1971، في مادته الثانية، بعد تعديلها في سنة 1980 – التي تردد حكمها في
المادة الثانية من الدستور القائم - من أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر
الرئيسي للتشريع، إنما يتمحض عن قيد يجب على السلطة التشريعية أن تتحراه وتنزل
عليه في تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل، فلا يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام
الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يكون
الاجتهاد فيها ممتنعًا، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية، وأصولها
الثابتة التي لا تحتمل تأويلًا أو تبديلًا. ومن غير المتصور -تبعًا لذلك- أن يتغير
مفهومها بتغير الزمان والمكان؛ إذ هي عصية على التعديل، ولا يجوز الخروج عليها، أو
الالتواء بها عن معناها. وتنصب ولاية المحكمة الدستورية العليا في شأنها على مراقبة
التقيد بها، وتغليبها على كل قاعدة قانونية تعارضها؛ ذلك أن المادة الثانية من
الدستور تقدم على هذه القواعد أحكام الشريعة الإسلامية في أصولها ومبادئها الكلية؛
إذ هي إطارها العام، وركائزها الأصلية التي تفرض متطلباتها دومًا بما يحول دون
إقرار أي قاعدة قانونية على خلافها؛ وإلا اعتبر ذلك تشهيًا وإنكارًا لما عُلم من
الدين بالضرورة. ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما
معًا؛ ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها، ولا تمتد لسواها، وهي بطبيعتها متطورة
تتغير بتغير الزمان والمكان، لضمان مرونتها وحيويتها، ولمواجهة النوازل على
اختلافها، تنظيمًا لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعًا، ولا يعطل
بالتالي حركتهم في الحياة، على أن يكون الاجتهاد دومًا واقعًا في إطار الأصول
الكلية للشريعة بما لا يجاوزها، ملتزمًا ضوابطها الثابتة، متحريًا مناهج الاستدلال
على الأحكام العملية، والقواعد الضابطة لفروعها، كافلًا صون المقاصد العامة
للشريعة بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
متى كان ما تقدم، وكان ما طواه النص المطعون فيه من أحكام مقتضاها
وجوب الوفاء بقيمة الشيك يوم تقديمه وإن قُدم قبل اليوم المبين فيه كتاريخ
لإصداره، لم يرد بشأنها نص قطعي الثبوت والدلالة في القرآن الكريم والسنة النبوية
المطهرة، ومن ثم يجوز الاجتهاد فيها، تنظيمًا لشئون العباد، بما يكفل مصالحهم
المعتبرة شرعًا، ولا يعطل حركتهم في الحياة، وذلك في إطار الأصول الكلية للشريعة،
وبما يصون مقاصدها العامة، وقد جاء حكم النص المطعون فيه تحقيقًا للمصلحة العامة
للحفاظ على استقرار المعاملات التجارية والمصرفية بجعل الشيك مستحق الوفاء يوم
تقديمه، باعتباره أداة وفاء تحل محل النقود؛ ومن ثم يكون هذا النص قد جاء متفقًا
والمقاصد العامة للشريعة الإسلامية بما تقتضيه من حفظ المال، وبما لا مخالفة فيه
لمبادئها المنصوص عليها في المادة (2) من الدستور.
ولا ينال من ذلك، ما نعى به المدعي من مخالفة النص المطعون فيه قول
الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" الآية (1) من سورة
المائدة؛ فذلك مردود بأن هذا النص يحدد تاريخ الوفاء بالشيك غير المسطر أو غير
الحكومي؛ بوصفة أداة للوفاء، لتنقطع بإطلاقه للتداول صلته – في المجال الجنائي –
بالواقعة المنشئة للمديونية الثابتة به، ولو ترتبت على عقد من العقود؛ مما يضحى
معه هذا النعي على غير سند، متعينًا الالتفات عنه.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور الحالي قد اعتمد
بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره -إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ
الفرص- أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في
المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في
الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأي سبب، إلا أن ذلك لا يعني
أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية
متكافئة. كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها
ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوي -من ثمَّ- على مخالفة لنص المادتين (4 و53)
المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبهما هو ذلك الذي يكون
تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا بذاته، بل لتحقيق أغراض
بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعي المشرع إلى تحقيقها من
وراء هذا التنظيم.
وحيث إن ضمان الدستور للحرية الشخصية لا يعني غل يد المشرع عن التدخل
لتنظيمها؛ ذلك أن صون الحرية الشخصية يفترض بالضرورة مباشرتها دون قيود جائرة
تعطلها، وليس إسباغ حصانة عليها تعفيها من تلك القيود التي تقتضيها مصالح الجماعة
وتسوغها ضوابط حركتها، ذلك أن الدستور أعلى قدر الحرية الشخصية، باعتبارها من
الحقوق الطبيعية الكامنة في النفس البشرية، الغائرة في أعماقها، والتي لا يمكن
فصلها عنها، ومنحها بذلك الرعاية الأوفى والأشمل توكيدًا لقيمتها، وبما لا إخلال
فيه بالحق في تنظيمها.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يتعين تفسير النصوص
التشريعية التي تنظم مسألة معينة بافتراض العمل بها في مجموعها، وأنها لا تتعارض
أو تتهادم فيما بينها، وإنما تتكامل في إطار الوحدة العضوية التي تنتظمها من خلال
التوفيق بين مجموع أحكامها، باعتبار أنها متآلفة فيما بينها، لا تتماحى معانيها،
وإنما تتضافر توجهاتها، تحقيقًا للأغراض النهائية، والمقاصد الكلية التي تجمعها؛
ذلك أن السياسة التشريعية لا يحققها إلا التطبيق المتكامل لتفاصيل أحكامها، دون
اجتزاء جزء منها ليطبق دون الجزء الآخر؛ لما في ذلك من إهدار للغاية التي توخاها
المشرع من ذلك التنظيم.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة – أيضًا - أن الأصل في النصوص
القانونية هو ارتباطها عقلًا بأهدافها، باعتبارها وسائل صاغها المشرع لتحقيقها؛
فمن ثم يتعين لاتفاق التنظيم التشريعي مع الدستور أن تتوافر علاقة منطقية بين
الأغراض المشروعة التي اعتنقها المشرع في موضوع محدد، وفاءً لمصلحة عامة لها
اعتبارها، وبين الوسائل التي انتهجها طريقًا لبلوغها، فلا تنفصل النصوص القانونية
التي نظم بها المشرع هذا الموضوع عن أهدافها، بل يتعين أن تكون مدخلاً إليها.
وحيث إن المشرع آثر أن يجعل من الشيك أداة وفاء فورية في مجال التخالص
عن الحقوق المالية، مُعملًا بذلك سلطته التقديرية في الاختيار بين البدائل
المتاحة، وتحديد الوسائل القانونية المناسبة للوفاء، وقيمة كل وسيلة بما يحقق
الصالح العام، ولذا وجب على مستخدمي الشيك، باعتباره أداة وفاء، أن يضمنوا ذلك
الوفاء لحظة إعطاء الشيك، وأن يكون واجب السداد بمجرد الاطلاع عليه، تأكيدًا لقوة
الشيك في التداول، خاصة بطريق التظهير بين أفراد متعددين لا تربطهم صلة بالعلاقة
الشخصية القائمة بين مصدر الشيك والمستفيد الأول منه، وبذلك يكون المشرع قد لجأ
إلى سلطته التقديرية في تكريس نظام قانوني مبدئي لا غنى عنه للمجتمع، وأحاطه بسياج
من الحماية القانونية بموجب القانون الجنائي، الذي كفل حماية جنائية للشيك تلزم
المتعامل به عدم إصداره إلا في حالة وجود رصيد لدى المسحوب عليه.
وحيث إن المقرر قانونًا أن الساحب يناط به تحديد تاريخ الوفاء بالشيك،
فإذا سطره تعين الوفاء به في التاريخ المبين فيه، وهو الحكم ذاته بالنسبة للشيك
الحكومي، وإذا تركه دون تسطير تعين الوفاء به يوم تقديمه للبنك ولو قُدم قبل اليوم
المبين فيه كتاريخ لإصداره، باعتباره أداة وفاء تحل محل النقود؛ ومن ثم فإن تحديد
تاريخ الوفاء بالشيك مرده إلى الساحب وحده، الذي منحه المشرع الحق في الاختيار بين
بديلين لتاريخ الوفاء على ما سبق بيانه، ليغدو النعي على النص المطعون فيه بمصادرة
الحرية الشخصية، نعيًا متهافتًا لا سند له متعينًا الالتفات عنه. إذ كان ما تقدم،
وكانت غاية المشرع من النص المطعون فيه الحرص على استقرار المعاملات التجارية
والمالية؛ بهدف دفع الاستثمار والتجارة والنمو الاقتصادي في المجتمع، وبما يحفظ
حقوق الغير من الضياع بعد أن وصل التعامل بالشيك – على نحو ما ورد بالأعمال
التحضيرية للقانون السالف الإشارة إليه – إلى إهدار وظيفته ومسخها بما يؤدي إلى
اضطراب المعاملات، فإن البديل الذي تبناه المشرع بالنص المطعون فيه إنما جاء
متماهيًا مع الالتزام الدستوري الوارد في المادة (27) من الدستور القائم، الذي جعل
من رفع معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي وتشجيع الاستثمار مع مراعاة الاتزان
المالي والتجاري، وضبط آليات السوق، والتوازن بين مصالح الأطراف المختلفة هدفًا
للنظام الاقتصادي؛ ومن ثم فإن النص المطعون فيه يكون واقعًا في إطار السلطة
التقديرية للمشرع، وبهذه المثابة لا ينال من الحق في الملكية الخاصة، ولا يشكل
عدوانًا على الحق في التقاضي، ولا يكون مخالفًا أحكام المواد (2 و34 و35 و53 و54
و65 و96 و97 و98 و184) من الدستور، كما أنه لا يخالف أي حكم آخر من أحكامه، مما
يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق