الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 26 يناير 2024

الطعن 32 لسنة 45 ق جلسة 24 / 11 / 1976 مكتب فني 27 ج 2 أحوال شخصية ق 304 ص 1649

جلسة 24 من نوفمبر سنة 1976

برياسة السيد المستشار نائب رئيس المحكمة محمد أسعد محمود وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عبد الرحمن عياد، ومحمد الباجوري، وصلاح نصار، وإبراهيم هاشم.

----------------

(304)
الطعن رقم 32 لسنة 45 ق "أحوال شخصية"

(1) حكم "الطعن بالأحكام". استئناف. دعوى "ترك الخصومة".
التفرقة بين الدعوى وحق الالتجاء إلى القضاء. جواز التنازل عن الطعن في الحكم بعد ثبوت الحق فيه أو أثناء نظر الطعن.
(2) حكم "الطعن في الأحكام" استئناف. نقض.
التنازل أثناء نظر الطعن بالنقض عن متابعة السير في الاستئناف إذا ما نقض الحكم. جائز. علة ذلك.
(3) دعوى "ترك الخصومة".
ترك الخصومة. وجوب أن يكون خلواً من أي تحفظات أو شروط تهدف إلى تمسك التارك بصحة الخصومة أو بآثارها.
(4) حكم. دعوى "الخصوم في الدعوى."
الأصل في الأحكام إنها مقررة للحقوق وليست منشئة لها، قضاء محكمة النقض بقبول حلول الخصم محل الطاعنة بعد وفاتها. انسحاب أثره إلى تاريخ طلب الحلول.
(5) حكم "تسبيب الحكم".
إغفال الحكم الإشارة إلى دفاع غير جوهري لا يتغير به وجه الرأي في الدعوى. لا قصور.
(6) دعوى "ترك الخصومة". إثبات "الإقرار".
القضاء بقبول ترك الخصومة في الاستئناف. استناد الحكم إلى إقرار بالترك صادر من المستأنف ومصدق عليه بمكتب التوثيق. لا خطأ.
(7) دعوى "ترك الخصومة". أحوال شخصية. "طلاق" نظام عام.
الأصل جواز ترك الخصومة في كافة أحوال. الاستثناء. تعلق موضوع الدعوى بالنظام العام. مثال بشأن دعوى طلاق.
(8) أحوال شخصية "إرث". إثبات "الإقرار".
إقرار الوارث بوارث آخر. وجوب أخذ المقر بإقرار في دعاوى المال. لا يغير من ذلك كون المقر له غير وارث حقيقة.
(9) دعوى "ترك الخصومة". بطلان. التزام "عيوب الإرادة". حكم "القصور".
ترك الخصومة. تصرف إرادي يبطل إذا شابه عيب من العيوب المفسدة للرضا. إغفال محكمة الموضوع الرد على دفاع الطاعن في هذا الخصوص. قصور.

----------------
1 - ولئن كانت الدعوى لا تقتصر على حق الالتجاء إلى القضاء لحماية الحق فحسب وإنما تستطيل إلى استنفاد جميع الوسائل المقررة قانوناً لحمايته، إلا أنه يجوز التنازل عن الطعن في الحكم بعد ثبوت الحق فيه أو أثناء نظر الخصومة المرددة بعد نظر الاستئناف، إذ التنازل في هذه الحالة يؤمن معه الاعتساف، كما أن من شأن الترك في هذه الحالة استقرار الحكم الابتدائي اعتباراً بأن ترك الخصومة في الاستئناف يعتبر في نظر الشارع بمثابة قبول من جانب المستأنف للحكم الصادر عليه من محكمة أول درجة.
2 - النص في الفقرة الثانية من المادة 219 من قانون المرافعات على أنه "يجوز الاتفاق ولو قبل رفع الدعوى على أن يكون حكم محكمة أول درجة انتهائياً". يدل على أن المشرع قد أجاز الاتفاق مقدماً بين الخصمين على التنازل عن استئناف الحكم ولم ير في ذلك مخالفة للنظام العام، لما أوردته المذكرة الإيضاحية من أن المادة "تضمنت فقرة أخيرة تبيح النزول عن الاستئناف قبل رفع الدعوى ذلك أن الاستئناف كغيره من الحقوق يجوز النزول عنه فضلاً عن أن هذا النزول يكون أقرب شبهاً بنظام التحكيم ولا يعتبر من جهة أخرى حرماناً للخصم من حق الالتجاء إلى القضاء بقدر ما هو منظم لهذا الحق فضلاً عن أن حكم هذه الفقرة مسلم به في كثير من التشريعات الحديثة"، مما مفاده أنه يجوز التنازل من باب أولى عن متابعة السير في الاستئناف حال نقض الحكم وإعادة الدعوى لسيرها أمام محكمة الإحالة، ولا يجوز القول بأن الإقرار بالتنازل قدم في مرحلة الطعن بالنقض وهي متميزة عن خصومة الاستئناف المتعلقة بالدعوى الموضوعية لأنه وإن كان الحكم الصادر في الاستئناف - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من شأنه أن ينهي الدعوى إلا أن نقض هذا الحكم يزيله ويفتح للخصوم طريق العودة إلى محكمة الإحالة لمتابعة السير فيها بناء على طلب الخصوم.
3 - المقرر أنه لا يجوز أن يكون الترك مقروناً بأي تحفظ، بمعنى أن يكون خالياً من أية شروط تهدف إلى تمسك التارك بصحة الخصومة أو بأي أثر من الآثار القانونية المترتبة على قيامها، وإذ كان ما تضمنه الإقرار من أن التزام الطاعن بعدم السير في الدعوى حال نقض الحكم لا يعد من قبيل الشروط أو التحفظات التي يتعين خلو الترك منها لأنه إنما قصد إلى مجرد بيان الحالة التي تتحقق فيها إمكانية استمرار السير في الدعوى، ولأنه برفض الطعن ينحسم كل نزاع بما لا مجال معه للاتفاق على ترك الخصومة، ومن ثم فإن وروده في الإقرار لا يؤثر في قيام الترك أو إنتاجه أثره.
4 - إذ كان الأصل في الأحكام أنها مقررة للحقوق وليست منشئة لها لأن وظيفة الحكم بيان حق كل خصم بالنسبة لموضوع النزاع دون أن يخلق حقاً جديداً، فإن الحكم الصادر من محكمة النقض بقبول حلول الطاعن محل رافعة الدعوى عقب وفاتها ينسحب أثره إلى تاريخ طلب الحلول.
5 - إذ كان ما أثاره الطاعن من أوجه دفاع لا يعدو أن يكون دفاعاً غير جوهري لا يتغير به وجه الرأي في الدعوى ومن ثم فلا يعيب الحكم إغفاله الإشارة إليه، ويكون النعي عليه بالقصور في التسبيب على غير أساس.
6 - إذ كانت المادة 141 من قانون المرافعات تجيز إبداء ترك الخصومة ببيان صريح من التارك في مذكرة موقع عليها منه أو من وكيله مع اطلاع خصمه عليها، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه عول في قضائه بإثبات ترك الطاعن الخصومة في الاستئناف على أن الإقرار المقدم من المطعون عليه والمصدق عليه بمكتب توثيق شمال القاهرة يحمل توقيع الطاعن ويتضمن بياناً صريحاً منه بتنازله عن إجراءات السير في الاستئناف وأنه بهذه المثابة يقوم مقام المذكرة الموقع عليها منه، وكان ما أورده الحكم في هذا الخصوص صحيح في القانون إذ لم يستلزم الشارع شكلاً معيناً للمذكرات التي يقدمها الخصوم في الدعوى أو يحدد طريقاً معيناً لتقديمها إلى المحكمة وإنما ما أوجبه أن تكون موقعة من التارك أو وكيله وأن يكون بيان الترك فيها صريحاً لا غموض فيه وأن يطلع عليها الخصم وهو ما توافر في الإقرار الصادر من الطاعن على النحو المتقدم بيانه، لما كان ما تقدم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون والقصور والفساد في الاستدلال يكون على غير أساس (1).
7 - إنه وإن كان ترك الخصومة جائز في كل الأحوال متى تنازل المدعي عن خصومته بغير تحفظ متخذاً الشكل الذي يقضي به القانون ومتى قبل المدعى عليه هذا الترك أو لم يكن في ميسوره الاعتراض عليه طالما لم تكن له مصلحة قانونية في المضي في الدعوى إلا أنه يرد على هذا الأصل استثناء لم يتضمنه به نص المادة 142 من قانون المرافعات قوامه عدم إجازة الترك إذا تعلق موضوع الدعوى بالنظام العام، اعتباراً بأن الحقوق المتصلة به ينبغي ألا يجعل مصيرها متوقفاً على اتفاقات متروك مصيرها لإرادة الأفراد، لما كان ذلك وكان قبول المحكمة حلول الطاعن محل المدعية الأصلية عقب وفاتها مؤسساً على أن له مصلحة محتملة بالنسبة لما يترتب على دعوى الطلاق من آثار مالية تختلف باختلاف الإبقاء على عروة الزوجية أو فصمها، وكان الإقرار الصادر من الطاعن - بترك الخصومة - ينطوي على قبول للحكم الصادر من محكمة أول درجة بما يندرج فيه لزوماً من أحقية المطعون عليه - الزوج - لاستحقاق الميراث في تركة الزوجة المتوفاة، وكان الإقرار بهذه المثابة لا يتضمن أي مساس بالنظام العام وإنما ينصب على الحقوق المالية البحتة والتي ارتضى الطاعن أحقية المطعون عليه بها، فإن من الجائز إثبات الترك الوارد به دون عائق من قواعد النظام العام، ولا تثريب على الحكم إذا هو أغفل الرد على دفاع الطاعن في هذا الخصوص.
8 - الاتفاق في مذهب الحنفية على أن إقرار الوارث بوارث آخر من شأنه أن يؤدي إلى معاملته بإقراره في صدد استحقاق المقر له بالميراث في تركة الميت في غيره من الحقوق التي ترجع إليه، ويؤخذ المقر بإقراره لأن له ولاية التصرف في مال نفسه طالما كانت الدعوى من دعاوى المال، دون ما اعتداد مما إذا كان المقر له وارثاً حقيقة بل يكتفي بأن تعتبر صفته بحسب الظاهر.
9 - إذا كان ترك الخصومة تصرفاً إرادياً يبطل إذا شابه عيباً من العيوب المفسدة للرضاء، وكان الطاعن قد تمسك في دفاعه أنه كان خاضعاً عند تحرير الإقرار لإكراه شاب إرادته في معنى المادة 127 من القانون المدني، ودلل على ذلك بقرائن عدة ساقها ذهب إلى أنها تكشف عن مدى الرهبة التي بعثها المطعون عليه في نفسه دون حق، وكان الحكم المطعون فيه لم يرد على هذا الدفاع رغم أنه جوهري وقد يتغير به وجه الرأي في الدعوى فإنه يكون مشوباً بالقصور بما يتعين معه نقضه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المرحومة...... أقامت الدعوى رقم 823 لسنة 1964 أحوال شخصية "نفس" أمام محكمة القاهرة الابتدائية ضد المطعون عليه بطلب الحكم بطلاقها منه طلاقاً بائناً بينونة كبرى وبمنع تعرضه لها في أي أمر من أمور الزوجية، وقالت شرحاً لها أن المطعون عليه تزوجها بتاريخ 4/ 5/ 1961 وإذ أقر كتابة وبخط يده بأنه طلقها ثلاث طلقات الأولى في آخر يوليه 1962 والثانية في 14 من سبتمبر 1962 والثالثة في 21 سبتمبر 1962 بما أبانها منه بينونة كبرى وتعهد بإثبات هذا الطلاق لدى مأذون شرعي ثم أنكر هذا الطلاق فقد أقامت الدعوى، دفع المطعون عليه بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم 1108 لسنة 1962 أحوال شخصية القاهرة الابتدائية واستئنافها رقم 110 لسنة 80 ق القاهرة، وبتاريخ 23/ 5/ 1966 حكمت المحكمة بقبول الدفع وبعدم جواز نظر الدعوى. استأنفت المدعية هذا الحكم بالاستئناف رقم 61 لسنة 83 ق أحوال شخصية القاهرة، وبتاريخ 25/ 3/ 1967 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعنت رافعة الدعوى في هذا الحكم بطريق النقض وقيد برقم 20 لسنة 37 ق أحوال شخصية، وبجلسة 26/ 11/ 1969 حضر الطاعن الحالي وقرر بوفاتها وطلب قبول حلوله محلها بصفته أحد ورثتها، وبتاريخ 27/ 6/ 1973 نقضت المحكمة الحكم بعد قبول طلب الحلول وأحالت الدعوى إلى محكمة الاستئناف للفصل فيها، وأمام محكمة الإحالة دفع المطعون عليه باعتبار المستأنف - الطاعن - تاركاً للخصومة، وبتاريخ 7/ 6/ 1975 حكمت محكمة الاستئناف بإثبات ترك الطاعن للخصومة. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وبعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة رأت أنه جدير بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب، ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه بإثبات ترك الخصومة استناداً إلى ما تضمنه الإقرار الموثق بتاريخ 13/ 3/ 1973 من تعهد الطاعن والتزامه بعدم السير أو تحريك أو تعجيل الدعوى إذا ما قضي في الطعن بالنقض بقبوله، في حين أنه لا يعتبر تركاً للخصومة بالمعنى القانوني لأن جوهر الترك وفق المادتين 142، 143 من قانون المرافعات هو النزول عن جميع الإجراءات التي تكون قد اتخذت بالفعل مما يقتضي وجود الحق في اتخاذ تلك الإجراءات بالفعل حتى يمكن التنازل عنها إذ لا يتصور التنازل عن شيء لم يوجد، والثابت أن حق الطاعن في تعجيل الاستئناف لم يكن قد نشأ بعد وقت صدور الإقرار المذكور حتى يتسنى له قانوناً تركه تبعاً لأن حكم النقض الذي يتولد عنه حقه في التعجيل لم يكن قد صدر، لا مجال للقول بأن الخصومة كانت قائمة ومطروحة على محكمة النقض عند صدور الإقرار لأن الخصومة أمام محكمة الموضوع تنقضي بصدور الحكم النهائي القطعي فيها، وهي متميزة عن خصومة النقض التي لها بدايتها ونهايتها الخاصتين بها، وقد صدر الإقرار متعلقاً بخصومة الاستئناف في وقت لم تكن قائمة فيه خصومة الاستئناف الأصلية أو خصومة الاستئناف المزمع تجديدها. هذا إلى أن تعهد الطاعن بالترك في الإقرار لم يرد منجزاً حتى ينتج آثاره بل ورد معلقاً على شرط القضاء في الطعن بنقض الحكم بالإضافة إلى أن صفة الطاعن في تجديد الخصومة في الاستئناف بمقتضى حلوله محل المدعية لم تثبت إلا بصدور الحكم في الطعن بالنقض وفي وقت لاحق لصدور الإقرار بالترك، ورغم تمسك الطاعن بهذا الدفاع الجوهري فإن المحكمة لم تلتفت إليه وهو ما يعيب حكمها بالخطأ في تطبيق القانون فضلاً عن القصور في التسبيب.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أن الإقرار الموقع عليه من الطاعن والمقدم من المطعون عليه والموثق في 13/ 3/ 1973 جرى نصه بما يلي "أقر أنا...... الموقع أدناه والمقيم..... أنني متنازل ومقر بالتنازل عن السير في إجراءات طلب الحلول محل ابنة عمي المرحومة....... في الطعن بالنقض المرفوع منها برقم 20 لسنة 37 قضائية المحجوز للحكم جلسة الأربعاء الموافق 18 أبريل 1973 طعناً منها على الحكم الاستئنافي رقم 61 لسنة 83 ق أحوال شخصية القاهرة المؤيد للحكم رقم 823 لسنة 1964 كلي أحوال شخصية القاهرة والذي قضى بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها وأتعهد والتزم بعدم السير أو تحريك أو تعجيل هذه الدعاوى إذا ما قضي في الطعن بالنقض المذكور بالقبول ولا يحق لي العودة إلى القضاء الموضوعي بشأن هذا النزاع إذا ما قضي بقبول الطعن ولا تقبل مني أي دعوى موضوعية بخصوص هذا النزاع موضوع الحكم المطعون عليه بالنقض رقم 20 لسنة 37 ق وهذا إقرار مني وتنازل والتزام لا رجوع فيه إقراراً للواقع وإبراء للذمة"، ولما كان مفاد هذا الإقرار أنه يتضمن قبول الطاعن للحكم الصادر من محكمة أول درجة قاضياً بعدم جواز نظر الدعوى، كما ينطوي على تركه الخصومة في الاستئناف إذا ما نقض الحكم الصادر من محكمة الاستئناف والذي قضى بتأييد الحكم الابتدائي وأعيدت الدعوى إليها للفصل فيها، ولئن كانت الدعوى لا تقتصر على حق الالتجاء إلى القضاء لحماية الحق فحسب وإنما تستطيل إلى استنفاذ جميع الوسائل المقررة قانوناً لحمايته، إلا أنه يجوز التنازل عن الطعن في الحكم بعد ثبوت الحق فيه وأثناء نظر الخصومة المرددة بعد إقامة الطعن بالاستئناف إذ التنازل في الحالة يؤمن معه الاعتساف، كما أن من شأن الترك في هذه الحالة استقرار الحكم الابتدائي اعتباراً بأن ترك الخصومة في الاستئناف يعتبر في نظر الشارع بمثابة قبول من جانب المستأنف للحكم الصادر عليه من محكمة أول درجة ولا يسوغ القول بأن التنازل غير متصور في واقعة الدعوى تبعاً لأنه لم يكن قد نشأ بعد حق الطاعن في العودة من جديد إلى الاستئناف بتعجيله، لأن النص في الفقرة الثانية من المادة 219 من قانون المرافعات القائم على أنه "يجوز الاتفاق ولو قبل رفع الدعوى على أن يكون حكم محكمة الدرجة الأولى انتهائياً."، يدل على أن المشرع قد أجاز الاتفاق مقدماً بين الخصمين على التنازل عن استئناف الحكم ولم يرد في ذلك مخالفة للنظام العام، لما أوردته المذكرة الإيضاحية من أن المادة "تضمنت فقرة أخيرة تبيح النزول عن الاستئناف قبل رفع الدعوى ذلك أن الاستئناف كغيره من الحقوق يجوز النزول عنه فضلاً عن أن هذا النزول يكون أقرب شبهاً بنظام التحكيم ولا يعتبر من جهة أخرى حرماناً للخصم من حق الالتجاء إلى القضاء بقدر ما هو منظم لهذا الحق فضلاً عن أن حكم هذه الفقرة مسلم به في كثير من التشريعات الحديثة." مما مفاده أنه يجوز التنازل من باب أولى عن متابعة السير في الاستئناف حال نقض الحكم وإعادة الدعوى سيرها أمام محكمة الإحالة ولا يجوز القول بأن الإقرار بالتنازل قدم في مرحلة الطعن بالنقض وهي متميزة عن خصومة الاستئناف المتعلقة بالدعوى الموضوعية، لأنه وإن كان الحكم الصادر في الاستئناف - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من شأنه أن ينهي الدعوى إلا أن نقض هذا الحكم يزيله ويفتح للخصوم طريق العودة إلى محكمة الإحالة لمتابعة السير فيها بناء على طلب الخصوم وبهذه المثابة فلا يكون قائماً سوى ما قضت به محكمة الدرجة الأولى في 23/ 6/ 1966 والإقرار الموثق في 13/ 3/ 1973 والذي يجوز الاتفاق عليه مسبقاً على ما سلف بيانه. لما كان ذلك وكان المقرر أنه لا يجوز أن يكون الترك مقروناً بأي تحفظ، بمعنى أن يكون خالياً من أية شروط تهدف إلى تمسك التارك بصحة الخصومة أو بأي أثر من الآثار القانونية المترتبة على قيامها، وكان ما تضمنه الإقرار من أن التزام الطاعن بعدم السير في الدعوى حال نقض الحكم لا يعد من قبيل الشروط والتحفظات التي يتعين خلو الترك منها لأنه إنما قصد إلى مجرد بيان الحالة التي تتحقق فيها إمكانية استمرار السير في الدعوى ولأنه برفض الطعن ينحسم كل نزاع بما لا مجال معه للاتفاق على ترك الخصومة فيها، ومن ثم فإن وروده في الإقرار لا يؤثر في قيام الترك أو إنتاجه لآثاره، لما كان ما تقدم وكان الأصل في الأحكام أنها مقررة للحقوق وليست منشئة لها لأن وظيفة الحكم بيان حق كل خصم بالنسبة لموضوع النزاع دون أن يخلق حقاً جديداً، فإن الحكم بقبول حلول الطاعن محل رافعة الدعوى عقب وفاتها ينسحب إلى تاريخ طلب الحلول وهو سابق على تاريخ الإقرار بالترك وتكون صفة الطاعن في متابعة السير في الاستئناف يتحقق وقت صدور الإقرار، لما كان ما سلف فإن ما أثاره الطاعن من أوجه دفاع في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون دفاعاً غير جوهري لا يتغير به وجه الرأي في الدعوى ومن ثم لا يعيب الحكم إغفاله الإشارة إليه ويكون النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثاني أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ذلك أنه استند في قضائه بإثبات ترك الخصومة في الاستئناف إلى الإقرار المؤرخ 13/ 3/ 1973، في حين أنه لا يعتبر من الوسائل التي يحصل بها ترك الخصومة والواردة على سبيل الحصر في المادة 141 من قانون المرافعات، وقد أدى به هذا الخطأ اعتباره الإقرار بمثابة بيان صريح في مذكرة موقعة من التارك للخصومة بينما المقصود بالمذكرة في نطاق قانون المرافعات هو ما يكون موجهاً من أحد الخصوم إلى المحكمة أثناء سير الدعوى، ومن ثم فلا يدخل في شموله ما يصدر من الخصوم بعيداً عن المحكمة من إقرارات حتى ولو تم توثيقها وهو ما يعيب الحكم بالفساد في الاستدلال فضلاً عن الخطأ في تطبيق القانون. هذا إلى أنه لم يناقش ما أثاره في هذا الصدد رغم انطوائه على دفاع جوهري وما يشوبه بالقصور في التسبيب.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه لما كانت المادة 141 من قانون المرافعات تجيز إبداء ترك الخصومة ببيان صريح من التارك في مذكرة موقع عليها منه أو من وكيله مع اطلاع خصمه عليها، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه عول في قضائه بإثبات ترك الطاعن الخصومة في الاستئناف على أن الإقرار المؤرخ 13/ 3/ 1973 والمقدم من المطعون عليه والمصدق عليه بمكتب توثيق شمال القاهرة يحمل توقيع الطاعن ويتضمن بياناً صريحاً منه، وكان ما أورده الحكم في هذا الخصوص صحيح في القانون إذ لم يسلتزم الشارع شكلاً معيناً للمذكرات التي يقدمها الخصوم في الدعوى أو يحدد طريقاً معيناً لتقديمها إلى المحكمة وإنما ما أوجبه أن تكون موقعة من التارك أو وكيله وأن يكون بيان الترك عليها صريحاً لا غموض فيه وأن يطلع عليها الخصم وهو ما توافر في الإقرار الصادر من الطاعن على النحو المتقدم بيانه، لما كان ما تقدم فإن النعي على الحكم المطعون بالخطأ في تطبيق القانون والقصور والفساد في الاستدلال يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأنه يشترط لقبول ترك الخصومة ألا تكون متعلقة بمسألة من المسائل المتصلة بالنظام العام حتى لا يتأثر الحق الموضوعي بهذا الترك فلا يعتد بترك المدعي للخصومة حتى ولو قبل المدعى عليه ذلك، وإذ كان موضوع النزاع متعلقاً بالنظام العام لأنه ينصب في حقيقته على دعوى إثبات طلاق بائن وأثره على اعتبار الزوجية قائمة بعد الطلقة الثالثة وما يترتب على ذلك من اعتبار المطعون عليه من بين ورثة المتوفاة أم لا، وقضى الحكم بترك الخصومة ملتفتاً عما أثاره من دفاع في هذا الخصوص وهو ما يعيبه بمخالفة القانون والقصور في التسبيب.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه وإن كان الأصل أن ترك الخصومة جائز في كل الأحوال متى تنازل المدعي عن خصومته بغير تحفظ متخذاً الشكل الذي يقضي به القانون ومتى قبل المدعى عليه هذا الترك أو لم يكن في ميسورة الاعتراض عليه طالما لم تكن له مصلحة قانونية في المضي في الدعوى، إلا أنه يرد على هذا الأصل استثناء لم يتضمنه نص المادة 142 من قانون المرافعات قوامه عدم إجازة الترك إذا تعلق موضوع الدعوى بالنظام العام، اعتباراً بأن الحقوق المتصلة به ينبغي ألا يجعل مصيرها متوقفاً على اتفاقات متروك مصيرها لإرادة الأفراد، لما كان ذلك وكان الاتفاق في مذهب الحنفية على أن إقرار الوارث بوارث آخر من شأنه أن يؤدي إلى معاملته بإقراره في صدد استحقاق المقر له بالميراث في تركة الميت وفي غيره من الحقوق التي ترجع إليه، ويؤخذ المقر بإقراره لأن له ولاية التصرف في مال نفسه طالما كانت الدعوى من دعاوى المال، دون ما اعتداد بما إذا كان المقر له وارثاً حقيقة بل يكتفي بأن تعتبر صفته بحسب الظاهر، لما كان ما تقدم وكان قبول المحكمة حلول الطاعن محل المدعية عقب وفاتها مؤسساً على أن له مصلحة محتملة بالنسبة لما يترتب على دعوى الطلاق من آثار مالية تختلف باختلاف الإبقاء على عروة الزوجية أو فصمها، وكان الإقرار الصادر من الطاعن ينطوي على ما سلف بيانه على قبول الحكم الصادر من محكمة أول درجة بما يندرج فيه لزوماً من أحقية المطعون فيه لاستحقاق الميراث في تركة الزوجة المتوفاة، وكان الإقرار بهذه المثابة لا يتضمن أي مساس بالنظام العام وإنما ينصب على الحقوق المالية البحتة والتي ارتضى الطاعن أحقية المطعون عليه بها، فإن من الجائز إثبات الترك الوارد به دون عائق من قواعد النظام العام، ولا تثريب على الحكم إذا هو أغفل الرد على دفاع الطاعن في هذا الخصوص ويكون النعي غير وارد.
وحيث إن حاصل السبب الرابع نعي الطاعن على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، ذلك أنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بأنه كان وقت إصداره الإقرار المؤرخ 13/ 3/ 1973 والمتخذ سنداً للحكم في قضائه، واقعاً تحت إكراه تمثل في تهديد المطعون عليه له بحل الشركة التي آلت الأنصبة فيها إليهما ميراثاً عن الطاعنة الأصلية وشقيقتها وهو ما كان يترتب عليه فقده، المصدر الرئيسي لدخله، وأنه رغم إثارته هذا الدفاع الجوهري المنتج في الدعوى واستدلاله عليه بكثرة الإقرارات التي حصل عليها منه المطعون عليه فإن الحكم قد التفت عن بحثه وتحقيقه وهو ما يشوبه القصور في التسبيب.
وحيث إن النعي في محله، ذلك أنه لما كان ترك الخصومة تصرفاً إرادياً يبطل إذا شابه عيب من العيوب المفسدة للرضاء، لما كان ذلك وكان الطاعن قد تمسك في دفاعه أنه كان خاضعاً عند تحرير الإقرار لإكراه شاب إرادته في معنى المادة 127 من القانون المدني، ودلل على ذلك بقرائن عدة ساقها. ذهب إلى أنها تكشف عن مدى الرهبة التي بعثها المطعون عليه في نفسه دون حق، خاصة بعد أن آلت إليه تركة شقيقة المدعية المتوفاة، وكان الحكم المطعون فيه لم يرد على هذا الدفاع رغم أنه جوهري وقد يتغير به وجه الرأي في الدعوى فإنه يكون مشوباً بالقصور مما يتعين معه نقضه لهذا السبب.
ولما كان الطعن بالنقض للمرة الثانية ولما تقدم.


(1) نقض طعن رقم 394 سنة 31 ق جلسة 9/ 6/ 1966 مجموعة المكتب الفني س 17 ص 1350.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق