جلسة 19 من يونيه سنة 1958
برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمود عياد، وعثمان رمزي، والحسيني العوضي، ومحمد رفعت المستشارين.
---------------
(76)
طعن رقم 29 سنة 26 ق "أحوال شخصية"
(أ) مواريث. أحوال شخصية.
إعلام شرعي. مدى حجيته. لائحة ترتيب المحاكم الشرعية.
(ب) مواريث. ثبوت الوراثة. إثبات "الإقرار".
عدم ممانعة المدعى عليه في اعتبار المدعى من الورثة إذا ثبت ذلك للمحكمة. عدم اعتبار هذه العبارة إقراراً بالحق المدعى به.
(ج) نقض.
تقرير الطعن. البيانات الواجب اشتماله عليها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
من حيث إن وقائع هذا الطعن - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطعن رفع الدعوى 233 لسنة 1954 أمام محكمة القاهرة الشرعية يطلب الحكم باستحقاقه لخمس ريع وقف الأمير علي كاشف القاوقجي الشهير بالصابونجي الذي كان قد أوقف بتاريخ 12 جماد أول سنة 1260 هجرية الأعيان المبينة بكتاب الوقف على نفسه مدة حياته ثم من بعده على أولاده ذكوراً وإناثاً بالسوية بينهم مع مشاركة زوجاته اللاتي يموت عنهن ثم من بعد كل منهم على أولاده ثم على أولاد أولاده إلى آخر ما ذكر بكتاب الوقف وشرط النظر على الوقف لنفسه مدة حياته ثم من بعده للأرشد فالأرشد من أولاده مع مشاركة زوجاته اللاتي يموت عنهن. وقال الطاعن في دعواه إن الواقف توفي عن ابنته آمنة خاتون فقط فآل استحقاق الوقف جميعه إليها ثم توفيت آمنة خاتون عن ابنتها زبيدة فقط فآل استحقاق الوقف جميعه أيضاً إليها ثم توفيت زبيدة عن أولادها الخمسة وهم الطاعن أحمد رفعت وإخوته إبراهيم ومحمد وزينب وأمينة المرزوقين لها من زوجها إبراهيم الحريري فيستحق كل منهم الخمس من الوقف حسب شرط الواقف إلا أنه لما كان المطعون عليه أحمد عبد الرحمن قد تنظر على الوقف أخيراً بقرار من محكمة مصر الشرعية في 27 من أبريل سنة 1949 فقد وضع يده على أعيان الوقف واستغلها ثم أصبح حارساً عليها بعد صدور قانون حل الوقف دون أن يؤدي إلى الطاعن نصيبه مما اضطره إلى رفع الدعوى يطلب الحكم له به فقضت محكمة مصر الابتدائية الشرعية للطاعن بطلباته وألزمت المطعون ضده المصروفات والأتعاب وأمرته بعدم التعرض له في ذلك وقالت في حكمها الصادر في 21 من نوفمبر سنة 1954 إن المطعون عليه لم يمانع في الحكم للطاعن بما طلب إذا ثبت له ذلك وقد أثبت الطاعن دعواه بحجة الوقف وبالبينة الشرعية التي لم يطعن فيها بطعن شرعي وأن الطاعن وإخوته الأربعة يستحقون ربع الوقف فيخص الطاعن منه 4.8 من أربعة وعشرين قيراطاً وحكمت له بهذا النصيب. فاستأنف المطعون عليه هذا الحكم في 21 من نوفمبر سنة 1954 وقيد الاستئناف برقم 65 سنة 73 ق استئناف القاهرة أحوال شخصية - وفي 27 من مايو سنة 1956 قضت محكمة الاستئناف بحكمها المطعون فيه بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض دعوى الطاعن "المستأنف عليه" وألزمته المصروفات عن الدرجتين مع مقابل أتعاب المحاماة. وفي 14 من يونيه سنة 1956 قرر محامي المحكوم ضده بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض بتقرير في قلم كتاب هذه المحكمة، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 22 من يناير سنة 1958 فصممت النيابة على ما جاء بمذكرتها طالبة رفض الطعن وقررت الدائرة إحالته إلى هذه المحكمة.
وحيث إن المطعون عليه يدفع ببطلان تقرير الطعن لعدم استيفائه ما يتطلبه القانون. إذ جاء قاصراً مقتضباً ومختصراً اختصاراً مخلاً لخلوه من شرح النزاع وأسبابه بالتفصيل الواجب لطرحه أمام المحكمة طرحاً وافياً يمكن الخصم من الرد عليه والمحكمة من الفصل فيه.
وحيث إن كل ما يتطلبه القانون في هذا الصدد هو أن يشتمل تقرير الطعن علاوة على البيانات المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم وموطن كل منهم - على بيان الحكم المطعون فيه وتاريخه وبيان الأسباب التي بني عليها الطعن وطلبات الطاعن - لما كان ذلك وكان البين من مطالعة التقرير أنه قد جاء شاملاً لجميع تلك البيانات فإن الدفع يكون على غير أساس ويتعين رفضه ويكون الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن هو أن الحكم المطعون فيه قد أهدر ما للإعلام الشرعي الذي استند إليه من حجية إذ لم يأخذ به مع أنه لا اعتراض ولا مطعن عليه من الخصم فهو بذلك حجة يعمل بها ويكون الحكم المطعون فيه إذ أهدره قد خالف القانون مخالفة توجب نقضه. وأضاف الطاعن أن الخصم لم يمانع في أن يقضي له بطلباته إذا أثبت أنه من الورثة وقد تم له ذلك على الوجه المبين بالحكم الابتدائي وهو لذلك يطلب نقض الحكم المطعون فيه.
وحيث عن القول بعدم ممانعة المطعون ضده في اعتبار الطاعن من الورثة إذا ثبت للمحكمة ذلك، فإنه فضلاً عن أن هذا الوجه لا ينطوي على الطعن بمخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله أو غير ذلك من الأسباب التي تجيز النقض فإن البادي في هذه العبارة الصادرة من المطعون ضده هو تعليق عدم المماثلة في الحق على ثبوت هذا الحق قضائياً فهي عبارة جدلية لا تتضمن التسليم بطلبات الخصم ولا الإقرار له بالحق المدعى به.
وحيث عما ذهب إليه الطاعن في الوجه الآخر من طعنه من النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون لإهدار حجية الإعلام الشرعي الذي قدمه سنداً لدعواه إذ لم يأخذ به مع أنه لا مطعن عليه فإنه يبين من مراجعة الحكم المطعون فيه الطاعن استند في إثبات دعواه إلى إعلام شرعي يثبت وفاة الواقف عن ابنته آمنة خاتون التي آل إليها استحقاق الوقف جميعه ثم وفاة آمنة المذكورة وأيلولة الاستحقاق جميعه إلى ابنتها زبيدة التي توفيت بعد ذلك عن أولادها الخمسة ومنهم الطاعن أحمد رفعت. وقد أنكر المطعون عليه على الطاعن دعواه وقرر أن ما ورد في الإعلام الشرعي لا يطابق الحقيقة وأن الواقف الأمير علي كاشف الصابونجى مات عقيماً فانتقل الاستحقاق في الوقف حسب شرط الواقف إلى زوجته فطومة علي العطار وتوفيت فطومة المذكورة عن ولديها من غير الواقف وهما محمد عبد الهادي الحبيبي وعثمان رمضان اللذين آل إليهما الاستحقاق لكل منهما بحق النصف. وقد عين محمد عبد الهادي ناظراً على الوقف بتاريخ 8 من رجب سنة 1305 هجرية واستمر في النظر إلى أن توفى في 24 من سبتمبر سنة 1945 وآل نصيبه في الاستحقاق إلى كل من ولديه أحمد عبد الرحمن - المطعون عليه - ومحمد عبد الباقي، ثم عين أولهما ناظراً على الوقف بقرار مؤرخ 27 من أبريل سنة 1949 كما توفي عثمان رمضان وآل نصيبه في الوقف إلى ولديه - مصطفى ونفسية - وانتهت المحكمة في حكمها المطعون فيه إلى أن الإعلام الشرعي الذي قدمه الطاعن لا حجية له في الإثبات ولا يدل على صحة ما جاء فيه إذ لم يصدر في خصومة وإنما هو إشهاد أثبته القاضي الشرعي على لسان مقدم الطلب بشهادة شاهدين أحضرهما ولهذا أراد أن يقوي الإثبات بشهادة الشاهدين اللذين سمعتهما المحكمة لإثبات النسب إلا أن شهادتهما لا يعول عليها أيضاً إذ أنهما شهدا عن وقائع مضى عليها حوالي القرن فيه سماعية لم يثبت صدق المصدر الذي نقلت عنه، فضلاً عن دلالة صيغتها على تلفيقها فقد شهدا بتاريخ وفاة الواقف مع أن هذه الوفاة مضى عليها وقت طويل وهما ليسا من أهل الواقف ولا صلة لهما به، ثم فند الحكم بعد ذلك ادعاء الطاعن وراثته فقرر "أنه فضلاً عما تقدم فإن كتاب الوقف وقرارات النظر التالية له لا تشير إلى المستأنف ضده "الطاعن" ولا إلى من يدعي أنه تلقى الاستحقاق عنهم من قريب ولا من بعيد الأمر الذي يدل على أن هذا الادعاء لا أساس له وأن المستندات السابق الإشارة إليها قاطعة في عدم أحقية المستأنف ضده (الطاعن) في دعواه وبذلك انتهى الحكم المطعون فيه إلى إلغاء الحكم الأول ورفض دعوى الطاعن".
وحيث إنه يبين مما تقدم أن الحكم المطعون فيه أقيم فيما أقيم عليه على القطع بأن ما ورد في الإعلام الشرعي من تحقق وراثة الطاعن للواقف لا يطابق الواقع بل هو مدفوع بما أورده الحكم المطعون فيه من أدلة ليست محل نعي الطاعن.
وحيث إن حجية الإعلام الشرعي - بغض النظر عما قرره الحكم المطعون فيه بشأنها - تدفع وفقاً لنص المادة 361 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية بحكم من المحكمة المختصة، وهذا الحكم كما يكون في دعوى أصلية يصح أن يكون في دفع أبدى في الدعوى التي يراد الاحتجاج فيها بالإعلام الشرعي - وهو ما سلكه المطعون عليه أمام محكمة الاستئناف - لما كان ذلك وكانت الهيئة التي فصلت في هذا الدفع مختصة أصلاً بالحكم فيه فإن قضاءها فيه لا يعتبر إهداراً لحجية الإعلام لا تملكه قانوناً المحكمة المطعون في حكمها بل هو قضاء من محكمة مختصة يخالف ما ورد في الإعلام بتحقيق الوفاة والوراثة، وهذا القضاء أجازه المشرع وحدبه من حجية الإعلام بقوله: "ما لم يصدر حكم شرعي على خلاف هذا التحقيق". وذلك إفصاحاً عن مراده من أن حجية الإعلام الشرعي بتحقيق الوفاة والوراثة الذي يصدر بناءً على إجراءات تقوم في جوهرها على تحقيقات إدارية، يصح أن ينقضها بحث تقوم به السلطة القضائية المختصة.
ومن حيث إنه لذلك يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق