جلسة 15 من يونيه سنة 1963
برياسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.
---------------
(124)
القضيتان رقم 1667 لسنة 7 القضائية ورقم 1547 لسنة 8 القضائية
(أ) الأموال الخاصة المملوكة للدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة وكذا أموال الأوقاف الخيرية
- نص المادة 970 من القانون المدني معدلة بالقانون رقم 147 لسنة 1957 والقانون رقم 39 لسنة 1959 في شأن هذه الأموال - الحكمة التشريعية من هذين التعديلين - هي تحقيق غايتين: هما حماية هذه الأموال من تملكها أو كسب حق عيني عليها بالتقادم عن طريق وضع اليد عليها وحمايتها من التعدي عليها بحظره وتخويل إزالته بالطريق الإداري تفادياً لدخول الإدارة مع واضعي اليد أو المغتصبين في دعاوى وإشكالات إذا ما ترك أمر تقرير الإزالة لجهات القضاء.
(ب) مال عام
- ترك الدفن في إحدى الجبانات بقرية ما زهاء 55 عاماً ينهي تخصيصها للمنفعة العامة بالفعل، وفقاً لحكم المادة 88 من القانون المدني - فقدها صفتها كمال عام، حتى ولو لم تنقل منها رفات الموتى، وصيرورتها بعد ذلك مالاً خاصاً مملوكاً للدولة - سريان حكم القانون رقم 39 لسنة 1959 في حالة التعدي عليها، بتخويل الجهة الحكومية صاحبة الشأن إزالة التعدي إدارياً دون الالتجاء إلى القضاء.
(جـ) مال خاص ملوك للدولة
- التعدي عليه - قيام الحكومة بربط الأرض المغتصبة بالإيجار واقتضاء هذا المقابل بالفعل من المتعدي بقسيمة صادرة من مصلحة الأموال المقررة - هو إجراء متبع عادة للمحافظة على حق الحكومة لقاء التعدي على أرضها المغتصبة دون أن ينطوي فيه معنى الإقرار بالتعدي أو تصحيح الوضع القائم على الغصب يجعله عملاً مشروعاً أو إنشاء علاقة تأجير عقدية ممتدة أو مستمرة تحكمها نصوص اتفاق رضائي متبادل لعدم إمكان افتراض هذا الاتفاق افتراضاً من مجرد اقتضاء مقابل الانتفاع بسبب بقاء التعدي إلى أن يزول - أساس ذلك وأثره - أنه لا يسوغ أن تنقلب المحافظة على حق الحكومة في مقابل الانتفاع الحاصل غصباً لملكها سبباً لتبرير الاعتداء على هذا المالك لإسقاط حقها الأصيل في التخلص من هذا الاعتداء بإزالته إدارياً إعمالاً لحكم القانون رقم 39 لسنة 1959.
(د) مال خاص مملوك للدولة
- التعدي عليه في تاريخ سابق على القانون رقم 39 لسنة 1959 - لا يحرم الجهة الإدارية من مزاولة الرخصة التي قررها في إزالته إدارياً ما دام هذا التعدي لم يزايله طابع الغصب، كما أنه واقعة مستمرة ومتجددة تحققت في ظل هذا القانون ذات عناصرها التي كانت قائمة قبل صدورها - سريانه عليها بأثره الحال المباشر.
إجراءات الطعن
في يومي 24 من أغسطس سنة 1961 و20 من أغسطس سنة 1962 أودعت إدارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن كل من السادة وزير الصحة، ووزير الداخلية، ومدير المنطقة الطبية بالدقهلية، ومدير أمن الدقهلية سكرتيرية المحكمة عريضتي طعنين أمام هذه المحكمة قيدا بجدولها تحت رقم 1667 لسنة 7 القضائية ورقم 1547 لسنة 8 القضائية في الحكمين الصادرين من محكمة القضاء الإداري "هيئة منازعات الأفراد والهيئات" بجلستي 27 من يونيه سنة 1961 و3 من يوليه سنة 1962 في الدعوى رقم 537 لسنة 15 القضائية المقامة من: السيد/ السيد محمد أحمد علي ضد كل من: (1) السيد وزير الصحة و(2) السيد وزير الداخلية و(3) السيد مدير المنطقة الطبية بالدقهلية و(4) السيد مدير أمن الدقهلية، القاضي أولهما "بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه" والقاضي ثانيهما "بإلغاء القرار الإداري الصادر من مدير أمن الدقهلية في 17 من أكتوبر سنة 1960 بإزالة مباني منزل المدعي الموضح الحدود والمعالم بعريضة الدعوى وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة" وطلب السادة الطاعنون للأسباب التي استندوا إليها في عريضتي طعنهم، في الطعن الأول "الحكم بقبول الطعن شكلاً، والقضاء بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه - وفي الموضوع بإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا كما تقضي بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض طلب وقف التنفيذ. مع إلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وفي الطعن الثاني "إحالة هذا الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والحكم برفض الدعوى، مع إلزام المطعون ضده بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين". وقد أعلن هذان الطعنان على التوالي إلى المطعون عليه في 2 من سبتمبر سنة 1961 و28 من أغسطس سنة 1962. وعقبت عليهما هيئة مفوضي الدولة بتقريرين بالرأي القانوني مسبباً انتهت في أولهما إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً، وفي الثاني إلى أنها ترى "أولاً ضم الطعن رقم 1667 لسنة 7 القضائية إلى هذا الطعن للحكم فيهما معاً. ثانياً: قبول الطعنين شكلاً ورفضهما موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات". وذلك لما أبدته في تقريرها من أسباب. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعنين أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 6 من إبريل سنة 1963 التي أبلغ بها الطرفان في 12 من مارس سنة 1963. وقد قررت الدائرة إحالة كل من الطعنين إلى المحكمة العليا حيث عين لنظرهما أمام الدائرة الأولى بها جلسة 25 من مايو سنة 1963 التي أبلغ بها الطرفان في 20 من إبريل سنة 1963. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعنين اللذين قررت ضمهما للفصل فيهما معاً بحكم واحد إلى جلسة اليوم. وقد أودع المطعون عليه بعد حجز الطعن للحكم مذكرة بدفاعه صمم فيها على طلب "الحكم برفض الطعن وإلزام الطاعنين بالمصاريف وأتعاب المحاماة". كما قدمت الحكومة حافظة بمستنداتها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 537 لسنة 15 القضائية ضد السادة وزير الصحة ووزير الداخلية ومدير المنطقة الطبية بالدقهلية ومدير أمن الدقهلية أمام محكمة القضاء الإداري "هيئة منازعات الأفراد والهيئات" بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة في 25 من مارس سنة 1961 ذكر فيها أنه منذ نحو خمسة عشر عاماً أقام منزلاً بناحية الصلاحات مركز دكرنس على قطعة أرض فضاء تقع بحوض داير الناحية ومساحة هذا المنزل 350 متراً مربعاً، وهو مكون من ست حجرات ودوار مواشي ومبنى بالطوب الأخضر ومعروش بالخشب والغاب وكامل الأبواب والنوافذ، وحده البحري سكن الصلاحات بفاصل شارع عمومي، والشرقي باقي القطعة، والقبلي باقي القطعة ومقام عليه وحدة علاجية، والغربي سكة زراعية من ميت فارس إلى صدفا وقد ربطت الحكومة الأرض المقام عليها هذا المنزل بطريق الإيجار ابتداء من سنة 1954 وقام المدعي بالفعل بسداد الإيجار المستحق عن السنة المذكورة وما بعدها بإيصالات رسمية. وقد علم أن الحكومة شرعت في اتخاذ إجراءات لهدم منزله هذا بالطريق الإداري وذلك بناء على تبليغات تقدم بها بعض خصومه. وتبين أخيراً أن السيد مدير أمن الدقهلية أصدر قراراً لم ينشر ولم يعلن به بتكليف مأمور مركز دكرنس بالاتحاد مع مفتش صحة بني عبيد ورجال الإدارة بناحية الصلاحات إزالة المنزل إدارياً استناداً إلى القانون رقم 39 لسنة 1959 بحجة أن وضع يد المدعي هو نتيجة تعد على أرض كانت أصلاً جبانة للمسلمين وقد تقدم المدعي إلى الجهات المختصة بتظلمات دون جدوى. مع أن القرار الإداري المذكور قد صدر بالمخالفة للقوانين واللوائح والخطأ في تأويلها وتطبيقها. وجاء مشوباً بإساءة استعمال السلطة، ذلك أن الجهة الإدارية قد استندت في إصداره إلى القانون رقم 39 لسنة 1959، مع أنه يشترط لتطبيق هذا القانون أن يكون وضع اليد على ملك الحكومة مما يشكل تعدياً بينما أن الحكومة قد أقرت حالة وضع يد المدعي عن طريق ربط هذه الأرض عليه بالإيجار واقتضاء الإيجار منه فعلاً هذا إلى أن القانون المذكور لا يطبق بأثر رجعي، بل يقتصر تطبيقه على حالات التعدي التي تقع تالية لصدوره، وقد أقام المدعي منزله من خمس عشرة سنة سابقة، كما ربطت عليه الأرض المقام عليها المنزل بالإيجار اعتباراً من سنة 1954 أي قبل صدور القانون. ولما كان تنفيذ القرار الصادر بإزالة مباني المنزل المذكور معناه هدم المنزل، وهو الأمر الذي يتعذر تدارك نتائجه ما يجوز معه طلب وقف تنفيذ القرار المشار إليه، فإن المدعي يطلب "الحكم: أولاً وبصفه مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر من مدير أمن الدقهلية بإزالة منزل الطالب الموضح الحدود والمعالم بهذه العريضة. ثانياً: بصفة عادية بإلغاء القرار المذكور واعتباره كأن لم يكن مع إلزام المدعى عليهم بالمصاريف وأتعاب المحاماة، وحفظ الحق في طلب التعويض وكافة الحقوق الأخرى".
وقد أودع المدعي مذكرة ضمنها أسانيد دفاعه الوارد بصحيفة دعواه، وأضاف إليه أن حق الإدارة في إزالة التعديات مقيد بأن تقتضي هذه الإزالة اعتبارات المصلحة العامة، وهذا غير محقق في الدعوى الحالية، وأن القول بأن الأرض المقام عليها المنزل كانت أصلاً جبانة للمسلمين مردود بأن هذه الجبانة قد درست آثارها وزالت معالمها وأصبحت أرضاً فضاء موضوع اليد عليها من جانب الأهالي ومشغولة جميعها بالمباني. وقد أقيم حديثاً على الجزء الباقي منها مستشفى وملعب، وقد اقتصرت إجراءات الإزالة على منزل المدعي دون غيره مما يدل على التعسف والعنت مع أنه مستأجر للأرض وليس غاصباً.
وقد ردت الحكومة على هذه الدعوى بمذكرة طلبت فيها "الحكم: أولاً - بإخراج وزارة الداخلية ومديرية أمن الدقهلية من الدعوى بلا مصاريف، إذ أن القرار المختصم صادر من المنطقة الطبية بالدقهلية التابعة لوزارة الصحة ثانياً - برفض طلب وقف التنفيذ. ثالثاً - برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة في جميع الأحوال". وذكرت في دفاعها أن منطقة الدقهلية الطبية تلقت شكايات من أهالي الصالحات مركز دكرنس مؤداها أن المدعي تعدى على جبانة المسلمين غير المستعملة بالناحية. وقد شكلت لجنة لفحص الجبانة موضوع الشكوى ومعاينتها. واتضح من المعاينة وجود تعد من المدعي بأن أقام مسكناً له ولأولاده من الطوب الأخضر من طابق واحد على أرض ثبت بها وجود عظام آدمية مدفون بعضها على عمق متر والبعض الآخر على بعد 50 سنتيمتر من سطح الأرض، كما اتضح وجود وحدة علاج شامل مقامة على أرض الجبانة، وعلى أثر هذا حرر السيد مدير أمن الدقهلية لتنفيذ ما نصت عليه المادة الأولى من القانون رقم 39 لسنة 1959 وإزالة التعدي، إلا أن التنفيذ كان محدداً له يوم 29 من أكتوبر سنة 1960 أرجئ انتظاراً لرأي وزارة الصحة فيما يتبع نحو إزالة الوحدة العلاجية، وقد ورد كتاب الوزارة في 10 من نوفمبر سنة 1960 متضمناً إزالة جميع التعديات الواقعة على أرض هذه الجبانة، مع مخاطبة قسم الأمراض المتوطنة للبحث عن مكان آخر تقام عليه الوحدة المذكورة. والثابت من الأوراق أن المنطقة الطبية بالدقهلية طلبت من أهالي الصالحات بمركز دكرنس نقل رفات موتاهم من الجبانة القديمة إلى الجبانة الجديدة، إلا أنهم امتنعوا عن ذلك حتى يزال المنزل الذي أقامه المدعي بالجبانة الأولى، ومن أجل ذلك قررت المنطقة الطبية صاحبة الشأن في أرض هذه الجبانة إزالة جميع التعديات إدارياً ووافق على ذلك قسم صحة البيئة بوزارة صحة في 10 من نوفمبر سنة 1960 تأسيساً على ما أثبتته المعاينة. وعلى المنشور رقم 10 لسنة 1960 المتضمن التعليمات الخاصة بإنشاء الجبانات وتوسيعها وإلغاء الدفن والتعديات والمدافن الخاصة ونقل الجثث وحرقها، وهو الذي قضى في البند رابعاً منه في خصوص التعديات على الجبانات القديمة غير المستعملة. بأن تتبع في شأنها الإجراءات الواردة بالقانون رقم 39 لسنة 1959. أما ما أثاره المدعي بهذا الصدد فمردود بأن الحكومة تمتلك أرض الجبانة القديمة ملكية عامة، إذ أنها تدخل في عداد الأموال العامة للدولة المخصصة أصلاً لدفن الموتى، والأموال العامة لا يمكن تملكها بوضع اليد المدة الطويلة مهما استطالت هذه المدة، والجبانة المذكورة لا تزال محتفظة بطابعها القديم إذ تحوى رفات الموتى السابقين، ومن ثم فإن الاعتداء عليها بإقامة مبان أو خلافة، إنما هو اعتداء على ملك عام يخول الإدارة العمل على إزالته بالطريق الإداري. إذ أن هذا التعدي لا يكسب المعتدي حق استقرار أو تملك. وعلى فرض أن صفة الملك العام قد زالت عن أرض هذه الجبانة بسبب وقف الدفن فيها، فإن وصفها بالملك الخاص لا يمنع جهة الإدارة من استعمال حقها وفقاً للمصلحة العامة في إزالة التعدي إعمالاً لأحكام القانون رقم 39 لسنة 1959 ولا يجدي المدعي كونه قد أقام منزله منذ حوالي خمسة عشر عاماً سابقة على رفع الدعوى وأن الحكومة بصفتها مالكة لهذه الأرض قد ربطت عليه الإيجار ابتداء من سنة 1954، ذلك أنه يؤخذ من صحيفة دعواه أنه يقر بأن التعدي وقع ابتداء من سنة 1956 ولما كان القانون آنف الذكر قد صدر في 2 من فبراير سنة 1959، فإن وضع يده لا يكون قد استمر خمس عشرة سنة، ومن ثم تسري عليه أحكام هذا القانون ويصح إزالة التعدي إدارياً وفقاً لهذه الأحكام. على أن القسيمة المقدمة منه للتدليل على سداد الإيجار المستحق على الأرض المقام عليها المنزل موضوع النزاع لا تدل على شيء من ذلك إذ أنها إيصال من مصلحة الأموال المقررة عن إيجار أطيان من المنافع من سنة 1954 إلى سنة 1955 بينما يزعم أن وضع يده يرجع إلى سنة 1946 مما ينفي الصلة بين هذه القسيمة وأرض النزاع التي هي أرض مبان وليست أرضاً زراعية، ومتى كان الأمر كذلك فإن تعديه بالبناء على أرض الحكومة هو عمل مستمر متجدد يخول الجهة الإدارية صاحبة الشأن الحق في إزالة هذه التعدي إدارياً. وليس في هذا شبهة رجوع القانون إلى الماضي لأن الإزالة منصبة على تعد مستمر، ولأن المدعي لم تكتمل مدة وضع يده على فرض أن اكتمالها يكسبه حقاً ما. أما ما يدعيه من أن الإزالة قد اقتصرت إجراءاتها على منزله دون غيره من المباني والمنشآت فغير صحيح، إذ أن وزارة الصحة قد قررت إزالة وحدة العلاج الشامل المقامة على أرض الجبانة وطلبت من قسم الأمراض المتوطنة البحث عن مكان آخر تقام عليه هذه الوحدة. ومن ثم فإن الدعوى تكون قائمة على غير أساس من القانون ويتعين رفضها. وبالتالي يكون طلب وقف التنفيذ مفتقراً إلى موجباته القانونية حقيقاً بالرفض كذلك بعد أن ثبتت مشروعية القرار المطعون فيه وعدم جدية المطاعن الموجهة إليه. على أن حق المدعي عن الأضرار الناتجة عن إزالة المباني التي أقامها بأرض الجبانة مكفولة قبل جهة الإدارة بالتعويض عن هذه الأضرار إن كان هناك وجه لذلك.
وقد عقب المدعي على دفاع الحكومة بمذكرة أوضح فيها أن طلب إخراج وزارة الداخلية ومديرية أمن الدقهلية من الدعوى يتعارض مع ما سبق أن قررته الحكومة في دفاعها في الدعوى المستعجلة الذي قضى فيها بعدم الاختصاص حيث قدمت فيها صورة قرار الإزالة الصادر من مدير أمن الدقهلية، بينما هي لم تقدم في الدعوى الحالية القرار الصادر من المنطقة الطبية بالدقهلية وإذا صح أن القرار صدر من هذه المنطقة فهي على أية حال ممثلة في الدعوى الموجهة إلى هذا القرار وأضاف أنه بالرجوع إلى المعاينة التي أجرتها اللجنة يبين أنه لم توجد في الجزء من الأرض المقام عليه منزله أية عظام آدمية مدفونة حيث لم تجر أبحاث أو عمليات جس تحت مباني المنزل مما يدل على أن هذه العمليات أجريت في مواضع أخرى وينفي القول بأن المباني أقيمت على أرض كانت جبانة للمسلمين وأن ما ذكرته الحكومة من أنه لم يكتسب ملكية الأرض المقام عليه منزله بالتقادم للأسباب التي أبدتها إنما هو تزيد يجاوز نطاق الدعوى لأنه لا يدعي تملك هذه الأرض بالتقادم المكسب، وإنما يؤسس دعواه على أن وضع يده عليها لا يعتبر تعدياً، لأن الحكومة قد أقرت وضع يده هذا حينما ربطت عليه الأرض بطريق الإيجار وحصلت منه هذا الإيجار فعلاً. وهذا الإيجار ينشئ علاقة تعاقدية لا تعتبر من أحوال التعدي التي أجاز القانون فيها للجهة صاحبة الشأن حق إزالته إدارياً. إذ تظل هذه العلاقة الإيجارية قائمة منتجة لآثارها القانونية ويكون إنهاؤها بالطريق الذي رسمه القانون ولا جدوى من تشكيك الحكومة في انطباق العلاقة الإيجارية المذكورة على الأرض المقام عليها المنزل موضوع النزاع، إذ يدل ظاهر القسيمة المقدمة منه والخاصة بتحصيل الإيجار على انطباقها على هذه الأرض التي لا يضع يده بطريق الإيجار على سواها من أراضي المنافع. أما القول بأن طلب وقف التنفيذ في غير محله لأن حقه في الرجوع بالتعويض على جهة الإدارة مكفول فمردود بأن هدم المنزل وإزالة معالمه ستترتب عليه حالة مادية يتعذر تلافيها وإعادة الحالة إلى ما كانت عليه إذ قضى لصالحه في الطلب الموضوعي الذي سيصبح في هذه الحالة عديم الجدوى إذا ما نفذ القرار المطعون فيه قبل الفصل في الدعوى، بينما إرجاء التنفيذ إلى حين الفصل في الطلب الموضوعي لا يترتب عليه أي ضرر يلحق بالمصلحة العامة.
وبجلسة 27 من يونيه سنة 1961 قضت محكمة القضاء الإداري في الطلب المستعجل "بوقف تنفيذ القرار المطعون" واستندت في ذلك إلى أنه قد استبان لها من الأوراق أن الأرض المقام عليها منزل المدعي موضوع القرار المطلوب وقف تنفيذه من ضمن أرض جبانة قديمة أوقف الدفن فيها من حوالي خمسين عاماً، وبهذا تكون قد فقدت صفة النفع العام وأصبحت من أموال الدولة الخاصة وقد وضع المدعي يده على هذا الجزء من الأرض، وأقام عليه منزله منذ حوالي خمسة عشر عاماً، وربط عليه إيجار منذ سنة 1954 استمر يدفعه منذ ربطه. أما مجال القانون رقم 39 لسنة 1959 فهو أن يكون هناك اغتصاب وتعد ومنازعة في ملك الحكومة بغير حق، الأمر المنتفي في واقعة هذه الدعوى، وبذا يكون القرار المطعون فيه قائماً على غير سبب ومستنداً إلى واقعة غير صحيحة مما يجعله مخالفاً للقانون، ويجعل طلب وقف تنفيذه مرتكزاً بحسب الظاهر من الأوراق على أسباب جدية تبرر إجابته نظراً لما يترتب على التنفيذ من نتائج يتعذر تداركها فيما لو هدم المنزل محل النزاع.
وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة في 19 من أكتوبر سنة 1961 تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه لما أبدته به من أسباب إلى أنها ترى "الحكم بإلغاء القرار الصادر بإزالة منزل المدعي المقام على أرض الجبانة غير المستعملة بناحية الصلاحات مركز دكرنس بحوض داير الناحية رقم 14 بالقطعة رقم 21".
وبجلسة 3 من يوليه سنة 1962 قضت محكمة القضاء الإداري في الموضوع "بإلغاء القرار الإداري الصادر من مدير أمن الدقهلية في 17 من أكتوبر سنة 1960 بإزالة مباني منزل المدعي الموضح الحدود والمعالم بعريضة الدعوى، وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضائها على أن مجال تطبيق حكم القانون رقم 39 لسنة 1959 هو أن يكون ثمة تعد من جانب الأفراد على مال من أموال الدولة الخاصة واغتصاب منهم لهذا المال أما إذا تم وضع اليد على مثل هذا المال بعد الحصول على موافقة جهة الإدارة، أو إذا أقرت، جهة الإدارة وضع اليد بعد تمامه، فإن هذا الإقرار بالأمر الواقع من جانب الإدارة يضفي على مركز واضع اليد المشروعية ويخرج وضع اليد في هذه الحالة من نطاق التعدي والغضب الذي يجيز القانون آنف الذكر إزالته إدارياً، حيث يدخل في مجال العلاقة العقدية التي نظم القانون كيفية إنهائها. والثابت من الأوراق أن الأرض المقام عليها منزل المدعي الصادر بشأنه قرار الإزالة المطعون فيه من ضمن أرض جبانة قديمة أوقف الدفن فيها منذ حوالي خمسين سنة، وبهذه المثابة تكون قد فقدت صفة النفع العام وأصبحت من أموال الدولة الخاصة. وإذا كان المدعي قد أقام المنزل المذكور دون موافقة جهة الإدارة في بادئ الأمر، إلا أنها قامت بعد ذلك بربط الأرض المقام عليها هذا المنزل بالإيجار منذ سنة 1954 واقتضت منه هذا الإيجار وقدره 920 مليماً عن مدتي 1954 و1955 في 27 من نوفمبر سنة 1955، ويؤيد هذه العلاقة العقدية الشهادة الإدارية المقدمة منه والموقعة من بعض رجال الإدارة وأعضاء الاتحاد القومي وأهالي البلدة. وعلى هذا فإن واقعة التعدي أو الغضب أو المنازعة في ملك الحكومة تصبح منتفية تماماً، وبالتالي يخرج الأمر عن نطاق القانون رقم 39 لسنة 1959. ولا يجدي قول الحكومة بأن المدعي لم تكتمل مدة وضع يده على الأرض، لأنه لا يستند في دعواه إلى وضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية، وإنما حقيقة الأمر أن يده على الأرض الحكومية محل المنازعة ما زالت قائمة بصفة عارضة ومؤقتة إذ وافقت جهة الإدارة على العلاقة العقدية الإيجارية التي تظل قائمة ومنتجة لآثارها القانونية ولا يكون إنهاؤها إلا بالطريق الذي رسمه القانون. ومن ثم يكون قرار الإزالة المطعون فيه غير قائم على سبب صحيح يبرره، وبالتالي يكون مخالفاً للقانون ومتعيناً الحكم بإلغائه مع إلزام الحكومة بالمصروفات.
وبعريضتين مودعتين سكرتيرية المحكمة الإدارية العليا في 24 من أغسطس سنة 1961 و20 من أغسطس سنة 1962 طعنت الحكومة في حكمي محكمة القضاء الإداري الصادر أولهما بجلسة 27 من يونيه سنة 1961 في طلب وقف التنفيذ، وثانيهما بجلسة 3 من يوليه سنة 1962 في الموضوع. وطلبت في طعنها الأول "الحكم بقبول الطعن شكلاً، والقضاء بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا كي تقضي بإلغاء الحكم المطعون ورفض طلب وقف التنفيذ، مع إلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وفي طعنها الثاني "إحالة هذا الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والحكم برفض الدعوى، مع إلزام المطعون ضده بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين". وأسست طعنيها على ذات الأسباب التي أقامت عليها دفاعهما أمام محكمة القضاء الإداري وأضافت إليها أن الحكمين المطعون فيهما قد بنيا على مخالفة القانون والخطأ في تأويله وتطبيقه ذلك أن الحكومة تملك أرض الجبانة القديمة التي أقيم فيها البناء ملكية عامة إذ أنها تدخل في عداد الأموال العامة للدولة المخصصة أصلاً لدفن الموتى، ولم ينكر المدعي على الحكومة هذه الملكية ولم يتمسك بملكيته لأرض النزاع بالتقادم، بل يقيم دعواه على أن الحكومة قد أقرت وضع يده على هذه الأرض بالحصول على إيجارها منه. وما دام الأمر كذلك فإن أي اعتداء يقع عليها أو على جزء منها بأية صورة من الصور يجيز لجهة الإدارة أن تعمل على إزالته بالطريق الإداري، إذ أن التعدي لا يكسب المعتدي حق استقرار أو تملك، وهو فعل مستمر متجدد. وما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن الجبانة قد فقدت صفة النفع العام لوقف الدفن فيها منذ خمسين سنة وأصبحت من أموال الدولة الخاصة وقد وضع المدعي يده على جزء منها وبني عليه منذ خمسة عشر عاماً وربط عليه الجزء بالإيجار منذ سنة 1954، مردود أن وضع يد المذكور إنما بدأ بإقراره في صحيفة دعواه منذ سنة 1946، ولو سلم بقوله في هذا الشأن فإنه لا يكون قد اكتسب ملكية الأرض موضوع النزاع لأن وضع يده لم يستمر المدة الطويلة قبل صدور القانون رقم 147 لسنة 1957 الذي حرم تملك أموال الدولة الخاصة بالتقادم، فضلاً عن أنه منذ سنة 1954 قد تغيرت صفة وضع يده على الأرض من وضع يد بنية التملك إلى وضع يد بنية الاستئجار، وهذا الوضع الأخير لا يكسبه حقاً في التملك مهما طالت مدته، وحصول الحكومة على مقابل انتفاع عن هذه الأرض لا يمكن أن يعد إقراراً من جانبها للاعتداء الذي وقع، إذ لم يبرم أي عقد إيجار بين الحكومة والمدعي، وكل ما هنالك أن هذا الأخير قدم قسائم تفيد سداده مقابل منفعة عن أرض بالناحية. وحتى لو كانت هذه الأرض هي أرض النزاع فإن ذلك لا يسبغ عليها صفة الإقرار لوضعها الراهن وهو التعدي الحاصل عليها، ولا ينفي عن فعل المدعي صفة الغصب. ومتى كان الأمر كذلك فإن من حق الجهة الإدارية صاحبة الشأن وفقاً لأحكام القانون رقم 39 لسنة 1959 حق إزالة هذا التعدي إدارياً دون أن يكون في ذلك شبهة رجوع القانون إلى الماضي لأن الإزالة إنما تنصب على تعد مستمر متجدد ولأن المدعي لم تكتمل مدة وضع يده على فرض أن اكتمالها يكسبه حقاً ما. وثمة فرق بين أن تربط الحكومة الإيجار نتيجة لعلاقة يحكمها عقد الإيجار، أو أن تقتضي مقابل انتفاع عن أملاكها المغتصبة كتعويض لها عما فاتها من ربح بسبب بقاء التعدي حتى يزول، فهذا الأمر لا تحكمه قواعد عقد الإيجار ولا يعطي أي حق للمغتصب يمكن أن يقال معه أن الحكومة قد أقرت غصبه. ومجرد امتناع الحكومة عن تحرير عقد إيجار مع المدعي هو أكبر دليل على أنه لا تقر واقعة الغصب. وإذا فرض أن ثمة علاقة انتفاع بين الحكومة والمدعي فإن ذلك لا يخول هذا الأخير تبديل تلك العلاقة بما يعتبر غصباً. ومن ثم فإن القرار المطعون فيه يكون قد صدر سليماً مطابقاً للقانون وإذ ذهب الحكمان المطعون فيهما خلاف هذا المذهب فإنهما يكونان قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه.
وقد عقبت هيئة مفوضي الدولة على هذين الطعنين بتقريرين بالرأي القانوني مسبباً انتهت في أولهما إلى أنها ترى "الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً". وفي الثاني إلى أنها ترى: "أولاً: ضم الطعن رقم 1667 لسنة 7 القضائية إلى هذا الطعن للحكم فيهما معاً. ثانياً: قبول الطعنين شكلاً ورفضهما موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات". وأسست رأيها على أن مجال تطبيق حكم القانون رقم 39 لسنة 1959 أن يكون هناك تعد من جانب الأفراد على مال من أموال الدولة الخاصة. واغتصاب منهم لهذا المال. أما إذا تم وضع اليد على مثل هذا المال بعد الحصول على موافقة جهة الإدارة، أو إذا أقرت هذه الأخيرة وضع اليد بعد تمامه، فإن هذا الإقرار بالأمر الواقع من جانبها يضفي على مركز واضع اليد صفة المشروعية ويخرج وضع اليد في هذه الحالة من نطاق التعدي والغصب الذي تجوز إزالته إدارياً إلى مجال العلاقة العقدية التي ينظم القانون كيفية إنهائها. والثابت من الأوراق أن الأرض المقام عليها منزل المدعي الصادر بشأنه قرار الإزالة المطعون فيه هي من ضمن أرض جبانة قديمة أوقف الدفن بها منذ حوالي خمسين سنة. وبذلك تكون قد فقدت صفة المال العام وأصبحت من أملاك الدولة. وإذا كان المدعي قد أقام منزله دون موافقة الإدارة في بادئ الأمر، إلا أن الإدارة قامت بعد ذلك بربط الأرض المقام عليها هذا المنزل بالإيجار منذ سنة 1954 وتحصيل مقابل الانتفاع منه، وقد قدم المذكور شهادة إدارية تؤيد هذه العلاقة العقدية، ومن ثم فإن واقعة التعدي أو الغصب أو المنازعة في ملك الحكومة تصبح منتفية تماماً، وبذلك يخرج الأمر عن نطاق القانون رقم 39 لسنة 1959، ولا عبرة بالقول بأن المدعي لم تكتمل مدة وضع يده على الأرض ذلك أنه لا يستند في دعواه إلى وضع اليد المدة الطويلة المكسب للملكية وإنما إلى العلاقة العقدية الإيجارية التي تظل قائمة ومنتجة لآثارها القانونية ولا يمكن إنهاؤها إلا بالطريق الذي رسمه القانون. وعلى هذا فإن الحكمين المطعون فيهما يكونان سليمين" ويكون الطعنان المرفوعان عنهما في غير محلهما متعيناً رفضهما.
ومن حيث إنه يبين أنه من الأوراق أنه وردت إلى منطقة الدقهلية الطبية وإلى وزارة الداخلية شكاوى من أهالي ناحية الصلاحات مركز دكرنس محافظة الدقهلية تتضمن تضررهم من أن المدعي قد تعدى وولده على أرض جبانة المسلمين غير المستعملة بناحية الصلاحات الواقعة بحوض داير الناحية رقم 14 بالقطعة رقم 21 وذلك ببناء منزل له ولأولاده بالطوب الأخضر من طابق واحد وعلى أثر ذلك شكلت لجنة من المختصين قامت بمعاينة الجبانة موضوع الشكوى وفحصها، فاتضح لها من جس الأرض وجود عظام آدمية مدفونة بها على عمق يتراوح بين متر ونصف متر من سطح الأرض، وأن أرض الجبانة تعلو عن مستوى سطح الطريق الزراعي المجاور لها بارتفاع 20 سنتيمتراً تقريباً، مما يدل على أن رفات الموتى لم تنقل منها منذ إبطال الدفن فيها حتى الآن، كما ثبت من المعاينة وجود وحدة علاج شامل مقامة على أرض هذه الجبانة. وقد طلب إلى الأهالي نقل رفات موتاهم إلى الجبانة المستعملة بالناحية فرفضوا بسبب وجود تعد على أرض الجبانة القديمة وعدم إمكان نقل الرفات منها إلا بعد إزالة هذا التعدي. كما طلب إلى المدعي رفع التعدي الحاصل منه فامتنع، وإزاء هذا صدر قرار بإزالة التعدي استناداً إلى القانون رقم 39 لسنة 1959 وإلى المنشورين رقم 1 لسنة 1959 ورقم 10 لسنة 1960 الصادرين من قسم صحة البيئة بالإدارة العامة للصحة الوقائية بوزارة الصحة العمومية. وعين يوم لتنفيذ الإزالة إدارياً إلا أن هذا التنفيذ أرجئ بسبب ما تبين من وجود وحدة علاج شامل مقامة على أرض الجبانة، وذلك إلى أن يرد رأي وزارة الصحة فيما يتبع نحو إزالة هذه الوحدة وقد انتهت الوزارة إلى وجوب إزالة جميع التعديات الواقعة على أرض الجبانة المذكورة مع مخاطبة قسم الأمراض المتوطنة للبحث عن مكان آخر تقام عليه هذه الوحدة. وعلى هذا صدر قرار من السيد مدير المنطقة الطبية بالدقهلية بتنفيذ أمر الوزارة بإزالة كل تعد واقع على سطح الجبانة، وعين يوم لتنفيذ الإزالة بالطريق الإداري. إلا أن التنفيذ أرجئ بسبب عرض النزاع على القضاء. وذلك لحين البت في هذا النزاع.
ومن حيث إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 39 لسنة 1959 بتعديل المادة 970 من القانون المدني المعدلة بالقانون رقم 147 لسنة 1957 نص في الفقرة الثانية من مادته الأولى على أنه "ولا يجوز تملك الأموال الخاصة المملوكة للدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة، وكذلك أموال الأوقاف الخيرية أو كسب أي حق عيني عليها بالتقادم، كما لا يجوز التعدي عليها. وفي حالة حصول التعدي يكون للجهة صاحبة الشأن حق إزالته إدارياً بحسب ما تقتضيه المصلحة العامة". وقد قصد بهذا التعديل التشريعي حماية ملكية الأموال الخاصة المملوكة للحكومة أو للأشخاص الاعتبارية العامة وكذا أموال الأوقاف الخيرية حماية مزدوجة من كل من التقادم المكسب للغير ومن التعدي بحيث تصبح، ومن جهته في مأمن من تملكها أو كسب أي حق عيني عليها بالتقادم عن طريق وضع اليد عليها. ومن جهة أخرى بمنجاة من التعدي عليها الذي أن وقع أمكن رده بالطريق الإداري. وذلك أسوة بالحماية التي شرعتها الفقرة 2 من المادة 87 من القانون المدني بالنسبة إلى الأموال العامة التي للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة إذ نصت على عدم جواز تملكها بالتقادم المكسب، وقد أفصحت المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 39 لسنة 1959 عن حكمة التعديل الذي تضمنه هذا القانون والقانون رقم 147 لسنة 1957 الذي سبقه، إذ جاء بها أن التعديل الذي صدر به هذا القانون الأخير قد ثبت في حالات كثيرة أنه "لم يمنع من التعدي على أراضي الحكومة والإدعاء بملكيتها عن طريق وضع اليد". وأن النيابة العامة كثيراً ما تصدر قرارات بمنع التعرض لواضعي اليد، وتدخل الحكومة نتيجة لذلك في دعاوى وإشكالات لا حصر لها، علاوة على شل يدها عن استغلال الأرض وتنفيذ مشروعاتها وتعرض حقوقها للضياع. ونظراً لأن الغرض من صدور هذا التعديل هو حماية ملكية أرض الحكومة من ادعاءات الملكية. وبالتالي حمايتها من التعديات. وأن النص المعدل بشكله الحالي لا يحقق بصفة قاطعة منع التعديات، إذ أنه يترك التقرير بإزالتها للمحاكم مما ينتفي معه الغرض العام الذي يهدف إليه المشروع. فقد رأت الوزارة (وزارة الزراعة)، استكمالاً للفائدة من هذا التعديل أن تجرى تعديلاً جديداً في نص المادة 970 سالفة الذكر (من القانون المدني) يقضي بحظر التعدي على أراضي الحكومة وتخويل الجهات الحكومية المختصة حق إزالة التعديات بالطريق الإداري".
ومن حيث إنه يؤخذ مما تقدم أن التعديل الأخير للمادة 970 من القانون المدني بالقانون رقم 39 لسنة 1959، بعد سبق تعديلها بالقانون رقم 147 لسنة 1957، إنما يقوم على حكمة تستهدف تحقيق غايتين هما: (1) حماية الأموال الخاصة المملوكة للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة. وكذا أموال الأوقاف الخيرية. من تملكها أو كسب حق عيني عليها بالتقادم عن طريق وضع اليد عليها. وهذه هي الحماية التي قررها القانون رقم 147 لسنة 1957. (2) حماية هذه الأموال من التعدي عليها بحظر هذا التعدي وتخويل الجهات الحكومية المختصة حق دفع هذا التعدي بإزالته بالطريق الإداري تفادياً لدخولها مع واضعي اليد أو المغتصبين في دعاوى وإشكالات إذا ما ترك أمر تقرير الإزالة لجهات القضاء. وهذه هي الحماية التي أضافها القانون رقم 39 لسنة 1959.
ومن حيث إن خشية إدعاء الملكية بالتقادم التي اقتضت من المشرع الحماية الأولى والتي تركز فيها دفاع الحكومة بقولها أن وضع يد المدعي على أرض النزاع، بفرض زوال صفة الملك العام عنها لم يستمر المدة الطويلة التي تكسبه ملكية هذه الأرض قبل صدور القانون رقم 147 لسنة 1957 الذي حرم تملك أموال الدولة الخاصة بالتقادم، فضلاً عن أنه منذ سنة 1954 قد تغيرت صفة وضع يده على الأرض المذكورة من وضع يده بنية التملك إلى وضع يده بنية الإيجار، الأمر الذي لا يكسبه حقاً في الملك منهما طالت مدته، هذه الخشية منتفية بما هو ثابت في صحيفة الدعوى وفي مذكرات المدعي نفسه من أنه "قام بسداد الإيجار الذي ربطته الحكومة على الأرض موضوع النزاع المملوكة لها والمقام عليها منزله بالتقادم المكسب"، وإنما يؤسس دعواه على أن وضع يده على هذه الأرض لا يعتبر تعدياً. كما أنها مرتفعة كذلك بإنذار المذكور في شكواه المؤرخة 27 من أكتوبر سنة 1960 المقدمة منه إلى السيد مدير عام المنطقة الطبية بالدقهلية التي أبدى فيها أنه مستعد لدفع ثمن قطعة الأرض الخاصة بمنزله. ومن ثم فلا حاجة بالنسبة إلى أرض النزاع للحماية التي كفلها المشرع للأموال الخاصة المملوكة للدولة بالنص على عدم جواز تملكها أو كسب أي حق عيني عليها بالتقادم، ما دام المدعي لم يكسب ملكية هذه الأرض بالفعل بالتقادم قبل صدور القانون رقم 147 لسنة 1957 ولم يدع شيئاً من ذلك بل أقر صراحة بعكسه.
ومن حيث إن الأمر ينحصر في بحث ما إذا كان ثمة تعد ابتداء أو استمراراً من جانب المدعي على أرض مملوكة للدولة يقع تحت طائلة القانون رقم 39 لسنة 1959 بأثره المباشر ويسوغ إعمال الحكم الذي استحدثه هذا القانون في شأن حماية هذه الأرض من التعدي عليها بحظر مثل هذا التعدي وتخويل الجهة صاحبة الشأن حق إزالته إدارياً بحسب ما تقتضيه المصلحة العامة، أم أن هذا التعدي الحاصل ابتداء قد أقرته الإدارة بعد وقوعه فانقلب بذلك إلى وضع مشروع زالت عنه صفة الغصب وتحول إلى علاقة عقدية مما نظم القانون كيفية إنهائها.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الأرض المقام عليها منزل المدعي الصادر في شأنه قرار الإزالة المطعون فيه تقع ضمن أرض جبانة قديمة للمسلمين غير مستعملة بناحية الصلاحات مركز دكرنس بالدقهلية أوقف فيها الدفن منذ زهاء خمس وخمسين سنة وإن لم تنقل منها رفات الموتى. وبهذه المثابة فإنها تكون قد فقدت صفتها كمال عام بانتهاء تخصيصها للمنفعة العامة بالفعل وفقاً لحكم المادة 88 من القانون المدني. ومن ثم فإنه تسري فيما يتعلق بالتعدي عليها الحماية التي أضفاها القانون رقم 39 لسنة 1959 على الأموال الخاصة المملوكة للدولة، وتتبع في شأن هذا التعدي الوسيلة التي شرعها هذا القانون لتحقيق تلك الحماية بتخويل الجهة الحكومية صاحبة الشأن حق إزالته إدارياً دون التجاء إلى القضاء.
ومن حيث إن المدعي لم يقدم أي سند يدل على أنه عندما أقام منزله في بادئ الأمر على أرض الجبانة المملوكة للحكومة كان ذلك بناء على اتفاق مشروع مع هذه الأخيرة وفقاً للأوضاع القانونية الصحيحة أو بموافقتها ورضاها، بل أنه لم يدع شيئاً من هذا، مقراً بذلك أن استيلاءه على تلك الأرض إنما بدا تعدياً وغصباً. وكل ذريعته أن هذا التعدي قد استحال فيما بعد إلى وضع قانوني أساسه اتفاق تعاقدي بمقولة أن الحكومة قد أقرت وضع يده عن طريق ربط الأرض المعتدى عليها بالإيجار منذ سنة 1954 واقتضاء هذا الإيجار منه بالفعل، الأمر الذي ينشئ بينه وبين الحكومة علاقة عقدية إيجارية من مقتضاها اعتبار وضع يده غير قائم على الاعتداء واستمرار إنتاج هذه العلاقة لآثارها القانونية بحيث لا تنتهي إلا بالطريق الذي رسمه القانون، وأن القانون رقم 39 لسنة 1959 لا يطبق على حالته بأثر رجعي بل يقتصر تطبيقه على حالات التعدي التي تقع تالية لصدوره وسنده في ذلك القسيمة رقم 843747 مجموعة رقم 18 الصادرة من مصلحة الأموال المقررة في 27 من نوفمبر سنة 1955 بسداد مبلغ 920 مليماً لحساب إيجار أطيان المنافع عام 1954، 1955 بناحية الصلاحات مركز دكرنس بالدقهلية، وكذا شهادات بعض رجال الإدارة وأعضاء الإتحاد القومي والأهالي التي قدمها بحافظة مستنداته. ويؤخذ من القسيمة الفريدة آنفة الذكر الصادرة له من مصلحة الأموال المقررة، أن هذه القسيمة - وإن صدق أنها تنصب على أرض النزاع لا على أرض أخرى زراعية بذات الناحية - إنما قصد بها حصر اعتدائه وقطع التقادم الذي كان يمكن أن يكسبه ملكية الأرض المعتدى عليها في سنتي 1954 و1955 وقت أن كانت الخشية من هذه النتيجة قائمة قبل صدور القانون رقم 147 لسنة 1957 الذي منع كسب الملكية في هذه الحالة بالتقادم. وهذا إجراء متبع عادة للمحافظة على حق الحكومة لقاء التعدي على أرضها المغتصبة دون أن ينطوي فيه معني الإقرار بالتعدي أو تصحيح الوضع القائم على الغصب بجعله مشروعاً أو إنشاء علاقة تأجير عقدية ممتدة أو مستمرة تحكمها نصوص اتفاق رضائي متبادل لعدم وجود مثل هذا الاتفاق الذي لا يمكن أن يفترض افتراضاً من مجرد اقتضاء مقابل الانتفاع بسبب بقاء التعدي إلى أن يزول. وغنى عن البيان أن الإجراء المذكور إنما يستهدف غرضاً مستقلاً عن فكرة التأجير وبعيداً عنها إذ لا يتجه فيه القصد إلى إيجاد رابطة تعاقدية مع المعتدي على أرض الحكومة تسيغ له الاستمرار في شغلها بمبانيه أو إلى توطيد اعتدائه عليها، بل الغرض منه هو المحافظة على حق الحكومة من الناحية المالية بالنسبة إلى ما مضى من اعتداء تحقق بالفعل واستوجب أداء المقابل، لا التعامل على أساس استمرار هذا الاعتداء مستقبلاً. وهذا المفهوم يدور في مجال غير المجال الذي يمكن أن يدور فيه الارتباط العقدي ولا يسوغ أن تنقلب المحافظة على حق الحكومة في مقابل الانتفاع الحاصل غصباً لملكها سبباً لتقرير الاعتداء على هذا الملك أو لإسقاط حقها الأصيل في التخلص من هذا الاعتداء بإزالته بالطريقة التي ينص عليها القانون رقم 39 لسنة 1959 إعمالاً لهذا القانون بأثره الفوري لا الرجعي كما يزعم المدعي - إذ أن التعدي الحاصل منه على أرض الحكومة بوصف كونه لم يزايله طابع الغصب حسبما سلف بيانه - هو واقعة مستمرة ومتجددة تحققت في ظل القانون المشار إليه ذات عناصرها التي كانت قائمة قبل صدوره وبهذا التكييف يدركها أثره الحال المباشر ويجرى عليها حكمه، وهو يخول الجهة الإدارية صاحبة الشأن حق إزالة التعدي إدارياً بحسب ما تقتضيه المصلحة العامة وقد بينت الجهة المذكورة وجه هذه المصلحة ونزلت على مقتضياتها فيما يتعلق بجميع التعديات الواقعة على أرض الجبانة على حد سواء بما فيها وحدة العلاج الصحية المقامة على هذه الأرض ولا حجة في الشهادات الإدارية المقدمة من المدعي والتي مرجعها إلى الربط التأجيري المراد انتزاعه من قسيمة مصلحة الأموال المقررة على وجه سائغ سبق تنفيذه. ومن ثم فإن القرار المطعون فيه يكون صحيحاً مطابقاً للقانون، ولا يكون المدعي على حق في دعواه لقيامها على غير أساس سليم من الواقع أو القانون. وإذ ذهب الحكمان المطعون فيهما الصادران من محكمة القضاء الإداري، غير هذا المذهب فأجابا المدعي إلى طلباته في كل من وقف التنفيذ ومن الموضوع، فإنهما يكونان قد جانبا الصواب ويتعين والحالة هذه القضاء بإلغائهما وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعها بإلغاء الحكمين المطعون فيهما وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق