الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 24 يناير 2024

الطعن 29 لسنة 39 ق جلسة 26 / 2 / 1975 مكتب فني 26 ج 1 أحوال شخصية ق 98 ص 483

جلسة 26 من فبراير سنة 1975

برياسة السيد المستشار أنور أحمد خلف، وعضوية السادة المستشارين: محمد أسعد محمود، وجلال عبد الرحيم عثمان، وسعد الشاذلي، وعبد السلام الجندي.

----------------

(98)
الطعن رقم 29 لسنة 39 ق "أحوال شخصية"

(1) أحوال شخصية "الطعن بالنقض". نقض. قانون.
الطعن بالنقض في قضايا الأحوال الشخصية. رفعه بتقرير في قلم الكتاب. صحيح. المادتان 881 و882 مرافعات. علة ذلك.
(2) أحوال شخصية "النسب".
ثبوت النسب. حق أصلي للابن وللأم. موقف الابن لا يؤثر على ما تدعيه الأم ولا تملك هي إسقاط حقوق ولدها.
(3) أحوال شخصية "النسب". حكم "حجية الحكم" دعوى. قوة الأمر المقضي.
مثول وصي الخصومة على الصغيرة المذكور نسبها في الدعوى تطبيقاً للمادة 906 مرافعات. القضاء ابتدائياً واستئنافياً بنفي نسب الصغيرة للمدعي. تحقق مصلحة الأم في الطعن بالنقض. عدم مشاركة وصي الخصومة لها في رفع الطعن. لا يترتب عليه صيرورة الحكم نهائياً بالنسبة للصغيرة.
(4) حكم "حجية الحكم". قوة الأمر المقضي.
المنع من إعادة نظر النزاع في المسألة المقضى فيها. شرطه. ما لم تنظر فيه المحكمة بالفعل لا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم حائز قوة الأمر المقضي.
(5) أحوال شخصية "النسب". حكم "حجية الحكم".
حجة حكم النفقة في موضوع النسب. شرطه. إغفال الحكم - الصادر غيابياً بالنفقة للصغير - بحث انعقاد الزوجية التي ادعتها الأم ومدى ثبوت نسب الصغير. أثره. انعدام حجية هذا الحكم في دعوى إنكار النسب.
(6 و7) أحوال شخصية "النسب". إثبات. دفوع.
(6) النسب يثبت بالفراش وبالإقرار به. ثبوته عند الإنكار بالبينة.
(7) إقامة المدعي دعواه بإنكار نسب الصغيرة إليه. دفع الأم المدعى عليها بأنها رزقت بها منه على فراش الزوجية. تكليف المحكمة لها إثبات هذا الدفع باعتبارها مدعية فيه. لا خطأ.
(8) أحوال شخصية "دعوى الأحوال الشخصية". إثبات "القرائن".
إقامة الحكم قضاءه بنفي النسب على قرائن لها سندها في الأوراق. لا عيب. القرائن منها ما هو أقوى من البينة والإقرار. كفاية هذه الدعامة لحمل الحكم. تعييبه في اعتداده بشهادة شاهد واحد. غير منتج.

--------------
1 - مفاد نص المادة الثالثة من القانون رقم 628 لسنة 1955 بشأن بعض الإجراءات في قضايا الأحوال الشخصية والوقف والمادة الأولى من إصدار قانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968، أن قانون المرافعات الحالي قد أبقى على المادتين 881 و882 اللتين توجبان رفع الطعن بالنقض في قضايا الأحوال الشخصية عن طريق التقرير به في قلم الكتاب وباتخاذ إجراءات مبينة فيهما ولا محل للقول بأن الطعن بطريق التقرير قد نسخ بما أوردته المادة الأولى من قانون الإصدار. لأن النص صراحة على عدم إلغاء هاتين المادتين يترتب عليه لزوماً تطبيق حكمهما.
2 - النص في المادة 906 من قانون المرافعات على أنه "يتبع في قبول دعوى إنكار النسب وإثباتها والمواعيد التي ترفع فيها والآثار التي تترتب عليها القواعد والأحكام التي يقررها قانون البلد الواجب التطبيق. وتوجه الدعوى إلى الأب أو الأم على حسب الأحوال وإلى الولد الذي أنكر نسبه فإذا كان قاصراً تعين أن يقام وصي خصومة" يدل على أن المشرع رأى أن ثبوت النسب كما هو حق أصلي للابن لأنه يرتب له حقوقاً بينتها القوانين والشرائع كحق النفقة والحضانة والإرث، فإن حق أصلي أيضاً للأم لتدفع عن نفسها تهمة الزنا، ولئلا تعير بولد ليس له أب معروف، (1) والحقان في هذا المجال متساويان ومتكاملان لا يجزئ أحدهما عن الآخر، فلا تملك الأم إسقاط حقوق ولدها كما لا يؤثر موقف ذلك الأخير على ما تدعيه الأم.
3 - لما كان استلزام تمثيل الوليد القاصر بوصي خصومة - في دعوى النسب تطبيقاً للمادة 906 مرافعات - قصد به رعاية حقوق ناقصي الأهلية مخافة تعارض صوالحهم أثناء سير الدعوى مع منكر النسب أو مدعيه، وكان البين من الاطلاع على الأوراق أن الصغيرة المنكور نسبها مثلت في الدعوى أمام محكمة أول درجة بالمطعون عليه الأخير باعتباره وصي خصومة إعمالاً لحكم المادة 906/ 2 من قانون المرافعات، وإذ استأنفت الطاعنة وحدها الحكم الابتدائي واختصمت وصي الخصومة في مرحلة الاستئناف الذي قدم مذكرة بانضمامه إليها في دفاعها وطلباتها فإن مصلحة الطاعنة - الأم - في إقامة الطعن الماثل بادية ولا يترتب على عدم مشاركة وصي الخصومة لها في رفعه صيرورة الحكم نهائياً بالنسبة للصغيرة للارتباط الوثيق بين حق الأم وحق الصغير، ويكون الدفع - بعدم قبول الطعن - غير وارد.
4 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المنع من إعادة نظر النزاع في المسألة المقضى فيها، يشترط فيه أن تكون المسألة واحدة في الدعويين، ولا تتوفر هذه الوحدة إلا أن تكون هذه المسألة أساسية لا تتغير وأن يكون الطرفان قد تناقشا فيها في الدعوى الأولى واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول استقراراً جامعاً مانعاً فتكون هي بذاتها الأساس فيما يدعي به بالدعوى الثانية وينبني على ذلك أن ما لم تنظر فيه المحكمة بالفعل لا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم حائز قوة الأمر المقضي (2).
5 - لئن كان الأصل في الدعوى بطلب نفقة للصغير أن يكون موضوع النسب قائماً فيها باعتباره سبب الالتزام بالنفقة لا تتجه إلى المدعى عليه إلا به فيكون قائماً فيها وملازماً لها وتتبعه وجوداً وعدماً (3) أخذاً بأن سبب وجوب نفقة الولاد هو الجزئية النابعة من كون الفرع من صلب الأصل، إلا أنه يتعين للقول بحجية حكم النفقة في موضوع النسب أن يعرض لهذه المسألة الأساسية ويمحصها باعتبارها سبب الإلزام بها، لما كان ذلك وكان البين من الاطلاع على حكم النفقة أنه صدر في غيبة المدعى عليه - المطعون عليه الأول - ، وبنى قضاءه بنفقة للصغيرة على أساس القدرة المالية للمدعى عليه فيها مبيناً القاعدة العامة وشرائطها في نفقة الفروع على الأصول وفقاً للقانون الواجب التطبيق دون أن يبحث انعقاد الزوجية التي تدعيها الطاعنة ومدى ثبوت نسب الصغيرة بالفراش وكان لا حجية لحكم قضى بالنفقة دون أن يناقش فعلاً واقعاً - وليس ضمناً أو قانوناً - قرابة المحكوم عليه للمحكوم له في صدد القرابة والنسب، فإن الدفع بسبق الفصل في صورة الدعوى المعروضة - دعوى إنكار النسب - يقع على غير محل.
6 - من الأصول المقررة في فقه الشريعة الإسلامية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن النسب لا يثبت ما لم يثبت سببه بالحجة، لأن ثبوت الحكم ينبني على ثبوت السبب وأنه، كما يثبت بالفراش حال تحقق شروطه فإنه يثبت بالإقرار به ويثبت عند الإنكار بإقامة البينة عليه.
7 - متى كان الواقع في الدعوى أن المطعون عليه الأول أقامها منكراً نسب ابنة الطاعنة إليه فدفعتها هذه الأخيرة بأنها رزقت بها منه على فراش زوجية حرر بها عقد عرفي فقد منها ولما كان الدفع في اصطلاح الفقهاء هو دعوى من قبل المدعى عليه أو ممن ينتصب المدعى عليه خصماً عنه يقصد بها دفع الخصومة عنه أو إبطال دعوى المدعي، بمعنى أن المدعى عليه يصير مدعياً إذا أتى بدفع ويعود المدعي الأول مدعياً ثانياً عند دفع الدفع، فإن ما جرى عليه الحكم المطعون فيه من التحقق من ثبوت الزوجية بالفراش ومن تكليف الطاعنة إثباته توصلاً لثبوت النسب باعتبارها مدعية فيه مع أن الدعوى مقامة أصلاً بإنكار النسب من المطعون عليه الأول، يتفق مع المنهج الشرعي السليم.
8 - إذ يبين مما قرره الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بنفي النسب على قرائن استخلصها من واقع الأوراق والمستندات الرسمية، وهي تقريرات موضوعية سائغة لها سندها الثابت، ولما كان إجماع الفقهاء على أن القاضي لا يقف مع ظواهر البينات ولا يتقيد بشهادة من تحملوا الشهادة على الحق إذا ثبت له من طريق آخر، اعتباراً بأن القضاء فهم ومن القرائن ما لا يسوغ تعطيل شهادته، إذ منها ما هو أقوى من البينة والإقرار وهما خبران يتطرق إليهما الصدق والكذب، (4) وكانت هذه الدعامة بمجردها كافية لحمل قضاء الحكم، فإن تعييب الحكم في اعتداده بشهادة وحيدة لمواطن المطعون عليه الأول - وهو أحد شهود الطاعنة - وإطراح أقوال باقي شهودها والقول بعدم استكمال نصاب الشهادة - أياً كان وجه الرأي فيه - يكون غير منتج.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه الأول أقام الدعوى رقم 43 لسنة 1965 أحوال شخصية "أجانب" أمام محكمة القاهرة الابتدائية ضد الطاعنة والمطعون عليهما الثاني والثالث، وقال شارحاً لها إن الطاعنة استصدرت حكماً غيابياً في الدعوى رقم 17 لسنة 1961 أحوال شخصية أجانب عابدين بأن يؤدي لها نفقة شاملة وأجر حضانة لبنت زعمت أنها أنجبتها منه بتاريخ 24 من إبريل 1960 من زواج عرفي، وإذ لم يرتبط بالطاعنة بأية رابطة شرعية، وجاءت شهادة ميلاد ابنتها التي أسندت بنوتها إليه خلافاً للحقيقة، فقد انتهى إلى طلب الحكم بمنع تعرض الطاعنة له في شئون الزوجية والنسب الذي تدعيه، وليسمع المطعون عليهما الثاني والثالث بصفتهما - إدارة السجل المدني - الحكم بشطب البيانات الواردة بدفتر مواليد صحة بندر قسم ثان الجيزة وإلغاء كافة آثارها. وأثناء تردد الدعوى بالجلسات أدخل المطعون عليه الرابع باعتباره وصي الخصومة على الصغيرة عملاً بحكم المادة 906 من قانون المرافعات. وبتاريخ 27 من ديسمبر 1966 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت الطاعنة أنها أنجبت الصغيرة "......" من المطعون عليه الأول على فراش الزوجية وخولته النفي، وبعد سماع أقوال الطرفين عادت وبتاريخ 20 من فبراير سنة 1968 فحكمت بمنع تعرض الطاعنة للمطعون عليه الأول في شئون الزوجية والنسب، وبأحقية الأخير في طلب شطب البيانات الواردة بدفتر مواليد صحة بندر الجيزة قسم ثان والخاصة بإثبات نسب الصغيرة إليه، استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف المقيد برقم 2 لسنة 85 ق أحوال شخصية القاهرة بطلب إلغائه والحكم (أولاً) بعدم قبول الدعوى بالنسبة لطلب عدم التعرض لشئون الزوجية (ثانياً) بعدم جواز نظر الطلب الخاص بنسب الصغيرة لسابقة الفصل فيه بالحكم الصادر في الدعوى رقم 17 لسنة 1961 أحوال شخصية عابدين (واحتياطياً) برفض الدعوى، وبتاريخ 2 من يونيه سنة 1969 حكمت محكمة الاستئناف برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها وبتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض. دفع المطعون عليه الأول - ببطلان الطعن وبعدم قبوله. وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الدفعين وفي الموضوع بنقض الحكم وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع ببطلان الطعن بالنقض وبطلان إجراءاته أنه رفع بطريق التقرير به في قلم كتاب المحكمة واتبعت في إجراءات تحضيره المادتان 881 و882 من قانون المرافعات، في حين أن الصحيح قانوناً هو وجوب رفع الطعن حتى ولو كان وارداً على مسألة من مسائل الأحوال الشخصية بالطريق والإجراءات المنصوص عليها في المواد من 253 حتى 264 من قانون المرافعات القائم رقم 13 لسنة 1968، الذي وإن نص في المادة الأولى من قانون إصداره على إبقاء العمل بالمواد من 868 حتى 1032 من قانون المرافعات السابق إلا أنه أشار صراحة كذلك على إلغاء كل نص آخر يخالف أحكامه، مما مؤداه، وجوب اتباع هذه الأحكام في خصوص رفع الطعن بطريق النقض بصحيفة لا بتقرير واعتبار ما عداها منسوخاً، يؤيد ذلك حرص الشارع على توحيد طريقة رفع الدعاوى والطعون بأن جعلها كقاعدة عامة بصحيفة تودع قلم الكتاب.
وحيث إن الدفع بالبطلان في غير محله، ذلك أنه لما كانت المادة الثالثة من القانون رقم 628 لسنة 1955 بشأن بعض الإجراءات في قضايا الأحوال الشخصية والوقف تنص على أن "للخصوم وللنيابة العامة الطعن بطريق النقض في الأحكام والقرارات المشار إليها في المادة السابقة - وهي القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية أو بالوقف - وذلك طبقاً لنص المادة 881 من قانون المرافعات المدنية والتجارية" وكانت المادة الأولى من إصدار قانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968 تنص على "يلغى قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 77 لسنة 1949 عدا... المواد من 868 إلى 1032 من الكتاب الرابع الخاص بالإجراءات المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية، كما يلغى الباب الأول من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، ويستعاض عن النصوص الملغاة بنصوص القانون المرافق، كما يلغى كل نص آخر يخالف أحكامه"، فإن مفاد ذلك أن قانون المرافعات الحالي قد أبقى على المادتين 881 و882 اللتين توجبان رفع الطعن بالنقض في قضايا الأحوال الشخصية عن طريق التقرير به في قلم الكتاب وباتخاذ إجراءات مبينة فيهما. ولا محل للقول بأن الطعن بطريق التقرير قد نسخ بما أوردته المادة الأولى من قانون الإصدار لأن النص صراحة على عدم إلغاء هاتين المادتين يترتب عليه لزوماً تطبيق حكمهما، وإذ التزمت الطاعنة صحيح القانون في طريقة رفع الطعن وإجراءات تحضيره فإن الدفع بالبطلان يكون في غير محله.
وحيث إن الدفع المبدى من المطعون عليه الأول بعدم قبول الطعن مؤسس على أن الدعوى كما وجهت إلى الطاعنة وجهت إلى الصغيرة ممثلة بوصي خصومة وأصبح الحكم نهائياً بانتفاء ثبوتها للمطعون عليه الأول، وإذ كانت الصغيرة هي الخصم الحقيقي فلا مصلحة للطاعنة في انفرادها بالطعن بالنقض، إذ لا يستقيم القول بانتفاء صفة النسب عن الصغيرة وتصوره في حق الأم علاوة على أن حق المطعون عليه الأول المستقر بحكم أولى بالرعاية من أمل الطاعنة في نقضه.
وحيث إن هذا الدفع مردود، ذلك أن النص في المادة 906 من قانون المرافعات على أنه "يتبع في قبول دعوى إنكار النسب وإثباتها والمواعيد التي ترفع فيها والآثار التي تترتب عليها القواعد والأحكام التي يقررها قانون البلد الواجب التطبيق. وتوجه الدعوى إلى الأب أو الأم على حسب الأحوال وإلى الولد الذي أنكر نسبه فإذا كان قاصراً تعين أن يقام وصي خصومة"، يدل على أن المشرع رأى أن ثبوت النسب كما هو حق أصلي للابن لأنه يرتب له حقوقاً بينتها القوانين والشرائع كحق النفقة والحضانة والإرث فإنه حق أصلي أيضاً للأم لتدفع عن نفسها تهمة الزنا ولئلا تعير بولد ليس له أب معروف، والحقان في هذا المجال متساويان ومتكاملان لا يجزئ أحدهما عن الآخر، فلا تملك الأم إسقاط حقوق ولدها كما لا يؤثر موقف ذلك الأخير على ما تدعيه الأم. ولما كان استلزام تمثيل الوليد القاصر بوصي خصومه قصد به رعاية حقوق ناقصي الأهلية مخافة تعارض صوالحهم أثناء سير الدعوى مع منكر النسب أو مدعيه. لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على الأوراق أن الصغيرة المنكور نسبها مثلت في الدعوى أمام محكمة أول درجة بالمطعون عليه الأخير باعتباره وصي خصومة إعمالاً لحكم المادة 906/ 2 من قانون المرافعات، واستأنفت الطاعنة وحدها الحكم الابتدائي واختصمت وصي الخصومة في مرحلة الاستئناف الذي قدم مذكرة بانضمامه إليها في دفاعها وطلباتها، فإن مصلحة الطاعنة في إقامة الطعن الماثل بادية ولا يترتب على عدم مشاركة وصي الخصومة لها في رفعه صيرورة الحكم نهائياً بالنسبة للصغيرة للارتباط الوثيق بين حق الأم وحق الصغير على ما سلف بيانه ويكون الدفع غير وارد.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب، تنعى الطاعنة بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول إن الحكم انتهى إلى رفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بالحكم الصادر في الدعوى رقم 17 لسنة 1961 أحوال شخصية أجانب عابدين التي أقامتها الطاعنة على المطعون عليه الأول تطالبه بنفقة للصغيرة وصدر فيها حكم حائز لقوة الشيء المحكوم فيه على سند من القول بأن هذا الحكم قضى بالنفقة دون أن يناقش قرابة المطعون عليه الأول للصغيرة كما لم تتحقق المحكمة من ثبوت نسب الصغيرة إليه، في حين أن سبب تقرير النفقة والإلزام بها هو القرابة بالإجماع، وتقرير النفقة ينطوي على قضاء ضمني بنسب الصغيرة يحول دون المنازعة فيه بدعوى جديدة، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المنع من إعادة نظر النزاع في المسألة المقضى فيها يشترط فيه أن تكون المسألة واحدة في الدعويين، ولا تتوفر هذه الوحدة إلا أن تكون هذه المسألة أساسية لا تتغير، وأن يكون الطرفان قد تناقشا فيها في الدعوى الأولى واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول استقراراً جامعاً مانعاً فتكون هي بذاتها الأساس فيما يدعي به بالدعوى الثانية، وينبني على ذلك أن ما لم تنظر فيه المحكمة بالفعل لا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم حائز قوة الأمر المقضي، ولئن كان الأصل في الدعوى يطلب نفقة للصغير أن يكون موضوع النسب قائماً فيها باعتباره سبب الالتزام بالنفقة لا تتجه إلى المدعى عليه إلا به فيكون قائماً فيها وملازماً لها وتتبعه وجوداً وعدماً أخذاً بأن سبب وجوب نفقة الولاد هو الجزئية النابعة من كون الفرع من صلب الأصل، إلا أنه يتعين للقول بحجية حكم النفقة في موضوع النسب أن يعرض لهذه المسألة الأساسية ويمحصها باعتبارها سبب الالتزام بها، لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على حكم النفقة الصادر في الدعوى رقم 17 لسنة 1961 أحوال شخصية أجانب عابدين أنه صدر في غيبة المطعون عليه الأول وبنى قضاءه بنفقة للصغيرة على أساس القدرة المالية للمدعى عليه فيها مبيناً القاعدة العامة وشرائطها في نفقة الفروع على الأصول وفقاً للقانون الواجب التطبيق دون أن يبحث انعقاد الزوجية التي تدعيها الطاعنة ومدى ثبوت نسب الصغيرة بالفراش وكان لا حجية لحكم قضى بالنفقة دون أن يناقش فعلاً وواقعاً - وليس ضمناً أو قانوناً - قرابة المحكوم عليه للمحكوم له في صدد القرابة والنسب فإن الدفع بسبق الفصل في صورة الدعوى المعروضة يقع على غير محل، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإن النعي عليه في هذا الخصوص يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسببين الثاني والثالث مخالفة القانون والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول الطاعنة أنه على الرغم من أن الدعوى الراهنة طبقاً لتكييف الحكم المطعون فيه دعوى إنكار نسب صغيرة أنجبتها من المطعون عليه الأول على فراش الزوجية، إلا أن الحكم انتقل بالدعوى إلى غير موضعها الأصيل فعالج الزوجية وجوداً وعدماً دون بحث النسب ثبوتاً ونفياً، وترتب على ذلك إقرار الحكم مذهب محكمة أول درجة في جعل عبء الإثبات على عاتق الطاعنة بمقولة إنها تنسب الصغيرة لوالدها رغم استنادها لحكم نهائي بالنفقة مثبت للنسب، ورفعه عن المطعون عليه الأول مع أنه بإنكاره النسب يتقدم بواقعة يتعين إقامة الدليل على صحتها. هذا إلى أن الحكم اعتد بأقوال شاهد واحد للمطعون عليه الأول. استنبط منها عدم وجود علاقة شرعية بين الطرفين مع أن هذه الشهادة بمفردها غير مستكملة للنصاب شرعاً، كما أطرح دلالة الرسائل والنقود والهدايا وأقوال سائر شهود الطاعنة وهي قاطعة في ثبوت نسب الصغيرة من فراش صحيح، وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون والفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي في جملته غير سديد، ذلك أنه لما كان من الأصول المقررة في فقه الشريعة الإسلامية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن النسب لا يثبت ما لم يثبت سببه بالحجة لأن ثبوت الحكم ينبني على ثبوت السبب، وأنه كما يثبت بالفراش حال تحقق شروطه فإنه يثبت بالإقرار به ويثبت عند الإنكار بإقامة البينة عليه، وإذ كان الواقع في الدعوى أن المطعون عليه الأول أقامها منكراً نسب ابنة الطاعنة إليه، فدفعتها هذه الأخيرة بأنه رزقت بها منه على فراش زوجية حرر بها عقد عرفي فقد منها، وكان الدفع في اصطلاح الفقهاء هو دعوى من قبل المدعى عليه أو ممن ينتصب المدعى عليه خصماً عنه يقصد بها دفع الخصومة عنه أو إبطال دعوى المدعي، بمعنى أن المدعى عليه يصير مدعياً إذا أتى بدفع ويعود المدعي الأول مدعياً ثانياً عند دفع الدفع، فإن ما جرى عليه الحكم المطعون فيه من التحقق من ثبوت الزوجية بالفراش من تكليف الطاعنة إثباته توصلاً لثبوت النسب باعتبارها مدعية فيه مع أن الدعوى مقامة أصلاً بإنكار النسب من المطعون عليه الأول يتفق مع المنهج الشرعي السليم، لا يغير من ذلك سبق استصدارها حكماً بالنفقة للصغيرة ولأنه ليس بذي حجية في ثبوت النسب على ما سبق بيانه في الرد على السبب الأول. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد أن "...... المستأنفة - الطاعنة - ادعت الزوجية الصحيحة بعقد عرفي كسبب للنسب وحددت تاريخ انعقاد هذا العقد في تحقيق النيابة في الشكوى المقدمة ضدها من المستأنف عليه - المطعون عليه الأول - باتهامها بتزوير شهادة ميلاد الصغيرة بنسبتها إليه كذباً وحددت هذا التاريخ بأنه أول يوليه..... وقد ثبت أن هذا الادعاء في ذاته قد كذبته المستندات الرسمية المقدمة من المستأنف عليه إذ ثبت من جواز سفره أنه بتاريخ 2/ 7/ 1957 خرج من الكويت ودخل الإقليم السوري في 3/ 7/ 1959 ثم خرج منه إلى لبنان في 7/ 7/ 1959 وخرج من لبنان في 8/ 7/ 1959 فوصل الإسكندرية في 9/ 7/ 1959 فلا يتصور والحالة هذه وجوده بالقاهرة في التاريخ الذي قيل بانعقاد العقد فيه كما ثبت أيضاً زيف هذا الادعاء من جواز سفر........ الذي تدعي المستأنفة ووالدتها أنه من بين شهود العقد المزعوم إذ ثابت منه أن المذكور لم يدخل ميناء الإسكندرية إلا في 9/ 7/ 1959 فلا يتصور والحالة هذه وجوده في التاريخ سالف البيان بالقاهرة ليشهد مجلس العقد المدعى به...... كما أن الثابت أن الطاعنة ووالدتها قد ذكرتا أن أربعة من الكويتيين قد حضروا مجلس العقد المزعوم واتفقتا على أن أحدهم يدعى...... الذي أرشدت عنه المستأنفة في تحقيق النيابة وآخر يدعى..... الشاهد المذكور الذي قررت المستأنفة أنه توفى بعد الزواج بحوالي شهر ونصف، وقد قامت النيابة بسؤال....... فكذبت المستأنفة ووالدتها فيما تدعيانه مؤكدا أنه لم يحضر لا هو ولا أخوه..... مجلس العقد المزعوم، وإنما قال إنه كان يصاحب المستأنفة والمستأنف عليه في بعض سهراتهما الليلية، وأن المستأنف عليه كان يقول إن علاقته بالمستأنفة علاقة صداقة وأكد أنه لم يسمع بزواج إطلاقاً، كما أن من سمته والدة المستأنفة من الأربعة المذكورين وهو...... الشهير....... أقر بإقرار مصدق على توقيعه بمحضر توثيق رسمي مؤرخ 18/ 5/ 1966 أنه اطلع على أوراق التحقيق الذي أجرته نيابة الجيزة والتي تدعي المستأنفة بأنه كان موجوداً في منزلها مع المستأنف عليه الكويتي الجنسية وأن عقد زواج عرفي حرر بينهما فهو يقر أن هذا لم يحصل مطلقاً وأن هذا الذي قررته السيدة المذكورة غير صحيح على الإطلاق. كما أن المستأنفة وهي التي عولت في إثبات علاقتها بالمستأنف عليه على عقد الزواج العرفي المزعوم لم تقدمه وتعللت بعدم تقديمه بأنه فقد منها وأنها تشك في أن المستأنف عليه قد استولى عليه، لم تتقدم بأي خطوة بشكوى أو نحوها لإثبات ما زعمته من أن هذه الورقة فقدت منها وهي سندها في الادعاء وإذ لوحظ أنها إلى جانب ذلك كانت حريصة على الاحتفاظ بالخطابات ومظاريفها والرسائل البرقية المرسلة من المستأنف عليه لها والصورة الفوتوغرافية المأخوذة لها بإحدى الأندية الليلية، وضح كذب ما تدعيه من فقد العقد المزعوم منها....... لا يخل بذلك أن المستأنف عليه كان يرسل نقوداً وهدايا إلى المستأنفة، إذ الثابت من الخطابات المقدمة منها أنها اعتادت أن تطالبه بنقود وتتقبل منه الهدايا قبل التاريخ الذي تزعم أن العقد انعقد فيه وتدل على ذلك الرسالة المؤرخة 25/ 5/ 1959 رداً على ما طلبته من إرسال نقود قبل يوم 29 من الشهر، وقد أهداها الساعة بخطابه المؤرخ 30/ 4/ 1959 فإذا كان قد أرسل لها نقوداً بعد التاريخ المزعوم فهذا يعد استمرار لعلاقة الصداقة التي بينهما ولا يدل على وجود علاقة شرعية خصوصاً وليس فيما قدمته من خطابات تالية لهذا التاريخ المزعوم أو الرسائل البرقية أو الصور الفوتوغرافية ما يفيد أن العلاقة التي بينهما قد انقلبت إلى علاقة شرعية...." وكان يبين من هذا الذي قرره الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بنفي النسب على قرائن استخلصها من واقع الأوراق والمستندات الرسمية، وهي تقريرات موضوعية سائغة لها سندها الثابت، ولما كان إجماع الفقهاء على أن القاضي لا يقف مع ظواهر البينات ولا يتقيد بشهادة من تحملوا الشهادة على الحق إذا ثبت له من طريق آخر اعتباراً بأن القضاء "فهم" ومن القرائن ما لا يسوغ تعطيل شهادته إذ منها ما هو أقوى من البينة والإقرار وهما خبران يتطرق إليهما الصدق والكذب، وكانت هذه الدعامة بمجردها كافية لحمل قضاء الحكم، فإن تعييب الحكم في اعتداده بشهادة وحيدة لمواطن المطعون عليه الأول - وهو أحد شهود الطاعنة - وإطراح أقوال باقي شهودها والقول بعدم استكمال نصاب الشهادة أياً كان وجه الرأي فيه - فيكون غير منتج، ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن برمته.


(1) نقض 18/ 11/ 1967 مجموعة المكتب الفني السنة 18 ص 1639.
(2) نقض 29/ 10/ 1964 مجموعة المكتب الفني السنة 15 ص 996.
(3) نقض 20/ 1/ 1965 مجموعة المكتب الفني السنة 16 ص 68.
(4) نقض 23/ 3/ 1966 مجموعة المكتب الفني السنة 17 ص 666.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق